الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

بل الغرض منه الحث على بذل الجهد وإفراغ الوسع وعدم الاتكال على الغير والاطلاع على أسانيد الاخبار ، ثم استنباط الاحكام منها.

وبالجملة أصحابنا القائلون بعدم وجوب الخمس وسقوطه رأساً ، أو سقوط حصة الإمام عليه‌السلام لم يمنعوا النظر فيما دل على وجوبه وعدم سقوطه سنداً ومتناً ، والا فبعد إمعان النظر فيهما يظهر للناظر فيها أن جلها صحاح صراح في وجوبه الا ما أخرجه الدليل.

وكذلك لم يمعنوا النظر فيما دل على إباحته من زمن المبيح الى زمن القائم أو الى يوم القيامة ، فإنهما غير صحيحي السند ، بل ما جعلوه ظاهر الدلالة على الدوام وسموه صحيحاً ، بل صحيحة الفضلاء غير نقي السند أيضاً ، كما سنشير اليه مع إمكان الجمع بينهما بما سبق ، وهو اولى من رد بعضها ، ولا سيما إذا كان ذلك البعض صحيحاً صريحاً في وجوبه مطابقاً للأصل من عدم سقوطه بعد وجوبه ، موافقاً للاحتياط الذي هو طريق منج ، والاحتياج إليه في هذه الأزمان لفقد المجتهد فيها ظاهراً أكثر.

هذا ثم انه رحمه‌الله بناءً على ما فهمه من الاخبار سنداً ومتناً ، قال بعد كلام واعلم ان عموم الاخبار يدل على السقوط بالكلية زمان الغيبة والحضور ، بمعنى عدم الوجوب الحتمي ، فكأنهم عليهم‌السلام أخبروا بذلك ، فعلم عدم الوجوب الحتمي فلا يرد أنه لا يجوز الإباحة لما بعد موتهم ، فإنه مال الغير مع التصريح في البعض بالسقوط إلى القائم ويوم القيامة ، بل ظاهرها سقوط الخمس بالكلية حتى حصة الفقراء أيضاً وإباحة أكله مطلقاً ، سواء أكله من في ماله ذلك أو غيره.

وهذه الاخبار هي التي دلت على السقوط حال الغيبة ، وكون الإيصال مستحباً كما هو مذهب البعض مع ما مر من عدم تحقق محل الوجوب الا قليلا ، لعدم دليل قوي على الأرباح والمكاسب الى آخر ما أفاده.

١٠١

وتبعه في بعض ذلك تلميذه صاحب المدارك ، وقد عرفت ما فيه فلا نعيده فتأمل ، فإن ما رواه أبو علي بن راشد والريان بن الصلت وعبد الله بن بكير وعلي ابن مهزيار وغيرهم أدلة قوية على وجوب الخمس في الأرباح والمكاسب وعدم سقوطه أصلا.

ومراده عليه‌السلام بالامتعة : اما السلعة والمنفعة ، أو المعادن.

قال الفيروزآبادي : المتاع المنفعة والسلعة والجمع أمتعة ، وقوله تعالى ( ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ ) أي : ذهب وفضة « أَوْ مَتاعٍ » أي : حديد وصفر ونحاس ورصاص (١).

وفي صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكنز كم فيه؟ فقال : الخمس ، وعن المعادن كم فيها؟ فقال : الخمس ، وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ فقال : يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة (٢).

فقول الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله : وفي قوله « وفي أمتعتهم » أيضاً تأمل محل تأمل.

ولا يذهب عليك أن هذا الحديث الصحيح أيضاً صريح في صحة ما أفاده ابن الجنيد ، وبطلان ما أراده المحقق بتقريب قد مر.

أقول : ويؤيد الاحتمال الثاني ما قال صاحب المفاتيح فيه : من أن معنى كون الخمس كله للإمام عليه‌السلام أن له التصرف فيه في زمن حضوره ، بأن يضعه في من شاء كيف شاء دون غيره (٣).

أقول : هذا المعنى لا اختصاص له بالخمس ، فإن للإمام عليه‌السلام أن يتصرف

__________________

(١) القاموس ٣ / ٨٣.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٢١ ـ ١٢٢.

(٣) مفاتيح الشرائع ١ / ٢٢٥.

١٠٢

في الدنيا وما فيها ، بأن يضعها في من شاء كيف شاء دون غيره.

كما يدل عليه ما في الفقيه عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما على الامام من الزكاة؟ فقال : يا أبا محمد أما علمت أن الدنيا للإمام يضعها حيث شاء ويدفعها الى من شاء ، جائز من الله عزوجل له ذلك ، ان الامام لا يبيت ليلة أبداً ولله عزوجل في عنقه حق يسأله عنه (١).

أقول : ولعل الوجه فيه ما أفاده محمد بن يعقوب في الكافي في باب الفي‌ء بقوله : ان الله تبارك وتعالى جعل الدنيا كلها بأسرها لخليفته ، حيث يقول للملائكة « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » فكانت الدنيا بأسرها لادم وصارت بعده لأبرار ولده وخلفائه وهم الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام (٢).

أقول : وفي الحديث المذكور احتمال آخر ، وهو أن يقال : ان تلك العشرة الآلاف كانت من حصته عليه‌السلام دون حصص الباقين ، أو كان بعضها حقاً لهم ولكنه عليه‌السلام عوضهم من عين ماله ، ولذلك كان له أن يحلها للمتصرف فيها ، فتأمل.

ثم قال الفاضل الشارح المازندراني رحمه‌الله : ثم قوله عليه‌السلام « والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثاً » دل ظاهراً على أن من أحل له الإمام أيضاً مسئول ، وهو بعيد جداً ، ولا يبعد تخصيص السؤال بمن عداه ، والله يعلم (٣).

أقول : لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفس منه ، وتحليله عليه‌السلام له لم يكن كذلك ولذلك ذمه بعد خروجه ، بأنه أخذ حق آل محمد ثم جاء يقول اجعلني في حل ، فلا بعد في كون كل من على شاكلته مسئولا فتأمل.

هذا وفي الكافي والتهذيب عن محمد بن زيد قال : قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس ، فقال : ما

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٩ ، برقم : ١٦٤٣.

(٢) أصول الكافي ١ / ٥٣٨.

(٣) شرح الكافي ٧ / ٤١٤.

١٠٣

أمحل هذا تمحضونا بالمودة بألسنتكم وتزوون عنا حقاً جعله الله لنا وجعلنا له [ وهو الخمس ] (١) لا نجعل لأحد منكم في حل (٢).

فلو كان لمن قبله الولاية في تحليله وقد أحله لهم لما صح له عليه‌السلام أن يطلبه منهم من حيث أنه خمسه ومن حقوقه اللازمة ، وأنه عون على ديونهم وعيالاتهم ومواليهم الى غير ذلك.

وذلك لانه بذلك التحليل صار مباحاً لهم بقيد الدوام على ما ظنوه ، فكان لهم أن يمتنعوا من أدائه كذلك ، فمن أين كان يدخل عليهم العقاب ، لتحليلهم ما لم يحله الله لهم ، كما هو صريح الرواية الماضية.

ثم كيف كان له عليه‌السلام أن يقول : لا نجعل لأحد منكم في حل وقد حلله لهم من قبله وكانت له الولاية في تحليله ، كما ظنه صاحب المعتبر.

فظهر مما نقلناه من الاخبار وفيها ما هو صحيح ، كصحيحة علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، وصحيحة علي بن مهزيار عن أبي علي بن راشد ، وصحيحتين أخراوين له عن أبي جعفر عليه‌السلام ، ومكاتبة الريان بن الصلت الى أبي محمد العسكري عليه‌السلام.

والعجب أن الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله مع وجود هذه الصحاح الصراح في ثبوت الخمس رد الأخبار الدالة على ثبوته بعدم الصحة.

أن القول بثبوت الخمس مطلقا الا ما أخرجه الدليل وقد مرت إليه الإشارة هو الأظهر والأقوى. نعم لو صح وثبت عن صاحب هذا العصر والزمان عليه‌السلام أنه أحل حقه من الخمس مطلقاً لمن عليه الخمس من شيعته لأمكن التعويل عليه ، لكنه ليس بثابت كما اعترف به شيخ الطائفة بقوله : انه حق لصاحب لم يرسم

__________________

(١) الزيادة ساقطة من الأصل.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٤٠ ، ح ١٨. وأصول الكافي ١ / ٥٤٨ ، ح ٢٦.

١٠٤

فيه قبل غيبته حتى يجب الانتهاء اليه.

وقال في محل آخر : وانما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه فيه من صريح الألفاظ ، وإذا لم يرد فيه منه عليه‌السلام شي‌ء وقد ثبت أن الخمس كان ثابتاً قبل غيبته وجب الحكم ببقائه في هذا الزمان ، وهو المطلوب.

تنبيه

الأخبار السالفة دلت على عدم جواز التصرف في المال الذي يجب فيه الخمس وانه سبب لتحريم الولادة والنكاح ، وهو صريح فيما رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب في الروضة بسند مجهول عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له : ان بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم ، فقال لي : الكف عنهم أجمل.

ثم قال : والله يا أبا حمزة ان الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا ، قلت : كيف لي بالمخرج من هذا؟ فقال لي : يا أبا حمزة كتاب الله المنزل يدل عليه ، ان الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفي‌ء ، ثم قال الله عزوجل ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) فنحن أصحاب الخمس والفي‌ء وقد حرمنا على جميع الناس ما خلا شيعتنا.

والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب على شي‌ء منه الا كان حراماً على من يصيبه ، فرجاً كان أو مالا ، ولو قد ظهر الحق لقد بيع الرجل الكريمة عليه نفسه في من لا يريد ، حتى ان الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله ويطلب النجاة لنفسه فلا يصل الى شي‌ء من ذلك ، وقد أخرجونا وشيعتنا من حقنا ذلك

__________________

(١) سورة الأنفال : ٤٠.

١٠٥

بلا عذر ولا حق ولا حجة الحديث (١).

وهو صريح في أن مخالفينا أولاد الزنا ، وقد ورد في غير واحد من الاخبار أن ولد الزنا مبغض لأهل البيت عليهم‌السلام وكل مبغض لهم غير ناج ، ولكن في أصل الحديث وما يستفاد منه اشكال ، وان خص الناس بأهل السنة والجماعة.

الفصل الثاني

[ ضعف القول بسقوط الخمس مطلقاً ]

قد ظهر أن القول بسقوط الخمس مطلقاً ، وعليه جماعة منهم الفاضل الأردبيلي أو سقوط حقه عليه‌السلام بخصوصه ، وعليه صاحب المدارك.

واليه أشار صاحب المفاتيح فيه بقوله : والأصح عندي سقوط ما يختص به عليه‌السلام لتحليلهم ذلك لشيعتهم ، ووجوب صرف حصص الباقين إلى أهلها لعدم مانع منه ، ولو صرف الكل إليهم لكان أحوط وأحسن ، ولكن يتولى ذلك الفقيه المأمون بحق النيابة كما يتولى عن الغائب (٢). ضعيف (٣).

وقد شائع فيه صاحب المدارك ، لانه قال فيه : والأصح إباحة ما يتعلق بالإمام من ذلك خاصة ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، ثم نقل ما سبق من المحقق واستشكله بأن أكثر الأخبار المعتبرة خالية من التقييد بالدوام ، لكنها ظاهرة في ذلك.

__________________

(١) الروضة من الكافي ٨ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

(٢) مفاتيح الشرائع ١ / ٢٢٩.

(٣) خبر قوله في أول الفصل « قد ظهر أن القول ».

١٠٦

كما يرشد اليه التعليل (١) المستفاد من صحيحة الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له : ان لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت أن لك فيها حقاً ، قال : فلم أحللنا إذاً لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم ، وكل من والا آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا ، فليبلغ الشاهد الغائب (٢).

وفي صحيحة الفضلاء عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام انه قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هلك الناس في بطونهم وفروجهم ، لأنهم لا يردون إلينا حقنا ، ألا وان شيعتنا من ذلك وآبائهم في حل (٣).

أقول : رواية ابن المغيرة النضري ليست بصحيحة ، لان من رجالها أحمد بن محمد ، والمراد به هنا : اما ابن خالد البرقي ، أو ابن عيسى القمي ، بقرينة رواية سعد ابن عبد الله عن أحمد هذا ، فإنه يروي عن أحمدين المذكورين ، ولا قرينة هنا معينة لاتحاد الطبقة والطرفين.

وهما وان كان ثقتين على المشهور ، إلا أنهما ما مقدوحان على ما تقرر عندنا وفصلناه بما لا مزيد عليه في أوائل بعض رسائلنا ، وخاصة ابن خالد البرقي ، وذلك للحيرة المنقولة فيه بصحيح الخبر.

ففي الكافي في باب النص على الأئمة الاثنا عشر عليهم‌السلام في آخر حديث طويل هكذا : وحدثني محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبي هاشم مثله. قال محمد بن يحيى فقلت لمحمد بن الحسن : يا أبا جعفر وددت أن هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد الله

__________________

(١) مراده بالتعليل قوله عليه‌السلام « لتطيب ولادتهم » « منه ».

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٤٣ ، ح ٢١.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

١٠٧

قال فقال : لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين (١).

ولا يخفى أنه دال على الذم الكلي وعدم اعتبار الرجل في أقواله الا بتاريخ يميزها وليس ، ومنه يظهر أن ما سماه صاحب المدارك بصحيحة الفضلاء ليست كذلك ، لان من رجاله أبو جعفر الأشعري أحمد بن محمد بن عيسى القمي.

وهو وان كان على المشهور ثقة غير مدافع ، الا أن قول أبي عمرو الكشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن بعد نقله عن أحمد هذا نبذة من أخبار دالة على ذم يونس : فلينظر الناظر فيعجب من هذه الاخبار التي رواها القميون في يونس وليعلم أنها لا تصح في العقل ، وذلك أن أحمد بن محمد بن عيسى قد ذكر الفضل من رجوعه في الوقيعة في يونس ، ولعل هذه الروايات كانت من أحمد قبل رجوعه (٢).

يدفعه ويدل على ذمه كلياً ، وعدم اعتباره في رواياته.

والأقوى عندي التوقف فيه وفيما يرويه ، لانه نقل عنه أشياء تفيد عدم تثبته في الأمور ، بل تدل على سخافة عقله ، مثل ما نقل عن الفضل قال : أحمد بن محمد هذا تاب واستغفر من وقيعته في يونس لرؤيا رآها.

فان مستنده في تلك الوقيعة ان كان دليلاً شرعياً يفيد العلم أو الظن المتآخم له ، فكيف يصح له الرجوع عنه والاعتماد على ما رآه في المنام ، ولعله كان من أضغاث الأحلام ، والعدول عما يقتضيه العلم الى ما يقتضيه الرؤيا مع احتمال كونها كاذبة غير مسوغ.

وان لم يكن له عليه مستند شرعي ، كان ذلك منه بهتاناً قادحاً في عدالته بل ايمانه.

__________________

(١) أصول الكافي ١ / ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٧٨٨.

١٠٨

ومثله ما نقل عنه في أحمد بن محمد بن خالد البرقي من ابعاده عن قم ، ثم إعادته إليها واعتذاره اليه ومشيه بعد وفاته في جنازته حافياً حاسراً ليبرئ نفسه عما قذفه به ، فإنه يدل على أنه رماه فيما رماه وهو شاك ، وكان عليه أن يتثبت في أمره ، فتركه وقذفه ثم نفيه يقدح فيه.

وفي الكافي في باب الإشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام حديث طويل (١) وفيه ما يدل على ذم أبي جعفر هذا من وجهين ، كما بيناه في بعض حواشينا عليه.

وبالجملة كلام أبي عمرو الكشي في ترجمة يونس يفيد أن أحمد هذا قبل رجوعه عن الوقيعة في يونس كان يضع روايات وحكايات تدل على ذمه بل كفره ، وهذا منه قدح عظيم في أحمد هذا ، يوجب عدم الاعتماد على رواياته رأساً ، فإذا انضم اليه ما ذكرناه مما يدل على سخافة عقله وعدم تثبته في الأمور يصير القدح فيه أجلى ، والتوقف في رواياته أحرى.

ثم أقول : تحليل ماله مدخل في طيب الولادة انما هو الجارية التي نشتريها ممن لا يرى وجوب الخمس ، أو نسبيها من بلاد الشرك ، فان فيها الخمس ، وهو حقهم عليهم‌السلام فأحلوه لنا لتطيب ولادتنا ، وهو المراد بحقهم في أمثال هذه الاخبار كما تدل عليه صحيحة الفضيل السابقة : انا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا (٢) وأما ثمن الجارية ومهر الزوجة ، فداخلان في مئونة السنة ولا خمس فيها ، فلا مدخل له في طيب الولادة ، ولا يتصور هنا غير ما ذكرناه شي‌ء يكون له مدخل في طيبها.

فأما ما قيل من أن إباحة المناكح والمتاجر والمساكن يقتضي إباحة غيرها ، لاشتراكهما في المعنى المطلوب شرعاً ، وهو تطيب الولادة ، بل في باقي الأموال

__________________

(١) أصول الكافي ١ / ٣٢٤ ، ح ٢.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٤٣ ، ح ٢٣.

١٠٩

هذا المعنى فيه آكد ، فان الاغتذاء بالمال الحرام يقتضي أن يكون الولد من النطفة المستفصلة من الأغذية المحرمة ، وذلك يوجب دخول الفساد في جوهر الولد وماهيته ، بخلاف المناكح فإن الام كالوعاء والمسكن ، فإنه أبعد من ذلك.

ففيه نظر ، إذ ليس في الشريعة المطهرة على صادعها وآله السلام أن من أكل حراماً وتكونت منه نطفة يكون الولد الحاصل منها فاسد الجوهر خبيث الماهية مبغضاً لآل محمد عليهم‌السلام ، والا يلزم أن يكون الناس كلهم إلا الشيعة فواسد الجواهر خبائث الماهيات.

وهذا وان ورد في بعض الاخبار المجهول سنداً ، الا أن التزامه مشكل ، بل يلزم أن يكون جل الشيعة كذلك ، فإن أكثرهم وخاصة أرباب الدول منهم وأبناء الدنيا يغتذون بالمال الحرام ، إذ الحرام غير منحصر في الخمس ، والمفروض أنه يقتضي أن يكون الولد من النطفة المستفصلة من الأغذية المحرمة ، فيكون فاسد الجوهر خبيث الماهية ، ولا يلتزمه المستدل.

وذلك بخلاف من نكح امرأة محرمة عليه شرعاً ، فان الولد الحاصل منهما يكون فاسد الجوهر خبيث الماهية مبغضاً لأهل البيت عليهم‌السلام ، كما ورد في روايات بلغت أو كادت أن تبلغ حد التواتر ، وان كان إيجاب ذلك لذلك إيجاب لا حق لا سابق ، والا لزمت صحة مذهب المجبرة ، ولتحقيقه محل آخر قد فصلناه فيه.

ولأجل ما قلناه خصوا عليهم‌السلام الكلام في هذا المقام بالأمهات ، فقالوا : انا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا. فقياس غير المناكح عليها قياس معه فارق ، فاباحتها لا يقتضي إباحته لفقد جهة جامعة بينهما ، مع أن القياس في شرعنا مردود.

ثم ان رحم الأم انما تكون كالوعاء والمسكن بالنسبة إلى الماءين الخبيثين والفساد في جوهر الولد وماهيته انما يترتب عليهما لا عليها ، كما أشار إليه آية الله العلامة في جواب مسألة بقوله : شر الكافر عرضي ممكن زواله مستند الى فعله

١١٠

وهو اعتقاده وقوله ، وأما ولد الزنا فان شره ذاتي لا يمكن تغييره ولا تبديله ، ولا يسلبه القدرة ولا اختيار الايمان ، والا لبطل تكليفه.

ولو فرض منه وقوع الطاعات ، وانه عرف واعتقد ما يجب عليه كان من أهل النجاة ، لكن السيد المرتضى ادعى خلافه ، لرواية ان ولد الزنا لا ينجب ، وانه لا يدخل الجنة (١) فإن صحت هذه الرواية فالوجه فيها أنه لخبث أصله وفساد طبيعته لا يقبل الألطاف الإلهية ، ولا يصح منه اعتقاد الحق ، لتقصيره عن النظر الواجب عليه شرعاً المتمكن منه عقلا ولا عذر له ، لان الواجب على الله تعالى بعثة الرسل وخلق القدرة والآلات والألطاف وقد فعلها له ، فالتقصير منه (٢). الى هنا كلامه رفع مقامه.

ولنا معه في هذه المسألة مباحثات دقيقة ومناظرات لطيفة مذكورة في تعليقاتنا.

هذا ثم أقول : لو كان الخمس ساقطاً بالكلية ، أو بقدر حصة الإمام عليه‌السلام مقيداً بالأبد والدوام بإسقاط الباقر والصادق عليهما‌السلام ، لما جاز للإمام بعدهما أن يأمر وكيله بالقيام بأمره وأخذ حقه من الخمس ، ولا أن يقول في جواب من سأله عن حقه أي شي‌ء هو يجب عليهم الخمس؟ وأي خمس يجب عليهم؟ وهو ساقط عنهم بالكلية أو بقدر حقه عليه‌السلام.

فهذان القولان يستلزمان رد الصحاح الصراح في وجوب الخمس على الذين كانوا في عهد الرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام ، لان وجوبه عليهم في هذه الأزمان مع سقوطه عنهم فيها لا يجتمعان.

فقول الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله في شرح الإرشاد بعد نقل رواية أبي خديجة سالم بن مكرم وستأتي : وهذه فيها عموم الأخذ والمأخوذ منه ، فليس المخصوص

__________________

(١) عوالي اللئالى ٣ / ٥٣٤ ، برقم : ٢٤ و ٢٥.

(٢) أجوبة المسائل المهنائية للعلامة الحلي ص ٦٩.

١١١

بالمناكح وقسيميه ولا بزمان دون آخر (١). وقوله وقد سبق مع التصريح في البعض بالسقوط إلى القائم ويوم القيامة ، ورام بذلك أن يستدل به على سقوط الخمس بالكلية على الدوام من زمن الباقرين عليهما‌السلام الى يوم القيام.

محل نظر ، لان ما دل على السقوط إلى القائم عليه‌السلام انما ورد في خصوص الأرض ولا فيه الكلام ، ومثله ما دل على السقوط الى يوم القيام كما أشرنا اليه ، على أنهما غير صحيحي السند ، لأن أبا خديجة في رواية إلى يوم القيامة مختلف فيه ، وقد رجح بعض أرباب الرجال التوقف فيما يرويه. ومسمع بن عبد الملك في رواية السقوط إلى القائم غير مصرح بتوثيقه ، كما صرح به قدس‌سره في شرح الإرشاد.

وذلك بخلاف رواية علي بن مهزيار وغيرها الدالة على وجوب الخمس وبقائه ، فإنها كما سبقت صحيحة صريحة في الوجوب والثبوت ، فوجب أن يكون بناء العمل عليها لا عليهما.

فظهر أن الأمر على خلاف ما ظنه قدس‌سره ، فإنه رد الأخبار الدالة على ثبوته بعدم الصحة ، ولا كذلك الأمر ، بل الدالة على سقوطه دائماً غير صحيحة ، والدالة على ثبوته كذلك صحاح صراح فيه.

وبالجملة ما من عام الا وقد خص حتى هذا ، فإذا دلت أخبار صحيحة على عدم سقوط حق من بعد المحلل بتحليله ، والأصل أيضاً عدمه بعد ثبوته ، فهي مع صحتها مطابقة للأصل ، فلا بد : اما من تخصيص الحق بحقه في زمانه ، أو من تخصيص ما دل على الإباحة والرخصة في تناول الخمس والتصرف فيه دائماً بالمناكح

__________________

(١) مجمع الفائدة ٤ / ٣٥١.

١١٢

وقسميها من المتاجر والمساكن (١) ، أو بما ينتقل إلينا ممن لا يرى وجوب الخمس أو بغير ذلك كما مر مفصلا.

إذا الجمع بين الاخبار مهما أمكن أولى من اطراح بعضها رأساً ، وخاصة إذا كان ذلك البعض مما تلقاه بالقبول جم غفير من الفحول وجمع كثير من اولي الألباب والعقول.

ويشيد أركان بعض ما قلناه أن ظاهر بعض الاخبار أن أصحابهم عليهم‌السلام كانوا يسألونهم عن إباحة الجارية المشتراة من المخالفين ومهر الزوجة والميراث وأرباح تجارات ، أو هبة أو هدية كانت تصيبهم من أهل الخلاف ، فأباحوا لهم ذلك ، لا ما يوجد عند الشيعة مما يجب عليهم فيه الخمس.

روى سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رجل وأنا حاضر : حلل لي الفروج ، ففزع أبو عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق انما يسألك خادماً يشتريها ، أو امرأة يتزوجها ، أو ميراثاً يصيبه ، أو تجارة ، أو شيئاً أعطيته (٢) فقال : هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب والميت منهم والحي ، وما يولد منهم الى يوم القيامة فهو لهم حلال ، أما والله لا يحل الا لمن أحللنا له ، لا والله ما أعطينا أحداً ذمة ، وما عندنا لأحد عهد ولا لأحد عندنا ميثاق (٣).

أقول : سالم بن مكرم مختلف فيه ، وثقة النجاشي (٤) ، وضعفه البرقي ، وقال الشيخ الطوسي : انه ضعيف (٥) جداً ، وقال في موضع آخر انه ثقة.

__________________

(١) المتاجر ما يشترى من متعلق الخمس ممن لا يخمس. والمساكين ما يتملك منها في أرض مختصة بالإمام « منه ».

(٢) في التهذيب : أعطاه.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ / ١٣٧ ، ح ٦.

(٤) رجال النجاشي ص ١٨٨.

(٥) الفهرست للشيخ ص ٧٩.

١١٣

قال ملا ميرزا محمد في الأوسط : الوجه التوقف فيما يرويه لتعارض الأقوال فيه.

أقول : فلا يصح الاحتجاج بروايته هذه على دوام إباحة الخمس ، ولا برواية أبي سيار المتقدمة ، فإنها حسنة لا صحيحة ، كما اعترف به الأردبيلي رحمه‌الله حيث قال : قال في المختلف : انها صحيحة الا أن مسمع بن عبد الملك أبا سيار ما صرح بتوثيقه بل مدح (١).

أقول : وفيه ان الكشي نقل عن محمد بن مسعود أنه قال : سألت علي بن الحسن بن فضال عن مسمع هذا ، فقال : انه من أهل البصرة وكان ثقة (٢). فهذا تصريح بتوثيقه ، ولعله رحمه‌الله لم يعتبر توثيق ابن فضال ، وهو مشكل.

الفصل الثالث

[ ضعف القول بالوصية بالخمس ودفنه ]

وكذلك القول بالوصية به وبدفنه ضعيفان ، إذا التأخير فيه آفات ، وهو عليه‌السلام غني عن مثل هذا المال وشيعته محتاجون اليه ، ولا ضرر في صرفه فيهم عليه ، فهو أولى من تأخيره إلى زمان حضوره.

كما أشار إليه صاحب المفاتيح فيه في حاشيته المعلقة على قوله « ولو صرف الكل إليهم لكان أحوط وأحسن » بقوله : وربما يؤيد ذلك على تقدير ثبوت حقه عليه‌السلام بأنه لا ضرر في مثل هذا التصرف عليه بوجه ، فينتفى المانع منه ، بل يعلم رضاه إذا كان المدفوع اليه من أهل الاضطرار والتقوى ، وكان المال في معرض التلف

__________________

(١) مجمع الفائدة ٤ / ٣٥٤.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٥٩٨.

١١٤

مع التأخير ، كما هو الغالب في مثل هذا الزمان ، فيكون دفعه إليهم إحساناً محضاً و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ).

أقول : إلى هنا مذكور في المدارك ، ثم قال السيد السند : وهو حسن لو لا ما تلوناه سابقاً من الاخبار المتضمنة لتحليلهم عليهم‌السلام لشيعتهم من ذلك ، وطريق الاحتياط بالنسبة إلى المالك واضح.

أقول : وفيه ما عرفته.

ثم قال صاحب المفاتيح : ولو صحت الرواية الواردة بوجوب إتمام كفايتهم عليه عليه‌السلام لكان القول به متعيناً ، لكن في سنده ضعف ، وأنكره الحلي (١) محتجاً بأن الله سبحانه جعل للإمام قسطاً وللباقين قسطاً ، فلو أخذ الفاضل وأتم الناقص لم يبق للتقدير فائدة ، ولا يخلو من قوة (٢).

أقول : وعلى هذا فلا يجب صرف حقه عليه‌السلام في الأصناف الباقين ، بل يجوز صرفه فيهم وفي غيرهم من أهل ولايته وفقراء شيعته إذا كانوا مضطرين اليه ومن أهل التقوى ، إذ لا دليل على وجوب صرفه في باقي الأصناف على سبيل تتمة مؤونتهم ومعوز نفقتهم ، الا ما ورد أنه عليه‌السلام لو كان ظاهراً ، أو كان هؤلاء محتاجين الى نصيبه لصرفه فيهم حتى يستغنوا به عن غيره ، لان الناقص عليه كما أن الزائد له ، وقد عرفت ما فيه.

وإذا سقط هذا فيجوز صرفه في الفريقين ، لما في التأخير بالدفن أو الوصية به من الآفات مع غناه عليه‌السلام عنه بما جعله الله من مفاتيح كنوز الأرض وغيرها ، وهذا هو الفارق بين الخمس والزكاة إذا عدم مستحقها.

واليه أشار ابن حمزة بقوله : وإذا لم يكن الامام حاضراً فقد ذكر فيه أشياء

__________________

(١) أراد به محمد بن إدريس « منه ».

(٢) مفاتيح الشرائع ١ / ٢٢٩.

١١٥

والصحيح عندي أنه يقسم نصيبه الى مواليه العارفين بحقه من أهل الفقه والصلاح والسداد (١).

أقول : ويؤيد ما قلناه من ضعف القول بالوصية ، لأن المال بالتأخير في عرضة التلف ، ما نقل من أن محمد بن أحمد بن جنيد الإسكافي الثقة الفاضل المشهور المذكور سابقاً كان عنده مال للصاحب عليه‌السلام وسيف أيضاً ، وأنه أوصى به الى جاريته فهلك ذلك ، كذا في رجال النجاشي ، قال : سمعت بعض شيوخنا يذكر ذلك (٢) والعلم عند الله.

الفصل الرابع

في تعيين من له الولاية لتفريق ما يخصه عليه‌السلام في المحاويج

قال الفاضل العلامة في جواب من سأله بهذه العبارة : ما يقول سيدنا الإمام في نصيب صاحب الزمان من الخمس؟ هل يذهب مولانا الى صرفه الى المحتاجين من بني عبد المطلب أم لا؟ فان كان سيدنا أيده الله يذهب الى ذلك ، فهل يكون حكم ماله عليه‌السلام من غير الخمس كميراث من لا وارث له وغيره مما هو مختص به حكم نصيبه من الخمس في جواز صرفه الى المحتاجين من بني عبد المطلب أم لا؟

قال : في هذه المسألة خلاف بين أصحابنا ، والمعتمد : اما حفظ نصيبه عليه‌السلام الى حين ظهوره ، أو تفريقه في المحاويج من باقي الأصناف على سبيل تتمة مؤونتهم ومعوز نفقتهم بإذن حاكم الشرع (٣).

__________________

(١) الوسيلة ص ١٣٧.

(٢) رجال النجاشي ص ٣٨٥.

(٣) أجوبة المسائل المهنائية ص ١٦٤.

١١٦

ظاهره ثبوت حقه عليه‌السلام ووجوب إخراجه على المالك وصرفه في المحتاجين من باقي الأصناف. ويفهم منه اعتبار الحاجة في اليتيم منهم أيضاً ، والتسوية بين حفظ نصيبه : اما بالدفن ، أو الوصاية به الى حضوره ، وبين صرفه في المحتاجين منهم من باب تتمة المئونة.

وقد عرفت ضعف القول بهما ، وان الأقوى جواز صرفه فيهم وفي غيرهم من مواليه وشيعته. ومنه يظهر أن توقفه في المختلف فيه ، أي : في جواز صرفه في فقراء الشيعة غير الهاشميين ، كما يقتضيه كلام المفيد وابن حمزة في غير موقفه ، إذ لا دليل على وجوب صرفه فيهم الا ما سبق ، وقد عرفت ضعفه ، وعدم الفرق بين الخمس وغيره مما هو مختص به عليه‌السلام في جواز صرفه في المحاويج ولكن المتولي بذلك هو الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى ، لانه المنصوب من قبله عليه‌السلام على وجه العموم ، وهو المراد بحاكم الشرع ، فلو تولى ذلك غيره كان ضامناً عند كل من أوجب صرفه إلى الأصناف. كذا قال الشهيد الثاني في شرح الشرائع ، وهو المأخوذ مما في المختلف.

وهل يجوز قسمة المختص بالإمام عليه‌السلام في المحاويج من الذرية؟ كما ذهب إليه جماعة من علمائنا ، الأقرب ذلك ، لما ثبت بما تقدم من الأحاديث إباحة البعض للشيعة حال ظهورهم ، فإنه يقتضي أولوية إباحة أنسابهم عليهم‌السلام مع الحاجة حال غيبة الإمام عليه‌السلام لاستغنائه وحاجتهم.

ثم قال : إذا ثبت هذا فإن المتولي لنفريق ما يخصه في محاويج الذرية من اليه الحكم على الغائب ، لأنه قضاء حق عليه كما يقضى على الغائب ، وهو الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى والحكم ، فان تولى ذلك غيره كان ضامناً.

ثم قال : وهل يجوز التفريق في فقراء الشيعة غير الهاشميين؟ كلام المفيد وابن حمزة يقتضي ذلك ، ونحن فيه من المتوقفين.

١١٧

أقول : كل من قال بوجوب إتمام كفاية باقي الأصناف عليه عليه‌السلام وان الحق الواجب لا يسقط بغيبة من يلزمه ذلك ، فلا يجوز له أن يصرفه في غيرهم ما دام فيهم محتاج.

ومن لم يقل بذلك أو قال بسقوط فرضه بالكلية ، أو بسقوط حقه عليه‌السلام خاصة ، أو بثبوته وعدم وجوب الإتمام عليه ، فله أن يصرفه في غيرهم وان كان فيهم محتاج إذ لا دليل حينئذ على وجوب صرفه فيهم ، بل ولا على استحبابه أيضاً ، بل ربما كان الواجب صرفه في غيرهم إذا كان ذلك الغير أشد منهم حاجة ، وكان من أهل الفقه والصلاح والسداد ولم يكن فيهم عارف بحقه عليه‌السلام ، أو كان ولم يكن من أهل الصلاح ، أو كان ولم يكن بتلك المرتبة من الحاجة ، فرب عبد حبشي خبر من سيد قرشي.

ثم ان المجتهد وان لم يكن عدلا إذا رجح في نظره ثبوت حقه عليه‌السلام وانه لا ضرر عليه في صرفه في فقراء الشيعة من أهل الاضطرار والتقوى وأيتامهم وأبناء سبيلهم ، وكان المال في معرض التلف مع التأخير ، يكون في دفعه إليهم محسناً محضاً ، و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) ، فمن أين يلحقه الضمان والحال هذه؟

ولم يدل دليل على وجوب كونه عدلا منصوباً من قبله عليه‌السلام ، وخاصة إذا كان حقه عليه‌السلام في ذمة هذا المجتهد وأراد تبرئتها منه ، فلا عليه أن يدفعه إليهم من غير اذن الحاكم ، فان القدر الضروري المحتاج إليه في هذه المسألة هو العلم بحقيقتها وصورتها ثم العمل بمقتضاه.

وأما ملكة العدالة فشرط في جواز العمل بقوله لا في صحة عمله ، فإذا اجتهد في مسألة وعلم حكمها وجب عليه العمل بمقتضاه ، ولا يجوز له الرجوع فيها الى الغير.

بل ظاهر كلام المفيد في المسائل الغربة يفيد جواز تولي المالك ذلك بنفسه

١١٨

وان كان لا يخلو من اشكال ، كما سنشير اليه حيث قال : إذا فقد إمام الحق ووصل الى إنسان ما يجب فيه الخمس ، فليخرجه الى يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، وليوفر قسط ولد أبي طالب لعدول الجمهور عن صلتهم ، ولمجي‌ء الرواية عن الأئمة الهدى بتوفير ما يستحقونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم وأيتامهم وأبناء سبيلهم.

ويمكن أن يكون مراده أن ذلك الإنسان يجوز له أن يخرج إليهم نصيبهم لا نصيبه عليه‌السلام أيضاً ، كما تشعر به الرواية المذكورة ، فإنهم إنما يستحقون من الخمس نصيبهم لا نصيبه ، فليتأمل.

وبالجملة كل من كانت له ملكة الاجتهاد وان لم تكن له ملكة العدالة ، إذا رجح في نظره ثبوت حقه عليه‌السلام وجواز صرفه في المحاويج ، فإذا أخذه من الغير أو كانت ذمته مشغولة به ، وصرفه فيهم من باب الإحسان إليهم ، برأت ذمته وخرج عن عهدة التكليف ولا ضمان عليه ، لانه محسن و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ).

نعم في دفع غير هذا المجتهد حقه عليه‌السلام اليه ليصرفه في المصارف ، اشكال بالنسبة الى ذلك الغير لا بالنسبة اليه ، الا أن يعلم أنه يصرفه فيها ، فحينئذ يرتفع الإشكال بالإضافة إليه أيضاً.

فقول المحقق الثاني الشيخ علي في حواشيه على الشرائع : لما كان صرف حصة الإمام عليه‌السلام الى الأصناف انما هو بطريق النيابة عنه مع ما يحتاج اليه ذلك من الاحتياط والاجتهاد ، لكونه تصرفاً على غائب لم يجز لغير من له النيابة صرفه فلو استقل من عليه الخمس بصرف حصة الإمام عليه‌السلام الى الأصناف على الوجه المذكور ، أو دفعه الى من ليس له أهلية الحكم ، فكل منهما ضامن لتعديهما. محل نظر.

١١٩

وكذا قول الفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد : لا شك أن صرف حصته عليه‌السلام الى الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى هو الاولى ، كما في الزكاة مع الإمكان. والظاهر أنه لا ينبغي النزاع وقت التعذر بل التعسر أيضاً.

وبالجملة الاحتياط في الصرف اليه مع الوجود والإمكان ، والا فبمصلحة بعض الطلبة المأمونين مع الاقتصار بالإعطاء على سبيل التتمة ، والأحوط الاختصار على قدر الحاجة يوماً فيوماً ، أو قضاء ديونهم ، أو اشتراء كسوتهم ومسكنهم على تقدير الاحتياج التام ، خصوصاً في الشتاء وكسوة الليل والنهار ، ولا يبعد الإعطاء لمئونة السنة التي يحتاج اليه ، كما يفعله عليه‌السلام من إعطاء مئونة كما في الروايات.

وينبغي التعميم وملاحظة الأحوج والأعجز ، وتقديمهم على غيرهم ، ومراعاة النساء والأيتام أكثر من جميع أقسام الاحتياج ، من المسكن والملبس والمأكل والمشرب ، بل المنكح أيضاً على تقدير الضرورة (١).

أيضاً محل نظر ، وهما على طرفي إفراط وتفريط ، لان هذه المسألة من متشابهات هذا الفن كما صرحوا به ، فمن لم يكن مجتهداً ولم يرجح في نظره ثبوت حقه عليه‌السلام وجواز صرفه في فقراء شيعته عليه‌السلام ، أو في الأصناف الباقين على سبيل تتمة المئونة ، كيف يسوغ له صرفه فيهم؟ مع القول بوجوب الدفن أو الوصية به ، اما بجميعه أو ببعضه على اختلاف القولين.

وقد أوجب ابن إدريس حفظ ما يستحقه عليه‌السلام الى أن يظهر ، فإن أدركته الوفاة قبل ظهوره أوجب أن يوصي به ، ومنع من دفنه ، وحرم تفريقه على غيره من بني هاشم وغيرهم ، ومنع من ذلك كل المنع ، وادعى تطابق الأدلة العقلية والنقلية وفتاوي المحصلين من أصحابنا ، فبعض الطلبة ان كان مجتهداً ، والا فلا يجوز له

__________________

(١) مجمع الفائدة ٤ / ٣٥٩.

١٢٠