الرسائل الأحمديّة - ج ٣

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

وسُئل عليه‌السلام : ما مصحف فاطمة عليها‌السلام؟ قال : « إنّ فاطمة عليها‌السلام مكثت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوماً ، وكان دخَلَها حزن شديد على أبيها ، فكان جبرئيل عليه‌السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيّتها ، وكان عليّ عليه‌السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة عليها‌السلام » (١).

فظهر أنّ مقتضى العرف الشرعي واللُّغوي إطلاق المصحف على ما سوى القرآن المشرّف (٢) ، وهما مقدّمان على العرف العامّ كما يحكم به التأمّل التامّ ، والأصل عدم النقل وبقاء الشي‌ء على ما كان عليه ، فلا وجه للعمل بالعرف العامّي مع معارضته بالشرعي واللُّغوي.

وحينئذٍ ، فقصر المصحف على القرآن الكريم دون سائر الكتب مع أنّه يشملها خالٍ من التحقيق ، بل خارج عن سواء الطريق ، إذ لا قرينة توجب التخصيص والإخراج ، وارتكابها مع عدمها خروج عن المنهاج.

فإن قيل : إنّ عطف الكتب على المصحف في صحيح رِبْعِي الثاني (٣) يقتضي المغايرة.

قلنا : إنّا نجعله من باب عطف الخاصّ على العامّ ، وهو شائع في فصيح الكلام كقوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) (٤) الآية.

ولو تمّ هذا الأصل في كلّ الأحوال لانسدَّ باب كثير من أنواع العطف شائعة الاستعمال ذائعة في الاستدلال ، كعطف المطلق على المقيّد وعكسه ، والعامّ على الخاصّ وعكسه ، والعطف التفسيري ، وعطف الشي‌ء على مرادفه.

وهو من البطلان بمكان كما لا يخفى على ثاقبي الأذهان ، على أنّ المغايرة هاهنا

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٤١ / ٥.

(٢) الظاهر أنّ لفظ المصحف حقيقة في القرآن الشريف بحيث إنّه ينصرف إليه عند الإطلاق ، وهذا معنى الحقيقة ، وأمّا في غيره فلا يفهم إلّا بذكر المضاف إليه ، كما يقال : مصحف فاطمة عليها‌السلام. فافهم ، وإنّه تعالى أعلم. ( ح ع ني ) ( هذه التعليقة لسبط المؤلِّف الشيخ حسين القديحي ت ١٣٨٦ ).

(٣) الكافي ٧ : ٨٦ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٥١ / ٨٠٥ ، التهذيب ٩ : ٢٧٦ / ٩٩٧.

(٤) الأحزاب : ٧.

٦١

حاصلة ، فإنّ الكتب جزئيّات للمصحف والجزئي مغاير للكلّي ، وقد يعطف عليه لإحدى الغايات ، كالاهتمام بشأنه وإظهار شرفه على سائر الجزئيّات ، كعطفه على الصلوات الصلاة في آية ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ) (١) ، وعطف جبرئيل وميكائيل على الملائكة في آية ( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلائِكَتِهِ ) (٢). إلى غير ذلك من الآيات.

ولعلّ غاية العطف هاهنا كمال البيان ورفع الإبهام ، فإنّه من أهمّ المهامّ خصوصاً في مظانّ الإيهام.

الثاني : أنّ صحيح رِبْعِي الثاني قد اشتمل على الكتب فالعمل به أوْلى ؛ لاشتراكهما في الصحّة ، فإنّ رجال سنده كلّهم ثقات إماميّون ، وليس فيهم مَنْ ربّما يتوقّف في شأنه إلّا حمّاد ، حيث إنّ الشيخ رحمه‌الله أطلقه بحيث يحتمل الثقة وغيره (٣) ، إلّا إنَّه في ( الكافي ) مصرّح بكونه حمّاد بن عيسى (٤) ، فيكون الحديث صحيحاً البتّة.

واشتمالهما على ما وقع الخلاف فيه كالدرع في الأوّل (٥) ، والكتب والرحل والراحلة في الثاني (٦) ، ولاشتمال صحيحه الأوّل على ما لا قائل به من إسقاط الثياب من الحبوة دون الثاني ، فإنّه وإنْ اشتمل على ما وقع الخلاف فيه لكنّه لا يوجب قدحاً فيه ؛ لاعتضاده بأخبار أُخر كما ستطّلع عليه.

هذا بالنسبة إلى الكتب ، وأمَّا الرحل والراحلة فلاعتضاده بفتوى المشايخ الثلاثة ، فإنّ ظاهرهم العمل بمضمونها حيث أوردوها في كتبهم الأربعة (٧) ، ولم يتعرّضوا لها بقدح ولا تأويل ، وأهل القرن السابق إنّما تعرف فتاويهم من أحاديثهم التي يوردونها في تأليفاتهم وتصانيفهم ، وهم أعرف بعرف أئمّتهم عليهم‌السلام وأقرب عهداً بمذهبهم.

ويؤيّده أنّ الشيخ الطوسي رحمه‌الله عنون الباب بـ : ( باب ما يختصّ به الولد الأكبر إذا

__________________

(١) البقرة : ٢٣٨.

(٢) البقرة : ٩٨.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٧٥ / ٩٩٧.

(٤) الكافي ٧ : ٨٦ / ٤.

(٥) الكافي ٧ : ٨٥ / ١.

(٦) الكافي ٧ : ٨٦ / ٤.

(٧) انظر : الكافي ٧ : ٨٦ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٥١ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٧٥ / ٩٩٧ ، الاستبصار ٤ : ١٤٤ / ٥٤١.

٦٢

كان ذكراً ) (١) ، وأورد تلك الأخبار.

فإن قيل : لعلّ المراد بالدرع في صحيح رِبْعِي الثوب ، على أنْ يراد به الجنس لا الوحدة ، وحينئذٍ فلا يشتمل على ما لا قائل به من إسقاط الثياب.

قلنا : إنّ صريح كلام اللّغويين كالفيروزآبادي في ( القاموس ) والفخر النجفي في ( مجمع البحرين ) أنّ الدرع أنّما يطلق على قميص المرأة فقط دون الرجل (٢).

واللغة لا تثبت بالقياس حتى عند العاملين به ، وإنّما يقتصر فيها على المورد ، فاستعماله في ثياب الرجل يحتاج إلى دليل ، وليس فليس.

وإرادة الجنس من لفظ الدرع خلاف الأصل ، فيحتاج إلى دليل سديد وأنّى لهم التناوش من مكان بعيد؟! على أنّه إنْ تمّ فإنّما يتناول القُمُص المتعدّدة دون باقي الثياب ، والاقتصار عليه لم يقل به أحد من الأصحاب ، فالتزامه خروج عن نهج الصواب.

الثالث : إنّ هذه الأربعة المشهورة التي اقتصروا عليها لم يحصل اتّفاق الأخبار عليها ، وإنّما اجتمعت في جملتها ، فأُخذ من كلّ خبر فرد منها كما لا يخفى على مَنْ لاحظها. فالعمل ببعض الخبر دون بعض مع صحّته أو حسنه ترجيح لأحد المتساويين من غير مرجّح ، وهو من البطلان بمكان كما يشهد به قاطع البرهان ؛ لأنّ أَخْذَ البعض من ذلك الخبر إنْ كان لاعتباره لصحّته أو حسنه لزم أخذ ما عداه ممّا تضمّنه ، وإلّا فلا وجه للتخصيص مع عدم المخصِّص.

وصحيح رِبْعِي الثاني وإنْ اشتمل عليها كملاً ، إلّا إنّهم أعرضوا عنه ولم يفتوا بمضمونه مع صحّة طريقه وعدم ما يعارضه من كتاب أو سنّة أو إجماع مقطوع به.

والتعليل بأنّ الحبوة على خلاف الأصل وعموم الكتاب فيقتصر فيها على موضع الوفاق عليل ودليله ذليل ؛ لإفضائه إلى دفع الأخبار الصحاح الصراح بالراح لموهوم

__________________

(١) الاستبصار ٤ : ١٤٤.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٢٩ باب العين / فصل الدال ، مجمع البحرين ٤ : ٣٢٤ درع ، وفيه : ورجل دراع : عليه درع : أي قميص.

٦٣

الإجماع الغير الثابت السبيل ؛ لعدم مستنده الوارد عن معدن الوحي والتنزيل ، كما اعترف به بعض العلماء البهاليل (١) ، والمشروط عدم عند عدم شرطه بلا قال وقيل.

الرابع : ورود الأخبار المعتبرة بإدخال الكتب في الحبوة ، كصحيح رِبْعِي الذي رواه المحمّدون الثلاثة في كتبهم الأربعة (٢) من غير تعرّض له بردٍّ ولا تأويل ، فيدلّ على عملهم بظاهره ، كما لا يخفى على ذي تحصيل.

وكموثّق أبي بصير الذي رواه شيخ الطائفة رحمه‌الله في ( التهذيب ) ، و ( الاستبصار ) معنوناً فيه بباب ما يختصّ به الولد الأكبر إذا كان ذكراً ـ :

عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كم من إنسان له حقّ لا يعلم به »؟ قلت : وما ذاك أصلحك الله؟ قال : « إنّ صاحِبَي الجدار كان لهما كنزٌ تحته لا يعلمان به ، أما إنّه لم [ يكن (٣) ] بذهب ولا فضة » قلت : فما كان؟ قال : « كان علماً » قلتُ : فأيّهما أحقّ به؟ قال : « الكبير ، كذلك نقول نحن » (٤).

ولا يخفى ما فيه من الصراحة على تمام المطلوب على مَنْ كان من ذوي الأفهام والقلوب ، فإنّ وجه المسبِّب لاختصاص الأكبر به أنّما كان لاشتماله على العلم ، إذ لا قائل باختصاصه بما عدا المذكورات ، وهو عين المطلوب.

ومثله ما رواه في ( التهذيب ) موثّقاً عن عليّ بن أسباط ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سمعناه وذكر كنز اليتيمين ، قال : « كان لوحاً من ذهب فيه بسم الله الرحمن الرحيم ، لَا إلهَ إلّا الله محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عجبتُ لمَنْ أيقنَ بالموت كيف يفرح؟ ، وعجبتُ لمَنْ أيقنَ بالقدر كيف يحزن؟ ، وعجبتُ لمَنْ رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يركنُ إليها؟ ، وينبغي لمَنْ عقل عن الله أن لا يستبطئ برزقه ولا يتّهمه في قضائه » ، فقال له حسين بن أسباط : فإلى مَنْ صار ، إلى

__________________

(١) هو الشهيد الثاني في المسالك [ ٣٢٦ ، حجرية ] ، ورسالة الحبوة [ ٢٢٢ ٢٢٣ ، حجرية ] ، واقتفاه بعض مَنْ تأخّر عنه [ مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٣٨٤ ، مفتاح الكرامة ٨ : ١٣٥ ]. « منه قدّس سره ».

(٢) انظر : الكافي ٧ : ٨٦ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٥١ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٧٦ / ٩٩٧ ، الاستبصار ٤ : ١٤٤ / ٥٤١.

(٣) في المخطوط : ( يكتب ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٧٦ / ١٠٠٠ ، الاستبصار ٤ : ١٤٤ / ٥٤٣.

٦٤

أكبرهما؟ قال : « نعم » (١).

ولا يخفى ما فيه كسابقه من الدلالة على المراد ، كما لا يخفى على المتأمّل المنصف المرتاد ، بل دَلّ الأوّل على أنّ اختصاص الأكبر بالكتاب مذهب الأئمّة الأطياب ، ودلَّ الثاني على أنّه مذهب الإماميّة في ذلك العصر بلا مرية ، حيث إنّ الراوي تبادر فهمه إلى اختصاص الأكبر به ، حيث إنّه المألوف بينهم والمعروف عندهم ، وقرّره الإمام عليه‌السلام على ما فهمه من ذلك الكلام ، ولا خلاف في أنّ تقرير المعصوم عليه‌السلام كأفعاله وأقواله حجّةٌ على الأنام.

وإذا كان ذلك الحكم مذهب العترة المعصوميّة وأصحابهم الإماميّة تعيَّنَ اتّباعهم على مَنْ بعدهم من الرعيّة.

والعجب من بعض علمائنا الأبدال حيث لم يسلكوهما في مسلك الاستدلال ، وأغفلوهما أيّ إغفال ، مع أنّهما دالّان على المطلوب غاية ، وصريحان فيه نهاية ، مع أنّهم يستدلّون بما هو مثلهما في السنّة من الأخبار ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار.

فإنْ قيل : إنّ هذين الخبرين مخالفان لظاهر القرآن (٢) فإنّه دلّ على أنّه لليتيمين معاً ، وهما قد دلّا على أنّهما لأكبرهما.

قلنا : لا يخفى على ذي التفات ما فيهما من عدم المنافاة ، فإنَّ صدرهما قد دلّ على أنّه لهما أيضاً ، لكنّ الإمامين عليهما‌السلام فسّراه بأنّ مراد الله من هذا اللفظ اختصاص أكبرهما به ، والقرآن إنّما يعرف منهم عليهم‌السلام فإنّهم المحيطون ببطونه وظهوره وحدوده ومطالعه.

وحينئذٍ ، فالتشريك بينهما ؛ إمّا على جهة المجاز باعتبار ما يؤول إليه ، حيث إنّ الأصغر يستحقّه بعد فقد الأكبر ، ويدلّ عليه ما رواه المحدِّث العلي الحرّ العاملي عامله الله بلطفه الخفيّ والجليّ عن الصادق عليه‌السلام ، حيث سُئل عن قول الله تعالى ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (٣) ، فقال : « هُم اليتامى لا تعطوهم أموالهم حتى تعرفوا منهم

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٧٦ / ١٠٠١.

(٢) الكهف : ٨٢.

(٣) النساء : ٥.

٦٥

الرشد ». قيل : كيف يكون أموالهم أموالنا؟. قال : « إذا كنت أنت الوارث لهم » (١). وهو حجّة واضحة ودلالة طافحة.

أو أنّه باعتبار استحقاقه إيّاه لو لم يوجد ، أو باعتبار المعهود بين العرب من نسبة الفعل الصادر من بعض والملك المستحقّ له إلى البعض الآخر للعلاقة النسبيّة أو السببيّة ، وإنّ القرآن قد نزل بلغتهم ، فإنّهم يقولون : فعلنا ببني فلان كذا. وإنّما كان الفاعل والمفعول البعض لا الكلّ ، ويقولون : قلنا لبني فلان. وإنّما كان القول لبعضهم ، ويقولون : هذه الضيعة لبني فلان. وإنّما كانت لأحدهم ، كما لا يخفى على مَنْ له معرفة وتنبّه لكلامهم.

ومن هذا القبيل توبيخ الأخلاف بفعل الأسلاف ، كما دلّ عليه الخبر المرويّ في ( الاحتجاج ) عن السجّاد عليه‌السلام ، حيث قال له بعض مَنْ في مجلسه : يا ابن رسول الله ، كيف يعاقب الله ويوبِّخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتاها أسلافهم ، وهو يقول ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (٢)؟.

فقال عليه‌السلام : « إنّ القرآن نزل بلغة [ العرب (٣) ] فهو يخاطب فيه أهل اللّسان بلغتهم ، يقول الرجل التميمي قد أغار [ قومه (٤) ] على بلد وقتلوا مَنْ فيه ـ : أغرتم على بلد كذا وفعلتم كذا ، ويقول العربي : نحن فعلنا ببني فلان ، ونحن سبينا آلَ فلان ، ونحن خرّبنا بلد كذا ، لا يريد أنّهم باشروا ذلك ، ولكن يريد هؤلاء بالعذل وأُولئك بالافتخار أنّ قومهم فعلوا كذا.

فقول الله تعالى في هذه الآيات أنّما هو توبيخ لأسلافهم ، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين ؛ لأنّ ذلك هو اللّغة التي أنزل الله بها القرآن ؛ ولأنّ هؤلاء الأخلاف راضون بما فعل أسلافهم ، مصوّبون ذلك لهم ، فجاز أن يقال [ لهم (٥) ] : أنتم فعلتم ، [ إذ (٦) ] رضيتم قبيح

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٤٦ / ٢٣ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٩ ، كتاب الوصايا ، ب ٤٥ ، ح ١٠.

(٢) الأنعام : ١٦٤ ، الإسراء : ١٥ ، فاطر : ١٨ ، الزمر : ٧.

(٣) في المخطوط : ( الربّ ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في المخطوط : ( قوم ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) في المخطوط : ( إذا ) ، وما أثبتناه من المصدر.

٦٦

فعلهم » (١). انتهى كلامه ، عليه صلوات الله وسلامه.

وحينئذٍ ، فاليتيمان لمّا تمّت العلاقة بينهما واتّحد حالهما صحّ التشريك بينهما ، وإنْ كان مستحقاً لهما فالتشريك بينهما على حدّ التشريك بين البحرين في قوله تعالى ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) (٢) فإنّهما إنّما يخرجان من المالح فقط ، وإنَّما شرّك بينهما لأنّهما لمّا التقيا صارا كالشي‌ء الواحد ، فكأنّه قال : يخرج من البحر ، أي بعضه لا جميعه.

وهذا بحمد الله واضحُ المنارِ ظاهرٌ ليس عليه غبارٌ ، فظهر أنّ الحديثين (٣) مفسِّران لا منافيان ومنافران ، كما يشهد به الوجدان.

فإنْ قيل : قد روى ثقة الإسلام رضى الله عنه في باب رواية الكتب من أُصول ( الكافي ) عن المفضَّل بن عمر ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : « اكتب وأورث كتبك بنيك ، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم » (٤).

وظاهره قاضٍ بكون الكتب ميراثاً كما هو المستفاد من جمع البنين.

قلنا : إنّا نقول أيضاً بموجبه ؛ لأنّ الحبوة ميراث خاصّ فلا منافاة ، إذ قصارى ما دلَّ عليه النهي عن عدم التوريث ؛ إمّا بالبيع أو الهبة أو الوقف أو غيرها من الأُمور الناقلة للملك والمانعة للإرث بلا شكّ ، وهو خارج عن المتنازع فيه ، كما لا يخفى على نبيه.

وأمّا الإتيان بصيغة الجمع ؛ فللتنبيه على عموم الخطاب وتعدّد الوارثين بتعدّد المورِّثين بلا ارتياب ، وإنْ كان المخاطب واحداً كما في سائر الأحكام ، كما لا يخفى على ذي التأمّل التامّ ؛ فإنّ العبرة بعموم المثال لا بخصوص المقام.

فاتّضح [ فجر (٥) ] الحال وانكشف قَسْطل (٦) الإشكال ، والله العالم بحقيقة الحال ، العاصم من هفوات المقال.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ١٣٨ / ١٧٧.

(٢) الرحمن : ٢٢.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٧٦ / ١٠٠٠ ، ١٠٠١ ، الاستبصار ٤ : ١٤٤ / ٥٤٣.

(٤) الكافي ١ : ٥٢ / ١١. باختلاف.

(٥) في المخطوط : ( مجز ) ، والظاهر ما أثبتناه.

(٦) القَسْطَلُ : الغُبار. القاموس المحيط ٤ : ٥٠ باب اللام / فصل الكاف.

٦٧

نعم ، يبقى الإشكال في الرحل والراحلة ؛ لوحدة دليلها وعدم ما يصلح لمعارضتها ، والإدخال قويٌّ ، والصلح في المختلف فيه بين الورثة أوفق بالاحتياط الذي يؤمَنُ معه الاختباط ، ويحصل به الوقوف على سويِّ الصراط.

تنبيه :

المراد بالرحل : مَرْكَبُ البعيرِ ، كما هو صريح ( مجمع البحرين ) (١) للفخر النجفي ، و ( القاموس ) (٢) للفيروزآبادي ، و ( الغريبين ) (٣) للأزهري ، إلّا إنّه خصَّه بمَرْكَبِ الرجال دون النساء (٤) ، وهو أصغر من القتب ، وهو كالسرج للفرس ، كما صرّح به النجفي نقلاً عن الجوهري (٥).

واختلف كلامهم في الراحلة ، فصريح الفيروزآبادي والقتيبي كما نقله عنه الأزهري اختصاصها بالناقة.

قال الفيروزآبادي : ( والرحولُ والرحولةُ والراحلةُ الصالحة لئن تُرحَلَ ) (٦).

وقال القتيبي كما نقله عنه الأزهري في ( الغريبين ) : ( الراحلةُ التي يختارها الرجلُ لمَركَبهِ ورَحلِهِ على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر ) (٧).

ونقل الفخري عن بعضهم اختصاصها بالبعير النجيب القويّ على الأسفار والأحمال ، التامّ الخلق الحسن المنظر ، كما يأتي في عبارته (٨).

وصريح غيرهم كالجوهري وابن الأثير والفخري والأزهري عدم الاختصاص بأحدهما ، بل تطلق بالاشتراك عليهما معاً.

قال الجوهري نقلاً عنه : ( الراحلةُ : المَركَبُ من الإبل ذكراً كان أو أُنثى. قال : وتطلق

__________________

(١) مجمع البحرين ٥ : ٣٨١ رحل.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٥٦١ باب اللام / فصل الراء.

(٣) انظر : النهاية ٢ : ٢٠٩. رحل.

(٤) انظر : تاج العروس ٧ : ٣٤٠ باب اللام / فصل الراء.

(٥) مجمع البحرين ٥ : ٣٨١ رحل ، الصحاح ٤ : ١٧٠٧.

(٦) القاموس المحيط ٣ : ٥٦٢ باب اللام / فصل الراء.

(٧) انظر : تاج العروس ٧ : ٣٤١ باب اللام / فصل الراء.

(٨) مجمع البحرين ٥ : ٣٨١ رحل.

٦٨

الراحلة على الناقة التي تصلح لئن تُرحَلَ ) (١).

وقال ابن الأثير نقلاً عنه : ( الراحلةُ : من الإبل البعير القويّ على الأسفار والأحمال ، والذكر والأُنثى فيه سواء ) (٢).

وقال الفخري : الراحلةُ كفاعلة : الناقة التي تصلح لئن تُرحَلَ ، والمَركَبُ من الإبل ذكراً [ كان (٣) ] أو أُنثى ، ويقال : هي البعير القويّ على الأسفار والأحمال ، النجيب التامّ الخلق الحسن المنظر (٤).

وقال الأزهري بعد أن غلط القتيبي في التخصيص بالراحلة بالناقة ـ : والراحلة عند العرب تكون الجمل النجيب والناقة النجيبة ، وليست الناقة أوْلى بهذا الاسم من الجمل (٥).

ولا تخفى المغايرة بين هذه التعريفات ، إذ في بعضها اشتراط القوّة على السفر والحمل ، والنجابة ، وتمام الخلق ، وحسن المنظر. وفي بعضها اختصاصها بمطلق الناقة والحمل ، وفي بعضها إطلاقها على مطلق المركب من الإبل. والظاهر تناولها للذكر والأُنثى من الأوصاف المذكورة للنقل المشهور.

ويؤيّده الحديث المرويّ في ( الغريبين ) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الناس كإبلٍ مائةٍ ليس فيها راحلة » (٦) ، أي أنّ الكامل في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة قليل ، كما أنّ النجيب القوي من الإبل كذلك.

ويزيده تأييداً حصول الاستطاعة في الحجّ بالجمل مع وجود الناقة ، إذ لا قائل من الفقهاء بتخصيص حصول الاستطاعة بها خاصَّة ، ولا يمنع العموم إطلاقها على بعض دون بعض ؛ لجواز كونه أحد أفراد العامّ ، كما إذا ورد في النعم زكاة ، فإنّه لا يقتضي

__________________

(١) الصحاح ٤ : ١٧٠٧ رحل.

(٢) النهاية ٢ : ٢٠٩ رحل.

(٣) من المصدر.

(٤) مجمع البحرين ٥ : ٣٨١ رحل.

(٥) انظر : تاج العروس ٧ : ٣٤١ باب اللام / فصل الراء.

(٦) انظر : النهاية ( ابن الأثير ) ١ : ١٥ ، ١٦ إبل ، و ٢ : ٢٠٩ رحل ، البحار ٥٨ : ٦٦ ٦٧ / ٥٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٢١ / ٣٩٩٠.

٦٩

الاختصاص ، ولات حين مناص.

بعض أحكام الحبوة

فروع ثلاثة على القول بإدخال الكتب في الحبوة :

الأوّل : لا فرق فيها بين المتّحدة والمتعدّدة ؛ لمجيئها في الصحيح بالجمع المضاف ، فيفيد العموم بلا خلاف.

الثاني : لو خَلُقَتْ (١) حتى خرجت عن الاسم ، ففي الخروج عن الحكم وعدمه وجهان : من عموم النصّ ، ومن دوران الحكم مدار الاسم ، كما لو نزا كلب على شاة. والأقوى الخروج ؛ لأنّ صدق العموم موقوفٌ على الصلاحيّة ، وهي مع انتفاء صدق الاسم منتفية.

الثالث : لو كانت متّحدة للتجارة دون القنية (٢) ، ففي الدخول وجهان : من صدق الاسم ونسبة الملك فتدخل في العموم ، ومن أنّ المتبادر ما أُضيف إليه بالقنية عرفاً ، والإدخال أقوى للعموم وعدم اشتراط الانتفاع.

والفروع في هذه المسألة واسعة المجال ، كثيرة القيل والقال ، مذكورة في مطوّلات علمائنا الأبدال.

وحيث تمَّ ما أردناه وتحقَّقَ ما أوردناه فلنقطع جري القلم حامدين مَنْ إليه يصعد العمل الصالح وطيب الكلم ، على أنْ وفّقنا للإتمام والفوز بسعادة الاختتام ، فجاء بحمد الله قليلَ المباني ، جليلَ المعاني ، منيلاً للأماني.

وكتب الأذلُّ الداني ، والأقلُّ الفاني ، والقِنُّ الجاني أحمد بن صالح بن طعّان بن ناصر بن علي البحراني ، بيده الجانية الفانية ، أُعطي بها كتابه في الثانية الباقية ، بالليلة السادسة والعشرين من جمادى ، من السنة الخامسة والسبعين والمائتين والألف ، من هجرة مَنْ حُبُّهُ جُنّةٌ واقيةٌ وجَنّةٌ باقيةٌ ، عليه وآله أفضل الصلوات السامية النامية ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) خَلُقَ : بَليَ. الصحاح ٤ : ١٤٧٢ خلق.

(٢) اقتناء الشي‌ء : الاحتفاظ به. الصحاح ٦ : ٢٤٦٧ قنا.

٧٠

انتهى كلامه علا في الخلد مقامه ، وتشرَّفَ بنقلها من النسخة التي بخطّه الشريف قِنُّهُ الأذلّ ، راجي عفو ربّه عن هفوه وذنبه حسين ابن المؤيّد الربّاني الشيخ علي ابن المبرور الشيخ حسن آل المرحوم الشيخ سليمان البلادي البحراني ، عفا الله تعالى عنهم بمحمّد وآله صلوات الله عليهم إلى يوم الدّين.

ونقلت أيضاً على يد الأقلّ زين ابن المرحوم الحاج حسين عزيز القديحي ، في شهر ذي القعدة سنة ١٣٧٠ ه‍.

٧١
٧٢

علم أُصول الفقه

الرسالة التاسعة والعشرون

الدرر الغرويّة في تحقيق الأُصول الفقهيّة

الرسالة الثلاثون

الدرر الفكريّة في أجوبة المسائل الشبّريّة

الرسالة الحادية والثلاثون

مسألة في جواز الأخذ من المجتهدين

والمحدّثين وتقليد كلّ منهما من آحاد

الفريقين

الرسالة الثانية والثلاثون

العمدة نظم الزبدة

٧٣
٧٤

الرسالة التاسعة والعشرون

الدرر الغرويّة في تحقيق الأُصول

الفقهيّة

٧٥
٧٦

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المؤلِّف

الحمدُ لله الذي عزّز ضوابط الأُصول في نتائج رياض الأفكار ، وغرسَ في حدائق العقول مناهج الأحكام والأسرار ، ودلّنا على الاقتداء بكتابه المجيد وسنّة نبيّه المختار ، الذين هما للحقّ والباطل معيار ، المتنزّه عن الإدراك بظاهر الحواس ، والمتعالي عن الاشتراك والتحديد والقياس. والصلاةُ والسلامُ على محمّدٍ وآله مصادرِ تأصيل التفريع ، وتفريع التأصيل ، المجمع على أولويّتهم بالتفضيل بالإجمال والتفصيل ، صلاةً وسلاماً حكم بهما العموم والإطلاق والتأبيد ، فلا يطرو عليهما نسخ ولا تخصيص ولا تقييد.

أمّا بعدُ.

فلا يكاد يخفى على أولي الفطن السليمة والفطر المستقيمة ، أنّ علم أُصول الفقه من أهم العلوم ، وأجلّ الرسوم ، إذ به يُقتدر على استنباط أحكام الحي القيّوم ، ولهذا أفرغ فيه المحقّقون وسعهم وجهدهم ، وبذلوا في تحريره وُجْدَهُم وَجَدَّهُم ، وأنفقوا في تقريره وَكْدَهُم (١) وكدّهم ، فأحببت أن أتطفّل على علومهم رجاء أن أنتظم في سلك منظومهم ، فشرعت في تأليف كتاب يحتوي على جلّ مسائله ، وجمل من

__________________

(١) الوَكْدُ : القَصْدُ والهَمُّ والمُرَادُ. لسان العرب ١٥ : ٣٨٣ وكد.

٧٧

تحقيقاته ودلائله ، مراعياً فيه الإيجاز والاختصار ، مجانباً فيه الإطناب والإكثار ، وسمّيته : ( الدّرر الغرويّة في تحرير الأُصول الفقهيّة ) ، ورتّبته على ثمانية أبواب كأبواب الجنان ، وأسأل الله الكريم المنّان أن ينفع به الإخوان ، وأن يوفّقني لإتمامه والفوز بسعادة اختتامه ، فإنه خيرُ معين ومستعان.

٧٨

الباب الأوّل

في بيان حدّه وموضوعه وغايته ومرتبته

والكلام فيها يقع في مقدّمة وفصول :

أمّا المقدّمة ، فاعلم أنّه قد حكم العقل الصحيح والدليل الصريح بأنّ الشارع في علم لا بدّ قبل شروعه من معرفته باسمه ورسمه ، ومعرفة موضوعه وغايته المترتّبة عليه ، والمرتبة المنسوبة إليه.

أما وجه توقّف الشروع على تصوّره باسمه ؛ فلئلّا يلزم طلب المجهول المطلق ، وهو محال ؛ لامتناع توجّه النفس نحوه ، فلا بدّ من تصوّره بوجهٍ ما ، ولمّا كان لا يمكن تحصيله إلّا في ضمن تصوّره بوجه مخصوص لعدم السبيل الى حصول العامّ إلّا بوجوده في ضمن الخاصّ ، اختير تصوّره باسمه ؛ لاستلزامه الواجب لا لخصوصيّة فيه ، ولا ينافيه كون غيره كذلك ، وذلك كمن كان له طرق موصلة إلى مراده ، فإنّ له أن يختار أحدها وإن كان الباقي غيره موصلاً إليه ، فيصير الترجيح بمحض إرادته وتصميم قصده ونيّته.

وأمّا توقّفه على تصوّره برسمه ؛ فليكون على كمال بصيرة في طلبه ويزداد معرفةً بمراده ؛ لأنّه متى تصوّره كذلك وقف على جميع مسائله إجمالاً ، حتى إنّه يعرف عند ورود كلّ مسألة منه عليه أنّها منه بلا شكّ لديه.

فإنّ من تصوّر هذا العلم بأنّه علمٌ بقواعد كليّة ممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة ، حصل عنده قضية كلّيّة تصلح كبرى قياس يستخرج منه النتيجة ، وهي : أنّ

٧٩

كلّ مسألة من مسائله لها مدخل في ذلك الاستنباط وتمكّن بذلك من معرفة مسائله وتمييزها عن غيرها تمكّناً تامّاً ، بأن يقول : هذه مسألة خاصّتها استنباط الأحكام الشرعية ، وكلّما كان كذلك فهو مسألة أُصوليّة ، فهذه المسألة منه بلا مرية. فكأنّه قد علم حينئذ ذلك العلم ولو بالمعرفة الإجماليّة ، وليس المراد أن مجرّد تصوّر الرسم يوجب العلم الفعلي وتمييز جميع المسائل ، بل المراد التمكّن منهما ، ولا ينافي عدم حصول التمييز الفعلي في بعض المسائل ، كما أن التمكّن من الاجتهاد لا ينافي وقوع ( لا أدري ) من المجتهد في بعض الموارد ولو لتعارض المآخذ.

وأمّا توقّفه على معرفة الموضوع ؛ فلأنّ العلوم أنّما يمتاز بعضها عن بعض بتمايز موضوعاتها ؛ إمّا حقيقةً كامتياز الفقه عن أُصوله ، أو اعتباراً كامتياز كلّ من النحو والصرف والمعاني والبيان عن الآخر ، مع أنّ البحث في كلّ منهما عن الكلمات العربيّة ، إلّا إنّ النحو من حيث الإعراب المتعلّق بأواخرها ، والصرف من حيث نفس أبنيتها من صحّتها وإعلالها وسائر أحوالها ، والمعاني والبيان من حيث فصاحتها وبلاغتها. فلمّا امتاز موضوع كلّ منها عن موضوع الآخر تميّزت هي أيضاً كذلك ، وصار كلّ منها فنّاً منفرداً.

ولعلّ السرّ في ذلك أنّه لمّا كان الغرض الأقصى من معرفة العلوم ، والمقصد الأسنى من تلك الرسوم ، إنّما هو بيان أحوال الأشياء على ما هي عليه ، ومعرفتها كذلك للّذي به كمال النفس الإنسانية في القوّة الإدراكيّة ، فإذا تعلّق بعض الأحوال بشي‌ء مخصوص ، والآخر بشي‌ء آخر ، كان كلّ منهما علماً برأسه وامتاز عن صاحبه. ولو تعلّق كلّ منهما بشي‌ء واحد من جهة واحدة أو بأشياء متناسبة من جهة واحدة ، صار الجميع علماً واحداً ، ولم تتحقّق المعرفة الحقيقيّة. وحينئذ ، فمتى لم يعرف الموضوع لم يميّز العلم المطلوب ، فلا يكون له فيه بصيرة ، بل ترجع عينُهُ عنه حسيرة.

وأمّا توقّفه على معرفة غايته ووجه الحاجة إليه ؛ فلأنّه لو لم يعلم ذلك لكان طلبه عبثاً

٨٠