الرسائل الأحمديّة - ج ٢

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٣

الحرم ، فتصلح حجّة للشيخ والحلّي كما تقدّم ، فإنّها مخصّصة بما لو كان الموت بعد الإحرام ودخول الحرم ، ولا تصلح لمعارضة [ صحيحة ] بُرَيْدِ المتقدِّمة ؛ لصحَّتها وخصوصها وأحوطيَّتها وأشهريَّتها.

وكيف كان ، فالمسؤول عنه قد سقط عنه حجّ الإسلام إن كان مستطيعاً ، وبرئت ذمّته وذمّة المنوب عنه إن كان نائباً ؛ لإتيانه بأفعال العمرة التي هي جزء من الحجّ.

نعم يبقى الكلام في استحقاق النائب لجميع الأُجرة أو يستعاد منها بنسبة ما بقي من العمل المستأجر عليه ، فالذي صرّح به العلّامة (١) ونقل عليه شهيد ( المسالك ) (٢) اتّفاق الأصحاب هو الأوّل ؛ لورود النصّ (٣) بإجزاء الحجّ عن المنوب وبراءة ذمّة الأجير ، فكان كما لو أكمل الحجّ. ومال بعضُ المتأخّرين (٤) إلى الثاني ؛ لأنّ هذا إنّما يتمُّ لو وقع الاستئجار على فعل ما يُبرئ الذمّة فقط.

أمّا مع وقوعه على الأفعال المعهودة فلا ؛ لعدم الإتيان بالأفعال المستأجر عليها ، لكن قال شهيد ( المسالك ) رحمه‌الله (٥) : إنّ هذا الحكم وإن كان على خلاف الأصل لكن لا مجال للطعن عليه بعد الاتّفاق عليه إلّا إنّه لا يخلو من تأمّل ، فطريق الاحتياط هي المصالحة على الباقي على الوجه الشرعيِّ والنمط المرعيِّ.

أمّا لو مات قبل الإحرام ودخول الحرم ، فإن وقع الاستئجار على فعل ما تَبرأ به الذمّة ، أو الإتيان بالأفعال المخصوصة ، لم يستحقّ شيئاً من الأُجرة ؛ لأنّ قطع الطريق إنّما هو من المقدّمات التي لا يمكن الفعل بدونها ، كما لو استؤجر على عمل في مكان بعيد فمات في الطريق فإنّه لا يستحق شيئاً ، وإن وقع الاستئجار على ما ذكر مع قطع المسافة استحقّ بنسبة ما قطع. ولو مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ، فالأشهر الأظهر استحقاقه بحساب ما عمل.

وقيل : حكمه حكم من دخل الحرم في استحقاق الجميع (٦). وقد عرفت ما في

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٦٣.

(٢) المسالك ٢ : ١٦٩.

(٣) انظر : الوسائل ، أبواب النيابة في الحج ، ب ١٥.

(٤) مدارك الأحكام ٧ : ١٢٠ ، الحدائق ٤ : ٢٦٥.

(٥) المسالك ٢ : ١٦٩.

(٦) السرائر ١ : ٦٢٨ ، الخلاف ٢ : ٣٩٠.

٣٢١

الملحق به فكيف بالملحق؟.

وهذا ما سنح بالبال على نهاية الاستعجال ، وإلّا فهذا المقام يقتضي بسطاً في الكلام لوقوع الخلاف فيه بين العلماء الأعلام. والمرجوّ منكم إسبال ذيل العفو على ما تجدونه من الهفو.

وكتب فقير ربّه المنّان أحمد بن صالح بن طعّان في عصر اليوم الخامس من شهر ذي الحجّة الحرام لسنة (١٢٧٦) في مكّة المشرّفة يوم ورود السؤال. والحمدُ لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآلهِ الطاهرين.

حرّره محمد بن عبد الله الماحوزي بضحى الخميس في شهر رجب سنة (١٢٧٨).

٣٢٢

كتاب التجارة

الرسالة الثامنة عشرة

مسألة فيما لو باع واحدٌ شيئاً على رجلين

٣٢٣
٣٢٤

الرسالة الثامنة عشرة

مسألة فيما لو باع واحدٌ شيئاً على رجلين

٣٢٥
٣٢٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله مجيب السؤال ، ومفيضِ النَّوال ، والصلاةُ والسلام على محمّدٍ وآلِهِ خير نبيّ وآل.

قال السّائل سلّمهُ اللهُ تعالى ـ : ( لو أنّ رجلاً باع شيئاً على رجلين صفقةً واحدةً ، وقَبِلَ واحدٌ منهما عن نفسه وعن الآخر ، ثمّ بعد ذلك فسخ البائعُ لواحدٍ منهما ، فهل ينفسخُ البيعُ من ذاتِهِ عن الكلّ ، أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله برحمته ).

الجواب : ومنه سبحانه استفاضة سلسبيل الصّواب ـ : اعلم : أنّ الأصل في البيع اللزوم ، لقوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، فيجبُ الوفاء بمقتضاه ، بمعنى الالتزام بمؤدّاه من النقل والانتقال ، وترتيب الآثار الشرعيّة عليه في كلّ حال ، متى كان جامعاً للشرائط ، فاقداً للموانع ، بلا خلافٍ ولا إشكال.

ولا يتخلّفُ ذلك إلّا بسببٍ شرعي ، موجب لحلِّ ذلك الانعقاد ، وهو ؛ إمّا التفاسخ ، أو التقايل. فمتى اتّحد العقدُ حقيقةً كقيام طرفيه أي : الإيجابُ والقبول بموجب واحدٍ وقابل كذلك ، وحصل التقايل أو التفاسخ منهما ، انحلّت عقدة ذلك الالتزام بما ترتّب عليه من الأحكام. والظاهر أنّه لا خلافَ فيه ولا إبهام.

__________________

(١) المائدة : ١.

٣٢٧

ومتى تعدّد القائم بطرفيه كان تعدّد الموجب والقابل حقيقة ، بأن أوجبَ كلُّ منهما عن نفسه ، وقبل الآخران كذلك أيضاً ، فلا إشكال على الظاهر أيضاً في عدم توقّف فسخ أحدِهما على الآخر ؛ لأنّ كلّاً من الإيجابِ والقبول المتعدّدين بمنزلةِ العقد المستقلّ ، فيختصّ كلُّ عقدٍ بحكم.

ومتى اتّحد العقدُ لفظاً ، وتعدّد وجهُ طرفيه حكماً ، كأنْ وقعَ الإيجاب وحدَه ، أو القبول وحدَهُ ، أو كلاهما من شخصٍ واحد عن نفسه وعن غيره ، أو بالتخالف ، كالمسألةِ المبحوث عنها مثلاً.

فإن كان النزول عن مقتضى العقد من البائع بلفظ التقايل ، اختصّت الإقالةُ بذاتِ المقال خاصّة ، لتعلّق حقّ الموجب بالاثنين ، فمتى أقال أحدُهما ترتّب أثر الإقالة عليه خاصّة ، وبقي تعلّق حقّه بالآخر على أصل اللزوم.

وإنْ كان ذلك النزول بلفظ الفسخ ، بُني الحكم على الخلاف ، في أنّ هذا العقد الواحد المشتمل وجه طرفيه على متعدّد حكماً ، هل هو بحكم العقدِ الواحدِ ؛ لاشتماله على موجب واحد وقابل واحد ، أو بحكم العقدِ المتعدّدِ ؛ لأنّ العبارة الصادرة وإنْ كانت من لسانٍ واحدٍ ، لكنّها عن اثنين ، ولهذا ترتّب حكم العقد من النقل والانتقال وغيرهما على ذلك الآخر وإنْ لم يباشر؟ وجهان ، بل قولان.

فإنْ جعلناه عقداً واحداً انفسخَ العقدُ من أصله بمجرّد الفسخ من أحدهما.

وإنْ جعلناه عقدينِ بطل الأثرُ بالنسبة للمفسوخ عنه ، وبقي الباقي على أصل اللزوم.

وحيث إنّ الأحكام الشرعيّة إنّما تناطُ بالظواهر العرفيّة ، فالظاهر أنّ أهلَ العرف إنّما يحكمون بوحدة العقدِ نظراً لوحدة صيغته ، بل لا يكاد يخطر التعدّد لهم ببال ، لأنّ الحكم بالتعدد إنّما يتنبّه له مَنْ له تفطّن وإلفٌ بالتدقيقات الحكميّة.

وقد تُستفاد شهرة الحكم بالوحدة بتنقيح المناط من مسألة عدم جواز الردّ بالعيب من أحد المشتريين إذا صدر القبولُ من واحدٍ ، سواء عَلمَ البائعُ بتعدّد

٣٢٨

المشتري ، أم لا على قول (١) ، أو بشرط عدم العلم على قولٍ آخر (٢) ، معلّلاً بتبعيض الصفقة ، ضرورة استلزامه الوحدة.

نعم ، يتّجه على القول بالوحدة عدمُ الانفراد بالفسخ ، لا انفساخه من أصله ، لأنّ القدرَ المتيقّن من شرعيّة الفسخ المعارَضة بأصل اللزوم تقوُّمهُ باثنين من جهة المجموع ، بحيث يناطُ بالهيئة الاجتماعيّة ، وتختصّ بها المدخليّة. فليس لكلٍّ منهما الاستقلال به ، لا سيّما إنْ كان الداعي للفسخ ناشئاً من أدلّة نفي الضرر والضرار ، لتحقّق مصداقهما في كلّ من المشتريين ، فترجيح أحدهما ترجيحٌ لأحد الفردين بغير مرجّح.

وقد يقال بصحّة الفسخ عن أحدهما ، حتى على القول بالوحدة ، لوجوه :

الأوّلُ : أنَّ توقّف فسخ أحدهما على فسخ الآخر موجبٌ لإدخال الضرر على البائع ، إذا كان في فسخ الجميع فوات مصلحة مضِرّة بحاله ، مع إدخال الضرر عليهما بأنفسهما ، وإقدامهما عليه.

الثاني : أنَّ الأصل في البيع اللزوم ، والفسخ وعدمه حقٌّ للبائع مثلاً ، لا وصفٌ لازمٌ لذات العقد ، فالقدر المتيقّن انتفاء اللزوم ممّن حصل له الفسخ ، فيبقى الباقي على أصل اللزوم.

الثالث : أنّ العقود تابعةٌ للقصود ، وغايةُ ما قُصد فسخُ البائع عن أحدهما ، فيبقى الباقي على أصل اللزوم.

فإنْ قيل : إنَّ إجراء حكم العقد الذي هو بمعنى الإلزام والالتزام في ضدّه وهو الحلّ والفسخ من باب القياس الموقِع في الالتباس.

قلنا : إنَّ المناط في ذلك والمستند فيما هنالك ليس إلّا الأخبار العامّة بـ « أنّ لكلّ امرئ ما نوى ، وإنّما الأعمالُ بالنيّات » (٣) ونحوهما. ولا ريب أنّ الحلّ كالعقد من الأعمال ،

__________________

(١) مسالك الأفهام ٣ : ٢٨٦ ، الجواهر ٢٣ : ٢٤٩.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٧٤ ، جامع المقاصد ٤ : ٣٣٤.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٦ / ٥١٩ ، الوسائل ١ : ٤٩ ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب ٦ ، ح ٧ ، ١٠ ، الوسائل ١٠ : ١٣ ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ، ح ١٢.

٣٢٩

فيشتركان في الدليل بلا إشكال.

الرابع : أنَّ المتصوّر مانعيّته من الفسخ أنّما هو تبعيض الصفقة ، وهي هنا على البائع وحده ، فمتى رضي بها سقط حقّه من هذا الجانب ؛ لأنّه محسنٌ و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) ولصدق التجارة عن تراض ، وشمول قوله عليه‌السلام : « لا يحلُّ مال امرئ مسلم إلّا بطيبِ نفس له » (٢).

إلّا أنْ تثبت المانعيّة بالوجه المذكور سابقاً ، من مدخليّة الهيئة الاجتماعيّة في تحقّق ذات الفسخ لذات العقد ، فيتوقّف صدقُهُ على صدوره ممّن له في ذلك العقد مدخليّة.

وإنّما فرّقنا بين الإقالةِ والفسخ ، مع اشتراكهما في عدم ترتيب الآثارِ الشرعيّة ، لأنَّ الإقالةَ لا تعرّضَ فيها لذات العقد بالكلّيّة ، وأنّ الفسخ لا بدّ أن يلاحظ فيه نقض تلك الهيئة الاجتماعيّة.

وحيث إنَّ المسألة فاقدةُ التعرّض لها والنصّ عليها في الأخبار وكلمات علمائنا الأخيار ، فلا مناصَ عن الخروج من حيّز الإشكال إلّا بالاحتياط ، الذي يؤمن به من الاختباط ، ويُرجى منه سلوك سواء الصّراط. والله العالمُ العاصم من مزالق الأوهام ، ومزالّ الأفهام.

حرّرهُ الأقلُّ الجاني أحمد بن صالح البحراني ، على وجه المذاكرةِ والاستفادة ، لا الإفتاء والإفادة ، واتّفق الفراغ منه في ثامن ذي الحجّة الحرام ، يوم التروية تفأّلاً بالتروية إن شاء الله تعالى من الأوام (٣) ، من السنة ١٣١١ ، الحادية عشرة بعد الثلاثمائة والألف ، من هجرة سيّد الأنام صلّى اللهُ عليه وآلِهِ الأعلام.

__________________

(١) التوبة : ٩١.

(٢) الفقيه ٤ : ٦٧ / ١٩٥ ، الوسائل ٥ : ١٢٠ ، أبواب مكان المصلّي ، ب ٣ ، ح ١ ، والحديث فيهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٣) الأوام : العطش. لسان العرب ١ : ٢٧١ أوم.

٣٣٠

كتاب الصلح

الرسالة التاسعة عشرة

جواب مسألة الشيخ حسن علي

٣٣١
٣٣٢

الرسالة التاسعة عشرة

جواب مسألة الشيخ حسن علي

٣٣٣
٣٣٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، الذي جعلَ الصُّلحَ جائزاً بين المسلمين ، وحاسماً لمادّة النزاع بين المتخاصِمين ، والصلاةُ والسلام على محمّدٍ الأمين ، وآلهِ الميامين ، قُدوةِ المصلحين.

أمّا بعد

فيقول الأقلُّ الجاني ، والأذلُّ الداني ، أحمد بن صالح البحراني ملّكهُ اللهُ نواصي الأمان والأماني :

قد سألني مَنْ لا تسعني مخالفتُهُ ، بل تجبُ عليّ مساعدتُهُ ومساعفتهُ ، عن مسألةٍ قليلة الألفاظِ والمباني ، جليلةِ الفروع والمعاني ، مع أنّ المسئول ليس محلّاً للسؤال ، مضافاً لمصادفة ذلك ضيق المجال ، والعزم على الترحال ، مع ما في البال والحال من الاختلال والاعتلال ، وفقدِ آلات المراجعة في تلك المحالّ ، إلّا إنّ المأمور معذور ، والميسور لا يسقط بالمعسور.

قال وفّقه اللهُ للصلاح والإصلاح ، والفوز بالنجاح والنجاة والفلاح ـ :

( ما يقولُ مولانا في الصلح عمّا يستحقّ مشاعاً ، مجهول الكمّ ، من شي‌ءٍ معيّن بكميّةٍ معلومة مشاعة فيه أيضاً ، كما لو تردّد المستحقّ بين نصف شي‌ء أو ربعه ، فصولح عنه بثلثه أو سدسه؟ أفيدونا بالحكم ، متبوعاً بالدليل دامت فوائدكم فإنّا منه في حَيْرةٍ وإنْ قرّبنا الفساد. والله أعلم

٣٣٥

بالسّداد ).

أقولُ مستمدّاً منه سبحانه التسديدَ في كلِّ مقول ـ : في هذه المسألة صورٌ كثيرة ، فيها فوائد أثيرة ، وعوائد غير يسيرة :

الاولى : أنْ يكون هذا المجهولُ المردّد بين الأقلّ والأكثر ممّا لا يمكن معرفته مطلقاً لكلٍّ من المتصالحين.

ولا إشكال ، بل ولا خلاف في جواز الصلح وصحّته ظاهراً ، كالمعلوم بينهما المجمع على صحّته.

وعن ( التذكرة ) هنا الإجماع عليه.

وفي ( المسالك ) : ( فعندنا أنّه جائز ) (١) ، وظاهره الإجماع ، بل في ( الرياض ) (٢) و ( الجواهر ) (٣) التصريح بحكايته عنه فيه.

ونقله في ( الجواهر ) (٤) عن غير ( المسالك ) أيضاً ، كما نقله أيضاً بعضُ المحقّقين عن ظاهر الأصحاب ، مؤذناً بحكايته الإجماع ، وارتفاع النزاع.

ويدلَّ عليه أيضاً مضافاً للإجماع بقسميه ، كما عرفت ، وعموم أدلّة الصلح ؛ آيةً ، ورواية ، كقوله تعالى ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (٥) ( وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ) (٦) وغيرِهما من الآيات (٧) ؛ وقولِ الصادق عليه‌السلام ، في خبر حفص بن البُخْتري ، الحسن بإبراهيم بن هاشم في المشهور ، الصحيح على الصحيح ، المعتضد بروايته عن ابن أبي عمير ، المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه ، المرويّ في ( الكافي ) بالسند المذكور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الصلحُ جائزٌ بين الناس » (٨) ، وفي بعض نسخه « بين المسلمين » ، وقولِ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في المرسل ، المرويّ في ( الفقيه ) : « الصلحُ جائزٌ بين المسلمين ، إلّا صلحاً أحلّ

__________________

(١) مسالك الأفهام ٤ : ٢٦٣.

(٢) رياض المسائل ٥ : ٤٢٥.

(٣) الجواهر ٢٦ : ٢١٧.

(٤) الجواهر ٢٦ : ٢١٧ ٢١٨.

(٥) النساء : ١٢٨.

(٦) الأنفال : ١.

(٧) الحجرات : ٩ ، ١٠ ، النساء : ٣٥.

(٨) الكافي ٥ : ٢٥٩ / ٥.

٣٣٦

حراماً أو حرّمَ حلالاً » (١) ، ولانحصار إبراء الذمّةِ المطلوب شرعاً مع مسيس الحاجة إليه فيه خصوصُ صحيح محمّد بن مسلم على الصحيح في إبراهيم بن هاشم عن أحدهما عليه‌السلام كما في ( الكافي ) (٢) ، وعن الباقر عليه‌السلام كما في ( التهذيب ) (٣) و ( الفقيه ) (٤).

وصحيحُ صفوان بن يحيى الذي هو من أهل الإجماع أيضاً ، عن منصور بن حازم ، المرويّ في ( التهذيب ) (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّهما قالا في رجلين كان لكلِّ واحدٍ منهما طعامٌ عند صاحبه ، لا يدري كلّ واحد كم عند صاحبه ، فقال كلُّ واحدٍ منهما لصاحبه : لك ما عندك ، ولي ما عندي ، فقال : « لا بأسَ بذلك إذا تراضيا وطابت به أنفسهما » على ما في ( الكافي ) (٦) و ( الفقيه ) (٧).

وفي ( التهذيب ) : وقال منصور في حديثه : وطابت به أنفسهما (٨).

وظاهرهما تعذّرُ العلم لكلٍّ منهما بالقدر المطلوب منه ، وصحّة الصلح مطلقاً ، تساويا واقعاً في القدر أو تفاضلا. كما إنّ ظاهرهما أيضاً كونُ ذلك بطريق المعاوضة المنحصرة هنا في الصلح ، لا الإبراء.

ونحوهما الموثّق بابن بكير المرويّ في ( التهذيب ) (٩) و ( الكافي ) (١٠) عن عمر بن يزيد ، قال : سألتُ أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ ضمن ضماناً ، ثمّ صالح على بعض ما صالح عليه؟ قال : « ليس له إلّا الذي صالحَ عليه ».

والمرادُ ببعض ما صالح عليه : بعض ما ضمن به ؛ لأنّ الضمان صلحٌ بين المضمون له والمضمون عنه.

وممّا يؤيّده أيضاً إطلاقُ صحيح الحلبي ، المرويّ في ( التهذيب ) عن أبي عبد الله عليه‌السلام وعن غيرِ واحدٍ أيضاً عنه عليه‌السلام في الرجل يكون عليه الشي‌ء فيصالح ، فقال

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٠ / ٥٢. (٢) الكافي ٥ : ٢٥٨ / ٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٧ / ٨٢٦ ، وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٤) الفقيه ٣ : ٢١ / ٥٣. (٥) التهذيب ٧ : ١٨٧ / ٨٢٦.

(٦) الكافي ٥ : ٢٥٨ / ٢. (٧) الفقيه ٣ : ٢١ / ٥٣.

(٨) التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧٠. (٩) التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧٣.

(١٠) الكافي ٥ : ٢٥٩ / ٧.

٣٣٧

« إذا كانَ بطيبةِ نفسٍ مِنْ صاحِبِه ، فلا بأسَ » (١).

وخبر عبد الرحمن بن الحجّاج ؛ وداود بن فرقد ، المرويّ في ( التهذيب ) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قالا : سألناه عن الرجل يكونُ عنده مالٌ لأيتام فلا يعطيهم حتى يهلكوا ، فيأتيه وارثهم ووكيلهم فيصالحه على أنْ يأخذ بعضاً ويدع بعضاً ، ويبرئه ممّا كان عليه ، أبرئ منه؟ قال : « نعم » (٢).

وهما ظاهران في شمولهما لما كانا معلومين عند الجميع ، أو مجهولين كذلك.

ولا ينافيه قوله في الثاني : ( ويبرئه ممّا كان عليه ) لحملة على إرادة الإبراء عمّا كان في ذمّته واقعاً. كما لا ينافي أيضاً كونه بطريق المعاوضة التي هي محلّ الخلاف ، لتماميّة الغرض بالصلح حينئذٍ ولو قُصِد به الإبراء.

ولو فرض ظهورهما في المعلوم ، سيما أوّلهما ، أو مُنِع إطلاقُه ، بكونه مسوقاً لبيان شرطيّة الرضا في صحّة العقد ، ففي ما مرّ تمامُ النهوض بالمدّعى ، والله العالم.

الثانية : أن يكون هذا المجهول لهما ممّا يمكن معرفة قدره في الحال والمآل.

ومقتضى الأُصول فساد الصلح هنا على هذا المجهول ، مع أنَّ معرفة قدره ممكنةُ الحصول ، لأنَّ الصلح على الأشهر الأظهر عقدٌ مستقلّ من العقد الذي هو للمعاوضة المحضة مجعول ، وكلّ ما كان كذلك فلا بدّ فيه من المعرفة الرافعةِ للجهالة ، الدافعة للغرر المستلزم للضرر ، المنفيّ في الإسلام بالدليل المعتبر.

فيفسدُ باطناً وظاهراً ، ولا يفيد تمليكاً ولا إبراءً ، لتخصيص عمومات الصلح بالأدلّة الخاصّة الناصّة على فساد المعاوضة على المجهول وما فيه الغرر (٣).

ولحكومة أدلّة نفي الغرر والضرر (٤) على عموم كلّ دليل معتبر ، فلا تعارض بينها ،

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧١ ، الوسائل ١٨ : ٤٤٦ ، كتاب الصلح ، ب ٥ ، ح ٣.

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٢ / ٤١٧.

(٣) عيون الأخبار ٢ : ٤٥ / ١٦٨ ، غوالي اللئلئ ٢ : ٢٤٨ / ١٧ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٨ ، أبواب آداب التجارة ، ب ٤٠ ، ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٢٩٢ ٢٩٣ / ٢ ، ٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٢ ، أبواب الخيار ، ب ١٧ ، ح ٣ ، ٤ ، ٥.

٣٣٨

كي يُحتاج للترجيح فيما كان العموم من وجه كما هنا ، لأنّ دليلَ نفيهما متعرّض بدلالته اللفظيّة لبيان مقدار موضوع الأدلّة العامّة ، والمحكومُ عليه المبيّن مقدار موضوعه لا ينافي الحاكم ؛ لأنّه مفسّر له بتبيين مقدار مدلوله.

وأمّا جعله من قبيل الأُصول التعليقيّة التي لا تُعارض دليلاً ، بل يقدّم عليها كلّ ما هو دليل وحجّة ، فهو توهّمٌ فاسد ، وخيالٌ كأسد ، منافٍ لظواهر الأدلّة ، وكلمات محقّقينا الأجلّة.

بحثٌ مع صاحب الجواهر

وكيف كان ، فلم أقِفْ في فسادِ الصلح هنا على مصرّح بالخلاف ، عدا ما في ( الجواهر ) (١) من الجزم بالصحّة ، لإطلاق الأدلّة ، الممنوع بما عرفت.

وما ردّ به استحسان ما في ( المسالك ) (٢) ، و ( الرياض ) (٣) ، وغيرهما (٤) من تقييدِ الصحة به إذا تعذّر تحصيل العلم بالكلّيّة بمنع العموم في دليل النهي عن الغرر ، فضلاً عن ترجيحه ، أو معارضته لعموم الصلح ، لا يخفى ما فيه على ذي نظر ؛ إذ لو سلّم ذلك في أدلّة نفي الغرر لا يصحّ تسليمه في أدلّة نفي الضرر.

سلّمنا اختصاص أخبار النهي عن الغرر والمجهول تبعاً للفظ الخبر ، لكن لا يجري ذلك في الإجماع إنْ تمّ كما هو الأظهر.

ودعوى إلحاق الإجارة خاصّة من دون عقود المعاوضة في اشتراط المعلوميّة بالإجماع ممنوعةٌ ، كمنع اختصاص الخبر المعتبر بالنهي عن الغرر الذي باشتهاره بين الفريقين ، وعمل الطائفة قد انجبر ؛ إمّا على ما نقل من روايته بلفظ : « نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر » (٥) من دون لفظ البيع ، فظاهر لكلِّ ذي نظر ، وإمّا على روايته بلفظ « البيع » (٦)

__________________

(١) الجواهر ٢٦ : ٢١٧.

(٢) المسالك ٤ : ٢٦٣ ٢٦٤.

(٣) الرياض ٥ : ٤٢٦.

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ٢٠٢.

(٥) الخلاف ٣ : ٣١٩.

(٦) عيون الأخبار ٢ : ٤٥ / ١٦٨ ، غوالي اللئلئ ٢ : ٢٤٨ / ١٧.

٣٣٩

فلظهور أنّ فساد البيع حينئذٍ أنّما هو لحيثيّة الغرر ؛ لانحلاله إلى نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الشي‌ء ذي الغرر والخطر ، فيدورُ الفسادُ مدارهما في كلّ عقد قد صدر.

ولذا شاع وذاع بين الفقهاء الاستدلال به في سائر العقود اللازمة ، بل الجائزة أيضاً ، مع عدم دليل خاصٍّ معتبر.

ولأنّ العمومات والإطلاقات المستدلّ بها على أصالة الصحّة في العقود كلّها مبنيّة على ما هو المتعارف بين العقلاء ، ولا شكّ أنّ الغرر ممّا لا يقدمون عليه ، وليس من المعاملات المتعارفة ، فلا تنصرف الأدلّة إليه ؛ لجريان السيرة المستمرّة في جميع الأعصار والأمصار بين المتشرّعة ذوي الأنظار على تجنّب ما فيه الغرر والأخطار.

ولأنّ أصل تشريع الصلح أنّما هو لحسم مادّة النزاع وإنْ لم تشترط صحّته بسبقه بالإجماع. فمقتضى الحكمة سدُّ هذا الباب تحصيلاً لهذا الداعي.

ولهذا صرّح شيخنا المرتضى قدس‌سره في الصلح على ما يتعذّر تسليمه بأنّ الدائر على ألسنة الأصحاب نفي الغرر من غير اختصاصٍ بالبيع ، حتى إنّهم يستدلّون به في غير المعاوضات ، بل قد يرسل في كلماتهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه نهى عن الغرر (١).

وفي مسألة العلم بالثمن بعد نقله عن ( السرائر ) في البيع بحكم المشتري إبطاله بأن كلّ مبيع لم يُذكر فيه الثمن فإنّه باطلٌ بلا خلاف بين المسلمين بأنَّ الأصل في ذلك حديث نفي الغرر المشهور بين المسلمين (٢).

وفي مسألة العلم بالمثمن وأنّه شرطٌ ، عن ( الغنية ) : ( العقدُ على المجهول باطلٌ بلا خلاف ) (٣).

وهو كما ترى صريحٌ في عدم الخصوصيّة للبيع في ذلك ، وأنَّ المدار إنّما هو على نفي الغرر مطلقاً. وهو لما في ( الجواهر ) مناوٍ منافٍ. خرج الصلح على المجهول الصرْف الممتنع معرفة قدره مطلقاً بالنصّ والإجماع ، فبقي الباقي على الفساد بلا

__________________

(١) المكاسب ٢ : ١٢٤ ١٢٥.

(٢) المكاسب ٢ : ١٣٨.

(٣) المكاسب ٢ : ١٣٩ ، الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ) ١٣ : ٢٠٥.

٣٤٠