الرسائل الأحمديّة - ج ١

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

بالحقّ لا يمكن أنْ يكون غير واجب الوجود لذاته ، وكلّ ما لا يكون موجوداً فليس بواجب الوجود لذاته ، فنفي المعبود بالحقّ غير الله نفي إمكانه ؛ لأنّه لو أمكن لكان واجب الوجود ، وإذا كان واجب الوجود يكون معبوداً بالحق البتة.

وبعبارة اخرى أخصر : نفي الوجود يستلزم نفي الإمكان ، إذ لو اتّصف فرد آخر بوجوب الوجود لوجد ، فإذا لم يوجد علم عدم اتّصافه به ، وما لم يتّصف به لم يمكن أنْ يتّصف به (١).

وفيه : أنَّ المقصود من هذه الكلمة الشريفة إنّما هو نفي استحقاق العبادة عن غير الله تعالى. وهو وإنْ استلزم وجوب الوجود واقعاً لكنّه ليس كذلك عند الكفّار ؛ لأنّهم مع عبادتهم الأصنام والأشجار يعتقدون أنَّها ليست واجبة الوجود فلا يلزم من اعترافهم بنفي الإمكان نفي الإمكان ، فلا تكون حينئذ نصّاً في الإيمان.

وقيل : تقديره ممكن.

وأُورد عليه : بأنّ إمكانه لا يستلزم وجوده بالفعل وإنْ استلزم عدم إمكان غيره ، مع أنّه لا بدّ في التوحيد من وجوده بالفعل ونفي إمكان غيره.

وأجاب عنه جمال الدين أيضاً ب : ( أنَّ إمكان اتّصاف شي‌ء بوجوب الوجود يستلزم اتّصافه به بالفعل وهو مستلزم لوجوده بالفعل بالضرورة ، فإذا استفيد منها إمكانه تعالى يستفاد وجوده أيضاً ، إذ كلّ ما لم يوجد يستحيل أنْ يكون واجب الوجود ) (٢).

أقول : أمّا قوله رحمه‌الله : ( إنَّ إمكان اتّصاف شي‌ء بوجوب الوجود ) .. إلى آخره ، فهو مسلَّم ، لكنّه لا ربط له بالمُدّعى ؛ إذ لم يقدّر ممكن اتّصافه بوجوب الوجود ليستلزم الوجود الفعلي.

وأمّا قوله رحمه‌الله : ( فإذا استفيد منها إمكانه تعالى يستفاد وجوده أيضاً ).

ففيه : أنَّ المُورِدَ قد سلَّمَ الدلالة على الوجود ، وإنّما أراد إثبات الدلالة على

__________________

(١) التعليقات على شرح اللمعة الدمشقية : ٤.

(٢) التعليقات على شرح اللمعة الدمشقية : ٤.

١٦١

الوجود الفعلي الذي هو المطلب الكلّي ، ولا دلالة في الجواب عليه.

وأمّا قوله رحمه‌الله : ( إذ كلّ ما لم يوجد يستحيل أنْ يكون واجب الوجود ).

ففيه : أنّه إنْ أراد الوجوب الذاتي فمُسَلّمٌ ، وإنْ أراد ما يعمّ الوجوب الغيري وَرَدَ النقض عليه بالحوادث الإمكانيّة الواجبة الوجود عند وجود علَّتها التامَّة ، ولعلَّه لهذا عقّبه رحمه‌الله بقوله : ( فافهم ).

قيل : تقديره مستحقّ للعبادة.

وأُورد عليه : أوّلاً : بعدم دلالتها حينئذ على الوجود الفعلي وعدم إمكان غيره تعالى ؛ لجواز وجود إله غيره تعالى غير مستحقّ للعبادة ، مع أنّه لا بدّ في التوحيد من هذين الأمرين. على أنّه إنْ أُريد سلب الاستحقاق عن الغير بالإمكان لم تدلّ على الاستحقاق والوجود الفعليين بالنسبة إليه تعالى ، وإنْ أُريد السلب الفعلي لم تنفِ إمكان إله مستحقّ للعبادة غيره سبحانه ؛ لجواز وجود إله غيره تعالى غير مستحقّ للعبادة ، أو مستحقّ معاً بالإمكان.

وثانياً : أنّه بناءً على أنّ اتّصاف ذات الموضوع بالعنوان لا بد أنْ يكون بالفعل كما اختاره ابن سينا (١) ، يكون معناها : لا إله بالفعل مستحق للعبادة إلّا الله.

وحينئذ فغاية ما تفيده أنْ لا يكون شي‌ءٌ معبودٌ بالفعل مستحقّاً للعبادة غيره جلّ شأنه ، ولا تنفي أنْ يكون إله بالإمكان مستحقّاً للعبادة ، فلا تكون نصّاً في نفي استحقاق العبادة عن جميع ما سواه جلّ مجده وعُلاه.

وأُجيب عنهما بطريقين :

الأوّل : بـ ( أنَّ وجوب الوجود مبدأ جميع الكمالات ، ولذا فرَّع المحقّق الطوسي رحمه‌الله [ في التجريد (٢) ] كثيراً منها عليه ) (٣).

وحينئذ فلا ريب أنّه يوجب استحقاق التعظيم والتبجيل ، ولا معنى لاستحقاق

__________________

(١) سيأتي في الصفحة : ١٦٣.

(٢) من المصدر.

(٣) التعليقات على شرح اللمعة الدمشقية : ٤.

١٦٢

العبادة إلّا ذلك ، فإذا لم يستحقّ غيره تعالى للعبادة لم يوجد واجب وجود غيره تعالى ، وإلَّا لاستحقّ العبادة قطعاً ، وإذا لم يوجد لم يكن ممكناً ، فنفي كلّ من الإمكان والوجود واستحقاق العبادة يستلزم نفي الآخر ، وإثباته يستلزم إثباته.

وفيه : أوّلاً : ما مرَّ من أنّ استحقاق العبادة وإنْ استلزم وجوب الوجود واقعاً ، ولكنّه عند الكفَّار ليس كذلك ؛ لأنّهم مع اعتقادهم استحقاق الأصنام للعبادة يعتقدون أنّها ليست واجبة الوجود كما تشهد به الوجادة.

وثانياً : أنَّ هذه الاستلزامات إنّما يتنبّهُ لها ذوو الأفكار الصافية والتدقيقات ، وأمّا سائر العوام فبينهم وبينها أتمّ حجاب ، كما اعترف به صاحب الجواب.

وأُجيب عن الثاني : بأنَّ المتأخّرين وإنْ فهموا من كلام الشيخ أنَّ المعتبر هو الاتّصاف بالفعل بحسب نفس الأمر وجعلوا كثيراً من الأحكام دائراً عليه ، إلّا إنَّه صرّح في ( الشفاء ) (١) و ( الإشارات ) بخلافه وجعل الاتِّصاف أعمّ من أنْ يكون في نفس الأمر أو في الفرض.

قال في الإشارات : ( كلّ واحد ممّا يوصف بـ ( ج ) سواء كان موصوفاً بـ ( ح ) في الفرض الذهني أو في الوجود ) (٢).

ولا يخفى أنّه لا بدّ من أخذ إمكان الاتصاف معه كما صرّحوا به. فالفرق بين المذهبين مجرّد زيادة الاعتبار في مذهب الشيخ ، فلا يتّجه السؤال على شي‌ء من مذهبه ؛ لأنّ السالبة تصدق بانتفاء الموضوع ، فيصدق نفي استحقاق الأُلوهية عن غير الله تعالى ؛ لأنَّه ليس ( لا إله ) فرد ممكن غيره تعالى بمستحقّ للعبادة ، ومفهوم تلك الكلمة نفي استحقاق الأُلوهية عن جميع الأفراد الممكنة الاتّصاف بالمعبوديّة غير الله تعالى.

وفيه : أنَّه مع غض النظر عمّا يرد على أطرافه من المناقشات وتمام تلك التعسّفات ، لا يدفع جميع الإيرادات ، فتأمّل.

__________________

(١) الشفاء ( المنطق ) ١ : ٧٩.

(٢) الإشارات والتنبيهات ١ : ١٦٠.

١٦٣

وقيل : إنَّ الخبر هنا متعدّد ، أي موجود وممكن ، فيفيد عدم إمكان الغير ، ووجوده سبحانه بالفعل.

وفيه : أوّلاً : أنَّ القرينة وهي نفي الجنس إنّما تدلّ على الوجود دون الإمكان.

وثانياً : أنَّ سلب المجموع عن غيره لا يستلزم عدم إمكان الغير ؛ لإمكان اجتماع إمكان غيره مع وجوده بالفعل.

وكيف كان ، فهو من الضعف بمكان. ومثله في الضعف ما عوّل عليه بعضهم من أنّ من جملة نكات حذف الخبر ذهاب ذهن السامع كلّ مذهب ممكن ، فيعتبر نفي الوجود والإمكان معاً فيلزم وجوده تعالى ونفي إمكان غيره فيحصل التوحيد ، إذ لا يخفى عليك أن ذهاب الذهن إليهما عند الحذف إنّما هو على سبيل البدل دون الاجتماع ، فيلزم على كلِّ تقدير المحذور الوارد عليه حال الانفراد.

وقد قيل فيها أقوال كثيرة يفضي ذكرها إلى الإطناب والخروج عن موضوع الكتاب.

والحق أنَّ مبنى الشرع الشريف إنّما هو على الظواهر العرفيّة دون التدقيقات الحكميّة والاحتمالات العقليّة. وقد تعبّدنا الشارع الأقدس بإسلام مَنْ قال هذه الكلمة الطيبة من الكفّار من غير تفتيش لهم عمّا يقدّرونه لها من الأخبار ، وصاحب الدار أعرف بما في الدار.

وإنّما عقّبها بقوله : ( وحده ) مع دلالة ما قبله على التوحيد ؛ تنصيصاً على التوحيد البحت في الذات ، بمعنى تنزيهه عن جميع الكثرات بجميع الاعتبارات ؛ لأنّ الأوهام لأُنسِها بالكثرات وإلفها بالتعدّدات قد تتوهّم أنّه تعالى كلّي أو جزئي من مفهومه يستحيل وجود غيره ، فأزال هذا التوهّم بتأكيد التوحيد ومزيد التنصيص على التفريد.

ثمّ إنَّ هذا وإنْ كان بالنسبة إلى استعماله في الممكنات نصّاً في توحيد الذات إلّا إنَّ الأوهام لمزيد إلفها بنظائرها قد تحتمل التعدّد في الصفات والأفعال والاستحقاق

١٦٤

للعبادات ؛ لعدم معرفتها بالوجوب الذاتي البحت الباتّ ؛ فلهذا قال :

( لا شريكَ لَهُ ) فنفى الشركة في الصفات والأفعال واستحقاق العبادة ، فتمحّض التوحيد الحقيقي والتفريد الذاتي في المراتب الأربع التي هي أركان الأحديّة ونظام الفرديّة ، وهي التي تعبَّد الله بها العباد ووعد الجزاء عليها ثواباً وعقاباً يوم المعاد ، فأشار إلى المرتبة الأُولى بقوله تعالى :

( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ) (١).

وإلى الثانية بقوله تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‌ءٌ ) (٢).

وإلى الثالثة بقوله سبحانه ( أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ) (٣).

وإلى الرابعة بقوله جلَّ شأنه ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٤).

__________________

(١) النحل : ٥١.

(٢) الشورى : ١١.

(٣) فاطر : ٤٠.

(٤) الكهف : ١١٠.

١٦٥

بحث في النبوّة

ثمّ لمّا كان التوحيد موقوفاً على الشهادة برسالة نبيّنا المجيد الحميد قَرَنَ الشهادةَ الأُولى التي هي الركن الأوّل بالركن الثاني الذي هو قوله :

( وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً ) ، وشرَّفه بألّا يذكر إلّا ويذكر معه. وبهذه المزية خصَّه وبجَّله.

قال أمير المؤمنين وسيّدُ الموحدين في خطبة الجمعة والغدير بعد ذكر بعض أوصاف ذلك النبيّ الكبير : « قَرَنَ الاعتراف بنبوّته بالاعتراف بلاهُوتيَّته واختصَّهُ من تكرمَتِه بما لم يلحقهُ [ فيه (١) ] أحدٌ من بريَّته » (٢) .. إلى آخره.

مستند النبوّة

وحيث إنَّ الشهادة لا بدّ لها من مستند ولا سيّما على تقدير أخذها من الحضور فالمستند هنا أمران :

الأوّل : عامٌّ لجميع الأنام حتى العوامّ وهو المعجز القاهر والبرهان الباهر الذي ثبت جُلُّه بالتواتر وباقيه بالتسامع والتظافر ، حتى ملأ الدفاتر وتناقله الثقات كابراً عن كابر ، ولا سيّما المعجز الباقي إلى انقضاء عالم التكليف وهو القرآن الحكيم والفرقان العظيم ، الشاهد بنبوّته والمصدِّق لرسالته ، فإنَّه شاهدٌ حاضر في كلّ قرنٍ قرن ، وزمنٍ زمن في الماضي والغابر ، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، ولا تُرَدُّ شهادته ولا تفلج حجّته.

والثاني : خاصّ بمَنْ صفا ذهنه ولطف حسّه من ذوي الأفهام السليمة والأفكار المستقيمة ، وهو أنَّ مَنْ عرف الله تعالى وصفاته وأفعاله وآثارها ، وعرف أسرار هذا الدين ظاهراً وباطناً ، عرف بالضرورة أنَّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حقاً ونبيّه صدقاً ؛ فإنَّ مَنْ نظر إلى سيرته وما جاء به من الأوامر والنواهي في شريعته ، وتفكّر في آدابه الشريفة وأخلاقه اللطيفة ، وهمّته العلية وشيمه الأبية ، وفتوحه العظيمة وكراماته

__________________

(١) من المصدر.

(٢) مصباح المتهجّد : ٦٩٧ ، البحار ٩٤ : ١١٣ / ٨.

١٦٦

الجسيمة حصل له القطع بأنَّ هذا كلّه إنّما صدر عن حكمة ربانيّة وقوةٍ إلهيّة ، ولا تصدر عن قوّة بشريّة ، وإنَّه لا يمكن صدورها عن أحد من البشر إلّا بالوحي الإلهي والفيض الرباني ، لا بسحر ولا كهانة ولا رياضة ولا في نوم ولا يقظة. وذلك لجريان ما أتى به صلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع الأحوال على طبق الحكمة ، ولا يكون كذلك إلّا إذا كان عن الله عزوجل ، فإنَّ الخطأ والغفلة ، والسهو والنسيان مساوقان للإنسان.

وممّا يدلّ على ذلك أنَّ جملة من الكفرة قد أسلموا لمجرّد ما رأوا أخلاقه وسيرَهُ ، وأنَّ جُملةً من أعدائهِ ومقابليه كانوا في نبوّته مصدّقيه ، وأنَّهم إنّما لم يتّبعوه بمحض العصبية والحمية الجاهلية ، كما روي أنَّ أبا جهل لعنه الله سُئِل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنَّه نبيٌّ حقّا ، ولكن متى تكون بنو مخزوم تبعاً لبني هاشم؟ ولهذا قال تعالى ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا ) (١).

وبالجملة ، فإنَّ تلك العلامات الظاهرة والمعجزات الباهرة تدلّ بأوضح دلالة وتفصح بأوضح مقالة أنَّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ( نبيٌّ ) لا نبيَّ بعده ، كما لم يُدْرك مَنْ قبلَهُ من الأنبياء مَجْدَهُ.

تعريف النبوّة

وهو مشتق إمّا من ( النبإ ) بالهمز بمعنى الخبر ؛ لأنَّ النبيّ هو المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحدٍ من البشر ، أو من ( النبوة ) بمعنى الارتفاع ؛ لارتفاع قدره على جميع مَنْ سواه. وإمَّا من ( النبيّ ) وهو الطريق الواضح ؛ لأنّ النبيّ هو طريق الخلق إلى خالقهم ، وموصلهم إلى مراد بارئهم.

وقد تُطلق النبوّة في بعض الاصطلاحات على قبول النفس القدسية حقائق المعقولات والمعلومات من جوهر العقل الأوّل ، كما أطلقوا الرسالة على تبليغ تلك المعقولات والمعلومات إلى المستعدّين لتلك المقبولات.

__________________

(١) النمل : ١٤.

١٦٧

وقد تُطلق أيضاً على الإخبار عن الحقائق الإلهية والمعارف الربانية. ومُرادهم الإخبار عن ذات الحقّ وأسمائه وصفاته الكماليّة ، ونعوته الجلاليّة ، وأفعاله اللَّاهوتيّة ، وأحكامه العدليّة. وخصّوا الإخبار عن معرفة الذات والصفات والأسماء والأفعال باسم نبوّة التعريف ، كما خصّوا ذلك مع الإخبار عن الأحكام والتأديبِ بحميد الأخلاق والتعليمِ للسياسات باسم نبوّة التشريع والرسالة ، وكما يدلّ ما قدّمناه على أنَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيٌّ كذلك يدلّ على أنَّه أيضاً رسولٌ إلى جميع خلقه.

( أرسله ) الله تعالى بالهُدى ودين الحقّ بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه ، وسراجاً مُنيراً ، وختم بشريعته السمحة الحنيفيّة السهلة شرائع مَنْ كان قبله.

الفرق بين الرسول والنبيّ

والفرق بين النبيّ والرسول بعد اجتماعهما واشتراكهما في الإخبار بلا واسطة اختصاص الرسول بشريعة دون النبيّ ، فكلّ رسول نبيّ ولا عكس ، كذا قيل (١).

ولا يخلو من بحث ؛ لأنّ تعريف النبيّ بالإنسان المُخبِر عن الله بغير واسطة بشرٍ منقوضٌ عكساً بالأنبياء الموجودين في زمن أصحاب الشرائع الذين يأخذون أحكامهم من صاحب الشريعة ، كلوط عليه‌السلام بالنسبة إلى إبراهيم عليه‌السلام.

اللهمّ إلّا أنْ يلتزم عدم صدق النبوّة حقيقةً عليهم ، ولا يخفى ما فيه.

وربَّما فُرِّق بين النبيّ والرسول بأنَّ النبيَّ غير مأمور بتبليغ وحيه ، والرسول عكسه. وبأنّه مأمور بالتبليغ ولكن ليس له كتاب أو نسخ لبعض شرائع من قبله ، والرسول عكسه.

وربّما قيل : هما مترادفان. والجميع كما ترى ، وكون بعض الأنبياء منبَّأً في نفسه فقط فردٌ نادر بالنسبة إلى غيره ، فلا ينبغي حمل جميع إطلاقات النبيّ عليه.

والأَوْلَى هو الرجوع في ذلك إلى ما ورد في الأخبار عن الأئمّة الأطهار ، ففي

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ : ٥ ٦.

١٦٨

( الكافي ) عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « النبيُّ الذي يرى في منامه ويسمعُ الصوتَ ولا يعاينُ المَلَك ، والرسولُ الذي يسمعُ الصوتَ ويرى في المنام ويعاينُ المَلَك »(١).

وعن الحسن بن [ العباس (٢) ] المعروفي ، عن الرضا عليه‌السلام : « إنَّ الرسولَ الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي ، وربّما رأى في منامه نحو رُؤيا إبراهيم عليه‌السلام ، والنبيُّ ربّما سمع الكلام وربّما رأى الشخص ولم يسمع » (٣).

وعن الأحول ، عن الباقر عليه‌السلام : « الرسولُ الذي يأتيه جبرئيل قُبُلاً فيراه ويكلّمه ، فهذا الرسول ، وأمَّا النبيّ فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه‌السلام ، ونحو ما كان رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أسباب النبوّة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل عليه‌السلام من عند الله بالرسالة. وكان محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حين جُمع له النبوّة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ويكلّمه بها قُبُلاً. ومن الأنبياء مَنْ جُمع له النبوّة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلّمه ويحدّثه ، من غير أنْ يكون يرى في اليقظة » (٤).

فقد دلّت هذه الأخبار وما بمعناها من الآثار بعد ضمّ بعضها إلى بعض على أنّ الفرق بين الرسول والنبيّ هو معاينة الملك في اليقظة وعدمها ، فمَنْ عاينه فهو رسول ومَنْ لا فلا.

ثمّ اعلم أنّه لا منافاة بين ما في خبر زرارة من أنَّ النبيَّ يرى الملك في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك ، وبين ما في خبر المعروفي من أنَّ النبيَّ ربّما سمع الكلام وربّما رأى الشخص ولم يسمع ؛ لأنّ هذا الاختلاف بالنظر إلى اختلاف طبقات الأنبياء ومراتبهم ، فقد يجتمع لأحدهم جميع مراتب النبوّة ما سوى تحديث الملك في اليقظة ، وقد يجتمع لأحدهم مرتبتان أو أكثر أو أقلّ. ففي ( الكافي ) في باب طبقات الأنبياء والمرسلين والأئمّة عليهم‌السلام عن هشام بن سالم ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ١ : ١٧٦ / ١.

(٢) في المخطوط : ( علي ) ، وما أثبتناه من المصدر ، وليس في الكتب الرجاليَّة التي بين أيدينا من يُسمّى بهذا الاسم.

(٣) في المخطوط : ( علي ) ، وما أثبتناه من المصدر ، وليس في الكتب الرجاليَّة التي بين أيدينا من يُسمّى بهذا الاسم.

(٤) الكافي ١ : ١٧٦ / ٣ ، البحار ١١ : ٥٤ / ٥١.

١٦٩

« الأنبياءُ والمرسلون على أربع طبقات : فنبيٌ منبَّأٌ في نفسه لا يعدو غيرها ، ونبيٌّ يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ، ولم يُبعث إلى أحدٍ وعليه إمام مثل ما كان إبراهيم على لوط عليهما‌السلام ، ونبيّ يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك ، وقد أُرسل إلى طائفةٍ قلّوا أو كثروا ، كيونس ، قال الله ليونس ( وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) (١) قال ـ : يزيدون ثلاثين ألفاً وعليه إمامٌ. والذي يرى في منامه (٢) ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل أولي العزم » (٣) .. إلى آخره.

معنى الروح

والمراد بالروح في قوله عليه‌السلام في خبر الأحول : « ومن الأنبياء من جُمع له النبوّة ويرى في منامه ويأتيه الروح .. » إلى آخره ، هو الروح الأمين وهو جبرئيل عليه‌السلام ؛ لأنَّه هو الذي ينزل بالوحي على جميع الأنبياء عليهم‌السلام. ولهذا قال علي بن الحسين عليه‌السلام في دعاء الصلاة على حملة العرش والملائكة المقرّبين : « وجبرئيلُ الأمينُ على وَحْيِكَ ، المُطاعُ في أهلِ سماواتِكَ المَكينُ لَدَيْك ، المقرَّبُ عِندَكَ » (٤) ، إشارة إلى قوله تعالى ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) (٥) ؛ لتفسيره به عليه‌السلام.

ويُحتمل والله العالم أنْ يُراد به الروح القدس ؛ لأنَّه الذي يسدِّدُ الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ، وهو غير بعيد. وليس المراد بهذا الروح الروح من أمر الله ؛ لورود الصحاح الصراح باختصاصه بنبيّنا وأوصيائه صلوات الله عليهم ، وهو أعظم من جبرئيل وميكائيل ، وهو الروح الذي أشار إليه السجّاد عليه‌السلام بقوله : « والروحُ الذي هو من أمرِكَ » (٦).

وفي ( الكافي ) عن أبي بصير ليث المرادي ، قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه‌السلام يقول

__________________

(١) الصافات : ١٤٧.

(٢) في المصدر : « نومه ».

(٣) الكافي ١ : ١٧٤ / ١.

(٤) الصحيفة السجادية الجامعة : ٤١ ، البلد الأمين : ٤٤١.

(٥) الصحيفة السجادية الجامعة : ٤١ ، البلد الأمين : ٤٤١.

(٦) الصحيفة السجادية الجامعة : ٤١ ، البلد الأمين : ٤٤١.

١٧٠

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (١) ، قال : « خَلْقٌ أعظمُ مِنْ جبرئيل وميكائيل ، لم يكن مع أحد ممَّنْ مضى غير محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمّة يسدّدهم » (٢) ومثله صحيحاه الآخران (٣) ، وما رواه [ ... (٤) ].

وفي المقام أبحاث نفيسة ذِكرها يفضي إلى الإطناب والخروج عن موضوع الكتاب.

وكما أنّ الله تعالى أرسله وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين فكذلك شرّفه ( على ) جميع ( العالَمين ) وهو جمع ( عَالَم ) كخَاتَم وقَالَب وطَابَع ، وجمعه لاستغراق العوالم ، والألف واللام لاستغراق أفرادها ، كما يدلّ عليه قول أمير المؤمنين عليه‌السلام حين سُئل عن تفسير ( رَبِّ الْعالَمِينَ ) (٥) ، فقال : « هم الجماعات من كلّ مخلوق ؛ من الجمادات والحيوانات » (٦).

واختلف في تعيين معنى ( العَالَم ) ، ففي ( القاموس ) : إنّه ( الخَلقُ كلُّه أو ما حواه بطنُ الفَلَكِ ) (٧). انتهى.

وقيل : إنّه اسم لما يُعلم به كالخاتم لما يُختم به ، فغلِّب فيما يعلم به الصانع ، وهو ما سوى الله تعالى من الجواهر والأعراض. وإنّما لم يجمع بالألف والتاء تغليباً للعقلاء ، وعلى هذا فيصير مفرده أعمّ من جمعه ؛ لأنّ مفرده ما سوى الله تعالى وجمعه مخصوص بالعقلاء.

ولا يجمع هذا الجمعَ لفظٌ على هذا الوزن غيره وغير ياسَمٍ ، كما قاله في ( القاموس ) (٨).

__________________

(١) الإسراء : ٨٥.

(٢) الإسراء : ٨٥.

(٣) الكافي ١ : ٢٧٣ / ١ ، ٣.

(٤) سقط في أصل المخطوط.

(٥) الفاتحة : ٢.

(٦) الفاتحة : ٢.

(٧) القاموس المحيط ٤ : ٢١٦ / باب الميم فصل العين.

(٨) القاموس المحيط ٤ : ٢١٦ / باب الميم فصل العين.

(٩) الكشّاف ١ : ١٠.

١٧١

وقيل : ( اسم لذوي العِلْم من الملائكة والثقلين ) (٩) ، أي الجن والإنس.

وقيل : للثقلين خاصّة (١).

وقيل : المراد به كلّ ذي روح دبَّ أو درج (٢).

وقيل : المراد به الناس خاصّة (٣). وإنّما جُمع باعتبار أنَّ كلّ واحدٍ منهم عَالَم أصغرُ لاشتماله على ما في العالم الأكبر ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

وتزعَمُ أنَّكَ جرمٌ صغيرٌ

وفيك انطوى العالَمُ الأكبرُ (٤)

وقال الصادق عليه‌السلام : « الصورةُ الإنسانيةُ [ هي (٥) ] أكبرُ حججِ اللهِ على خلقِهِ » (٦). والأوْلى أن يراد به الصنف من الموجودات كما يدلّ عليه الحديث السابق ، وقوله عليه‌السلام : « خلق الله ، ألف ألفِ عالمٍ وألفَ ألفِ آدم » (٧). وإنّ تلك الإطلاقات كلّها صادقةٌ عليه بحسب اختلاف الاعتبارات.

تفضيل النبيّ وأهل بيته عليهم‌السلام

وبالجملة ، فإنَّ الله تعالى قد اختار نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله و ( اصطفاه ) ، أي جعله صفواً خالصاً من جميع الكدورات ( وفضَّله ) على جميع أهل الأرضين والسماوات ، والأدلّة على هذين المطلبين لا تخفى على ذي التفات ، بل هما غنيّان عن الإثبات ، ولكن لا بأس بذكر بعض الأخبار تيمّناً وتبرّكاً بكلمات الأئمّة الهُداة.

فقد روى الصدوق رحمه‌الله بأسانيده عن عبد السلام بن صالح الهروي ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما خلق الله خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي. قال علي عليه‌السلام : فقلتُ : يا رسول الله أفأنت أفضل أو جبرئيل؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، إنَّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ،

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١ : ١٣٨. (٢) الجامع لأحكام القرآن ١ : ١٣٨.

(٣) مجمع البيان ١ : ٢٤ ، الجامع لأحكام القرآن ١ : ١٣٨.

(٤) ديوان الإمام علي عليه‌السلام : ٤٥.

(٥) من المصدر.

(٦) المجلي : ١٦٩ ، ونسبه فيه لأمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٧) الخصال : ٦٥٢ / ٥٤.

١٧٢

وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين ، والفضلُ بعدي لك يا علي وللأئمّة من بعدك ، وإنّ الملائكة لخدّامُنا وخدّام محبّينا.

يا علي ، الذين ( يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) و ( يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) (١) بولايتنا.

يا علي ، لولا نحن ما خلق الله آدمَ ولا حوّاء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه وتمجيده؟ لأنّ أوّل ما خلق الله عزوجل خلق أرواحنا ، فأنطقنا بتوحيده وتحميده ، ثمّ خلق الملائكة فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا فسبّحنا ؛ لتعلَمَ الملائكة أنّا خلقٌ مخلوقون وأنَّه منزَّهٌ عن صفاتنا ، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا ونزَّهته عن صفاتنا. فلمّا شاهدوا عظم شأننا هلّلنا ؛ لتعلم الملائكة أن لا إله إلّا الله وأنّا عبيدٌ ولسنا بآلهة يجب أنْ نعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إله إلّا الله. فلمّا شاهدوا كبر محلِّنا كبَّرنا ؛ لتعلم الملائكة أنّ الله أكبر من أنْ ينال عظيمُ المحلِّ إلّا به. فلمّا شاهدوا ما جعله لنا من العزّة والقوّة قلنا : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ؛ لتعلم الملائكة أنْ لا حول ولا قوّة إلَّا بالله. فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا : الحمد لله ؛ لتعلم الملائكة ما يحقّ لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه ، فقالت الملائكة : الحمد لله. فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده.

ثمّ إنَّ الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً ، وكان سجودهم لله عزوجل عبوديّة ولآدم عليه‌السلام إكراماً وطاعةً ؛ لكوننا في صلبه ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون (٢)؟ »(٣).

وبهذا المضمون كثير من الأخبار لا تخفى على مَنْ جاس خلال الديار.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة يوم الجمعة والغدير في ذكر بعض أوصاف النبيّ الكبير مشيراً إلى مقام الاصطفاء والتفضيل والاختيار والتبجيل : « وأشهد أنَّ

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة المؤمن : ٧.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الحجر : ٣٠.

(٣) عيون أخبار الرضا ١ : ٢٦٢ / ٢٢ ، علل الشرائع ١ : ١٥ ـ ١٦ / ١ ، باختلاف يسير.

١٧٣

محمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الأُمم على علم منه ، انفرد عن التشاكل والتماثل من أبناء الجنس ، وانتجبه آمراً وناهياً عنه ، أقامه في سائر عالمه في الأداء عنه (١) مقامه ؛ إذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ، ولا تمثِّله غوامض الظنون والأسرار ، لا إله إلّا هو الملك الجبّار. قرن الاعتراف بنبوّته بالاعتراف بلاهوتيّته واختصّه من تكرمته بما لم يَلحقه أحد من بريّته ، فهو أهل ذلك بخاصّته وخلّته ، إذ لا يختصّ مَنْ يشوبه التغيير ، ولا يلحقه التظنين » (٢) .. إلى آخره.

وهذا من فضائله صلى‌الله‌عليه‌وآله قليل من كثير ، وهو قطرة من غدير ، كما لا يخفى على المتتبّع الخبير.

الصلاة على النبيّ وآله

ولمّا كان استفاضة القابل من الفاعل متوقّفة على مناسبة بينهما ، فكلَّما كانت المناسبة أتمّ كانت الاستفاضة أتمّ والاستفادة أعمّ ، وكانت النفوس البشرية إنّما تستفيض من بحر الذات الأحديّة لافتقارها في كلّ كلّية وجزئيّة ، وكانت محجوبة بحجب العلائق البدنية ، ومحجوزة بحجز العوائق البشرية ، ومتلوّثة بالكثافات الحيوانيّة. والفاعل عزّ شأنه في غاية التقدّس والتفرّد ، ونهاية التنزّه والتجرّد ، فلا بدّ للمستفيض والمستفيد من ذلك البحر الذي يفيض ولا يغيض من واسطة في البين تجمع بين الجهتين ، فبجهة التجرّد العُليا يستفيض من الحقّ ، وبجهة التعلّق تقبل منه الخلق ، وليس ذلك إلّا أصحاب الوحي ، وأعظمهم وأرفعهم نبيُّنا الكريم الموصوف في الذكر الحكيم بـ ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) ؛ ولهذا قال بحر العلم الدافق ، جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام : « مَنْ كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمّدٍ وآل محمّدٍ ، ثمّ يسأل حاجته ، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد وآل محمّد ، فإنَّ الله عزوجل أكرم من أنْ يقبل

__________________

(١) لم يرد في المصدر : « عنه ».

(٢) مصباح المتهجّد : ٦٩٧ ، البحار ٩٤ : ١١٣ / ٨ ، باختلاف فيهما.

(٣) القلم : ٤.

١٧٤

الطرفين ويدع الوسط ، إذ كانت الصلاة على محمّد وآلهِ لا تحجب عنه » (١). انتهى.

والسّر فيه أنهم صلوات الله عليهم هم القابلون للفيوض الربّانيّة بالذات ، وغيرهم إنّما هو بواسطتهم ، فلو أُفيض كرمه على غيرهم قبلهم لكان مثل أنْ يصنع سلطان عظيم الشأن ضيافةً عاليةً لرجل من سائر نوع الإنسان ، بخلاف ما لو قصد بها أوَّلاً وبالذات أحد المقرّبين الأعيان ، فإنّه لا ينافي ذلك إذنه في الأكل لجميع الرعيّة في جميع البلدان ، وأنّهم عليهم‌السلام أيضاً هم المقرّبون عند ذلك السلطان العظيم ، والمقبول شفاعتهم في كلّ دقيق وجسيم ، فلا بدَّ لمَنْ أراد قضاء حاجته ورام إنجاح طلبته من التقرّب إلى مقرِّبي حضرته بأنواع الهدايا التي تليق بخدمته ، وليس ذلك إلّا الصلاة على نبيّنا وذريَّته. فلاحظ المصنّف رحمه‌الله ذلك كلّه كما لاحظه سائر المصنِّفين بعده وقبله ، حيث يتوسّلون في فواتح تصانيفهم وخواتمها بالصلاة على محمّد أفضل الأنبياء وخاتمها ، وآلِهِ ورثةِ فضائل الأنبياء ومكارمها ، فقال بعد الثناء عليه :

( صلّى الله عليه ) أي : ترحّم عليه ؛ لأنّ الصلاة منه تعالى الرحمة ، كما رواه الصدوق رحمه‌الله في ( ثواب الأعمال ) عن الكاظم عليه‌السلام أنَّه سُئل : ما معنى صلاة الله وصلاة الملائكة وصلاة المؤمنين؟ فقال عليه‌السلام : « صلاة الله رحمة من الله ، وصلاة الملائكة تزكية منهم [ له (٢) ] ، وصلاة المؤمنين دعاء منهم له » (٣).

وفي ( معاني الأخبار ) عن أبي حمزة ، قال : سألتُ أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٤) فقال : « الصلاة من الله رحمة ، ومن الملائكة تزكية ، ومن المؤمنين (٥) دعاء » (٦).

ولا ينافيه عطف الرحمة عليها في قوله تعالى ( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) (٧) حيث إنَّه مقتضٍ للمغايرة ؛ لعدم تعيُّن العطف هنا ، بل يجوز أنْ يكون

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٩٤ / ١٦ ، الوسائل ٧ : ٩٥ ، أبواب الدعاء ، ب ٣٦ ، ح ١١.

(٢) من المصدر.

(٣) ثواب الأعمال : ١٨٧ / ١.

(٤) الأحزاب : ٥٦.

(٥) في المصدر : « الناس » بدل « المؤمنين ».

(٦) معاني الأخبار : ٣٦٨.

(٧) البقرة : ١٥٧.

١٧٥

تفسيرَها ، وهو شائع ذائع في القرآن وفي كثير من فصيح كلام أهل اللسان.

وكما تكون الصلاة لُغةً بمعنى الرحمة كذلك تكون بمعنى الاستغفار ، والتزكية ، والدعاء ، وحسن الثناء من الله عزوجل على رسوله ، وبمعنى المتابعة والتنزيه.

والظاهر أنَّ التزكية والتنزيه والاستغفار بمعنى واحد ، ولعلَّه مرادُ مَن فسَّر صلاة الملائكة بالاستغفار ، مقتصراً عليه مع تفسيرها في الخبرين بالتزكية ؛ لاستلزام الاستغفار التزكية في الذنوب والتنزيه من العيوب. بل قد يجعل الاستغفارُ نوعاً من الدُّعاء وحُسْنُ الثناء من الله عزوجل قسماً من الرحمة ، كما يجوز جعل التعظيم داخلاً في التزكية والتنزيه ؛ لاستلزامه إيّاهما ، فينحصر معناها في الدعاء والرحمة والاستغفار والمتابعة ؛ ولهذا كان المتداول بين أرباب التصنيف الاقتصار عليها وعدم إضافة باقي المعاني إليها.

نعم ، يبقى الإشكال في أنَّ استعمالها في هذه المعاني من باب الحقيقة والمجاز ، أو الاشتراك اللفظي ، أو المعنوي؟ فقال الشارح الشهيد رحمه‌الله في شرح الكتاب و ( روض الجنان ) ناقلاً له فيه عن بعضهم أيضاً : إنَّها حقيقةٌ في الدعاء خاصّة من الله وغيره ، لكنّها منه تعالى مجاز في الرحمة (١) ، محتجّاً بخيْريّة المجاز من الاشتراك والآية السابقة.

وهو مردود : أوّلاً : بوجود أمارة الحقيقة فيها وهو التبادر ، والأصل فيه أنْ يكون وضعيّاً لا إطلاقياً.

وثانياً : بتصريح الأكثر على الاشتراك ، ولا أقلّ من إفادته الظنّ ، وخيْريَّة المجاز إنّما تجدي مع الشكّ. وأمّا الآية (٢) فقد مرّ الجواب عنها ، مع أنّها مشتركة الإلزام لا لاعترافه بأنّها منه تعالى بمعنى الرحمة ، وإنّما بمنع كونها حقيقة ، فلهذا أجاب عن الإلزام بمنع اختصاص العطف بلزوم المغايرة ، وجعله من عطف الشي‌ء على مرادفه ، مستشهداً له ببعض الآيات والأخبار والأشعار. ولهذا كلّه جنح الأكثر إلى

__________________

(١) الروضة البهية ١ : ٢٠ ، روض الجنان : ٧.

(٢) الأحزاب : ٥٦.

١٧٦

الاشتراك اللفظي بين الثلاثة الأُوَل ، محتجّين بتدوينها في الكتب اللُّغَوية بضميمة أنّهم لا يذكرون فيها إلّا المعاني الحقيقية وهو مردود بأنّهم كثيراً ما يذكرون المعاني المجازية ؛ لأنّ الغرض من تدوين تلك الكتب بيان ما استعمل فيه اللفظ من المعاني الحقيقيّة والمجازيّة.

وذهب جمع من محقّقي المتأخّرين إلى أنّها حقيقة في القدر المشترك بين الثلاثة الأُوَل وهو العطف والرأفة. فالعطف بالنسبة إلى الله الرحمة ، وبالنسبة إلى الملائكة الاستغفار والتزكية ، وبالنسبة إلى الناس الدعاء ؛ لاستلزام قول الأكثر الاشتراك الذي الأصل عدمه والمجاز خير منه ، ولأنَّه لم يعهد في العربية فعل يختلف معناه باختلاف المسند إليه إسناداً حقيقيّا ، ولأنّ فعل الرحمة متعدٍّ ، وفعل الصلاة قاصر ولا يُفسَّر بالمتعدّي القاصر ، ولأنّ حقّ المترادفين صحَّة حلول كلٍّ منهما محلّ الآخر ، مع أنّه لو قيل مكان ( صلّى عليه ) : ( دعا عليه ) انعكس المعنى.

والحقّ أنَّ أكثر هذه الوجوه ، أو كلَّها لا يخلو من نظر ؛ لإمكان المناقشة في الأوّل بما مرّ.

وفي الثاني بمنع كون الإسناد هنا حقيقيّا بالنسبة إلى الله والملائكة. ولا ريب في اختلاف المعنى باختلاف المسند إليه في الإسناد المجازي كما يعترف به الخصم ، كما في قوله تعالى ( أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ ) (١) ؛ لاختلاف معنى السجود باختلاف الساجدين ، ولا فرق بين الصلاة والسجود.

وفي الثالث بالنقض بـ ( مررتُ بزيدٍ ) فإنّه قاصر ، مع تفسيرهم له بـ ( جاوزت ) وهو متعدٍّ.

وفي الرابع بالتزام صحّة حلول ( دعا ) مكان ( صلّى ) فإنَّ معنى ( صلى عليه ) : ( صلّى له ) ، ولا ريب في صحّة ( دعا له ) ، وإنّما عُدّي ( صلّى ) بـ ( على ) ؛ لإشرابه معنى

__________________

(١) الحجّ : ١٨.

١٧٧

( عطف ) ، أو لأنّ إشعار ( على ) بالمضرّة مخصوص في العرف بتعلقه بـ ( دعا ) دون ( صلّى ) ، فلهذا يقال : ( صلّى عليه ) ، دون ( دعا عليه ). وكون لفظ بمعنى لفظ آخر لا يستلزم أنْ يتعلّق به كلّما يتعلَّق بالآخر ، أو لأنّ ( على ) بمعنى اللام ، فتأمّل جيّداً.

وربّما يُستدلُّ على الاشتراك اللفظي بالخبرين السابقين لظهورهما في أنّهما حقيقة في تلك المعاني.

وفيه : أنَّ الاستعمال أعمّ من الحقيقية ، بل يمكن انطباقهما على الاشتراك المعنوي بجعل تلك المعاني أفراداً لكلِّي العطف الشامل لتلك المعاني ، لا من حيث الانفراد والخصوصيّة ، فتأمَّل جيداً.

وأمّا المتابعة وحسن الثناء فلم أقف على مصرِّح بجعلها حقيقة فيهما ، بل صرَّح بعض بمجازيّة الثاني منهما.

ولمّا كانت الملاحظة المذكورة في الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جارية في الصلاة على الآل وكانوا واسطة بيننا وبينه ؛ لأنّ ملاءمتهم لجنابة أكثر ، أتبَعَ الصلاةَ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة ( على آله ) ساداتِ البشر ، ولِمَا ورد في الأخبار الخاصّة والعامّة من النهي عن الصلاة البتراء وهي إفراده صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة ، ففي ( الكافي ) عن ابن القدّاح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « سمع أبي رجلاً متعلّقاً بالبيت وهو يقول : اللهم صلِّ على محمّد ، فقال له أبي : يا عبد الله ، لا تبترها ، لا تظلمنا حقّنا ، قل : اللهم صلِّ على محمّد وأهل بيته » (١).

وعن الصدوق في ( ثواب الأعمال ) و ( الأمالي ) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنَّه قال : « إنَّ الرجل من أُمّتي إذا صلّى عليَّ وأتْبَع بالصلاة علي أهل بيتي فُتحت له أبواب السماء ، وصلّت عليه الملائكة سبعين صلاة ، ثمّ تتحاتُّ عنه الذنوب كما يتحاتُّ الورق من الشجر ، ويقول الله تبارك وتعالى : لبّيك يا عبدي وسعديك. ويقول لملائكته : يا ملائكتي ، أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة وأنا أُصلّي عليه سبعمائة صلاة. وإذا صلّى عليَّ ولم يُتبع بالصلاة عَلَيَّ أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجاباً ، ويقول الله : لا لبّيك ولا سعديك. يا ملائكتي ، لا تصعدوا دعاءه إلّا أنْ يُلحق

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٩٥ / ٢١.

١٧٨

بنبيّي عترته. فلا يزال محجوباً حتى يُلحق بي أهل بيتي » (١).

وقال المحدّث السري السيّد نعمة الله الجزائري : ( قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء » ، فقالوا : يا رسول الله وما الصلاة البتراء؟ قال : « أنْ تقولوا : اللهم صلِّ على محمّد ، بل قولوا : اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد ». وروى أيضاً في صحيح أخبارنا أنَّه قال : « مَنْ صلّى عليَّ ولم يصلِّ على آلي لم يجد ريح الجنّة ، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام » ) (٢). انتهى.

إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في ( الكافي ) (٣) وغيره من كتب علمائنا الأخيار (٤).

وفي ( كشف الغمّة ) للشعراني من علماء العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنَّه كان يقول : « أنهاكم عن الصلاة البتراء » فقيل له : ما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ فقال : « أنْ تقولوا : اللهمّ صلِّ على محمّد وتمسكوا » ، فقيل : ما نقول؟ فقال : « قولوا : اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد » (٥) ومثله كثير ، ولا ينبئك مثل خبير.

الصلاة على النبيّ وآله واجبة ومستحبة

وكيف كان ، فلا خلاف ولا إشكال في أنَّ الصلاة على النبيِّ والآل من أفضل الأعمال وأرجح الأقوال. إنّما الكلام في الوجوب العيني في غير الصلاة كلّما ذكروا عليهم‌السلام أو ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة ، أو في كلّ مجلس مرّة ، أو في العمر مرّة ، أو أنَّه في الجميع على وجه الاستحباب دون الإيجاب ، وفي أنَّ ثواب الصلاة راجع إليهم بمعنى تأثيره في زيادة مرتبتهم أو راجع إلى المصلِّي عليهم.

أمّا الأول ، فالمعروف بين الأصحاب اختصاص الوجوب بتشهد الصلاة.

__________________

(١) ثواب الأعمال : ١٨٨ ١٨٩ ، أمالي الصدوق : ٤٦٤ / ١٨ ، باختلاف يسير.

(٢) الأنوار النعمانية ١ : ١٣١.

(٣) الكافي ٢ : ٤٩١ / باب الصلاة على النبيّ وأهل بيته.

(٤) الوسائل ٧ : ٢٠٣ ، أبواب الذكر ، ب ٤٢ ، ح ٦ ، ٧ ، البحار ٥ : ٢٠٩ / ٤٨.

(٥) المصدر غير متوفِّر لدينا ، انظر الصواعق المحرقة ١٤٦ ١٤٨.

١٧٩

وأمّا في غيره فليس إلّا الاستحباب. ونسب الى جمع من أصحابنا الوجوب في جميع الأحوال عند ذكر النبيّ والآل.

قلت : ومنهم السيد نعمة الله الجزائري (١) ، والمحدِّث الحر العاملي (٢) ، والمقداد السيوري على ما نقل عن كنزه (٣) ، والمحدِّث البحراني على ما نقل عنه في حدائقه (٤) ناقلاً له عن الشيخ البهائي (٥) ، والشيخ عبد الله بن صالح البحراني (٦) ، والكاشاني (٧) والمازندراني (٨) ، بل نقل عن الصدوق أيضاً (٩) ، إلّا إنَّ ما في ( المقنع ) لا يدلّ عليه إنْ لم يدلّ على خلافه ، فإنَّه قال فيه بعد ذكر جملة من المستحبات : ( وعليك بالصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، ثمّ نقل بعض الأخبار الآمرة بالصلاة عليه.

وأمّا في ( الهداية ) فلم يتعرّض لحكمها أصلاً في الصلاة وغيرها ، بل قيل : إنَّه في ( الفقيه ) أيضاً كذلك.

وذهب إليه من العامة الطحاوي (١٠) والزمخشري (١١).

وعن المقدّس الأردبيلي قدس‌سره القول بالوجوب في كلّ مجلس مرّة ، إنْ صلّى في آخره ، فلو صلّى ثمّ ذكر وجبت أيضاً نظير القول بتعدّد الكفّارة بتعدّد الموجب مع تخلّل التكفير (١٢).

واحتجّ للأول (١٣) بالأصل وإجماع ( الناصريات ) (١٤) ، بل و ( المنتهى ) ، و ( التذكرة ) ، و ( الخلاف ) ، و ( المعتبر ) (١٥) كما قيل على عدم وجوبها في غير الصلاة ، وبالسيرة

__________________

(١) الأنوار النعمانية ١ : ١٣٠. (٢) الوسائل ٧ : ٢٠١ ، أبواب الذكي ، ب ٤٢.

(٣) كنز العرفان ١ : ١٣٣. (٤) الحدائق الناضرة ٨ : ٤٦٣.

(٥) الحدائق الناضرة ٨ : ٤٦٤ ، مفتاح الفلاح : ١١٣. (٦) عنه في الحدائق الناضرة ٨ : ٤٦٣.

(٧) عنه في الحدائق الناضرة ٨ : ٤٦٣.

(٨) شرح أصول الكافي ( المازندراني ) ١٠ : ٢٣٤ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٨ : ٤٦٣.

(٩) عنه في شرح أُصول الكافي ( المازندراني ) ١٠ : ٢٣٤.

(١٠) عنه في شرح أُصول الكافي ١٠ : ٢٣٤ ، والمعتبر ٢ : ٢٢٦.

(١١) الكشّاف ٣ : ٥٥٧. (١٢) زبدة البيان في أحكام القرآن : ٨٦.

(١٣) وهو اختصاص الوجوب بتشهّد الصلاة. (١٤) مسائل الناصريات ٣ : ٢٢٩ ، المسألة : ٩١.

(١٥) منتهى الطلب ١ : ٢٩٣ ، تذكرة الفقهاء ٣ : ٢٣٢ ، الخلاف ١ : ٣٦٩ ، المعتبر ٢ : ٢٢٦.

١٨٠