الرسائل الأحمديّة - ج ٣

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

فهو الربّ في الرتبة الاولى في ذاته ، وفي الثانية في مشيئته وقبل خلق خليقته ، وفي الثالثة في أحداث المخلوقات وإبراز صور المكونات مشروطة العلل والأسباب.

والربُّ على الإطلاق معرّفاً باللّام هو الله تعالى ، ولا يطلق على غيره من المخلوقين إلّا مجرّداً منها أو مضافاً كربّ الدار ، نصّ عليه غير واحد من اللغويّين (١) ، وغيرهم من الخاصّة والعامّة كالبيضاوي في ( التفسير ) (٢) ، والفيروزآبادي في ( القاموس ) (٣) ، والشيخ فخر الدين النجفي في ( مجمع البحرين ) (٤) ، والجزري في ( الحواشي المفهّمة ) ، والطبرسي في ( الجوامع ) (٥).

وورد عن الأئمّة الأطياب : « نزّهونا عن الربوبيّة وقولوا فينا ما شئتم ، ولن تبلغوا » (٦) ، وهو نص صريح في الباب ، وإرخاء العنان في هذا الميدان يفضي إلى الإسهاب ، وإلى الله المرجع والمآب.

وجملة قوله عليه‌السلام : « صبرت على عذابك » (٧) في موضع نصب على أنّها مفعول ثان ل ( هب ) ، وإنّما فصل عليه‌السلام بين المفعولين بالنداء تنبيهاً على كمال الانقطاع إلى الله وتمام الافتقار إلى مولاه ، وشدّة احتياجه في كلّ لحظة ولفظة إلى إمداده وإسعافه وإسعاده في نيل مرامه ومراده في مبدئه ومعاده.

وآثر الجملة الفعليّة تنبيهاً على تجدّد الصبر وحدوثه عند تجدّد كلّ بليّة وحدوثها ، والتسليم والرضا بما يحدث عليه من الكروب ، وكلّ ما يفعل المحبوبُ محبوب.

واختار عليه‌السلام الجملة الماضويّة على الجملة الاستقباليّة لتنزيل ما هو للوقوع ولو فرضاً كالواقع ، وهو في العربيّة شائع وفي كلام الفصحاء والعرب العرباء ذائع.

وقوله عليه‌السلام : « فكيف أصبرُ على فِراقك » (٨) جملةٌ مسوقة للتّعجب المدلول عليه

__________________

(١) كتاب العين ٨ : ٢٥٦ رب ، الصحاح ١ : ١٣٠ ربب ، لسان العرب ٥ : ٩٤ ربب.

(٢) تفسير البيضاوي ١ : ٨.

(٣) القاموس المحيط ١ : ٢٠٦ باب الباء / فصل الراء.

(٤) مجمع البحرين ٢ : ٦٤ ربب.

(٥) جوامع الجامع ١ : ٦ ـ ٧.

(٦) التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٠ ، بصائر الدرجات : ٢٣٦ / ٥ ، البحار ٢٥ : ٢٧٤ / ٢٠ ، باختلاف.

(٧) مصباح المتهجّد : ٧٧٨.

(٨) مصباح المتهجّد : ٧٧٨.

٣٦١

بكيف ، على حدّ قوله تعالى ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ) (١) الآية في موضع جزم على الجواب ، ولهذا قُرنت بالفاء الرابطة المقترنة بما له صدر الكلام ، وهو أحد المسائل الستّ التي تتعيّن فيها الفاء للرّبط ، على حدّ قول الشاعر :

فإنْ أهلك فذي حنقٍ لظاهُ

عليّ يكاد يلتهب التهابا (٢)

حيث دخلت على ( ربّ ) مقدّرة ، وقد تقرّر أنّ لها الصدريّة.

وقد وقع الخلاف في الجازم المقتضي للجواب في مثل هذا التركيب ، فالجمهور (٣) على أنّه بأداةِ شرطٍ مقدّرة هي وفعل الشرط ، فتقديره هنا : فإنْ تعلمني صابراً فكيف أصبر؟! والخليل وسيبويه (٤) على أنّه نفس الطلب ، لتضمّنه معنى ( إنْ ) الشرطيّة ، كما جزمت أسماء الشرط لتضمّنها معناها. واختاره أيضاً ابنُ هشام في شرح قطره (٥).

والفارسي والسيرافي (٦) على أنّه الطلبُ ؛ لنيابته عن الشرط المقدّر ، كما نصب ( ضرباً ) في ( ضرباً زيداً ) لنيابته عن اضرب لا لتضمّنه معناه.

وتفصيلُ الكلام في هذا المقام موكولٌ إلى المطوّلات بالنقض والإبرام. ونظيرُ هذه الفقرة الشريفة في هذا الإعراب قوله تعالى ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٧).

والكلام على الفقرة الثانية إعراباً ومعنًى يعرفُ من الكلام على الأولى ، والله العالم العاصم.

__________________

(١) البقرة : ٢٨.

(٢) مغني اللبيب ١ : ٢١٨ ، شرح شواهد المغني : ٤٦٦ ، وفيهما : ( لهب ) بدل ( حنقٍ ) ، خزانة الأدب ١٠ : ٢٦.

(٣) مغني اللبيب ١ : ٢٩٩.

(٤) مغني اللبيب ١ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، همع الهوامع شرح جمع الجوامع ٢ : ١٥.

(٥) قطر الندى وبلّ الصدى : ٨٠.

(٦) مغني اللبيب ١ : ٢٩٩ ، همع الهوامع شرح جمع الجوامع ٢ : ١٥.

(٧) آل عمران : ٣١.

٣٦٢

تتميمٌ فيه نفعٌ عميم ، ودفعٌ لسؤال عظيم

معنى استغفار الأئمّة من الذنوب

إنْ قيل : قد عُلم ضرورةً من مذهب الإماميّة الأبرار عصمة الأئمّةِ الأطهار من الذنوب والآصار ، وأنّهم لا يفترون عَنْ طاعة اللهِ وعبادته آناءَ الليل وأطرافَ النهار ، وأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قسيم الجنّة والنار بين الأبرار والفجّار ، كما تكثّرت به الأخبار (١) واشتهر أيّ اشتهار ، فما الوجهُ في فرضه عليه‌السلام الصبر على النار ، ونسبته وأبنائه المعصومين أنفسهم إلى الذنوب وعصيان الملك الجبّار؟.

قلت : الجواب عن ذلك من وجوه :

منها : أنّهم عليهم‌السلام قد تحمّلوا ذنوب شيعتهم ومحبّيهم وأنصارهم ومواليهم ، لكمال لطفهم بهم ، وتمام رحمتهم لهم ، وشدّة الاعتناء بشأنهم. ويدلّ عليه ما ورد في تفسير قوله تعالى ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) (٢) ، فعن الصادق عليه‌السلام ، أنّه سُئل عن هذه الآية ، فقال : « ما كان له ذنبٌ ولا هَمَّ بذنبٍ ، ولكنّ الله حمّله ذنوب شيعته ، ثم غفرها له » (٣).

وعنه عليه‌السلام أنّه سُئل عنها ، فقال : « واللهِ ما كان له ذنبٌ ، ولكنّ الله سبحانه ضَمِنَ له أَنْ يغفرَ ذنوبَ شيعةِ عليّ عليه‌السلام ما تقدّم من ذنبهم وما تأخّر » (٤). إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المضمار.

ولعلّ السرَّ فيه أنّهم خُلقوا من فاضل طينتهم ، وإنّما لحقتهم الذنوب والمعاصي من لطخ (٥) أعدائهم ، كما تكثّرت به أخبارهم (٦) ، فلمّا كانوا منهم ومنسوبين إليهم في

__________________

(١) انظر : بصائر الدرجات : ٤١٥ ـ ٤١٦ / ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، البحار ٣٩ : ١٩٣ ، باب ٨٤.

(٢) الفتح : ٢.

(٣) تفسير القمّي ٢ : ٣٢١ ، مجمع البيان ٩ : ١٤٣ ، البحار ١٧ : ٨٩ / ١٩.

(٤) مجمع البيان ٩ : ١٤٢ ، البحار ١٧ : ٧٦.

(٥) تلطّخ فلان بأمرٍ قبيح. تدنّس. لسان العرب ١٢ : ٢٨٠ لطخ.

(٦) انظر : علل الشرائع ١ : ١١٦ / ٢ ، البحار ٥ : ٢٤٢ / ٢٩.

٣٦٣

الذوات والصفات والأعمال والاعتقادات ، حتّى إنّ أعداءهم عادَوا شيعتهم وسعَوا بكلّ مكروه إليهم ، وما المسبِّبُ لذلك إلّا متابعتهم لأئمّتهم وانتسابهم لهم في فرعهم وأصلهم وقُلِّهم (١) وجلّهم ، لا جرم تكرّموا عليهم بحمل أثقالهم وما أصابهم من لطخ أعدائهم.

ولهذا جعلوا عليهم‌السلام بغض الشيعة معيار الناصب والميزان الفارق بين الصادق والكاذب ، كما رواه الصدوق في ( العلل ) عن ابن سنان ، و ( المعاني ) عن ابن خُنَيْس كلاهما عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « ليس الناصبُ مَنْ نصب لنا أهل البيت ، لأنّك لا تجد أحداً يقول : إني أبغضُ محمّداً وآل محمّد. ولكنّ الناصبَ مَنْ نَصَبَ لكم ، وهو يعلم أنّكم تتولّوننا (٢) وتتبرّءون من أعدائنا » (٣).

وهو ظاهر لُاولي الأبصار ، كالنار على الأطوار.

ومنها : أنّهم عليهم‌السلام لمّا كانوا في غاية القرب من ذي الجلال ، وكانت ذواتهم متعلّقة بالملإ الأعلى ومشاهدة ذلك الجمال والكمال ، وجوارحهم مملوءة بخوفه ، وجوانحهم مشغولة بذكره ومستغرقة بطاعته وخشيته ، فهم أبداً مخلصون بالانقطاع إليه ومقبلون بكلّهم عليه ، كانوا متى انحطّوا عن تلك الرتب العلويّة إلى الاشتغال باللوازم البشريّة السفليّة من المباحات اللّابديّة جعلوه ذنباً وخطيئة واستغفروا منه رَبّ البريّة ، كما أنّ الأقربين إلى الملك لو اشتغلوا وقت مجالسته إلى غيره من رعيّته لعدّوا ذلك تقصيراً واستغفروا منه كثيراً ، فما ظنّك بأفقر الفقراء وأطوع العبيد بالنسبة إلى ملك الملوك المولى المجيد ، ويدلّ عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « حسناتُ الأبرارِ سيّئات المقرّبين » (٤).

ومنها : أنّهم عليهم‌السلام عرفوا الله حقّ معرفته ؛ إمّا بالنسبة إلى غيرهم مِنْ خليقته ولو كانوا من أقرب ملائكته ، أو باعتبار إقرارهم مع عظم شأنهم بالعجز عن إدراك كنه هويّته ؛

__________________

(١) القُلُّ : خلاف الكُثْرِ. لسان العرب ١١ : ٢٨٧ قلل.

(٢) علل الشرائع ٢ : ٣٢٧ / ٦٠.

(٣) معاني الأخبار : ٣٦٥ / ١.

(٤) كشف الخفاء ١ : ٣٥٧ / ١١٣٧ ، ونسبه لبعض الصوفية ، وأنكر كونه حديثاً.

٣٦٤

لأنّ العجز عن دَرْكِ الإدراك إدراك ، فإذا نظروا إلى علوّ مقامه وسوابغ إنعامه صغُر عندهم كلُّ كبير في جنب نعمه ، وقلّ عندهم كلُّ كثير بالنسبة إلى جوده عليهم وكرمه ؛ لأنّ توفيقه إيّاهم لخدمته نعمةٌ توجب شكراً ، وهكذا نعمة بعد اخرى.

ولهذا قال زينُ العابدين وسيّد الساجدين في دعاء التحميد : « والحمدُ للهِ الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم مِن مِنَنِهِ المتتابعة ، وأسبغ عليهم من نعمة المتظاهرة لتصرّفوا في مِنَنِهِ فلم يحمدوه ، وتوسّعوا في رزقه فلم يشكروه » (١).

وورد في مناجاة داود عليه‌السلام :إلهي كيف أشكرك والشكرُ نعمةٌ اخرى تستدعي شكراً (٢).

وفي رواية : « وشكري لك نعمة اخرى توجب عليّ الشكر لك ».

وفي اخرى : « وأنا لا أستطيع أنْ أشكرك إلّا بنعمة ثانية من نعمك » (٣).

ومنها : أنّه من قبيل قول الشاعر :

أقول وما أذنبت قالت مجيبةً

وجودك ذنبٌ لا يقاس به ذنب

وتقريره على وجهين :

الأوّل : إنّهم لمّا كانوا في غاية الفقر إلى الله تعالى وكمال الانقطاع إليه كانوا لا يجعلون لهم إنّية من الإنيّات ، ولا وجوداً من الوجودات ، ولا حقيقةً من الحقائق ، كما أشاروا إليه عليهم‌السلام في كثيرٍ من أدعيتهم وأخبارهم ، فمن كلام الحسين عليه‌السلام في دعاء عرفة على ما في ( جامع السرائر ) نقلاً من ( مصباح الزائر ) :

« إلهي أنا الفقيرُ في غنائي فكيف لا أكون فقيراً في فقري ، إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي ، إلهي مَنْ كانت محاسنه مساوي فكيف لا تكون مساوية مساوي ، ومَنْ كانت حقائقه دعاوي فكيف لا تكونُ دعاويه دعاوي » (٤).

__________________

(١) الصحيفة السجادية ( دعاؤه عليه‌السلام إذا ابتدأ بالدعاء بدأ بالتحميد ) : ١٨.

(٢) عدة الداعي : ٢٢٥ ، الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسية : ٧٤.

(٣) البحار ٦٨ : ٣٦.

(٤) إقبال الأعمال : ٣٤٨ ، ولم يورده في مصباح الزائر ، البحار ٩٥ : ٢٢٧.

٣٦٥

وقال زين العابدين عليه‌السلام : « فما أنا يا ربِّ وما خطري » (١) إلى غير ذلك.

ولهذا ورد عنهم عليهم‌السلام نهي سائر العوام عن قول : ( أنا ) ؛ لإيهامه الاستقلال والاستغناء عن مدد ذي الجلال.

الثاني : إنّه لما كان العملُ طريق الخلق للحقّ ، وهو متوقِّف على وجود العامل الذي هو حجابٌ بينه وبين ربّه ، ولا ينفكّ عنه المخلوق حال وجوده ، فهو محجوب بوجوده ، والمحجوب مقصّرٌ ، فهم عليهم‌السلام وإنْ لم يلحظوا أنفسهم في وجدانهم كما مرّ لكنّهم موجودون ظاهراً ، فهم يستغفرون من نسبة هذا الوجود المتوهّم إليهم ، الذي هو مضمحل بالنسبة إلى وجود ربّهم.

والوجوه في هذا المعين يطول بها الإملاء ، وإلى الله المرجع والمنتهى.

مسألة الثالثة : إعراب ( إن ) في قوله : ( لأكرمن زيدا وإن أهانني )

وأمّا الجواب عن المسألة الثالثة ، فهو يستدعي الكلام على جميع المثال ، فأقول سائلاً منه تعالى العصمة والتسديد في كلّ مقال :

إنّ اللّام هنا موطّئة للقسم على حدّها في قوله تعالى ( لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ) (٢) ، وغيرها من الآيات الشريفة. وتسمّى أيضاً مؤذنةً ، وضابطها في الأغلب أنّها اللّام الداخلة على أداة شرطٍ للإيذان بأنّ الجوابَ بعدها مبنيٌّ على قسم قبلها لا على الشرط ، وسمّيت موطّئة ؛ لأنّها توطّئ الجواب للقسم وتمهّده له.

والقسم هنا محذوفٌ ؛ لدلالة اللّام عليه ، وقد لا تلي أداة الشرط كما في الآية المذكورة وأشباهها.

قال في ( المغني ) : ( وحيث قيل : ( لأفعلنَّ ) أو ( لقد فعل ) أو ( لئن فعل ) ، ولم يتقدّم جملة قسم فثمّ جملة قسم مقدّرة نحو ( لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً ) (٣) ) (٤) .. الى آخره.

__________________

(١) الأمالي ( للصدوق ) : ٢٨٨ / ٣٢١ ، البحار ٧٥ : ١٤٧ / ٧.

(٢) طه : ٩٧.

(٣) النمل : ٢١.

(٤) مغني اللبيب ٢ : ٨٤٦.

٣٦٦

والجملةُ الفعليّة جواب القسم المحذوف.

واختلف في الواو الواقعة قبل ( إنْ ) و ( لو ) الوصليّتين ، كهذا المثال و « اطلبوا العلم ولو بالصين » (١) ، على أقوال :

فالمحقّقون على أنّها عاطفةٌ على جملةِ شرطٍ محذوفة في موضع الحال تقديرها ( لأُكرمنّ زيداً إنْ لم يهنّي وإنْ أهانني ) ، و ( اطلبوا العلم لو كان أهله في مواضعكم ولو كانوا في الصين ).

وأساغ حذف الجملة منافاة الثانية لثبوت الحكم ومناسبة الأُولى له ؛ لأنّ الإكرام والطلب مثلاً إذا تحقّقا مع المنافي كان تحقّقهما مع المناسب بالطريق الأوْلى ، فحذفت الجملة الأُولى لعدم الحاجة إلى ذكرها ، والاكتفاء عنها بالواو العاطفة على نظيرتها ، المتناولة لجميع الأحوال المتغايرة لإفادتها استقصاء الأحوال على وجه الإجمال. وجاز وقوع الجملة الشرطيّة في موضع الحال ؛ لأنّه إذا شرط الشي‌ء ونقيضه انسلخ معنى الشرط ؛ لأنّ الشي‌ء الواحد من حيث هو واحد لا يكون مشروطاً بشي‌ء ونقيضه.

وذهب بعضٌ منهم الزمخشري (٢) والتفتازاني (٣) ، بل نقله عن الجمهور ، إلى أنّها حالية ، والعامل فيها ما تقدّم من الكلام ، فيكون الذي هو كالعوض عن الجزاء عاملاً في الشرط نصباً على الحالية ، كما عمل جواب ( متى ) النصب فيها على الظرفيّة.

وأجابوا عن منافاة معنى المضيّ والاستقبال اللّذين في ( إنْ ) و ( لو ) لمعنى الحال الذي في الواو بأنّ حالية الحال باعتبار عامله ، سواءً كان مستقبلاً أو ماضياً ، كـ : ضربته أمس أو غداً ، مجرّداً.

واحتجّوا على أنها للحال بعدم تقدّم ما يصلح للعطف فلا تكون عاطفةً ، وباحتياج الكلام إلى ما بعدها فلا تكون استئنافيّة ، فتتعيّن فيها الحاليّة.

__________________

(١) غوالي اللئلئ ٤ : ٧٠ / ٣٧.

(٢) الكشاف ١ : ٢٦٤ ، و ٣ : ٥٥٤.

(٣) المطول : ٢٧٤.

٣٦٧

وهو مردودٌ بما مرّ من تقدّم ما يصلح للعطف وهو الجملة الشرطيّة المحذوفة ، وهي في حكم الملفوظة لدلالة القرينة المقاليّة والمقاميّة عليها ، فلا مانع من العطف عليها.

هذا ، وقد أورد عليهم الخواجة في ( حاشية المطوّل ) : ( إنّ مقتضى الحالية كون ما بعد الواو وهو الأداة الشرطية وما يليها في موضع الحال ، ولذا يقدّر : وإنْ كانَ الحالُ كذا [ دون (١) ] والحال لو كان كذا ، ولذا قدّر الزمخشري الحاليّة في قوله تعالى ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) (٢) بقوله : ( ولو كان الحال أنّ المشركة تعجبكم وتحبّونها ) (٣). وهو هنا غير مستقيم ) (٤).

أقول : لا يخفى أنّ ما قرّره المورد من أنّ تقدير ( إنْ ) وما بعدها في موضع الحال غير مستقيم ؛ إذ لا مانع من تقديرها بقولنا : لأُكرمنّ زيداً حال عدم إهانته وإنْ كان الحال أنّه أهانني. فقصارى الأمر أنّه لا يتعيّن فيها الحاليّة كما يقولون ، بل تحتملها وتحتملُ العطف وإنْ ترجّح العطفُ على الحال ، لما لا يخفى على مَنْ أصلح الله له البال.

وذهب آخرون إلى أنّها اعتراضيّة فتصير الجملة بعدها معترضة ، وهي المتوسّطة بين أجزاء الكلام متعلّقاً به معنىً مستأنفاً لفظاً على طريق الالتفات (٥).

وفيه أوّلاً : أنّ الحكم بكونها اعتراضيّة يفوّت المعنى المقصود بالذات من مثل هذا التركيب وهو كون ضد الشرط أوْلى بالحكم من الشّرط على أخصر وجه.

وثانياً : أنّه لا يتمُّ إلّا على مذهب بعض أهل البيان ومَنْ وافقهم من النحاة مِنْ جواز وقوع الجملة المعترضة في آخر الكلام ، كالشيخ الرضي (٦) والزمخشري والتفتازاني (٧). أمّا على مذهب الجمهور (٨) من اشتراط توسّطها في الأثناء سواء كانت

__________________

(١) في المخطوط : ( لا ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) البقرة : ٢٢١.

(٣) الكشّاف ١ : ٢٦٤.

(٤) حاشية السيالكوتي على كتاب المطوّل : ٤٠٩.

(٥) شرح الرضي على الكافية ٤ : ٩٩ ، المطوّل : ٢٧٤.

(٦) شرح الرضي على الكافية ٤ : ٩٩.

(٧) المطول : ٢٧٤.

(٨) المطوّل : ٢٩٨.

٣٦٨

بين الفعل وفاعله ، أو بينه وبين مفعوله ، أو بين المبتدأ وخبره ، أو بين الشرط وجوابه ، أو القسم وجوابه ، أو الموصوف وصفته ، أو الموصول وصلته ، أو بين أجزاء الصلة ، أو المضاف والمضاف إليه ، أو الجار ومجروره ، إلى غير ذلك من الفروع المذكورة في محلّها ، فلا.

فانحصر المعنى المراد من الواو في العطف على الوجه الأرجح ، أو الحاليّة على الوجه المرجوح.

وأمّا ( إنْ ) الواقعة في مثل هذا التركيب ، فاختلف فيها على قولين :

فمنهم مَنْ قال : إنّها مع وصليّتها باقية على شرطيّتها فتحتاج إلى جواب لكنّه محذوف لدلالة ما قبله عليه ، كما حذف الشرط والجواب معاً لدلالة ما قبلهما عليهما في قول الشاعر :

قالت بناتُ العمّ يا سلمى وإنْ

كان فقيراً معدماً قالت وإنْ (١)

ومنهم مَنْ قال : إنّها لمّا جي‌ء بها لا لقصد التّعليق والاشتراط ، بل لتحقيق مفاد الكلام السابق على جميع الأحوال والمبالغة في الحكم والإيغال ، لم يلاحظ لها جوابٌ محذوف أصلاً لعدم الحاجة إليه. وهو صريح التفتازاني في ( المطوّل ) (٢) وظاهره في ( المختصر ) (٣).

ويمكن الجواب بأنّ إفادة الوصل والربط ليس من حاقّ اللفظ ، وذلك لا يمنع من ذكر الجواب للشرط ، كدلالتها على التهييج والإلهاب في مثل قولهم : ( إنْ كنت ابني فلا تضرب زيداً ) ، ومنه قوله تعالى ( وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٤) ، على أحد الوجهين ، وكدلالتها على الاستبعاد في مثل قولهم : ( عظ الظالمين إنْ سمعوا منك ) ، ومنه قوله تعالى ( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ) (٥) على أحد الوجوه.

__________________

(١) شرح الرضي على الكافية ٤ : ٨٦ ، مغني اللبيب ٢ : ٨٥٢ ، خزانة الأدب ٩ : ١٤.

(٢) المطوّل : ١٦٣.

(٣) مختصر المعاني : ٩٢.

(٤) المائدة : ٥٧.

(٥) الأعلى : ٩.

٣٦٩

وكيف كان ، ف ( إنْ ) هنا خالية من ذكر الجواب ، أمّا على القول بعدم احتياجها إليه فلا إشكال ، وأمّا على القول بالاحتياج فلتقدّم القسم عليها ، وقد مرّ أنّه متى اجتمع القسم والشرط ولم يتقدّمهما ما يقتضي خبراً جُعلَ الجوابُ للمتقدّم لشدّة الاعتناء به ، وحُذِف من المتأخّر لدلالة الأوّل عليه ، وهو موضع وفاق بين النحاة ، إلّا من ابن مالك والفرّاء (١) ، حيث أجازا جعل الجواب للشّرط ، وقد مرّ الكلام فيه مستوفياً فلا نعيده.

هذا في ( إنْ ) المقترنة بالواو المتقدّم عليها ما يدلّ على الجواب ، وأمّا ( إنْ ) الخالية منها المتقدّم عليها أيضاً ما يدلّ عليه ممّا هو جوابٌ في المعنى دون الصناعة ، إمّا لكون ذلك المتقدّم جملةً اسميّة مجرّدة من الفاء كـ : ( أنتَ ظالمٌ إنْ فعلتَ ) ، أو جملة منفيّة بـ ( لم ) مقرونة بالفاء ، نحو :

فلم أرقه إنْ ينجُ منها (٢)

 ...........................

أو مضارعاً مرفوعاً كـ : ( أفعل إنْ فعلت ) ، فاختلف أيضاً في جوابها.

فجمهور البصريّين (٣) على أنّه محذوفٌ وجوباً لدلالة المتقدّم عليه ، لا أنّ المتقدّم هو الجواب.

أمّا أوّلاً ؛ فلعدم صلوح المتقدّم للجواب ، كما مرّ.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ أداة الشرط حقّها التقدّم في صدر الكلام والخطاب ، فلا يتقدّمها الجواب.

والكوفيّون وبعضُ البصريّين (٤) على أنّه لا حذف ، وأنّ المتقدّم هو الجواب.

وأجابوا عن عدم اقتران الجملة الاسميّة بالفاء بأنّ عدم اقترانها بها لعدم مناسبتها

__________________

(١) أوضح المسالك ٣ : ١٩٨ ، همع الهوامع شرح جمع الجوامع ٢ : ٤٣.

(٢) الخصائص ٢ : ٣٨٨ ، الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٦ ، لسان العرب ١٠ : ٦٨ غسس.

(٣) شرح الرضي على الكافية ٤ : ٩٨ ، شرح التصريح على التوضيح ٢ : ٢٥٣.

(٤) شرح التصريح على التوضيح ٢ : ٢٥٤.

٣٧٠

الصدر ، ولكونها خلفاً عن العمل ، ولا عمل مع التقدّم.

وعن دخول الفاء على الجملة الفعليّة المنفيّة بـ ( لم ) بالتزامهم جوازَ دخول الفاء عليها ، كما فعله الزمخشري وبدرُ الدين بن مالك في قوله تعالى ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ) (١) ، حيث قدّراه : ( إنْ افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ) (٢).

وعن رفع المضارع بأنّه لضعف الحرف أنْ يعمل مؤخّراً.

وهذه الأجوبة لا تخلو من تأمّل لا يخفى على المتأمّل.

وممّا يؤيّد البصريّين دلالةُ الكلام في مثل هذا المَقام على أنّ المتكلّم بمثل هذا الكلام أراد الإخبار على جهة الجزم واليقين من أوّل وهلةٍ أو حين ، ثمّ بدا له التعليق بالشرط ، فهو كالتخصيص بعد التعميم ، بخلاف من يبني كلامَهُ من أوّل وهلة على الشرط ، فإنّ الجواب المعنويّ يتأخّر في كلامه فيقع ما بعد الشرط جواباً صناعةً ومعنًى ، كما يشهد به الذوق السليم والطبعُ المستقيم ، و ( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (٣).

تنبيهٌ :

قد احتملنا في الجواب الأوّل المختصر كون ( إنْ ) هنا بمعنى ( قد ) التحقيقية على حدّ قوله تعالى ( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ) (٤) ، وجعلنا الواو فيها متعيِّنة للحاليّة ، إلّا أنّا حذفنا هذا الاحتمال هنا لوجهين :

الأوّل : إنّ كونها بمعنى ( قد ) غير متّفق عليه ، ولهذا حملت في الآية تارة على الشرط وحذف المعطوف ، أي : وإنْ لم تنفع ، وعلى الاستبعاد كـ : ( عظ الظالمين إنْ سمعوا منك ) تريد الاستبعاد لا الشرط تارة أُخرى.

الثاني : أنّه خلاف المعنى المراد من مثل هذا التركيب والمتبادر من اللّفظ في مثل

__________________

(١) الأنفال : ١٧.

(٢) الكشّاف ٢ : ٢٠٧ ، شرح ألفية ابن مالك ( ابن الناظم ) : ٧٠٦.

(٣) الحديد : ٢١.

(٤) الأعلى : ٩.

٣٧١

هذه الأعاريب ، كما لا يخفى على اللّبيب والأديب الأريب ، وإنّما نبّهنا عليه هنا تمهيداً لبطلان ما توهّمه السائل الفاضل من منافاة هذا الوجه لاشتراطهم القطعيّة في مدخول الواو الحاليّة ، وعدم وروده عليه بالكلّيّة ، كما سيأتي التنبيه عليه في الكلام على كلامه. وإلى الله المنتهى في مبدأ الأمر وختامه.

وحيث قد وفّق الملكُ الوهّاب لإتمامِ الجواب فلنوفِ ما وعدنا به من ذكر ما أورده السائل السامي الجناب ، ثمّ لنتكلّم عليه بما يكشف غبار الارتياب ، فأقول :

رد السائل

قال السائل وفّقنا الله وإيّاه لاقتناء الفضائل والفواضل ـ :

بسم الله ، أقول : ذكر المجيب أعلى الله رتبته وأنعم إجابته ـ : إنّ النحاة واللّغويّين صرّحوا بأنّ ( هبني ) فعل أمر وهو من أفعال القلوب بمعنى ظُنّ بضمّ الظّاء ، وهذا لا ينطبق على وفق الدعاء ، إذ الظّن عندهم هو ما احتمل النقيض ، فيرجع بالآخرة إلى التردّد بين العلم وعدمه ، وهذا لا يجوز نسبته إلى العليم الخبير سبحانه ، ولا يعارض بالتردّد المنسوب إليه تعالى في الكلام القدسيّ من قوله سبحانه : « ما تردّدت في شي‌ءٍ أنا فاعله » (١) .. الى آخره ، أو قد خرّجوه على وجوه ليست من الظّن في حال.

وأمّا ما نقلوه عن ( القاموس ) فهو بمعزل عن المسئول عنه ؛ لأنّه هناك من باب ( وَهَب ) بمعنى : أعطى ، والواو فيها واو الكلمة لا خارجة ، غير أنّها تحذف من فعل الأمر ، ويكون معنى قوله في ( القاموس ) : ( احسبني واعددني ) (٢) : اجعلني من المحسوبين في هبتك والمعدودين من أهل كرامتك ، وضمير الكاف المنسوب إليه الخطاب أعمّ من أنْ يكون هو الله سبحانه أو غيره ، فما برح السؤال عارياً من الجواب عند من كانت له أدنى ملكة من اولي الألباب.

وأمّا نسبة ( الواو ) إلى الحاليّة في المثال المسئول عنه ، أيّ : ( لأُكرمنّ زيداً وإنْ

__________________

(١) المؤمن : ٣٢ ٣٣ / ٦٢ ، ٦٣ ، علل الشرائع ١ : ٢٣ / ٧ ، الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة : ٩٩ ، البحار ٦٤ : ٦٦ / ٢٣.

(٢) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥.

٣٧٢

أهانني ) ، فهو من العجاب ؛ لأنّ مدخول الواو الحالية عند اولي الفنّ لا يكون إلّا قطعيّاً سواء كان في جانب النفي أو الإثبات ، كما لا يخفى على المتتبّع الخبير والعارف البصير.

وهي في هذا المثال وأشباهه لا تفيدُ إلّا التردّد ، والمعنى : ( إنّي لأُكرم زيداً إنْ لم يهني وإنْ أهانني ) ، إلّا إنّ أهل الفصاحة كانوا يحذفون الظاهر ويظهرون الأخفى طلباً للبلاغة ، ألا ترى أنّ عدم الإهانة ممّا يطابق الإكرام ، والإهانة خلاف الإكرام ، فحذفوا المتبادر إلى الفهم وأظهروا ما هو خلاف الوهم.

وأمّا ( إنْ ) المكسورة فلم نعلم لها إلا الأربعة المعاني التي صرّح بها ( مغني اللّبيب ) (١) وغيره ؛ وهي الشرطيّة ، والنافية ، والزائدة ، والمخفّفة من الثقيلة.

ونقل هو (٢) عن بعضهم : أنّها تكون بمعنى ( قد ) التحقيقية و ( إذ ) التي للإثبات ، ثم ضعّفهما ونفاهما.

وأمّا الوصل فلم يتعرّض إليه هُو ولا غيره من أهل النحو ، ولا أدري ذلك غفلة أو عدم اطّلاع! فليكن من المجيب رفع الله شأنه التعريف بالموضع الذي وجد فيه معنى الوصل حتى نثبته في أحد الكتب التي عندنا من كتب النحو ، والسلام.

نقض الجواب

أقولُ والله الموفّق لارتقاء سلّم الوصول لتحقيق الفروع والأُصول ـ :

أما قوله : وهذا لا ينطبق .. إلى آخره.

ففيه : ما قرّرناه في هذا الجواب من أنّ معنى الظنّ لا يصلُحُ هنا ، لكون أسمائه تعالى وصفاته توقيفيّة ، ولم يرد إطلاق لفظ الظنّ عليه حتى لو أُريد به العلم ، ولو لا ذلك لصحّ ، لكن بتأويله بمعنى العلم ؛ لأنّ الظن كما يُستعمل في الاعتقاد الراجح المحتمل للنقيض كذلك يستعمل في الاعتقاد الجازم الذي لا يحتمله ، كما صرّح به اللغويّون وغيرهم.

قال في ( مجمع البحرين ) : ( وقد جاء الظنّ بمعنى العلم ، قال تعالى ( أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ

__________________

(١) مغني اللبيب ١ : ٣٣ ـ ٣٨.

(٢) مغني اللبيب ١ : ٣٩.

٣٧٣

أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ) (١) ، وعن بعضهم أنّه قال : يقع الظنّ لمعانٍ أربعة ، منها معنيان متضادّان أحدهما : الشكّ ، والآخر : اليقين الذي لا شكّ فيه. فأمّا معنى الشكّ فأكثر من أنْ تحصى شواهده.

وأمّا معنى اليقين ، فمنه قوله تعالى ( أَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً ) (٢) ، ومعناه : علمنا. وقال تعالى ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ) (٣) ، ومعناه : فعلموا بغير شك. قال الشاعر :

رُبّ أمرٍ فرّجته بغريم

وغيوب كشفتها بظنون

ومعناه : كشفتها بيقين وعلم ومعرفة.

وفي حديث وصف المتّقين : « وإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها ، وظنّوا أنّها نصب أعينهم » ، أي : أيقنوا أنّ الجنّة معدّة لهم بين أيديهم ) (٤) .. إلى آخره.

وقال الهروي في ( الغريبين ) في باب الظاء مع النّون : ( قوله تعالى ( وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ ) (٥) أي : علموا ، ومنه قوله تعالى ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) (٦) ، قال الفرّاء : الظنُّ : العلم هنا. وقال دريد :

فقلت لهم ظنّوا بألفي مُدَجَّج

سراتهم في الفارسي المسرَّدِ (٧)

أي : أيقنوا بهم. والظنّ يكون شكّاً ، ويكون يقيناً ) .. إلى آخره.

وبالجملة ، فإطلاق الظنّ مراداً به العلم شائع ذائع بلا نكير ، ولا ينبّئك مثل خبير ، إلّا إنّه لمّا لم يصف به نفسه ولم يَردْ عن معدِن العلم وصفُهُ به ، لم يجز إطلاق لفظه عليه وإنْ كان بعض معانيه صادقاً عليه ، كما مرّ في الجوهر الفرد والاعتقاد.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ معناه على ما صرّح به غير واحد منّا ـ : القائم بذاته المستغني

__________________

(١) المطففين : ٤.

(٢) الجنّ : ١٢.

(٣) الكهف : ٥٣.

(٤) مجمع البحرين ٦ : ٢٧٩ ظنن.

(٥) الأعراف : ١٧١.

(٦) البقرة : ٤٦.

(٧) الصحاح ٦ : ٢١٦٠ ظنن ، لسان العرب ٨ : ٢٧١ ظنن ، تاج العروس ٩ : ٢٧٢ باب النون / فصل الظاء.

٣٧٤

عن غيره (١).

وأمّا الثاني ؛ فلإطلاق العلم عليه ، بل صرّح بعض بأنّ تسميته به مستفيضة ، لكن لمّا لم يرد إطلاقهما عليه سبحانه منعناهما ، ولمّا ورد إطلاق العليم والحسيب عليه ووصفه بهما أجزناهما وإنْ كان أحد معانيهما الظنّ المحتمل للنّقيض.

وأمّا ما احتجّ به من رجوع الظنّ حينئذٍ بالآخرة إلى التردّد.

ففيه : أنّ احتمال النقيض لا يخرج الظنّ من حيث هو عن قاعدته الكلّيّة المقرّرة من رجحان أحد طرفي النسبة إيجاباً أو سلباً على الآخر إلى قاعدة الشّك التي هي التردّد بين الطرفين الخالي عن الترجيح في البين ، إذ عدم التردّد مأخوذ في حقيقة الظنّ ، كما أنّ التردّد مأخوذ في حقيقة الشكّ عرفاً وإنْ كان في أصل اللغة بمعنى : الريب (٢) ، الذي هو خلاف اليقين.

ولهذا منع بعضُ المحقّقين من جعل الشكّ مقولاً بالتشكيك على التساوي والرجحان ، حيث قال : ( وربّما جعله بعضهم مقولاً بالتشكيك على التساوي وعلى الظنّ أيضاً ، وهو ما احتمل الإيجاب والسلب مع رجحان ، وهو بعيد عن العرف ). انتهى.

فكما أنّ الشكّ من حيثُ هو بحسب وضعه الأصلي لا يكون ظنّاً ، كذلك الظنّ من حيث هو بحسب وضعه الأصلي لا يكون شكّاً ، وإذا انتفى التردّد في الظنّ بحسب المعنى الموضوع له أوّلاً وبالذات فانتفاؤه فيه حال صرفه إلى العلم اليقيني المطابق للواقع أوْلى.

وأمّا إطلاق الظنّ على الشكّ فبحسب الاشتراك اللفظيّ المعلوم بالقرينة الخارجة عن نفس الوضع ، لا أنّ معناه الشكّ الذي هو التساوي ، ألا ترى أنّه كما يقال على اليقين والشكّ يقال أيضاً على الكذب والتهمة.

__________________

(١) انظر : البلد الأمين : ٥٨٩.

(٢) لسان العرب ٥ : ٣٨٤ ريب.

٣٧٥

فالأوّل كقوله تعالى ( وَإِنْ هُمْ إِلّا يَظُنُّونَ ) (١) ، والثاني كقوله تعالى ( وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) (٢) وقولك : ( ظننت فلاناً ) بمعنى : اتّهمته ، ولهذا لم يطلب مفعولين (٣).

فلو كان مجرّد استعمال أحد المعاني المشتركة مكان الآخر يستلزم الاتّحاد للزم اتّحاد هذه الماهيّات ، وخرج من حيّز الاشتراك إلى فضاء الترادف ، ولبطل تقسيمهم الذكر النفسي أو الاعتقاد أو التمييز على اختلاف الآراء إلى العلم والظنّ والشكّ والوهم ، وتعريفهم العلم بالتمييز الذي لا يحتمل النقيض لا في الواقع ولا عند الذاكر. والظنّ بالتمييز الرّاجح. والشكّ بالتمييز المساوي. والوهم بالتمييز المرجوح.

وهذا بحمد الله غنيٌّ عن التأكيد ، كما لا يخفى على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وأمّا قوله : إنّ ما نقلناه عن ( القاموس ) بمعزل عن المسئول عنه.

فلا يخفى على الناقد الخبير والعارف النحرير ، أنّه بمعزل عما ذكره ، وناءٍ عن صقع ما قرّره ، ومنطبق على ما قلناه ومؤكّد لما استثناهُ ؛ لأنّ قوله في ( القاموس ) : ( وهبني فعلتُ ، أي : احسُبْني فعلتُ واعدُدني ) (٤) فِعْلا أمر من حَسِب بكسر السين وعدّ القلبيّين المتعدّيين إلى مفعولين ، وهما في المثال ضمير المتكلّم والجملة الفعليّة ، وحذف الجملة من اعددني لدلالة الأُولى عليها ، لا من الحساب والعدّ بمعنى الإحصاء ؛ لأنّ فعلهما لا يتعدّى إلّا إلى مفعول واحد ؛ ولهذا اشترط النحاة (٥) في تعدّي ( حسب وعدّ ) للمفعولين ألّا يكونا بمعنى الحساب والإحصاء ، وعباراتهم بهذا واضحة الدلالة ، طافحة المقالة ، ظاهرة في المراد ظهور الغَزَالةِ (٦).

__________________

(١) البقرة : ٧٨.

(٢) التكوير : ٢٤.

(٣) قال الشيخ أبو علي : قرأ أهل البصرة وابن كثير والكسائي ( بظنين ) بالظاء ، والباقون بالضاد ، والحجة : الظنين المتهم ، من قولهم : ظننت ، أي اتهمت ، لا من ظننت المتعدي إلى مفعولين ، إذ لو كان منه لكان لا بدّ من ذكر المفعول الثاني ، ومن قرأ بضنين : فهو من الضن البخل. مجمع البحرين ٦ : ٢٧٥ ٢٧٦.

(٤) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥ باب الباء / فصل الواو.

(٥) شرح ألفية ابن مالك ( ابن الناظم ) : ١٩٧ ١٩٨ ، النهجة المرضيّة في شرح الألفيّة ١ : ١٥٥.

(٦) الغَزَالة : الشمس ، وقيل : هي الشمس عند طلوعها. لسان العرب ١٠ : ٦٦ غزل.

٣٧٦

قال في ( القاموس ) بعد أنْ ذكر حَسَبَ مفتوح السين الذي هو من باب العدد : ( وحَسِبَهُ كذا كَنَعِمَ في لُغتيه مَحسبة ومُحسبة وحِسبانا بالكسرِ ظنّه ) (١). انتهى.

إلّا أنّ ( عدّ ) من القسم الملازم لرجحان الوقوع كجعل وزعم وحجى وهَبْ ، وحسِب من القسم الذي يكون للرجحان تارة ولليقين اخرى. فمن شواهد ( عدّ ) القلبيّة قولُ النعمان بن بشير الأنصاري :

فلا تعدد المولى شريكك في الغنى

لكنّما المولى شريكُك في العُدْمِ (٢)

ومن شواهد حسب القلبيّة المفيدة للرجحان قول زُفَر بن الحارث الكلابي :

وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمةً

عشيّة لاقينا جذام وحميرا (٣)

ومن شواهدها حال كونها لليقين قوله تعالى ( وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً ) (٤) ، أي : عالماً ، وما مرّ من قول لبيد بن ربيعة :

حسبتُ التّقى والجود خير تجارة

رباحاً إذا ما المرء أصبح ثاقلاً (٥)

وبالجملة ، فالاستشهاد على أنّ ( حسِب وعدّ ) هنا من أخوات ظنّ لبداهيته خالٍ من التحصيل.

وليس يصحّ في الأذهان شي‌ء

إذا احتاجَ النهارُ إلى دليل

والله يقول الحقّ ، وهو يهدى السّبيل.

وأمّا قوله : ( إنّ ( هَبْ ) هناك من باب ( وهب ) بمعنى : أعطى ، وإنّ معنى قوله في

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ١٨٣ باب الباء / فصل الحاء.

(٢) شرح ألفية ابن مالك ( ابن الناظم ) : ١٩٨ ، أوضح المسالك ١ : ٢٩٩ ، حاشية الصبّان على شرح الأشموني ٢ : ٢٢.

(٣) أوضح المسالك ١ : ٣٠٥ ، التصريح على التوضيح ١ : ٢٤٩.

(٤) النساء : ٦.

(٥) أوضح المسالك ١ : ٣٠٦ ، التصريح على التوضيح ١ : ٢٤٩.

٣٧٧

( القاموس ) : ( احسَبْني واعددني ) (١) : اجعلني من المحسوبين في هبتك والمعدودين من أهل كرامتك ) .. إلى آخره.

فهو من أعجب العجاب الذي لا يصدر عن سائر الطلّاب ، فضلاً عن اولي الألباب ، وبطلانه غنيٌّ عن البيان ظاهرٌ لكلّ إنسان.

أمّا أوّلاً ؛ فلما مرّ آنفاً من أنّ مراده ( احسَبْ واعدد ) المتعدّيين للمفعولين ، بقرينة ذكره المفعولين بعد ذينك الفعلين.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ الألفاظ قوالبُ المعاني ، فكلّ معنى لا بدّ له من قالب ينصبّ فيه ويدلّ عليه ، وقد قال في ( القاموس ) : ( إنّ لفظ هَبْ يَنْصَبُّ فيه معنى احسَبْ واعدد ) (٢) ، فجميع ما تقتضيه ( هَبْ ) من المفعولات مناسِبٌ لهما ومنطبق عليهما ، فأيُّ مناسبة بين قول القائل : هبني قتلت ، أو سرقت ، أو زنيتُ ، وما أشبهها من المفاعيل التي تطلبها ( هَبْ ) بمعنى : ( احسَبْ واعدد ) بحسَب مراد المتكلّم ، وبين تفسيره احسَبْ واعدد بقوله : اجعلني من المحسوبين في هبتك والمعدودين من أهل كرامتك. وما هو إلّا كلام انتفَتْ فيه فائدة الخبر ولازمها ، بل حكم بفساده جاهلُ البريّة وعالِمُها.

وأمّا ثالثاً ؛ فلمنافاة عبارة ( القاموس ) لما ذكره سلّمه الله منافاةً ظاهرة وافية وتعيها اذنٌ واعيَةٌ قال فيه : ( وهبه له كودعَهُ وهباً ووهَباً وهبة ، ولا تقل : وهبكه أو حكاه أبو عمرو عن أعرابي وهو : واهبٌ ووهّابٌ ووهوبٌ ووهّابة ، والاسم المَوْهِبُ والمَوهِبَةُ ، واتّهب (٣) قبلَهُ وتواهبُوا : وهب بعضهم لبعض وواهبهُ ، فوهبهُ يهبهُ كيدَعُه ويرِثهُ غلبَه في الهِبة. والموهبَة : العطيّة والسّحابة [ تقع (٤) ] حيث وقعت ، وحصن بصنعاء ، ورجل ، وغدير ماءٍ صغير ، وتكسر هاؤُه. وهبني فعلتُ ، أي : احسُبني

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥ باب الباء / فصل الواو.

(٢) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥ باب الباء / فصل الواو ، باختلاف.

(٣) في المصدر : اتهبه.

(٤) من المصدر.

٣٧٨

فعلتُ (١) واعدُدني ، كلمة للأمر فقط ) (٢) .. إلى آخره.

ولا يخفى على ذي فطنة صحيحة ما فيه من المنافاة الصحيحة لما رام تصحيحه ، إذ لو كان ( هبني ) في المثال من وهب بمعنى : أعطى ، لجعله في سياق قوله : ( واتّهب قبله وتواهَبُوا وهب بعضُهم لبعض ) ، وما أشبهه من الأمثلة المناسبة له ، ولَما فصله عنها بما خرج عن تلك المادّة ، كالسحابة والحصن والرجل والغدير ، ثمّ عقّبه بما لا تعلّق له بتلك المادّة كوهب بمعنى : جعل في قوله : ( ووهبني الله فداءك ، بمعنى : جعلني ، وأوهبه لك : أعدَّه ، والشّي‌ء أمكنك أنْ تأخذه ) (٣) .. الى آخره ، ولَمَا خصّه بملازمة الأمر ، كما لا يخفى على ذي حجر. وهذا بحمد الله واضح المنار جليّ ليس عليه غبار ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار.

وأمّا قوله : إنّ نسبة ( الواو ) إلى الحاليّة من العجاب.

فهو من أعجب العُجاب ، كما يظهر للمتأمّل في هذا الجواب : لا يقال :

وكُلُّ يدعي وصلاً بليلى

وليلى لا تقرّ لهم بذاكا

لأنّا نقول :

إذا انبجسَتْ دُموعٌ من عيونٍ

تبيّن مَنْ بكى ممّن تباكى

وأمّا قوله : لأنّ مدخول الواو الحالية عند اولي الفنّ لا يكون إلّا قطعيّاً.

ففيه ، أوّلاً : أنّي لم أَقِفْ على من اشترط هذه القطعيّة من أهل الفنّ النحوي ، بل ولا الفنّ البياني ، إذ العلم المتكفّل بهذه المسألة ليس إلّا هذين الفنّين ، وما وقفنا عليه من كتبهما خالٍ من اشتراط هذه القطعيّة في البين ، إذ نهاية ما اشترطوه في صحّة وقوع الحال جملةً أعمّ من كونها مربوطةً بالواو أو الضمير ، كون تلك الجملة خبريّة محتملةً للصّدق والكذب ؛ لأنّ الحال كالنعت ؛ لأنَّه وصفٌ لصاحبه في المعنى ، والنعتُ لا

__________________

(١) لم يرد في المصدر : فعلت.

(٢) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥.

(٣) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥.

٣٧٩

يكون إنشائيّاً ، وكونها غير مصدّرة بدليل الاستقبال ، أي : ما يدلّ على الاستقبال كـ : ( حرفي التنفيس ، وإنْ وهل ) ؛ إذ الغرض من الإتيان بالحال تخصيص وقوع مضمون عامله بوقت حصول مضمون الحال ، وذلك ينافي الاستقبال ، وكونها مشتملة على ما يربطها بما قبلها ، وهو إمّا الواو أو الضمير أو هما ، ثم خصّوا ما يتعيّن فيه الواو بموضعين ، وهما : الجملةُ الخالية من الضّمير كـ : ( جاء زيدٌ وما طلعت الشمس ) ، وقبل ( قد ) الداخلة على المضارع الموجب ، كقوله تعالى ( لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ ).

ونصّوا على امتناع الواو في سبعة مواضع ، خمسة متّفق عليها وهي :

جملة الحال المؤكّدة لما قبلها ( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) (١).

والجملة الواقعة بعد عاطف حالاً على حال ( فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ ) (٢) ، أي : بائتين أو قائلين. ولا يقال : أو وهم قائلون ، كراهة اجتماع حرفي عطف على معطوف واحد.

والجملة الماضويّة المتلوّة بـ ( أو ) :

كُنْ للخليل نصيراً جارَ أو عَدَلا

ولا تشحَّ عليه جادَ أو بخلا (٣)

لأنّه في معنى : إنْ جار وإنْ عدل ، وإنْ جاد وإنْ بخل ، وفعل الشرط لا تدخله الواو.

والجملة المضارعيّة المثبتة الخالية من ( قد ) ( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) (٤) ؛ لأنّه في معنى ( مستكثراً ) ، الذي هو حال مفردة.

ولا يخفى أنّها تدل على حصول صفةٍ غير ثابتة ، مقارنٌ ذلك الحصول لما تُقيِّدُه الحال ، والمضارع المثبت كذلك ، فيمتنع فيه الواو كالمفرد.

والجملة المضارعيّة المنفيّة بـ ( ما )

__________________

(١) البقرة : ٢.

(٢) الأعراف : ٤.

(٣) شرح ألفية ابن مالك ( ابن الناظم ) : ٣٤١ ، حاشية الصبّان على شرح الأشموني ٢ : ١٨٨.

(٤) المدّثر : ٦.

٣٨٠