الرسائل الأحمديّة - ج ٢

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٣

قهراً ولو بالسكوت الطويل ؛ لئلّا يستند الإبطال إليه ، وله نظائر :

منها : أنّه لو نذر الصدقة بشاة معيّنة إذا جاء مسافرة أو برئ مريضه غداً ، فإنّه لا يجوز له ذبح الشاة قبل الغد ؛ لاحتمال عدم المجي والبرء ، وإلّا كان الحنث والإبطال مستنداً إليه على تقدير تحقّق الشرط.

ومنها : أنّه لو باع شيئاً للمشتري الفضولي ، فإنّه لا يجوز له بيع العين ثانياً على غيره ؛ لاحتمال عدم إجازة مَن له الشراء ، وإلّا كان التفويت مستنداً إلى البائع لو أجاز المشتري له.

ومنها : أنّه لو علم المكلّف أنّه يسافر غداً قبل الزوال ، فإنّه يجب نيّة الصوم وتبييتها على القول به إذا كان مكلّفاً بصوم معيّن وإنْ علم أنّه سيبطل صومه بالسفر ، إلّا إنّه لا يجوز استناد الإبطال إليه. وكذا فيمن علمت أنّها تحيض في اليوم الذي يجب صومه عيناً بالنسبة إلى وجوب نيّة الصوم وإنْ علمت بطلانه بعروض الحيض.

وقد يقال بالثالث ، ووجهه : أنّ العقلاء يعذرون المتروّي بعد الشكّ ، بمقدار ما يعتبر منه في الشكوك الصحيحة ، ولا يسندون الإبطال إليه. ولعلّه أقوى الوجوه.

إلّا إنّ هذه الوجوه إنّما هي فيما إذا لم يعلم بأنّه لو تروّى يزول عنه الشكّ ولم يرجُ ذلك رجاءً معتدّاً به ، وإلّا فلا إشكال في حرمة الإبطال مطلقاً. ثم إنّ منشأ التروّي قد يقال : إنّ المأخوذ في الأدلّة موضوعاً لهذه الأحكام ، هو الشكّ الذي هو تساوي الطرفين ، ولا يحصل إلّا مع بقائه بعد التروّي ، وهو ليس قبل ذلك إلّا خطوراً بَدْويّاً لا أثر له ، ولا يجري عليه حكم الشكّ.

وفيه : أنّ مقتضاه جواز المضيِّ قبل التروّي وإنْ قيل بعدم جواز المضيّ فيها مع الشكّ ؛ لأنّ الشكّ لم يحصل قبل التروّي ليمنع من المضيّ.

والظاهر أنّ منشأ القول بالتروِّي ، ما ورد من الأمر بالتحرّي عند عروض الشكّ في الصلاة. ثم إنّ المضيَّ في الصلاة مع الشكّ هل يوجب بطلانها مطلقاً ، أم لا؟ والحقّ

٢٠١

أنّه لا ريب في البطلان إذا مضى فيها معه بقصد الجزئيّة ؛ لأنّه زيادة في الصلاة وملحق بكلام الآدمي في النهي عنه. وكما أنّه لا ريب في الصحّة إذا مضى فيها بقصد القربة المطلقة إذا كان من قبيل الأذكار والقراءة.

وأمّا إذا مضى فيها متردّداً وقصد أنّه إنْ ظهر عدم الاحتياج إلى ما مضى فيه من الذكر أو القراءة كان ذلك بحكم سائر الأذكار التي يؤتى بها في الصلاة بقصد القربة المطلقة ، وإن ظهر الاحتياج إليه كان ذلك جزءاً للصلاة ، فالظاهر البطلان ؛ بناءً على أنّ المستفاد من حكم الشارع بالبطلان في صورة الشكّ في عدد الثنائيّة أنّه قد اعتبر في صحّة أجزائها حفظ عددها ، وإلّا لم يصحّ الجزء المأتي به مع الشكّ في العدد ، وكان لغواً زائداً ، فلا يحسب من الأجزاء مع كون الإتيان به على هذه الحالة.

الشكّ في صلاة الكسوف

وأمّا صلاة الكسوف فالظاهر أنّه إذا كان الشكّ فيها لعدم إحراز ركعتيها حكم بالبطلان ؛ لكونها بحكم الثنائيّة المحكوم عليها بذلك عند عروض هذا الشكّ فيها وإن اشتملت على ركوعات متعدّدة. وإن كان قد يتوهّم اختصاص البطلان في الثنائيّة بالثنائيّة المتعارفة المشتملة كلّ ركعة منها على ركوع واحد ، لكنّه ضعيف ، بل قد يتوهّم عدم كونها ثنائيّة بناءً على صحّة إطلاق الركعة على مجرّد الركوع ، كما في قوله عليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة من سجدة وتعاد من ركعة » (١) بقرينة مقابلة السجدة ، فعلى هذا لا تكون صلاة الكسوف ثنائيّة ، بل تكون مشتملة على عشر ركعات.

وفيه : أنّ الركعة في إطلاق الشارع والمتشرّعة يراد بها مجموع الركوع والسجدتين معاً وما انضم إلى ذلك من القراءة أو التسبيح ، وأمّا إطلاق الركعة على مجرّد الركوع فهو لُغوي ؛ إذ الركعة بحسب اللغة مصدر المرّة للركوع الذي هو مجرّد الانحناء

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١٠ ، ٦١١ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ ، أبواب الركوع ، ب ١٤ ، ح ٢ ، ٣ ، وفيهما : « لا يعيد صلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة ».

٢٠٢

الخاصّ (١) ، إلّا إنّ كون الصلاة رباعيّة الركعات أو ثلاثيّتها أو ثنائيّتها إنّما هو على طبق الإطلاق الشرعي. وحينئذ ، فإذا شكّ في عدد الركوعات كان مقتضى القاعدة البناء على الأقلّ ؛ لأصالة عدم الزائد. نعم ، لو كان ذلك موجباً للشكّ في الركعات كما إذا شكّ في كونه ركوعاً خامساً أو سادساً كان الحكم البطلان.

الشكّ في صلاة المغرب

وأمّا المغرب ، فلا إشكال بحسب الفتوى (٢) في أنّ الشكّ في ركعاته يوجب البطلان ، سواء كان الشكّ بين الزائد والناقص ، أو بين الناقص والتامّ ، أو بين الزائد والتامّ ، أو بين الاولى والثانية ، إلّا إنّ الأخبار في ذلك مختلفة ، فمنها ما دلّ على بطلانها بالشكّ في ركعاتها عموماً ، ومنها ما دلّ عليه في بعض الصور ، ومنها ما دلّ على الصحّة عموماً ، ومنها ما دلّ عليها في بعض الصور.

أما الأوّل : فقوله عليه‌السلام : « إذا شككت في المغرب فأعد » (٣) ، وما روي من أنّه : « لا سهو في المغرب » (٤).

وأمّا الثاني : فما روي من أنّك : « إذا لم تدر ما بين الثلاث والأربع من المغرب فأعد » (٥) ، وكذا ورد ما مضمونه : إذا شكّ في المغرب بين الاثنين والثلاث فعليه الإعادة ، إنّه ليس كالشفع (٦) ، أي : الصلاة الرباعيّة. وما روي أيضاً من أنّه : « إذا لم يدرِ كم صلّى من المغرب فعليه الإعادة » أو « فليعد » (٧).

__________________

(١) المعجم الوسيط ١ : ٣٧٠ ركع ، الصحاح ٣ : ١٢٢٢ باب العين / فصل الراء ، لسان العرب ٥ : ٣٠٣ ركع.

(٢) المبسوط ١ : ١٢١ ، الحدائق ٩ : ١٦٥ ١٦٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٠ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٧٨ / ٧١٤ ، الوسائل ٨ : ١٩٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢ ، ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٨ ، التهذيب ٣ : ٥٤ / ١٨٧ ، الوسائل ٨ : ١٩٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢ ، ح ١٣ ، باختلاف فيها.

(٥) التهذيب ٢ : ٧١٩ ، الوسائل ٨ : ١٩٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢ ، ح ٩ ، بالمعنى.

(٦) التهذيب ٢ : ١٧٩ / ٧١٧ ، الوسائل ٨ : ١٩٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢ ، ح ٤.

(٧) التهذيب ٢ : ١٧٩ / ٧٢٠ ، الإستبصار ١ : ٣٦٦ / ١٣٩٤ ، الوسائل ٨ : ١٩٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢ ، ح ٨ ، وفي جميعها : « فعليه أن يعيد الصلاة ».

٢٠٣

وأمّا الثالث : فما روي من : « أنّك إذا شككت في المغرب فابن على الأكثر » ، وروى أيضاً ما مضمونه : أنّ الله شرّع على العباد عشر ركعات وهي : الأُوليان من كلٍّ من الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، [ وركعتا الصبح ] وليس فيهنّ السهو (١) ، والمراد أنّ الشكّ فيهنّ مبطل ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله زاد عليهن سبعاً ، وهي الأخيرة من المغرب والأخيرتان من كلٍّ من الظهر والعصر والعشاء وفيهن السهو ، بمعنى أنّ في الشكّ فيهن علاجاً للصحّة ، فدلّت على أنّ الأخيرة من المغرب ممّا لا يبطله الشكّ.

وأمّا الرابع : فما روي من أنّه عليه‌السلام سئل عن الشكّ بين الاثنتين والثلاث من المغرب ، فقال : فليبن على الثلاث وليتم ، ثم ليقم ويأتِ بركعة ، فإنْ ظهر أنّها كانت ناقصة كان ذلك متمّماً لها ، وإنْ ظهر أنّها كانت تامّة حَسَب ما أتى به نافلة (٢).

والظاهر عدم إمكان الجمع بين هذه الروايات ، فإنّ بين بعضها والبعض الآخر عموماً من وجه ، والظاهر أنّ بعضها وهو قوله : « وفيهن السهو » آبٍ عن التخصيص ، فلا بد حينئذ من تأويل ما خالف الأصحاب منها إنْ أمكن ، وإلّا فيطرح ويؤخذ بما عليه الأصحاب ، والله العالم.

الشكّ في أفعال الصلاة

قوله رضى الله عنه : ( إذا شكّ في شي‌ء من أفعال الصلاة ) .. إلى آخره.

أقول : لا إشكال في أنّه إذا شكّ في شي‌ء من أفعال الصلاة وكان محلّه باقياً وجب الإتيان به ركناً أو غيره في الأُوليين أوْ لا ، وعليه الإجماعات المنقولة ، وأصل العدم ، وهو أصالة عدم الإتيان بالمشكوك فيه ، وقاعدة الشغل. لكن ينبغي أنْ يعلم أنّ الثمرة في التمسّك بأصل العدم والتمسّك بقاعدة الشغل تظهر من جهتين :

الاولى : أنّ الاستناد إلى أصل العدم يجري في الشكّ في الركن وفي غيره بخلاف

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٧٣ / ٧ ، الوسائل ٤ : ٤٩ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ١٣ ، ح ١٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٨٢ / ٧٢٨ ، الإستبصار ١ : ٣٧٢ / ١٤١٣ ، الوسائل ٨ : ١٩٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢ ، ح ١٢ ، بالمعنى.

٢٠٤

قاعدة الشغل ؛ لعدم جريانها في الأركان ، والسرّ أنّ نتيجة التمسّك بها إحراز المشكوك فيه من باب الاحتياط ، ولازمه أنّ المشكوك فيه إنْ كان غير مأتيٍّ به في الواقع كان ما أُتي به احتياطاً لقاعدة الشغل من جملة الأجزاء ، واقعاً في محلّه ، وإنْ كان مأتيّاً به فيه كان المأتيّ به احتياطاً محكوماً عليه بحكم ما يؤتى به في الصلاة من الأذكار والقراءة بالقربة المطلقة ، وهذا لا مانع منه بالنسبة إلى غير الأركان.

وأمّا بالنسبة إليها فيشكل التمسّك بها ؛ لأنّه على تقدير الإتيان بالركن واقعاً وعدم الاحتياج إلى المأتيِّ به من الأركان يوجب زيادة الركن وإنْ لم يقصد الجزئيّة المحقّقة به ؛ لأنّ الظاهر أنّ الإتيان بصورة الركن بقصد الاحتياط وإحراز موضوعه واقعاً كافٍ في تحقّق موضوع الزيادة على تقدير عدم الإتيان به واقعاً ، فيخالف الاحتياط من جهة أُخرى وإنْ كان مجرّد الإتيان لا بقصد الجزئيّة ولا بقصد إحراز اليقين بها غير موجب لزيادة الركن ، كما لو انحنى في الصلاة بمقدار الركوع لأجل تناول شي‌ء من الأرض ؛ للفرق الظاهر بين الصورتين ، فتأمّل.

الثانية : أنّه على تقدير التمسّك بقاعدة الشغل لا بدّ من الإتيان بالمشكوك فيه بعنوان الاحتياط بنية القربة المطلقة ، وأمّا أصل العدم فإنّه إذا استند إليه في نفي المشكوك فيه كان كما لو قطع بعدم الإتيان به ؛ لأنّ العلم الشرعي بمنزلة العلم الوجداني. وحينئذٍ ، فيصحّ الإتيان بالمشكوك فيه بقصد الجزئيّة كحال القطع بعدم الإتيان به. هذا إنْ كان مدرك قاعدة الشغل حكم العقل بتحصيل الفراغ اليقيني من باب الإرشاد.

وأمّا إذا كان مدركها الشرع وأنّها مستفادة من قوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين بالشكّ » (١) ، وأنّ هذه الرواية كما تدلّ على حجّيّة الاستصحاب وعدم جواز نقض اليقين السابق بالشكّ اللاحق كذلك تدلّ على عدم رضا الشارع في أداء التكليف المعلوم بما يحصل به احتمال الامتثال ، بأنْ يجتنب في الشبهة المحصورة مثلاً بعض

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ / ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ١.

٢٠٥

المحتملات ويرتكب الباقي ، وأنّ حرمة ذلك نفسيّة ، وأنّ مطابقة الاحتمال للواقع لا أثر لها عند الشارع.

لكنّ الإنصاف أنّ هذا على فرض صحّته لا يدلّ عليه : « لا تنقض » ؛ لأنّ الاكتفاء في الامتثال بالاحتمال ليس نقضاً لليقين ، كما أنّ الامتثال بطريق اليقين ليس نقضاً لليقين بمثله ، بل ومعصية التكليف المعلوم ليس نقضاً له.

ثم إنّ وجوب الإتيان بالمشكوك فيه في محلّه لم يثبت من أحد القول بخلافه ، إلّا ما ينسب (١) إلى الشيخين (٢) وابن حمزة (٣) من أنّ الشكّ في الأُوليين موجب للبطلان سواء تعلق بالركن أو غيره ، وسواء تجاوز المحلّ أو لا ، مستدلّين بظاهر قوله عليه‌السلام : « إذا شككت في المغرب فأعد » (٤) وقوله عليه‌السلام : « لا سهو في المغرب » (٥) ، وقوله عليه‌السلام : « وليس فيهنّ السهو » (٦).

لكنّه يبعد جدّاً أنْ يكون بناؤهم على أنّ مجرّد الشكّ في شي‌ء من أفعال الصلاة وإنْ كان غير ركن ولم يتجاوز محلّه يبطلها ، إذ لا ريب في أنْ الشكّ بمجرّده لا أثر له ، لا سيّما بعد زواله وإنْ نُسِب إلى العلّامة رحمه‌الله الميل إلى البطلان بالشكّ في الركن في المحلّ ، إلّا إنّه أهون ممّا نسب إليهم. وممّا يبعد بناءهم على ذلك أنّه لو كان مستندهم تلك الأخبار كما هو مقتضى النسبة لحكموا بالبطلان حتى في ثالثة المغرب ؛ لأنّ الظهور في البطلان يجري فيها أيضاً ، مع أنّ المنسوب إليهم البطلان في خصوص الأُوليين.

__________________

(١) الجواهر ١٢ : ٣١٢.

(٢) المقنعة : ١٤٥ ، النهاية ( الطوسي ) : ٩٢ ، المبسوط ١ : ١١٩.

(٣) الوسيلة : ١٠١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٠ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٧٨ / ٧١٤ ، الوسائل ٨ : ١٩٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢ ، ح ٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٨ ، التهذيب ٣ : ٥٤ / ١٨٧ ، الوسائل ٨ : ١٩٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢ ، ح ١٣ ، باختلاف فيهم.

(٦) الكافي ٣ : ٢٧٣ / ٧ ، الوسائل ٤ : ٤٩ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ١٣ ، ح ١٢.

٢٠٦

والجواب عن تلك الروايات من وجهين :

الأوّل : أنْ يراد بالسهو خصوص الشكّ في الركعات بقرينة قوله عليه‌السلام : « ألا أجمع لك السهو في كلمتين » (١) ، فإنّ المراد به خصوص الشكّ في الركعات.

الثاني : أنّه مخصّص ببعض ما دلّ من الأخبار (٢) على أنّه إذا شكّ في التكبير وهو في القراءة ، أو فيها وهو في الركوع .. وهكذا ، لم يلتفت. فإن الشكّ بعد التجاوز إذا كان غير مبطل فعدم إبطاله في المحلّ بطريق أوْلى ، هذا حكم الشكّ قبل التجاوز.

وأمّا بعده فهو وإنْ كان مقتضى أصل العدم عدم الإتيان به بالمشكوك فيه إلّا إنّ المقام من موارد أصالة الصحّة ، والمراد أصالة الصحّة في فعل نفس الشخص لا فعل الغير ، فإنّ الظاهر من حال الشخص المشغول بعمل كونُه ذاكراً للمأتيِّ به ، فلا يترك شيئاً منه كما هو مقتضى قوله عليه‌السلام : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (٣) ، فيكون من قبيل تعارض الأصل والظاهر ، فيعمل على الظاهر لتقدّمه على الأصل فيه.

إنّما الإشكال في تحقيق المحلّ والتجاوز ، فإنّ القدماء (٤) ذهبوا إلى أنّ ذلك بالنسبة إلى العناوين المستقلّة ، بمعنى أنّ مجموع القراءة شي‌ء واحدٌ ، فإذا شكّ في شي‌ء منها ولم يدخل في الركوع كان في المحلّ ، فيجب الإتيان به وإنْ دخل فيما بعد المشكوك فيه من أجزاء القراءة ، وكذا كلّ من مجموع الركوع ومجموع السجود ومجموع التشهّد ومجموع السلام شي‌ء واحد ، فإذا شكّ في بعض أجزائها وجب الإتيان به ما لم يدخل في العنوان الآخر.

وأمّا المتأخّرون (٥) فاعتبروا أبعاض هذه أشياء مستقلّة ، وأنّ تجاوز بعضها يحصل بمجرد الدخول في البعض الآخر وإنْ لم يتجاوز ذلك العنوان ، فإذا شكّ في ( إِيّاكَ

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩٢ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ١. باختلاف يسير.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٧.

(٤) انظر : مفتاح الكرامة ٣ : ٣٠٣.

(٥) الجواهر ١٢ : ٣١٨ ٣١٩.

٢٠٧

نَعْبُدُ ) (١) بعد الدخول في ( إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) (٢) كان شكّاً بعد التجاوز ، فلا يلتفت إلى المشكوك فيه.

فلا بد حينئذ من ملاحظة الأخبار ليتّضح الحال ، فمنها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا خرجت من شي‌ء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء » (٣) ، ورواية إسماعيل ابن جابر عنه عليه‌السلام ، قال : « إنْ شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمضِ ، وإنْ شكّ في السجود بعد ما قام فليمضِ ، كلّ شي‌ء شكّ فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمضِ عليه » (٤) ، ولا يخفى أنّ الشي‌ء بعمومه يتناول كلّ جزء من أجزاء الصلاة فيشمل أبعاض القراءة والذكر حتى الكلمات بل الحروف ، فيكون دليلاً للمتأخّرين.

والتحقيق : أنّ المراد بالخروج عن الشي‌ء لا يخلو عَن أُمورٍ ثلاثة :

الأوّل : الفراغ الحسّي من الشي‌ء ، إلّا إنّه لا يجتمع مع الشكّ في أصل الشي‌ء ، فلا بدّ من إرادة الشكّ في بعض ما يتعلّق به من الأجزاء والشرائط ، إلّا إنّ ظاهر الرواية (٥) سَوْقُها للشكّ في أصل الشي‌ء ؛ لأنّ مورد مثالها من شكّ في الأذان بعد الدخول في الإقامة ، أو فيها بعد الدخول في التكبير ، أو فيه بعد الدخول في القراءة ، أو فيها بعد الدخول في الركوع. وهو ظاهر في الشكّ في أصل هذه الأشياء ، فالظاهر كون المراد بالشكّ في الشي‌ء المذكور في الرواية الشكّ في أصله لا فيما يتعلّق به ؛ لأنّه في بيان حكم كلّيِّ هذه الأُمور ، فيكون المراد بمتعلّق الشكّ واحداً.

الثاني : الخروج المعنوي وهو فوات الشي‌ء وامتناع تداركه ، فيكون خارجاً عنه ، أي غير مبتلىً به ، بل خرج من عهدته والإلزام به ، وهو إنّما يكون بالدخول في ركن آخر ، إلّا إنّه لا ينطبق أيضاً على مورد الرواية لذكره فيها من موارد الخروج عن الشي‌ء ما لم يتحقّق فيه الدخول في ركن آخر ، كالشكّ في الأذان في أثناء الإقامة ، وفي

__________________

(١) الفاتحة : ٥.

(٢) الفاتحة : ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢ ، الوسائل ٦ : ٣٦٩ ، أبواب السجود ، ب ١٥ ، ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

٢٠٨

التكبير في أثناء القراءة.

الثالث : الخروج عن محلّ الشي‌ء حيث يكون له محلّ مخصوص ، وهو إنّما يتمّ في الأُمور المرتّبة المعتبر فيها تقدّم شي‌ء على غيره كأفعال الصلاة ، وهذا هو الظاهر.

ثم إنّ الترتيب المعتبر في الأجزاء قد يلحظ في العمل الواقع فيه الشكّ ولم يكن ملحوظاً قبل ، كالترتيب بين مجموع القراءة مع الركوع ومجموعه مع السجود ، وقد يلحظ قبل اعتبار العمل ، كالترتيب بين نفس أجزاء الفاتحة ، فإنّه معتبر فيها مع قطع النظر عن الصلاة.

فإنْ أُريد من الخروج تجاوز المحلّ المجعول له في ذاته مع قطع النظر عن المشكوك فيه كما هو الظاهر وافق المتأخّرين (١) من حصول التجاوز عن ( إِيّاكَ نَعْبُدُ ) (٢) بالدخول في ( إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) (٣) ؛ لأنّ المحلّ المجعول لـ ( إِيّاكَ نَعْبُدُ ) مقدّم على ( إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) مع قطع النظر عن الصلاة.

وإنْ أُريد من الخروج تجاوز المحلّ المجعول له في العمل المشكوك فيه وافق مذهب القدماء ؛ لكون مورد الرواية حينئذٍ الشكّ في أصل القراءة بعد الدخول في الركوع دون الشكّ في أبعاضها ، إذ لم يجعل لها محلّ مخصوص في الصلاة ليندرج الشكّ فيها في الرواية ، فيجب الرجوع إلى الأُصول الأوّليّة وأصالة عدم الإتيان بالمشكوك فيه فيجب الإتيان به ، وهو مطابق لمذهب القدماء ، إلّا إنّه خلاف الظاهر لاحتياجه إلى قرينة تخصّص الشي‌ء بالعناوين المستقلّة ، أو اختصاص المحلّ بالمجعول للشي‌ء في العمل الواقع فيه الشكّ ، والفرض عدمها.

وقد يؤيّد قول القدماء بأنّه على قول المتأخّرين بعموم الشي‌ء يحصل التعارض بين أصالة العدم وأصالة الظهور ، فيما إذا شكّ في جزء من الفاتحة بعد الدخول في السورة ، فإنّه كما يصدق أنّ الآية شي‌ء كذلك يصدق على مجموع القراءة أنّه شي‌ء ، وحينئذ فإذا لوحظ كون الآية من الفاتحة بنفسها شيئاً صدق عليه أنّه شكّ في شي‌ء

__________________

(١) الذخيرة : ٣٧٥ ، الجواهر ١٢ : ٣١٨ ٣١٩.

(٢) الفاتحة : ٥.

(٣) الفاتحة : ٥.

٢٠٩

وهو الآية وقد دخل في غيره وهو الآية الأُخرى أو السورة ، فيكون حكمه عدم الالتفات بمقتضى قاعدة الشكّ بعد الفراغ ، المستفادة من منطوق الرواية (١).

وإذا لوحظ كون مجموع القراءة شيئاً صدق عليه أنّه شكّ في شي‌ء وهو القراءة باعتبار الشكّ في جزئها ولم يدخل في غيرها ، فيكون مقتضى مفهوم الرواية وأصالة العدم الإتيان بالمشكوك فيه ، فيتعارض المنطوق والمفهوم وأصالة العدم وأصالة الظهور ، فيتساقط ويرجع إلى الأصل الأوَّلي ، وهو أصل العدم المدلول عليه بأدلّة الاستصحاب ، فيجب الإتيان بالمشكوك فيه كما هو مقتضى قول القدماء.

إلّا إنّ الحقّ هو العمل بقاعدة الشكّ بعد الفراغ ؛ لأنّ مجموع القراءة وإنْ كان شيئاً قابلاً للشكّ فيه إلّا إنّ الشكّ فيه هنا مسبَّبٌ عن الشكّ في جزئه ، فهنا شكّ سببيٌّ وهو الشكّ في الجزء وشكّ مسبَّبيٌّ وهو الشكّ في المجموع ، وقد تقرّر أنّ الأصل في الشكّ السببيِّ وارد على الأصل في المسبَّبيِّ ، وأنّه على تقدير إعمال الأصل في السببيّ يزول المسببيّ فهو بالنسبة إليه كالدليل ، فيتعيّن العمل به ولا يصلح الأصل في المسبّبي لمقاومته.

وقد يؤيّد قول القدماء بأنّه على تقديره يكون : « ودخلت في غيره » (٢) مؤسِّساً ومفيداً فائدة لم يفدها : « خرجت من شي‌ء » ، فإنّ الخروج من الشي‌ء على قولهم ينفك عن الدخول في الغير ؛ لإمكان الخروج عن القراءة وعدم الدخول في الركوع .. وهكذا. فإذا اعتبر الدخول في الغير في الحكم بعدم الالتفات ، فلا بدّ من ذكر ما يدلّ عليه.

وأمّا على قول المتأخّرين من عموم الشي‌ء فلا يتحقّق الخروج من شي‌ء إلّا بالدخول في غيره ، فلا يخرج من ( إِيّاكَ نَعْبُدُ ) إلّا بالدخول في ( إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، فيكون : « ودخلت في غيره » توضيحيّاً ، مع أنّ الظاهر من القيد كونه احترازيّاً ، فيكون ذلك قرينة على قول القدماء ، إلّا إنّ هذا المقدار من الظهور لا يصرف العامّ عن

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

٢١٠

عمومه.

وهنا رواية أُخرى ربّما يُستأنس بها لقولهم أيضاً ، وهي قوله عليه‌السلام « إنّما الشكّ إذا كنت في شي‌ء لم تجُزه » (١) بعد قوله : « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء » ؛ لأنّ قوله : « إنّما الشكّ » خبره محذوف ، أي له حكم ، وقوله : « لم تجزه » بدل من قوله : « إذا كنت في شي‌ء » ، أو خبر بعد خبر للشكّ. والمراد ب : « في » من قوله : « إذا كنت في شي‌ء » ؛ إمّا معنى الظرفيّة فيجي‌ء الكلام السابق من تعارض الأصلين وقد عرفت دفعه ، أو يراد بها معنى التلبُّس ، فيكون المعنى : إنّما الشكّ إذا كنت متلبِّساً بشي‌ء لم تجُزه.

وحينئذٍ ، فإذا شكّ في أصل الفاتحة مع الدخول في السورة ولوحظ كون مجموع القراءة شيئاً صدق أنّه شكّ في القراءة باعتبار الشكّ في الفاتحة مع التلبّس بها ، فيكون منطوق الرواية وجوب الإتيان بالفاتحة ، وإذا شكّ في جزء منها ولوحظ كونها شيئاً صدق أنّه شكّ في الفاتحة باعتبار الشكّ في جزئها ولم يكن متلبّساً بها ، فيكون مقتضى مفهومها عدم الالتفات مع الإجماع على اتّحاد الحكم في الصورتين ، فيتعارض المفهوم والمنطوق بواسطة الإجماع المركّب ، وهذا إنّما هو على تقدير تعميم الشي‌ء للعناوين المستقلّة وغيرها. وأمّا إذا خصّ بالأُولى لم يصدق على الفاتحة وحدها ليكون الشكّ فيها مع الدخول في السورة شكّاً بعد التجاوز ليجي‌ء التعارض.

ثم إنّ الظاهر دخول المستحبّات في الرواية ، فإذا شكّ في القراءة وهو في القنوت لم يلتفت ، وكذا لو شكّ فيه وهو في الركوع. وأمّا المقدّمات كالهويِّ إلى الركوع والسجود والنهوض إلى القيام ، ففي بعض الروايات في بيان التمثيل للتجاوز كما إذا شكّ في السجود بعد ما قام (٢) ، أو في الركوع بعد ما سجد (٣) ، فإن ظاهره كونه

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢.

(٢) في المخطوط زيادة : ( ولعل فيها ) بعد قوله : ( بعد ما قام ).

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢ ، الوسائل ٦ : ٣٦٩ ، أبواب السجود ، ب ١٥ ، ح ٤.

٢١١

تحديداً للتجاوز ، وإلّا لقال : بعد أنْ أتى بالركعة الأُخرى.

إلّا إنّ في بعضها أنّه سُئل عمّن هوى إلى السجود وشكّ أنّه ركع ، قال عليه‌السلام : « قد ركع » (١) ، فإنّ معنى الهوي إلى السجود ليس الوصول إليه ، كما قد يتوهّم من : ( إلى ) الدالّة على الانتهاء ، بل الظاهر أنّ المراد منها معنى الانحدار والتوجّه إليه وإنْ لم يصل إليه. إلّا إنّ هذه الرواية بهذا المقدار من الظهور لا تصلح لمعارضة تلك الرواية الدالّة على التحديد ؛ لأنّ دلالتها على عدم الاعتناء بالمقدّمات أظهر من دلالة هذه على الاعتناء بها. وقد تقرّر أنّ الأظهر قرينة على تأويل الظاهر وصرفه عن ظهوره ، بخلاف الظاهر فإنّه لا يكون قرينة على صرف الأظهر.

فروع

الشكّ في صحّة أجزاء الصلاة

الأوّل : أنّ ما ذكر من حكم الشكّ سواء كان في المحلّ أو بعده هل يجري في الشكّ في صحّة الشي‌ء كما يجري في الشكّ في وجوده ، أم لا؟ بمعنى أنّ الأخبار الدالّة على هذه القاعدة هل تشمل هذه الصورة ، أم لا؟.

قد يقال بعدم شمولها لها واختصاصها بالشكّ في الوجود ، وحينئذ فقد يقال بالرجوع في هذه الصورة إلى أصالة الصحّة التي بنى عليها الفخر في ( الإيضاح ) ، وحاصلها : أنّ كلّ عمل أتى به المسلم بقصد الإتيان به على الوجه الصحيح فظاهر حاله يقتضي أنْ يحمل على الوجه الصحيح.

ومدركه إمّا بناء العقلاء ، أو اختلال النظم لولاه. والمراد بالصحّة مقابل الغلط الواقع في الكلمات إمّا مادة أو صورة ، وحينئذ فإنْ عملنا بهذه القاعدة بناء على عدم شمول الأخبار لما نحن فيه وقلنا بالبناء على الصحّة عند الشكّ فيها قبل التجاوز ، وإلّا فالمرجع مقتضى الأُصول العدميّة من البطلان ، سواء كان الشكّ في المحلّ أو لا.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥١ / ٥٩٦ ، الإستبصار ١ : ٣٥٨ / ١٣٥٨ ، الوسائل ٦ : ٣١٨ ، أبواب الركوع ، ب ١٣ ، ح ٦.

٢١٢

والحقّ أنّه لا بدّ من العمل بهذه الأخبار ، والعمل بمقتضاها من التفصيل بين المحلّ وخارجه لعدم الوجه ؛ لعدم إجرائها هنا ، سوى ما يُتوهّم من اختصاص الشكّ المذكور فيها بقوله عليه‌السلام : « إنّما الشكّ إذا كنت في شي‌ء لم تجُزه » (١) وقوله : « إذا شككت في شي‌ء وقد جاوزته ودخلت في غيره » (٢) بالشك في أصل الوجود لا صفة الشي‌ء ومتعلقه.

وفيه : أوّلاً : أنّه حينئذٍ لا وجه للرجوع إلى الأُصول العدميّة والحكم بالبطلان مطلقاً ؛ لأنّ مدركها أخبار الاستصحاب ، وقد أُخذ فيها الشكّ في الشي‌ء أيضاً بقوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين بالشكّ » (٣) ، وقوله : « من كان على يقين فشكّ .. » (٤) ، فلو قلنا باختصاص الشكّ في الشي‌ء بالشكّ في أصل وجوده لقلنا به في مورد الاستصحاب ، فلا وجه حينئذ لإجراء حكم الاستصحاب مع أنّ الشكّ فيه ليس في أصل الشي‌ء وإنّما هو في صفته وهي الصحّة.

ودعوى الفرق بين الشكّ المأخوذ في أدلّة هذه القاعدة والمأخوذ في أدلّة الاستصحاب لا وجه لها ، كما لا وجه للرجوع إلى أصالة الصحّة التي ذهب إليها الفخر رضي‌الله‌عنه ؛ لأنّ موردها مورد الأُصول العدميّة ؛ لكونها أصلاً ثانويّاً بالنسبة إلى الأصول العدميّة ، كما أنّها أُصول أوّليّة بالنسبة إليها ، وأنّه لولاها لرجع إليها فيتّحدان مورداً. وقد عرفت أنّ مورد الأُصول العدميّة هو مورد قاعدة الشكّ بعد الفراغ ، فيكون مورد أصالة الصحّة كذلك ، فإذا اختصّ مورد تلك القاعدة بالشكّ في أصل الشي‌ء اختصّ مورد أصالة الصحّة به أيضاً.

وثانياً : أنّ ما ذكر من اختصاص مورد الأخبار بالشكّ في أصل الوجود لا وجه له ؛ لأنّ الشكّ في الشي‌ء كما يصدق بالشكّ في أصل وجوده كذلك يصدق بالشكّ في ما يتعلّق به من أجزائه وشرائطه ، مع أنّا لو قلنا بالاختصاص أمكن القول بشمول

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢ ، بتفاوت.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢ ، بتفاوت.

(٣) التهذيب ١ : ٨ / ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ١.

(٤) الخصال ٢ : ٦١٩ ، الوسائل ١ : ٢٤٧ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ٦.

٢١٣

الأخبار لما نحن فيه ؛ لأنّ الشي‌ء المشكوك فيه هو الشي‌ء الصحيح من حيث اتّصافه بالصحّة. ولا ريب أنّ الشكّ في وجود الصحّة يستلزم الشكّ في وجود الصحيح من حيث الصحّة ؛ إذ الشكّ في الصفة شكّ في الموصوف من حيث إنّه موصوف بها ، أو نعتبر المشكوك فيه نفس الصحّة ؛ لأنّها شي‌ء شكّ فيه ، والشكّ فيه تارة يكون في المحلّ وتارة بعده.

لكن ، إنْ جُعل المشكوك فيه نفس الموصوف من حيث اتّصافه بالصفة كان العمل حينئذ على قاعدة ( الفخر ) إنْ اعتبرناها ، وصحّ بناء العقلاء على العمل بها ؛ لأنّ الشكّ حينئذٍ في أنّ الفعل الصحيح هل وجد ، أم لا؟ والشكّ فيه ليس إلّا الشكّ في صفته وهي الصحّة ؛ لأنّ الفرض أنّه في ذاته مع قطع النظر عن هذا الوصف معلوم الوجود. فإذا قلنا باعتبار هذه القاعدة عند الشكّ في صحّة الشي‌ء ، كان مقتضاها البناء على صحّة المشكوك في صحّته ، فيحرز صحّة الفعل الواقع بتلك القاعدة ، فيزول الشكّ في وجود الفعل الصحيح ، فتكون هذه القاعدة حاكمة على تلك الأخبار.

وإنْ جُعل نفس الصفة ، فإنْ قلنا : إنّ الصحّة بنفسها شي‌ء شكّ في وجوده وعدمه اندرجت في تلك الأخبار وجرى عليها حكمها في التفصيل بين المحلّ وخارجه ، ولم يعمل بقاعدة الفخر من الحكم بالصحّة مطلقاً ، فتخصّص الأخبار تلك القاعدة ؛ لأنّ العمل بالقواعد العقلائيّة منوط بعدم وجود دليل شرعي على خلافها ، هذا إنْ جعل محلّ الفراغ من الصفة محلّ الفراغ من الموصوف من عدم تحقّقه إلّا بعد الدخول في غير الموصوف.

وأمّا إنْ قلنا بتحقّقه بمجرّد الفراغ من الموصوف وإنْ لم يدخل في الغير تطابق مقتضى القاعدة مع الأخبار في الحكم بالصحّة ، أمّا القاعدة فظاهر ، وأمّا الأخبار فلأنّ مقتضاها الحكم بالصحّة بعد تجاوز المحلّ ، والفرض أنّ محلّ الشكّ والتجاوز عن محلّ المشكوك واحد ؛ لأنّ الشكّ في صفة شي‌ء إنّما يحصل بعد الفراغ منه ،

٢١٤

وقد فرض استلزام الفراغ منه للخروج عن محلّ الصفة ، فيكون مقتضى كلٍّ من قاعدة الفخر والأخبار الصحّة.

فظهر أنّه لا وجه للحكم بعدم شمول الأخبار لما نحن فيه والحكم بالاختصاص بالشكّ في أصل الشي‌ء مع قطع النظر عن متعلّقاته.

البدل حكمه حكم أصله

الثاني : لا فرق فيما ذكر من حكم الشي‌ء بين الشكّ في أُصول الأفعال ومبدلاتها وبين الشك في إبدالها ، فكما تجري قاعدة الشكّ بعد الفراغ في الشكّ في الركوع بعد الدخول في السجود كذلك تجري في الشكّ في بدله من الإيماء بعد الدخول في الإيماء المبدل عن السجود. وإنّما الإشكال في تحقيق الدخول في بدل الفعل حال الشكّ في الجزء السابق عليه ، كأنْ يشكّ المصلّي من جلوس بعد رفع رأسه من السجود أنّه سجد سجدتين أو واحدة ، فإنْ قلنا بأنّ القيام قبل القراءة له بدل في صلاة الجالس وهو الجلوس بعد رفع الرأس من السجود كان شكّه في السجود شكّاً بعد التجاوز ، كما لو شكّ فيه حال القيام قبل القراءة ، وأمّا إنْ قلنا : لا بدل له ، أو أنّ بدله الجلوس حال القراءة ، وجب الإتيان بالسجود المشكوك فيه ؛ لأنّ الشكّ حينئذ في المحلّ ، إذ الفرض أنّه لم يقرأ.

التجاوز لجزء ليس من الصلاة

الثالث : أنّ الدخول في الغير المعتبر في تحقّق التجاوز هل يشمل ما لو شكّ في فعل بعد الدخول في فعل تبيَّن أنّه لغو ليس من أجزاء الصلاة قد وقع سهواً كأنْ يشكّ في إحدى السجدتين بعد رفع الرأس من سجود الركعة الأخيرة والقيام ساهياً عن كونه في الركعة الأخيرة ، فإنّ القيام وقع لغواً فهل ينزّل منزلة أجزاء الصلاة فيحكم بعدم الالتفات إلى السجود ويؤتى بالتشهّد بعد هدم القيام ، أو ينزّل منزلة العدم للغويّته ، فيكون كما لو لم يقم وشكّ في إحدى السجدتين في وجوب الإتيان

٢١٥

بها لكونه في المحلّ؟ الظاهر الثاني.

كما أنّه لا إشكال في وجوب الإتيان بالسجود المشكوك فيه ؛ لكونه في المحل ، فيما لو شكّ في إحدى السجدتين بعد رفع يده عن القيام الذي ظهر كونه لغواً ؛ لأنّه لا إشكال في أنّ شكّه حينئذ في المحلّ لا في خارجه. ثم إنّ هذه الأخبار هل تشمل الشكّ في الشرط ، أو لا؟.

فنقول : إنّ ما ذكر من الشكّ في الصحّة ليس داخلاً في عنوان الشكّ في الشرائط التي هي قيود للمأمور به في مقابل الأجزاء ؛ لأنّ المراد بالصحّة المبحوث عن الشكّ فيها مقابل الغلط ، ومعنى الشكّ في وقوع الشي‌ء غلطاً أو صحيحاً الشكّ في أصل عنوان الشي‌ء ، وهو ليس شكّاً في قيد المأمور به كالشكّ في الشرط ، وليس معنى الصحّة المقابلة للغلط قيداً للشي‌ء بأنْ يكون متعلّق الأمر هو القدر المشترك بين الصحيح والغلط المقيّد بالصحّة ؛ لعدم القدر المشترك بين الصحّة والغلط الذي يصحّ تعلّق الأمر به مقيّداً بالصحّة ، فإنَّ معنى الغلط في القراءة إبدال بعض حروفها وتغييره أو تغيير هيئتها أو إخراج الحرف من غير مخرجه.

ومن البيِّن أنّ هذا مباين للمأمور به من القراءة ؛ لأنّ ذات المأمور به القراءة المشتملة على الحروف والحركات والسكنات والهيئة المخصوصة ، وهو بخلاف الشروط المأخوذة قيداً في المأمور به ، فإنّ متعلّق الأمر ذات المقيَّد ، وهو القدر المشترك بين واجد القيد وفاقده لكن باعتبار عروض القيد له.

وبالجملة ، فالمهم بيان أن الشكّ في الشرط كالشكّ في الجزء في أنّه إنْ كان في المحلّ وجب إحرازه ، وإنْ كان بعده لم يلتفت إلى الشكّ فيه ، أو أنّ هذا مختصّ بالجزء ، وأنّ المرجع في الشكّ في الشرط للأصل فيجب إحرازه وإنْ تجاوز المحلّ ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأخبار وملاحظة أنّ عمومها يشمل الشك ت فيه ، أو لا؟

فنقول : إنّ منها ما اشتمل على اعتبار الدخول في الغير كالصحيحين (١) ، ومنها

__________________

(١) انظر ص ٢٠٨ هامش ٣ ، ٤.

٢١٦

[ ما ] لم يشتمل عليه ، بل اقتصرت على مجرد التجاوز ، كقوله عليه‌السلام : « إنّما الشكّ إذا كنت في شي‌ء لم تجزه » (١).

أمّا الصحيحان فالظاهر عدم شمولهما للشكّ في الشرط ؛ لعدم تحقّق الدخول في الغير فيه ؛ لأنّه إذا شكّ في تلبُّسه بالساتر حين القراءة وقد دخل في الركوع ، فلو كان للشكّ في الشرط مع الدخول في الغير مورد لكان هذا من موارده ، وحينئذ فإمّا أنْ يفرض الغير الذي تحقّق الدخول فيه مع الشكّ فيما قبله هو الستر المتلبّس حين الركوع ، أو نفس الركوع.

أمّا الستر فلا يصلح لأنْ يكون مصداقاً للغير المعتبر في الصحيحين ؛ لأنّ الستر المعتبر بل كلّ ما اعتبر من الشرائط كالطهارة والاستقبال والاستقرار أمرٌ وجداني ليس قابلاً للتجربة ليغاير بعض أجزائه البعض الآخر ليكون الستر حال الركوع غير الستر حال القراءة ، وليس شرائط الأجزاء كنفس الأجزاء في تعدّدها وبيانها ؛ لأنّها لم تعتبر بالنسبة إلى كلّ جزء استقلالاً ، وإنّما اعتبرت بالنسبة إلى مجموع الصلاة اعتباراً واحداً ، فهي أمرٌ واحد.

وأمّا نفس الركوع فالظاهر أيضاً عدم شمول الغير له ، إذ الظاهر من الغير المعتبر في الفراغ من الشي‌ء الدخول فيه ما كان مقابلاً لذلك الشي‌ء ونظيراً له ، فإنْ كان ذلك الشي‌ء جزءاً كان هذا جزءاً آخر ، وإنْ كان شرطاً كان شرطاً آخر ، ومن المعلوم أنّ الركوع بالنسبة إلى الستر ليس بهذه المثابة.

وأمّا ما اشتمل على مجرّد التجاوز فالظاهر أنّ مقتضاه عدم الفرق بين الأجزاء والشرائط من التفصيل بالنسبة إلى التجاوز وعدمه ، لكن قد يشكل التمسّك بتلك الرواية ؛ لأنّ موردها الوضوء مع أنّ العمل بمقتضاها في الوضوء خلاف بناء الفقهاء ، فإذا شكّ في غسل اليد اليمنى أو بعض [ أجزائها (٢) ] وهو في غسل اليسرى وجب

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢.

(٢) في المخطوط : ( أجزائه ).

٢١٧

العود إلى اليمنى والاعتناء بشكّه مع أنّه خلاف الرواية ، فيكون ذلك تخصيصاً بالمورد وهو غير جائز.

ودفع الإشكال : أوّلاً : بأنّ بناءهم على الاعتناء بالشكّ في الجزء السابق يكشف عن اعتبار الشارع مجموع الوضوء أمراً واحداً ، فالشكّ المتعلّق ببعض أجزائه حال الاشتغال فيه شكّ في المحلّ وإنْ دخل في غير الجزء المشكوك فيه ، فيكون كما لو شكّ في ذكر الركوع وهو فيه.

وثانياً : بأنّ اشتمال الخبر على ما لم يعمل به لا يوجب ترك العمل به رأساً ، ألا ترى أنّ قوله عليه‌السلام في مقام تعليل جواز التيمم بالصعيد ـ : « إنّ ربَّ الماء هو ربّ الصعيد » (١).

يريد به إثبات التسوية بين الماء والتراب في جواز الطهارة بهما ، وأنّ العلّة كون ربّهما واحداً؟ مع أنّه لو عمل بظاهر التعليل كان مقتضاه التيمّم بكلّ شي‌ء ؛ لأنّ ربّ الجميع واحد ، مع أنّه لا ينافي الأخذ بما استفيد منه من التسوية بين الماء والصعيد في جواز التيمّم به. ثم إنّ شمول الرواية للشكّ في الشرط يتصوّر على وجهين :

الأوّل : أنْ يجعل المشكوك فيه المعتبر الفراغ منه نفس الشرط ، فيقال : إنّ متعلّق الشكّ وهو الستر حال القراءة قد خرج محلّه ؛ لوقوع الشكّ فيه حال الركوع المستلزم للشكّ بعد التجاوز ؛ لأنّ الشكّ في الشي‌ء بعد التجاوز ، إمّا باعتبار مقارنته لغيره كما إذا كان وصفاً له ، فإنّ تجاوز محلّ الموصوف يوجب تجاوز محلّ الصفة ؛ لتلازمهما وتقارنهما وجوداً ، وما نحن فيه كذلك ، فإنّه إذا جاوز محلّ القراءة بالدخول في الركوع فقد جاوز محل الستر المعتبر فيها لكونه وصفاً لها وقيداً فيها فيقارنها وجوداً ، فيستلزم تجاوز محلّها تجاوز محلّه.

وإمّا باعتبار الترتيب بينه وبين غيره بوقوع الشكّ فيه بعد الدخول فيما رتّب عليه ، كالشكّ في القراءة بعد الدخول في الركوع.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٢ / ٥٨٧ ، الإستبصار ١ : ١٦٥ / ٥٧٢ ، الوسائل ٣ : ٣٧١ ، أبواب التيمم ، ب ١٤ ، ١٧.

٢١٨

وإمّا باعتبار اتّصاله بغيره بوقوع الشكّ فيه بعد مضيِّ زمان من الإتيان بما قبله على وجه يوجب فوات الاتّصال به لو أتى به حال الشكّ ؛ لوقوع الشكّ حينئذ بعد التجاوز ، سواء كان اعتبار الاتّصال من جهة الفعل ، كما لو شكّ في الإتيان بالساكن بعد مضيّ زمان من الإتيان بالمتحرك على وجه يوجب الإتيان به الابتداء بالساكن الممتنع عقلاً ، فإنّ الشكّ حينئذ يكون بعد التجاوز. أو من جهة الشرع كالشكّ في الجزء الأخير من الوضوء بعد مضيِّ زمان يوجب الإتيان به فوات الترتيب المعتبر شرعاً في أجزاء الوضوء. أو من جهة العادة كمن اعتاد غسل الجانب الأيسر في الغسل بعد غسل الجانب الأيمن من غير فصل ، فإنّه إذا شكّ فيه بعد مضيِّ زمان يوجب الإتيان به فوات ما اعتاده من عدم فصله عمّا قبله كان شكّاً بعد التجاوز.

الثاني : أنْ يجعل نفس المشروط بالشرط المشكوك من حيث اشتراطه به ، فإذا شكّ في الساتر حال القراءة فقد شكّ في الإتيان بالقراءة الجامعة للشرط وهو الساتر وإنْ علم الإتيان بذاتها ، إلّا إنّ المعتبر القراءة المشروطة وهي مشكوك فيها ، والشكّ فيها بهذا الاعتبار وقع بعد التجاوز ، ومقتضى مفهوم الرواية عدم الالتفات إلى الشكّ.

ثم إنّ المراد بالشروط هنا ليس الشروط العقليّة بل الشرعيّة ، كالطهارة والاستقبال والستر ونحوها ، ولا ريب أنّها قيود للمأمور به وأوصاف له ، فيعتبر حينئذ مقارنتها لجميع أجزائه ، وليس المراد نفس مبادئها ، وهو أوّل إيجاد الطهارة بالإتيان بغسلتي الوضوء ومسحتيه وغسلات الغُسل ، وأوّل إيجاد الساتر بلبس الساتر ، وأوّل إيجاد الاستقبال بالتحرّك لمحاذاة القبلة ؛ ليكون الشكّ فيها في أثناء العمل شكّاً بعد التجاوز مطلقاً ، أي بالنسبة إلى الأجزاء السابقة على الشكّ والمتأخّرة عنه.

بل المراد الحالة الحاصلة من تلك المبادئ المستمرّة مع جميع أجزاء العمل ، إذ هي شرط بالنسبة إلى تمام العمل ، فهي معتبرة في جميع أجزائه. فإذا وقع الشكّ فيها في أثناء العمل فهو وإنْ كان بالنسبة إلى الأجزاء السابقة شكّاً بعد التجاوز ، إلّا إنّه بالنسبة إلى المستقبلة شكّ في المحلّ ، فيجب إحراز الشرط المشكوك فيه للأجزاء

٢١٩

المستقبلة ، كما أنّه إذا شك في أثناء ذكر السجود [ في ] أنّ جبهته على ما يصحّ السجود عليه أم لا ، وجب عليه إحراز ذلك بالنسبة إلى ما بقي من الذكر.

وبالجملة ، فمقتضى جريان قاعدة الشكّ بعد الفراغ في الشرط ليس إلّا الإتيان بالشرط المشكوك فيه من حيث ترتُّب صحّة العمل السابق ؛ لأنّه من هذه الجهة يكون الشكّ بالنسبة إليه شكّاً بعد التجاوز لا أنّ مقتضاه تحقّق الشرط واقعاً لتترتَّب عليه الآثار المرتَّبة على ذات الشرط المشكوك ، ويكون الحال كما لو قطع بتحقّق الشرط من جواز الدخول في الأعمال المتأخّرة مع حالة الشكّ ، إذ الشكّ فيه بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة شكّ في المحلّ فلا تجري قاعدة الشكّ بعد الفراغ ، فلا بدّ من إحرازه بالنسبة إليها. فإذا شكّ في الشرط في الأثناء لم تجرِ قاعدة الشكّ بعد الفراغ فيه بالنسبة إلى باقي الأجزاء ، بل لا بدّ من إحرازه بالنسبة إليها.

كما أنّه إذا شكّ في الشرط بعد الفراغ كان مقتضى ذلك في ردّ البناء على صحّة العمل المفروغ منه دون الأعمال المشروطة به المتأخّرة عن زمان الشكّ ، فلا يصحّ الدخول فيها معه ، فإذا شكّ بعد الظهر أنّه كان متطهِّراً أم لا ، كان حكمه البناء على وقوعها مع الطهارة ، لكن لا يصحّ له الدخول في العصر مع الشكّ ، بل لا بدّ من الطهارة لها وللأعمال المتأخّرة عنها.

إلّا إنّ الذي يظهر من كاشف الغطاء رحمه‌الله أنّ مقتضى قاعدة الشكّ بعد الفراغ البناء على تحقّق ذات المشكوك فيه واقعاً ، فيترتّب عليه ما يترتّب على العلم الوجداني بتحقّق الشرط ، حيث ذكر أنّه إذا شكّ في الطهارة بعد الفراغ بنى على صحّة ما فرغ منه ، وأمّا ما لم يشرع فيه من الأعمال المتأخّرة ففي صحّة الدخول فيه وجهان ، أقواهما الصحّة (١).

وما أبعد ما بين هذا وبين ما ذكره صاحب ( المدارك ) وكاشف اللثام في الردّ على ما ذكره العلّامة في ( التذكرة ) (٢) من أنّه إذا شكّ بعد الفراغ من الطواف أنّه كان على

__________________

(١) كشف الغطاء : ٦٤.

(٢) تذكرة الفقهاء ٨ : ١١٣ / المسألة ٤٧٦.

٢٢٠