الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. من تحريم غير الاخوة والام من سائر المحرمات الرضاعية.

لا يقال : لا تخصص الآية الا بالمجمع عليه ، وهو ليس هاهنا الا حرمة أقرباء الفحل والمرضعة على المرتضع ونسله ، وذلك لنا لا علينا.

لانا نقول : بعد تسليم انحصار التخصيص بالمجمع عليه أن المجمع عليه هاهنا هو الخبر المذكور ، ولا يخفى أن مضمونه عام شامل لما نحن فيه ، ولم يتحقق اجماع على تخصيصه بما ذكرتم ، فالاستدلال بالايات حينئذ مصادرة ، كما هو ظاهر على المتأمل.

أقول : وفيه نظر ظاهر لا يخفى ، لان هذا الخبر وان كان مجمعاً عليه الا أنه لم يتحقق اجماع على عموم مضمونه وشموله لما هو فيه من ايجاب التحريم الكلي بحيث يترتب على علاقة الرضاعة كل تحريم يترتب على علاقة القرابة من غير فرق ، كما هو المذكور في رسالته ، بل لم يقل بعموم مضمونه الكذائي أحد غيره كما نبهناك عليه ، فكيف يكون عمومه هذا مخصصاً لعموم الآية ، وانما يكون كذلك أن لو كان عمومه مجمعاً عليه ، لانه سلم انحصار التخصص به.

ومع قطع النظر عن ذلك والبناء على القول بجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد نقول : لا دلالة لهذا الخبر على ما ادعاه بوجه كما مر غير مرة. وعلى تقدير دلالته عليه ليس بمثابة يعارض ما نقلناه من الخبر الموثق ويخص عموم القرآن به ، اذ لا بد لتخصيص القرآن بالخبر من كون الخبر نصاً في الدلالة على ما يخرج القرآن به عن ظاهره.

وبالجملة ينبغي في تخصيص قطعي المتن بظني المتن من كون دلالة المخصص الظني قطعية لتجبر به قطعية العام ، فلا بد وأن يكون دلالة الخاص على الفرد المخرج المخصص عن العام القطعي أقوى وأتم من دلالة العام ، وهو ظاهر

٢٠١

ومبين في الاصول ، فلا تغفل عن هذه اللطيفة ، كذا أفاد وأجاد مولانا الفاضل الاردبيلي في آيات أحكامه.

أقول : ولا يخفى على أحد أن هذا الخبر ليس بنص في الدلالة على ما يخرج به القرآن عن ظاهره ، بل لا دلالة له عليه أصلا ، فضلا عن كونها قطعية أو أقوى وأتم من دلالة العام عليه ، فكيف يجعله مخصصاً له ويدعى عليه الاجماع ، فالاستدلال بهذا الخبر حينئذ مصادرة ، كما هو ظاهر على المتأمل.

بيانه : ان المستدل لما استدل بعموم الايات على عموم التحليل أجاب عنه بأن عمومها أول المسألة ، وانما تكون عامة لو لا تخصصها بعموم مضمون هذا الخبر المستفيض الدال على عموم التحريم ، فله أن يعود ويقول : عموم مضمونه انما يكون حجة ومخصصاً لعمومها أن لو كان عمومه بهذا المعنى مجمعاً عليه ، وهو أول المسألة بل لم يقل به سواك ، فظهر أن المحتاج الى الاجماع ليكون حجة ومخصصاً لعموم الايات انما هو عموم مضمونه الكذائي لا تخصصه بما ذكروه.

ثم قد سبق أن عموم مضمون هذا الخبر على تقدير تسليمه وثبوته ، كما يمكن أن يكون مخصصاً لعموم الايات ، كذلك عموم هذه الايات مع خصوص بعض الروايات وأصالة الحلية والبراءة والاباحة واستصحاب الحل السابق وغيرها يمكن أن يكون مخصصة لعمومه بما ذكروه ، بل هذا أولى كما لا يخفى.

وعلى تقدير التقابل والتكافؤ يلزم منه التساقط ، فينتفي التحريم قطعاً لانتفاء سببه ، ويلزم منه ثبوت الاباحة.

وبالجملة فظهر مما قررناه أن عموم الايات على حاله ، وانما خرج منه ما أجمع على خروجه من الفحل والمرضعة وأقربائهما بالنسبة الى المرتضع ونسله وأبيه ، لدلالة الاخبار الصحيحة الصريحة في تحريم أولاد الفحل والمرضعة على أب المرتضع.

٢٠٢

وهذا بناء على القول بجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد الصحيح الصريح ، فهذا القدر من التخصيص المستند الى الاجماع والاخبار الصحيحة الصريحة لازم فيها ، ويبقى الباقي تحت عمومها الى أن يخرج بالدليل وليس ، اذ ليس في الايات والروايات الواردة في باب الرضاع فيما علمناه ما يدل صريحاً على تحريم الزائد على الفحل والمرضعة وأقربائهما على المرتضع وأبيه وتحريمه عليهما وعلى أقربائهما ، والاصل والاباحة والبراءة والاستصحاب وعموم بعض الايات والروايات السالفة وغيرها تفيد الحل والاباحة فيما عداه.

فمن ادعى تحريمه المنافي لمفاد المذكورات ، فعليه اقامة دليل أو ذكر آية أو رواية تدل بصراحتها عليها ، فان غيره الصريح منها لا يصلح لمقاومة المذكورات ومقابلتها. وعلى تقدير التقابل والتساقط يلزم منه انتفاء التحريم لما مر مراراً.

وأما قوله متصلا بما نقلناه عنه : وعجبي ممن نظر الى عموم كلمة « ما » في قوله تعالى ( ما طابَ لَكُمْ ) ولم يتأمل في طاب ، فتأمل.

ففيه أنه تأمل فيه فأداه تأمله الى الحكم بأنه طيب حلال مباح ، لعدم ما يدل على حرمته بخصوصه ، أو باندراجه في وصف جعله الشارع علامة للحرمة ، فجزم بحليته كما هي الاصل في الاشياء.

هذا مع ورود كل شي‌ء مطلق ـ أي : مباح ـ حتى يرد فيه نهي ، وكل شي‌ء حلال حتى يعلم أنه حرام ، ولم يرد هنا نهي ، ولم يعلم حرمته بوجه شرعي يمكن أن يعتمد عليه ، أو تركن النفس اليه ، على أن كون الشي‌ء حلالا لا حاجة فيه الى تأمل ودليل ، لأنه الاصل فيه ، وانما يحتاج الى التأمل والدليل كونه حراماً لانه على خلاف أصله ، ولا دليل هنا على حرمة أقرباء المرضعة والفحل على أولاد أب المرتضع الا عموم هذا الخبر على ظنه ، وقد عرفت ما فيه.

٢٠٣

واعلم أن الطيب في اللغة جاء بمعنى اللذيذ وبمعنى الحلال ، كما في القاموس (١) والاخير هو المراد هنا ، أي : ما حل لكم من النساء ، بأن لا يكون هناك رضاع ولا نسب ولا مصاهرة وغيرها من أسباب التحريم.

قال قدس‌سره في الرسالة : ثم ان من جملة أدلتهم ولعله هو الاصل الاصيل عندهم والمنوط عليه عملهم ، كما ينادي به كلامهم انتفاء ما جعلوه مقتضى التحريم فيما قالوا فيه بالتحليل.

وملخصه : أن الرضاع هو الشرب عن اللبن ، واللبن مخلوق من ماء المرأة وزوجها ، فمن شرب منه صار كالمخلوق من مائهما دون من لم يشرب ، فعلى هذا المرتضع بسبب شربه من لبن الفحل والمرضعة يشارك أولادهما المخلوقين من مائهما أو ماء واحد منهما ، وبذلك يحرم عليهم ويحرمون عليه ، ويحرم كل من الفحل والمرضعة ومحارمهما عليه وهو يحرم عليه وبحكمه أولاده كما هو ظاهر.

بخلاف اخوة المرتضع ولادة بالنسبة الى هؤلاء واخوته رضاعاً بالنسبة الى والديه وسائر محارمه نسباً ، اذ لا شرب هناك ولا ولادة ، فلا مشاركة ولا تحريم ، ولاجل هذا خصصوا الخبر المستفيض بالمرتضع ونسله ، وتركوا قول من قال بالنشر منه الى غيره كما مر مفصلا.

أقول : قد عرفت أن هذا الخبر عندهم ليس بعام يعم المرتضع وغيره من أقربائه من الطرفين حتى يحتاجوا في تخصيصه به الى نكتة ودليل ، ولذلك قالوا : ان التحريم متعلق بالمرتضع ، ولم يقولوا انه مخصص به ، كما سبق في كلام شيخ الطائفة ، فافهمه.

وأما هذا الذي نقله عنهم ، فليس هو عندهم بمخصص لهذا الخبر ولا كلامهم

__________________

(١) القاموس ١ / ٩٨.

٢٠٤

مبني عليه كما ظنه ، كيف ولم يقل واحد منهم بعمومه على الوجه الذي قال به ، فكيف يجعلونه مخصصاً لهذا العموم ، بل هو نكتة ولم بينوه لتحريم ما حرم على المرتضع وحده دون سائر أقربائه فافهمه ، ومن هنا فهم أن ما بنى عليه كلامهم ليس هو بمبني عليه.

قال قدس‌سره متصلا بما سبق نقله : وبناءاً عليه أيضاً قالوا في بيان تحليل اخوة المرتضع على الفحل وما يشبه هذا : ان أخت الابن انما تحرم لو كانت بنتاً للانسان أو بنتاً لزوجته المدخول بها ، والامران معاً هنا منتفيان ، ولو سلم لكان من قبيل الثاني دون الاول فلا يحرم ، لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. يعني ما كان من النوع الاول ولم يقل من المصاهرة التي ما نحن فيه من قبيلها.

وقالوا في بيان تحليل اخوة المرتضع ولادة على اخوته رضاعاً : ان أخت الاخ لا تحرم على الانسان ، الا اذا كانت أختاً له من أبيه أو من أمه ، فان أخت الانسان من الام تحل على أخيه من الاب ، لعدم كونها أختاً له لا من أبيه ولا من أمه ، وهؤلاء بعضهم على بعض هكذا ، وعلى هذا القياس سائر ما ذكروه في المواضع التي قالوا فيها بالتحليل.

أقول : وذلك أن هذا القول منهم ليس مبنياً على أن هذا الخبر يعم تحريم أخوات المرتضع بالنسبة الى الفحل ، لكنه مخصص بما ذكروه في بيان تحليلهن عليه ، بل هو مبني على عدم شموله لتحريمهن عليه ، فانهن أخوات الابن الرضاعي لا بنات له ، وأخت الابن انما تحرم لو كانت بنتاً للانسان الى آخر ما قالوه.

ويؤكد ما قلناه ما نقله في الرسالة عن فرقة من المخالفين أنهم قالوا باختصاص التحريم بالمرتضع ونسله ، استناداً الى تلك الوجوه التي استعملها وقبلها من تبعهم من أصحابنا في ذلك المذهب قال الشيخ وكذا العلامة وغيرهما نقلا عنهم

٢٠٥

أنهم قالوا : الحكم فيما عدا المرتضع وعدا من تناسل منه بمنزلة ما لم يكن هناك رضاع ، فيحل للفحل نكاح أخت هذا المولود ونكاح أمهاته وجداته ، وان كان لهذا المرتضع أخ حل له نكاح هذه المرضعة ونكاح أمهاتها وأخواتها كأنه لا رضاع هناك.

وهكذا أقول ، وذلك أن هذا المنقول عنهم أيضاً صريح في أن أحداً منهم أيضاً لم يقل بعموم هذا الخبر على هذا الوجه ولم يفهمه منه ، لان المقدر فيه لا يحتمل غير ما قدرنا فيه ، وهو كما عرفته يفيد اختصاص الحكم بالمرتضع ، ولما لم تكن أخبار المنزلة الواردة في المرتضع وأبيه واردة في طرقهم أعرضوا عنها ولم يعملوا بمضمونها وخاصة بالنسبة الى الفحل ، فانه قياس محض.

وكذلك من أصحابنا من لم يكن عاملا بخبر الواحد ، وهم الاكثر على ما في الدراية الشهيدية ، أو كان ولم يسوغ مثل هذا القياس لم يعملوا بمضمونها ، فحكموا بما نقل عنهم صاحب الرسالة ، مع أن جواز نكاح الفحل بأم المرتضع ونكاح والده بالتي أرضعته واضح لا خفى ولا خلاف فيه.

وقال العلامة في القواعد (١) والتحرير (٢) : للفحل نكاح ام المرتضع وأخته وجدته ، والقول بالتحريم للشيخ في الخلاف ، قال : اذا حصل الرضاع المحرم لم يحل للفحل نكاح أخت المرتضع بلبنه ولا لاحد من أولاده من غير المرضعة ومنها ، لان اخوته وأخواته صاروا بمنزلة أولاده. والظاهر أن تعدية أحاديث المنزلة الواردة في أب المرتضع بالنسبة الى أولاد الفحل اليه بالنسبة الى أولاد أب المرتضع قياس محض فتأمل.

ثم أنت قد عرفت مما قررناه سابقاً أن الاصل في الاشياء هو الاباحة والحلية

__________________

(١) القواعد ٢ / ١١.

(٢) التحرير ٢ / ٥.

٢٠٦

كما دلت عليه الادلة العقلية متأيدة بالاخبار وتصريح الاخيار ، ففي كل موضع لم يقم فيه دليل يقتضي التحريم وجب فيه الحكم بالتحليل ، لانه أصله ومقتضاه والتحريم طار ولانتفاء سبب التحريم ، فيلزم منه ثبوت الاباحة ، لما مر غير مرة أن ارتفاع النقيضين الا في المرتبة غير معقول.

وكذلك قد عرفت مما أسلفناه أن المستفاد من الخبر المستفيض هو أن الرضاع علة التحريم ومقتضيه ، فحيثما تحقق تحقق وحيثما انتفي انتفى ، وحينئذ وجب فيه القول بالحلية والاباحة. اللهم الا أن يمنع منه مانع ، فان تخلف المقتضي عن المقتضى لمانع غير عزيز عقلا ونقلا.

واذ قد عرفت هذا عرفت أن القول باحتمال أن يكون هنا مقتضي التحريم ونحن لا نعلمه ، أو أن المقتضي لعله محض تحقق كذا مجرد وسواس ناش من القريحة السودائية ، ومحض احتمال شبيه بما نقل عن السوفسطائية. والى مثل هذا الاحتمال أشار صاحب الرسالة فيها متصلا بما نقلناه عنه ، أعني بقوله قالوا فيها بالتحليل بقوله : وفيه نظر.

أما أولا فلان من انتفاء المقتضي الخاص لا يلزم انتفاء مطلق المقتضي ، وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، على أن هنا أشياء يمكن دعوى كونها المقتضي هاهنا ، كأن يقال مثلا لعل المقتضي هو محض تحقق علاقة الاخوة الحاصلة من ارتضاع المرتضع من لبن رضيعه ، كما أشرنا اليه في أول المبحث.

أقول : من تتبع مدارك الاحكام ولم يجد فيها ما يدل على تحريم الشي‌ء الفلاني فلا بد له من القول بتحليله ، والا لزم أن لا يمكنه القول بحلية الاشياء التي لا دليل له على تحريمها بعين تلك المقدمة القائلة بأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، اذ لقائل أن يقول : لعلها تكون حراماً وعلى تحريمها دليل ونحن لم نجده.

٢٠٧

وقد تقرر أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، وصريح قوله عليه‌السلام : كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه (١). ينفيه لصراحته في أن تحصيل العلم بكونه حلالا مما لا حاجة فيه اليه ، بل يكفي فيه مجرد عدم العلم بكونه حراماً الى أن يحصل العلم بأنه حرام ، وأصرح منه قوله في صحيحة ابن سنان : كل شي‌ء يكون منه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (٢). وكذا ينفيه قولهم : ما لم يظهر حرمة أمر بخصوصه ، أو باندراجه في وصف جعله الشارع علامة للحرمة ، فالظاهر فيه الحلية.

فالقول بالتحريم هنا مع أنه خلاف الاصل والاباحة والبراءة والاستصحاب وظاهر عموم الايات ومفهوم بعض الروايات بمحض ليت ولعل ، كما ترى ضعيف وفي نفسه سخيف.

ثم قال متصلا بما سبق : وأما ثانياً فلانه وجه اجتهادي وخيال اعتباري في مقابل الادلة التي ذكرناه ، والمحدث الملازم لطريقة أهل البيت عليهم‌السلام لا يلتفت اليه ولا يعتمد عليه ، بل الحق أن هذا هو عين القياس الباطل عند علمائنا قاطبة فان ما جعلوه مقتضى التحريم وعلة تامة في ذلك بحيث أداروا عليه دائرة التحليل والتحريم وحصروا العلة فيه محض استنباط من غير نص في خبر ولا ذكر في أثر كما هو ظاهر. وامكان الاستفادة من بعض الظواهر غير كاف سيما مع قيام المعارض وهل القياس الا مثل هذا؟

أقول : وفيه مع ما عرفته آنفاً وسالفاً في بيان خبر يونس بن يعقوب ، من أن ما قالوه في بيان تحليل اخوة المرتضع ولادة على اخوته رضاعاً ليس مجرد وجه اجتهادي وخيال اعتباري ، كما ظنه ونسبه الى عين القياس الباطل ، بل هو

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٢٦ ، ح ٩.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٢٦ ، ح ٨.

٢٠٨

كالمنصوص في ذاك الخبر والمذكور في هذا الاثر ، كما أشار اليه آخوندنا التقي المتقي قدس‌سره على ما سبق ، ولا معارض له أصلا.

فتأمل بعد التذكر أو المراجعة أن الحكم بحلية شي‌ء لا حاجة فيه الى نص ولا أثر سوى ما سبق من النصوص والاثار العامة الدالة على أن الاصل في الاشياء هو الاباحة والحلية ، وانما يحتاج اليه الحكم بحرمته ، لانه خلاف أصله ولا نص ولا دليل هنا على تحريم ما حرمه في الرسالة ، لان أدلته التي بها يصول على الخصوم على العموم لا دلالة لها على ما ادعاه ، لا من حيث المنطوق ولا من حيث المفهوم.

اللهم الا أن يقال : ان بعضها يدل على بعض المدعى من باب القياس الغير المسوغ ، لما عرفت من حديث تعدية أحاديث المنزلة ، ويظهر منه أن القائل بالقياس والعامل به هو في الحقيقة لا خصومه ، وان دعواه ملازمة طريقة أهل البيت عليهم‌السلام ، غير مقرونة بالصحة والصدق ، كما يظهر عند التأمل الصادق ، فتأمل.

ثم قال : وأما ثالثاً فلانه منقوض بما تقدم من الاخبار الصحيحة الدالة صريحاً على تحريم أولاد الفحل ، وكذا أولاد المرضعة على أب المرتضع ، مع أنه لا شك في عدم وجود ما جعلوه علة للتحريم ومناطه هناك ، والتزام طرح تلك الاخبار مع عمل معظم الاصحاب بها ، بل بدون ذلك أيضاً بعيد عن جادة متابعة الال صلوات الله عليهم أجمعين ، بل هو عين طريق أهل الضلال.

أقول : لا بعد فيه كثيراً ، لانها أخبار آحاد مخالفة لعموم الايات ، وما يقتضيه بعض الادلة الاجتهادية القوية ، فمن لم يعمل بخبر الواحد معللا بأنه لا يفيد علماً ولا عملا كالمرتضى والاكثر على ما في دراية الحديث للشهيد الثاني ، ومنه يظهر وهن قوله مع عمل معظم الاصحاب بها ، ولعله لذلك أضرب عنه بقوله « بل بدون ذلك أيضا » فلا عليهم طرحها والعمل بعموم الايات السالفة وما تقتضيه الاصالة

٢٠٩

والاباحة والبراءة والاستصحاب وغيرها من الاصول والقواعد ، وكذا من عمل بخبر الواحد ، ولكنه لم يجعله لكونه ظني المتن مخصصاً لما هو قطعي المتن ، وهم الاكثرون أيضاً كما هو المذكور في الاصول ، فلا عليهم أيضاً طرحها.

ومن البين أن العلة المذكورة تطرد وتدور وجوداً وعدماً على هذين الرأيين بقي من يعمل به وبجعله مخصصاً ، فهو يقول هذه أخبار وردت مخالفة لاصالة الحل والاباحة وغيرهما مما سبق ، فوجب قصرها وحصرها على محل ورودها كما قالوا نظيره في سائر المسائل الفقهية ، فليست هذه بأول قارورة كسرت في الاسلام ، وخصوصاً اذا كانت تعديتها منه الى غيره قياساً محضاً.

والعلة المذكورة وان لم تكن مطردة دائرة وجوداً وعدماً على هذا الرأي ، الا أن صاحبه لم يستدل على تحليل ما حرمه صاحب الرسالة فيها بهذا الدليل حتى يرد عليه ذلك.

بل قال : ان المحرمات بنص القرآن وان كانت ثلاث عشر امرأة ، سبع بالنسب واثنتان بالرضاع وأربع بالمصاهرة ، الا أن الاجماع من المسلمين قاطبة انعقد على أن كل ما يحرم بالنسب من السبع المذكورات في الآية يحرم أمثالهن من الرضاعة للخبر المشهور ، فمن دخل في احدى من ذكر نحكم بتحريمه والا فلا ، الا أن يقوم دليل من خارج على التحريم ، كما في أحاديث المنزلة.

فلا يرد عليه ما أورده متصلا بما سبق بقوله : وكذا القول بخروج ذلك وحده بالنص ، كما صدر اضطراراً عن بعض المتدينين الراسخة في قلبه قواعد الاصوليين خارج عن حد الانصاف ، بل هو محض الاعتساف ، سيما مع ذكر العلة فيها وقيام قرائن عدم الاختصاص كما حققناه.

على أن لنا أن نقول : تلك الاخبار كافية في الدلالة على عدم اطراد تلك العلة عدماً ، فلا يمكن تخصيص عموم ما مضى بها ، ولا يوثق بالحكم بالتحليل

٢١٠

بمحض انتفائها ، سيما مع قيام الادلة المتقدمة الدالة على ما ينافيها ، ولا أقل على وجود الخلاف فيها.

وبالجملة دوران تلك العلة وجوداً وعدماً معاً ممنوع ، لا بد في المصير اليه من دليل مثبت ، ودونه سيما مع قيام تلك المعارضات خرط القتاد ، فتدبر.

أقول : قد مضى أن ما مضى لا عموم له ، وان الغرض من ايراد تلك العلة ليس هو تخصيصه بها ، وان الحكم بالتحليل ليس بمحض انتفائها ، بل هو وما استفيد من الخبر الموثق وأصالة الاباحة والبراءة والاستصحاب وعموم الايات ونحوها ، ولو كان بمحض انتفائها لكان موثوقاً به ، لاطرادها عدماً كاطرادها وجوداً على مذهب من تمسك بها ، ولا حاجة له في اثباتها الى دليل ، اذ لا معارض لها على مذهبه.

فان الادلة المتقدمة : اما لا دلالة لها على ما ينافيها ، أو هي مطروحة عند من تمسك بها ، فهي لدورانها عنده وجوداً وعدماً مع انتفاء ما يصلح أن يعارضها في غاية القوة والمتانة ، فكذا ما رتبه عليها من الاحكام التي منها ما أشار اليه في الرسالة بقوله : ولا تغفل عما يترتب على استضعاف هذه المقدمة من ضعف ما رتبوه عليها نحو قولهم مثلا يكون انتساب أولاد الفحل وأولاد المرضعة الى أب المرتضع واخوته الولادية ، وكذا نسبة اخوته ولادة الى الفحل والمرضعة من باب المصاهرة لا النسب ، اذ من لم يعتمد على العلة المذكورة ولم يقل بدورانها وجوداً وعدماً له أن يلحق نسبة هؤلاء بالنسب ، كما أنهم ألحقوا به نسبة المرتضع الى الفحل وأولاده.

أقول : عدم اعتماده عليها لكونه عاملا بأخبار الاحاد وقائلا بصلاحيتها لتخصيص الكتاب ، فتصير أحاديث المنزلة عنده مادة لنقضها على تقدير استدلاله بها على تحليل هؤلاء بعضهم لبعض لا يقدح في صحتها ودورانها وجوداً وعدماً

٢١١

عند من لم يعمل بها ، أو عمل ولم يقل بصلاحيتها لتخصيص الكتاب.

فظهر أن الاخبار المتقدمة ليست بمادة النقض لهذه المقدمة عند من قال بها ولم يقل بها ، وانما هي مادة النقض لها عند من لم يقل بها وقال بها ، وقد سبق أنها عنده وان لم تكن دائرة وجوداً وعدماً ، الا أنه لم يستدل بها على تحليل ما حرمه صاحب الرسالة حتى يرد عليه ذلك ، ففي الحقيقة لا نقض هنا على أحد ، كما لا يخفى على العارف بمعنى النقض.

فظهر أن ترتب ما رتبوه على العلة المذكورة ليس بضعيف ، وان الحاق نسبة هؤلاء بالنسب لا وجه له ، اذ لا رضاع هنا فلا شرب فلا شركة ، بخلاف الحاق نسبة المرتضع به ، فانه بسبب شربه من لبن المرأة وزوجها صار بمنزلة أولادهما ، فسرى الحرمة من الجانبين.

واعلم أن المذكور في كتب الفقيه أن النسب هو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما الى الاخر كالاب والابن ، أو بانتهائهما الى ثالث مع صدق اسم النسب عرفاً على الوجه الشرعي ، والمصاهرة علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كل منهما بسبب النكاح توجب الحرمة ، وعلى هذا فالنسب والسبب وهو المصاهرة متقابلان لا يشمل أحدهما الاخر ، وهو الظاهر من قوله تعالى ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (١) أي : قسمه قسمين ذو نسب وصهر.

قال في مجمع البيان في فصل اللغة : النسب ما يرجع الى ولادة قريبة ، والصهر خلطة تشبه القرابة ، والمصاهرة في النكاح المقاربة (٢).

ونقل في بعض التفاسير عن علي عليه‌السلام النسب ما لا يحل نكاحه من القرائب ، والصهر ما يحل نكاحه من القرابة وغيرها. وقيل : الصهر حرمة الختونة.

__________________

(١) سورة الفرقان : ٥٤.

(٢) مجمع البيان ٤ / ١٧٤.

٢١٢

وقال المفسرون : النسب سبعة أصناف من القرابة يجمعها قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) الى قوله ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) ومن هنا الى قوله ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (١) تحريم بالصهر ، وهو الخلطة التي تشبه القرابة ، وهو السبب المحرم للنكاح كالنسب المحرم ، حرم الله سبعة أصناف من النسب ، وسبعة من جهة الصهر ، ستة في الآية التي ذكرت فيها المحرمات ، والسابعة في قوله ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (٢).

أقول : وبهذا انكشف حال ما أفاده في الرسالة بقوله : واعلم أن استدلالهم أيضاً بالخبر المستفيض على عدم تحريم نسبة من قبيل المصاهرة محل مناقشة وكلام اذ يحتمل بعيداً أن يكون المراد بالنسب فيه مطلق القرابة سببية كانت أو ولادية ، ولعله يرشد الى هذا الاحتمال ورود لفظة القرابة في بعض الروايات بدل النسب وان كان الاظهر أن المراد بها النسب.

أقول : ومن الغرائب أن نحكم بتحريم شي‌ء بمحض احتمال بعيد لا يحتمله اللفظ ، مع أصالة الحلية والاباحة والبراءة والاستصحاب ، وقوله عليه‌السلام : كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه فتدعه. كل شي‌ء مطلق ـ أي : مباح ـ حتى يرد فيه نهي.

وأغرب منه أن يراد من الخاص الوارد في أخبار كثيرة المعنى العام ، لوروده في خبر مع أن حمل العام على الخاص وجعله حاكماً عليه من الواجبات عند الخواص والمسلمات التي لا كلام فيها.

الا أنه قدس‌سره بنى كلامه في تحريمه ما حرمه في رسالته مخالفاً للاصحاب على اعتباره ما لا يحتمله اللفظ والاحتمالات البعيدة الغير المعتبرة عندهم ، لان

__________________

(١) سورة النساء : ٢٣.

(٢) سورة النساء : ٢٢.

٢١٣

بناء استدلالهم بالايات والروايات من السلف الى الخلف على الظاهر المتبادر لا على الاحتمالات البعيد الخطور على الخواطر ، كما سبق آنفاً وأمثاله الكثيرة.

فانه قد ورد في أخبار كثيرة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ووردت في رواية لفظة القرابة بدل النسب فأوله اليها وجعلها شاملة للسببية والنسبية ، وهذا كما ترى ما لا يقول به سفيه ، فضلا عن أن يقول به فقيه.

أقول هذا وأستغفر الله ، ثم أقول : ولما استبان مما قررناه ضعف ما أصله وفرع عليه الاحكام ونقض ما أسسه وبنى عليه الاحكام ، وكان هذا هو القصد الاول وغاية المرام والغرض الذي يساق له الكلام في هذا المقام.

وبان منه أن التحريم متعلق بالمرتضع وحده ، اذ لا دليل على تعديته منه الى غيره ، الا ما ورد في خصوص أبيه من أحاديث المنزلة ، فانها صحيحة صريحة في أن أولاد المرضعة والفحل ولادة ورضاعاً قد صاروا بمنزلة أولاده ، فيجب اعتبارها فيه واقتصارها عليه ، لوجوب الاقتصار على مورد النص فيما خالف الاصل.

كان الحري بنا أن نترك النعرض لسائر ما أفاده (١) مع ما فيه ، فان من حسن اسلام المرء ترك ما لا يعنيه ، حامدين لله على الاتمام ، وشاكرين له على حصول المرام ، ومصلين على رسوله وآله الكرام عليهم‌السلام الى يوم القيامة.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (٣٠) ذي الحجة سنة (١٤١٠) هـ ق في مشهد مولانا الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

__________________

(١) اذ ليس في رسالته هذه افادة زائدة على ما هو المشهور بين الاصحاب سوى ما ذكره في المقدمة من أن الخبر يفيد أن حكم الاخوين رضاعاً حكم الاخوين أباً وأماً ، فبعد ظهور بطلان هذا الحكم وانتقاضه ومعلوم أنه يتبعه فيه ما فرعه عليه كان الاحسن ترك التعرض لما عداه لشهرته المغنية عن التعرض له « منه ».

٢١٤

سلسلة آثار المحقق الخاجوئي

(١٥)

رسالة

فى التعويل على أذان الغير فى دخول الوقت

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيّد مهدىّ الرّجائيّ

٢١٥
٢١٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

قال الفاضل العلامة قدس‌سره في جواب من سأله عن الصلاة بأذان الجمهور والافطار به من غير مراعاة الوقت ، بل لغلبة الظن بصدقهم ، هل يصح ذلك ويجوز التعويل عليه؟

لا يجوز الدخول في الصلاة والافطار بقول المؤذن أو بأذانه ، بل يجب عليه المراعاة ، سواء كان المؤذن من الجمهور أو غيرهم (١).

أقول : ظاهره يفيد عدم الفرق بين الثقة وغيره والواحد والمتعدد ومن هو عارف بالوقت وجرب صدقه ، بل يفيد أن كل من هو قادر على مراعاة الوقت وجب عليه مراعاته ، ولا يجوز له الاعتماد على الغير وان غلب على ظنه صدقه ، بل يدل على أن الواحد وان كان عدلا لا يجوز العمل بخبره ، بل يفيد أن خبر العدلين بل العدول كذلك.

ولعل الوجه فيه أن هذا الخبر وان كان محفوفاً بالقرائن لا يفيد الا ظناً. والظن بدخول الوقت مع عدم المانع والقدرة على المراعاة لا يكفي في الافطار والدخول في الصلاة لاصالة بقاء ما كان على ما كان ولان اليقين لا يزول الا باليقين.

__________________

(١) أجوبة المسائل المهنائية ص ٤٧.

٢١٧

ولعل الفائدة في وضع الاذان الاشعاري ، اشعار الناس بدخول الوقت وحضور الجماعة ، لكن لا يجوز لهم الدخول في الصلاة والافطار به الا بعد المراعاة وتحصيل اليقين بالدخول.

ولكن في رواية سعيد الاعرج حيث قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو مغضب وعنده نفر من أصحابه وهو يقول : تصلون قبل أن تزول الشمس؟ قال وهم سكوت فقلت : أصلحك الله ما نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة ، قال : فلا بأس أما أنه اذا أذن فقد زالت الشمس (١).

دلالة على جواز الاعتماد على المؤذنين في دخول الوقت وان كانوا مخالفين بل ربما يستدل بها على العمل بخبر الموثق ، وحمله على ما اذا حصل العلم باتفاق جماعة من المؤذنين على الاذان ، بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب بعيد.

وظاهر المعتبر جواز التعويل على أذان الثقة الذي يعرف منه الاستظهار عند التمكن من العلم ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المؤذنون أمناء (٢).

أقول : ويؤيده اباحته صلى‌الله‌عليه‌وآله الاكل والشرب في آخر الليل في شهر رمضان وان أذن ام مكتوم ، ومنعه عنهما بأذان بلال (٣).

وفي رواية ذريح قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : صل الجمعة بأذان هؤلاء ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ / ٦١٩ ، ح ٩ عن تفسير العياشى ٢ / ٣٠٩.

(٢) المعتبر ٢ / ١٢٥.

(٣) رواه فى الوسائل ٧ / ٧٨ عن الكلينى باسناده عن الحلبى قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخيط الابيض من الخيط الاسود ، فقال بياض النهار من سواد الليل ، قال : وكان بلال يؤذن للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن أم مكتوم وكان أعمى يؤذن بليل ، ويؤذن بلال حين يطلع الفجر ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب فقد أصبحتم. ونحوه في الحديث الثالث فى الباب المذكور في الوسائل.

٢١٨

فانهم أشد مواظبة على الوقت (١).

والاكثر على جواز الاعتماد على شهادة العدلين ، وأما الواحد فلا.

أقول : وهذا منهم يدل على جواز الاكتفاء بالظن في دخول الوقت مطلقاً ، متمكناً كان من العلم به أم لا ، اذ غاية ما يفيده شهادتهما هو الظن لا اليقين ، والشارع قد جعل شهادتهما حجة ، فينبغي أن يكون الظن بدخول الوقت مطلقاً كافياً في ايقاع العبادات الموقتة بذلك الوقت.

وقال المحقق الثاني الشيخ علي رحمه‌الله : لو شهد بالغروب عدلان ثم بان كذبهما ، فلا شي‌ء على المفطر وان كان ممن لا يجوز له التقليد ، لان شهادتهما حجة شرعية.

وهذا منه رحمه‌الله يدل على أن من يمكنه تحصيل اليقين في موضع يعتبر فيه اليقين يجوز له الاعتماد على ما غايته افادة الظن ، وهو مشكل.

وظاهر المبسوط (٢) عدم جواز التعويل على الغير مع عدم المانع ، وهذا أشكل من سابقه ، فان كثيراً ما يحصل لنا العلم بدخول الوقت وجهة القبلة بمجرد اخبار من لا وثوق به ولا عدالة له ، بل المعلوم عدم عدالته كالصبي المميز وان لم يكن مراهقاً.

والتزام عدم جواز التعويل على خبره وقد أفاد العلم التزام سوفسطائي ، فانا اذا دخلنا على أهل بيت وكانت جهة القبلة غير معلومة لنا وأردنا القيام الى الصلاة وجاء الصبي المذكور وطرح الشاذكونة الى جهة حصل لنا العلم بأنها جهة القبلة ، وكذا اذا كان آخر الليل ودخل علينا بعض أطفالنا وقال : يا أبت قد أضاء الصبح وأسفر يحصل لنا العلم بدخول الوقت ، فمناط الحكم اذا هو حصول العلم بأي طريق كان.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ / ٦١٨ ، ح ١.

(٢) المبسوط ١ / ٢٦٩.

٢١٩

وقال الفاضل المازندراني قدس‌سره في شرحه على روضة الكافي بعد نقل رواية محمد بن الفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ان لله عزوجل ديكاً رجلاه في الارض السابعة وعنقه مثنية (١) تحت العرش وجناحاه في الهواء ، اذا كان في نصف الليل أو الثلث الثاني من آخر الليل ضرب بجناحيه وصاح « سبوح قدوس ربنا الله الملك الحق المبين ، فلا اله غيره رب الملائكة والروح » فتضرب الديكة باجنحتها وتصيح (٢).

دل على جواز الاعتماد بهذه الصحيحة في معرفة انتصاف الليل ، وقد روي مثل ذلك في معرفة الزوال ، والحق جوازه عند عدم امكان المعرفة بأدلة أقوى منها ، خصوصاً مع تجربة صدقها (٣) انتهى كلامه رفع مقامه.

وهذا منه رحمه‌الله دل على عدم جواز العدول عما يفيد يقيناً أو ظناً قوياً الى ما يفيد ظناً ضعيفاً ، وعلى جواز الاعتماد بما يفيد ظناً بدخول الوقت وان كان ضعيفاً ، والعمل بمقتضاه اذا لم يكن هناك دليل أقوى منه.

وفيه وفي أصل الرواية تأمل ، فانها ضعيفة سنداً ومتناً ، فيشكل الاعتماد على مدلولها وبناء العمل عليه.

أما سنداً ، فلان فيه معلى بن محمد وهو ضعيف ومحمد بن الفضيل الراوي ، وهو بين مجهول وضعيف.

وأما متناً ، فلان نصف الليل بناءاً على ما ثبت من كرية الارض وعليه فقهاؤنا يختلف باختلاف البقاع والبلدان شرقية وغربية ، كما أن رؤية الهلال كذلك.

لذلك قال الفاضل العلامة في التذكرة : ان الارض كرة ، فجاز أن يرى

__________________

(١) فى الروضة : مثبتة.

(٢) الروضة من الكافى ٨ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

(٣) شرح الكافى ١٢ / ٣٦٧.

٢٢٠