الرسائل الأحمديّة - ج ٣

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

فاسدة مستفادة من علومهم المبنيّة على الأُصول الفاسدة مخالفة لما عليه أئمّتهم ، كالجبر والتشبيه والتجسيم ، وبعد أنْ استبصروا رجعوا إلى الحقّ والسداد ، فما ذكروه غير قادحٍ في زرارة ، ولا في أنّه لا يفتي بشي‌ء إلّا وهو مطابقٌ لقول إمامه.

وكيف ، وقد ورد في حقّه وحقّ غيره من الخواصّ أنّهم من أوتاد الأرض (١) ، وأنّهم فوق العدالة وتحت العصمة (٢) ، وقد ورد الأمر باتّباعهم وأخذ معالم الدين منهم (٣)؟!.

وهذا الخبر لا يعارض تلك الأخبار مع احتمال أنّ ذلك وقع في مبادئ أمره ، وأنّ الأمر باتّباعه وقع بعد تكامل صحبته ورسوخ علمه المستفاد من إمامه ، فهو حينئذ لا يخرج في فتواه عن مذهب الإمام قطعاً ، ولو ابقي على ظاهره دلّ على كفر زرارة واستلزم عدم قبول خبر رواه أبداً.

وعمّا استصرحوه من عدم مطابقة الإجماع لقول الإمام عليه‌السلام لقول زرارة : ( إنّ الصحيفة خلاف ما عليه الناس ) (٤) .. إلى آخره ، بأنّ المراد بالناس المخالفون ؛ لإطلاق الناس عليهم في الأخبار ، ولا ريب في عدم حجّيّة إجماعهم لعدم الشرط ، بل فيه دلالة على حجّيّة الإجماع ، فإنّه إنّما جزم ببطلان الصحيفة لذلك. غاية الأمر أنّ هذا الإجماع الذي يقطع بمخالفته بقول الإمام عليه‌السلام ليس حجّة ، ولكن زرارة لم يتنبّه له بعد لكونه جديد الإسلام.

وممّا يدلّ على إطلاق الناس عليهم في الأخبار ما في كتاب ( التوحيد ) عن زرارة ، قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام صلّى على ابن لجعفر صغير ، فكبّر عليه ، ثمّ قال : « إنّ هذا وشبهه لا يُصلّى عليه ، ولو لا أنْ يقول الناسُ : إنّ بني هاشم لا يُصلّون على الصغار ما صلّيتُ عليه » (٥).

__________________

(١) رجال الكشي ١ : ٣٩٨ / ٢٨٦ ، الوسائل ٢٧ : ١٤٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ١٤.

(٢) رجال الكشي ١ : ٣٩٨ / ٢٨٧ ، الوسائل ٢٧ : ١٤٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٢٦.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٧٨٤ / ٩٣٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٤٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٣٣.

(٤) الكافي ٧ : ٩٤ / ٣.

(٥) التوحيد : ٣٩٣ / ٥.

١٦١

ومثله في ( الكافي ) بسند آخر عن زرارة ، قال : مات ابن لأبي جعفر .. حتى قال ـ : « أما إنّه لم يكن يصلّى على مثل هذا وكان ابن ثلاث سنين » .. حتى قال عليه‌السلام ـ : « ولكن الناس صنعوا شيئاً ونحن نصنع مثله » (١).

وما في ( الكافي ) بسنده إلى عَنْبَسَة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إيّاكم وذكر عليّ وفاطمة ، فإنّ الناس ليس شي‌ء أبغض إليهم من ذكر عليّ وفاطمة » (٢).

وما فيه أيضاً ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، حيث قال : « اتّقوا على دينكم ، واحجبوه بالتقيّة ، فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له ، وإنّما أنتم في الناس كالنحل في الطير ، لو أنّ الطير يعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شي‌ء إلّا أكلته ، ولو أنّ الناس علموا ما في أجوافكم أنّكم تحبّونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم » (٣).

ومثله ما قال الصدوق رحمه‌الله : صلّى أبو جعفر على ابن له صبي صغير إلى أنْ قال ـ : ثمّ قال عليه‌السلام : « لولا أنّ الناس » (٤) .. إلى آخره.

ومختلج في الخاطر الفاتر عمل رسالة في هذا العنوان الظاهر ، أجمعُ فيها ما أقف عليه من أخبار الأطاهر ، وأشفع كلّ حديث بما يحتاج عليه من البيان ، والله الموفّق وعليه التكلان.

الخامس : سلّمنا لكم قصر كلامهم على السماع ، ولكنّه غير كافٍ في المطلق ؛ لجواز سهوهم في السماع وخطئهم في فهم المراد من المسموع ، كما هو مشاهد في كثير من المواضع.

وأُجيب بوجوه :

الأوّل : أنّ قولهم : ( قصر كلامهم على السماع ولكنه غير كافٍ في المطلق ؛ لجواز سهوهم ). إلى آخره ، مردودٌ ؛ لأنّ هذا الاحتمال إذا وزن بإصابتهم لا يعادله ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٧ ٢٠٨ / ٤ ، الوسائل ٣ : ٩٥ ٩٦ ، أبواب صلاة الجنازة ، ب ١٣ ، ح ٣.

(٢) الكافي ٨ : ١٤٠ ١٤١ / ١٥٦ ، الوسائل ١٦ : ٢٣٨ ، أبواب الأمر والنهي ، ب ٣٣ ، ح ٢.

(٣) الكافي ٢ : ٢١٨ / ٥ ، الوسائل ١٦ : ٢٠٥ ، أبواب الأمر والنهي ، ب ٢٤ ، ح ٨.

(٤) الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٨٧.

١٦٢

والاحتمال لا يبطل الاستدلال إلّا إذا كان راجحاً أو مساوياً ، أمّا إذا كان مرجوحاً فلا ، مع أنّ خطأهم في فهم المراد خلاف الأصل ، وقد عُرِضَ كثيرٌ من كتبهم على أئمّتهم فاستحسنوها ودعوا لمصنّفيها ، ولم ينكروا فيها شيئاً ، ولو كان فيها ما يخالف المذهب لنبّهوا عليهم‌السلام عليه لما تضمّنه قولهم : « كيما إنْ زاد المؤمنون [ شيئاً (١) ] ردّهم وإنْ نقصوا [ شيئاً (٢) ] أتمّه لهم » (٣). ولا يجوز للحجّة أنْ يهمل ما أُمر بإصلاحه مع العلم به ، إذ لا يجوز جهلهم شيئاً جعلوا قوّاماً عليه وحفظة له.

الثاني : أنّ قولهم : ( كما هو مشاهدٌ في كثير من المواضع ) ، ليس في محلّ النزاع ؛ لأنّ محلّ النزاع تحقّق الإجماع لا تحقّق الاجتماع ؛ لأنّا لا نقول بعدم السهو والغلط من أحد منهم ، لكنّا لا نقول إذا احتمل السهو امتنع الإجماع والحجّيّة.

الثالث : أنّ تجويز خطأ جماعة من الخواصّ الموثوق بضبطهم وشدّة تحرّزهم عن الغلط في أمر سمعوه من إمامهم بعيدٌ جدّاً.

الرابع : أنّ خطأهم في فهم مراد إمامهم يدخل في الروايات ؛ لأنّ منها ما هو منقولٌ بالمعنى ، فلو كان مجرّد تجويز خطئهم في فهم المراد يمنع من قبول فتواهم المسموع من أئمّتهم لكان ذلك مانعاً من قبول رواياتهم المنقولة بالمعنى ، وفتحُ هذا الباب يوجب عدم الوثوق بالروايات التي هي أصلُ أُصول الإماميّة ، وجواز العمل بها.

الخامس : أنّ هذا تشكيكٌ في النصوص الآمرة باتّباعهم وأخذ معالم الدين منهم ، فلا يلتفت إليها.

السادس ممّا احتجّوا به : أنّكم إذا قلتم : إنّهم لا يفتون إلّا بقول الإمام عليه‌السلام ، لم تكن لهم فتاوى حتى يحصل الإجماع باتّفاقهم ، وإنّما فتاواهم متونُ الأخبار.

وأُجيب بأنّ هذا ممنوع ؛ لأنّهم كثيراً ما يفتون بالحكم ولا يصرّحون بإسناده إلى

__________________

(١) من المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) بصائر الدرجات : ٤٨٦ / ١٠.

١٦٣

الإمام ؛ إمّا تقيّة عليه أو لغرض من الأغراض ، وكثير من الأحاديث ناطقة بذلك.

السابع : أنّ دعوى وجود كتب أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام فضلاً عن معلوميّتها في عصر من تقدّم على الشيخ كالكليني والصدوق بعيدٌ.

وأُجيب بأنّه يكفينا حصول البعض إذا لم يحصل الكلّ وهو غير متعسّر.

الثامن : أنّ الاطّلاع على مذهب من مذاهب هؤلاء لا يدلّ على الاطّلاع على سائر مذاهبهم فضلاً عن مذاهب غيرهم.

وأُجيب بأنّه لا يحتاجُ إلى الاطّلاع على سائر مذاهبهم إلّا لمَنْ حاول إثبات الإجماع الحقيقي ، وليس في محلّ النزاع ، ومَنْ حاول إثبات اتّفاق جماعة من خواصّ الأئمّة على حكم فلا يحتاجُ إلى ذلك ، بل هو كما قيل : أسهل من شرب الماء البارد على الشيخ والسيّد.

التاسع : إذا علم أنّهم لا يتكلّمون إلّا بقول الإمام عليه‌السلام ولا يفتون بشي‌ء إلّا بعد السماع منه ، فأيّ حاجة إلى الاتّفاق!.

وأُجيب بوجهين :

الأوّل : أنّ الواحد على كلّ فرض لا يزيد على الخبر الواحد الصحيح ، ولا يثبت به ما يثبت بالإجماع ؛ لأنّ الخبر كما قيل وإنْ صحّ إلّا إنّه لا يمنع النقيض.

والثاني : أنّ هذا العلم أنّما يحصل من تتبّع أحوالهم والاطّلاع على تقواهم وديانتهم ، وهو مختلف باختلاف أوصافهم ، فقد يحصل باثنين بل بواحد ، وقد يحصل بعشرين بل عشرة.

ونوقش بأنّ هذا غير قويّ ، إذ لقائل أنْ يقول : ثبت عندنا العلم بالتتبّع فلا يحتاج إلى الاتّفاق ، بل يكفي الواحد. فالأوّل هو الأوْلى.

العاشر : أنّ السيّد المرتضى لا يعتمد على المراسيل ، وإجماعاته لا تخرج عنها ؛ لأنّ مستند إجماعاته ؛ أمّا الاستقراء لأقوال العلماء وتحصيلُهُ متعذّرٌ ، أو النقل من الغير فيدخل في المراسيل ، فكيف يجوز له العمل بها مع استلزامها اطّراح صحاح

١٦٤

الأخبار؟!.

وأُجيب بأنّها أنّما تكون من المراسيل إذا كانت على سبيل النقل عن المتقدّمين بسند منقطع. والظاهر خلافه ، فإنّه يدّعي قطعيّتها ، بل يدّعي أنّ معظم الفقه معلومٌ عنده بالضرورة ، وجزمه به مثل جزم الصدوق بالخبر حيث يقول : قال الإمام : كذا ، فيدخل في باب المسانيد ، ولا نُسلّم أنّ إجماعاته لا تخرج عن المراسيل ، لا سيّما على رأي مَنْ يشترط في النقل الاطّلاع الابتدائي ، بمعنى أنّه ينتهي إليه ، والاستقراء بالقدر المتأدّي به المطلق غير متعسّر فضلاً عن التعذّر ، فلا يكون شي‌ءٌ من مستندات إجماعاته مرسلاً ، بل جرى في ذلك على أصله من عدم جواز العمل بالآحاد.

الحادي عشر : أنّ حجّيّة الإجماع أنّما كانت لتضمّنه الخبر الصحيح المشتمل على قول الإمام عليه‌السلام ، فإذا عارضه الخبر لم يكن حجّة ؛ لأنّ دلالة الإجماع على قول الإمام إجماليّة ، ودلالة الأخبار عليه تفصيليّة ، والمفصّل مقدّم على المجمل ، ونرى أكثر الإجماعات تعارضها الأخبار الصحيحة بالاصطلاح المتأخّر ، فتبطل حينئذ.

وأُجيب على اصطلاح الأخباريّين بعدم الحرج في ذلك إذا علم أنّ منشأ إجماعاتهم أنّما هي صحاح الأخبار بالاصطلاح الأوّل ، وهم أعرف من غيرهم بكثير ، فالصحيح ما صحّحوه وإنْ كان ضعيفاً بالاصطلاح المتأخّر ، والضعيف ما ضعّفوه وإن صحّ بالاصطلاح المتأخّر.

وعلى اصطلاح الأُصوليّين بأنّه أنّما كان حجّة لاشتماله على قول الحجّة الصحيح الصريح الذي لا يحتمل غير ما ظهر منه اشتمالاً قطعيّاً لا يحتمل النقيض ، فإذا عارضه الخبر الصحيح كان العمل بمقتضاه أوْلى ؛ لأنّ الإجماع خبر صريحٌ صحيحٌ واجب الاتّباع يلزم العمل بمقتضاه ، بخلاف الخبر فإنّه وإنْ كان صحيحاً باعتبار سنده لكنّه لا يمنع النقيض ، لا في صحّة الورود ولا العمل ولا الدلالة ، فلا يعارض الإجماع.

ولا يخفى ما فيه ، أمّا أوّلاً ، فلأنّ الإجماع عند الإماميّة ليس أصلاً في الدلالة ، بل

١٦٥

لا بدّ أن يستند المجمعون إلى دليل على الحكم حتى يجمعوا عليه ، وإلّا كان خطأً ، وممّن صرّح به العلّامة (١) .. (٢) السنّة المستنبطة من الإجماع ، بل الوجه معاملتهما معاملة السنّتين المتعارضتين ، فيرجّح بينهما بالتراجيح المروية عن أهل العصمة.

وأمّا ثالثاً ، .. (٣) أنْ يكون الخبر هو الحكم الواجب بيانه على المعصوم عليه‌السلام ، فإنّه لا يجب عليه عليه‌السلام بيان الحكم بعنوان الفتوى من فقيه ، بل الأمر بالعكس.

الثاني عشر : وجود المخالف في أكثر الإجماعات.

وأُجيب بأنّهم إنْ أرادوا أنّ هذا الوجود مانعٌ من الاحتجاج بالإجماعات المنقولة ومورث للعلم بخطإ مدّعيها فهو فاسد ، لما عرف من إمكان حصوله مع وجود المخالف. وإنْ أرادوا أنّه يضعف الاعتماد عليه ، فهو لا يوجب بطلان مطلق الإجماع ولا الإجماع المنقول ؛ لأنّ خروج بعض أخبار الآحاد لا يوجب عدم حجّيّة مطلق الأخبار ؛ ولأنّ تخصيص العامّ وكثرة تخصيصه لا يوجب خروج العامّ من أصالة العموم ، وكذا الخلاف الواقع في سائر المسائل وسائر العلوم لا يوجب الاعتماد عليها. وإنْ أرادوا أنّ وجوده مانع من عدم تحقّق الإجماع ، فهو أنّما يصحّ على طريق العامّة ، مع أنّ بعضهم لا يعتبر بخلاف النادر ، وأمّا على طريقتنا فلا يضرّ وجود المخالف لما علم من إناطة حجّيّته بدخول قول المعصوم عليه‌السلام ولو باتّفاق جماعة من الأصحاب ، ولأنّ خلاف معلوم النسب لا يضرّ ، ولا مجهوله إذا علم أنّه غير المعصوم ، مع احتمال تقدّم المخالف على تحقّقه أو تأخّره مع عدم اطّلاعه على الإجماع.

على أنّ الأحكام الشرعيّة ؛ منها : ما هو بديهيٌّ. ومنها : ما هو يقينيٌّ نظريٌّ للخواصّ. ومنها : ما هو ظنّيٌّ للخواصّ مجهولٌ للعوامّ.

والنظري اليقيني قد يكون يقينيّاً لبعض الخواصّ وظنّيّاً لآخر ومرجوحاً لآخر ؛

__________________

(١) مبادئ الوصول إلى علم الأُصول : ١٩٧.

(٢) سقط في أصل المخطوط.

(٣) سقط في أصل المخطوط.

١٦٦

وأسباب الحدس والتتبّع مختلفة ، فيتفاوت الحال بالنسبةِ إلى الناظرين والمتتبّعين. ألا ترى أنّ الشيعة مجمعون على حرمة العمل بالقياس مع أنّ ابن الجنيد نُقل عنه جوازه ثمّ رجع (١) ، ولا ريب أنّ هذا الحكم إجماعيٌّ ، وكذا قراءة دعاء الهلال (٢) ، فإنّ العلماء مجمعون على استحبابه ، مع أنّ الشيخ الجليل الحسن بن أبي عقيل قائلٌ بوجوبه.

فتحقّقه في كلّ من الأزمنة بالنسبة إلى الأشخاص ؛ إمّا يقينيٌّ أو ظنيٌّ ، واليقيني مختلفٌ في مراتب القطع ، والظنّي في مراتب الرجحان ، فلا يلزم القول بأنّ الإجماع المتحقّق في نفس الأمر لا بدّ أن يحصل العلم بكلِّ واحد واحد وعدم وجود المخالف.

وهذه الأدلّة الاثنا عشر أقصى ما وجدته متفرّقاً في كتبهم بحسب استدلال كلّ واحد منهم بدليل منها أو أكثر ، والله العالم.

تنبيهٌ :

ما هنا من خلاف الإماميّة في حجّيّة الإجماع ينافي ما قاله جماعة منهم المحقّق القمّي في ( القوانين ) ، والشهيد في ( القواعد ) ، وصاحب ( الفوائد الحائريّة ) من الردّ على المخالفين ، حيث نسبونا إلى القول بعدم حجّيّة الإجماع.

قال في ( الفوائد الحائرية ): ( وبالجملة ، فلا نزاع بين الشيعة في كون الإجماع حجّة ، بل لا يمكنهم النزاع ؛ لأنّ الإجماع كاشفٌ عن قول المعصوم ، فهو طريقٌ إلى [ الحجّة (٣) ] كالخبر وطريقُ قطعٍ ، [ و (٤) ] لا نزاع بينهم أيضاً في وجوده والعلم به ، ومدار الشيعة من الكليني ومَنْ تأخّر عنه على العمل به في كتبهم الاستدلاليّة والأُصوليّة والأخباريّة والفقهيّة ) (٥) انتهى.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٨٨ / ١٠٤٧ ، الوافية في أُصول الفقه : ٢٣٦.

(٢) القوانين : ١٨٣.

(٣) في المخطوط : ( الحجيّة ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) الفوائد الحائرية : ٣٠٢.

١٦٧

وقال الشهيد في ( القواعد ) بعد أن ذكر أنّ حجّيّة الإجماع عندنا لدخول المعصوم عليه‌السلام ـ : ( ومن هنا نسب بعضهم إلينا القول بأنّ الإجماع ليس بحجّة ، وإنّما الاختلاف في الحيثيّة ) (١). انتهى. ومراده بالحيثية ، أي لا من حيث إنّه إجماع ، بل لدخول قول المعصوم.

وقال في ( القوانين ): ( ونسبةُ بعض العامّة القول بعدم الحجّيّة إلى الشيعة افتراءٌ واشتباه لفهم مقصد الشيعة ، فإنّهم يمنعون حجّيّة الإجماع من حيث إنّه إجماع لا مطلقاً ) (٢) انتهى.

فهذا صريح في أن لا خلاف بين الإماميّة في حجّيّة الإجماع ، ومثله غيرهُ. ويمكن الجمعُ بأنّ الخلاف أنّما نشأ في هذه الأزمان ، ويدلّ عليه قول صاحب ( الفوائد الحائرية ) بأنّ ( مدار الشيعة من الكليني ومن تأخّر عنه على العمل به ) .. إلى آخره. فهذا يدلّ على حدوث الخلاف ؛ لأنّ كلامه على منكري ثبوت حجّيّة الإجماع.

واحتجّ مَنْ قال بالحجّيّة بالأخبار الكثيرة البالغة حدّ التواتر المعنوي :

١ ـ فمنها : ما تضمّنته المقبولة الحنظليّة من قوله عليه‌السلام : « ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به ، المجمع عليه بين أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور » (٣) وفي نسخة : « الذي ليس عند أصحابك فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ».

٢ ـ ومنها : قوله عليه‌السلام في المرفوعة الزراريّة : « خُذْ ما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر » (٤).

٣ ـ ومنها : المرسلة الكلينيّة عن العالم عليه‌السلام ، أنّه قال : « خذوا بالمجمع عليه فإنّ المجمع

__________________

(١) تمهيد القواعد : ٢٥١ ٢٥٢. وفيه : ( الاختلاف في الحقيقة ).

(٢) القوانين : ١٨٢.

(٣) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٦ / ١٨ ، الاحتجاج ٢ : ٢٦١ ٢٦٢ / ٢٣٢ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١.

(٤) غوالي اللئلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩.

١٦٨

عليه لا ريب فيه » (١).

٤ ـ ومنها : قول الكاظم عليه‌السلام في حديث محمّد بن الزبرقان في جوابه للرشيد ، حيث قال فيه : « بسم الله الرحمن الرّحيم : أُمور الأديان أمران : أمرٌ لا اختلاف فيه وهو إجماع الأُمّة على الضرورة التي يضطرّون إليها. والأخبار المجمع عليها ، وهي الغاية المعروض عليها كلّ شبهة ، المستنبط منها كلّ حادثة إلى أنْ قال ـ : فما ثبت لمنتحليه من كتابٍ مجمع على تأويله أو سنّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ضاق على مَنْ استوضح تلك الحجّة ردّها ، ووجب عليه قبولها والإقرار والديانة بها ، وما لم يثبت لمنتحليه حجّة من كتاب مستجمع على تأويله أو سنّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله وسع خاصّ الأُمّة وعامّها الشكّ فيه والإنكار له ». كذا رواه المفيد في ( الاختصاص ) (٢).

وفي ( البصائر ) : « جميع أُمور الأديان أربعة : أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأُمّة على الضرورة التي يضطرون إليها ، [ و (٣) ] الأخبار المجمع عليها وهي الغاية المعروض عليها كلّ شبهة المستنبط منها كلّ حادثة ، وأمر يحتمل الشكّ والإنكار ، فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجّة من كتاب الله مجمع على تأويلها ، وسنّة مجمع عليها لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ، ولا يسع خاصّة الأُمّة وعامّتها الشكّ فيه والإنكار له. وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه وأرش الخدش فما فوقه ، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين » (٤).

وهذا الخبر لا يخلو من إجمال كما لا يخفى على ذي بال ، وتقسيمه أمر الدين إلى أربعة يرجع إلى أمرين كما هو كذلك في ( الاختصاص ) ، وهو ما لا اختلاف فيه من الأُمّة وهو لضروري الدين والمذهب الذي لا يحتاج إلى نظر واستدلال ، وثانيهما ما ليس من ضروري الدين فيحتمل الشكّ [ .. (٥) ] ولا يسع أحدٌ إنكاره ، فتصير هذه

__________________

(١) الكافي ١ : ٨ ٩ / خطبة الكتاب ، الوسائل ٢٧ : ١١٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١٩.

(٢) الاختصاص ( سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٢ : ٥٨.

(٣) من المصدر.

(٤) لم نعثر عليه في البصائر ، ووجدناه في تحف العقول : ٤٠٧ ، وفي البحار ١٠ : ٢٤٤ / ٢ ، والوسائل ٢٧ : ١٠٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٨ ، ح ٨٤ ، نقلاً عن تحف العقول.

(٥) سقط في أصل المخطوط.

١٦٩

الثلاثة بالانضمام إلى الأوّل أربعة.

وقوله عليه‌السلام : « وهذان الأمران » ، أي : بالقسمة الأوّلية. وحمل بعض القياس هنا على القياس البرهاني المنطقي لا القياس الفقهي ، والظاهر حمله على التقيّة من ذلك الطاغية الغويّة.

ويحتمل أنّه أراد عليه‌السلام الدليل العقلي المؤيّد بالنقلي مطلقاً ، سواء كان قياساً منطقيّاً أو غيره .. (١) فإنّما يجري في أُصول الدين لا في الأحكام التي لا تعلم إلّا بنصّ الشارع.

ورواه الحسن بن علي بن شعبة في ( تحف العقول ) بلفظ : « أُمور الأديان أربعة : أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأُمّة على الضرورة التي يضطرّون إليها ، والأخبار المجمع عليها وهي الغاية المعروض عليها كلّ شبهة والمستنبط منها كلّ حادثة » (٢).

فعلى رواية التحف يكون عطف الأخبار على الضرورة تفسيريّاً ، وعلى رواية ( الاختصاص ) وهو يكون بدلاً منها ، ويجوز أنْ يكون مفعول فعل محذوف منصوباً بتقدير أعني ، والأوّل أسهل لسلامته من التقدير.

٥ ـ ومنها : ما رواه في ( الاحتجاج ) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في سؤال الزنديق ، وهو طويلٌ ، وفي آخره : ( قال السائل : فما الفرق بين أنْ ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أنْ تخفضوها نحو الأرض؟ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواءٌ ، ولكنّه عزوجل أَمَر عباده وأولياءه برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ؛ لأنّه جعله معدن الرزق ، فثبّتنا ما ثبّته القرآن والأخبار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارفعوا أيديكم إلى الله عزوجل. وهذا مجمع عليه فرق الأمّة كلّها »(٣).

٦ ـ ومنها : ما رواه الطبرسي في ( الاحتجاج ) عن أحدهما عليهم‌السلام أنّه قال : « إذا اختلفت عليكم أحاديثنا فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا ، فإنّه لا ريب فيه » (٤).

__________________

(١) سقط في أصل المخطوط.

(٢) تحف العقول : ٤٠٧.

(٣) الاحتجاج ٢ : ١٩٩ / ٢١٣.

(٤) الاحتجاج ٢ : ٢٦٥ / ٢٣٥.

١٧٠

٧ ـ ومنها : ما رواه في ( الاحتجاج ) في مكاتبة محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري حين كتب إلى الحجّة عليه‌السلام يسأله عن مسائل ، فمنها عن دعاء التوجّه ، قال عليه‌السلام بعد كلام : « والسنّة المؤكّدة [ فيه (١) ] التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه : وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض » انتهى.

وعن جواز شدّ المحرم المئزر من خلفه فأجاب عليه‌السلام : « جائزٌ أنْ يتّزر الإنسان كيف شاء ثمّ قال ـ : فإنّ السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة والركبتين » (٢).

٨ ـ ومنها : ما رواه ثقة الإسلام في ( الكافي ) صحيحاً عن صفوان ، قال : سألني أبو قرّة المحدّث أنْ ادخله على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فأدخلته فسأله عن الحلال والحرام والأحكام ، إلى أنْ انتهى سؤاله إلى الكتب والحديث ، فقال أبو قرّة : هل تفتي (٣) به؟. فقال أبو الحسن عليه‌السلام : « أجمعَ المسلمونَ على أنّ ما سوى الله فانٍ ، وما سوى الله فعل الله ، والتوراة والإنجيل والزبور والقرآن فعل الله ».

ولمّا سأله عن رؤية محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله له تعالى ، فقال له أبو قرة : فتكذّبُ بالروايات؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : « إذا كانت الروايات مخالفةً للقرآن كذّبتها ، وما أجمع عليه المسلمون ، إنّه لا يحاط به علماً ولا تدركهُ الأبصار وليس كمثله شي‌ء » (٤).

٩ ـ ومنها : ما رواه الثقة في الكتاب أيضاً عن محمّد بن [ عبيد (٥) ] قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أسأله عن الرؤية وما ترويه العامّة والخاصّة ، وسألته أنْ يشرح لي ذلك ، فكتب بخطّه : « اتّفق الجميع لا تمانع بينهم أنّ المعرفة من جهة الرؤية ضروريّة » (٦).

١٠ ـ ومنها : ما في جواب مكاتبة أهل الأهواز للإمام علي الهادي عليه‌السلام حين سألوه عن الجبر والتفويض ، حيث قال عليه‌السلام : « اجتمعت الأُمّة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك أنّ

__________________

(١) من المصدر. (٢) الاحتجاج ٢ : ٥٧٤ ٥٧٥ / ٣٥٦.

(٣) في الاحتجاج : ( تغني ) بدل : ( تفتي ).

(٤) الكافي ١ : ٩٦ / ٢ ، بتفاوت ، الاحتجاج ٢ : ٣٧٤ ٣٧٦.

(٥) في المخطوط : ( عبيدة ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٦) الكافي ١ : ٩٦ / ٣.

١٧١

القرآن حقٌّ لا ريب فيه » (١) .. إلى آخره.

١١ ـ ومنها : ما رواه الطبرسي في ( الاحتجاج ) في حديث الحسن مع معاوية ، حيث قال عليه‌السلام : « إنّ الناس قد اجتمعوا على أُمور كثيرة » إلى أنْ قال عليه‌السلام : ـ فمَن أخذ بما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف ، وردّ علم ما اختلفوا فيه إلى الله سلم ونجا من النار ودخل الجنة.

وقال عليه‌السلام فيه أيضاً : « إنّما الناس ثلاثة إلى أنْ قال ورجل أخذ بما لا يختلف فيه » إلى أنْ قال ـ فنحن نرجو أنْ يغفر الله له ويدخله الجنّة » (٢).

١٢ ـ ومنها : ما في ( مصباح الشريعة ) ، ورواه الشيخ جعفر النجفي في بعض رسائله : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لبعض القضاة : « هل تعرف الناسخ من المنسوخ »؟. فقال : لا إلى أنْ قال عليه‌السلام ـ : « والمفتي يحتاج إلى [ معرفة (٣) ] معاني القرآن ، وحقائق السنن ، وبواطن الإشارات ، [ الآيات (٤) ] ، والإجماع ، والاطّلاع على أُصول ما أجمعوا عليه » (٥).

وما رواه بعض مشايخ الأخباريّين في كتابه المسمّى بـ ( النفحات ) عمّن روى عنه عليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّ الله قد احتجّ على العباد بأُمور ثلاثة : الكتاب ، والسنّة ، وما أجمعوا عليه ».

وفي نهج البلاغة : « إنّ الحقّ مع الجماعة ، وإنّه يجب اتّباع السواد الأعظم » (٦).

١٣ ـ ومنها : ما رواه في ( مصباح الشريعة ) عن الصادق عليه‌السلام ، في حديث طويل ، أنّه قال فيه بعد كلام : « فالزم ما أجمع عليه أهل الصفاء والتقى من أُمور الدين إلى أنْ قال ـ : وقد أجمعت الأُمّة المختارة بأنّ الله واحد ليس كمثله شي‌ء » (٧). ثمّ قال بعد أنْ عدّد صفات الله تعالى : « فمَن أورد عليك ما ينقص هذا الأصل فلا تقبله » (٨).

وغير خفيّ أنّ ظاهر السياق يقتضي أنّ المراد بالأصل المشار إليه ، هو إجماع الأُمّة المختارة ، وقد أمر عليه‌السلام بردّ ما ينقّصه. ومثلها كثير يظهر للمتتبّع الخبير.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٤٨٧ / ٣٢٨. (٢) الاحتجاج ٢ : ٦٢ ٦٥ / ١٥٥.

(٣) من المصدر. (٤) في المصدر : ( الآداب ) بدل : ( الآيات ).

(٥) مصباح الشريعة : ١٧. (٦) نهج البلاغة : خطبة ١٢٧. بالمعنى.

(٧) مصباح الشريعة : ٦٠. (٨) مصباح الشريعة : ٦٠.

١٧٢

ومنها : القياس المنطقي المفرَّع على قوله عليه‌السلام : « حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة » (١).

وتقريره هكذا : الإجماع في زمنهم عليهم‌السلام حلال بالنصّ ، فالإجماع حلال إلى يوم القيامة بالنصّ.

فليتأمّل طالب الحقّ بالإنصاف والمتنكِّب جادّة الاعتساف فيما تضمّنته هذه الأخبار الواردة عن الأشراف ، يجد فيها دلالة صريحة فيما قلناه ، ونصّاً صحيحاً على ما ذكرناه ، وأنّ ما ذكره السائل دام ظلّه من عدم وضاحة غير المقبولة في مقام التكافؤ غير واضح ؛ إذ لا تكافؤ هاهنا ، لعدم ما يعارض هذه الأخبار.

وأمّا ما في رسالة الصادق عليه‌السلام للشيعة التي أمرهم بتعاهدها ، قال عليه‌السلام : « وقد عهد إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل موته ، فقالوا : نحن بعد ما قبض الله رسوله يسعنا أنْ نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس ثمّ قال عليه‌السلام : فما أحدٌ أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممّن أخذ بذلك » (٢) .. إلى آخره.

فالمراد بالإجماع فيها الناشئ من اتّفاق الآراء الفاسدة والأهواء الكاسدة وهو الذي لم يدخل المعصوم فيه ، كالإجماع على تقديم أوّل اللصوص على أوّل أهل النصوص ، ولا نقول به لعدم الشرط ، لا الناشئ من الروايات كإجماعنا.

فإنْ قلت : هذا بعيد ، إذ لو أراد الإمام عليه‌السلام هذا لأشار إليه بـ ( هذا ) الموضوع للقريب ، لا بـ ( ذلك ) الموضوع للبعيد.

قلت : قد تقرّر في النحو والمعاني أنّه يشار إلى المعنى الخاصّ إذا تقدّم ذكره بلفظ البعيد ، كما تقول : بالله الطالب الغالب ، وذلك قسم عظيم لأفعلنّ ، وقال الله تعالى ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ ) (٣) مشيراً بذلك إلى ضرب المثل ، وقال تعالى ( الم. ذلِكَ الْكِتابُ ) (٤).

بل هذا يؤيّد ما حملناه عليه ؛ لأنّ إجماعهم لمّا كان بمراحل عن مساحة القبول ، بل غير مقبول عندهم أصلاً حتى كأنّه غير محسوس ، ناسب الإشارة إليه بلفظ البعيد

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٨ / ١٩.

(٢) الكافي ٨ : ٣٢٨.

(٣) محمّد : ٣.

(٤) البقرة : ١ ، ٢.

١٧٣

كما في المثال المتقدّم ، فإنّ المقسم به لمّا كان بعيداً كلّ البعد عن إحاطة الأفهام ناسب أنْ يشار إليه بلفظ البعيد كما لا يخفى على ذي رأي سديد.

وممّا يؤيّد ما قلناه أنّ شيخنا العلي الحرّ العاملي ذكر هذا الخبر في ( الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة ) في باب عدم جواز العمل بالإجماع الذي لم يعلم فيه دخول المعصوم عليه‌السلام (١).

وأجاب غارس ( الحدائق الناضرة ) (٢) عن هذه الأخبار الظاهرة بوجوه :

الأوّل على الإجمال ـ : أنّ هذه الأخبار أخبار آحاد لا تفيد القطع ، والإجماع أصلٌ ولا بدّ من كونه يقينيّاً يتعيّن الرجوع إليه ، ولا يثبت قطعي بظنّي.

والجواب عنه على الإجمال أيضاً :

أمّا أولاً ؛ فلأنّا لا نسلّم آحاديّتها ، إذ قد بلغت حدّ التواتر ، فإنّ العدد المعتبر في التواتر وإفادته القطع على أحد الأقوال المشهورة أربعة أو خمسة أو عشرة ، وهذه الأخبار التي عثرنا عليها فقط خمسة عشر دون ما لم نعثر عليه ، ولا التفات لمَن اشترط الأربعين أو السبعين أو الثلاثمائة وثلاثين ؛ لكونها من الأقوال العاميّة المخالفة للقواعد المعصوميّة ، بل الحقّ المنصور أنْ ليس للتواتر عدد محصورٌ كما هو المذهب المشهور ، فقد يحصل باثنين وقد لا يحصل بألفين.

وأمّا ثانياً ؛ فليس الثابت بخبر الواحد حجّيّة الإجماع التي هي ثمرة القطع بدخول قول المعصوم عليه‌السلام ، فيتّجه ما أُورد ، بل الثابت نفس الإجماع في خصوص تلك المسألة الفرعيّة ، المدّعى ثبوته فيها بالنقل وهو جزئي من كلّي ، والأصل هو كونه حجّة يتعيّن الرجوع إليه حيث يتحقّق وجوده في شي‌ءٍ ، وذلك لا يثبت بخبر الواحد.

فكما أنّ السنّة لم يثبت كونها حجّة بخبر الواحد مطلقاً ، بل أفاد العلم والقطع الذي يتعيّن بهما الردّ إليها ، كذلك ثبوت حجّيّة الإجماع ، وكما أنّ السنّة ثبتت في خصوص مسألة فرعيّة بخبر الواحد ، كذلك الإجماع ، فلا يضرّ ظنّيّة ثبوته إنْ

__________________

(١) الفصول المهمّة : ٢١٣.

(٢) الحدائق الناضرة ١ : ٣٨.

١٧٤

سلّمناها مع ثبوت قطعيّة حجّيّته ، على أنّ مثل هذا الظنّ المعتبر يؤول إلى العلم لإثبات الحجّة بالظنّ المعتبر كإثباتها بالعلم.

وأمّا ثالثاً ؛ فلأنّا مع التنزّل وتسليم آحاديّتها لا نمنع حجّيّتها ؛ لاحتفافها بقرائن القطع لعمل الطائفة بمثلها وانتزاعها من الكتب المشهورة.

قال في ( الاحتجاج ) : ( ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده ؛ إمّا لوجود الإجماع عليه ، أو موافقته لما دلّت العقول إليه ، أو لاشتهاره في السير والكتب من المخالف والمؤالف ، إلّا ما أوردته عن أبي محمّد الحسن بن علي العسكري ، فإنّه ليس في الاشتهار على حدّ ما سواه وإنْ كان مشتملاً على مثل ما قدّمنا ، فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أوّل جزء من ذلك دون غيره ؛ لأنّ جميع ما رويت عنه أنّما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها في تفسيره ) (١). انتهى.

وهو منه واضح ؛ للإرسال ، كما يخفى حسنه على ذي بال.

وكذا ( مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة ) عن الصادق عليه‌السلام حتى جعله السيّد علي بن طاوس في ( أمان الأخطار ) ممّا يصحبه المسافر معه ، قال : ( فإنه كتاب لطيف شريف في التعريف بالتسليك إلى الله ، والإقبال عليه ، والظفر بالأسرار التي اشتملت عليه ) (٢).

ولم يطعن عليه صاحب البحار إلّا بأنّ : ( فيه بعض ما يريب اللبيب الماهر ، وأُسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمّة وآثارهم ) (٣).

ولا يخفى ما فيه :

أمّا الأوّل ، فلما ورد : « إنّ حديثهم صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل (٤) ، بل في بعض الأخبار » لا يحتمله ملك مقرّب أو نبيّ مرسل » (٥).

وأمّا الثاني ، فلنقل الأخبار بالمعنى ، وهذا أخذ من كلام الصادق عليه‌السلام لا أنّه الظاهر.

__________________

(١) الاحتجاج ١ : ٤.

(٢) الأمان من إخطار الأسفار والأزمان : ٩١ ٩٢.

(٣) بحار الأنوار ١ : ٣٢.

(٤) معاني الأخبار : ١٨٩ / ١.

(٥) بصائر الدرجات : ٢٢ / ٧.

١٧٥

وأمّا النهج ، فبلغ من شهرته أنّه سلكه صاحب ( البحار ) في سلك الأربعة ، حيث قال : ( واعلم أنّا أنّما تركنا إيراد أخبار بعض الكتب المتواترة الأربعة وكتاب ( نهج البلاغة ) لكونها متواترة مضبوطة ) (١).

[ .. (٢) ].

وأمّا رابعاً ، فلمناقضته نفسه في بحث الاحتياط ، فإنّ المحقّق احتجّ للمجوّزين بـ « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (٣) ، وأجاب عنه بأنّه : ( خبر واحد لا يعمل بمثله في مسائل الأُصول ) (٤).

فأجاب عنه هذا المحقق : ( بأنّه مبني على اشتراط القطع في الأُصول ، أو عدم العمل بالآحاد مطلقاً ، وكلاهما محلّ نظر :

أمّا الأوّل ، فلعدم الدليل عليه إلى أنْ قال : على أنّه لو ثبت ثمّة دليل على اشتراط القطع في الأُصول لوجب تخصيصه بالأُصول الكلامية والعقائد الدينية.

إلى أنْ قال : وأمّا الثاني وأراد به عدم العمل بالآحاد ـ : فلما صرّح به جمّ غفير من أصحابنا ، متقدّميهم ومتأخّريهم ، ولا سيّما هذا يعني : المحقق القائل نفسه في كتاب ( المعتبر ) (٥) ، وكذا في كتابه في ( الأُصول ) (٦) ، بل الظاهر أنّه إجماعي كما ادّعاه غير واحد منهم من حجيّة خبر الواحد والاعتماد عليه ، وعلى ذلك يدلّ من الأخبار ما يضيق عن نشره نطاق البيان ) (٧). إلى آخر ما ذكره.

فانظر ببصر البصيرة الصائبة ، واعمل عامل فكرتك الوقادة الثاقبة إلى هذه المناقضة التامّة والمصادمة الطامّة.

يا خليليّ اخبراني عنهم

أحجاراً يمّموها أم شاما؟

__________________

(١) البحار ١ : ٤٨ ، ولكن لا توجد فيه : ( وكتاب نهج البلاغة ).

(٢) توجد في المخطوط كلمات غير مقروءة.

(٣) غوالي اللئلئ ١ : ٣٩٤ / ٤٠ ، الوسائل ٢٧ : ١٧٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٥٤.

(٤) معارج الأُصول : ٢١٦ ٢١٧.

(٥) المعتبر ١ : ٢٩.

(٦) معارج الأصول : ١٤١.

(٧) الحدائق الناضرة ١ : ٦٦ ٦٧.

١٧٦

وأمّا خامساً ، فلأنّه لا مناص من القول بالحجّيّة إذا علم دخول المعصوم فيه ، فهو كالخبر.

الثاني وهو التفصيلي ـ : ( أنّ المقبولة أوّلاً : غاية ما يستفاد منها كون الإجماع مرجّحاً لأحد الخبرين ، والنزاع في كونه دليلاً برأسه. وثانياً : بأنّ ظاهرها كون الإجماع في الرواية لا في الفتوى كما هو المطلوب ) (١).

والجواب على التفصيل أيضاً :

أمّا عن الأوّل ، فلأنّا لمّا شرطنا في حجّيّته دخول قول المعصوم ، فلا فرق بينه وبين الخبر في كونه مرجّحاً ، وهو دليل مستقلّ ، كما أنّ الخبر يكون كذلك.

وأمّا عن الثاني ، فسيأتي في بحث الإجماع المشهوري على أنّه عامّ ولا مخصّص ، ولا تخصيص بغير مخصّص ، ولا فرق بين الزمانين ، إلّا إنّ الأوائل إذا أفتوا نقلوا نفس الرواية ومتنها وسندها ، والأواخر ينقلون مضمونها كالجواز وعدمه والوجوب وعدمه ، وهذا لا يصلح مخصّصاً.

نعم ، يحسن التفصيل بين ما إذا كان الفتوى مطابقة للكتاب والسنّة أو لا ، فإنْ كان الأوّل قُبل ، وإنْ كان الثاني رُدّ ، وقد تقرّر أنّ علماء الإماميّة لا يفتون بما ينشأ من القياسات والاستحسانات والآراء الرديئة كما هو المعروف من مصنّفاتهم أُصولاً وفروعاً.

قال العلّامة في ( التذكرة ) نقلاً عنه ـ : ( إنّي صنّفت هذا الكتاب في فروع الإماميّة الذين أخذوا فروعهم عن الأئمّة المعصومين ، لا بالرأي والقياس ولا باجتهاد الناس ) (٢).

وقال في ( منهاج الكرامة ) في الاستدلال على وجوب اتّباع مذهب الإماميّة : ( وأخذوا الأحكام الفرعيّة عن الأئمة المعصومين الناقلين عن جدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١ : ٣٨. باختلاف يسير.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٤.

١٧٧

الآخذ ذلك عن الله ، بوحي جبرئيل إليه ، يتناقلون ذلك عن الثقات خلفاً عن سلف ، إلى أن تتصل الرواية بأحد المعصومين عليهم‌السلام ولم يلتفتوا إلى القول بالرأي والاجتهاد ، وحرّموا الأخذ بالقياس والاستحسان ) (١).

ومثل هذا المعنى غير عزيز على من رجع الى كتب المجتهدين المدوّنة في أُصول الفقه والدين ، ونظر فيها بعين الإنصاف ، لا بالتعصب والاعتساف ، ولهذا تراهم بالكتب الفقهية إن اتفق منهم الفتوى بمالا نصّ فيه ونبّهوا عليه.

وقال العلّامة في ( التذكرة ) نقلاً عنه بعد أنْ منع من إخراج الرواشن والأجنحة إلى الطريق للنافذة إذا استلزمت الإشراف على المارّة : ( ولست أعرف في هذه المسألة بالخصوصيّة نصّاً من الخاصّة ولا من العامّة ، وإنّما صرت إلى ما قلت عن اجتهاد ) (٢).

وقال شهيد ( المسالك ) نقلاً عنه في مسألة التنازع بين الزوجين في المهر حيث فرضوها أربع صور ، وهي : ما لو اختلفا في قدره : ( إِنّ أكثر كلام المتقدّمين حتى الشيخ في ( المبسوط ) و ( النهاية ) خالٍ عن فرض المسألة ، وأنّ ما ذكروه في مسألة الاختلاف بطريق الاجتهاد ) (٣).

[ .. (٤) ].

الثالث : ( أنّ خبر صفوان (٥) ، ومحمّد بن عبيد (٦) يمكن أوّلاً : الحمل على كون الاستدلال به فيهما [ جدلياً إلزامياً (٧) ] للخصم القائل بجواز الرؤية بالإجماع. وثانياً : بأنّه على تقدير دلالتهما على الحجّيّة في الجملة فلا دلالة لهما على العموم في الأُمور العقليّة والنقليّة ، إذ متعلّق الاستدلال هنا الأُمور العقليّة.

__________________

(١) شرح منهاج الكرامة ( المتن ) : ٧٨ ٧٩.

(٢) عنه في مسالك الأفهام ٤ : ٢٧٦ ، الحدائق الناضرة ٢١ : ١١٦ ، جواهر الكلام ٢٦ : ٢٤٤.

(٣) مسالك الأفهام ٨ : ٢٩٨.

(٤) توجد في المخطوط كلمات غير مقروءة.

(٥) الكافي ١ : ٩٥ / ٢.

(٦) الكافي ١ : ٩٦ / ٣.

(٧) من المصدر.

١٧٨

فالجواب بأنّه لا قائل بالفرق مردودٌ ، بأنّ اللازم من ذلك الاستدلال بفرع من فروع حجّيّة الإجماع قبل ثبوت أصل حجيّتّه ) (١). انتهى ما يتعلّق من كلامه بالجواب عن أخبار الباب.

وأقول : الجواب ومن الله إصابة الصواب ـ : أمّا عن الإمكان الأوّل فبأنّهم عليهم‌السلام منزّهون عن المجادلة بغير الأدلّة الثلاثة التي أمر الله بالجدال بها نبيّه في محكم كتابه ، بل إنّما أرادوا عليهم‌السلام تأسيس أصل وتمهيد قاعدة لِمَنْ طلب الدليل وتبيين سواء السبيل ، على أنّ ما في خبري ( الاحتجاج ) لم يرد به الإلزام ؛ لأنّ المسألة فروعيّةٌ لا تعلّق لها مع العامّة بوجهٍ من الوجوه.

فإنْ قيل : قد جعل بعضٌ الجدل الإلزامي قسماً من المجادلة بالتي هي أحسن ، وهو أحد الطرق الثلاثة.

قلت : هذا غير مسلّم ؛ لأنّ من شروط الاستدلال بهذا الطريق إنصاف الخصم ، وإلّا انعكس الاسم ؛ ولأنّ كيفيّة الاستدلال به أنْ يكون على نحو لا يكون فيه إنكار حقّ وإنْ كان للخصم ، ولا على إبطال باطل بباطل ، فلو كان الإجماع باطلاً لم يجز احتجاج هؤلاء الأقطاب ولا علمائهم به بنصّ السنّة والكتاب ، إذ الالتجاء إلى الباطل لا يكون إلّا للجاهل ، ولا يجوز نسبته لسائر شيعتهم فكيف لهم!.

قيل للصادق عليه‌السلام : يا ابن رسول الله ، ما الجدال بالتي هي أحسن ، والتي ليست بأحسن؟. فقال عليه‌السلام : « أمّا الجدال بغير التي هي أحسن ، فإنْ تجادل مبطلاً فيورد عليك باطلاً فلا ترده بحجّة قد نصبها الله تعالى ، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقّا يريد ذلك المبطل أنْ يعين به باطله ، فتجحد ذلك الحقّ مخافة أنْ يكون له عليك فيه حجّة ؛ لأنّك لا تدري كيف المخلص منه ، فذلك حرام على شيعتنا » (٢) .. إلى آخر كلامه عليه‌السلام ، والتقريب فيه ظاهر.

وقد التجأ هذا الفاضل أيضاً في معنى حديث المهاجرين والأنصار مع علي

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١ : ٣٩.

(٢) التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٢٨ ، البحار ٩ : ٢٥٦ / ١.

١٧٩

الكرّار ، حيث قال عليه‌السلام : « أتوجبون عليه الحدّ والرجم ولا توجبون عليه صاعاً من ماء » (١). حيث استدلّ به البعض على حجّيّة قياس الأولويّة ، وردّه هذا الفاضل بأنّ الاستدلال به جرى لإلزام الخصم حيث كان عملهم بالقياس (٢). ولا يخفى ما فيه :

أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ العمل بالقياس أنّما نشأ في زمن أبي حنيفة ، وأمّا مَنْ قبله من الصحابة المعوَّل عليهم فإنّهم ينهون عن العمل به ، كما اشتهر عن أبي بكر أنّه قال : ( أيّ سماء تظلّني؟ وأيّ أرض تقلّني؟ إذا قلت في كتاب الله برأيي ). والقياس داخل في الرأي. ورواه الجواد الكاظمي في ( شرح الزبدة البهائية ) ، والعلّامة في ( تهذيب الوصول ) ، والمحقّق في كتاب ( الأُصول ) (٣).

وروى عن عمر أنّه قال : ( إيّاكم وأصحاب الرأي ، فإنّهم أعداء النبيّين أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلّوا ) رواه الشارح المذكور والعلّامة في التهذيب أيضاً.

وروى المحقّق والجواد في كتابيهما المذكورين : ( إنّ عمر كتب إلى شُريح : اقضِ بما في كتاب الله إلى أنْ قال : فإن جاءك ما ليس في الكتاب والسنّة فاقضِ بما أجمع عليه أهل العلم ، فإنْ لم تجد فلا عليك أنْ لا تقضي ) (٤).

وروى الشارح الكاظمي أيضاً عن عثمان ، أنّه قال : ( لو كان الدين يؤخذ بالقياس لكان باطن الخفّ أوْلى بالمسح من ظاهره ). ورواه العلّامة في تهذيبه ، وغيره في غيره عن أمير المؤمنين عليه‌السلام. ولا يبعد اقتباس هذا الكلام من مشكاة مصباح سيّد الأنام.

مَنْ جاء بالقول الصحيح فناقل

عنهم وإلّا فهو منهم سارق

وروى العلّامة والمحقّق أيضاً عن ابن عباس ، أنّه قال : ( يتّخذ الناس رؤساء

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٩ / ٣١٤ ، الوسائل ٢ : ١٨٤ ، أبواب الجنابة ، ب ٦ ، ح ٥.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٧.

(٣) معارج الأُصول : ١٩٣.

(٤) معارج الأُصول : ١٩٣.

١٨٠