الرسائل الأحمديّة - ج ٢

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٣

تباين وليست أعمّ ؛ لاشتمالها على النقيصة لما ذكرنا.

وأما النسبة بين : « لا تعاد » ، وبين تلك الروايات ، وبينها وبين هذه الرواية ، فبيانه أنّ النسبة بينها وبين تلك الروايات عموم وخصوص من وجه ؛ لأنّها أعمّ من جهة شمولها للزيادة والنقيصة معاً لما ذكرنا من أنّ المعنى : لا تعاد الصلاة من جهة شي‌ء اعتبر في الصلاة وجوداً أو عدماً إلّا من هذه الخمسة ، فيكون مقتضاه أنّ زيادة ما عدا هذه الخمسة ونقصه لا يقدح في الصلاة ، وأخصّ من جهة استعمالها على خصوص ما عدا هذه الخمسة.

إلّا إنّ حالها بالنسبة إلى تلك الروايات مختلفٌ ، فإنّها حاكمة على الروايات الدالّة على البطلان بمطلق الزيادة أعمّ من العمديّة والسهويّة ؛ لأنّها مفسّرةٌ لها ودالّة على أنّ ما ثبت في أصل الشريعة أنّ زيادته مبطلة للصلاة كما دلّ عليه رواية : « من زاد » (١) ، وغيرها ، ليس ذلك ثابتاً على الإطلاق ، وإنّما هو مختصّ بالزيادة السهويّة إذا كانت من إحدى الخمسة (٢) ، وليست حاكمة على ما دلّ على بطلان الصلاة بالزيادة السهويّة مثل : « إذا استيقن » (٣) .. إلى آخره ؛ لأنّهما واردتان على موضوع واحد وهو الزيادة السهويّة ، وجعل : « لا تعاد » حاكمة عليها ليس أوْلى من العكس. فلا حكومة بينهما. فلا بدّ من ملاحظة حكم التعارض فيهما.

إلّا إنّه لا يجري عليهما حكم تعارض العامّين من وجه من الحكم بالتوقّف والإجمال ؛ لأنّ ذلك فرع صلاحيّة كلٍّ منهما لتخصيص الآخر ، وليس ما نحن فيه كذلك ، بل يتعيّن تخصيص تلك بـ « لا تعاد » وحمل تلك على : « لا تعاد » بكون المراد منها أنّ المبطل زيادة الركوع والسجود لا مطلق الزيادة ، إذ لو خصّص : « لا تعاد » بتلك بحملها على أنّ المراد منها أنّ ما لا تعاد الصلاة منه أنّما هو نقص ما عدا هذه الخمسة لا زيادته ، لكان مقتضى ذلك أنّ نقص ما عدا هذه الخمسة غير موجب

__________________

(١) انظر ص ١٥٩ هامش ١.

(٢) انظر ص ١٥٩ هامش ٧.

(٣) انظر ص ١٥٩ هامش ٤.

١٦١

لبطلان الصلاة وأنّ زيادتها موجبة لذلك ، مع أنّه خرق للإجماع المركّب لقيامه على عدم الفرق بين الزيادة والنقص في الإبطال وعدمه ، بل النقص أوْلى بالإبطال من الزيادة ، وإنّ استلزام الزيادة البطلان ؛ لأنّ مرجعها إلى النقص. فإذا لم يمكن التخصيص في « لا تعاد » تعيّن كون تخصيصها لتلك ، فيكون بمنزلة الأخصّ مطلقاً بالنسبة إليها.

وأمّا النسبة بين « لا تعاد » ، وبين رواية « تسجد » باعتبار اشتمالها على عدم البطلان بالزيادة أيضاً عموم من وجه ؛ لما ذكرنا من أنّ النقص أنّما ذكر في فقرة مستقلّة لا دخل له بملاحظة النسبة بين « لا تعاد » ، وبين تلك الرواية من جهة اشتمالها على الزيادة ، كما أنّ بين « لا تعاد » ، وبين تلك الرواية من جهة اشتمالها على فقرة النقص أيضاً عموم من وجه.

وتوضيحه : أنّ رواية « تسجد (١)

أعمّ باعتبار اشتمالها على مطلق الزيادة من الخمسة أو غيرها ، كما أنّ « لا تعاد » أخصّ باعتبار اشتمالها على الزيادة إذا كانت من الخمسة دون غيرها ، ورواية « تسجد » أخصّ ؛ لاشتمالها على خصوص الزيادة ، كما أنّ « لا تعاد » أعم ؛ لشمولها الزيادة والنقص معاً. هذا حال رواية « تسجد » باعتبار اشتمالها على فقرة الزيادة.

وأمّا من حيث اشتمالها على فقرة النقص فهي أعمّ من « لا تعاد » ؛ لاشتمالها على مطلق النقص سواء كان من الخمسة أو غيرها ، كما أنّ « لا تعاد » ؛ أخصّ لاشتمالها على النقص من خصوص الخمسة ، ورواية « تسجد » أخصّ ؛ لاشتمالها على خصوص النقص ، ورواية « لا تعاد » شاملةٌ للزيادة والنقص.

إلّا إنّه يجب جعل « لا تعاد » مخصّصة لرواية « تسجد » من لجهتين ؛ لعدم صحّة العكس ؛ إذ لو خصّص « لا تعاد » بتلك ؛ فأمّا أنْ تخصّصَ بها بالنظر إلى كلتا الفقرتين فيلزم بقاؤها بلا مورد ، أو تخصَّصَ بها بالنظر إلى فقرة معيَّنة فيلزم الترجيح من غير

__________________

(١) انظر ص ١٦٠ هامش ١.

١٦٢

مرجّح ، أو بالنظر إلى [ إحداهما (١) ] لا بعينها فيلزم الإجمال الموجب للتوقّف والإهمال ، ولا داعي له بعد أمرنا بالعمل بخبر الواحد. وحيث لم يمكن العمل بكليهما ؛ لتعارضهما ، وجب العمل بكليهما وجعله مخصّصاً للآخر.

ولمّا لم يمكن تخصيص « لا تعاد » برواية « تسجد » تعيّن العكس ، فتكون رواية « لا تعاد » بالنسبة إلى رواية « تسجد » بمنزلة الأخصّ مطلقاً في الحكم ، وإنْ كانت أعمّ من وجه.

وبالجملة ، فلا بدّ من العمل برواية « لا تعاد » ؛ لأنّ المعارض لها أمران :

الأوّل : الروايات الدالّة على البطلان بمطلق الزيادة ركناً كانت أو غيره.

والثاني : رواية « تسجد ». وقد عرفت تخصيصها لهما معاً لعدم صحّة العكس.

ويمكن ملاحظة النسبة بطريق آخر ، وهو أن يلاحظ النسبة أوّلاً بين « لا تعاد » وبين « تسجد » وتجعل « لا تعاد » مخصّصة لها ، فيكون مفادُها حينئذ أنّ زيادة غير الخمسة السهويّة غير مبطلة ، ثم تجعل هذه مخصّصة لرواية « إذا استيقن » ونحوها ممّا دلّ على البطلان بمطلق الزيادة السهويّة ، فيكون مفاد رواية « إذا استيقن » ونحوها أنّ المبطل خصوص زيادة أحد الخمسة ، فتطابق مفاد « لا تعاد » فيجب العمل حينئذ على طبقها ، والحكم بأنّ الزيادة السهويّة لا تضرّ إلّا إذا كانت أحَدَ الخمسة.

ويمكن تأييده بالرواية الدالّة على بطلان صلاة المسافر المصلّي تماماً ؛ لاشتمالها على قوله عليه‌السلام : « لأنّه [ قد (٢) ] زاد في فرض الله » (٣) بناءً على أنّ المراد بفرض الله في الرواية خصوص الركوع والسجود ، فيكون معناها أنّ صلاته باطلة لزيادته في الركوع والسجود ، لورود إطلاق فرض الله على خصوصهما ، كما ورد أنّ الفرض في الرباعيّة الأُوليان والفرض في الأُوليين الركوع والسجود. وما ورد من « إنّ أوَّلَ صلاة أحدكم الركوع ، والقراءةُ سنّة » (٤) ، فإنّ المراد من كونها سنّة عدم البطلان بالإخلال بها سهواً.

__________________

(١) في الأصل : ( أحدهما ).

(٢) من المصدر.

(٣) الخصال : ٦٠٤ / ٩ ، الوسائل ٨ : ٥٠٨ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ١٧ ، ح ٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٢ ، الوسائل ٦ : ٣١١ ، أبواب الركوع ، ب ٩ ، ح ٦ ، و ٨ : ٣٨٤ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٤٥ ، ح ٦ ، ولم يرد في الجميع : « والقراءة سنّة ».

١٦٣

ولا ينافي ذلك كون التكبير من الأجزاء الركنية ؛ لأنّ التكبير بمنزلة مفتاح الصلاة ، كما ورد « إنّ افتتاح الصلاة التكبير » (١).

فإن قيل : هذا ينافي مطلبكم ؛ لكون المعنى حينئذ : أنّ المبطل ليس إلّا الزيادة في الركوع والسجود دون غيرهما ، مع أنّ العلّة المنصوصة إنّما تفيد وجود المعلول عند وجودها ، ولا تدلّ على عدمه عند عدمها ، بأن تفيد العلّيّة المنحصرة ، وإنّما تفيد العلّة التامّة لجانب الوجود فقط. فإذا قيل : حرمت الخمر لإسكارها ، فمعناه : كلّما تحقّق الإسكار تحقّقت الحرمة ، ولا تدلّ على أنّه كلما انتفى الإسكار انتفت الحرمة.

قلنا : نعم ، ولكن في خصوص المقام تدلّ على المفهوم والعلّيّة المنحصرة ، أعني : الانتفاء عند الانتفاء ، إذ لو كان غير الركوع موجباً للبطلان من الأجزاء الغير الركنيّة لكان بطلان الصلاة بمجرّد القيام بعد السجود للركعة الثالثة في صلاة القصر ، فيقع الركوع من الركعة الثالثة بعد بطلان الصلاة بالقيام ، لا أنّ البطلان يستند إليه. فجعلُ الركوع هو المبطل للصلاة كاشف عن صحّة الصلاة قبله ، ولا يتمّ ذلك إلّا على تقدير كون الزيادة الركنيّة غير مبطلة ، وهو معنى انحصار الإبطال في الركوع والسجود.

بطلان الصلاة بزيادة الركعة

إذا تمهّد هذا ، فلنرجع إلى بيان المتن ، والكلام يقع في بطلان الصلاة بزيادة الركعة. فأمّا مقتضى القاعدة الأوّليّة فقد يقال : إنّه البطلان ؛ لأنّه زاد ركناً وهو الركوع والسجود ، ولا يندرج ذلك فيمن سها عن التشهّد حتى يثبت له حكمه من صحّة الصلاة لأنّه ذاكر للتشهّد وملتفت إلى وجوب الإتيان به آخر الصلاة ، إلّا إنّه سها عن الإتيان بالركعة الأخيرة فأتى بركعة زائدة سهواً ، فهو داخل فيمن زاد ركناً.

وفيه : أنّه لا إشكال في اندراجه في ناسي التشهّد ، ولهذا لم يتوقّف أحد في أنّ من

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٠ / ٧٧٥ ، الوسائل ٦ : ١٠ ، أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ، ب ١ ، ح ٧ ، و ٨ : ٣٠٤ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٦ ، ح ٧ ، وفي جميعها : « مفتاح » بدل : « افتتاح ».

١٦٤

قام بعد الركعة الثانية ولم يأتِ بالتشهّد الأوّل لاعتقاد أنّ ما أتى به ركعة واحدة داخل في موضوع ناسية ، ولذا يجب عليه قضاؤه لو لم يذكر حتى تجاوز المحلّ ، وكونُهُ ذاكراً للتشهّد لا ينافي سهوه عنه باعتبار غفلته عن الإتيان به في محلّه.

فالحقّ أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة الصحّة ؛ لحكم العقل بعد ملاحظة أدلّة عدم البطلان بنسيان غير الركن ، بتمام صلاته بمجرّد إتيانه بالخامسة ؛ لأنّه لم يتحقّق منه إلّا نسيان التشهّد والتسليم وهو غير مبطل ؛ لدلالة الأدلّة الفاصلة بين الأركان وغيرها في البطلان ، على أنّ صلاة الناسي التي يحصل بها الامتثال واقعاً ، ليست إلّا الأركان ، وما عداها أجزاء ذكريّة ، فيقع الركوع حينئذ خارج الصلاة لا في أثنائها.

وما يقال من أنّه لو كان كذلك لتحقّق الخروج عن الصلاة حينئذ بمجرّد القيام مع أنّه لا إشكال في أنّه لو ذكر قبل ركوع الخامسة وجب الإتيان بالتشهّد والتسليم بعنوان التدارك مدفوع بأنّ وجوب التدارك قبل الركوع لعدم صدق نسيان التشهّد إلّا بعد الركوع ؛ لأنّه إنّما يتحقّق إذا لم يؤتَ به حتى يتجاوز محلّه ، وتجاوز المحلّ العرفي وإنْ حصل بمجرّد القيام ، إلّا إنّه بعد حكم الشارع بوجوب التدارك قبل الركوع علم بقاء المحلّ الشرعيّ إلى تحقّق الركوع.

وقد عرفت انفكاك المحلّ الشرعي عن العرفي في كثير من الموارد ، واستمرار المحلّ الشرعي إلى تحقّق الركوع لا يستلزم وقوعه في أثناء الصلاة لتبطل بزيادته ؛ لعدم المنافاة بين بقاء محلّ التشهّد إلى تحقّق الركوع ووقوعه خارج الصلاة ، بأن يتحقّق الخروج منها بنفس الركوع فيقع خارجها. نظير ما ذكره أبو حنيفة من تحقّق الخروج من الصلاة إمّا بالسلام أو الحدث (١) ، فإنّه لا ريب حينئذ في اتّصال الحدث بآخر جزء من الصلاة ، ومعه لم يقع في أثنائها.

وأمّا مقتضى القاعدة الثانويّة فالبطلان ؛ لما ورد « إنّ من صلّى الظهر خمساً فصلاته

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٦٢ ، المغني ١ : ٥٥٠.

١٦٥

باطلة » ، و « لا تعاد الصلاة من سجدة وتعاد من ركعة » (١) ؛ بناءً على أنّ المراد بالركعة الركوع بقرينة مقابلته بالسجدة ، وقوله عليه‌السلام « إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعةً لم يعتدَّ بها واستقبل صلاته استقبالاً » (٢).

والتقريب : أنّا وإنْ ذكرنا حكم العقل بملاحظة ما دلّ على عدم البطلان بنسيان غير الركن بالخروج من الصلاة بمجرّد الركوع ، إلّا إنّ هذه الرواية دلّت على جعل الشارع هذه الزيادة واقعة في أثناء الصلاة ؛ لأنّ المفروض أن لا مورد لها سوى ما نحن فيه ؛ وهو الإتيان بركعة زائدة على عدد ركعات الصلاة ، إذ لا يمكن تحقّق هذه الزيادة في أثنائها ، وحينئذ فيمكن التمسّك بما دلّ على البطلان بالزيادة. ويدلّ عليه أيضاً مضافاً إلى الروايات الشهرة المحقّقة والإجماع محصّلاً ومنقولاً في بعض الصور ، وهو ما لو قام ولم يجلس بقدر التشهّد.

ونُقل الخلاف في المسألة عن جماعة منهم العلّامة رحمه‌الله في جملة من كتبه (٣) ، والشهيد الأوّل في ( الألفية ) ، وابن الجُنيد (٤) والشيخ في ( التهذيب ) (٥) ، والمحقّق في ( المعتبر ) (٦) ، فذهبوا إلى أنّه إنْ جلس بعد الركعة الأخيرة بقدر التشهّد فصلاته صحيحة ، وإلّا فباطلة.

واستدلّوا بصحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه سئل عن رجل صلّى خمساً ، فقال : « إنْ كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته » (٧) ، وخبر محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل استيقن بعد ما صلّى الظهر أنّه صلّى خمساً ، قال : « وكيف استيقن؟ » قلت : علم ، قال : « إنْ كان علم أنّه [ كان (٨) ] جلس في الرابعة فصلّى الظهر تامّة ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١٠ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ ، أبواب الركوع ب ١٤ ، ح ٢ ، ٣ ، باختلاف في اللفظ.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٣ ، ولم يرد فيهما : « ركعة » ، الوسائل ٨ : ٢٣١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٩ ، ح ١ و ٦ : ٣١٩ ، أبواب الركوع ، ب ١٤ ، ح ١ ، البحار ٨٥ : ٢٠٠ / ٢٧.

(٣) منها : المختلف ٢ : ٣٩٢. (٤) عنه في المختلف ٢ : ٣٩٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ذيل الحديث : ٧٦٦. (٦) المعتبر ٢ : ٣٨١.

(٧) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٩ ، ح ٤.

(٨) من المصدر.

١٦٦

فليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين ، فيكونان ركعتين نافلةً ولا شي‌ء عليه » (١) ، وخبر جميل ابن درّاج عن الصادق عليه‌السلام في رجل صلّى خمساً : « إنّه إنْ كان جلس [ في الرابعة (٢) ] بقدر التشهّد فعبادته جائزة » (٣) ، وعنه عليه‌السلام أنّه سُئل عن رجل صلّى الظهر خمساً ، قال : « إنْ كان لا يدري جلس عَقيب الرابعة أمْ لم يجلس ، فليجعل أربعَ ركعات منها الظهر ، ويجلس ويتشهّد ، ثمّ يصلّي وهو جالس ركعتين وأربع سجدات ، ويضيفها إلى الخامسة فتكون نافلة »(٤).

لكن ينبغي أن يعلم أنّ المرادَ بالجلوس بقدر التشهّد ليس كالمراد برواية سبق الإمام المأموم ، فإنّ فيها : أنّه أي المأموم يلبث بمقدار ما يتشهّد ؛ للفرق الظاهر بين الجلوس بقدر التشهّد والجلوس بمقدار ما يتشهّد أو بمقدار أن يتشهّد ، فإنّ الأوّل تحديد بزمان الفعل من دون ملاحظة تحقّق نفس الفعل ، والثاني تحديد بنفسه ، فجعْلُ كلٍّ منهما نظير الآخر لا وجه له.

وهو نظير ما يقال : يدخل وقت العصر بأن يمضي من الزوال مقدار صلاة الظهر ، أو يقال : مقدار ما يصلّي الظهر. فإنّ الأوّل تحديد بالزمان فيكون دخول وقت صلاة العصر بالنسبة إلى كلّ مكلّف سواء ، وهو بعد أن يمضي من أوّل الزوال زمانٌ بقدر زمان فعل صلاة أربع ركعات متعارفة ، والثاني تحديد بالفعل ، فيكون أوّل زمان صلاة العصر مختلفاً باختلاف المكلّفين في الإتيان بالظهر صحيحة ، فمن دخل فيها قبل الزوال على وجه يعذر فيه ووقع آخرها بعد الزوال ، فإنّه يدخل وقت عصره بمجرّد الفراغ منها.

ثم إنّ الجلوس بقدر التشهّد في الرواية المعلّق عليه صحّة الصلاة يحتمل وجوهاً ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٥ ، الوسائل ٨ : ٢٣٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٩ ، ح ٥.

(٢) من المصدر.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٩ / ١٠١٦ ، وفيه : « مقدار » بدل « بقدر » ، الوسائل ٨ : ٢٣٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٩ ، ح ٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٩ / ١٠١٧ ، وفيه : « فيضيفهما » بدل « ويضيفها » ، الوسائل ٨ : ٢٣٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٩ ، ح ٧ ، وفيهما : « في الرابعة » بدل « عقيب الرابعة ».

١٦٧

أقربها في الظاهر أن يكون المراد به مجرّد الجلوس الخالي من التشهّد والتسليم ، ودونه أن يراد به المشتمل على التشهّد فقط ، ودونه المشتمل عليهما. هذا بالنظر إلى الرواية المشتملة على ذلك.

وأمّا بالنظر إلى مجموع الروايات بعد ضمّ بعضها إلى بعض ، فالظاهر أنّ المراد بالجلوس الوجه الأخير ؛ لأن قوله عليه‌السلام : « إن كان لا يدري جلس أم لا ، يجلس ويتشهّد » لإيراد به أنّه إن كان لا يدري أنّه صدر منه مجرّد الجلوس يجب عليه الجلوس والتشهّد بأن يكون الإتيان بالتشهّد كفّارة لمحض الشك بالإتيان بنفس الجلوس ، بل المراد أنّه إن كان لا يدري تشهد أم لا ، يجب عليه الإتيان بالتشهّد. فيكون الجلوس في الرواية مستعملاً في الجلوس مع التشهّد ، وهي وإنْ كان ظاهرها السكوت عن التسليم مع أنّ المفروض نسيان التسليم أيضاً ، إلّا أنّه بملاحظة ما دلّ على وجوب التسليم يعلم أنّ المراد بقوله : « وتشهّد » أنّه يتشهّد ويسلّم ؛ لإطلاق التشهّد على ما يشملهما ، فيحمل عليه عند قيام القرينة. فإذا حمل التشهّد عليه وعلى التسليم بقرينة ما دلّ على وجوبه ، كان ذلك قرينة على أنّ المراد بالجلوس في قوله : « إنْ كان لا يدري جلس أمْ لا » الجلوس مع التشهّد والتسليم ، فيكون قرينة على أنّ المراد به في جميع الروايات ذلك ؛ لاتّحادها في المساق وورودها لبيان مطلب واحد ، فيكون المراد من بعضها قرينة على المراد من البعض الآخر.

وممّا يدل على أنّه ليس المراد مجرّد الجلوس قوله عليه‌السلام : « إن كان علم أنّه جلس في الرابعة .. لا شي‌ء عليه » ، مع أنّه لا ريب في وجوب قضاء التشهّد عند نسيانه ، فقوله : « لا شي‌ء عليه » ، قرينة على أنّ المراد بقوله : « إن كان علم أنّه جلس » ، أي : جلس وتشهّد ، مع ندرة وقوع الجلوس بقدر التشهّد في محلّه من دون الإتيان به ، وغلبة اقتران التشهّد مع الجلوس بقدره ، وإنّ خلاف ذلك في غاية الندرة.

ولا ريب في صرفِ الغلبةِ اللفظَ عن ظاهره وكونها قرينة على إرادة الغالب ، فإنّ القرينة في : رأيت أسداً في الحمّام. على إرادة الشجاع ، ليس إلّا غلبة عدم وجود

١٦٨

الحيوان المفترس في الحمّام ، والله العالم.

الشك في الأركان

قوله : ( وقيل لو شك في الركوع فركع ثم ذكر أنه كان ركع أرسل نفسه ) .. إلى آخره.

أقول : في المسألة قول بالبطلان وهو المشهور ، وقول بالصحّة وإرسال نفسه للسجود ، وهو للشيخ (١) والسيّد (٢) ، ومحكي عن الحلّي (٣). ومدركه :

إمّا البناء على أنّه مع الإرسال وعدم رفع الرأس لا يتحقّق مسمّى الركوع ؛ بناءً على اعتباره في مسمّاه كما يظهر في المحكيّ عن الذكرى (٤) ، حيث علّل قوّة القول بالصحّة ، والإرسال بأنّه وإنْ كان بصورة الركوع إلّا إنّه حقيقةً ليس بركوع لتبيُّن خلافه. والهُويّ إلى السجود مشتمل عليه ، وهو واجب ، فيتأدّى الهويّ إلى السجود به فلا تتحقّق الزيادة حينئذ ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع ، فإنّ الزيادة حينئذ متحقّقة لافتقاره إلى هويّ السجود.

وإمّا البناء على أنّ الركوع ليس ركناً ، مع تسليم أنّ هذا النوع من الانحناء ركوع.

وإمّا البناء على أنّ معنى الركن ليس ما يبطل زيادته عمداً وسهواً ، بل ما يبطل نقصه كذلك ، مع تسليم أنّ هذا ركوع وركن.

وإمّا البناء على أنّ هذا ليس من قبيل زيادة الركوع المبطل ، مع تسليم أنّه ركوع وركن ، وأنّ الركن تبطل زيادته عمداً وسهواً.

والحقّ أنّه لا يصلح الأوّل مدركاً ؛ لصدق الركوع على هذا النحو من الانحناء ، وليس رفع الرأس جزءاً من مسمّاه ؛ لأنّهم يُجرون عليه حكم الركوع ، فإنّ من أتى في الصلاة بهذا المقدار من الانحناء ، ونسي رفع الرأس والذكر والطمأنينة ، لا إشكال عندهم في صحّة صلاته ، ولا يصدق عليه أنّه نسي الركوع.

ومثله في عدم الصلاحيّة الثاني ؛ إذ لا إشكال في أنّ مقتضى الأدلّة ركنيّة الركوع.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٢.

(٢) رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : ٣٦.

(٣) عنه في المدارك ٤ : ٢٢٣ ، السرائر ١ : ٢٥١.

(٤) عنه في المدارك ٤ : ٢٢٣ ، الذكرى : ٢٢٢.

١٦٩

ولئن سلّم إمكان نسبة ذلك إلى بعض القائلين بالصحّة ، فلا يصحّ نسبته إلى كلّهم.

ومثلهما أيضاً الثالث ؛ لأنّ ذلك وإنْ كان خلافيّاً إلّا إنّه لا يمكن نسبته إلى جميع القائلين بالصحّة. فلا بدّ من وجه آخر.

وبيانه : أنّ الزيادة المبطلة هي التي يتحقّق بها تغيير هيئة الصلاة ، وهذا النحو من الركوع ليس كذلك ؛ لأنّ صورته كصورة الهُويّ إلى السجود ، وهو الذي وجّه به الصحّة في ( المدارك ) (١).

وما يقال من أنّه إذا اطمأنّ في الركوع قبل الإرسال فقد غيّر هيئة الصلاة ؛ لخروجه بذلك عن صورة الهويّ إلى السجود ، ويتحقّق التغيير زيادة على ذلك لو أتى بذكر الركوع أيضاً.

فيه : أنّ محلّ الكلام لا يختصّ بتلك الصورة ، بل يشمل ما لو لم يتحقّق منه إلّا مسمّى الركوع من دون طمأنينة فذكر فأرسل نفسه ، فلا وجه حينئذ للقول بالبطلان في هذه الصورة ؛ إذ لا يتحقّق بها تغيير الهيئة ، مع أنّا نقول : لا يتحقّق التغيير وإنْ اطمأن وأتى بالذكر. ولذا لا إشكال في أنّه يصحّ لمن هوى إلى السجود أن يطمئن إذا بلغ حدّ الراكع ، ويأتي بذكر الركوع بقصد مطلق الذكر لا بقصد الخصوصيّة ، فلو كان ذلك مغيّراً لهيئة الصلاة لما صحّ.

فإنْ قيل : إذا سلّمتم صدق الركوع على هذا النحو من الانحناء وإنْ لم ينضمّ إلى طمأنينة وذكر ورفع الرأس ، فلا بدّ من التزام خروج رفع الرأس عن مسمّى الركوع ، وحينئذ فينبغي الحكم بصحّة الصلاة حتى لو رفع رأسه من هذا الانحناء ؛ إذ المفروض أنّ مجرّد تحقّق هذا الانحناء سهواً لا يبطل الصلاة ، ورفع الرأس خارجٌ عن مسمّاه ، وهو أيضاً إذا كان سهواً لا يبطل.

قلنا : الحكم بالبطلان في صورة الرفع ؛ لأنّه به يكون الركوع مغيّراً للهيئة ، ولا امتناع في كون الانحناء بمجرّده لا يغيّر الهيئة ، لكنّه يغيّرها إذا تعقّبه رفع الرأس فيكون

__________________

(١) مدارك الأحكام ٤ : ٢٢٤.

١٧٠

مبطلاً لتغييره الهيئة بواسطة الرفع ، والذي قلنا : إنّ هذا الانحناء في نفسه ليس مغيّراً للهيئة وإن صدق عليه اسم الركوع ، فلا يبطلها ، وأيضاً ليس مشمولاً لما دلّ على البطلان بزيادة الركوع ، مثل : « لا تعاد » وقوله عليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة من سجدة وتعاد من ركعة » (١) ، بناءً على أنّ المراد بها الركوع ؛ لعدم صدق زيادة الركوع على هذا الانحناء ؛ لأنّ معنى زيادته الإتيان بركوع زائد على أجزاء الصلاة الخارجيّة ، والمفروض أنّ هذا الانحناء بالنظر إلى الخارج ليس إلّا عبارة عن الهُويِّ إلى السجود ، وليس زائداً على أفعال الصلاة الخارجيّة.

والمتحقّق زيادته ليس إلّا القصد ، وهو ليس من الأجزاء الخارجيّة ليصدق عليه الزيادة في الصلاة ، وإلّا فيلزم أنّه لو نوى بالجلوس بعد السجدتين الجلوس بينهما ساهياً عن الإتيان بالسجدة الثانية أنّه زاد في صلاته ، فيكون عليه سجود السهو ، ويلزم أيضاً أنّه لو جاء بذكر الركوع في السجود أو العكس سهواً أنّه زاد ونقص فيجري عليه حكم الزيادة والنقص ، مع أنّ ذلك ما لا يلتزم به فقيه.

فإن قيل : إذا لم يندرج ذلك في الزيادة المبطلة ، لا لتغيير الهيئة ولا دخوله في أدلّة بطلان الصلاة بالزيادة ، فينبغي الحكم بعدم البطلان به حتى لو وقع عمداً.

قلنا : دلّ دليل آخر على بطلان الصلاة به إذا وقع عمداً ، وهو ما دلّ على بطلان العبادة بالتشريع فيها ، أي : بإدخال ما ليس جزأها فيها بقصد الجزئيّة ، هذا غاية ما يمكن به توجيه الصحّة.

والحق البطلان ؛ لصدق الركوع على هذا الانحناء ، لوقوعه بقصد الركوع ، والقصد مغيّر للعنوان. والمائز بينه وبين الهُويِّ إلى السجود القصد ، فيندرج في أدلّة البطلان بزيادة الركوع ، وهو وإنْ لم يوجب زيادة حركة خارجة عن حركات الصلاة ، ولم يكن مغيّراً لهيئتها وصورتها الخارجيّة إلّا أنّه مغيّر لكيفيّتها وحقيقتها الواقعيّة ؛ إذ لا ريب في أنّ المستفاد ممّا دلّ على بطلان الصلاة بالإخلال بركن من أركانها ، مثللا تعاد

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١٠ ، ٦١١ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ ، أبواب الركوع ، ب ١٤ ، ح ٢ / ٣ ، باختلاف في اللفظ.

١٧١

ونحوها ، أنّ الشارع اعتبر هذه الأركان في الصلاة بشرط لا ، أي : بشرط عدم زيادة ما هو من جنسها عليها ، وأنّ الشارع اعتبر ذلك في حقيقة الصلاة مطلقاً ، أي : جعل الإخلال به مبطلاً للصلاة ومغيّراً لحقيقتها ، سواء وقع عمداً أو سهواً.

ولا ريب في أنّ من انحنى بقصد الركوع لنسيان أنّه ركع يصدق عليه أنّه زاد ركوعاً في صلاته وإنْ أرسل نفسه ولم يطمئن ولم يذكر ؛ لتحقّق مسمّى الركوع المعتبر في حقيقة الصلاة ؛ لأنّ من أتى بهذا المقدار من الانحناء في الصلاة ونسي الطمأنينة والذكر ورفع الرأس صحّت صلاته إذا لم ينسَ ركناً من أركانها. فإذا قال الشارع : زيادة الركوع تبطل الصلاة ، شمل ذلك هذه الصورة.

وتوضيح معنى الزيادة في الصلاة أنْ نقول : هي عبارة عن الإتيان بما كان جزءاً من الصلاة بحسب النوع في غير محلّه ، سواء حصل بذلك تغيير لهيئة الصلاة وصورتها أم لا. واعتبرنا الجزئيّة بحسب النوع ؛ ليندرج في الزيادة السجود في الصلاة لقراءة العزيمة ، فإنّ سجود العزيمة ليس جزءاً ، وإنّما الجزء نوع السجود ، مع أنّ سجود العزيمة يصدق عليه أنّه زيادة في الصلاة ، بدليل ما ورد من أنّه : « لا تصحّ قراءةُ العزائم في الصَّلاة » (١) ؛ لأنّ السجود زيادة في المكتوبة. وليندرج الدخول في أثناء الصلاة في صلاة أُخرى ، فإنّ ما يأتي به بقصد الثانية من التكبير والقراءة وغيرهما وإنْ لم يكن بعينه جزءاً من الأُولى إلّا إنّ نوعه جزء منها ، فظهر أنّ مطلق مغيّر الهيئة وإنْ لم يكن جزءاً ليس زيادة ، كبعض الحركات الوضعية ممّا ليس داخلاً في أجزاء الصلاة ، كالانحناء والتحدّب والاتكاء ونحوها ، فلا يكون شي‌ء منها مبطلاً للصلاة ما لم يكن فعلاً كثيراً ، فيبطل من تلك الجهة لا من جهة الزيادة.

نعم ، لو كان ما ليس جزءاً مقدّمة لجزء ، كالنهوض للقراءة والهوي للسجود إذا وقع مثله سهواً في غير محلّه ، فالظاهر صدق الزيادة عليه عرفاً ؛ لأنّ أهل العرف يعاملون ذلك معاملة الأجزاء في البناء على أنّها زيادة في الصلاة إذا اطلعوا على وقوعها

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٦ / ٣٦١ ، الوسائل ٦ : ١٠٥ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٤٠ ، ح ١.

١٧٢

بقصد المقدّميّة ، لا الحركات الخارجة عن أفعال الصلاة. والشخص مطّلع على قصده ، فيرتّب على نفسه ما يرتّبه أهل العرف من الحكم بالزيادة ، فإنْ وقعت عمداً بطلت الصلاة ، وإنْ وقعت سهواً أوجبت سجود السهو ؛ بناءً على أنّه لكل زيادة ونقيصة ، والله العالم.

النقص في الركعات

قوله رضى الله عنه : ( ولو نقص ركعة ) .. إلى آخره.

أقول : الكلام في المسألة يقع تارة بمقتضى القواعد العامّة ، وتارة بمقتضى الأدلّة الواردة في المقام.

أمّا من الجهة الأُولى فيتوقّف على تحقيق أنّ المسألة من قبيل زيادة السلام أو من قبيل نقص الركعة ، فقد يقال بأنّها من قبيل الأوّل ، بناء على أنّه إذا سلّم قبل الأخيرة فقد أوقع السلام في غير محلّه ، فيكون زيادة في الصلاة على ما سبق في معنى الزيادة ، فيجب الحكم بصحّة الصلاة والإتيان بالركعة الناقصة ؛ إذ لا يلزم من ذلك سوى زيادة السلام ، وهي زيادة غير ركنيّة وقعت سهواً فلا تبطل.

إلّا إنّ الذي يقتضيه التحقيق أنّ الشارع لم يجعل للسلام محلّاً مخصوصاً ، وكذا سائر أجزاء الصلاة ؛ لأنَّ مفاد ما دلَّ على جزئيّة الأجزاء أنّ الشارع أمر بالإتيان بها على نحو الترتيب ، لا على كون الترتيب داخلاً في مفهومها ، بأن يكون قد اشترط في كلّ جزء مسبوقيَّته بسابقه وسابقيته للاحقه ، وإلّا لزم أنَّه إذا أخلَّ بجزء منها يخلّ بجميع الأجزاء السابقة واللاحقة لفوات شرطها ، وهو كما ترى. بل بمعنى أنّ الترتيب أمر انتزاعي لازم للإتيان بالصلاة من جهة تركيبها من أجزاء تدريجيّة الحصول ، والأمر بالمركّب يقتضي الإتيان بأجزائه على حسب ما يتحقّق به ذلك المركّب.

وبالجملة ، ليس لأجزاء الصلاة أمكنةٌ معيّنة ، على أنْ يكون كلّ جزء منها مختصّاً بمكان ، بحيث يكون ترك بعضها موجباً لوقوع الباقي في محلّ الآخر ، فليس الأمر بها إلّا بمنزلة أنْ يقول له في مقام التعليم : كبّر ، فإذا كبّر قال : اقرأ ، فإذا قرأ قال : اركع ،

١٧٣

وهكذا ، وهو لا يدلّ على أنّ لهذه الأجزاء أمكنة مخصوصة ، بأنْ يكون مكان التكبير أمام مكان القراءة وهكذا ؛ ليوجب عدمُ الإتيان بالتكبير وقوعَ القراءة في غير محلّها وفي محلّ التكبير ، بل القراءة وقعت في محلّها ، غايته عدم إتيان المصلّي بالتكبير ، لا أنّه أتى بالقراءة في محلّ التكبير. فظهر أنّ المسألة من قبيل نقص الركعة لا زيادة السلام.

بقي الكلام في حكمها ، فنقول : الظاهر من مجموع ما دلّ على الحكم بصحّة الصلاة مهما أمكن ، وما دلّ على وجوب الجزء المنسيّ ، وما دلّ على وجوب الترتيب في أجزاء الصلاة ، وما دلّ على اغتفار الزيادة الغير الركنيّة إذا وقعت سهواً ، هو الحكم بصحّة الصلاة والإتيان بالركعة المنسيّة بعد السلام ، ثم الإتيان بالسلام ثانياً. إلّا إنّ الذي يقتضيه النظر إلى : « لا تعاد » ، هو الحكم بالبطلان بناء على ما سبق ، من أنّ المقدّر فيها الإخلال ، وأنّه يتحقّق بمجرّد التعدّي عن المحلّ.

وقد عرفت الكلام على صاحب ( المدارك ) (١) في مسألة نسيان الركوع حتى سجد سجدة واحدة ، فإنّ التسليم قبل الركعة الأخيرة موجب للإخلال بها والتعدّي عن محلّها ، ومقتضى ذلك هو الحكم بالبطلان.

واعلم أنّه يمكن حمل « لا تعاد » على معنى آخر غير ما ذكرناه سابقاً ، بل هو الذي يقتضيه دقيق النظر ، وهو كونها حاكمة على أدلّة العمد وواردة في مقام بيان أنّ ما ثبت كون عمده مبطلاً للصلاة فهو غير مبطل لها إنْ كان من غير الخمسة ، ومبطل لها إنْ كان منها.

ولا ريب أنّ المبطل للصلاة في صورة الإتيان بالسورة مع عدم الإتيان بالفاتحة قبلها عمداً ، ليس هو ترك الفاتحة ؛ لإمكان الإتيان بها بعد السورة ، وإنّما هو امتناع تداركها بعد السورة على وجه صحيح ؛ لأنّه إنْ أتى بها ولم يأتِ بالسورة بعدها ، فقد أخلّ بالترتيب عمداً ، وإنْ أتى بالسورة بعدها فقد زاد عمداً ، وكلاهما مبطلٌ.

__________________

(١) انظر ص ١٥٤ هامش ١.

١٧٤

فالبطلان لامتناع تدارك الفاتحة على وجه صحيح ؛ لاستلزام الإتيان بها عروض المبطل ، وكذا المبطل للصلاة فيما لو ترك الركوع عمداً حتى سجد السجدتين ليس مجرّد ترك الركوع لإمكان الإتيان به بعد السجدتين ، بل امتناع تداركه على وجه صحيح ؛ لأنّه إن أتى به ولم يأتِ بالسجدتين بعده فقد أخلّ بالترتيب عمداً ، وإنْ أتى بهما بعده زاد ركناً عمداً.

وبالجملة ، فالمبطل في الخلل العمدي أنّما هو امتناع التدارك ، فدلّت رواية « لا تعاد » على أنّ الخلل العمدي الممتنع تداركه إنْ وقع سهواً ؛ فإنْ كان من غير الخمس لم يبطل ، وإنْ كان منها أبطل. فموضوعها الخلل الممتنع تداركه في صورة السهو ، وهو يحصل إمّا بالخروج عن الصلاة ، أو باستلزام التدارك زيادةَ ركن أو نقصه. فحينئذ مَنْ نسي الركوع حتى سجد سجدة واحدة كان مقتضى : « لا تعاد » الصحة ، ووجوب تدارك الركوع ثم الإتيان بالسجدتين لعدم امتناع التدارك ؛ إذ لا يلزم منه سوى زيادة سجدة واحدة سهواً وهي غير مبطلة.

فعلى هذا إنْ كان حكم المشهور بالبطلان في هذه الصورة من جهة القاعدة فالحق مع صاحب ( المدارك ) (١) ، وإنْ كان لدليل في خصوص المسألة فهو. ومع ذلك فالظاهر أنّ مقتضى القاعدة البطلان فيما نحن فيه ؛ لأنّ المصلّي إذا سلّم بعد رفع الرأس من السجدتين فقد خرج من الصلاة عرفاً وإنْ نقص منها ركعةً أو ركعتين ، فإنّ الخروج من الصلاة أمر عرفي. والظاهر أنّ أهل العرف يرون الصلاة فصولاً ، وأنّ فصولها الركعات ، فما اشتمل على ركعة واحدة فصل من الصلاة ، وكذا ما اشتمل على ركعتين أو ثلاث ، فمن سلّم بعد ركعة واحدة يصدق عرفاً أنّه صلّى ركعة ، ومن سلّم بعد ركعتين يصدق أنّه صلّى ركعتين ، وهكذا.

وحينئذ ، فلا مجرى فيما نحن فيه لما ذكرنا ، من أنّه يجب الحكم بصحّة الصلاة مهما أمكن ، ووجوب الإتيان بالجزء المنسيّ ثم بما بعده ؛ لأدلّة الترتيب واغتفار

__________________

(١) مدارك الأحكام ٤ : ٢١٨.

١٧٥

الزيادة السهويّة إذا لم تكن ركنيّة ؛ لأنّ ذلك كلّه إنّما يجري حيث يكون المكلّف في أثناء الصلاة ، فإذا خرج منها عرفاً لم يكن مجرًى لتلك ، وإنّ مقتضى « لا تعاد » هو البطلان ؛ لأنّ الخلل جاء من نقصان الركعة المشتملة على ما هو من الخمسة على وجه يمتنع تداركه للخروج من الصلاة.

وممّا يتفرّع على الخروج من الصلاة بالسلام أنّه لو نسي الركوع والسجدتين ، أو السجدتين فقط حتى سلّم ، بطلت صلاته ؛ لأنّه على الأوّل نقص ركنين وعلى الثاني ركناً ، والصلاة تبطل بنقص الركن ، بخلاف ما لو قلنا بعدم خروجه بالسلام من الصلاة ، كما هو مقتضى القول بأنّ السلام وقع في غير محلّه ، ومقتضى التفصيل بالنسبة إلى المنافيات ، فإنّه يجب عليه حينئذ تدارك المنسيّ بعد السلام إذا لم يأتِ بالمنافي ، ثم الإتيان بالسلام ثانياً للترتيب ، إذ لا يلزم من ذلك سوى زيادة التسليم سهواً ، وإنّه لو نسي إحدى السجدتين أو التشهّد حتى سلّم وجب عليه الإتيان بذلك بعد التسليم ، قضاءً لخروجه عن الصلاة بالتسليم ، بخلاف ما لو قيل بعدم الخروج ، فإنّه يجب عليه الإتيان بالمنسيّ بعنوان الأداء لعدم تجاوز المحلّ ، ثمّ الإتيان بالتسليم ثانياً للترتيب. وإنّه لو أحدث بعد التسليم في هذه الصورة ، فعلى القول بأنّ السلام غير مخرج وأنّه وقع في غير محلّه بطلت صلاته قطعاً ؛ لوقوع الحدث في أثنائها. وعلى ما ذكرنا يبتني على أنّ وقوع الحدث بين الصلاة والأجزاء المنسيّة الواجبة القضاء مبطلٌ ، كالواقع في الأثناء أوّلاً.

وأمّا الكلام بحسب الأخبار الخاصّة ، فيتوقّف على ذكر نبذة منها :

فمنها صحيح الحارث النَّصْرِي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا صلّينا المغرب فسها الإمام فسلّم في الركعتين فأعدنا الصلاة ، قال (١) : « ولم أعدتم؟ أليس قد انصرف رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ركعتين ، فأتمَّ بركعتين؟ ألا أتممتم؟ » (٢).

__________________

(١) في المصدر : « فقال » بدل « قال ».

(٢) التهذيب ٢ : ١٨٠ / ٧٢٥ ، الإستبصار ١ : ٣٧٠ / ١٤١٠ ، الوسائل ٨ : ١٩٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣ ، ح ٢.

١٧٦

وصحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلّم ، قال : « يُتمّ ما بقي من صلاته ، تكلّم أو لم يتكلّم ، ولا شي‌ء عليه » (١).

وصحيح الأعرج قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « صلّى رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمَّ سلّم في ركعتين ، فسأله مَنْ خلفه : يا رسول الله! أحدث في الصلاة شي‌ء؟ قال : وما [ ذاك (٢) ]؟ [ قالوا (٣) ] : إنّما صلّيت ركعتين ، فقال : [ أكذلك (٤) ] يا ذا اليدين؟ وكان يدعى ذا الشمالين ، فقال : نعم ، فبنى على صلاته فأتمّ الصلاة أربعاً » (٥) .. إلى آخره.

وخبر محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سُئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة ، فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس ، ثمّ ذكر أنّه قد فاتته ركعة ، قال : « يعيد ركعة ، واحدةً يجوزُ له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة ، فإذا حوّلَ وجهه عن القبلة فعليه أنْ يستقبل الصلاة استقبالاً » (٦).

وصحيحه عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم وهو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة وتكلّم ، ثم ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين ، فقال : « يتمّ ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه » (٧).

وصحيح جميل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلّى ركعتين ثم قام ، قال : « يستقبل » قلت : فما يروي الناس؟ فذكر حديث ذي الشمالين ، فقال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يبرح من مكانه ولو برح استقبل » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٦ ، الإستبصار ١ : ٣٧٨ / ١٤٣٤ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣ ، ح ٥.

(٢) في المخطوط : ( هو ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في المخطوط : ( قال ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في المخطوط : ( كذلك ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٧ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ / ١٤٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣ ، ح ١٦.

(٦) التهذيب ٢ : ١٨٤ / ٧٣٢ ، الوسائل ٨ : ٢٠٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٦ ، ح ٢ ، باختلاف فيهما.

(٧) التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٧ ، الإستبصار ١ : ٣٧٩ / ١٤٣٦ الوسائل ٨ : ٢٠٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣ ، ح ٩.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٤٦ / ١٤٣٤ : الوسائل ٨ : ٢٠٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣ ، ح ٧.

١٧٧

وخبر أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلّى ركعتين ثمّ قام فذهب في حاجته ، قال : « يستقبل الصلاة » قلت : فما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستقبل حين صلّى ركعتين؟ فقال : « إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينتقل من موضعه (١) ».

فهذه جملة من الأخبار ، وليس فيها ما يدل على ما ذكره المصنّف رحمه‌الله من أنّه إذا ذكر بعد فعل المنافي عمداً وسهواً بطلت صلاته وإنْ دلّ بعضها على البطلان ببعض المنافيات ، كخبر محمّد بن مسلم وروايتي جميل وأبي بصير. ومقتضى إطلاق خبر ابن مسلم الصحّة وإنْ أتى بالمنافيات ، إلّا تحويل الوجه عن القبلة ، إلّا إنّ بعض المنافيات قام الإجماع على البطلان بها ، فيجب الأخذ بإطلاقها إلّا في مورد الإجماع ، كالسكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة.

نعم ، ورد في بعض توقيعات صاحب الأمر عليه‌السلام ما معناه : أنّه إنْ كان قد أحدث حادثة تبطل بها الصلاة عمداً وسهواً بطلت صلاته ، وإلّا لم تبطل (٢) ، وقد ورد بعدم الإعادة بذلك روايات كثيرة ، كصحيح ابن مسلم المتقدّم المشتمل على أمر المسبوق بركعة الخارج بظنّ التمام بإعادة ركعة واحدة ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن رجل صلّى بالكوفة ركعتين ثم ذكر وهو بمكّة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنّه صلّى ركعتين ، قال : « يصلّي ركعتين » (٣).

وصحيح عُبَيْدِ بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلّى ركعة من الغداة ، ثمّ انصرف وخرج في حوائجه ، ثمّ ذكر أنّه صلّى ركعة ، قال : « يتمّ ما بقي » (٤).

وموثّق عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يذكر بعد ما قام وتكلّم ومضى في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٦ / ١٤٣٥ ، الوسائل ٨ : ٢٠١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣ ، ح ١٠ ، بتفاوتٍ يسيرٍ فيهما.

(٢) الاحتجاج للطبرسي ٢ : ٥٨٠ / ٣٥٧ ، الوسائل ٨ : ٢٢٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٢ ، ح ١ ، البحار ٨٥ : ١٨٧ / ١٧ ، بتفاوت.

(٣) الإستبصار ١ : ٣٦٨ / ١٤٠٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣ ، ح ١٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٧ / ١٤٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦٨ / ١٤٠٢ ، وفيهما : « فليتم » بدل « يتم » ، الوسائل ٨ : ٢١٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٦ ، ح ٣.

١٧٨

حوائجه أنّه إنّما صلّى ركعتين من الظهر والعصر والعَتَمَة والمغرب ، قال : « يبني على صلاته فيتمّها ولو بلغ الصين » (١).

والظاهر قيام الإجماع على خلافها إلّا ما حكي عن الصدوق (٢) من العمل بها ، فلا بدّ من تأويلها أو طرحها.

تنبيه : إذا أدخل صلاة على صلاة ؛ بأنْ شرع في صلاة في أثناء اخرى ، فالكلام يقع تارة في حكم الاولى وأُخرى في حكم الثانية :

أمّا الأُولى : فالظاهر أنّ مقتضى القاعدة البطلان لوجهين :

الأوّل : زيادة الركن وهو تكبيرة الإحرام ، بناء على صدق الزيادة على ما كان جزءاً من الصلاة ولو بحسب نوعه ، فإن التكبير للصلاة الثانية وإنْ لم يكن بنفسه جزءاً من الأُولى ، إلّا إن نوع تكبيرة الإحرام جزءٌ منها.

الثاني : انمحاء صورة المدخول عليها بالداخلة فتبطل ؛ لأنّ انمحاء صورة الصلاة يبطلها ، سواء كان عمداً أو سهواً.

وأمّا الثانية : فإنْ كانت صحّتها مشروطة بترتُّبها على الاولى فلا إشكال في بطلانها على تقدير بطلان الاولى ، وإنْ لم ترتّب عليها فقد يقال أيضاً ببطلانها ؛ نظراً إلى أنّه يشترط في صحّة الشروع في صلاة الفراغ من غيرها ، بأنْ يشرع خالياً من الاشتغال بأُخرى ؛ لما دلّ على أنّه لا يكون المكلّف مشغولاً بصلاتين في آن واحد ، فلا بدّ أنْ يكون الفراغ سابقاً على الشروع ، مع أنّ الفراغ من الاولى في الفرض المذكور إنّما يحصل بالشروع في الثانية ؛ لأنّ الفراغ من الأُولى إنّما نشأ من بطلانها ، وهو إنّما نشأ من الشروع في الثانية ، فلا يكون الفراغ من الاولى سابقاً على الشروع فيها. نظير

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٢ / ٧٥٨ ، الإستبصار ١ : ٣٧٩ / ١٤٣٧ ، الوسائل ٨ : ٢٠٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣ ، ح ٢٠ ، وفي الجميع زيادة : « ولا يعيد الصلاة ».

(٢) عنه في المختلف ٢ : ٣٩٨ ، الذكرى : ٢١٩ ، المقنع : ١٠٥ ، وليس فيه : ( ولو بلغت الصين ). قال في كشف اللثام ٤ : ٤٢٢ ما نصّه : ( وفيما عندنا من نسخ المقنع : وإن صلّيت ركعتين ثم قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة ولا تبنِ على ركعتين ).

١٧٩

ما ذكره القائل ببطلان البيع الواقع في زمن الخيار ، فيما لو باع أحدٌ عيناً على شخص وجعل خيار الفسخ لنفسه إلى مدة ، ثم باعها على آخر من دون فسخ البيع الأوّل ، فإنّ القائل بصحّة البيع الثاني يقول : إنّه موجب لفسخ البيع الأوّل وتمليك المشتري الثاني. وردّه القائل بالبطلان بأنّه يشترط في صحّة البيع كون البيع داخلاً في ملك البائع قبل البيع ؛ لأنّه : « لا بيع إلا في ملك » (١) ، مع أنّ دخول العين في ملك البائع إنما يحصل بالبيع ، فلا يكون سابقاً عليه فلا يصح.

والظاهر صحّة الثانية ؛ لأنّ ما دلّ على عدم شغل المكلّف بصلاتين في آن واحد إنّما يقتضي عدم جواز اجتماعهما ، ومقتضاه اعتبار مقارنة الشروع في صلاة للفراغ من غيرها ، لا أنّه يشترط سبق الفراغ من الغير على الشروع فيها ، والله العالم.

ترك التسليم

قوله رحمه‌الله : ( وكذا لو ترك التسليم ثم ذكر ).

أقول : مقتضى ظاهر التشبيه اشتراك المسألتين في وجوه الصحّة والبطلان ، إلّا إنّ منها ما يجري فيهما ، ومنها ما يجري في السابقة فقط ، ومنها ما هو بالعكس.

أمّا ما يجري فيهما فهو ما ذكره بعضهم في بيان الحكم بالبطلان لو ذكر بعد فعل المنافي عمداً وسهواً ، من أنّ السلام وقع في غير محلّه ، فيكون لغواً ، فيقع المنافي في أثناء الصلاة ، فإنه يجري هنا أيضاً ؛ لأنّ السلام لم يقع أصلاً ، فهو أوْلى بوقوع المنافي في الأثناء ، فهذا الوجه مبطل في المسألتين معاً.

وأمّا ما يجري هناك فقط فهو ما ذكرناه هناك ، من أنّ مقتضى القاعدة وإنْ كان الحكم بالبطلان للخروج من الصلاة بالسلام ، إلّا إنّ في بعض الأخبار ما يدلّ على الصحّة كما ذكرنا.

وأمّا تمسّك بعض القائلين بالصحّة بما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال

__________________

(١) غوالي اللئلئ ٢ : ٢٤٧ ، وفيه : « فيما تملك » بدل « في ملك ».

١٨٠