الرسائل الأحمديّة - ج ٣

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

كما يكذب اليهود ما ذكرْ

من أنّ ( آدَماً ) (١) بتوراة أمرْ

أن زوَّج البنين بالبنات

أو فعلهم مخالف التوراة

وما لموسى قد عزوه فريهْ

أو يقصدوا لنفي هذي المريه

بحمل تأبيد على طول الزمن

إذ هو في عتقٍ لعبدٍ قد علنْ

وما به مصلحة يختلف

بمقتضى أزمنة تختلف

وما لهم من شبه مندفع

فما إليهم ما به يُنتفع

فصلٌ : نسخ الشي‌ء قبل حضور وقته

هل نسخ شي‌ء قبل وقت حصلا

المرتضى (٢) والشيخ (٣) والفاضل لا

كذا اعتزال (٤) والمفيد (٥) قرّرهْ

كالحاجبي وأكثر الأشاعره (٦)

لأوّل منه البدء تحقّقا

وإن ما عنه نهى تعلّقا

أمر به وإن ما قد حسُنا

فقبح نهي عنه قد تُيُقِّنا

وهكذا العكس فهذا يثبت

للثاني يمحو .. ما يشأ (٧) (وَيُثْبِتُ)

وعود خمسين (٨) إلى الخمس كذا

نسخ لتقديم تصدق (٩) لذا

وذبح إسماعيل (١٠) والمماثلهْ

للرفع بالموت لنسخ كان لهْ

وكلّ نسخٍ هكذا والمعترضْ

على كليهما بحقٍّ ينتهضْ

__________________

(١) صرفت كلمة ( آدم ) للضرورة.

(٢) الذريعة إلى أحكام الشريعة ١ : ٤٣١.

(٣) العدَّة في أُصول الفقه ٢ : ٥١٩.

(٤) إرشاد الفحول : ١٨٧.

(٥) العدَّة في أُصول الفقه ٢ : ٥١٩.

(٦) معارج الأُصول : ١٦٨ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٣ : ١١٥ ، إرشاد الفحول : ١٨٧.

(٧) الرعد : ٣٩.

(٨) الفقيه ١ : ١٢٥ ١٢٦ / ٦٠٢ ، العدَّة في أُصول الفقه ٢ : ٥٢٢.

(٩) التبيان في تفسير القرآن : ٥٥١ ٥٥٢ ، العدَّة في أُصول الفقه ٢ : ٥٢٢ ، الجواهر الحسان ٣ : ٣١٢.

(١٠) الصافات : ١٠٢ ١٠٥ ، العدَّة في أُصول الفقه ٢ : ٥٢٢ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ١١٦.

٣٢١

فصلٌ : فيما يُنسخ به الكتاب والسنة

بالمثل نسخ للكتاب وكذا

لمطلق السنَّة قطعاً يُحتذى

كذا الكتاب بالذي تواترا

وهي به مطلقة بلا امترا

لا أحد القسمين بالآحادِ

ويخرج الإجماع (١) عن ذا الوادي

فلا به ولا له نسخ معا

إلّا إذا صحّ ولم ينقطعا

وحي فتأتي آية فيجمع

على خلافه وذا ممتنع

وجاز نسخ الحكم لا التلاوهْ

والعكس بل نسخهما علاوهْ

وبالأشقّ مثل عاشوراء (٢) بما

من صوم شهر رمضان حتما

وخالياً من بدل كما أتى

في آية النجوى (٣) كما قد ثبتا

مع قيد تأبيد بلا تناقض

إذ هو كالتخصيص حسب المقتضي

وما لمن خالف ما يعتدُّ

بذكره فبابه منسدّ

__________________

(١) العدَّة في أُصول الفقه ٢ : ٥٣٨.

(٢) الإحكام في أُصول الأحكام ٣ : ١٣٦.

(٣) المجادلة : ١٢.

٣٢٢

المنهج الرابع في الاجتهاد والتقليد

المنهج الرابع في اجتهاد

وحكم تقليد لذي السدادِ

الاجتهاد قوّة (١) يُقتَدَرُ

بها على استنباط حكم يصدرُ

من جانب الشرع بقيد الفرعيْ

من ذلك الأصل الصحيح المرعيْ

بالفعل أو بالقوّة القريبة

لتنتفي عن ذي اجتهاد ريبهْ

أو إنّه استفراغ وسعٍ في طلب

ظنٍّ بما في الحكم للشرع انتسب

بحيث لا لوم كبذل الغايهْ

واختاره الفاضل في النهايهْ

الحاجبي استفراغ فاقةٍ لِما

في [ الوسع (٢) ] في تحصيل ظنّ لَزِما

بحكم شرع وله العلّامهْ

قَفا بتهذيب بلا ملامهْ

وقد أُريد بالفقيه الآنِس

بالفقه إذ لِفَنِّهِ يمارس

إذ أجنبيٌّ عنه قد تبعّدا

عن فعل الاستنباط حيث قصدا

وانتقضا طرداً بشخص يبذل

وُسعاً والاستنباط لا يحصّل

ثمّ التجزِّي جائز لِما روى

أبو خديجة (٣) عن الّذي حوى

خيرَ المَقالِ والفِعالِ الصادق

أكرِم به من فجرِ علمٍ صادق

وللتساوي في اطِّلاع منهما

على دلائل على ما حكما

ونقصه عن مطلق لا يقدح

كعالم واعلم ويجرحُ

توهّم الدور بأن ما اختلف

لدى تجزِّيه اجتهاد قد عرف

فيما يخصّ بالفروع فانتفى

دور ولكن في انتفائه خفا

* * *

__________________

(١) في نسخة : مكنة. ( منه ).

(٢) في المخطوط : ( وسع ).

(٣) الفقيه ٣ : ٢ / ١ ، الوسائل ٢٧ : ١٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١ ح ٥.

٣٢٣

فصلٌ : النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجتهد

أحكام مولانا النبيّ المصطفى

لا باجتهاد باتّفاق عرفا

ووصفه بما له الذكر حوى

من أنّه لم ينطقنْ عن الهوى (١)

والوحي باجتهاده لا يجعل

أحكامه عن اجتهاد تحصل

لأنّه في حقِّنا يعتبرُ

إن نجتهد بقوله ( فَاعْتَبِرُوا ) (٢)

وعلمه بعصمة عن الخطا

فحكمه عن قطعه لا يُختطى

وذا يعمّ كلَّ من قد عُصِما

من آلِهِ المطهَّرين العُلَما

وآية العفو (٣) تَلَطُّفٌ كما

يرحمك الله عتاباً عدما

وقوله ( شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (٤)

فيما من الدين له لا يجري

إذ يلزم التقليد منه لهمُ

وإنّهم منه بهذا أعلمُ

وإذنه ليس بحكمٍ شرعيْ

بل هو في أمر بعرفٍ مرعيْ

كذا لو استقبلت ما استدبرت لا

يفي بحكم باجتهاد حصلا

إذ يمكن التخيير وحياً أوَّلا

في أن يسوق الهدْيَ ثمّ فضّلا

تمتّعاً بحكم وحيٍ آخرِ

كسرعة الوحي بحكم إذخرِ (٥)

وليس من سُرْع اجتهاد أبعدا

وكون فهم حكمه مستندا

لسبق سمع حكمه من النبي

بأنّه استثنى وليس بالغبي (٦)

وكم فضيلة يكون فوقها

أشقّ منها فيرى أشقّها

أو تركها لحسمه ما يعتقدْ

من قولهم لو كان وحياً ما اجتهدْ

كالحسم بالأُمِّي (٧) لطعن قولهم

بنقله من كتب من قبلهم

__________________

(١) إشارة إلى الآيتين : ٣ ٤ من سورة النجم. (٢) الحشر : ٢.

(٣) التوبة : ٤٣. (٤) آل عمران : ١٥٩.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٤٥٢ / ١٢٨٤ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٤ : ٤٣٦ ، والإذخر : نبت ، الصحاح : ٢٢٠ ذخر. (٦) الغبي : الخفي ، لسان العرب ١٠ : ١٦ غبا.

(٧) إشارة الى الآية : ١٥٧ من الأعراف.

٣٢٤

فصلٌ : التصويب

لا حكم بالتصويب كالمشهور

إذ شاع بينهم بلا نكير

تخطئة الأسلاف بعضٌ بعضا

والخبر المروي (١) كفاه نقضا

حيث روَوا أنّ الذي أصابا

يكون للأجرين قد أصابا

وواحد لمخطىً فقد عُلمْ

بأنّه لفرقتين ينقسمْ

ولا اجتماع للنقيضين ولا

يلزمنا حيث اختلاف حصلا

من اختلاف المتعلِّقين في

قطع وظنٍّ فاللزوم ينتفي

وهكذا اعتقاد كلٍّ منهما

رجحان ما بين يديه استلزما

تخطئة الآخر فيما يعتقدْ

والبحث في جميع هذا يطَّردْ

ويلزم المخطِّئ المعتزلا (٢)

عند تغيُّرٍ لرأي حصلا

تقدُّم الأمر لمن يقلّدهْ

وأمر نفسه بما يفسِّدهْ

وهو اتّباع للخطإ وهو على

مذهبه كان قبيحاً عقلا

لكن به تأمّلٌ إذ يلزم

في القول بالتصويب أن يلتزموا

فصلٌ : شروط المجتهد

لا بدّ في مجتهد أن يعرفا

جميع ما عليه قد تَوَقفا

من عربيّة وعلم المنطق

مع الأُصول مطلقاً فحقِّق

وعلمَي التفسير والحديث معْ

علمِ رجالٍ مع ظنّ قد جمعْ

مواضع الإجماع والخلاف

وجمعه للأنس وائتلافِ

بألسن للفقها وما اصطلحْ

عليه بينهم لكيلا يفتضحْ

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ : ٢٦٧٦ / ٦٩١٩ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٤ : ٤١٦.

(٢) الإحكام في أُصول الأحكام ٤ : ٤٠٩.

٣٢٥

وقوّة بها لحكم الأصل

يُردُّ فرعه وتلك الأصلي (١)

وإنّها العمدة في ذا الباب

وهي لدى مسبِّبِ الأسباب

وليس ملزماً بتكرير النظرْ

مستصحب الحكم الذي له نظرْ

ويقرب التفصيل بين ما سبقْ

له زمان قوّة بها استحقْ

بكثرة التفتيش والممارسهْ

وزيد الاطّلاع والمؤانسهْ

ومن يكون فاسقاً إذا اجتهد

فإنّما ينفع نفسه فقدْ

والمتجزّي حكمه التقليد في

ما ضاق عنه وقته وقد خفي

وعندنا التقليد قد تعيَّنا

لأفضل واختلفوا هم هاهنا

وفي التساوي خيَّروا كالمجتهدْ

إذا تكافٍ (٢) أو تعارضٌ وجدْ

فصلٌ : لا تقليد في الأُصول

يكفي له التقليد في الأُصولِ

أم يلزم الإتيان بالدليلِ؟

أم يحرم البحث عليه والنظرْ

فيه خلاف ولكلٍّ معتبرْ

لأوَّلٍ وثالث (٣) إن وجبا

يستلزم الدور وأيضاً وجبا

عن النبيِّ (٤) الاكتفا ممن كفرْ

بكِلْمتي شهادة بلا نظرْ

وقوله عليكم بدين

عجائز (٥) وهو بلا يقين

ونهيه صحابةً عن خوضهم

في قدر (٦) كذا انتفى ونقلهم

عن أحد منهم للاستدلال

ونفي أمر أحد الرجال

منهم به لواحد وإنّها

أغمض من فروعهم فهو بها

أجدر بالتقليد منها والخطرْ

فيها أشد فيكون في النظرْ

__________________

(١) هكذا في المخطوط. (٢) هكذا مخفف تكافئ ، والصواب : تكافؤ.

(٣) الأوَّل هو الاكتفاء بالتقليد ، والثالث حرمة النظر.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٥٨ / ٣٦. (٥) الإحكام في أُصول الأحكام ٤ : ٤٤٨.

(٦) سنن الترمذي ٤ : ٤٤٨ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٤ : ٤٤٧ ٤٤٨.

٣٢٦

مظنّة الوقوع في الضلال

لكثرة التشبيه من ضلال

فالقولُ بالتقليد فيها أسلم

لأنّه من شبهات يسلم

وإنّ قولاً للذي يوثق بهْ

من صاحب العصمة بل عدل نَبه

أوقع في نفس الإمام المؤمنهْ

من هذه الدلائل المدوَّنه

والأمر في سؤال ( أَهْلَ الذِّكْرِ ) (١)

إطلاقُه إلى الأُصول يسري

للثاني (٢) منها ذمَّة التقليد في

كتابه عمومه غير خفي

أُخرجت الفروع بالإجماعِ

فأُبقى الباقي بلا نزاعِ

وهكذا إيجابه للنظر

على النبيّ المصطفى المطهَّر

إذ قال فاعلم أنّه بالأولى

أن يُلزم الأُمّة هذا القولا

كذاك إجماع على وجوبِ

علمِ أُصولِ الدين بالترتيب

معْ أنّ ذا التقليد لا يحصِّلهْ

لأنّ كذب مخبر يحتمله

وهكذا يجوزُ أن يجتمعا

هنا نقيضان بتقليد معا

وإنّه يخرج عن تقليد

لما بدا من علمه المفيد

ونمنع الدور لأنّ النظرا

يلزم بالعقل فقد تغايرا

والاكتفا بكِلْمتي تشهّد

كان اعتماداً للنبيِّ الأمجد

على الذي به العقول تشهد

من القواعد التي تُعتقد

وليس من كلامِ ذي المعاجز

تمسّكوا بمذهب العجائز

بل إنّه عن قول سفيان صدر

وقوله ليس حديثاً يُعتبرْ

والنهي للأصحاب لا عن النظرْ

بل نهيهم عن الجدال في القدرْ

والترك للنقل وللإلزام

لشدّة الوضوح للإفهام

معْ قلّة التشبيه في أزمانهم

ولحظ وحي وصفا أذهانِهم

وكونها أغمض ليس يمنع

ممّا به اطمئنان نفسٍ يقع

__________________

(١) النحل : ٤٣. (٢) وهو لزوم الإتيان بالدليل.

٣٢٧

بل إنّها أغمض في ردّ الشُّبَهْ (١)

فليس تحصيل الدليل مشتبهْ

وظنّة الوقوع أيضاً تلزم

مقلّداً فهو عليه يحرم

فيقتضي تسلسلاً وإن نُهِي

لناظر يلزم محذورٌ بِهِ

معاً زيادة احتمال الكِذْب في

مجتهد فالأخذ عنه ينتفي

وليس بالتقليد ما يعتمد

فيه إلى المعصوم إذ يستند

إلى دليل صادق ونمنع

في غيره ما هو منها أوقع

وليس في سؤال أهل الذكرِ

إطلاق لفظ للأُصول يسري

إذ سوقها سؤالهم عمّن غبَرْ

من النبيِّين وإنّهم بشرْ

هذا خلاصة الذي قد ذكرا

للطرفين والمجال كثرا

في أكثر ومرجع الكلام

إلى اشتراط القطع في الكلام

ويشكلُ الإثبات والمعتصم

بالله عن وصول شرٍّ يَصِم

* * *

__________________

(١) في نسخة : بل شدَّة الغموض في ردِّ الشبهْ. ( هامش المخطوط ).

٣٢٨

المنهج الخامس في التراجيح

الترجيح في السند

المنهج الخامس في الترجيح

ورسمه بالراسم الصحيح

تقديمنا أمارة في العمل

على سواها لمقوٍّ أكمل

الحاجبي اقترانها بما به

تقوى على معارض فانتبه

وبين قطعيَّين لا تعارضا

لأنّه يستلزم التناقضا

ولا لقطعيٍّ مع الظنيِّ

إذ ينتفي بالقاطع القويِّ

وهو بنقليَّين إمّا في السندْ

أو متنه أو حكمه أو ما استندْ

لخارج فأوَّل بما علا

وكثرة الراوي وما قد حصلا

زيادة التوثيق والفقاههْ

والعربي لتنتفي الفهاههْ

وفطنة وضعفه مع الورعْ

ومن لكثرة المزكِّين جمعْ

مع أعدليَّة وأعلميَّهْ

لهم براوين من الرعيَّة

والقرب والجزم مع المباشرهْ

والحفظ والشفاه والمعاشرهْ

للعلما ومن روى وقد بلغْ

ومن يكون واضحاً حيث نبغْ

فلم يكن ملتبساً بمن ضعفْ

أو كان مجهولاً فإنّه يخفْ

فصلٌ : مراتب ترجيح المتن

والمتنُ مسندٌ إلى ما ارسِلا

وما قُرِي على الَّذي قد حصلا

من السَّماعِ والذي من أصلِ

على الَّذي فيه اشتباه النقلِ

كذا مؤكَّد على ما قد خلا

كذلك اللفظ الحقيقيُّ على

مجازه وأقرب منه على

أبعده وما يكون أقلا

على الذي فيه المجاز أكثرُ

وهو على مشترك قد قرّروا

٣٢٩

وكلّ ما خصّ على ما عمّا

وغير مخصوصٍ عليه جزما

كذا فصيحة على سواه لا

أفصحه على الفصيح موئلا

وما بمنطوق على المفهوم

إذ ينتفي المظنون بالمعلوم

كذاك مفهوم الوفاق قدما

على مخالف وما قد فهما

بالاقتضا على الذي أُشير لهْ

كذا مضمَّن لما قد علّلهْ

على عديم علَّة وما نقلْ

بلفظه على الذي لا يشتملْ

إلّا على المعنى وما قد خصّا

على الذي خصَّ وليس نصّا

لأنّه أوّل والَّذي ظهرْ

على الَّذي تأويله قد انتشرْ

فصلٌ : الاحتياط في الأخذ في مدلول الدليل

الحكم تحريم على الإباحهْ

للاحتياط اللّازم الرجاحهْ

كذاك إثبات على النفْيِ وما

ضُمِّن درْء الحدّ إذ لم يعلما

على الَّذي يوجبه والعتقُ

على الَّذي يفهم منه الرقُّ

وخارج معتضد بغيره

على عديمه وما ذو نَصْره

أظهر فاق فاقد التعضيدِ

وما أبان سبب الورود

وما عليه الأعلمون عملوا

وأرجح الدليل إذ يؤوَّلُ

وهذه المرجِّحات قد يجي‌ء

لها تركُّب بنحوٍ أبلجِ

مثنى ثلاث ورباع صاعدا

فأتبع الأقوى وكن مساعدا

ما هو للتقوى يكون أقربا

والحمدُ للهِ على ما وهبَا

لنا من الآلاءِ والنعماء

ثمّ صلاة مجزلِ العطاء

على النبي والآلِ خيرِ الأوليا

ما عاقب الظلامُ نورٌ وضياء

وحيث قد وفّقني الباري لِمَا

أردتُ من خيرِ نظامٍ نظما

فلنقبض اليراع عن إجرائه

بحومة الكاغذ من بيدائه

٣٣٠

وحيث تمّ نظمُنا الشهر الأصب

أرّختُه ( ختامُه حان رجب ) (١)

والحمدُ للهِ على الإسعاد

وسرعة التوفيق للمراد

ثمّ صلاتُه تعمّ المصطفى

وآلِه المستكملين الشرَفا

تمّت المنظومة الشريفة والأُرجوزة المنيفة ، بعون اللهِ وحسن توفيقه ، المسمّاة بـ ( العمدة نظم الزبدة ) في أُصول الفقه للعالم الربّاني والمجتهد اللاثاني ، الَّذي لم يكن له في عصره ثانٍ شيخنا ووالدنا الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ صالح البحراني ، جزاه الله أحسن الجزاء ، وحباهُ أحسن الحباء ، وغفر الله له ولنا ولوالدينا ولجميع آبائنا إنّه على كلِّ شي‌ءٍ قدير.

وتشرّف بكتابتها ونسخها عبده حسن بن علي بن حسن آل سليمان سلّمهما الله من جميع الآفات والبليّات ، وغفر الله لنا ولآبائنا جميع الخطيئات إنّه على كلِّ شي‌ء قدير وصلّى الله على محمّد وآلهِ الطاهرين بيوم خامس وعشرين ذي القعدة سنة (١٣٢٢) هـ الثانية والعشرين وثلاثمائة وألف.

وما من كاتب إلّا سيلقى

غداة الحشر ما كتبت يداهُ

فلا تكتب لنفسك غير شي‌ء

يسرّك في القيامة أن تراهُ

إن تجد عيباً فسدَّ الخللا

جَلَّ مَن لا عَيْبَ فيه وعَلَا

__________________

(١) يوافق سنة ١٣١٠. ( منه ).

٣٣١
٣٣٢

الدعا والزيارة

الرسالة الثالثة والثلاثون

شرح فقرة « فهبني » من دعاء كميل

الرسالة الرابعة والثلاثون

مسألة عن معنى « وفي قلوب من

والاه قبره »

٣٣٣
٣٣٤

الرسالة الثالثة والثلاثون

شرح فقرة « فهبني » من دعاء كميل

٣٣٥
٣٣٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ كاشفِ حجابِ الارتياب عن مرائي العقول والألباب ، وهاديها نجد الحقّ ونهج الصواب ، والصلاةُ والسلام على فاتحةِ الكتابين وخاتِمتِهما ونقطة باء العالَمين ومحيطهما محمدٍ وآلِهِ الأطياب ، مصدر سوابغ النعم ونوابغ (١) النقم ، والمخصوصين بجوامع الكلم وفصل الخطاب ، صلاةً وسلاماً دائمَيْن ، ما وقع سؤالٌ وجواب.

أمّا بعدُ :

فهذِهِ صورةُ بحثٍ مع بعض الأصحاب ، حيث أرسل سؤالاً وأراد الجوابَ في الحال ، فأجبنا بما تيسّر واقتضاه المقام حسبما سنح بالبال على جهة الاستعجال.

ثم بعد ذلك عنّت لنا زوائد فأضفناها هنالك ، إلّا إنّا لم نرسلها لذلك المفضال ، إلّا إنّه سلّمه الله أورد على ذلك الجواب إيرادات أراد بها كشفَ النقاب عن غرّة الصواب ، وها نحن نذكر أوّلاً صورة السؤال والجواب الأوّلين ، ثم نعقّبهما بما أورده من الإشكالات ، ثمّ ندفعها بما يكشف عنها الغين والرين.

قال سقاه الله من رحيق الهداية وسلسبيل الدراية ـ : ( ما معنى ( هبني ) في الدعاء من قوله عليه‌السلام : « فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرتُ على عذابك فكيفَ أصبرُ على فراقِك؟ وهبني صبرتُ على حرِّ نارك فكيف أصبرُ عن النظر إلى كرامتك؟ » (٢) ، وكيف هي في التركيب

__________________

(١) نَبَغَ الشي‌ءُ : ظهر. لسان العرب ١٤ : ٢٤ نبغ.

(٢) مصباح المتهجّد : ٧٧٨.

٣٣٧

النحوي؟ ، أفيدونا أفادكم الله بكرامته.

وما تركيب ( وإنْ ) في قوله : لأُكرمنّ زيداً وإنْ أهانني ).

أقولُ بعد إبلاغ وافر السلام وإهداءِ جزيل التحيّة والإكرام لذلك الجناب السامِي ـ : قد اشتمل هذا الكلام على ثلاث مسائل عظام تهشّ إليها الطباعُ والأفهام.

الاولى : ما معنى هبني؟.

الثانية : ما إعرابها؟.

الثالثة : ما إعراب ( وإنْ ) في قوله : لأُكرمنّ زيداً وإنْ أهانني؟

وتحقيق المقام وتحرير المرام بابرام النقض ونقض الإبرام أنْ نقول :

المسألة الأولى : معنى هبني

أمّا الجواب عن المسألة الاولى ، فلا يخفى على اولي الأحلام أنّ كلام الإمام الذي هو إمام الكلام لا يرقى سلّمه طائر أفهام الأنام ، كيف وقد كان دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين وإنْ كانوا من الجهابذة العظام ، وكان قائله ينحدر عنه السّيل ولا يرقى إليه الطير ، ولا تدرك كنهه طامحاتُ العقول ؛ إذْ لا يعرفه إلّا اللهُ والرّسول ، إلّا إنّ كلامه عليه‌السلام وجعلني فداءه من الآلام لمّا كان نوراً وكان النّور هو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره (١) كما هو أحسن تعريفاته لا جرم فاضت على مرائي قلوب العارفين وصفائح فطرِ الكاملين رشحاتُ عرفانه ، وهبّت عليها نفحاتُ إتقانه وإيقانه على حسب استعدادها وصفائها ومقدار قابليّتها وجلائها ، ( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) (٢) ، فنسأل الله أنْ ينوّر قلوبنا بأنوار هدايته ويوفّقنا للوقوف على أسرار معرفته ودرايته.

إذا انتقش هذا في لوح الفطنة السليمة ، وأثمر بإدراكه دَوْحَ (٣) الفطرة غير السقيمة ،

__________________

(١) شرح أُصول الكافي ( الشيرازي ) / كتاب التوحيد : ٢٦٣ ، أُصول المعارف : ٢٢.

(٢) الحديد : ٢١.

(٣) جمع دَوْحة ، وهي الشجرة العظيمة ، لسان العرب ٤ : ٤٣٧ دوح.

٣٣٨

فنقول : إنّ بيان معنى الفقرة العالية الشريفة والدرّة الغالية الطريفة يتوقّف على بيان معاني اللفظة المنيفة ، ونهايةُ ما وقفتُ عليه من معانيها خمسةٌ :

الأوّل : ما صرّح به جمعٌ من النحويّين كالشيخ ياسين بن صلاح الدين (١) ، والسيوطي (٢) ، وزكريّا ، من أنّها بمعنى : ظُنَّ بضمّ الظّاء.

الثاني ، والثالث : ما صرّح به الفيروزآبادي في ( القاموس ) (٣) والحريري في ( درّة الغوّاص ) من أنّها بمعنى : ( احسُبْ ) و ( اعدُدْ ) القلبيّين.

الرابع : ما صرّح به ابن هشام في ( شرح الشذور ) (٤) وموضع من ( التوضيح ) من أنّها بمعنى : اعتقد.

الخامس : ما يظهر من عبارة الفيروزآبادي في ( القاموس ) وابن هشام في ( التوضيح ) والسيوطي في ( البهجة المرضيّة في شرح الألفيّة ) (٥) : من أنّها بمعنى : اجعل وصيّرْ ، ففي ( القاموس ) : ووهبني الله فداءك ، أي : جعلني (٦). وفي ( التوضيح ) بعد أنْ عدّ وهبَ من أفعال التصيير ، مثّل له بقولهم : وهبني الله فداءك (٧). ومثله قال السيوطي في ( البهجة المرضيّة ) (٨).

إلّا إنّ في الأخير إشكالاً ، وهو أنّ ابن هشام في ( التوضيح ) (٩) صرّح بأنّ ( وهب ) بمعنى جعل غير متصرّف ، فلا يشتقّ منه أمرٌ ولا غيره.

ويمكن الجواب عنه بأنَّ قصارى ذلك عدم الوقوف عليه ، وهو لا يدلّ على

__________________

(١) عالم فاضل محقّق ، انتهت إليه رئاسة القضاء والحسبة الشرعيّة في بلاد البحرين ، له مصنفات كثيرة منها : معين النبيه على رجال مَنْ لا يحضره الفقيه ، الروضة العلية في شرح الألفية ، الفوائد العربية. أنوار البدرين : ٢٢١ ٢٢٣.

(٢) النهجة المرضيّة في شرح الألفية ١ : ١٥٦.

(٣) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥ باب الباء / فصل الواو.

(٤) شرح شذور الذهب : ٣٦٢.

(٥) قال أبو طالب رحمه‌الله في الحاشية : المشهور أنّ ( البهجة ) بالباء الموحدة التحتانية ، وهي في اللغة بمعنى : الحُسنْ والسرُور ، وقال الشيخ المحشي : هي بالنون وهي في اللغة بمعنى : الطريق. النهجة المرضيّة في شرح الألفيّة ١ : ١١.

(٦) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥ باب الباء / فصل الواو.

(٧) أوضح المسالك ( التوضيح ) ١ : ٣١٣.

(٨) النهجة المرضيّة في شرح الألفية ١ : ١٥٧.

(٩) أوضح المسالك ١ : ٣١١ ـ ٣١٣.

٣٣٩

العدم ، ألا ترى أنّه صرّح أيضاً بملازمة ( تعلّم ) للأمر ، مع ورودها للماضي؟ صرّح به الأزهري في ( التصريح ) واستشهد له بقول بعضهم : ( تعلّمت أنّ زيداً خارجٌ ) ، أي : علمت (١).

ويؤيّده أنّ الفيروزآبادي أطلق كونها بمعنى الجعل (٢) ، ولم ينصّ على عدم التصرّف ، ولو صحّ عنده لنصّ عليه كما نصّ عليه في ( هب ) ، على أنّه لا مانع من جعل كلام هذا الإمام شاهداً على هذا المرام ، إلّا إنّ فيه نوع تأمّل لا يخفى على المتأمّل بالتأمّل التّام.

وكلُّ هذه الوجوه مشتركة في الدلالة على معنى التنزّل في تسليم الحجّة وفي المناسبة لهذا المقام العظيم ، كما يحكم به الذوق السليم والطبع المستقيم.

لا يقال : لمّا كانت أسماءُ الله وصفاته جلّ شأنُه توقيفيّة أي : يتوقّف وصفُه وتسميته بشي‌ء منها على الورود عن الشارع ، فلا يوصف ولا يسمّى إلّا بما وصف وسمّى به نفسه ، أو وصفه وسمّاه بها حججه ، ولا يتجاوز عنه إلى غيره وإنْ كان معناه صادقاً عليه تعالى لم يصلح شي‌ء من معانيها المذكورة.

لِأنّا نقول : أوّلاً : إنّ الإطلاق عليه هنا إطلاق إسنادي ، والممنوعُ منه المتوقّف على الورود أنّما هو الإسناد الاسمي أو الوصفي ، ألا ترى أنّه أُطلق عليه تعالى : المعرفة ، والخذلان ، والمقاتلة ، والتعريف ، واللعن ، والإدخال ، والإخراج ، ففي الخبر المشهور : « لا يعرفك يا عليّ ، إلّا الله وأنا » (٣) .. الى آخره ، وفي غير واحد من الزيارات المأثورة والأدعية المشهورة : « اللهمَّ اخذل من خذله » (٤) ، وفي القرآن ( قاتَلَهُمُ اللهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ ) (٥) ، وفي الدعاء : « اللهم عرّفني نفسك » (٦) .. الى آخره ، وقال تعالى ( وَإِنْ يَدْعُونَ إِلّا شَيْطاناً

__________________

(١) شرح التصريح على التوضيح ١ : ٢٤٧.

(٢) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥ باب الباء / فصل الواو.

(٣) مختصر بصائر الدرجات : ١٢٥ ، باختلاف.

(٤) عيون أخبار الرضا ١ : ٥٥ / ٢٠ ، مصباح الزائر : ١٢٦ ، المزار ( الشهيد الأوّل ) : ١١٨ ، البحار ٣٧ : ١٢١ / ١٤.

(٥) التوبة : ٣٠ ، المنافقون : ٤.

(٦) الكافي ١ : ٣٤٢ / ٢٩ ، البحار ٥٢ : ١٤٦ / ٧٠.

٣٤٠