الرسائل الأحمديّة - ج ١

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

٢ ـ وفاة الإمام الرضا عليه‌السلام.

طبعت في النجف الأشرف ، وقم المقدّسة ، وقد صنّفها في ( جدّة ) عند رجوعه من الحجّ ، ولم يكن عنده آن ذاك كتب ليرجع إليها ، فصنّف هذا الكتاب في يوم وليلة ، وذكر فيها الروايات المتضمّنة لمناقب الإمام ووفاته وأحواله بالمعنى من حفظه ، ومزجها بما يناسبها من الإشعار الجيّدة ، ولمّا وصل بلاده كتب الروايات بلفظها.

٣ ـ زاد المجتهدين في شرح بُلْغة المحدّثين.

وهو شرح على كتاب ( بُلغة المحدّثين ) للشيخ سليمان الماحوزي ( ت ١١٢١ هـ ) ، وهو كتاب مختصر تعرّض فيه مؤلّفه للرجال الذين اتّضحت لديه وثاقتهم على نحو الإجمال ، فشرح المصنّف ذلك ، وفصّل أحوال رجاله المذكورين ، ولكن لم يتيسّر له رحمه‌الله إكمال العمل ، فلم يتجاوز حرف الهمزة ، ولكن ما جاد به قلمه فيه الخير الكثير.

طبع في مجلّدين سنة ١٤١٤ هـ ، تحقيق ونشر : الشيخ ضياء بدر سنبل.

٤ ـ علّامة العلماء ، الشيخ الأنصاري قدس‌سره.

وهي ترجمة موجزة جدّاً ، وقد تضمّنت ذكر قصيدتين في رثاء أستاذه الشيخ الأعظم رحمه‌الله. طبعت بتحقيق : الشيخ ضياء بدر سنبل ، ونشر : المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئويّة الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري ( مؤسّسة الهادي قم ١٤١٥ هـ ).

٥ ـ الصحيفة الصادقية والدعواتُ الجعفريّة.

جمع فيه الأدعية الواردة عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، وقد بلغ مجموع ما أورده تسعمائة وتسعة وستّين دعاءً ، ويمتاز الكتاب بحسن ترتيبه وشموليّته وعنايته بالمصادر المأخوذة عنها وغير ذلك من الميزات والفوائد.

طبع بتحقيق ونشر مؤسّستنا ( دار المصطفى « ص » لإحياء التراث ) ، ويقع في ١٠٣٣ صفحة ( وزيري ، ملوّن ).

النسخ الخطيّة المعتمدة :

اعتمدنا في تحقيق هذه الرسائل على نسخ من المخطوطات الموجودة في بعض المكتبات الأهليّة في القطيف ، بعضها على شكل مجموع يحتوي على عدّة رسائل ،

٢١

وبعضها الآخر بصورة رسائل مستقلّة ، وهي كالآتي :

أوّلاً : مجموع عليه تملّك الشيخ علي البلادي البحراني ، وتملّك ابنه الشيخ حسين القديحي رحمهما‌الله تعالى ، يشتمل هذا المجموع على ٣٠٦ صفحات من الحجم المتوسط ، يحتوي على الرسائل التالية :

١ ـ قرّة العين في حكم الجهر بالبسملة في ما عدا الأُوليين.

فرغ من تأليفها باليوم الثاني عشر من شهر رجب سنة ١٢٧٤ هـ ، وتمّ نسخها بعصر الأربعاء خامس عشر جمادى الثانية سنة ١٢٧٨.

٢ ـ نقض رسالة الشيخ علي الستري ( ت ١٣١٩ هـ ).

فرغ مصنّف المتن من تأليفها باليوم السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة ١٢٧٤ هـ ، وتمّ تحرير النقض بليلة الجمعة المباركة وهي الليلة السابعة والعشرون من شهر ربيع المولود سنة ١٢٧٥ هـ ، وتمّ نسخها بضحى الثلاثاء سادس شهر رجب سنة ١٢٨٨ هـ.

٣ ـ مسألة في بطلان الوكالة بفعل متعلّقها أو منافيها.

فرغ من تأليفها آخر يوم الجمعة الخامس عشر من شهر جمادى الثانية من سنة ١٢٧٧ هـ ، وتمّ نسخها بعصر الثلاثاء سادس شهر رجب سنة ١٢٨٨ هـ.

٤ ـ مسألة في مَنْ زال عقله بعد عمرة التمتّع.

جواب عن سؤال بعض الأفاضل غير مصرّح باسمه ، فرغ من تحريره باليوم السابع من شهر ذي الحجّة الحرام سنة ١٢٧٦ هـ ، في مكّة المكرّمة يوم ورود السؤال عليه ، وتمّ نسخها بجزيرة أوال بعصر الثلاثاء سادس شهر رجب سنة ١٢٨٨ هـ.

٥ ـ مسألة في مَنْ مات في عمرة التمتّع قبل أن يحرم للحجّ.

جواب عن سؤال بعض الأفاضل غير مصرّح باسمه ، تمّ تحريره بليلة الجمعة السابعة والعشرين من شهر ربيع المولود سنة ١٢٧٥ هـ ، وتمّ نسخها بضحى الثلاثاء سادس شهر رجب سنة ١٢٨٨ هـ.

٦ ـ شرح فقرة « فهبني » من دعاء كميل.

٢٢

جواب عن سؤال للشيخ حسن بن علي آل عصفور ، فرغ من تحريره بالليلة التاسعة والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة ١٢٧٨ هـ ، وتمّ نسخها بضحى الثلاثاء ثاني عشر شهر رمضان سنة ١٢٧٨ هـ.

وناسخ هذا المجموع هو المرحوم محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبد النبي بن مال الله آل مستور الماحوزي.

ثانياً : مجموع يحتوي على الرسائل التالية :

١ ـ رسالة مختصرة في حكم الجهر بالبسملة في الأخيرتين.

فرغ من تأليفها باليوم السابع والعشرين من شهر جمادى الأُولى سنة ١٢٨٢ هـ.

٢ ـ هداية البريّة إلى أحكام اللمعة الدمشقيّة.

يحتوي المخطوط الذي بين أيدينا على شرح خطبة الكتاب فقط.

٣ ـ حاشية على مباحث الخلل من كتاب شرائع الإسلام.

لم تعنون بهذا العنوان ، غير أنّا ارتأينا ذلك ، حيث وردت مع هداية البريّة السابقة واضطررنا لعنونتها لاختلاف المتن المشروح مع ( اللمعة ) ومطابقته لما في ( شرائع الإسلام ) ، وهي غير مكتملة المطالب ، بدأ فيها من الجلد المأخوذ من يد المسلم وانتهى إلى تنقيح المقام في تعيّن الفاتحة في صلاة الاحتياط.

وهذه الحاشية لم يُشر لها بعنوانها في كتب التراجم ، لكن العلّامة القديحي رحمه‌الله ذكر أنّ له حواشٍ على كثير من الكتب ، وهي بخطّه رحمه‌الله ، لذا أثبتناها في مؤلّفاته.

٤ ـ شرح فقهرة « فهبني » من دعاء كميل.

نسخة ثانية للرسالة المتقدّمة في المجموع الأوّل. وهذه النسخة هي المعتمدة في تحقيق هذه الرسالة. فرغ من تحريرها بالليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان سنة ١٢٧٨ هـ.

٥ ـ شرح مبحث زكاة السخال من كتاب ( الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ).

فرغ من تحريرها في الليلة الخامسة والعشرين من شهر شعبان من سنة ١٢٧٨ هـ.

٢٣

٦ ـ الدرر الغرويّة في تحرير الأُصول الفقهيّة.

غير مكتملة المطالب ، وصل فيها إلى المراد من اسم العين والمعنى.

ثالثاً : مجموع عليه تملّك الشيخ علي البلادي البحراني ، وتملّك ابنه الشيخ حسين القديحي رحمهما‌الله تعالى ، يحتوي هذا المجموع على الرسائل التالية :

١ ـ الدرر الفكريّة في أجوبة المسائل الشبّريّة.

أجوبة لمسائل وردت من السيّد شبّر السيّد علي بن مشعل البحراني ( ت حدود سنة ١٣٠٠ هـ ) ، من ضمنها سؤال أفردناه في رسالة مستقلّة هي الثالثة بحسب ترتيب الكتاب.

فرغ من تأليفها باليوم الخامس من الأُسبوع الأوّل من الشهر الثامن من العشرة السابعة من المائة الثالثة من الألف الثانية من الهجرة النبويّة ( ٥ / شعبان / ١٢٧٠ هـ ) ، وتمّ نسخها بيد مؤلِّفها باليوم العاشر من شهر رمضان المبارك سنة ١٢٧٠ هـ.

٢ ـ العمدة نظم الزبدة.

وهي نظم لكتاب ( الزبدة في أُصول الفقه ) للشيخ البهائي قدس‌سره ( ت ١٠٣١ هـ ). فرغ من نظمها سنة ١٣١٠ هـ ، وتمّ نسخها سنة ١٣٢٢ هـ.

٣ ـ رسالة في صوم عاشوراء.

فرغ من تحريرها بالليلة السادسة من شهر محرّم الحرام سنة ١٢٨٧ هـ ، وتمّ نسخها سنة ١٣٢٨ هـ.

٤ ـ رسالة في العقل وأقسامه.

جواب عن سؤال بعض الأفاضل غير مصرّح باسمه ، فرغ من تأليفها في اليوم السادس من شهر جمادى الثانية سنة ١٣١٠ هـ ، وتمّ نسخها سنة ١٣٢١ هـ.

والرسائل الثلاثة الأخيرة نُسخت بيد المغفور له الشيخ حسن بن علي بن حسن آل سليمان البحراني.

رابعاً : رسالة مستقلّة بعنوان : منهاج السلامة في حكم الخارج عن بلد الإقامة.

جواب لرسالة الحاجّ علي ابن الحاجّ عبد علي آل شيخ علي القطيفي.

٢٤

خامساً : رسالة مستقلّة في أحكام الحبوة.

فرغ من تأليفها سنة ١٢٧٥ هـ ، وتمّ نسخها سنة ١٣٧٠ هـ بيد المغفور له الشيخ حسن بن الشيخ علي بن حسن آل سليمان البحراني.

سادساً : مجموع يحتوي على الرسائل التالية :

١ ـ نسخة ثانية من رسالة قرّة العين في حكم الجهر بالبسملة في ما عدا الأُوليين.

٢ ـ أجوبة مسائل الشيخ جعفر البحراني.

فرغ من تحريرها في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر جمادى الأُولى سنة ١٣٠٧ هـ.

٣ ـ نسخة ثانية من رسالة في العقل وأقسامه.

٤ ـ رسالة بعنوان : إقامة البرهان في حِلِّ الإربيان.

فرغ من تحريرها باليوم الثاني والعشرين من شهر شوّال سنة ١٣٠٩ هـ.

٥ ـ مسألة في رجل عنده زوجتان ..

فرغ من تحريرها في شهر رمضان المبارك سنة ١٣١٠ هـ.

٦ ـ ميراث المُعتِق إذا مات عتيقه.

٧ ـ ميراث الجدّة مع الأُخت.

٨ ـ حكم الماء المتقاطر من السقف حال نزول المطر.

وهذه الثلاثة الأخيرة أجوبة لثلاث مسائل وردت من بعض الفضلاء لم يصرّح باسمه ، تمّ تحرير إجاباتها في عدّة أوقات متفرّقة ، آخرها اليوم الثامن عشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة ١٣١١ هـ.

٩ ـ مسألة فيما لو ماتت الامّ وقد خرج نصف الولد.

١٠ ـ مسألة فيما لو طلِّقت امرأة لكونها حبلى ثمّ تبيّن فساد الحمل.

وهاتان المسألتان لبعض الأفاضل غير مصرّح باسمه ، فرغ من تحرير إجابتهما في اليوم الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة ١٣١٠ هـ.

١١ ـ مسألة فيما لو باع واحدٌ شيئاً على رجلين ..

٢٥

فرغ من تحريرها في ثامن ذي الحجّة الحرام سنة ١٣١١ هـ.

١٢ ـ مسألة الشيخ حسن علي في الصلح.

تمّ تحرير إجابتها باليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام سنة ١٣١٢ هـ.

١٣ ـ استبصار المخالف بعد الحجّ.

فرغ من تحريرها في الحادي والعشرين من شهر صفر سنة ١٣١٣ هـ.

١٤ ـ مسألة في الوصيّة.

١٥ ـ مسألة في مَنْ رجع ولم يخبر الزوجة بالرجوع حتى تزوّجت.

١٦ ـ مسألة في جواز الأخذ من المجتهدين والمحدّثين وتقليد كلّ منهما من آحاد الفريقين.

وهذه المسائل الأربعة مرسلة من قبل الشيخ محمّد البحراني ، فرغ من تحرير إجاباتها في صبيحة الجمعة السادس عشر من شوّال سنة ١٣١٢ هـ.

١٧ ـ مسألة في الشفاعة.

١٨ ـ مسألة عن معنى «وفي قلوب من والاهُ قبره».

حرّرها بالليلة الثالثة من شهر ربيع الأوّل سنة ١٢٩٨ هـ ، ونسخها ابنه الشيخ محمّد صالح رحمه‌الله تعالى في ربيع الأوّل سنة ١٣١٨ هـ.

منهج التحقيق :

اعتمدنا في تحقيق الكتاب على منهج التحقيق الجماعي ، لذا توزّعت لجان العمل كالآتي :

١ ـ لجنة الصفّ والإخراج الفني ، وقد تألّفت من الأخوة : بهاء الكوفي ، مصطفى علي الحاج ، أبي حسين البصري ، حامد عباس الربيعي.

٢ ـ لجنة المقابلة ، وقد تألّفت من الأخوة : السيّد حبيب الموسوي ، السيّد علي عمّار الغريفي ، مسلم النجفي ، حسام الدين النايف.

٣ ـ لجنة تخريج المصادر ، وقد تألّفت من الأُخوة : علي مهدي الحسيناوي ، محمّد عدنان السرّاجي ، أبي حسن الساعدي.

٢٦

٤ ـ لجنة تقويم النصّ ، وقد تألّفت من الأخوة : عبد الستار عبد الحسن فرج الله ، عبد اللطيف تألى الحلفي ، علاء حسن الناصري ، رياض عبد الصمد القطراني.

٥ ـ متابعة التحقيق والمراجعة النهائيّة.

وقد جعلنا في آخر الكتاب فهارس عامّة تسهيلاً على القارئ المحترم ، وهي :

١ ـ فهرس الآيات.

٢ ـ فهرس الأحاديث والروايات.

٣ ـ فهرس المعصومين عليهم‌السلام.

٤ ـ فهرس الأعلام.

٥ ـ فهرس الفرق والمذاهب.

٦ ـ فهرس الأماكن.

وفي الختام : نسأله تعالى أن يوفّقنا لإحياء المزيد من آثار أعلامنا ، راجين منه عزوجل العون والتسديد ، إنّه خير موفّق ومعين.

دار المصطفى لإحياء التراث

٢١ / ١١ / ١٤١٩ هـ

٢٧
٢٨

٢٩

٣٠

٣١

٣٢

الحقّ الواضح

في أحوال العبد الصالح

الشيخ علي البلادي

٣٣
٣٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستَعين

مقدّمة المؤلّف

الحمد لله الذي خلقَ الموتَ والحياةَ ؛ ليبلوَ عبادَه أيُّهم أحسنُ عملاً (١) ، وجعلَ الدنيا مضماراً لاستباق خلقه فيها إلى الدرجات العُلى ، والصلاةُ والسلامُ على أفضل خليقته وأكمل بريّته محمَّدٍ المصطفى وآلِه الطاهرين ساداتِ الملا ، أوّل صادرٍ من المبدإ الأَعلى ، وأَوّل سابق في جواب ( أَلَسْتُ )؟ بـ ( بَلى ) (٢) ، ورضيَ اللهُ عن علمائهم ، ومربِّي أيتامهم (٣) والمقتفين لآثارهم كَمَلَا.

أما بعد : فيقول الفقيرُ إلى رحمة ربِّه الملكِ الصمدانيِّ علي ابن المرحوم الشيخ حسن (٤) ابن المقدس الشيخ علي ابن المرحوم الشيخ سليمان البلادي البحراني ، عفا

__________________

(١) قال تعالى ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ). الملك : ٢.

(٢) في حاشية المخطوط ورد ما يلي : روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن بعض قريش قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بأي شي‌ء سبقت الأنبياء وأنت بُعثت آخرهم وخاتمهم؟ فقال : « إني كُنت أوّل مَنْ آمن بربّي ، وأوّل مَنْ أجابَ حيثُ أخذ اللهُ ميثاقَ النبيين وأشهدهم على أنفسهم. ألستُ بربِّكم؟ قالوا : بلى ، فسبقتُهم بالإقرارِ بالله عزوجل ». ح. ع. ني. وهذا الرمز لابن المؤلف العلّامة الشيخ حسين القديحي ( ت ١٣٨٧ هـ ). الكافي ج ١ ص ١٠.

(٣) الروايات بهذا المعنى وهو كون العالم كافلاً ومربياً ومنقذاً لأيتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عديدةٌ ، منها : ما ورد عن السبط الشهيد أبي عبد الله عليه‌السلام : « من كفلَ لنا يتيماً قطعته عنا محنتُنا ، فواساه من علومنا التي سقطت إليه ، حتى أرشده بهداه ، قال له الله عزوجل : يا أيُّها العبدُ الكريمُ المواسي ، إنّي أولى بهذا الكرم ، اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كلِّ حرفٍ علّمه أخاه ألفَ ألف قصر ، وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعم ».

(٤) انتقل إلى رحمة ربه مهاجراً بعد الحج لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمنزل المعروف برابغ سنة (١٢٨١) هـ. أنوار البدرين : ٢٧٠.

٣٥

الله تعالى عنهم ، وعن جميع المؤمنين والمؤمنات ، وحشرهم في زمرة محمدٍ وآلِه الطاهرين الهداة ، عليهم أفضل الصلوات.

وفاة المترجم

إنه في الساعة السابعة من ليلة الأربعاء ليلة عيد الفطر أو ثانيه على الخلاف في رؤية الهلال سنة (١٣١٥) ، الخامسة عشرة وثلاثمائة وألف من هجرة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين انتقل من دار الفناءِ والبوارِ ، إلى دار البقاء والقرار ، عمدةُ (١) علماءِ هذا الزمان ، وصفوةُ فضلاءِ هذا الأوان ، محقق الأُصول والفروع ، جامعُ المعقول والمشروع ، سلمان (٢) دهره في الزهد والتقوى ، وأبو ذر (٣) عصره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه الأكمل الأقوى ، العالمُ

__________________

(١) في حاشية المخطوط ورد ما يلي : أقول : أرَّخ وفاته رحمه‌الله جنابُ الفاضل الزكي الشيخ علي ابن الحاج حسن الجشي [ ستأتي ترجمته ص ٣٨ ] ، سلمه الله :

أجابَ داعي الحقِّ لما آنسَهْ

أحمدُ مِنْ ثوب التُّقى قد ألبسهْ

بحضرةِ القدسِ الإلهُ آنسهْ

طُوبى فأرِّخْ ( ذاته مقدسهْ )

وأرَّخ وفاته أيضاً الوالد المبرور في أبيات نظمها ، لتكتب على القبر الشريف ، والتاريخ منها قوله رضي‌الله‌عنهما ـ : ( هنا غاب نور ) ١٣١٥ هـ ( ابن المؤلف : حسين ).

(٢) سلمان المحمدي : صحابي جليل ، من المسلمين الأوائل الَّذين شادوا الدين ، وأوضحوا سنن سيِّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله. ضُرِب به المثل في الزهد ، حتّى إنه إذا خرج عطاؤه تصدَّق به. وكان يأكل من عمل يده ، وقد بنى له منزلاً على حسب رغبته بعد الإلحاح عليه بذلك. وصفة ذلك المنزل أنّه إذا قام أصاب رأسَه سقفُه ، وإذا مد فيه رجليه أصابهما الجدار. توفي ، وهو أمير على المدائن سنة (٣٣) على قولٍ. انظر : أعيان الشيعة ٦ : ٣١٣ ، والإصابة ٢ : ٦٢. والاستيعاب ( بهامش الإصابة ) ٢ : ٥٦.

(٣) هو جندب بن جنادة. توفي منفياً بالربذة سنة (٣١) أو (٣٢) ، وقيل غير ذلك. وكان من كبار الصحابة ، وهو زاهد مشهور صادق اللهجة ، بايع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ألّا تأخذه في الله لومة لائم ، وعلى أن يقول الحقَّ وإن كان مرّا.

وفي الطبقات بسنده عن أبي ذر في حديث أنه قال : ( ما زال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى ما ترك له الحقُّ صديقاً ).

وكفاه قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما أظلّت الخضراءُ ولا أقلت الغبراءُ على ذي لهجةٍ أصدق من أبي ذرّ ، يعيش وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ، ويدخل الجنة وحده ». انظر : أعيان الشيعة ١٦ : ٣١٣. الإصابة ٤ : ٦٢ ، الاستيعاب ( بهامش الإصابة ) ٤ : ٦١.

٣٦

العامل الروحانيُّ ، والعارفُ الصمدانيُّ ، شيخُنا ووالدُنا الروحانيُّ ، التقيُّ الأسعد ، الصالحُ ، الشيخُ أحمد ابن العالم العامل المبرور الشيخ صالح (١) البحراني تغمده الله برحمته وغفرانه ، وأسكنه دار كرامته ورضوانه ، وحشرنا وإيّاه وآباءنا والمؤمنين في أعلى علِّيِّين ، مع محمد المصطفى وآله الطاهرين ، صلى‌الله‌عليه‌وآله الأكرمين المعصومين ودفن يوم الأربعاء ، وهو اليوم الذي دُفِن فيه سيِّدُ المرسلين ، وخاتمُ النبيين (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله أجمعين.

تشييعه ودفنه

وقد صار له من التشييع والإجلال ، ما لم يكن يتفق لأحدٍ من العلماء الأبدال. كان يوم وفاته القيامة الصغرى ، والخلقُ مِنْ فقده بلا شعورٍ سكرى ، وحقَّ لهم ذلك ؛ إذ كان كعبتَها التي تشدُّ إليها الرواحل ، وبحرَها المَراج (٣) الذي لا يوجد له ساحل ، وبَدْرَها الوهاج الذي انعقدت عليه الخناصر ، وغيثها الهَطّال (٤) في الموارد والمصادر. ودفن قدس‌سره في قرية ( الغريفة ) من ( ماحوز ) من بلاد البحرين ، بجنب مسجدها ، في الحجرة التي فيها قبر العالم الربانيِّ ، والفيلسوف الصمدانيِّ ، المحقِّق المدقِّق ، الشيخ ميثم البحرانيِّ (٥) ، شارح ( نهج البلاغة ) بالشروح الثلاثة ، وغيرها ، من التصانيف الجليلة.

وقد رآه قدس‌سره في المنام ، في مرضه الذي تُوفِّي فيه أو قبله بقليلٍ من الأيام ، يستجفيه

__________________

(١) ت (١٢٨١) هـ. عالمٌ تقيٌّ ورعٌ زاهدٌ ، له كتاب ( لؤلؤة الأفكار المستخرجة من بحار الأنوار ). توفي بالطاعون في ( رابغ ). أنوار البدرين : ٢٣٥ ، ( في ضمن ترجمة أُستاذه الشيخ عبد الله الستري ).

(٢) روي عن عائشة : ( إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء ). وهذا هو المشهور عند الجمهور. كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية ٥ : ٢٧١.

ولا يخفى أن ( اليوم ) يطلق على الليلة وبالعكس ، فيكون ما ذكره المصنّف رحمه‌الله من دفن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الأربعاء تامّاً. نعم هناك روايات دالَّة على أنه دفن يوم الثلاثاء ، وفي ذلك اختلافٌ كثير.

(٣) المراج : مأخوذ من المَرْج بمعنى الفضاء فإن العرب يقولون : أمرج الدابة ، أي تركها تذهب حيث شاءت.

(٤) الهطّال : المطر الدائم مع سكون وضعفٍ.

(٥) ت (٦٧٩) هـ. عالم محقِّق ، أثنى عليه العلماء ثناءً عاطراً. له مصنَّفات كثيرة ، منها : شروحه على ( نهج البلاغة ). أنوار البدرين ٦٢ ، أعيان الشيعة ١٠ : ١٩٧.

٣٧

ويستدعيه للزيارة. والحال أنه من قريبٍ قد زاره ، فأَوَّلها المرحومُ رحمه‌الله بالمجاورةِ الطويلة. فلهذا أوصى بأنه يدفن بجنب قبره ، تغمَّدهما الله برحمته ورضوانه.

واتفق له قدّس سرِّه ، ونوِّر قلبُه عند الدفن من الكرامات ما تواتر نقلُه عن الثقات. فقبره الآن مزارٌ مشهورٌ ، وكعبةٌ تطوف الخلقُ عندها وتدور ، وملجأٌ يلجئون إليه النّاس ؛ لإجابة دعواتهم ؛ وإنجاح طلباتهم. ولقد أجاد من قال فيه من أهل الكمال (١) :

ليهنِك يا قبرُ مَنْ ذا حويتَ

حويتَ العلومَ وعرفانَها

حويتَ الهُدى والتقى والندى

بمَن فاقَ بالسبقِ أقْرَانها

حويت خليفة آل الرسول

فطلت بعلياه كيوانَها (٢)

مأتمه

واتّفق له أيضاً ما لم يتَّفق لغيره من العلماء الأعلام ، بل ولا الملوك والحكّام الذين يجبرون الناس ولا سيما في مثل هذا المقام ، أن سوق البحرين على اختلاف مللها وأديانها ، عطِّلت وغلِّقت سبعة أيام عن البيع والشراء وجميع المهام ، ونُصِبَت له المآتمُ في كلِّ مكان ، وقاموا فيها بنشر شعار المراثي والأحزان.

أُقيمت عليه من المآتم في القطيف والبحرين خاصة دون غيرهما من البلدان ، كالأنجة والمحمَّرة والبصرة والنجف والأشرف ما يقارب من مائة وخمسين مأتماً ،

__________________

(١) القائل هو العلامة المرحوم آية الله الشيخ علي ابن الحاج حسن الجشّي. ولد رحمه‌الله في حدود السبعين بعد المائتين والألف من أبوين كريمين ، ونشأ محباً للعلم والعمل. وكان مطبوعاً على حبِّ أهل البيت عليهم‌السلام ، تجد ذلك ملموساً في شعره ، الذي عبَّر فيه عن عمق الولاء للأئمة عليهم‌السلام.

بقي في النجف الأشرف إلى سنة (١٣٦٧) ، وبعد أن حصل على شهادات الاجتهاد نزل بلاده ( القطيف ) لأداء واجبه ، فتقلَّد منصب القضاء ، فحكم بالعدل والإحسان ، إلى أن وافاه الأجل في مستشفى الظهران في آخر نهار ١٥ / ٥ / ١٣٧٦ هـ. ورُثي بعدة قصائد.

من مؤلفاته : ( منظومة كفاية الأصول ) ، ( الشواهد المنبريَّة ) ، ديوان شعر كبير يقع في جزأين. انظر ترجمته في الأزهار الأرجية ٦ : ١٠٩ ، ١٥ : ٣١٥.

(٢) أنوار البدرين : ٢٦٨ ، وستأتي في الصفحة : ٥٣.

٣٨

ولم نرَ نحنُ ولا غيرُنا ، صدر هذا الشأنُ في سائر الأزمانِ لغيره من العلماء والأعيان.

مولده ومبدأ اشتغاله

وقبض رضى الله عنه ، وله من العمر خمس وستون سنة ، تنقص قليلاً ؛ لأنّ مولده قدس‌سره سنة خمسين ومائتين وألف ، كما سمعته منه رحمه‌الله ، ووجدته بخطِّ والده الصالح ، مؤرِّخاً لولادته في أبيات ، موضع التأريخ منها : ( هذا بجوده ظفرنا ).

ووفاته سنة الخامسة عشرة وثلاثمائة وألف ، كما تقدم. وأصله رحمه‌الله من ( مركوبان ) قرية من قرى سترة من جزيرة البحرين ثم انتقل مع والده الصالح قدس‌سره إلى منامة البحرين ، واشتغل في مبدأ أمره برهةً من الزمان عند العالم العامل التقيِّ السيِّد عليٍّ (١) ابن المرحوم السيد محمد ابن المبرور السيد إسحاق البلاديِّ البحرانيِّ رضى الله عنه ، في النحو والصرف ، والمنطق ، والقراءة ، ونحوها ، حتى أذعن له هو وغيرُه بالفضيلة التامة. وقرأ ( شرح الباب الحادي عشر ) ، للمحقق الشيخ مقداد (٢) السيوري الحلّي رضى الله عنه عند العالم الأوّاه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عباس الستريِّ البحرانيِّ (٣) ».

سفره إلى النجف الأشرف

وبقي مقدار ثلاث سنين في البحرين لم يحضرْ عند أحد مشتغلاً بالتصنيف والتأليف ، وأجوبة المسائل الواردة عليه من البحرين وغيرها. ثم وفَّق الله الخيِّر الصالح ، الخال الحاج صلات جزاه الله خير الجزاء والصِّلات فسعى في رواحة

__________________

(١) ت (١٢٧٩) هـ. عالم تقيٌّ ورع. رثاه المترجَم بمرثية موضع التاريخ منها : ( غاب بدر الهدى ). أنوار البدرين : ٢٥١.

(٢) ت (٨٢٦) هـ. عالم متكلم محقق من مؤلَّفاته : ( كنز العرفان في فقه القرآن ) مطبوع ، و ( نضد القواعد الفقهيَّة ) مطبوع أيضاً. أعيان الشيعة ١٠ : ١٣٤ ، الأعلام ٧ : ٢٨٢.

(٣) ت (١٢٨١) هـ. أحد العلماء الأتقياء الورعين العابدين ، كثير النوافل والصيام والزيارة للأئمة عليهم‌السلام ، كثير المواظبة على البحث والتصنيف والتدريس ، متواضع النفس. له مؤلفات ، منها : ( معتمد السائل في الفقه ) ، و ( الخلافيات ) ، و ( منية الراغبين ) ، وغير ذلك. وتوفي في سفره إلى مكَّة المكرَّمة بالطاعون ، في المنزل المسمى ( برابغ ) ، وتوفي معه كثير من صلحاء البحرين منهم والد المصنّف لهذه الترجمة كما أسلفنا سابقاً. أنوار البدرين : ٢٣٣.

٣٩

للنجف الأشرف ؛ للحضور عند علمائها ، وقام بما يحتاج إليه من النفقات ؛ لضعف حال والده المرحوم. فمضى للنجف الأشرف ، واشتغل مدةً من الزمان ، على جملةٍ من الفضلاء والأعيان :

منهم : العالمُ المرتضى ، والحسامُ المنتضى ، علّامة العلماء ، الشيخ مرتضى الأنصاريُّ (١) ، من ذرِّيَّة جابر بن عبد الله الأنصاريِّ ، الصحابيِّ رضى الله عنه.

ومنهم : العالمُ العلّامةُ ، الفقيه الأُستاذ ، الشيخ محمد حسين الكاظميُّ النجفيُّ (٢).

ومنهم : العلّامةُ الفهّامة الصفيُّ ، الشيخ راضي (٣) الفقيه النجفي.

وغيرهم.

ثم اتفق وفاة والده الصالح ، ووالدي التقي المؤتمن الشيخ حسن في سلوكهما لمكَّة المشرفة والخال الصالح الحاج صلات ، والعلّامة المرتضى ، في سنة واحدة هي سنة (١٢٨١) هـ. والكلُّ له مدخلٌ في إقامته وإن كان الخال الحاج صلات رحمه‌الله هو السبب التامّ ، وهذا من صنيع الدهر الخوان مع الكرام.

رجوعه إلى البحرين

فتعذَّر عليه الجلوس في النجف الأشرف ؛ لضيق المعاش ، فرجع إلى بلاده ( البحرين ) ، ملآنَ من العلوم والمعارف ، ولم يرجع بخُفَّي حنين (٤).

__________________

(١) ١٢١٤ ١٢٨١ ) هـ. الأُستاذ الإمام المؤسِّس ، شيخ مشايخ الإمامية. له مؤلفات ، منها : ( المكاسب ) ، و ( الرسائل ) ، وغيرهما. ولقد اكتسبت مؤلفاته حظاً عظيماً ، فرسائله ومكاسبه مضافاً إلى أن عليهما مدار التدريس شذّ مَنْ لم يعلق عليهما من مشاهير العلماء. الأعيان ١٠ : ١١٧.

(٢) ١٢٢٤ ١٣٠٨ ) هـ. انتهت إليه رئاسة الإمامية في بلاد العرب ، وقلَّده كافة العرب ، ووصلت إليه الأموال الكثيرة ، وكان يبسطها في الفقراء ولا يتناول منها أزيد ممّا يحتاجه على وجه الاقتصاد ، ولم يخلِّف داراً ولا عقاراً. وصنف كتاب ( هداية الأنام ) خمسة وعشرين مجلداً ، وصل فيه إلى كتاب القضاء ، وتوفي وهو مشغول به. الأعيان ٩ : ٢٥٨.

(٣) ت (١٣٢٢) هـ. عالم فقيه ، أُصولي محقِّق مدقِّق ، زاهد في الدنيا ، شديد التواضع ، يكره الشهرة ويحب العزلة إلا فيما لا بد منه للدين والدنيا. له مؤلّفات ، منها ؛ ( مصباح الفقيه ) ، تقريرات بحث الميرزا الشيرازي. أعيان الشيعة ٧ : ١٩.

(٤) رجَعَ بخُفَّي حُنَيْن ) مثلٌ يضرب عند اليأس من الحاجة ، والرجوع بالخيبة. مجمع الأمثال : ١ : ٢٩٦.

٤٠