الرسائل الأحمديّة - ج ٢

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٣

كتاب الطلاق

الرسالة الثالثة والعشرون

مسألة فيما لو طلقت امرأة لكونها حبلى

ثمَّ تبيّن فساد الحمل

٣٨١
٣٨٢

الرسالة الثالثة والعشرون

مسألة فيما لو طلقت امرأة لكونها حبلى ثمَّ تبيّن فساد الحمل

٣٨٣
٣٨٤

مسألة : فيما لو طلّقت امرأة لكونها حُبلى ثمّ تبيّن فسادُ الحمل (١)

ثمّ قال سلّمه الله تعالى ـ : ( وما يقول مولانا في رجلٍ طلّق امرأةً لكونها حُبْلى ، واعترفت بالحمل ، وبعد الطلاقِ تبيّن فسادُ الحمل ، ما يكون الطلاق؟ يفسدُ بفساد الشرط ، أم لا؟ وسواء كان الطّلاق رجعيّاً أم بائناً؟ ).

الجواب ومنه سبحانه استفاضة سلسبيل الصواب ـ : أنّه لو طلّقت في طُهْرٍ لم يقربها فيه ، بناءً على المشهور من مجامعة الحيض للحمل مطلقاً ، حتى مع استبانته ، فلا يقدح فساد الحمل حينئذٍ في صحّته ، خصوصاً لو سبق العلم بالطهر قبل الطلاق ؛ لوجود المقتضي ، وانتفاء المانع بالاتّفاق.

وأمّا لو طلّقت في طهر المواقعة ، بناءً على مجرّد ثبوت الحمل ، ثمّ تبيّن فسادهُ ، فالظاهر ، بل المصرّح به في ( الجواهر ) (٢) ، هو فسادُ الطلاق المذكور بفساد الدعوى المزبور ؛ لما دلّ على بطلان الطلاق بوقوعه في طُهر الوقاع ، خرجَ من ذلك طلاقُ الحامل المتيقّنة الحمل بالنصّ والإجماع ، فبقي غيرُهُ على أصل الفساد بلا نزاع ، سواء قلنا : إنّ استبانة الحمل خاصّة ، أو مطلق مصادفة الحمل ولو واقعاً شرطٌ ، أو إنّ عدم الحمل مانع. وسواء قلنا : إنّ الطهر من الحيض شرط ، أو إنّ عدمَ الطهر مانع.

نعم ، قد تأتي الصحّة على بعض الوجوه في العمل بالأمارات ، وأنّ الأمر الظاهري يفيد الامتثال ، إلّا إنّه ظاهرُ الإشكال.

__________________

(١) وردت هذه المسألة ضمن رسالة تحتوي على مسألتين ، أولاهما هي الرسالة السادسة بحسب ترتيب الكتاب.

(٢) جواهر الكلام ٣٢ : ٤٢.

٣٨٥

وأمّا قولُهُ سلّمه الله تعالى ـ : ( وسواء كان الطلاق رجعيّاً أم بائناً؟ ).

فاعلم : أنّ في طلاق الحامل أكثر من مرّة واحدة خلافاً كثيراً بين علمائنا الأخيار ، لكثرة اختلاف الأخبار (١) وكثرةُ الاشتغال مانعةٌ من بسط الكلام في هذا المضمار فعلى القول بأنّه لا يصحّ طلاقُ الحامل أكثر من مرّة واحدة (٢) لا يتحقّق الطلاقُ البائن ؛ لارتفاع موضوعهِ لو أُريد إيقاعُهُ ابتداء في حال الحمل الكائن.

أمّا لو كانت عنده على تطليقة أو تطليقتين ثمّ طلّقها ، فبهذا الفرض صحّ فرض البائن والرجعي ، وجرى فيهما الوجهان السابقان ، من الصحّة والبطلان.

وإنّما يظهرُ أثرُ الوجهين في توقّف حلّها له على المحلّل وعدمه.

فعلى الصحّة يتوقّف حلّها له على المحلّل ؛ لعموم قوله تعالى ( فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٣).

وعلى البطلان تبقى عنده على تطليقةٍ أو تطليقتين ، فلا يتوقّف الحلّ على المحلّل ، وذلك ظاهرٌ بلا رين.

وأمّا على القول بصحّة طلاقها أكثر من مرّة مطلقاً (٤) ، أو بشرط مضيّ شهر ، كما في قولٍ (٥) ، أو بشرط مضيّ ثلاثة أشهر ، كما في آخر (٦) ، أو بشرط تخلّل الوطء بعد الرجعة ، لا مطلقاً ، كما في بعضٍ (٧) ، فيصحّ وقوعُ البائن والرجعي ، ويجري فيهما الوجهان السابقان ، بعين ما مرّ من الاستدلال ، والله العالم بحقائق الأحوال.

حرّره على مزيدِ استعجال ، وضيقِ مجال ، فقيرُ ربّه المنّان : أحمدُ بن صالح بن طعّان

__________________

(١) انظر : تهذيب الأحكام ٨ : ٧٠ ، ٧١ ، ٧٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٨ ٣٠٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٥ ، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ب ٢٠.

(٢) المقنع : ٣٤٦ ، قواعد الأحكام ٢ : ٦٤.

(٣) البقرة : ٢٣٠.

(٤) النهاية ( الطوسي ) : ٥١٧ ، المختصر : ٣١٠ ، الروضة البهيّة ٦ : ٤٠ ، مسالك الأفهام ٩ : ١٣٥.

(٥) مختلف الشيعة ٧ : ٣٥٧ ٣٥٨.

(٦) مختلف الشيعة ٧ : ٣٥٧ ، المقنع : ٣٤٥ ، الحدائق ٢٥ : ٢٨٧ ٢٨٨.

(٧) النهاية ( الطوسي ) : ٥١٧ ، السرائر ٢ : ٦٨٩.

٣٨٦

البحراني ، الأوالي الموالي للموالي ، في اليوم الثالث والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام ، من السنة ١٣١٠ ، العاشرة بعد الثلاثمائة والألف ، من الهجرة النبويّة ، على مهاجرها وآلِهِ أشرفُ الصلاة والتحيّة.

والمرجوُّ من الناظرين سدلُ ذيل العفو على ما يجدونه من الهفو ، وإصلاحُ الفساد ، وترويجُ الكسادِ.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، وصلّى الله على محمّدٍ وآلِهِ الطاهرِين.

٣٨٧
٣٨٨

كتاب

الأطعمة والأشربة

الرسالة الرابعة والعشرون

إقامة البرهان في حلِّ الإربيان

٣٨٩
٣٩٠

الرسالة الرابعة والعشرون

إقامة البرهان في حلِّ الإربيان

٣٩١
٣٩٢

الحمدُ لله الذي سخّر البحرَ لتأكلوا منه لحماً طريّاً ، وأحلّ من الطعام ما كان طيّباً وذكيّاً ، والصلاةُ والسلامُ على نبيّنا محمّد الذي كان ، وآدمُ عليه‌السلام بين الماء والطين ، نبيّاً (١) ، وآلِه الطيّبين الطاهرين ، بكرةً وعشيّاً.

أمّا بعد : فيقولُ الأقلُّ الجاني ، والأذلّ الفاني ، أحمدُ بنُ صالح البحراني أفاض الله عليه رواشح فيضه البحراني ـ : قد وقفتُ على كلامٍ لبعضِ المحشّين على ( الروضة البهيّة ) شكّكَ به في تحليل السمك المعروف بالإربيان ، بشبهةٍ غير قويّة ، فأحببتُ أن أكتبَ عليه كلماتٍ قليلة ، تنطوي على معانٍ جليلة ، تصلحُ إنْ شاء الله تعالى لدفع تلك الشُّبهات ، ورفع تلك التوهّمات ، وسمّيتُها : ( إقامةُ البُرهانِ في حلّ الإربيان ).

ولا بُدَّ من إيراد كلامِهِ بألفاظه ، تمهيداً للشرح ، وتمريداً للصرح ، ثم ذكر كُلّ فقرةٍ منه ، وتعقيبها بما يتعلّق بها من البيان ، وبالله الثقةُ ، وهو المستعان.

قال ذلك المحشّي على ( الرّوضة البهيّة ) في كتاب ( الأطعمة والأشربة ) ما هذا لفظه : ( لم يذكر المصنّف ولا الشارحُ حكمَ الربيان والربيثا ، والذي يظهرُ من بعض الأخبار كما

__________________

(١) انظر : مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٦٦ ، غوالي اللئلئ ٤ : ١٢١ / ٢٠٠ ، بحار الأنوار ٩٨ : ١٥٥ / بيان.

٣٩٣

في خبر ( المحاسن ) (١) أنّ الربيثا هو الربيان. ولم يذكر أهلُ اللغة الرّبيثا ، فصار غيرَ معروف. وبعضُ الأصحاب فرّق بين الرّبيثا والرّبيان ، كما صرّح به المصنّف في ( الدروس ) (٢) ؛ والعلّامةُ في ( التحرير ) (٣) ، وجوّزا أكله.

وقد ورد في ( المحاسن ) عن الصّادق عليه‌السلام جواز أكل الإربيان (٤).

وفي ( العلل ) عدم جوازه ، كما في رواية سماعة المرويّة في ( العلل ) عن الصّادق عليه‌السلام ، قال : « لا تأكُلْ جرِّيّثاً (٥) ، ولا مارماهياً ، ولا طافياً ، ولا ربيانَ ، ولا طحالاً ؛ لأنّه بيتُ الدم ، ومضغةُ الشيطان » (٦).

فالجمعُ بين خبري ( المحاسن ) و ( العلل ) حملُ خبر ( المحاسن ) في الجواز على التقيّة ، لأنه مذهبهم ، ولم يردْ في أخبارِ الكتب الأربعة دليلٌ على جواز أكلِ الربيان ، والاحتياط لا يخفى ). انتهى كلامُه.

أقولُ ومنه سُبحانَه التسديدُ في كلِّ مقول ـ : قوله : ( لم يذكر المصنّف ولا الشارحُ حكمَ الإربيان والرّبيثا ).

أقولُ : إنّما لم يذكراهما ؛ اكتفاءً منهما بنصّهما بالمنطوق ، على أنّ كُلّ ما له فَلْسٌ فهو حلال. ومفهومُهُ أنّ كلّ ما ليس له فلسٌ فهو حرام ، فلا وجه لتعداد جزئيّات ذينك الكلّيّين.

وأمّا ذكرُهما لغيرهما ؛ فأمّا الجرّي ، والمارماهي ، والزهو ، فلاختلاف الأخبار والأقوال فيها ، نصّاً منهما على أنّ حرمتهما قولُ الأكثر.

وأمّا السلحفاة والسرطان والضفدع ، فللتنبيه على ورود النصّ بتحريمها بخصوصها.

فيستفاد من كلامهما المذكور انحصارُ السمك الحلال والحرام في ثلاثة أقسام :

الأوّلُ : ما ثبتَ حلُّه بالنصّ والإجماع ، وهو كُلُّ ما له فَلْس.

الثاني : ما اختُلف في حكمه ، لاختلافِ الأخبار فيه لضرورة التقيّة ، معَ اندراجه في

__________________

(١) المحاسن ٢ : ٢٧٣ / ١٨٧٥. (٢) الدروس : ٣ : ٩.

(٣) التحرير ٢ : ١٦٠. (٤) المحاسن ٢ : ٢٧٣ / ١٨٧٥.

(٥) في المصدر : « جرياً ».

(٦) علل الشرائع ٢ : ٢٨٤ / ٢ ، وفيه : ( ولا إربيان ).

٣٩٤

قاعدة الحرام الكلّيّة ؛ فلذا كان حملُ أخبار الحلّ على التقيّة أوْلى من حمل أخبار التحريم على الكراهة.

الثالثُ : ما وردت النصوصُ بتحريمه بالخصوص ، مع اندراجِهِ في الحرام بالدليل العامّ.

وحيثُ كان الإربيان والربيثا خارجين عن مورد القسمين الأخيرين ، ثبت اندراجُهما في قاعدة الحلال بلا رين ، فيظهر منه عدمُ الخلاف في حلّهما ، كما صرّح به فاضلا ( الرياض ) (١) و ( الجواهر ) (٢). وسيأتي أيضاً استظهارُه من عبارتي ( الدروس ) و ( السرائر ) ، واللهُ العالمُ بالسرائر.

ثمّ إنّه لا وجهَ لعدول هذا القائل في جميع كلماتِهِ عن التعبير بالإربيان كما هو كذلك عند اللغويّين ، وفي لسان الأخبار ، والفقهاءِ الأعيان ، والأطبّاءِ الباحثين عن خصائص الحيوان أو الروبيان بالواو بعد الراء كما هو اللغةُ الأُخرى.

ففي ( مجمع البحرين ) في ( أرب ) : ( والإربيان بالكسر سمكٌ معروفٌ في بلاده ) (٣). انتهى.

وفي ( القاموس ) في ( أرب ) : ( والإربيان بالكسر سمك ) (٤). وفي ( ربا ) : ( والإربيان بالكسر سمك كالدود ) (٥). انتهى.

وفي تذكرة داود الأنطاكي في حرف الألف ـ : ( إربيان : البَهار (٦) ، ونوع من السمك ، ويسمّى الروبيان ) (٧). وفي حرف الراء : ( روبيان : اسمٌ لضَرْبٍ من السمك ).

إلى أن قال في بيان خواصّه : ( وهو حارّ في الثانية ، رَطْبٌ في الثالثة ، يسخّن ويولّد دماً جيّداً ، ويُصْلحُ الرّحم ، ويعينُ على الحمل ، أكلاً ، واحتمالاً ، ويهيّج الشهوة ،

__________________

(١) رياض المسائل ٨ : ٢١٩. (٢) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٥٢.

(٣) مجمع البحرين ٢ : ٧. (٤) القاموس ١ : ١٥٥ باب الباء / فصل الهمزة.

(٥) القاموس ٤ : ٤٨١ باب الراء / فصل الألف.

(٦) البَهار بفتح الباء العرار الذي يقال له عين البقر ، وهو بَهارُ البَر ، وهو نبت [ جعد ] له فُقَّاحَةٌ صفراء ، ينبت أيّام الربيع ، قاله في مجمع البحرين نقلاً عن الجوهري. « منه رحمه‌الله ». الصحاح ٢ : ٥٩٨ ، مجمع البحرين ٣ : ٢٣٢.

(٧) تذكرة داود الأنطاكي ١ : ١٣٠.

٣٩٥

خصوصاً بدهن الجوز ، وكذلك المملوح منه. وقيل : إنّه يخرج الديدان ضماداً على السرّة ، ولم يصحّ. وإذا غُلي بزيتٍ وتُدهّن به حَلّل وجعَ المفاصل ، والنّقرس ، والأورام الصّلبة. وهو يضرّ المحرورين ، ويصلحه الربوبات الحامضة ) (١). انتهى.

وفي ( حياة الحيوان الكبرى ) للدّميري : ( الروبيان : هو سمكٌ صغيرٌ جدّاً أحمر. الخواصّ : إنْ طُرحتْ رجلُ الروبيان في شرابِ مَنْ يحبُّ الشرابَ أبغضه ، ورقبتُهُ يتبخّر بها فيسقطُ الجنين ، وإذا دُقّ الروبيان وهو طريٌّ وضُمّد به موضعُ الشوك أو السهم القابض في البدن أخرجه بسهولة ، وإن سُلق مع الحمّص الأسود وضُمّد به السرّة أخرج حبّ القرع ، وإنْ جُفّف وسُحق واكتَحلَ به صاحبُ الغشاوة نفعه ، وإن سُحق مع سكنجبين وشُرب أخرجَ حبَّ القرع من الجوف ) (٢). انتهى.

وإنما أوردناهما بتمامهما لاشتمالهما على ما في هذا المبحوث عنه من الخواصّ الجميلة ، والمنافع الجليلة ، التي تناسبُ بمقتضى الحكمة الإلهيّة ، وقولهم عليهم‌السلام : « ما جعلَ اللهُ في محرّمٍ شفاءً » (٣) تحليلَهُ ؛ وتقتضي أولويّة إرادته من إطلاقِ قولهِ تعالى ( لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا ) (٤) ، وقوله تعالى ( وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا ) (٥) في مقام الامتنان ، بذكر نعمه تعالى على الإنسان ، مع نصّهما على انحصارِ اسمِهِ في الإربِيان ، أو الروبيان.

هذا .. وسيأتي في عبارات ( السرائر ) ، و ( الدروس ) ، و ( التحرير ) ، و ( النافع ) ، و ( الرياض ) ، و ( الجواهر ) : ضبطُهُ بالإربِيان.

فلا وجه لعدول هذا القائل عن لسان الخواصّ إلى لسان العوامّ ، الذي لا يليق بشأن الأعيان.

__________________

(١) تذكرة داود الأنطاكي ١ : ١٧١.

(٢) حياة الحيوان الكبرى ١ : ٥٢٨ ، وفيه : ( الغائص ) بدل ( القابض ).

(٣) الكافي ٦ : ٤١٤ / ٦ وفيه : ( فيما حرّم ) ، التهذيب ٩ : ١١٣ / ٤٩١ وفيه : ( في حرام ). وسائل الشيعة ٢٥ : ٣٤٩ ، أبواب الأطعمة والأشربة المحرّمة ، ب ٢١ ، ح ١.

(٤) النحل : ١٤.

(٥) فاطر : ١٢.

٣٩٦

ولعلّ الداعي له كونُ الربيان أقرب الى لفظ الربيات ، أو الرسات ، المشتبه في نُسخة ( العلل ) فصحّفه بالربيان ، قصداً لإصلاحه ، مع ما فيه من العلل ، الداعية للمنع من العمل. وليته أصلحه بما أصلحه به صاحبُ ( البحار ) (١) ، وتبعه في ( الوسائل ) (٢) ، من التعبير عنه بالإربِيان ، واللهُ العالم.

مناقشة الاتحاد بين الرَّبيثا والرّبيان

قوله : ( والذي يظهرُ مِنْ بعضِ الأخبار كما في خبر ( المحاسن ) أنّ الربيثا هو الربيان ).

أقولُ : خبرُ ( المحاسن ) على ما وجدتهُ فيه ، هكذا : عنه ، عن السيّاري ، عن محمّد بن جمهور ، بإسناده ، قال : حملَ رجلٌ من أهل البصرة الإربيان إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقال له : إنّ هذا يتّخذ منه عندنا شي‌ءٌ ، يقال له الربيثا ، يُسْتطابُ أكلُه ، ويؤكل رطباً ، ويابساً ، وطبيخاً ، وإنّ أصحابنا يختلفون فيه ، فمنهم مَنْ قال : إنّ أكلَهُ لا يجوز ، ومنهم مَنْ يأكلُه؟ فقال لي : « كُلهُ ؛ فإنّه جنسٌ مِنْ السمك ». ثمّ قال : « أما تراها تقلقلُ في قِشْرِها؟ » (٣). انتهى.

ونقله عنهُ في ( البحار ) (٤) كذلك.

ونقله في ( الوسائل ) هكذا : وعن السيّاري ، عن محمّد بن جمهور ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه سأله عن الإربيان ، وقال : هذا يتّخذ منه شي‌ء ، يقال له : الرّبيثا ، فقال : « كُله ؛ فإنّه جنسٌ مِنْ السّمك ». ثمّ قال : « أما تَراها تقلقلُ في قِشْرِها » (٥). انتهى.

ولا يخفى مخالفتهُ لما وجدناه ، فإنّه على ما وجدناه موصول (٦) ، وعلى ما في

__________________

(١) البحار ٦٢ : ٢٠٥ / ٣١.

(٢) الوسائل ٢٤ : ١٧٥ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، ب ٣١ ، ح ١٢.

(٣) المحاسن ٢ : ٢٧٣ / ١٨٧٥. وفيه : ( فمنهم من يقول ).

(٤) البحار ٦٢ : ٢١١ / ٥٧. وليس فيه : ( ثمّ قال ).

(٥) الوسائل ٢٤ : ١٤٢ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، ب ١٢ ، ح ١٠ ، وفيه : ( فقال : كل ).

(٦) الموصول المتصل ـ : وهو ما اتّصل سنده بنقل كلّ راوٍ عمّن فوقه ، سواء رفع إلى المعصوم عليه‌السلام كذلك ، أو وقف على غيره. مقباس الهداية ١ : ٢٠٦.

٣٩٧

( الوسائل ) مقطوع (١) ، وإنْ اشتركا في الإرسالِ بالمعنى الأعمّ (٢).

ولعلّه رحمه‌الله نقله من غير ملاحظةِ أصلِ ( المحاسن ) ، بل من حفظِهِ ، أو بمعناه لا بلفظه ، ولهذا نقص منه ألفاظاً كثيرة ، كما ترى ، وهو منه رحمه‌الله عجيبٌ ، وما كلّ داءٍ يعالجه الطبيب.

والظاهر أنّ معاد الضمير في : ( عنه ) هو المصنّف نفسُه ، لقوله في مواضع ، في أوّل الأبواب : أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن فلان ، ثمّ يقول بعده : عنه ، عن فلان (٣).

وفي مواضع كثيرة : عنه ، عن أبيه البرقي ، عن فلان (٤).

وكيف كان ، فالذي يتخيّل في بادئ النظر أن لا دلالة في هذا الخبر على اتّحادهما بعين ولا أثر ، إذْ قُصارى ما دلّ عليه أنّ الإربِيان يتّخذ منه شي‌ءٌ ، يقال له الربيثا ، بناءً على أنّ جملة : ( يقال له ) .. إلى آخره ، صفة ( لشي‌ء ) لقربها منه ، لا أنّه هو الربيثا.

ولكنّ الإنصافَ أنّه لا يخلو من دلالةٍ ، لأنّ جملة : ( يقال ) وإنْ كان قربُها من لفظ : ( شي‌ء ) يقتضي كونها صفةً له ، لكن لمّا عُلِم كونُ الربيثا صنفاً منفرداً مستقلا ، لا يتّخذ من شي‌ءٍ آخر ، تعيّن صرفُهُ عن الظاهر إلى جعل الجملة خبراً بعد خبر ، أو صفةً للخبر.

فكأنّ السائلَ قال على الوجه الأوّل : الإربيان يُقال له الربيثا ، يتّخذ منه شي‌ء ، بقرينة قولهِ فيه : يؤكل رطباً ، ويابساً ، وطبيخاً.

وعلى الثاني : الإربيان يتّخذ منه شي‌ء ، يقال لذلك المتّخذ الرّبيثا. وحينئذ ينطبق على المدّعى.

إلّا إنّ هذا الظهور لا يصحّ للحجيّة في هذا المقام ، إذ قصاراه أنَّ المفسِّر له به هو

__________________

(١) المقطوع : وهو الموقوف على التابعي ومن في حكمه وهو تابع مصاحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو الإمام عليه‌السلام قولاً له أو فعلاً. ويقال له المنقطع أيضاً. مقباس الهداية ١ : ٣٣٠.

(٢) المرسل بالمعنى الأعمّ : هو كلّ حديث حذفت رواته أجمع أو بعضها ، واحداً أو أكثر ، وإن ذُكِر الساقط بلفظ مُبْهم كبعض ، وبعض أصحابنا ، دون ما إذا ذُكِر بلفظ مشترك وإن لم يميّز. مقباس الهداية ١ : ٣٣٩.

(٣) المحاسن ١ : ٩٣ / ٥٢ ، و ١ : ٣٠٥ / ٥٩٩ ، و ١ : ٦٢ / ٢ ، ٣ ، ٤ ، و ٢ : ١٤١ / ١٣٦٥.

(٤) المحاسن ١ : ٩٩ / ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠

٣٩٨

السائل دون الإمام. ولعلّه توهّمٌ منه أو نسيان ، أو بناءً على تسميته به في ذلك الزمان ، أو تلك البلدان ، لتعدّد أسماءِ السموك والطيور وغيرها ، واختلافها بحسب اختلاف الزمان والمكان.

وليس سكوتُ الإمامِ عليه‌السلام تقريراً له على ذلك المرام ، بل لأنّه لمّا كانتْ معرفةُ اسمِهِ الخاصّ ليست من المهامّ أعرض عنه ، واكتفى ببيان ما يتعلّق به من الأحكام ، على حدّ قولِهِ تعالى ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ ) (١). حيث إنّ ظاهر السؤال أنّما تعلّق ببيان أوضاع الأهلّة ، فأُمِرَ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإعراضِ عنه إلى بيان الأهمّ ، لأنّه هو الأوْلى بالسؤال ، كما رُوي أنّ معاذ بن جبل سألَ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بالُ الهلال يبدو دقيقاً كالخيط ، ثمّ يزيد حتى يستوي ، ثمّ لا يزال حتى يعود كما بدا؟! فنزلت هذه الآية (٢).

مع أنّ هذا المقام من الموضوعاتِ العرفيّة لا من الأحكام الشرعيّة كي يلزم الإمام فيها بيان خطإ الرعيّة. وحينئذٍ ، فلا حجيّة في هذا المستفاد كي يحكم بالاتّحاد.

نعم ، ربّما يستظهرُ ذلك من خبر يونس بن عبد الرحمن الصحيح على الصحيح المرويّ في ( التهذيب ) عن أبي الحسن عليه‌السلام ونقله عنه في ( الوسائل ) أيضاً كذلك قال ، قلت له : جعلتُ فداك ما تقولُ في أكل الإربيان؟. قال : فقال لي : « لا بأسَ ، والإربيان ضَرْبٌ من السمَكِ ». قال ، قلتُ : قد روى بعضُ مواليك في أكل الربيثا ، قال ، فقال : « لا بأسَ بِهِ » (٣). انتهى.

والتقريب فيه : أنّه عليه‌السلام كما أجابه بنفي البأسِ عن أكل الإربيان ، طلب منه الجواب عمّا رُوي من المنع من أكل الربيثا ، المنافي لكونهِ من الحلال ، ليرتبطَ الجوابُ بالسؤال ، وإلّا لكان المناسب أن يقول أيضاً : قلت : جُعلتُ فداك ما تقول في أكل الربيثا؟.

__________________

(١) البقرة : ١٨٩.

(٢) التفسير الكبير ( الفخر الرازي ) ٥ : ١٠٢ ، الجامع لأحكام القرآن ( القرطبي ) ٢ : ٣٤١.

(٣) التهذيب ٩ : ١٣ / ٥٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٤١ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، ب ١٢ ، ح ٥.

٣٩٩

لكن فيه قوّة احتمال كون السؤال عن حكم الربيثا مطلقاً بعد سؤاله عن حكم الإربيان ، لا لكونه الفرد المجاب عن نفي البأس به ، مع أنّه لو كان المسئول عنه أخيراً هو الإربيان لما كان وجهٌ للعدول عن التعبير بالضمير العائد إلى المسئول عنه أوّلاً إلى التعبير بلفظ الظاهر المغاير الذي هو خلافُ الأصل ، مع عدم النكتةِ المصحّحة أو المرجّحة لخلافه ، فيكفيه حينئذٍ أن يقول : قد روى بعضُ مواليك في أكله ، أو في أكل الإربيان. كما هو ظاهرٌ عند أهل اللسان.

وقد يُستظهر الاتّحاد من صاحب ( الوسائل ) (١) حيث ذكر هذا الخبر في باب ( عدم تحريم الربيثا ، وأنّه يُكره ) ؛ ولعلّه لاستفادته الاتّحاد من خبر ( المحاسن ) (٢) ، وقد عرفتَ ما فيه.

كما أنّ ظاهر ( مجمع البحرين ) تغايُرهما حيثُ قال في ( ربث ) : ( فيه ذكر الرَّبِيثا بالراء المفتوحة ، والباء الموحّدة المكسورة ، والياء المثنّاة من تحت ، والثاء المثلّثة ، والألف المقصورة ـ : ضربٌ من السمك ، له فَلْسٌ لطيفٌ ) (٣).

وفي ( أرب ) : ( والإربِيان بالكسر سمكٌ معروفٌ في بلاده ) (٤). انتهى.

وهو ظاهرٌ في التغاير ؛ لعدمِ تفسيرِهِ أحدهما بالآخر.

وممّن صرّح بتغايرهما أيضاً الحلّيّ في ( السرائر ) ، حيث قال : ( لا بأس بأكل الرَّبِيثا بفتح الراء ، وكسر الباء وكذلك لا بأسَ بأكلِ الإرْبِيان بكسر الألف ، وتسكين الراء ، وكسر الباء وهو ضربٌ من السمك البحري ، أبيض كالدود والجراد ، واحدُهُ إربيانه ) (٥) انتهى.

وهو ظاهرٌ كغيره ممّا سيأتي في المغايرة.

بل صرّح في ( البحار ) : ( بأنَّ تغايرهما ظاهرُ الأصحاب ) (٦) وإنْ استظهر رحمه‌الله من خبر

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ١٤١ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، ب ١٢ ، ح ٥.

(٢) المحاسن ٢ : ٢٧٣ / ١٨٧٥.

(٣) مجمع البحرين ٢ : ٢٥٤.

(٤) مجمع البحرين ٢ : ٧.

(٥) السرائر ٣ : ٩٩.

(٦) البحار ٦٢ : ١٩١ / بيان.

٤٠٠