الرسائل الأحمديّة - ج ٢

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٣

المساواة بين البدل والمبدل ثانياً ، ولهذا ادّعى الحلّي (١) فقد النصّ ، وكلا الأمرين في حَيّز المنع :

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ الأخبار الصحاح الصراح التي رواها هو وغيره أنّما دلّت على أصالة الجهر وأفضليّته ، فلا ينطبق على قاعدته.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّا مع تسليم البدليّة لمّا استقرأنا موارد البدل فلم نرَ لزوم مساواته لمبدوله كالتيمّم بالنسبة إلى الوضوء والغسل والارتماس بالنسبة إلى الأخير ، وغير ذلك من المواضع لم يلزمنا المساواة بينهما الّا مع قيام الدليل عليه ، وليس فليس.

ولهذا اختار جمع من المحقّقين كابن إدريس في سرائره (٢) والعلّامة في تذكرته (٣) والسيّد السند في مداركه (٤) وغيرهم من الفضلاء جواز الجهر به ، فما ادّعاه سلّمه الله من أنّ الأخيرتين إخفاتيّتان قطعاً لا وجه له عند التحقيق وإنْ كان لا يخلو من وجه في الجملة وعدم التدقيق ، والله الهادي إلى سواء الطريق.

دلالة صحيحة صفوان

ثمّ قال بلّغه الله مراتب الكمال ـ : ( وذهب ابن إدريس رحمه‌الله إلى استحباب الجهر بالبسملة في الأُوليين ووجوب الإخفات بها في الأخيرتين ، وهذا عندي هو المذهب الصحيح.

أمّا استحباب الجهر في الأُوليين ؛ فلصحيحة صفوان بن مهران الجمّال ، قال : ( صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاماً فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا كان صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك ) (٥). فالجهر في هذه الرواية خاص بالأُوليين ).

أقول والله الموفّق لإدراك المأمول ـ : لا يخفى على ذوي العقول والإنصاف والإنصات ما فيه من عدم الدلالة على الاختصاص بالأُوليين بإحدى الدلالات ، إذ قصارى ما دلّ عليه الصدر أنّه يقرأ في فاتحة الكتاب بالبسملة ، والعجز على

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٢٢.

(٢) السرائر ١ : ٢٢٢.

(٣) التذكرة ( العلّامة ) ٣ : ١٤٥.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ٣٨٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ٣١١ / ١١٥٤.

٢١

جهره عليه‌السلام بها في الإخفاتيّة ويخفي ما سواها من أجزاء الفاتحة ، بل لا يخفى دلالتهما على العموم على ذي ثبات.

إذ قد دلّ الصدر على إخبار الراوي أنّ الإمام عليه‌السلام يقرأ في فاتحة الكتاب بالبسملة ولا يحذفها ، ولو لم يجهر بها لم يعلم أنّه يحذفها أو يقرأها ، إذ ليس المراد من الجهر إلّا إسماع الغير.

والعجز على جهرة بها في ما لا يجهر فيه بالقراءة من غير تقييد في الموضعين بالأُوليين كما لا يخفى على ذي عين ولبٍّ بري‌ء من الرين.

على أنّا لو تنزّلنا وسلمنا لكم الخصوص وقطعنا النظر عن ظاهر اللفظ المقتضي للعموم ، فهو لا يدلّ على الإخفات بالبسملة ؛ لخلوّ هذا الخبر من الدلالة على حكم الأخيرتين بالخصوص ، وهو لا يتّجه إلّا مع التنصيص على أنّه قرأ فيهما ، وليس فليس ، بل الظاهر من أخبارهم والشاهد عليه سبر سيرتهم وآثارهم هو مواظبتهم على التسبيح ؛ لبعده عن مذهب العامّة القبيح ، فلا مانع من أن يكون عمله حينئذٍ التسبيح ، إلّا إنّ الراوي اقتطع الحديث ، كما هو غير عزيز على مَنْ جاس خلال الديار وتتبّع تلك الآثار.

ويدلّ عليه اشتمال هذا الخبر بطريق ( الكافي ) على زيادة لم تكن في ( التهذيبين ) ، وهو قوله : ( وكان يجهر في السورتين جميعاً ) (١) ، فلا مانع من إرادة هذا الاحتمال ، والله العالم بحقيقة الحال.

ثمّ قال حباه الله ذو الجلال بالجلال ـ : ( وذلك لأنّ قوله : ( فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة ) في مقابلة الصلاة التي جهر فيها بها ، وليس الجهر والإخفات إلّا في الأُوليين ، وأمّا الأخيرتان فلا جهر فيهما أصلاً ، فتبيّن أنّه عليه‌السلام جهر بالبسملة في الأُوليين ؛ لمكان كون الجهر مظروفاً للقراءة ، ولأنّ الأخيرتين لا يتعيّن فيهما القراءة ، بل يجزي فيهما التسبيح ، بل هو الأفضل عند الأكثر ).

أقول وعلى الله قصد السبيل ونيل السؤل ـ : أمّا أنّ قوله : ( فإذا كان صلاة لا يجهر

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٥ / ٢٠.

٢٢

فيها بالقراءة ) ، في مقابلة الصلاة التي يجهر فيها بها ) فمسلّم ، لكنّه لنا لا له ، إذ نصّه يدلّ على أنّه إذا قرأ إخفاتاً جهر بالبسملة وأخفى ما سواها ، وهو شامل للأخيرتين.

وأمّا حصره الجهر والإخفات في الأُوليين وتعيين الإخفات في الأخيرتين ، فكلاهما لا يشفي العليل ولا يبلُّ الغليل :

أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ المتنازع فيه أنّما هو إخراج البسملة من جملة القراءة الإخفاتيّة ، ولا سبيل لكم على إنكاره ؛ لقولكم به في أُوليي الظهرين ، مع أنّهما إخفاتيّتان قطعاً ، فالفرق يحتاج إلى دليل ، وليس فليس لكم عليه من سبيل ، كما سيأتي بيانه عن قليل.

وأمّا ثانياً ؛ فلما صرّح به جملة من محقّقي المحدّثين من إخراج البسملة من مواضع الإخفات كصدر الأماجد الشيخ محمد بن ماجد (١) ، والمحقّق الأفخر الشيخ جعفر النجفي (٢) ، والعلّامة المبرور شيخنا الشيخ حسين آل عصفور (٣).

وأمّا ثالثاً ؛ فلأنّه إنْ أراد من حصره الجهر والإخفات في الأُوليين فلا يقول به هو ولا ذو عين ، لأنّهما حقيقتان متضادّتان لا يجتمعان ، كما أنّهما لا يرتفعان. وإنْ أراد اجتماعهما في جهة البدليّة دون الجمعيّة فلا يصحّ إلّا على المشهور بين الإماميّة.

وأمّا القائلون باستحباب تينك الصفتين والتخيير بين الحقيقتين ، فهم يفرّقون بين الأُوليين والأخيرتين ، كما هو مصرّح به من غير مَيْنٍ (٤) ولا تطرّق ريب ولا رين.

وأمّا رابعاً ؛ فلأنّ نصّه الجهر في الأخيرتين بالأصالة :

إمّا أنْ يريد أنّه كذلك عند الكلّ كما يظهر من تلويحاته غير مرّة ، إلّا إنّه لا يخفى ما فيه ، إذ قدماء الإماميّة فيهما على ثلاثة أقوال : وجوب الإخفات مطلقاً ، وجواز الجهر مطلقاً ، والتفصيل بين القراءة والتسبيح ، فلا يجوز في الأوّل ويجوز في الثاني.

وقول الشيخ عبد علي بوجوب الجهر بالتسبيح على الإمام والإخفات على المأموم والتخيير للمنفرد ، وما نقله بعض الفضلاء عن ظاهر بعض مشايخه من وجوب الجهر في الأخيرتين مطلقاً ، وقول الشيخ يوسف (٥) بأفضليّة الجهر وأحوطيّة

__________________

(١) الروضة الصفوية في فقه الصلاة اليوميّة ( مخطوط ) : ٢١٣.

(٢) كشف الغطاء : ٢٣٨.

(٣) سداد العباد : ١٧١.

(٤) المَيْنُ : الكذب. لسان العرب ١٣ : ٢٣٦ مين.

(٥) الحدائق ١١ : ١٧٥.

٢٣

الإخفات بانضمامٍ ، وتوقّف الشيخ علي المقابي في الفتوى والعمل بالمشهور إنْ عُدَّ التوقّف قولاً تصير الأقوال سبعة.

وإمّا أنْ يريد أنّه عند الأكثر الموجبين للإخفات مطلقاً فقط.

وعلى كلا الوجهين لا دلالة على مدّعاه في البين ، إذ كلّ من القائلين بهذه الأقوال سوى الحلّي (١) القائل بالثالث قائلون باستحباب الجهر بها فيهما ، ولم يمنعهم القول بوجوب الإخفات بالقراءة عن القول به ، وما ذاك إلّا لقيام الدليل القطعي على خروج البسملة عن حكم سائر القراءة ، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه ، ولنعم ما قيل :

إذا كنتَ تهوى القوم فاسلك طريقهم

فما وصلوا إلّا بقطع العلائق

وأمّا قوله : ( فتبيّن أنّه عليه‌السلام جهر بالبسملة في الأُوليين ؛ لمكان كون الجهر مظروفاً للقراءة ) ففيه ما لا يخفى على مَنْ كان له من التعنّت والاعتساف والتعنّد براءة ، لأنّا لا نقول بالبسملة حال عدم القراءة ، فضلاً عن الجهر بها ، بل نقول بالجهر بها حالة القراءة مطلقاً.

نعم ، لو قيل الجهر بها حال عدمها صحّ الاحتجاج بمظروفيّة الجهر للقراءة ، لكنّه لا قائل به كما لا يخفى [ على (٢) ] متنبّه.

وأمّا الاحتجاج بأنّ الأخيرتين لا تتعيّن فيهما القراءة فهو أصل منهار ، بل على جرف هارٍ ، إذ لا مدخليّة للتعيين والتخيير في الجهر والإخفات حتى يستلزم التعيينُ الجهرَ والتخييرُ الإخفاتَ :

أمّا أوّلاً ؛ فلافتقار الفرق بينهما إلى الدليل ، وهو ؛ إمّا العقل ، ولا ريب في عدم قوّته على الاستقلال بتخصيص الصلاة بأحد الكيفيّتين ، وإمّا النقل وليس سوى الكتاب والسنّة ، ولا ريب أيضاً في كونهما عنه خاليين.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ التكليف فِعْلُهُ تعالى ، وهو منوط بالغرض والمصلحة كما هو مذهب الفرقة المحقّة المفلحة ، وتلك المصلحة إمّا جليّة أو خفيّة ؛ لعدم الواسطة بالأدلّة العقليّة.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢١٨.

(٢) زيادة اقتضاها السياق.

٢٤

فعلى الأوّل يلزم معلوميّتها لكلّ عاقل ، وعلى الثاني يلزم خفاؤها كذلك كما هو واضح لدى الطالب السالك ؛ للتضادّ بين تينك الصفتين فلا يجتمعان ولا يرتفعان من البين.

فالمصلحة المقتضية للفرق بين مواضع التعيين والتخيير إنْ كانت جليّة لزم ما لا يجوز اعتقاده من خطأ مَنْ عدا ابن إدريس بل فسقه من علماء الإماميّة ، حيث علموا العلّة المقتضية للفرق ولم يعملوا بمقتضاها مع أنّها جليّة.

وإنْ كانت خفيّة فلا سبيل لابن إدريس عليها دون غيره من محقّقي الاثني عشريّة ، كما لا يخفى على ذي رويّة.

لكن نقول : إنّ العلّة المقتضية للجهر شاملة للموضعين ، كما حقّقناه في الرسالة الموسومة بـ ( قرّة العين ).

ثمّ قال ساعده الله بالإقبال ـ : ( والرواية تعطي إيجاب القراءة في الصلاة ؛ لقوله : فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم ، بل ظاهر هذا في الجهريّة بدليل قوله : فإذا كانت صلاة .. إلى آخره (١) ، ويستفاد الإخفات في الأخيرتين بالكلّية قراءة وتسبيحاً ، بالبسملة وغيرها من قوله : وأخفى ما سوى ذلك (٢) ).

أقول والله أسأل الوصول للمأمول ـ : أمّا إعطاء الرواية إيجاب القراءة كان مع قطع النظر عمّا سواها من النصّ والإجماع وقصر النظر عليها كما هو ظاهر كلامه زيد في إعظامه فليس نصّاً في الدلالة ، بل ولا ظاهراً من المقالة ؛ لأنّ قصاراها حكاية الفعل ، وهو أعمّ من الوجوب.

وأمّا الدوام والاستمرار المشعر بهما صيغة ( كان ) فلا يستلزمان الوجوب ؛ لما علم من ملازمتهم عليهم‌السلام على المستحبّات سيّما المؤكّدات لاستغراقهم ذواتهم وطبائعهم في طاعة ربّ السماوات في جميع الأوقات ، وإنْ كان مع النظر لما سواها فلا كلام فيه ، إلّا إنّه لا يصحّ نسبة إيجاب القراءة إليها ، كما لا يخفى على نبيه.

هذا ، وقد استدلّ بعض المحقّقين على وجوبها بقوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦.

٢٥

الْقُرْآنِ ) (١) مرتّباً له دليلاً هكذا : ( قراءة شي‌ء من القرآن واجب ، ولا شي‌ء من [ القراءة في (٢) ] غير الصلاة بواجب ، فيكون الوجوب في الصلاة ، وهو المطلوب.

أمّا الصغرى فلصيغة الأمر الدالة على الوجوب ، وأمّا الكبرى فبالإجماع ) (٣).

وأُجيب بمنع كبراه ؛ لأنّه إذا أُريد بالوجوب العيني فلا إشعار به في الآية ، وإن أُريد الكفائي فعدمه في غير الصلاة ممنوع ، بل يجب ؛ لئلّا تندرس المعجزة.

وقد يقال : لنا اختيار الشقّ الأوّل ؛ لكونه الأغلب في التكاليف والمتبادر في الذهن حال الإطلاق ، ضرورة انصراف المطلق حال إطلاقه على أكمل الأفراد كما لا يخفى على المنصف المرتاد ، فلا يحتاج إلى التصريح به عند ذوي الذهن من العباد ، ولا ريب في عدم الوجوب عيناً في غير الصلاة بالإجماع الذي لم يُعلم فيه نزاع ، إلّا أنّ في بعض الأخبار دلالة على عدم وجوب القراءة بالكتاب ، وإنّما وجوبها بسنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله الأطياب.

ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام

إنّ الله عزوجل فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمّداً أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته ولا شي‌ء عليه (٤).

وفي بعضها

القراءة سنّة ، والتشهّد سنّة ، ولا تنقض السنّة الفريضة (٥)

، وليس المراد من كونها سنّة إلّا أنّ وجوبها إنّما عُلِم من السنّة.

هذا ، والظاهر أنّ هذا الدليل غير منطبق على قواعد الأشكال الأربعة المنطقيّة كما لا يخفى على ذي رويّة. [ و (٦) ] الظاهر أنّه مستلزم للمطلوب المنتظم من شبه النتيجة. وكذلك ما استدلّوا به على وجوب القيام والقنوت ، والله العالم.

وأمّا قوله : ( بل ظاهر هذا في الجهريّة ) ، فإنْ أراد الاختصاص بها فهو بعيد ؛ لكونه صلّى خلّفه أيّاماً ، ومن البعيد أنْ يريد بها أوقات الجهر فقط ، وإنْ أراد مع انضمام الإخفاتيّة أيضاً كما يشعر به عموم لفظ الأيّام فهو حسن ، إلّا إنّه خلاف ظاهر

__________________

(١) المزّمل : ٢٠. (٢) في المخطوط : ( القرآن و ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) كنز العرفان ١ : ١١٨. (٤) الكافي ٣ : ٣٤٧ / ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩١. (٦) زيادة اقتضاها السياق.

٢٦

كلامه ، زِيد في إكرامه ، على أنَّ موضع الاستدلال ليس هو الصدر فقط ، بل هو مع قوله : ( فإن كان صلاة ) .. إلى آخره. ولا يخفى ما فيه من العموم على مَنْ كان من ذوي الحلوم.

وأمّا قوله : ( ويستفاد الإخفات في الأخيرتين بالكلّيّة ).

ففيه : أنّه وإنْ احْتُمِلَ إلّا إنّه لا يجري في البسملة ؛ لتضمّن الخبر استثناءهما من جملة القراءة :

أمّا أولاً ؛ فلأنّ قوله : ( فإنْ كان صلاة ) .. إلى آخره ، لا يتعيّن منه إرادة الصلاة المستقلّة ، بل يجوز أنْ يراد بها الأخيرة أو الأخيرتان من باب تسمية الجزء باسم الكلّ مجازاً ، وحينئذٍ فيخرج التسبيح والأذكار أيضاً ؛ لتخصيصه عدم الجهر بالقراءة فقط ، فيكون المراد بقوله : ( وأخفى ما سوى ذلك ) ما سوى البسملة من أجزاء القراءة.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنّا لو تنزّلنا ومنعنا احتمال إرادة الاخريات من قوله : ( فإذا كان صلاة ) ، لكان المراد أتمّ وأكمل والدلالة أعمّ وأشمل ؛ لدلالة السياق على أنّ الإمام عليه‌السلام إذا كان في الصلاة الإخفاتيّة التي لا يجهر فيها بالقراءة خاصّة دون التسبيح وسائر الأذكار جهر عليه‌السلام بالبسملة وأخفى القراءة خاصّة ، وإلّا لتنافى الصدر والعجز.

فإنْ قيل : لو كان المشار إليه القراءة خاصة لم يشر إليها بـ ( ذلك ) الموضوع للبعيد ، بل يكتفي بإعادة ضمير المفرد المؤنّث إليها.

قلنا : هذا غير وارد قطعاً ، ولا مجدٍ نفعاً :

أمّا أوّلاً ؛ فلابتناء ذلك على الغلبة دون الاطّراد ، ولهذا جاء في غير موضع من القرآن ، كقوله تعالى ( الم. ذلِكَ الْكِتابُ ) (١) ، وقوله تعالى ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ ) (٢) ، مشيراً به إلى ضرب المثل ، وكما يقال : بالله الطالب الغالب وذلك قسم عظيم لأفعلنّ.

ولهذا صرّح علماء المعاني بأنّ المعنى الحاضر إذا تقدّم ذكره يشار إليه بلفظ

__________________

(١) البقرة : ١ ٢.

(٢) محمّد : ٣.

٢٧

البعيد (١) ، ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (٢).

وأمّا ثانياً ؛ فلعدم المنافاة بين الأمرين ؛ إذ المرادُ من وضعهم المقرون بـ ( الكاف ) وحدها وهي مع ( اللّام ) للبعيد انحصارُ البعيد في المقرون بهما ، ولا ينعكس ، ولا يخفى البَوْنُ بين الأمرين على ذي قلبٍ بري‌ء من الرين.

فإنْ قيل : إنّ كلام الإمام عليه‌السلام الذي هو إمام الكلام لا يحمل إلّا على الوجه الصحيح المتكاثر دون الشاذّ النادر.

قلتُ : هذا كسابقه في عدم الورود ، كما لا يخفى على مَنْ كان له لموارد الصناعة صدورٌ وورود :

أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ الشاذّ يقال على ثلاثة أقسام : مخالفٌ للقياس والاستعمال ، ومخالف الأوّل ، ومخالف الثاني ، فالمردود هو الأوّل دون الأخيرين ، وما نحن فيه من قبيل الثاني بغير شكّ ولا ميَن.

وأمّا ثانياً ؛ فلتبدّل اللغات وتبدّدها وانتشارها وتعدّدها بتبدّل أمكنتها وأزمنتها ، فلربّما اشتهر اللفظ في لغة قوم وانعكس الأمر عند آخرين وسمّوه شاذّاً نادراً ، وليس إلّا لقلّة استعماله في زمانهم وندوره في مكانهم ، وبهذا التحقيق يتّضح الأمر ويتّسع المضيق في ما وقع في القرآن وكلام الأئمّة الأعيان من اللّغة المسمّاة بالشاذّة وليست شاذّة كـ ( كُبّاراً ) (٣) ، و ( إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ) (٤) ، والألفاظ المسمّاة بالمعرّبة أيضاً ك : مشكاة ، و: قسطاس ، كما لا يخفى على مَنْ جاس خلال الديار وحاسَ.

والوجه في هذا : أنَّ كلامه تعالى وكلامهم عليهم‌السلام محيط بجميع اللغات على تعدّد جميع القرون والأوقات ، فإذا أتى قرن لا يعرف لغة ما قبله وكانت قليلة الاستعمال قِبَلَهُ عدّها في الشاذّ النادر ، كما يحكم به المتتبّع الماهر ، فظهر لدى الرجاحة أنّ مخالف الغالب لا يخرج عن الفصاحة ، والله العالم العاصم.

ثمّ قال شدّ الله عنه نطاق الأفضال ـ : ( بل يستفاد الإسرار بأذكار الركوع والسجود والتشهّد والتسليم والتكبير لا سيّما إذا قلنا : إنّها مطلقة غير خاصّة بقراءة الأُوليين ، وإخفاء ما

__________________

(١) مختصر المعاني ( التفتازاني ) : ٥٣.

(٢) ق : ٣٧.

(٣) نوح : ٢٢.

(٤) طه : ٦٣.

٢٨

سوى ذلك أنّما هو بقراءتهما دون سائر الصلاة من الأخيرتين وغيرها. وإنْ قلنا بهذا كما هو مدلول الرواية هان الخطبُ وثبت المراد ، ويكون معنى ( وأخفى ما سوى ذلك ) أخفى ما سوى البسملة من قراءة الأُوليين ، فليتأمّل ).

أقول والله أسأل العصمة من الغواية والنكول ـ : لا يخفى على ثاقبي الأفهام ما بين صدر هذا الكلام وعجزه من التناقض التامّ ، فإنّه بعد أنْ ذكر استفادة الإسرار بسائر الأذكار عقّبه بـ ( لا سيّما ) الموضوعة لترجيح ما بعدها على ما قبلها ، ( وإخفاء ما سوى ذلك إنّما هو بقراءتهما دون سائر الصلاة من الأخيرتين ) ، فعطف ( إخفاء ) على ( مطلقة ) ، ولا يخفى ما فيه من عدم الارتباط والالتئام ، فإنّ كونها غير خاصّة بقراءة الأُوليين يستفاد منه الإسرار بسائر الأذكار على ما قاله.

وقوله : ( وإخفاء ما سوى ذلك إنّما هو بقراءتهما ) ، أيّ : قراءة الأُوليين ( دون سائر الصلاة من الأخيرتين ) الذي جعله في حيّز ( لا سيّما ) الموضوعة لترجيح ما بعدها ، تقتضي الإخفات بالقراءة خاصّة دون أذكار الركوع والسجود والتشهّد والتسليم والتكبير ، ولا يُنبّئكُ مثل خبير.

ولو جعلنا قوله : ( وإخفاء ) مستأنفاً غير معطوف على ما في حيز ( لا سيّما ) فالمحذور باقٍ بالتمام والكمال ، والإشكال لم يكن له انهدامٌ ولا زوال.

إذا انتقش هذا في صحيفة الخاطر الباهر ، وانغرس في حديقة ذي الفكر الماهر ، فنقول :

أمّا استفادة الإسرار بما ذكره من الأذكار فهو مبنيّ على أصل منهارٍ :

أمّا أوّلاً ؛ فلِما قرّرناه سابقاً وسنح هو أيضاً إليه هنا أخيراً من أنّ المراد بـ ( ما سوى ذلك ) أنّما هو أجزاء القراءة فقط.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ الإطلاق أنّما هو في قوله : ( فإذا كان صلاة لا يجهر فيها ) (١) .. إلى آخره ، فالإطلاق أنّما أفاد ثمريّة الجهر بالبسملة في الأخيرتين من الإخفاتيّة كالأُوليين منها ؛ لأنّه يصدق على الأخيرتين أنّهما صلاة لا يجهر فيهما بالقراءة ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦.

٢٩

والصدق أمارة المتناول.

وأمّا قوله : ( وإخفاء ما سوى ذلك أنّما هو بقراءتهما ) .. إلى آخره ، وقوله : ( وإنْ قلنا بهذا كما هو مدلول الرواية ) .. إلى آخره ، فكلاهما لنا يؤيّدان وعليه يردان ، وما أحسن الإنصات للحقّ والإنصاف ، وما أقبح التعنّت والاعتساف ، إلّا إنّ تخصيصه بقراءة الأُوليين من تناول اللفظ للأخيرتين خالٍ من الدليل ، والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل.

دلالة حسنة الكاهلي

ثمّ قال مدّ الله عليه رِواق (١) النوال ـ : ( وحَسَنة عبد الله الكاهلي ، قال : ( صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام في مسجد بني كاهل فجهر مرّتين ببسم الله الرحمن الرحيم ) (٢). وهذه الرواية أيضاً مشعرة بوقوع الجهر في الأُوليين خاصّة دون الأخيرتين ، ويستفاد منها وسابقتها ترك الجهر بالبسملة في السورة أو ترك السورة.

أمّا في الأُولى فلتعيين الجهر بالبسملة فيها في الفاتحة ، وأمّا الثانية فلأنّه عليه‌السلام قرأ في الأُوليين كلّاً منهما بالفاتحة قطعاً وجهر بالبسملة مرّتين في الأُولى والثانية ، ولو كان جهر ببسملة السورة لكان جهر أربع مرّات.

وإنْ قلنا : إنّه جهر ببسملة السورة [ أيضاً (٣) ] كان الجهر في الركعة الأُولى دون الثانية ؛ لأنّه جهر مرّتين فقط ، فيفوت استحباب الجهر في الثانية ، وهو باطل.

وإنْ قلنا : إنّه جهر في الأخيرتين دون الأُوليين فات الجهر في الأُوليين ، وهو أبطل.

وإنْ قلنا : بأنّ الصلاة جهريّة ، فات الاستدلال بالرواية بالكلّيّة ، فلم تبقَ إلّا صحيحة صفوان (٤).

وبالجملة ، فهذه الرواية لا تعلّق لها بالأخيرتين أصلاً ، وكذا سابقتها كما عرفت ، وهما مخالفتان لقول الأكثر في إيجاب السورة ، كما سمعت من احتمالهما تركها ).

__________________

(١) الرواق : سِتر يُمدُّ دون السقف. لسان العرب ٥ : ٣٧٥ روق.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٨ / ١١٥٥.

(٣) من مخطوطة رسالة الستري.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦.

٣٠

أقول : الوجه الحسن في هذا الحَسَن وهو الموافق للقول المشهور المؤيّد المنصور أنْ يكون قول الراوي : ( فجهر وقنت وسلم ) إخبار عمّا شاهده من فعل الإمام عليه‌السلام في أوقات صلاته في ذلك المسجد الحرام من الأفعال الموافقة للعامّة والمخالفة لأُولئك الطغاة الطغام.

فمنها : أنّه جهر بالبسملة مرّتين ، أي : في وقتين من أوقات صلاته هنالك ؛ لعدم حضور أحد من العامّة في ذينك الوقتين من العداة الموقعين في المهالك ، فيتّجه الاستدلال به للمشهور حيث أخبر الراوي أنّ الإمام عليه‌السلام جهر بالبسملة في ذينك الوقتين من غير تقييد بالأُوليين.

ويؤيّده أمران : الأوّل : إخبار الراوي أيضاً بعد فعله بما هو من شعار الإماميّة ما هو من شعار تلك الفرقة الغويّة من تخصيص القنوت في الفجر وتسليمة واحدة ممّا يلي القبلة ، ولهذا ترى جمعاً ممّن استدلّ به للمشهور أنّما يقتصرون على إخباره بالجهر ؛ بناءً على أنّه أحد الأُمور التي شاهدها في تلك الأوقات من أفعال الهداة والعداة.

الثاني : الاستدلال به من أفاضل المحقّقين وجهابذة المدقّقين ممّن أُمِنَ عثارُهم في التحقيق ، ولم يشقَ غبارُهم في التدقيق ، كالسيّد السند (١) ، وبهاء الملّة والدين (٢) ، وغيرهما من المحدّثين والمجتهدين الأعلمين على القول المشهور ، والله المستعان في الورود والصدور.

فاندفع بهذا التقرير قوله : ( إنّ هذه الرواية مشعرة بوقوع الجهر في الأُوليين ) ، كما لا يخفى على الناقد البصير والمتتبّع الخبير.

وأمّا قوله : ( ويستفاد منها وسابقتها ترك الجهر بالبسملة في السورة أو ترك السورة ) .. إلى آخره ، فلا يخفى ما فيه من النظر على ذي نظر ؛ أمّا ترك الجهر بالبسملة أو تركها هي في صحيحة صفوان فلأنّه وإنْ خلت منهما بطريق الشيخ في ( التهذيبين ) (٣) إلّا إنّها

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٣٦٠.

(٢) الحبل المتين : ٢٢٨ ٢٢٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦ ، الإستبصار ١ : ٣١٠ ٣١١ / ١١٥٤.

٣١

قد اشتملت بطريق الكليني على الأمرين لقوله فيها : ( وكان يجهر في السورتين جميعاً ) (١) ، وهي نصّ في الباب ، فكن سميعاً ، وكأنّه قصر النظر [ على (٢) ( التهذيب ) ، وما كلّ داء يعالجه الطبيب.

وأمّا تركهما في هذه الحسنة والاستدلال عليه بتلك الروايات الغير المستحسنة ، فكلاهما واضح السقوط بما قرّرناه لمن كان خالياً من السنَة ولزم الإنصاف واستحسنه.

وأمّا قوله : ( وإنْ كانت الصلاة جهريّة ) .. إلى آخره.

ففيه : أنّه لو كانت الصلاة جهريّة لم يكن وجه للإخبار بالجهر بالبسملة وحدها مع أنّ القراءة كلّها جهريّة ، وكان خالياً من الفائدة بالكلّيّة ؛ لانتفاء فائدة الخبر واللازم ، كما يحكم به المتتبّع الحاذق الحازم.

وأمّا قوله : ( فلم تبقَ إلّا صحيحة صفوان ) فهو من البطلان بمكان :

أمّا أوّلاً ؛ فلما قرّرناه من دلالة هاتين الروايتين على الجهر في الأُوليين والأخيرتين.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ رواية رجاء بن أبي الضحّاك المتضمّنة لحكاية فعل الرضا عليه‌السلام صريحة في الجهر في الأُوليين ؛ لأنّه بعد أنْ قال : ( وكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار ) قال أيضاً : ( وكان يسبّح في الأُخراوين ، يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلّا الله والله أكبر. ثلاث مرّات ) (٣) ، وهي نصّ صريح في الباب كما لا يخفى على اولي الألباب ، وكان الذي أوجب له ذلك قصر النظر على الاستدلال في ما ذكره سيّد ( المدارك ) (٤).

فإنْ قيل : هذا الخبر ينافي الحكم بالجهر بالبسملة في الأخيرتين.

قلتُ : لا منافاة بين الأمرين ، بل يؤيّد ما قلناه بلا مَيْنٍ (٥) ؛ أمّا عدم المنافاة فلأنّ جهرة بها في الأُوليين لا يدلّ على عدم الجواز في الأخيرتين ؛ لأنّه لم يكن يقرأ في

__________________

(١) ] الكافي ٣ : ٣١٥ / ٢٠.

(٢) في المخطوط : ( عن ) ، وما أثبتناه أنسب.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٢ ١٨٣.

نقول : ورد في المصدر : ( وكان يسبّح في الأخراوين .. ثلاث مرات ) قبل : ( وكان يجهر .. بالليل والنهار ).

(٤) انظر ص ٣١ هامش ١.

(٥) المَيْنُ : الكذب. لسان العرب ١٣ : ٢٣٦ مين.

٣٢

تينك الركعتين ، وإنّما يحصل المنافاة أنْ لو كان عليه‌السلام يقرأ فيهما ، وليس فليس.

وأمّا التأييد ، فلأنّ قول الراوي : ( وكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) .. إلى آخره ، عامّ للأخيرتين ، وقوله : ( وكان يسبّح في الأُخراوين ) مخصّص لذلك العامّ ، كما لا يخفى على ثاقبي الأفهام.

فمفاد هذين الفعلين أنّه عليه‌السلام إذا قرأ في الأخيرتين جهر بالبسملة ، وإذا سبّح جهر بالتسبيح ، ولا منافاة كما لا يخفى على ذي فكر صحيح.

وأمّا قوله : ( وبالجملة ، فهذه الرواية لا تعلّق لها بالأخيرتين أصلاً ، وكذا سابقتها ) ، وقوله : ( وهُمَا مخالفتان لقول الأكثر في إيجاب السورة ) .. إلى آخره.

فكلاهما في غير محلّه ؛ أمّا الأوّل ؛ فلما عرفت من دلالة الروايتين (١) على الجهر في الأخيرتين بالتفصيل فضلاً عن الجملة ، كما لا يخفى على ذي تحصيل.

وأمّا الثاني ؛ فلما عرفت من اشتمال خبر صفوان بطريق ( الكافي ) (٢) على ذكر السورة والجهر ببسملتها ، ولما قرّرناه مراراً من دلالة الحسن المذكور (٣) على مرتضى المشهور الذي هو المرتضى المنصور.

الإخفات بالبسملة في الأخيرتين

ثمّ قال لا زال راقياً مدارج الجلال ـ : ( وأمّا وجوب الإخفات بالبسملة في الأخيرتين فلوجهين :

أحدهما : ما ذكره ابن إدريس (٤) من أنّه لا خلاف بين الإماميّة حتى من القائلين بعدم وجوب الجهر والإخفات في مواضعهما في وجوب الإخفات بالفاتحة في الأخيرتين ، والبسملة آية منها ، فحكمها حكمها ، ولم يدلّ دليل على إخراجها منها ، فيجب الإخفات بها ).

أقول : لا يخفى على ذي التأمّل التام ما في هذا الكلام من انحلال الزمام واختلال النظام :

أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ الإجماع كما وقع على الإخفات في أخيرتي الإخفاتيّة كذلك وقع

__________________

(١) انظر : ص ٢٩ هامش ١ ، وص ٣٠ هامش ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٥ / ٢٠.

(٣) انظر ص ٣٠ هامش ٢.

(٤) السرائر ١ : ٢١٨ ، بالمعنى.

٣٣

على الإخفات في أُولييها مع أنّهم قد استثنوا البسملة فيهما.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ ما دلّ من النصّ والإجماع على الجهر بها في الأُوليين عامّ للأخيرتين ، ومدّعي التخصيص عليه الدليل ، وقد عرفت عدم المدخليّة للتعيين والتخيير في الجهر والإخفات.

وأمّا ثالثاً ؛ فلأنّ ما نقله من عدم الخلاف حتى من القائلين بعدم وجوب الجهر والإخفات في مواضعهما واضح البطلان لوجوه :

الأوّل : أنّ خلاف القائلين بعدم وجوب الجهر والإخفات في مواضعهما جارٍ في الأخيرتين ، كما صرّح به جمع من الفضلاء كالشيخ علي المقابي ، وغيره.

الثاني : أن مواضع الجهر التي وقع النزاع في وجوبها فيها بين الإماميّة أنّما هي الصبح وأولتا الثلاثيّة والرباعيّة هي الظهران والأخيرة والأخيرتان من الرباعيّة ، كما صُرِّحَ به في الكتب الفقهيّة.

فلو قيل : إنّ الأخيرتين لا خلاف فيهما ؛ لانحصر الخلاف [ في (١) ] مواضع الإخفات في أُوليي الإخفات فقط ، ولا يقول به ذو رويّة ، مع أنّ ابن إدريس عدّ الأُوليين من الإخفاتيّة نظراً إلى استحباب الجهر بالبسملة فيهما من المواضع الجهريّة ، وحصر مواضع الإخفات في الأخيرتين من الجهريّة والإخفاتيّة.

قال في سرائره في بيان مواضع الجهر والإخفات : ( فقد صار المراد [ بالجهريّة (٢) الركعتين الأُوليين دون الأخيرتين ) (٣). ولا يخفى ما بين الكلامين من [ التباعد (٤) والمنافاة بالكلّية.

الثالث : أنّ الظاهر من نفي ابن إدريس الخلاف أنّما هو من القائلين بوجوب الإخفات في مواضعه ، ونفيه الخلاف بالكلّيّة لعدم الاعتداد به كما هو عادته ، وسنتلو عليك شطراً منه ، وهذا نهاية ما قاله في السرائر :

( ولا خلاف بيننا في أنّ الصلاة الإخفاتيّة لا يجوز فيها الجهر بالقراءة ، والبسملة

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق.

(٢) ] في المخطوط : ( بالجهر ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) ] السرائر ١ : ٢١٨.

(٤) في المخطوط : ( التتابع ).

٣٤

من جملة القراءة ) (١). وهذا لا يدلّ على عدم دخول القائلين بعدم وجوب الجهر والإخفات في مواضعهما في نافي الخلاف في عدم جواز الجهر في أخيرتي الإخفاتيّة.

فكأنّه قال : ولا خلاف بيننا معشر الموجبين الإخفات في مواضعه ، فإنْ أراد ابن إدريس من نفي الخلاف عدم الاعتداد [ بالمخالف (٢) ] لمعرفة نسبه فله وجه في الجملة بالنسبة إليه ، وإنْ أراد عدم المخالف بالأصالة بحيث لا يجوز الجهر أصلاً ولو على وجه مرجوح فلا يخفى ما فيه من عدم الوضوح ، فإنّ قبله ابن الجنيد في كتابه ( الأحمدي ) (٣) والسيّد المرتضى في ( المصباح ) (٤) وشيخ الطائفة في ( التهذيب ) (٥) قائلون بعدم وجوب الجهر والإخفات في مواضعهما ، وملزومه جواز الإتيان بأحدهما في موضع الآخر.

وقد تقدّم كلام ابن الجنيد ، وأمّا السيّد المرتضى فقال نقلاً عنه ـ : ( هو يعني الجهر والإخفات من السنن الأكيدة ، حتى [ رُوي (٦) ] « إنّ من تركهما عمداً أعاد (٧) ») (٨). انتهى.

وأمّا الشيخ قدس‌سره فقال في ( التهذيب ) : ( والأفضل أن لا يقرأ بشي‌ء (٩) في صلوات النهار جهراً ولا يخفي شيئاً من صلوات الليل ) (١٠). ثمّ استدلّ عليه بمرسل ابن فضّال عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « السنّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنّة في صلاة الليل بالإجهار » (١١).

ومقتضى هذه الأقوال جواز الجهر في موضع الإخفات وإنْ كان على مرجوحيّة ، كما لا يخفى على ذي رويّة.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢١٨.

(٢) في المخطوط : ( بالمخالفة ).

(٣) عنه في مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٦ ، فتاوى ابن الجنيد : ٥٥.

(٤) عنه في المعتبر ٢ : ١٧٦ ، مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٩ / ذيل الحديث ١١٦٠.

(٦) في المخطوط : ( يروى ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٧) التهذيب ٢ : ١٦٢ / ٦٣٥. بالمعنى.

(٨) عنه في المعتبر ٢ : ١٧٦.

(٩) في المصدر : ( شي‌ء ) ، بدل : ( بشي‌ء ).

(١٠) التهذيب ٢ : ٢٨٩ / ذيل الحديث ١١٦٠.

(١١) التهذيب ٢ : ٢٨٩ / ١١٦١.

٣٥

وأمّا رابعاً ؛ فلأنّ ما احتجّ به من عدم الخلاف غير وارد من وجوه :

الأوّل : أنّه إنّما وقع تبعاً لابن إدريس كما هو نصّ كلامه ، وقد عرفت ما فيه من دعوى الإجماع في موضع النزاع ، كدعواه الإجماع على وجوب إخراج الفطرة عن الزوجة الغير الواجبة النفقة كالناشز والصغيرة مع عدم الدخول والتمكين (١) ، وعلى استحباب الغسلة الثانية في الوضوء (٢) ، وعلى قوله عليه‌السلام : « إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً (٣) » (٤) ، وعلى طهارة الماء النجس بإتمامه كرّاً (٥) ، مع أنّ هذه الدعوى عارية عن الدليل عادمة السبيل.

أمّا الأُولى ؛ فلأنّه لم يقل بذلك القول أحد سواه ، كما صرّح به شيخنا العلّامة المبرور الشيخ حسين آل عصفور في ( الرسالة الزكاتيّة ) ، وفتوى الأصحاب أنّما هو بالتقييد بحال العيلولة تبرّعاً.

وأمّا الثانية ؛ فلمخالفة جمّ غفير من قدماء الأصحاب كالشيخ الصدوق (٦) ، وثقة الإسلام الكليني (٧) ، والثقة الجليل أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي في جامعه نقلاً عنه (٨).

وأمّا الثالثة ؛ فلما صرّح به المحقّق الأوّل في ( المعتبر ) (٩) ، والمحقّق الثالث في ( المعالم ) ، من أنّ هذا الخبر غير مرويّ في كتب الأخبار ، بل هو من الأحاديث المرسلة التي لا تعويل عليها ، واستعجابهما من نقل الإجماع من المخالف والمؤالف عليه.

وأمّا الرابعة ؛ فقد ردّها المحقّق الأوّل (١٠) بأنّه لم يقف عليه في شي‌ء من كتب الأصحاب ، ولو وُجد كان نادراً ، بل ذكره المرتضى (١١) في مسائل متفرّدة ، وبعده اثنان أو ثلاثة ممّن تابعه ، ودعوى مثل هذا إجماعاً غلط ، إلى غير ذلك من المواضع التي

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٦٦. (٢) السرائر ١ : ١٠٠.

(٣) غوالي اللئلئ ١ : ٧٦ / ١٥٦. (٤) السرائر ١ : ٦٣.

(٥) السرائر ١ : ٦٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٩ / ذيل الحديث ٩٢.

(٧) الكافي ٣ : ٢٧ / ذيل الحديث ٩.

(٨) عنه في السرائر ٣ : ٥٥٣.

(٩) المعتبر ١ : ٥٢ ٥٣.

(١٠) المعتبر ١ : ٥٣.

(١١) عنه في المعتبر ١ : ٥٣.

٣٦

يقف عليها المتتبّع للكتب الفقهيّة.

الثاني : أنّ عدم الخلاف المدّعى أنّما هو في الفاتحة ، وهي وإنْ كانت آية منها إلّا إنّها خارجة عن محلّ النزاع كخروجها عنه في الأُوليين لذلك الدليل بعينه.

الثالث : أنّ القائلين بعدم جواز الجهر بالفاتحة في الإخفاتيّة هم القائلون بالجهر بالبسملة مع أنّها آية منها ، وما ذاك إلّا لعدم الملازمة بين حكم الفاتحة وبسملتها لخروجها عنه بالدليل ، فظهر أنّ إجماعهم على الإخفات بالفاتحة في الإخفاتيّة لا ينافي الجهر ببسملتها ، كما لا يخفى على ذي رويّة.

وأمّا قوله : ( ولم يدلّ دليل على إخراجها منها ) ففيه ما مرّ مراراً ، لكن لا بأس بإعادة شطر منه فنقول : إنّ ما دلّ على الجهر ؛ إمّا الشهرة بل الإجماع المنقول من غير واحد ، بل المحصّل كما حقّقناه في الرسالة الكبرى أو الأخبار ، وكلاهما شاملٌ للأخيرتين.

أمّا الشهرة فلا كلام في ثبوتها (١) ، وأمّا الإجماع فقد قال محقّق ( المعتبر ) : ( إذا تقرّر أنّها آية من الحمد ، فحيث يجب الجهر بالحمد يجب الجهر بها ، وحيث يجب الإخفات أو يستحبّ ، يستحبّ الجهر بها خاصّة ، وهو انفراد الأصحاب ) (٢).

وقال في ذكر مذهب ابن إدريس : ( وقال بعض المتأخّرين : ( ما لا تتعيّن فيه القراءة لا يجهر فيه لو قُرِئَ ) (٣) ، وهو تخصيص لما نصّ عليه الأصحاب ودلّت عليه الروايات ) (٤).

فانظر كيف نسبه في الموضعين إلى الأصحاب ، وهو جمع محلّى بـ ( اللام ) فيفيد العموم ، فيفيد الإجماع قطعاً.

وقال شهيد ( الذكرى ) ملخَّصاً ـ : ( إنّ قول ابن إدريس باختصاص الاستحباب بأُوليي الظهرين لا الأواخر قول مرغوب عنه ؛ أمّا أوّلاً ؛ فلأنّه لم يسبق إليه ، وهو بإزاء إطلاق الروايات والأصحاب ، بل بإزاء تصريحهم بالعموم ) (٥) .. إلى آخره.

ولا يخفى ما فيه من الإشعار بالإجماع ، وعدم الاعتداد بذلك النزاع.

__________________

(١) الحدائق ٨ : ١٦٧.

(٢) المعتبر ٢ : ١٨٠.

(٣) السرائر ١ : ٢١٨.

(٤) المعتبر ٢ : ١٨١.

(٥) الذكرى : ١٩١.

٣٧

وقال السيوري : ( أُطبق على استحباب الجهر بالبسملة في ما فيه الإخفات ، وأكثر الجمهور على خلافه ) (١) انتهى.

ولا يخفى ما فيه من الدلالة على المراد ، كما لا يخفى على المنصف المرتاد.

وأمّا الأخبار ، فقد مرّ منها : صحيحة صفوان (٢) ، وحَسَنة الكاهلي (٣) ، وقد عرفت عمومهما لموضع النزاع ، وسيأتي غيرهما إنْ شاء الله تعالى صريحاً في المراد ، والله العالم والهاد.

دلالة صحيحة عبد الله بن سنان

ثمّ قال أيّده الله بسديد المقال ـ : ( وثانيهما : إشعار بعض الأخبار بالإخفات بها وبغيرها في الأخيرتين ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : « إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر (٤) فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأموناً على القراءة (٥) ، فلا تقرأ خلفه في الأولتين ، [ وقال ] (٦) : ويجزيك التسبيح في الأخيرتين قلتُ : أيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال : أقرأ فاتحة الكتاب » (٧) ، فخفاء فعل الإمام على عبد الله بن سنان الذي هو ممّن أكثر الصحبة للإمام دليل على أنّ الإمام لا يجهر بشي‌ء في الأخيرتين مع أنّه يقرأ فاتحة الكتاب ).

أقول : قد ذكر بعض علمائنا المتأخّرين في رسالة عملها في الجهر والإخفات لهذا الخبر محامل بعيدة ووجوهاً غير سديدة.

وربّما شارك في بعضها محدّث ( الوافي ) ، حيث قال : ( لا نسلّم أنّه كان قريباً منه بحيث إذا جهر سمعه ، فجاز أنْ يكون في الصفوف البعيدة اتّفاقاً ولا يسمع ما يقوله الإمام عليه‌السلام ، مع احتمال أنّ السؤال عمّا يقوله الإمام في حال انفراده واقتدائه بالغير تقيّة ، مع احتمال أنّ القراءة بالمضارع راجعة إلى الأُوليين ؛ لأنّه لمّا نهاه عن القراءة في الأُوليين وأخبره أنّ التسبيح في الأخيرتين يجزيه ، قال له : أيّ شي‌ء تفعل أنت إذا اقتديت بهم في الأُوليين؟ قال : « أقرأ فاتحة الكتاب » ). انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) كنز العرفان ١ : ١٣٠. (٢) انظر : ص ٢١ هامش ٥.

(٣) انظر : ص ٣٠ هامش ٢. (٤) في المصدر : ( تجهر ) ، بدل : ( يجهر ).

(٥) في المصدر : ( القرآن ) ، بدل : ( القراءة ). (٦) من المصدر.

(٧) التهذيب ٣ : ٣٥ / ١٢٤.

٣٨

وللنظر فيه مجالٌ ، وللمناقشة فيه محالٌّ.

أمّا الأوّل ؛ فللبعد كلّ البعد أنْ تصدر مثل هذه الاتّفاقات في عامّة الأزمنة والأوقات.

وأمّا الثاني ؛ فلمخالفته سياق الكلام بما تمجّه الطباع والأفهام ؛ لقوله عليه‌السلام في الصدر : « إذا كنت خلف إمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأموناً على القراءة » ، فكيف يسأله الراوي عن حال الانفراد أو الاقتداء بالغير تقيّة؟ إذ المتبادر إلى الفهم السليم والطبع المستقيم أنّما هو الاستفهام عمّا يفعله عليه‌السلام في هذه المسألة بعينها طلباً للتأسّي بأفعاله وأقواله في جميع أحواله.

وأمّا الثالث ؛ فواضح السقوط عن سماء القبول والهبوط كما يحكم به سَوْقُ الكلام ومقابلة السؤال والجواب ، وإنّما يتذكّر أُولوا الألباب ، ولهذا حكم ونوّر قبره ببعده ، بل عدم صحّته في آخر الكلام.

إذا تقرّر هذا ، فنقول : لا يخفى عمّن نظر بعين الاستفادة والتتبّع والتحقيق في جوهر الكلام ونوره وصفاته وظهوره ، وقطع النظر عن الأُمور الخارجيّة والوساوس الوهميّة في بصر بصيرته وسُوَيْداء سريرته ، وطابق بين صدر الخبر وعجزه وسؤاله وجوابه ومفرداته ، أنّ قوله : « اقرأ » فعل أمر مسوقاً لبيان ما فوق المجزي ، فإنّ الإمام عليه‌السلام لمّا نهاه عن القراءة خلف المرضيّ في الأُوليين وأخبره بإجزاء التسبيح في الأخيرتين ، استشعر الراوي هنا شيئاً فوق المجزي فسأل عنه قائلاً : أيّ شي‌ء تقول؟ أي : تفتي به وتأمرني بالعمل به غير هذا المجزي ، كما هو الشائع في الألسنة في مثل هذه الأسئلة ، فأمره بقراءة فاتحة الكتاب.

ويؤيّده : أوّلاً : مجي‌ء بعض الأخبار بوفاقه ، كصحيح سالم بن مُكْرَمِ الجمّال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفيه : « وإذا كنت في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أنْ يقرءوا فاتحة الكتاب » (١).

فإنّ الخبر الأوّل (٢) دلّ على إجزاء التسبيح وأفضليّة القراءة ، والثاني (٣) دلّ على أفضليّتها أيضاً ، ولهذا لم يتعرّض للتسبيح المجزي ، فمفاده تأكّد الاستحباب جمعاً

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٥ / ٨٠٠.

(٢) انظر : ص ٣٨ هامش ٧.

(٣) انظر : هامش ١ من نفس الصفحة.

٣٩

بين الخبرين.

وثانياً : فَهْمُ جملة من القدماء (١) وبعض المتأخّرين (٢) هذا المعنى ، وعملهم عليه وإفتاؤهم به ، وهو أحد الأقوال في مسألة قراءة المأموم خلف المرضيّ كما ذكره أوّل الشهيدين في ( شرح نكت الإرشاد ) (٣).

قال المحقّق الثالث : ( إنّه قد صار إلى العمل بمضمونه جماعة من قدماء الأصحاب ووافقهم عليه بعضُ مَنْ تأخّر ) ، وفَهْمُ هؤلاء الأعلمين قرينةٌ على إرادة الحقّ باليقين.

وأمّا قوله : ( فخفاء فعل الإمام على عبد الله بن سنان الذي هو ممّن أكثر الصحبة للإمام ) .. إلى آخره ، ففيه نظر من وجوه :

أمّا أوّلاً ؛ فلعدم الجزم بكون ابن سنان هو عبد الله ؛ لخلاء كتب الحديث عن تعيينه ، واحتمال كونه محمّداً أخاه ، وهو مهمل في رجال الصادق عليه‌السلام ، وقد ضعّفه الشيخ (٤) والنجاشي (٥) وابن الغضائري (٦) وابن شاذان (٧) ومحقّق ( المعتبر ) (٨) وعلّامة ( الخلاصة ) (٩) ، وغيرهم من علماء الرجال ، وروايتُهُ عن الصادق عليه‌السلام غير عزيزة في الأخبار.

ففي باب كراهة أكل الثوم والبصل والكرّاث من كتاب ( علل الشرائع والأحكام ) : ( أخبرني عليّ بن حاتم .. إلى أنْ قال ـ : عن محمّد بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أكل البصل والكراث ) (١٠) .. إلى آخره.

وفي ( طبّ الأئمّة ) : ( حدّثنا عبد الله بن سنان ، عن أخيه محمّد بن سنان ، قال : قال جعفر بن محمَّد عليهما‌السلام .. ) (١١).

__________________

(١) المقنع ( الصدوق ) : ١١٩ ، الكافي ( أبو الصلاح ) ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ٣ : ٢٧٥ ، المهذّب ( ابن البرّاج ) ١ : ٨١.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ٣٤٥.

(٣) غاية المراد ١ : ٢١٣. (٤) الفهرست : ٢٩٥ / ٦٣٨.

(٥) رجال النجاشي : ٣٢٨ / ٨٨٨.

(٦) عنه في رجال العلّامة الحلّي : ٢٥١.

(٧) عنه في رجال النجاشي : ٣٢٨ / ٨٨٨.

(٨) المعتبر ٢ : ١٨٦.

(٩) الخلاصة : ٢٥١.

(١٠) علل الشرائع ٢ : ٢٣٦ / ٢.

(١١) طبّ الأئمّة : ١٥.

٤٠