الرسائل الأحمديّة - ج ٣

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

ومثل هذه التفريعات كثير في كتب التفريع ليس هذا محلّها.

ولا يخفى أنّ في الأخبار المعصومية أيَّ غنية عن هذه القواعد العاميّة والأُصول العميّة ، وإنْ لم يوجد حكم واقعة منها في الكتاب والسنّة النبوية لم يجز الحكم فيها بالآراء الردية والأهواء المردية ؛ إذ يلزم منه نقصان دين الحنيفيّة ، أو مشاركتهم لربّ البريّة ، أو عجز الرسول وأوصيائه الذريّة المهديّة ، فوكلوا إليهم أو استعانوا بهم على إتمامه بهذه المخترعات الردية.

ولا يخفى فساده بالكلّيّة على مَنْ له أدنا رويّة بالكتاب والسنّة المعصومية.

قال الله تعالى ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (١) ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (٢) ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٣) ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٤).

وقال عليّ عليه‌السلام : « إنّ الله [ افترض عليكم (٥) ] فرائض فلا تضيِّعوها ، وحدَّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت [ لكم (٦) ] عن أشياء ولم يدعها [ نسياناً (٧) ] فلا تتكلَّفوها » (٨).

وقالوا عليهم‌السلام : « إنّا لنحبّكم أن تقولوا إذا قلنا ، وأن تسكتوا إذا سكتنا » (٩).

« وإنّما الأُمور ثلاثة : أمرٌ بيّن رشده فيتَّبع ، وأمرٌ بيّن غيُّه فيجتنب ، وأمرٌ مشكل يردُّ علمه إلى الله ورسوله » (١٠).

وروى أبو بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب ولا سنّة فننظر فيها؟ فقال : « لا ، أما إنّك إن أصبت لم تؤجر ، وإنْ أخطأت كذبت على

__________________

(١) الإسراء : ٣٦. (٢) البقرة : ١٦٩ ، الأعراف : ٣٣.

(٣) النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧. (٤) الحشر : ٧.

(٥) في المخطوط : « فرض لكم » ، وما أثبتناه من المصدر.

(٦) من المصدر.

(٧) من المصدر.

(٨) نهج البلاغة ( قصار الحكم ) : ١٠٥ ، الوسائل ١٥ : ٢٦٠ ، أبواب جهاد النفس ، ب ٢٤ ، ح ٨.

(٩) الكافي ١ : ٢٦٥ / ١ ، الوسائل ٢٧ : ١٢٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٠ ، ح ١٠. باختلاف.

(١٠) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٦ / ١٨ ، الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.

٢٤١

الله عزوجل » (١).

وروى الثقة في ( الكافي ) عن حمزة بن الطيار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في حديث قال فيه : « لا يسعكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون إلّا الكفّ عنه والتثبّت والردّ إلى أئمّة الهدى ، حتى يحملوكم فيه على القصد ، ويجلوا عنكم فيه العمى ، ويعرّفوكم فيه الحقّ » (٢).

وروى أيضاً عن هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما حقّ الله على خلقه؟ قال : « أنْ يقولوا ما يعلمون ، ويكفّوا عمّا لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى الله حقّه » (٣) إلى غير ذلك من الآيات والأخبار الكثيرة.

ومنهم مَنْ قال : لا يكون ذلك إلّا لمَنْ عرف نحواً من خمسة عشر علماً.

واعترض عليهم الأردبيلي على ما نُقل عنه بأنّ ظاهر الأخبار كفايةُ مجرّد الرواية ، وأنّ فهمها كافٍ.

وأقول : الظاهر أنّ بين القولين إفراطاً وتفريطاً ؛ أمّا الأوّل فظاهرٌ ، وأمّا الثاني فإنّهم عليهم‌السلام عقبوا الرواية بالنظر ، والمراد بالنظر هو الاستدلال ؛ لأنّه عندهم ترتيب أُمور معلومة للتأدّي إلى مجهول ، وقد تقدّمت الأخبار الدالّة على اشتراط الدراية وعدم كفاية مجرّد الرواية.

وفصّل ملتقط ( الدّرر النجفية ) (٤) بين زمانهم عليهم‌السلام وبين زماننا ، ففي الأوّل اكتفى بمجرّد السماع مشافهة أو بواسطةٍ كما كان عليه عمل أصحابهم في زمانهم ، وفي الثاني لا بدّ من معرفة ما يتوقّف عليه فهم الكتاب والسنّة من العلوم المقررة والضوابط المعتبرة ، سيّما في الجمع بين مختلف الأخبار ، واختاره بعض لسلامته من الإفراط والتفريط عنده.

وأقول : لا بأس لمَنْ بلغ درجة الانتهاء في معرفة الأحكام بأدلّتها وثبت له التصرّف

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٦ / ١١ ، الوسائل ٢٧ : ٤٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٦ ، ح ٦.

(٢) الكافي ١ : ٥٠ / ١٠ ، الوسائل ٢٧ : ١٥٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣.

(٣) الكافي ١ : ٥٠ / ١٢ ، الوسائل ٢٧ : ١٥٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٤.

(٤) الدرر النجفية : ٤٨ ، و ٢٥٤.

٢٤٢

التامّ والنيابة العامّة بأزمّتها أنْ يخوض في هذه العلوم لردّ الخصوم.

تجزّؤ الاجتهاد

ثمّ إنّ بعض العلماء جوّز تجزّؤ الاجتهاد ، مستدلّاً بقوله عليه‌السلام : « يعلم شيئاً من قضايانا » (١) ؛ لأنّ « شيئاً » نكرة في سياق الإيجاب.

وزيّفه بعضٌ بأنّ « من » فيه بيانيّة لا تبعيضيّة ، فلا دليل فيه.

وهو معارَضٌ بأنّ كونها للتبيين قليلٌ ، حتى أنكره قومٌ ، وقومٌ خصّوه بما إذا كان بعد ( ما ) و ( مهما ) كقوله تعالى ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ) (٢) ، و ( مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ ) (٣). وكونها للتبعيض كثيرٌ ، والحمل على الكثير خيرٌ من الحمل على القليل.

نعم ، يقال : ليس المراد معرفة جميع القضايا والأحكام ؛ لتعذّر الاطّلاع على جميع ما ورد عنهم عليهم‌السلام ، بل المراد معرفة ما تيسّر منها بحسب الإمكان أو القدر الوافر منها ، أو ما يتعلّق بتلك الواقعة كما هو المفهوم من قوله عليه‌السلام : « يعلم شيئاً من قضايانا ».

وأمّا ما قاله بعض المشايخ المعاصرين (٤) من أنّ قوله عليه‌السلام : « شيئاً » إشارة إلى أنّ العلوم التي خرجت منهم لإرشاد غيرهم وهم المكلَّفون ، ومنهم حملة علومهم على تعدّد مراتبهم إلى بلوغ نهاية ما يمكن بعضٌ من كلّ بعيدٌ يأباه سياق الكلام ، راجع إلى ما أراد نفيه في المقام ، إذ معرفة ذلك البعض كلّه أيضاً ممّا لا تبلغه قدرة غير المعصوم عليه‌السلام ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام من سائر الأنام ، فضلاً عن الجهابذة العظام ، والله أسأل التوفيق وحسن الختام.

وهذا ما سنح بالفكر القاصر والفهم الكليل الحاسر على زيادة من البلبال وتشتّت من البال ، والمرجوّ من الناظر الخبير والناقد البصير عدم المسارعة في الردّ والمقال ، وأنْ ينظر إلى ما قيل لا إلى مَنْ قال ، وإسدال سجف العفو على ما يجده من الهفو ، بعد

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢ / ١ ، الوسائل ٢٧ : ١٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١ ، ح ٥.

(٢) البقرة : ١٠٦.

(٣) الأعراف : ١٣٢.

(٤) الشيخ محمد آل عصفور. ( منه ).

٢٤٣

إعطاء التأمّل حقّه والنظر مستحقّه ، فإنّ القِنَّ الحقير ليس من فرسان هذه المضامير.

وكتب بيمينه الفانية اعطي بها كتابه في الثانية فقيرُ ربّه المنّان العالي ، المتعطِّش لفيض رواشح الجود السبحاني أحمد ابن الشيخ صالح بن طعّان الأوالي الموالي الستري المركوباني ، عفا الله عنه وعن والديه والمؤمنين ، باليوم الخامس من الأُسبوع الأوّل من الشهر الثامن ، من العشر الثامنة ، من المائة الثالثة من الألف الثانية ، من الهجرة النبويّة على مهاجرها وآله أفضل الصلوات وأكمل التحيّة ، مصلِّياً مسلِّماً مستغفراً ، حامداً شاكراً ، منيباً مقرّاً.

وفرغ من نسخها مؤلِّفها باليوم العاشر من شهر رمضان المعظَّم للسنة ١٢٧٠ ه‍.

والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

٢٤٤

الرسالة الحادية والثلاثون

مسألة في جواز الأخذ من

المجتهدين والمحدّثين وتقليد

كل منهما من آحاد الفريقين

٢٤٥
٢٤٦

مسألة : في جواز الأخذ من المجتهدين والمحدّثين (*)

ثم قال ـ ختم الله لي وله بصالح الأعمال ، وحسن العاقبة والمآل ـ : ( ولعلّكم وقفتم على ما وقف عليه العبدُ من كلام لبعض الأعلام ، وفيه المنعُ عن الأخذ عن المحدّثين مطلقاً ، سلّمنا المنع من الأخذ عن الميّتين للخلاف ، فما الوجه في المنع من الأخذ عن الأحياء؟ فافتونا مأجورين ، فإنّا لجميع ما سألنا عنه من المحتاجين ، وإغاثةُ الإخوان من أحسن سجايا أهل الإيمان ).

أقول مستمدّاً من ذي الفضل الفصل بين الأُصول والفضول ـ : لم أقف على كلام أحدٍ من أعلام المجتهدين في المنع من الأخذ عن أعلام الأخباريّين من حيث الأخباريّة بمعنى : الاعتماد على الأخبار التي هي السنّة المعصوميّة التي أجمع على التعبّد بها جميع الإماميّة ، وإنْ ردّ بعضهم بعضها إذا لم تجتمع شرائط الحجّيّة ـ ، إذا جمع ذلك الأخباريّ شرائط الفتوى ، وتمسّك بذيل العدالة والتقوى ، واستمسك بالعروة الوثقى ، واجتنب عمياء التعصّب ، ونهى النفس عن الهوى ، عدا ما سيأتي عن ( كشف الغطاء ) المقصود من عمومه خصوص مَنْ وقع منه عنده الخطأ ، وإنْ خطّأ بعضهم بعضاً في جزئيّات المسائل وتطبيق الفروع على الدلائل ، كما أنّ هذا لبعضهم مع بعض حاصل.

ولهذا جرت السيرة بإجازة أحد أعلام الفريقين لأحد أعلام الفريق الآخر إذا علم

__________________

(١) وردت هذه المسألة ضمن رسالة تحتوي على عدّة مسائل وزّعنا على محالِّها ، وهي : الرسالة الثالثة ، الحادية والعشرون ، والثانية والعشرون ، الحادية والثلاثون ، بحسب ترتيب الكتاب.

٢٤٧

كلُّ واحدٍ من الآخر طيب السريرة ، فإنّ المحقّق الربّاني الأوّاه الشيخ سليمان بن عبد الله مع تصلّفه في طريقة أهل الاجتهاد والأُصوليّة كما تنبئ عنه ( العشرة الكاملة ) (١) قد أجاز المحدّث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح (٢) ، مع تصلّفه في الأخباريّة ، حتى إنّه كان يسمّيه محمّد أمين ، وكالحرّ العاملي ومحمد أمين الأسترآبادي (٣) ، فإنّ إجازتهما من المجتهدين مع العلم بأنّهما من الأخباريّين ؛ وكالمشايخ الثلاثة الشيخ يوسف وأخويه : الشيخ عبد علي ، والشيخ محمد العصفوريّين ، اللذين لا شكّ في أنهما من الأخباريّين ، مع أنّ إجازتهم جميعاً من المحقّق الأفخر الشيخ حسين بن محمد بن جعفر الماحوزي ، مع تصلّفهم خصوصاً الشيخ عبد علي والشيخ محمد في الأخباريّة ، وتصلّفه هو في الأُصوليّة.

وذكر السيّد المعاصر السيّد محمد باقر في كتابه ( روضات الجنات ) (٤) أنّ السيّد المهدي بحر العلوم قد أجاز الشيخ عبد علي بن محمّد (٥) المعروف في طرقنا بابن قضيب الخطّي الذي هو من تلامذة الشيخ حسين العصفوري والمجازين منه مع ظهور أخباريّته ، وذكر أنّه رأى صورة إجازة السيّد المذكور له مع كمال التبجيل والتعظيم. كما أنّ الشيخ عبد علي المذكور قد أجاز الفاضل الحاج محمّد إبراهيم الكرباسي صاحب ( الإشارات ) وغيرها من المصنّفات.

ولو لا عدم ما أراجعه وقت الكتابة من كتب الرجال المتأخّرة والإجازات لذكرت جمّا غفيراً تتّضح به هذه المفازات.

وقد أجاد المحدّث المنصف غارس ( الحدائق الناضرة ) (٦) متّعه الله بثمارها في

__________________

(١) عنه في لؤلؤة البحرين : ١٠ ، أنوار البدرين : ١٥٣.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٧.

(٣) روضات الجنات ١ : ١٢٠.

(٤) روضات الجنات ٤ : ٢١٩.

(٥) العالم الفاضل الأديب الشيخ عبد علي بن قضيب الخطّي من آل المقلّد ، أصلهم القديم ملوك الجزيرة والموصل ، ثم سكنوا القطيف قديماً ، وهذا الشيخ هو جوهرة هذا البيت ، من تلامذة العلّامة حسين آل عصفور ، وحصل على إجازة السيد مهدي بحر العلوم ، وسكن أصفهان وأجاز جماعة ، منهم الفاضل إبراهيم الكرباسي. أنوار البدرين : ٣٣٦.

(٦) الحدائق الناضرة ١ : ١٦٧.

٢٤٨

الآخرة حيث سدّ هذا الباب وأرخى دونه الحجاب. ومن معاصرينا الميرزا محمّد بن الميرزا عليّ بن الميرزا محمّد الأخباريّ قد عمل رسالة سمّاها ( إصلاح ذات البين ) تتضمّن عدم الفرق الحقيقي بين الفريقين.

ومن أنفع ما يتعلّق بهذا المقام ويتّضح به فجر المرام ما وجدتُه بخطّ بعض الثقات الكرام : سئل العلّامة السيّد مهدي الطباطبائي ساكن النجف والمقبور به عند جدّه عليه‌السلام عن حال الفريقين؟ فقال : ( لم أدر ما الفرق بين أهل الأُصول والأخبار ، فأمّا أهل الأُصول فإنّهم يأخذون أصل دينهم من الخبر المرويّ عن الأئمّة ، وأمّا أهل الأخبار فإنّهم يسندون دينهم إلى الأخبار المرويّة الصحيحة عن الأئمّة الأطهار ، والكلّ منهم محقٌّ والسلام ).

وسمع الشيخ جعفر النجفي أيضاً يقول : ( إني عاصرتُ جملة من علماء الأخباريّين أُناساً لم أرَ مثلهم ، فمن أُولئك الشيخ يوسف الأصم صاحب ( الحدائق الناضرة ) ، وأخوه الشيخ عبد علي الدرازي صاحب ( الإحياء ) ، فإنّهما يستسقى بوجههما الغمام ).

ورأيت مكتوباً من خطٍّ منقول عن المحقّق الأفخر الشيخ جعفر كتبه بيده وبعده محلّ مهره ، ما هذه صورته : ( بسم الله ، وله الحمد ، وصلّى الله على محمّد وآله ، قد تكرّر في كلام بعض القدماء والمتأخّرين تقسيم علماء الإماميّة إلى اصوليّين وأخباريّين ، وإنّي بعد النظر التام وتمام الخوض في أخبار الأئمّة عليهم‌السلام لم أجد فرقاً بين الفريقين في المقام.

والعلماء من الجانبين على تقدير الفرق في أعلى محلّ ، والجهال المدعون للعلم وليسوا من أهله في الدرك الأسفل ، فكلّ مَنْ رأيتموه من العلماء الأعلام راجعاً إلى الأئمة عليهم‌السلام في جميع الأحكام عوّلوا عليه وأرجعوا في الأحكام إليه ، وصلّوا خلفه جماعة ، وأعدّوا الركون إليه من أحسن البضاعة.

وإنْ رأيتم شخصاً يطعن بالعلماء وينسبهم إلى مخالفة جبّار الأرض والسماء

٢٤٩

فتباعدوا عنه ، ولا تأخذوا دينكم منه ألا وإنّي رأيتُ قوماً ينسبون أنفسهم إلى الأخباريّة ، وآخرين ينتسبون إلى الأصوليّة ، وكلٌّ من الفريقين .. (١) ؛ لأنّهم محسوبون من عداد الجهّال لا العلماء ، وأمّا العلماء من الأُصوليّين والأخباريّين فإنّي استشفعُ بهم إلى الله في قضاء مقاصد الدنيا والدين ، وأستسقي بهم الغمام عند غور الأنهار وقلّة الأمطار ، والسلام ) انتهى.

وهو في الإنصاف ليس له منتهى ، وعلى هذا المعنى يحمل كلامه في ( كشف الغطاء ) ، حيث قال في شرائط الوقف ـ : ( ومنها : ألّا يترتّب عليه تقوية أهل الباطل في أُصول أو فروع مع العذر وبدونه ، فلا يصحّ الوقف على الزناة والفواحش والسرّاق والمحاربين مع ملاحظة الوصف ، ولا الكفار والمخالفين والأخباريّين القاهرين (٢) والمعاندين للمجتهدين ) (٣) .. إلى آخر كلامه ، زيد في إكرامه. إلا تراه كيف قيّد المنع بتلك الأوصاف المنافية للعدالة عند الإنصاف.

ويرشد لهذا التقييد ما ذكره في صدر رسالته التي سمّاها ( الحقّ المبين ) ، حيث قال بعد ذكره انقسام الإماميّة إلى مجتهدين وأخباريّة ما هذا لفظه : ( وبعد النظر في البين يظهر [ الرجوع (٤) ] لكلّ منهما إلى أحد الثقلين ، فإنّ المجتهدين إنْ لم يرجعوا إلى الأخبار ولم يعوّلوا على ما رُوي عن النبيّ والأئمّة الأطهار مرقوا عن الدين ولم يوافقوا شريعة سيّد المرسلين. والأخباريّة إنْ لم يجتهدوا في المقدّمات التي يتوقّف عليها فهم الأخبار والروايات خرجوا عن طريقة الإماميّة ولم يسلكوا مسلك الفرقة المحقّة الجعفريّة.

فمرجع الطرفين إلى ما روي عن مساواة الثقلين ، فالمجتهد إخباريّ عند التحقيق ، والأخباريّ مجتهد بعد النظر الدقيق ، ففضلاء الطرفين بلطف الله ناجون ، الواصلون إلى الحقّ منهم والقاصرون ، والجهّال المقصّرون والطاعنون على المجتهدين

__________________

(١) هنا بياض في أصل النسخة ، ولعله أنّه : لا يُعبأ بهم ، أو لا عبرة بهم ، أو ما أشبه ذلك. ( منه وفقه الله تعالى ).

(٢) في المصدر : ( القاصرين ) ، بدل ( القاهرين ).

(٣) كشف الغطاء : ٣٦٩.

(٤) في المخطوط : ( ألّا رجوع ) ، وما أثبتناه من المصدر.

٢٥٠

المشيّدين لأركان الدين هالكون ، فلا يرد علينا تشنيع بعض المخالفين من المسلمين ، بأنّ الخلاف كما وقع بين الفقهاء الأربعة وقع بين المجتهدين والأخباريّين ؛ إذ لا نزاع بيننا في أُصول الدين ، ولا مانع من الرجوع عندنا إلى الطرفين ) (١) .. إلى آخر كلامه ، زيد في إكرامه.

والظاهر أنّه أراد به معاصره الميرزا محمّد الهندي النيسابوري المعروف بالأخباريّ (٢) وأتباعه المعروفين ، الذين يأنفون من التسمية بالمجتهدين ، فلقد صدر بينه وبينه من الشتم والسباب والقدح في المذهب والأنساب ما لا يليق بأحد المتدينين ، فضلاً عن الطلّاب ، فضلاً عن العلماء الأنجاب المتمسكين بعروة السنّة والكتاب. حتى أدّى ذلك إلى التكفير والحكم بحل الدماء ، حتى فشا ما فشا من الفتنة الصماء والمصيبة العظمى.

إذ قد جرت مكاتباتهما (٣) في ذلك ومحاوراتهما فيما هنالك إلى التشفي بالعداوة الدنيويّة ، والخروج عن طور البحث في المسائل الدينية ، فعظمت بذلك البليّةُ في جميع البريّة ؛ لاختصاص كلِّ واحد منهما بتلاميذ واتباع في سائر البلدان والأصقاع ، وشاع بينهم الاختلاف والنزاع ، فشابت على ذلك الآباء وشبّت عليه الأبناء ، لتناقلهم تلك الأفعال والأقوال خلفاً عن سلف ، وتذكّرهم آثار تلك العداوة والبغضاء التي ليس لأحد عنها منصرف ، فكل ما يصدر في هذه الأعصار خصوصاً في العراق ، خصوصاً في الجزائرية من التشنيع بالاصوليّة والأخباريّة مراد به الأفراد الشخصيّة لا الطبيعة الكليّة.

ألا ترى أنّ الميرزا محمد المذكور مع أنّه في الأخباريّة المتأخّرة هو المتأصّل المشهور الذي قد جرى بينه وبين الشيخ جعفر ما جرى من الأُمور ، قد أثنى على كثير من علماء الأُصول ، كالسيد المهدي الطباطبائي والمير السيد علي الطباطبائي ، مع

__________________

(١) الحق المبين ( مخطوط ) : ٢ ٣.

(٢) روضات الجنّات ٧ : ١٢٧.

(٣) روضات الجنات ٢ : ٢٠٣ ٢٠٦.

٢٥١

قولهما بحجيّة الظنون المطلقة ، التي هي المعركة العظمى بينه وبين معاصره الشيخ جعفر المُلحقة للفتنة الممحقة ، كما نقله عنه في رجاله السيد المعاصر السيد محمد باقر في كتابه ( روضات الجنات ) (١).

ونقل أيضاً أنّ فاضل ( الرياض ) لما وقعت النفرة بين خاله الآقا باقر وبين فاضل ( الحدائق ) كان يحضر عند خاله جهراً ، ويعرض بحثه على فاضل ( الحدائق ) سرّاً (٢). ولذا كان كثير الوفاق له في الفروع الفقهيّة وإنْ خالفه في الأُصوليّة.

وإنّ المحقّق القمّي في ( القوانين ) في مباحث الاجتهاد والتقليد قد أثنى على الحرّ العاملي مع تباينهما في الأُصوليّة والأخباريّة ، قال رحمه‌الله : ( والقول بإخراج الأخباريّين من زمرة العلماء أيضاً شططٌ من الكلام ، فهل تجد من نفسك الرخصة في أنْ تقول مثل الشيخ الفاضل المتبحّر الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ليس حقيقاً لأنْ يُقلّد ، ولا يجوز الاستفتاء منه (٣) ، ولا يجوز العمل برأيه ؛ لأنّه إخباري! ) (٤). انتهى.

ولا يخفى ما في هذا الكلام من الظهور التام في هذا المقام ، وبمثله صرّح أيضاً في مقام آخر (٥).

وقد عبّر فاضل الجواهر في مسألة صلاة الجمعة عن الشيخ حسين بن الشيخ محمد العصفوري بـ : ( المحدّث المتبحّر ) (٦). وأما ثناء العلماء المجتهدين على عمّه المحقّق المنصف الشيخ يوسف وكتبه ، فلا يخفى على مَنْ راجع كتب الرجال المتأخّرة (٧) والإجازات المشتهرة.

وقد سمعتُ من شيخنا المرتضى الأنصاري المنغمس في رحمة الباري في مسألة البحث عن المخصّص : إنّ الفقيه إذا تتبّع ( الحدائق ) أو ( الوسائل ) ولم يجد

__________________

(١) روضات الجنات ٧ : ٢٠٤ ٢٠٥ ، ٤ : ٤٠١.

(٢) روضات الجنات ٨ : ٢٠٣ ، ٤ : ٤٠٢.

(٣) في المصدر : عنه.

(٤) القوانين : ٣٤٣.

(٥) القوانين : ٢٩٧.

(٦) جواهر الكلام ١١ : ١٩٢.

(٧) روضات الجنات ٨ : ٢٠٣ ٢٠٨.

٢٥٢

المخصّص ، جاز له العمل بالعامّ.

وهذا لا يتمّ إلّا بإحراز وثاقتهما وكمال عدالتهما ، كما لا يخفى على اولي الأفهام.

وأمّا اختلافُ المسلكين والمشربين فإنّه لا يكاد يخفى على ذي عين ، ولكنّه لا يوجب تباين المذهبين ، ولا خروج إحدى الفرقتين عن طريق النجاة ومذهب الفرقة المحقّة الذي هو مذهب الأئمّة الهداة ؛ لأنّ الخلاف في الأُصوليّة والأخباريّة كالاختلاف الواقع بين المجتهدين في المسائل الأُصوليّة التي تُبنى عليها الفروع الفقهيّة ، كالصحيحيّة والأعميّة والاشتغاليّة والبراءتيّة.

ولقد أجاد صاحب الفصول في كلامه مع صاحب القوانين ، حيث صرّح بعدم الضرر في هذا الاختلاف بأوضح تصريح وتبيين ، ولا بأس بنقله بطوله ؛ لما فيه من الكلام المتين ، قال رحمه‌الله : ( وأمّا التشكيكُ الذي أورده على تعيين المجتهد المطلق ، فضعفه ظاهرٌ ؛ لأنّ الإجماع منعقدٌ على أنّ مَنْ كان له ملكة معرفة الأحكام واستنباطها عن الأدلّة المقرّرة على وجه يعتدّ به في عرف أهل الصناعة ، واستجمع لبقيّة الشرائط ، مجتهدٌ مطلق يجب عليه العملُ بمقتضى نظره ، أُصوليّاً كان أو أخباريّا أو متوسط الطريقة ؛ إذْ عند التحقيق لا فرق بين هذه الفرق الثلاث إلّا من جهة الاختلاف في جملةٍ من الطرق ؛ كمصير الأخباريّة إلى عدم حجّيّة الكتاب والعقل ، وحجّيّة جميع أخبار الكتب الأربعة ، وعدم الاعتداد بكثير من الدلالات الخفيّة ونحو ذلك ، ومصير الأُصوليّين إلى خلاف ذلك.

ولا ريب أنّ مثل هذا الاختلاف موجودٌ بين كلّ فرقة من هذه الفرق الثلاث ، كاختلاف الأُصوليّين في حجّيّة خبر الواحد وأنواعه ، والاستصحاب ، والإجماع المنقول ، والشهرة ، والمفاهيم ، ونحو ذلك. فالاختلاف الذي بينهم ليس بأقلّ من الاختلاف الذي بينهم وبين الأخباريّين ، إلّا إنّهم لم يصطلحوا في هذا الاختلاف على تسمية صاحب كلِّ قولٍ باسم مخصوص كما اصطلحوا هناك ، وهذا لا مدخل له في مرحلة الحجّيّة.

٢٥٣

فما ذكره من أنّ كلّ فرقة من الفرق الثلاث تخطّئ طريقة غيرها ، إنْ أراد أنّها تخطّئه ولكن تقول بحجّيّة نظره في حقّه وحقّ مقلّديه ، فهذا لا ينافي كون الموضوع إجماعيّاً ، وإنْ أراد أنّها تمنع من حجّيّة نظره في حقّه وحقّ مقلّديه فتمنع من الرجوع إليه ، فبطلانه غيرُ خفي على العارف بالطريقة.

نعم ، قد يقدح في بلوغ بعض الأخباريّة مرتبة الاجتهاد والاستنباط ؛ لعدم الاعتداد بنظره واستنباطه ، فيمنع من الرجوع إليه ، ومثله قد يتّفق بين الأُصوليّين أيضاً ، وهو أمرٌ آخر لا تعلّق له بالمقام ) (١) انتهى كلامه ، زيد إكرامه.

وهو كافٍ في ما أُريد إبرامه ، إلّا إنّ تعميمه نسبة القول بـ : ( عدم حجيّة الكتاب والعقل ، وحجيّة جميع أخبار الكتب الأربعة ) لجميع الأخباريّين غير متين ، كما لا يخفى على الناقد البصير ، ولا ينبّئك مثل خبير.

ولكن على هذا الكلام الصريح في المرام النافي للضرر الديني في هذا الاختلاف والخصام يحسن الوقوف والختام.

ختم اللهُ بالصالحات أعمالنا وبالتوبة المقبولة أعمارنا ، والمأمول من ذوي الإيمان والإنصاف ومتجنّبي طريق الاعتساف ، سَدْلُ ذيل العفو على ما يجدونه من الهَفْو ، والغضُّ عن الخطأ والخطل وإصلاح الخلل والزلل ؛ لمصادفة وصول هذه الأسئلة لعوائق مهولة ، وبوائق مذهلة ، مع قلّة البضاعة وكثرة الإضاعة ، وفقد آلات المراجعة وشروط المطالعة.

حرّرهُ بقلمه وقرَّرَهُ بكلِمة فقير ربّه المنّان : أحمد بن صالح بن طعان ، في صبيحة الجمعة ، السادس عشر من شهر شوّال خُتم بالخير والإقبال من سنة ١٣١٢ من الهجرة المصطفويّة ، على مهاجرها وآله أشرف الصلاة والتحيّة.

__________________

(١) الفصول الغرويّة / القسم الثاني : المتجزّئ في الاجتهاد. ( طبعة حجريّة غير مرقّمة ).

٢٥٤

الرسالة الثانية والثلاثون

العمدة نظم الزبدة

٢٥٥
٢٥٦

تقريظ النظم (١)

حمداً لذي التفضّل المنيل

ملهمنا معرفةَ الأُصول

ثمّ صلاته على المسدّد

محمَّد نبيِّه المؤيَّدِ

وآلِهِ مناهج الرشاد

وعصمة اللّاجين في المعادِ

* * *

وبعد : فالشيخ الأجل الأمجد

استاذنا البرّ التقيُّ أحمد

نتيجة الحبر الذكيِّ الصالح

طود المعالي والكمال صالح

قد نظم الزبدةَ نظماً رائقا

وحقّق المجاز والحقائقا

وخصّها أعلى الإلَهُ مجدَهْ

بأنّها العمدة نظم الزبدهْ

أجزلَ ربُّ العالمين الأجرا

له وزاد رفعة وقدرا

وحيث عن عدِّ الفصولِ أعرضا

وضبطها نالَ من اللهِ الرضا

أحببتُ أنّي أنظمُ المطالبا

مع الفصول للثواب طالبا

أُتقنُها ضبطاً لدى الحسابِ

تكون كالفهرست للكتابِ

وسَمتُها بعدّةِ الفصول

ما قد حوتها زبدة الأُصولِ

فها أنا أشرعُ في نظامِ ما

قصدتُه مرتّباً مستعْصِما

__________________

(١) ورد في المخطوط قبل ذكر المنظومة : هذه المنظومة الشريفة تقريظ وفهرست ( العمدة نظم الزبدة ) للعالم الأمجد تلميذ الناظم الشيخ أحمد بن رقيّة البحراني رحمه‌الله ، وبعدها ( العمدة ) في نظم ( الزبدة ) للشيخ البهائي رحمه‌الله ، للعالم العامل العلّامة الربّاني الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح البحراني رحمه‌الله وقدس‌سره.

٢٥٧

باللهِ عن سهوٍ وعن سآمَهْ

وطالباً بعونِه إتمامَهْ

فهَاكها بكراً بدتْ من خدرِ

غرّاء جاءتْ من بناتِ الفكرِ

الفهرست

يا طالباً فهرست أصل العمدهْ

في خمسة مناهج ذي العدّهْ

وكلُّها تجلى بها مطالب

والكلُّ منها للفصول طالب

المطلب الأوَّلُ في الأوَّل من

مناهجٍ في منطق حقّا زُكِن (١)

وهاكَ ذي فصوله محقّقهْ

فإنّها عدّ الكسور المُنطَقهْ

حدَّ أُصولِ الفقه منها الأوّل

ثمّ الدليل بعده وفصّلوا

في ثالثٍ جزئيهم والكلّيْ

وبعده الرابع جاء يجليْ

ذاتي ماهياته أن يختفي

بالجنس والفصل وبالنوع يفي

* * *

وحدّدوا قضية وبرهنوا

وهيئة استثنائه قد بيَّنوا

فتمّت الفصول فافهم وانهج

للمطلب الثاني بهذا المنهج

فإنّ فيه من مبادٍ للّغهْ

خيرَ معانٍ كل آلٍ مفرغهْ

وعدّة الفصول في ذا المطلب

مَن يحملُ العرشَ وذا غير غبي

تحديدها في أوّلٍ والثاني

دلالة اللفظ على المعاني

تقسيمه والاشتراك بيّنهْ

ثمّ حقيقةً مجازاً عيّنَهْ

بعدَ الحروفِ عرّف المشتقّا

عدْم بشرط الاتّصاف حقّا

* * *

المطلب الثالث في الأحكامِ

فصولُه عشرٌ على التمامِ

__________________

(١) زُكن : عُلم ، من زكِنته بالكسر أي علمته. الصحاح ٥ : ٢١٣١ ، باب النون / فصل الزاي زكن.

٢٥٨

أوّلُها تعريف حكم عندنا

ثانيهما إلى الغزالي عيّنا

تتمّة تتبعُها وتتلو

معرفة الحاكم وهو العقلُ

لا شارعٌ وبعد هذا تجلى

مسألتان تلحقان الفصلا

وحدّد الواجب والموسَّعا

وضدّه تذنيبه قد أتبعا

تتمّة تلحق والكفائي

فخيَّر فيه بلا امتراء

وبعده مسألتان في العددْ

حُقِّقتا في المتن من غير فند

ثمّ الخلاف في العبادات اشتهرْ

بين الكلامي والفقيه بالخبرْ

وما عليه واجب توقّفا

فواجب ثمّ المباح عرَّفا

وشبهةُ الكعبيِّ (١) فيه اندفعت

فهذه فصوله تكمَّلت

* * *

المنهجُ الثاني به الأدلّه

على ثبوت الحكم في ذي الملّهْ

المطلب الأوّل في الكتاب

وفيه فصلان بلا ارتياب

والثاني في السنة ذات الرفعهْ

مشتملٌ على فصولٍ سبعهْ

أوّلُها تعريفها بلا خفا

كذلك الحديث فيه عرفا

تكفّل الثاني بتعريف الخبرْ

وثالثٌ فيه التواتر اشتهرْ

رابعُها الجواز للتعبّدِ

بالخبر الواحد عقلاً فاهتدِ

والمحتوي على الشروط الخامسُ

تزكية العدلِ الإمامي سادس

ونوّعوا الحديث عن تحقّقِ

إلى صحيحٍ حسنٍ موثقِ

المطلب الثالث في الإجماعِ

محصَّلُ القطعِ بلا نزاعِ

فصوله تعدّيا ذا الحكمهْ

ثلاثة تتبعها تتمّه

فالأوّل التعريف والتتمّهْ

والثاني في إجماع أهل العصمهْ

والثالث المنقول بالآحادِ

فاحفظ لها وُفِّقتَ للسدَادِ

__________________

(١) الإحكام في أُصول الأحكام ١ : ١٠٧.

٢٥٩

المطلب الرابع في العقل أتى

فصلين ذو الأصل به قد أُثبِتا

فالأوّل استصحابنا ، القياس

ثانيهما به استدلّ الناس

* * *

المنهج الثالثُ في بيانِ

مشترك السنّة والقرآنِ

المطلب الأوّل في أمرٍ وفي

نهيٍ بترتيب بدا غير خفي

فصوله مربّع الثلاثهْ

وإنّها قد حُقّقت أبحاثه

أوّلها تعريفه للأمر

تحقّقاً فليدرِ من لم يدر

وليس في الصيغة من إشعار

بوحدة كلا ولا تكرار

ولا دلالة على الفور ولا

على التراخي عند بعض الفضلا

ثمّ اقتضاء الأمر بالشي‌ء أتى

نهيٌ عن الضدِّ بقول أُثبِتا

خامسها في الأمر بالموقّتِ

والسادس المطلوب بالأمر اثبتِ

والنهي للتحريم عنهم صحّحا

والنهي للدوام أيضاً وَضَحا

والنهي في عبادة قد أفسدا

فهذه الفصول تمّت عددا

* * *

المطلب الثاني على العام اشتملْ

والخاص واستثناؤهم به كملْ

هي الفصول عدّها فاستمعِ

أوّلُها التعريف للعام فعِي

والثاني منها صيغُ العموم

حقائق عند ذوي العلوم

مراتب الجموعِ عند الأكثر

ثلاثة أقلّها فاستبصر

والرابعُ التعريف للتخصيص

وخامسٌ حجيّة المخصوص

مبيّنٌ ولا يُخصُّ السببُ

وإنّه السادسُ فيها يحسب

وخصص السنّة والكتابا

من بعد هذا وقلِ الصوابا

٢٦٠