الرسائل الأحمديّة - ج ٣

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

١
٢

٣
٤

٥
٦

كتاب المواريث

الرسالة الخامسة والعشرون

ميراث المعتق إذا مات عتيقه

الرسالة السادسة والعشرون

ميراث الجدّة مع الأُخت

الرسالة السابعة والعشرون

مسألة في رجل عنده زوجتان ..

الرسالة الثامنة والعشرون

الحبوة

٧
٨

الرسالة الخامسة والعشرون

ميراث المعتق إذا مات عتيقه

٩
١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الذي له ميراثُ السماوات والأرضين ، والصلاةُ والسلامُ على محمّدٍ وآلهِ ورثةِ الأنبياءِ والمرسلين ، الثابتِ لهم الولاء على جميع العالمين.

قال السائل وفّقهُ الله تعالى لاقتناء المسائل ، واقتفاء الحجج والوسائل ـ :

( ما يقولُ مولانا في عتيق توفيَ ولا له وارث ، يرثُهُ المعتِقُ مطلقاً ، أم لا؟ ).

شروط الإرث بولاء العتق

أقول مستمداً منه سبحانه التسديد في كلِّ مقول ـ : اعلم علّمك الله الخير وسلّمك من الضير أنّ الإرثَ بولاء العتق مشروطٌ بشروطٍ ثلاثةٍ :

الأوّل : فقدُ القريب النسبي الجامع لشرائط الإرث ، قريباً كان أو بعيداً ؛ للإجماع بقسميه ، وآية ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ ) (١) ، والنصوص المستفيضة المعتبرة دالّةٌ عليه (٢).

فمتى كان للعتيق وارث نسبيٌّ اختصّ بميراثه ، ولا شي‌ء لمعتقه ؛ لما ذكرنا.

أمّا الوارث السببي كأحد الزوجين لو كان فله نصيبه الأعلى ، والباقي للمنعِم بالعتق أو مَنْ يقوم مقامه ، على ما سيأتي إنْ شاء الله تعالى.

ولم يُحكَ الخلافُ فيه إلّا عن الحلبي (٣) ، فجعلَ الزوجَ حاجباً للمعتق دون

__________________

(١) الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٦.

(٢) انظر : الوسائل ٢٦ : ٢٣٣ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١.

(٣) الكافي ( أبو الصلاح ) : ٣٧٤.

١١

الزوجة ، وهو مطالبٌ بالدليل ، وليس له مِنْ سبيل.

ولا ينافي هذا الشرط ما في صحيح العِيص بن القاسم عن الصادق عليه‌السلام : في رجلٍ اشترى عبداً ، [ و (١) ] له أولاد من امرأة حُرَّة ، فأعتقه؟.

قال : « ولاءُ ولده لِمَنْ أعتقه » (٢).

ولم أقف على عامل بظاهره من الأصحاب ، بل ظاهرهم الاتّفاقُ على عدم الولاء في هذه الصورة ؛ لكون أولادهِ أحراراً ، لتولّدهم من حُرَّةٍ ، فيتبعون أشرف الأبوين.

فلا بدّ من حمله ؛ إمَّا على موت الأولاد قبله ، أو على أنّ الأمّ الحُرّة كانت معتقةً ، لا حرّةً أصلية. فبعد عتق الأب ينجرُّ ولاء الأولاد من موالي الأُمّ إلى موالي الأب ، كما نسب للمشهور.

بل في ( الجواهر ) نفي الخلاف عنه ، بل الإجماع بقسميه عليه (٣) ، وتدلّ عليه جملةٌ من الأخبار الواردة في هذا المضمار (٤) ، فينتفي حينئذٍ المحذور ، واللهُ العالمُ بحقائق الأُمور.

الثاني : أنْ يكون العتقُ تبرّعاً ، لا لازماً بسبب شرعيّ.

فلو وجب العتقُ بنذرٍ أو عهدٍ أو يمينٍ أو كفّارةٍ مطلقاً ، أو حصل الانعتاق بسببٍ قهريّ من الشارع كزَمَانةٍ (٥) أو تنكيلٍ أو مُلْكِ قرابةٍ اختياراً أو قهراً كالانتقال بالإرث ، فالعتيق لا يرثه معتِقُه ، ولا مَنِ انعتق عليه ، وهو المسمّى بالسائبة ، على المشهور شهرةً عظيمةً بين الأصحاب.

بل في ( الرياض ) : ( عليه عامّة مَنْ تأخّر ) (٦).

وفيه (٧) وفي ( الجواهر ) (٨) عن ( السرائر ) (٩) نفي الخلاف فيه.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٥٠ / ٩١٠ ، الوسائل ٢٣ : ٦٦ ، كتاب العتق ، ب ٣٨ ، ح ١.

(٣) جواهر الكلام ٣٩ : ٢٤٥.

(٤) الوسائل ٢٣ : ٦٦ ٧٠ ، كتاب العتق ، ب ٣٨.

(٥) الزَّمَانة : العاهة. لسان العرب ٦ : ٨٧ زمن.

(٦) رياض المسائل ٩ : ١٤٨.

(٧) رياض المسائل ٩ : ١٤٨.

(٨) جواهر الكلام ٣٩ : ٢٢٣.

(٩) السرائر ٣ : ٢٥.

١٢

وعن ( الغُنية ) (١) و ( الانتصار ) (٢) الإجماعُ عليه.

والنصوصُ المعتبرةُ المستفيضة صريحةُ الدلالة عليه (٣).

مضافاً لعدمِ دخول المذكوراتِ في قوله عليه‌السلام : « الولاء لِمَنْ أعتق » (٤) ؛ لظهوره في ترتّب الولاءِ على وقوع العتق تبرّعاً من نفس المُعتِق ، فلا تشمل مَنِ انعتق قهراً على المالك ، ولا مَنْ وجب عتقُهُ بسبب مُلْزِم ، وأصالةِ عدم الولاء على أحدٍ إلّا ما خرج.

ولم يُحكَ الخلافُ في هذا الشرط إلّا عن الشيخ في ( المبسوط ) (٥) ، وابن حمزة (٦) ، فقد حكي عنهما (٧) أنّهما أثبتا الولاء على أُمِّ الولد لورثة مولاها بعد انعتاقها من نصيب ولدها.

بل عن الشيخ نفي الخلاف فيه (٨) ، بل الإجماع عليه.

ولا يخفى ما فيه ؛ لقيام الأدلّةِ المعتضدة بالشهرة المحقّقة على أنّ ميراث أُمِّ الولد إنّما هو للإمام ، مضافاً إلى عدم صدق الانعتاق المرتّب عليه الولاء بالاتّفاق.

وعنهما (٩) أنّهما أوجبا الولاء لِمَنْ ملك أحد قرابته فانعتق عليه ، سواء كان ملكه اختياراً كما إذا اشترى أباه مثلاً ، أو اضطراراً كما إذا ورثه ؛ لموثّق سماعة عن الصادق عليه‌السلام ، المعارض بما هو أقوى سنداً وأكثر عدداً وأصرح دلالةً وأوضح مقالةً ، مضافاً لظهور قوله عليه‌السلام فيه : « وأيُّهما مات ورثه صاحبه ، إلّا أنْ يكون [ له (١٠) ] وارثٌ أقرب [ إليه (١١) ] منه » (١٢) في إرادته عليه‌السلام الإرث الحاصل بالقرابة النسبيّة ، لا الولاء ؛ ولهذا حكم عليه‌السلام فيه بتوارثهما ، فلا حجّة فيه لهما.

__________________

(١) الغنية ( ابن زهرة ) ضمن الجوامع الفقهية : ٥٤٥.

(٢) الانتصار : ٣٧١.

(٣) انظر : الكافي ٦ : ١٩٧ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٨١ / ٢٩١ ، الوسائل ٢٣ : ٧٧ ، كتاب العتق ، ب ٤٣.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٤٩ / ٩٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ٦١ ٦٢ ، كتاب العتق ، ب ٣٥ ، ح ١ ، ٢.

(٥) المبسوط ٦ : ٧١. (٦) الوسيلة : ٣٤٤.

(٧) الجواهر ٣٩ : ٢٢٥. (٨) المبسوط ٦ : ٧١.

(٩) المبسوط ٦ : ٧١ ، الوسيلة : ٣٤٣.

(١٠) من المصدر.

(١١) من المصدر.

(١٢) الفقيه ٣ : ٨٠ / ٢٨٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٤٩ ، أبواب بيع الحيوان ، ب ٤ ، ح ٦.

١٣

وعن الشيخ (١) أيضاً : أنّه أثبت الولاء على العبد المنذورِ عتقُهُ ؛ لعموم « مَنْ أعتق لله » (٢) ، وغيره.

وفيه : أنّه ظاهرٌ في إرادة المتبرَّع به ، لا مطلقاً ، فليتأمّل.

وعنه رحمه‌الله في ( المبسوط ) (٣) أنّه أثبت الولاء على المعتق في الكفّارة ، إنْ لم يتمّ إرادته الحكاية والإيراد ، لا العمل.

وأمّا المدبَّر : فالظاهر بل المصرَّح به في بعض العبائر (٤) حصولُ الإجماع على ثبوت الولاء عليه من غير خلافٍ ظاهر. سواء قيل : أنّه عِتْقٌ بعد الموت ، أو وصيةٌ بالعتق ؛ لظهور اندراجه في تلك الأدلّةِ وكلمات فقهائنا الأكابر.

وأمَّا المكاتب : فمقتضى ما دلَّ على اشتراطِ التبرُّع بالعتق ، والشكّ في صدق كون عتقه لله تعالى بل هو كشراء العبدِ نفسَه على القول به عدمُ ثبوت الولاء عليه لسيّده أو مَنْ يقوم مقامه مطلقاً حتى مع شرط الولاء ، كما في مرسل محمّد بن أبي عمير ، المرويّ مسنداً بطريقٍ صحيحٍ عنه ، عن جميل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن كاتب مملوكاً واشترط عليه أنّ ميراثه له؟ قال : « رُفع ذلك إلى عليّ عليه‌السلام فأبطلَ شرطه ، وقال : شرطُ اللهِ قَبْلَ شرطِك » (٥).

لكن حمله على حال وجود القريب قريبٌ ؛ بقرينة ما في ( قرب الإسناد ) عن أبي البخترِي عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه : « إنّ رجلاً كاتب عبداً له وشرط عليه أن له ماله إذا مات ، فسعى العبدُ في كتابته حتى عُتق ثمّ مات ، فرفع ذلك إلى عليّ عليه‌السلام ، وقام أقارب المكاتب ، فقال له سيّد المكاتب : يا أميرَ المؤمنين ، فما ينفعني شرطي؟ فقال علي عليه‌السلام : شرطُ اللهِ قَبْلَ شرطك » (٦).

وظاهر الجميع اتّحاد القضيّة ، فلا تطّرد تلك القضيّة ، بل يتّجه ثبوتُ الولاء

__________________

(١) عنه في الجواهر ٣٩ : ٢٢٨.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٧ ١٩٨ / ٢ ، الوسائل ٢٣ : ٦٣ ، كتاب العتق ، ب ٣٦ ، ح ١ ، وفيهما : ( إذا أعتق لله ).

(٣) عنه في الدروس ٢ : ٢١٧ ، والجواهر ٣٩ : ٢٢٥.

(٤) الدروس ٢ : ٢١٦ ، عنه في الجواهر ٣٩ : ٢٢٦.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٥٣ / ١٢٦٦ ، الوسائل ٢٦ : ٥٦ ، أبواب موانع الإرث ، ب ٢٢ ، ح ١.

(٦) قرب الإسناد : ١٣٠ / ٤٥٤.

١٤

بالشرطِ كما في ( الجامع ) (١) ، وعن ( الخلاف ) ، و ( الإيجاز ) (٢) ، و ( المبسوط ) (٣) ، و ( السرائر ) (٤) ، و ( الوسيلة ) (٥) ، و ( الغُنية ) (٦) ، و ( الإصباح ) (٧) ، و ( والتحرير ) (٨) ، وجعله الأقوى في ( الجواهر ) (٩).

وحكى في ( كشف اللثام ) نفي الخلاف فيه عن ( السرائر ) (١٠) ؛ لعموم : « المؤمنون .. » ، وخصوص الأخبارِ المعتبرةِ التي هي بصحّة اشتراط ولاء المكاتب كافلةٌ متكثّرة.

ولذا حُكي اختياره عن جملةٍ من الطبقة المتقدّمة ، والوسطى ، والمتأخّرة.

بل قد يستظهر إطلاق الولاء عليه من موثّق الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في مكاتبة بين شريكين ، يُعتق أحدُهما نصيبه ، كيف يُصنعُ بالخادم؟ قال : « تخدمُ الباقي يوماً ، وتخدمُ نفسها [ يوماً (١١) ] » (١٢) ، للفردِ المتعارف ، وهو العتقُ بصيغتِهِ المشهورة ، فلا يشمل هذه الصورة. أو يُشكُّ في شمولِها وعدمِه ، فالبقاءُ على الأصل هو اللازم ، إِلّا أنْ يثبت الدليلُ الجازم. واللهُ العالمُ.

الشرط الثالث : ألَّا يتبرّأ المُعْتِقُ من ضمانِ جريرةِ العتيق.

فلو تبرّع بالعتق ، ولكن اشترط عدمَ الضمان للجريرة ، لم يرثه بلا خلافٍ. بل حُكي عليه الإجماعُ (١٣) ، للأخبار المعتبرة الكثيرة (١٤).

وهل يشترطُ في سقوطِ ضمان الجريرةِ الإشهادُ على التبرّي ، بحيث يكونُ شرطاً في الصحّةِ ، كالإشهادِ على الطلاق ، أم لا؟

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٤٠٥. (٢) الإيجاز ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٧٨.

(٣) المبسوط ٦ : ٧١. (٤) السرائر ٣ : ٢٦.

(٥) الوسيلة : ٣٤٣. (٦) الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤٥.

(٧) الإصباح ( الكيدري ) ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ٢٢ : ٢٩٩.

(٨) التحرير ٢ : ٩٢. (٩) الجواهر ٣٩ : ٢٢٨.

(١٠) السرائر ٣ : ٢٦.

(١١) من المصدر.

(١٢) الكافي ٧ : ١٧٢ / ١ ، الوسائل ٢٦ : ٦١ ، أبواب موانع الإرث ، ب ٢٤ ، ح ١.

(١٣) الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤٥ ٥٤٦ ، عنه في الرياض ٩ : ١٤٨.

(١٤) انظر : الوسائل ٢٣ : ٦٣ ، كتاب العتق ، باب ٣٦.

١٥

قولانِ ، أشهرهما الثاني ؛ للأصل ، وظهورِ الأمر به في خبر عبد الله بن سنان (١) ، وما بمعنى الأمر في خبر حمزة بن حمران (٢) في الإرشاد لحكمة الإشهاد ، كالأَمر بالإشهاد في قوله تعالى ( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) (٣).

وعن الشيخ في ( النهاية ) (٤) والحلّي (٥) ، الأوّل ؛ حملاً للأمر على حقيقته من الوجوب التكليفي.

وهو ظاهرُ نجيب الدين بن سعيد في جامعه (٦) ، وحُكي أيضاً عن الصدوق (٧) ، وابن الجنيد (٨) ، بل عن الشيخ دعوى الإجماع عليه ، وهو موهونٌ بذهاب الأكثر إلى خلافه.

وهل يشترطُ التبرّي حين العتق اقتصاراً في الخروج عن عموم « الولاء لِمَنْ أعتق » (٩) على المتيقّن وهو التبرّي حين الإعتاق أم يكفي وقوعه بعده للإطلاق؟ وجهان ، بل قولان ، أشهرهما الأوّل.

وزاد بعضُ المتأخّرين شرطاً رابعاً ، وهو : ( ألّا يكون أحد والدَيْ العتيق حرّا في الأصل ؛ إذْ لو كان أحدُهما كذلك تبعه في الحريّة ، فلا عتق له ولا ولاء عليه ) (١٠).

وهو حسنٌ ، إلا إنَّ الشرطَ الأوّلَ مغنٍ عنه ، وما يوهم خلافه قد مرَّ الجوابُ عنه.

فاذا اجتمعتْ الشروطُ الثلاثةُ وجبَ الإرثُ للمُعْتِقِ مِن العتيق واحداً كانوا أم أكثر بحسب الحصص ، رجالاً كانوا أم إناثاً.

وأمَّا العتيق فلا يرث المُعتِق ؛ اقتصاراً في ما خالف الأصل على المتيقّن ،

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٥٦ / ٩٢٨ ، الوسائل ٢٣ : ٧٨ ، كتاب العتق ، ب ٤٣ ، ح ٤.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٣٠ ١٣١ / ٥٢٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥٠ ، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ، ب ٣ ، ح ١١.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

(٤) النهاية : ٥٤٧ و ٦٦٩ ، عنه في الرياض ٩ : ١٥٠.

(٥) السرائر ٣ : ٢٣.

(٦) الجامع للشرائع : ٥٠٨ ، عنه في الجواهر ٣٩ : ٢٣٠.

(٧) المقنع : ٤٦١ ، عنه في مختلف الشيعة ٨ : ٨٦.

(٨) عنه في الرياض ٩ : ١٥٠.

(٩) الكافي ٦ : ١٩٨ / ٤ ، الوسائل ٢٣ : ٦٤ ، كتاب العتق ، ب ٣٧ ، ح ١.

(١٠) عنه في الرسالة المحمّديّة في أحكام الميراث الأبديّة ( مخطوط ) : ٢٢٩.

١٦

واختصاص الحِكْمَة بالأوَّل ، وهو المشهورُ المنصورُ ، وعن الشيخ رحمه‌الله الإجماعُ عليه (١).

وعن الصدوق (٢) ، وابن الجنيد (٣) : إنَّ العتيق يرثُ معتِقَه مع فقد الوارث له ؛ نظراً لعموم المنزلة في قوله عليه‌السلام في خبر السكوني : « الولاءُ لُحمةٌ كلُحمة النسب » (٤).

وهو محجوجٌ بقوله عليه‌السلام : « الوَلاءُ لِمَنْ أعتق » (٥) ، فيقيَّد بموافق المذهب.

أمّا مع العلم بالعتق والشكّ في حصول الشرط ، فمقتضى قاعدة : إن الشَّكَّ في الشرط شك في المشروط ، انتفاءُ الإرث به ورجوع ميراثه للإمام. إلّا إنَّ الظاهر كونُ وجودهما من الموانع التي يصحّ نفيُها بأصل العدم ، فيثبتُ الإرثُ لوجود المقتضي وزوال المانع.

وبالجملة ، فاستحقاقُ المُعتِق إرث عتيقه سواء كان المُنْعِم رجلاً ، أو امرأة ، أو خنثى ، متَّحداً أو متعدِّداً ممّا لا ريب فيه ، ولا خلاف بين علمائنا الأشراف.

الأقوال فيما إذا مات المُنْعِم

وأمّا إذا مات المُنْعِم ، فقد وقع الخلافُ فيه على أقوال ؛ لاختلاف الأخبار الواردة في هذا المضمار :

أوّلها : ما نُسب للمشهور (٦) ، وشيخ ( النهاية ) (٧) ، و ( الإيجاز ) (٨) ، والقاضي (٩) وابن حمزة (١٠) ، وجماعة من المتأخّرين (١١) ، وهو : أنَّ المُنْعِم إن كان رجلاً كان الولاء والإرث للأولاد الذكور خاصّة ، ومع عدمهم فللعَصَبَة ؛ وإنْ كان امرأةً فلعَصَبَتِها دون أولادها وإنْ كانوا ذكوراً.

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٨٤ / ٩١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٢٤ ، عنه في المختلف ٨ : ٨٤ ، والرياض ٩ : ١٤٧.

(٣) عنه في المختلف ٨ : ٨٥ ، والرياض ٩ : ١٤٧.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٥٥ / ٩٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٧٥ ، كتاب العتق ، ب ٤٢ ، ح ٢.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٤٩ / ٩٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ٦١ ٦٢ ، كتاب العتق ، ب ٣٥ ، ح ١ ، ح ٢.

(٦) الجواهر ٣٩ : ٢٣٤. (٧) النهاية : ٦٧٠.

(٨) الإيجاز ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٧٧ ٢٧٨. (٩) المهذّب ٢ : ٣٦٤.

(١٠) الوسيلة : ٣٤٤. (١١) عنهم في الرياض ٩ : ١٥٣.

١٧

فهنا أُمورٌ ثلاثة :

أمّا اختصاص الإرث بالأولاد الذكور إنْ كان المُنْعِمُ رجلاً ، فيدلُّ عليه مكاتبة محمّد بن عمر لأبي جعفر عليه‌السلام : عن رجلٍ مات وكان مولى لرجلٍ ، وقد مات مولاه قبله ، وللمولى ابنٌ وبنات ، لِمَنْ ميراث المولى؟ فقال : « هو للرجالِ دون النساء » (١).

وقد يستدلُّ عليه أيضاً بقول الصادق عليه‌السلام فيما مرَّ من خبر بُرَيْدِ العِجْلِي ـ : « فإنّ ولاء المعتِق [ هو (٢) ] ميراثٌ لجميع ولد الميِّت من الرجال » (٣) ، بناءً على أنَّ « من الرجال » بيانٌ لجميع ولد الميت كما هو الظاهر ، مع ظهور صدره كغيره في أنَّ المُنْعِم رجلٌ لا امرأة.

وأمّا اختصاص الإرث بالعصبة للمُنْعِم مع عدم الذكور ، فيدلّ عليه صحيح محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « قضى عليٌّ عليه‌السلام في رجلٍ حرَّر رجلاً فاشترط ولاءه ، فتُوفي الذي أعتَقَ وليس له ولد إلَّا النّساء ، ثمّ تُوفي المولى وترك مالاً وله عصبةٌ ، فاحتقّ في ميراثه بنات مولاه وعصبته ؛ فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه » (٤).

بناءً على عود الضمير في « عصبته » على المولى ، لا للعبد ، وأنَّ الاحتقاق أي : التخاصم أنَّما وقع بين بنات المولى وعصبة المولى كما استظهره المشهور ، لا بين بنات المُنْعِم وعصبة العبد كما استظهره المحدِّث المنصف في ميراثيّته (٥) ، وفاضل ( الرياض ) (٦) ردّاً على المشهور ، وتبعهما عليه فاضل ( الجواهر ) (٧) ، بقرينة قوله سابقاً : « ثم توفي المولى وترك مالاً وله عصبة » بناءً على عود ضمير « له » للعتيق ؛ لظهوره في أنَّ المال له والعصبة له ، فيكون التخاصم بين بنات مولى المُنْعِم وعصبة العتيق ، فتقدّم

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٩٧ / ١٤١٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣٩ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١ ، ح ١٨.

(٢) من المصدر.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٥ ، الوسائل ٢٣ : ٧١ ٧٢ ، كتاب العتق ، ب ٤٠ ، ح ٢.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٤ / ٧٧ ، الوسائل ٢٣ : ٧١ ، كتاب العتق ، ب ٤٠ ، ح ١ ، وفي جميعها : « .. بنات مولاه والعصبة .. ».

(٥) الرسالة المحمّديّة في أحكام الميراث الأبديّة ( مخطوط ) : ٢٣٠.

(٦) رياض المسائل ٩ : ١٥٢ ١٥٣.

(٧) الجواهر ٣٩ : ٢٣٤.

١٨

عصبة العتيق على بنات المُنْعِم ؛ لما مرّ في الشرط الأول من أنّ الإرث بالولاءِ مشروطٌ بعدم الوارث بالنسب إجماعاً ، أو مع السبب أيضاً على المشهور.

لكن الأظهر عود الضمير في « له » على المُنْعِم وإنْ بَعُدَ لفظاً ؛ بقرينة معلوميّة تقديم النسب على الولاء ، فلا يحسُن التخاصم بين عصبة العتيق وبنات المُنْعِم ، مضافاً لفهم الأصحاب ، فيكون أوْلى بالصواب.

وأمّا اختصاص الإرث بالعصبة إذا كان المُنْعِم امرأةً دون أولادها مطلقاً ، فيدلّ عليه قولُ الباقر عليه‌السلام في صحيح محمّد بن قيس : « قضى أميرُ المؤمنين عليه‌السلام في امرأةٍ أعتقَتْ رجلاً واشترطَتْ ولاءه ولها ابنٌ ، فألحق ولاءه لعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها » (١).

وقولُ الصادق عليه‌السلام في صحيح يعقوب بن شعيب : عن امرأةٍ أعتقَتْ مملوكاً ، ثم ماتت؟ قال : « يرجع الولاء إلى بني أبيها » (٢).

وقولُه عليه‌السلام في صحيح أبي ولّاد : عن رجل أعتق جاريةً صغيرة لم تُدْرِكْ ، وكانت أمُّه قبل أنْ يموت سألتْهُ أنْ يعتق عنها رقبةً من ماله ، فاشتراها هو وأعتقها بعد ما ماتت أمُّه ، لِمَنْ يكون ولاء العتق؟.

قال : « يكون ولاؤها لأقرباء أُمّه من قِبَل أبيها ، وتكون نفقتها عليهم حتّى تدرك وتستغني » ، قال : « ولا يكون للذي أعتقها عن امُّه من ولائها شي‌ء » (٣).

ولا يخفى ظهورها في المراد ظهور الشمس في ساعة الرادّ ، فيتّجه المصير إليه ؛ لكثرة أدلتهِ ، وصحّتها ، واشتهارها ، وعدم المعارض لها.

وفي ( الرياض ) (٤) و ( الجواهر ) (٥) عن ( الخلاف ) (٦) ، و ( الاستبصار ) (٧) نفي الخلاف ،

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٥٣ ٢٥٤ / ٩٢١ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ / ٨٠ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ ، كتاب العتق ، ب ٣٩ ، ح ١ ، وفي جميعها : « الذين يعقلون عنه ».

(٢) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ / ٨٢ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ ، كتاب العتق ، ب ٣٩ ، ح ٣.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ / ٨٢ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ ، كتاب العتق ، ب ٣٩ ، ح ٣.

(٤) رياض المسائل ٩ : ١٥٣. (٥) الجواهر ٣٩ : ٢٣٥.

(٦) الخلاف ٤ : ٨١ / مسألة ٨٦. (٧) الاستبصار ٤ : ١٧٣.

١٩

بل فيهما عن أوّلهما (١) وعن ( السرائر ) (٢) الإجماع عليها.

إذْ ليس في الباب ما يوهمُ المعارضة سوى إطلاق أدلّة الإرث ، والأَقْرَبُونَ أوْلى بِالمَعْرُوفِ (٣) ، و ( أُولوا الأرْحَامِ بَعْضُهُم أوْلى بِبَعْضٍ ) (٤) المعارض بالمقيّد ، فبنى عليه كما هو مقتضى المذهب ؛ لاتّحاد الموجب ، وخبرُ : « إن الولاء لحمةٌ كلحمة النسب » (٥) ، الظاهر تخصيص عموم منزلته بقوله عليه‌السلام : « لا تباعُ ولا توهب » (٦) وإن أوجبنا الإرث بالدليل الناهض الخالي عن المعارض ، والله العالم.

ثانيها : اشتراكُ أولادِ المُنْعِم مطلقاً إذا كان المُنْعِمُ رجلاً ، والاختصاصُ بعصبة المرأة إنْ كانَ المنعم امرأةً كالأوّل.

وهو الظاهرُ من الحرّ في وسائله (٧) وإن اقتصر في عنوان الباب على التشريك مطلقاً إنْ كان المعتق رجلاً ؛ لظهوره في موافقة المشهور في الشقّ الثاني المذكور.

وحكاه المحدّث المبرور في ميراثيّته (٨) ، وفاضل ( الرياض ) (٩) عن الفاضل السبزواري في كفايته (١٠) ، مستدلّاً على الأوّل بإطلاق : « الولاء لُحمة كلحمة النسب ».

وقد يستدلّ له أيضاً بما مرّ من إطلاق أدلّة الإرث ، وقول أمير المؤمنين في المرسل : « يرث الولاء مَنْ يرث المال » (١١) ، وخصوص موثّقِ عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « مات مولى الحمزة بن عبد المطلب ، فدفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ميراثه إلى بنت حمزة » (١٢) ، الدالّ على مشاركة الذكور للإناث إذا كان المنعِم رجلاً.

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٨١ / مسألة ٨٦. (٢) السرائر ٣ : ٢٤.

(٣) انظر : الوسائل ٢٦ : ٢٣٣ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١.

(٤) الأنفال : ٧٥.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٥٥ / ٩٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٧٥ ، كتاب العتق ، ب ٤٢ ، ح ٢.

(٦) ذيل الحديث المتقدّم في هامش ٥.

(٧) انظر : الوسائل ٢٦ : ٢٣٣ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١.

(٨) الرسالة المحمّدية في أحكام الميراث الأبدية ( مخطوط ) : ٢٣٠.

(٩) الرياض ٩ : ١٥٣ ١٥٤. (١٠) الكفاية ( السبزواري ) : ٣٠٥.

(١١) دعائم الإسلام ٢ : ٢٦٢ / ١٢٠٢ ، وفيه ( الميراث ) بدل : ( المال ).

(١٢) التهذيب ٩ : ٣٣١ / ١١٩١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣٦ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١ ، ح ١٠.

٢٠