الرسائل الأحمديّة - ج ١

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

فيُشفّعني الله فيهم ، والله لا شفعتُ فيمن آذى ذرّيتي » (١).

وسئل الرضا عليه‌السلام عن قوله عزوجل ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضى ) (٢) ، قال ك « لا يشفعون إلّا لمن ارتضى اللهُ دينه » (٣).

وروى الصدوق في ( فضائل الشيعة ) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كان يوم القيامة أشفع في المذنب من الشيعة ، فأمّا المحسنون فقد نجّاهم الله » (٤) ). انتهى.

وقال المحدّث المجلسي بعد إيراد ما رواه الصدوق رحمه‌الله في ( الخصال ) في حديث طويل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في جواب نفرٍ من اليهود سألوه عن مسائل : « وأمّا شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم » (٥) ما لفظه : ( المراد بالظلم : سائر أنواع الكفر والمذاهب الباطلة ) (٦). انتهى.

ولا يخفى أمثالها ، فلا فائدة إلى التطويل ، وكلّها ولله الحمد منطبقة على ما ذكرناه من التأويل.

ثم قال سلّمه الله تعالى بعد نقله قولنا : تركنا المناقشة لكم في موضعين : ( إذا عرفتم أنّ للكلام وجهاً حسناً في المآل ، فما فائدة المناقشة في المقال ، وإذا كان المحسن هو المتلبّس أو المتّصف فعلاً بالإحسان ، أو الفعل الحسن وإنْ كان للمقال فيه مجال ، فما المانع من اتّصاف مجتنب الكبائر بتلك الأحوال ، وإذا كانت ذنوب مجتنبي الكبائر مكفّرة بالنصّ الواضح البيان ، فأيّ تلبّس بهيئة غير مرضيّة تخرجه من الإحسان ، فيثبت عليه ما نفاه القرآن ، والغلطُ الواضح البيان إذا لم يهدم البنيان فالمناقشة فيه والعدم سيّان ).

أقولُ بعد قولنا : إنّا تركنا المناقشة في الموضعين حملاً لكم على أحسن الوجوه ، وصوناً لكلامكم عن المين ـ : لا فائدة في هذا الكلام وتوجيه الملام ، وحيث إنّ

__________________

(١) الأمالي ( للصدوق ) : ٣٧٠ / ٤٦٢ ، بحار الأنوار ٨ : ٣٧ / ١٢ ، بتفاوتٍ يسيرٍ ، وورد فيه عن الصادق عليه‌السلام.

(٢) الأنبياء : ٢٨.

(٣) الأنبياء : ٢٨.

(٤) فضائل الشيعة : ٧٧ / ٤٥ ، وفيه : ( نشفع في المذنبين من شيعتنا ) بدل : ( أشفع في المذنب من الشيعة ).

(٥) الخصال : ٣٥٥ / ٣٦.

(٦) بحار الأنوار ٨ : ٣٩ / ١٨.

١٠١

تحقيق المعنى الحقيقي في المشتقات ممّا يستغرق جملة من الأوقات ، ضربنا عنه صفحاً ، وطوينا عنه كَشْحاً ، إيثاراً للأهمّ وما نفعه الأعم.

١٠٢

علم الفقه

كتاب الطهارة

كتاب الصلاة

كتاب الزكاة

كتاب الصوم

كتاب الحج

كتاب التجارة

كتاب الصلح

كتاب الوكالة

كتاب الوصايا

كتاب النكاح

كتاب الطلاق

كتاب الأطعمة والأشربة

كتاب المواريث

١٠٣
١٠٤

الرسالة الرابعة

هداية البريّة

إلى أحكام اللمعة الدمشقيّة

١٠٥
١٠٦

مقدّمة المؤلِّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شرح صدورنا بالهداية لدين الإسلام ، وغرس في رياض قلوبنا حدائق معرفة الشرائع ومدارك الأحكام ، وفقّهنا في معالم دينه بما هو منتهى المطلب وغاية المرام ، وبصّرنا فيه بنهاية الاستبصار وكامل الإتقان ، ووفّقنا لتهذيب أحكامه وتحرير قواعده بجامع البيان ، والاستضاءة بمشكاة مصابيحه ، والغوص في بحار أنواره لاستخراج الجواهر ومنتقى الجُمان ، ووقّفنا على سرائره وكنز عرفانه وإشاراته وتبيانه بمجمع البرهان وجوامع التبيان.

والصلاة والسلام على مَنْ هم نبراس الضياء وَقَبَس الاهتداء ، وهداية الأُمّة وغاية المراد ، وبهم كمال الدين وإتمام النعمة والإرشاد ، محمّد مُخمِدِ نار العدم ، وآله المنتجبين في القدم ، صلاةً وسلاماً دائمين مدى الآباد.

أمّا بعد : فإنّ أشرف ما تصرف فيه نفائس النفوس وأطرف ما جرت به جياد الأقلام في ميادين الطروس (١) هو العلم بالأحكام الفقهيّة ، الذي تطابقت على شرفه الأدلّة العقليّة والنقليّة ، فإنّه بين سائر العلوم كالشمس بين سائر النجوم ، ولطال ما أنفق العلماء الأعلام فيه كنوز الأعمار ، وبذلوا في تحقيقه نفائس الأنظار والأفكار ،

__________________

(١) الطِّرس : الصحيفة. مختار الصحاح : ٣٩٠ طرس.

١٠٧

وارتكبوا حرصاً على تنقيحه الأخطار ، وعطّروا بالتأليف فيه أرجاء الأقطار ، فمِنْ مبسوطٍ كافٍ وافٍ في تنقيح دلائله ، ومختصرٍ نافعٍ معتبرٍ في جُمل عُقوده ومسائله ، ومهذّبٍ رائعٍ حاوٍ لعناوينه وعوائده ، ومستندٍ كاشف لرموزه ولثامِ قواعده ، وروضِ جنانٍ جامعٍ لمقاصده ، ودروسٍ كانت تذكرةً وذكرى لُاولي الألباب ، وموجزٍ كان غُنيةً ومُقنعاً في إيضاحه على نهجٍ عُجاب. شكر الله سعيهم وأدام من مياه الرضوان سقيهم.

وكان ممّا انتظم في سلك هذا العقد الشريف ، وانخرط في هذا السمط الطريف ، الكتاب المسمّى ب : ( اللمعة الدمشقيّة في فقه الإماميّة الاثني عشريّة ) ، فإنّه وإنْ كان صغير الحجم إلّا إنّه غزير العلم ، فعنَّ لي أنْ أُخرجه بشرح يحلّ مشكلاته ، ويفتح مقفلاته ، خالٍ من الإطناب المُمِلِّ ، والإيجاز المُخِلِّ ، فلم أزل أُقدِّمُ رِجلاً وأُؤخِّر اخرى ، ولم أدرِ أيّ الحالين أحرى ؛ لما أنا عليه من قلّة البضاعة باختلال الأحوال ، وجلة الإضاعة باختلاف الأهوال ، حتى هجمت العوائد الرّبّانيّة على موائد الفوائد السبحانيّة ، فتوجّهتُ تلقاء مدين هذا الشأن ، وأجريتُ جياد الفكر في فيافي ذلك الميدان ، واثقاً بالملك المنّان في إنجاح المطلوب وإصلاح الشأن ، وسمّيته : ( هداية البريّة إلى أحكام اللمعة الدمشقيّة ).

وأسأل الله أنْ يوفّقني لإتمامه والفوز بسعادة اختتامه ، وأنْ يجعله خالصاً لوجهه الكريم إنَّه ذو الفضل العظيم والطول العميم ، وقد أحببتُ أنْ أفتتحه بذكر أحوال مؤلِّفه الجليل تيمُّناً بذكره الجميل.

حياة الشهيد الأول

فأقول سائلاً منه تعالى التسديد في كلّ مقولٍ ـ : هو العالم العامل ، والحبر النحرير الكامل ، سمط جَرِيدةِ (١) الأماثل ، وواسطة عِقد الأفاضل ، الإمام في الفنون

__________________

(١) الجَريدة : الطائفة. كتاب العين ٦ : ٧٧ جرد.

١٠٨

الشرعيّة ، والرئيس في الحكمة الإلهيّة ، مالك أزِمَّة التحقيق ، ومتسنِّم صهوة التدقيق ، غوّاص بحار المعارف ، وقنّاص شوارد اللطائف ، العقل الحادي عشر والبرج الثالث عشر ، شمس سماء العبادة والزهادة ، وحاوي فضيلَتَي السعادة والشهادة ، جامع الكرامات والممادح والمحامد ، أبو عبد الله محمّد بن مكّي بن محمّد بن حامد ، رفع الله درجته كما شرَّف خاتمته.

موطنه

كان رحمه‌الله من أهل جزّين بالجيم المكسورة ، ثمّ الزاي المشدّدة كذلك ، ثمّ الياء المثناة التحتانية ، ثمّ النون إحدى قرى جبل عامل. أثنى عليه علماؤنا غاية الثناء ، وفضّلوه غاية التّفضيل ، وبجَّلوه نهاية التبجيل ، وجعلوه في أعلى مراتب الجلال ، وعدُّوه ممَّنْ حاز قصب السبق في الكمال. وكان ممَّنْ اتّفقتْ على توثيقه وعدالته كلمةُ مشايخنا الأبدال.

كلمات العلماء فيه

قال الشيخ أبو علي رحمه‌الله في كتابه ( منتهى المقال ) نقلاً من كتاب ( نقد الرجال ) للسيّد مصطفى التفريشي رحمه‌الله بعد ذكر اسمه الشريف ما لفظه : ( شيخ الطائفة وعلّامةُ وقته ، صاحب التحقيق والتدقيقٌ من أجلّاء هذه الطائفة وثقاتها ، نقيُّ الكلام ، جيِّدُ التصانيف ) (١). ثمّ نقل بعض كتبه.

وقال المحدِّث المنصف الربّاني الشيخ يوسف البحراني في ( لؤلؤة البحرين ) : ( وأمّا شيخنا الشهيد السعيد شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن مكي إلى أنْ قال ـ : فضله أشهرُ مِنْ أنْ يُذكر ونُبله أعظم مِنْ أنْ يُنكر ، كان عالماً ماهراً فقيهاً مجتهداً ، متبحّراً في العقليّات والنقليّات ، زاهداً عابداً ورعاً ، فريد دهره ) (٢). انتهى.

__________________

(١) منتهى المقال ٦ : ٢٠٧ ، نقد الرجال : ٣٣٥ / ٧٣٨.

(٢) لؤلؤة البحرين : ١٤٣ ـ ١٤٤ / ٦٠ ، وفيه : ( وأما الشيخ ) بدل ( وأما شيخنا ).

١٠٩

وبالجملة فهو من الجلالة بمكان ، بحيث لا تحتاج إلى البيان.

شعر :

هي الشمسُ كلُّ العالَمينَ يرونَهَا

عياناً ولكنْ ذِكرُها للتبرّك

وكان والده أيضاً كما قاله الشيخ يوسف في ( اللؤلؤة ) والحرّ العاملي في ( أمل الآمل ) ـ : فاضلاً من فضلاء المشايخ في زمانه ، ومن أجِلّاء مشايخ الإجازة (١).

مقتله

قُتل قدّس الله تعالى سِرَّه وبحضيرة القدس سَرَّهُ بالسّيف ، تاسع شهر جمادى الأُولى سنة ستّ وثمانين وسبعمائة ، ثمّ صلب ، ثمّ رجم ، ثمّ أُحرق بالنار لعن الله مَنْ قتله وَمَنْ بَلَغَهُ ذلك فرضيه وكان ذلك بدمشق في دولة ( بيدمرو ) وسلطنة برقوق بفتوى برهان الدين المالكي وعبّاد بن جماعة الشافعي ، بعد ما حُبس سنةً كاملةً في قلعة الشام. كذا نقله في ( اللؤلؤة ) عن كتاب ( أمل الآمل ) (٢).

قال الشيخ أحمد بن الحسن الحرّ في ( الدر المسلوك ) : توفي الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي الجزّيني ، تلميذ الشيخ فخر الدين محمّد ابن العلّامة الحلي ، بدمشق مقتولاً محروقاً بفتوى القاضي برهان الدين المالكي ، وعبّاد بن جماعة الشافعي في دولة بيدمرو وسلطنة الملك الظاهر برقوق سلطان مصر والشام ، سنة ستّ أو تسع وثمانين وسبعمائة بعد أنْ حُبس سنة كاملة في قلعة دمشق. وفي مدّة الحبس ألّف ( اللمعة الدمشقيّة ) في فقه الإماميّة في سبعة أيام. وكان سبب حبسه وقتله أنّه سعى به رجل من أعدائه وكتب محضراً يشتمل على مقالات شنيعة عند العامّة من مقالات الشيعة ، وكتب عليه شهادات جماعة منهم كثيرة ، وثبت ذلك عند قاضي صيدا ، ثمّ أتوا به إلى قاضي دمشق فحبسه سنة ، ثمّ أفتى الشافعي بتوبته

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ١٤٤ / ٦٠ ، أمل الآمل ١ : ١٨٥ ـ ١٨٦ / ١٩٩.

(٢) لؤلؤة البحرين : ١٤٥ / ٦٠ ، أمل الآمل ١ : ١٨٢ / ١٨٨.

١١٠

والمالكي بقتله ، فقُتل ثمّ صُلب ، ثمّ رُجم ، ثمّ أُحرق ، ولعنة الله على الظالمين ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (١).

ونقل في ( اللؤلؤة ) أيضاً عن خط العلّامة أبي الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (٢) أنَّه وجد في بعض المجموعات بخطِّ مَنْ يثق به منقولاً من خطِّ الشيخ العلّامة جعفر بن كمال الدين البحراني (٣) أنَّه وجد بخط الشيخ المرحوم المبرور المغفور [ له ] العالم العامل أبي عبد الله المقداد السيوري مثله ، إلّا أنّه زاد فيه بيان سبب حبسه ، ضاعف الله تطييب رَمْسِهِ وتطهير نَفسِهِ ، فإنّه قال بعد نقل المذكور ما لفظُهُ : ( وكان سبب حبسه أنْ وشى [ به (٤) ] تقي الدين الجبلي بعد ارتداده وظهور أمارة الارتداد منه ، وأنَّه كان عاملاً ، ثمّ بعد وفاة هذا الفاجر قام على طريقه شخص اسمه يوسف بن يحيى ، وارتدّ عن مذهب الإماميّة وكتب محضراً يشنّع فيه على الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي بأقاويل شنيعة ، ومعتقدات فظيعة ، وأنّه كان أفتى بها الشيخ محمّد بن مكي ، وكتب في ذلك المحضر سبعون نفساً من أهل الجبل ممَّنْ كان يقول بالإمامة والتشيّع وارتدّوا عن ذلك ، وكتبوا خطوطهم تعصّباً مع ابن يحيى في هذا الشأن ، وكتب في هذا ما ينيف على الألف من أهل السواحل من المتسنّنين ، وأثبتوا ذلك عند قاضي بيروت وقاضي صيدا. وأتوا بالمحضر إلى القاضي عبّاد بن جماعة لعنه الله بدمشق فنفذه إلى القاضي المالكي وقال له : تحكم فيه بمذهبك

__________________

(١) الشعراء : ٢٢٧.

(٢) الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن علي بن حسن بن أحمد بن يوسف بن عمّار البحراني الستري ، الماحوزي مولداً ومسكناً. انتهت إليه رئاسة بلاد البحرين في وقته ، ولد في ليلة النصف من شهر رمضان من السنة الخامسة والسبعين بعد الألف ، وتوفي في سابع عشر شهر رجب للسنة الحادية والعشرين بعد المائة والألف ، ودفن في مقبرة الشيخ ميثم بن المعلّى جد الشيخ ميثم العلّامة المشهور ، من أشهر مؤلّفاته : أزهار الرياض ، الفوائد النجفية. لؤلؤة البحرين : ٧ ١٢ ، أنوار البدرين : ١٥٠ ١٥٧.

(٣) الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني من العلماء الأعلام في البحرين ، سافر منها الى شيراز ، ثم الى حيدرآباد في الهند ، وصار فيها علماً للعباد ومرجعاً في تلك البلاد. وتوفي فيها في السنة الثامنة والثمانين بعد الألف من الهجرة. لؤلؤة البحرين ٧٠ ٧١ ، أنوار البدرين : ١٢٨ ١٣٠.

(٤) من المصدر.

١١١

وإلّا عزلتك.

فجمع الملك بيدمرو الأُمراء والقضاة والشيوخ لعنهم الله جميعاً وأحضروا الشيخ محمداً قُدِّس سرُّه بحضيرة القدس وقرئ عليه المحضر فأنكر ذلك ، وذكر أنّه غير معتقد له ؛ مراعياً للتّقيّة الواجبة. فلم يُقبل منه.

فقيل له : قد ثبت ذلك عليك شرعاً ، [ و ] لا ينتقض حكم القاضي.

فقال : الغائبُ على حجّته فإنْ أتى بما يناقض الحكم جاز نقضه وإلّا فلا ، وها أنا أُبطل شهادات مَنْ شهد بالجرح ، ولي على كلِّ واحد حجّة بيّنة.

فلم يُسمع ذلك منه ولم يُقبل.

فقال الشيخ رحمه‌الله للقاضي عبّاد بن جماعة : إنّي شافعي المذهب وأنت الآن إمام هذا المذهب وقاضيه ، فاحكم فيَّ بمذهبك.

وإنّما قال الشيخ ذلك ؛ لأنّ الشافعي يجوّز توبة المرتدّ.

فقال ابن جماعة له : على مذهبي يجب حبسك سنة ثمّ استتابتك. أمّا الحبس فقد حُبست ، ولكن تب إلى الله واستغفر حتى أحكم بإسلامك.

فقال الشيخ : ما فعلتُ ما يوجب الاستغفار حتى استغفر ؛ خوفاً من أنْ يستغفر فيثبت عليه الذنب.

فاستغلظه ابن جماعة وأكّد عليه فأبى عن الاستغفار ، فسارّه ساعة ، ثمّ قال : قد استغفرتَ فثبت عليك الحقّ. ثمّ قال للمالكي : قد استغفر والآن ما عاد الحكم اليَّ غدراً وعناداً لأهل البيت عليهم‌السلام ثمّ قال : الحكمُ عاد إلى المالكي.

فقام المالكي لعنه الله وتوضّأ وصلّى ركعتين ، ثمّ قال : قد حكمتُ بإهراق دمه.

فألبسوه اللباس ، وفُعِل به ما قلناه من القتل والصلب والرجم والإحراق ، لعنهم الله جميعاً الفاعل ، والراضي ، والآمر.

وممَّنْ تعصّب وساعد في إحراقه رجلٌ يقال له محمّد بن الترمذي لعنه الله مع أنّه ليس من أهل العلم وإنما كان تاجراً فاجراً. فهذا صورة هؤلاء في تعصّبهم على

١١٢

أهل البيت ، وشيعتهم. وليس هذا بأفضع ممّا فُعِل بابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسين بن علي عليهما‌السلام وأهل بيته عناداً. والحمد لله ربّ العالمين على السرّاء والضرّاء ، والشدّة والرخاء ، وذلك من باب ( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) (١) ، وما كتب البلاء إلّا على المؤمنين ) (٢).

انتهى المنقول من خط الشيخ المقداد في واقعة قتل ذلك العالم الجواد ، حشره الله مع أئمّته السادة الأمجاد ، وهو كافٍ في المراد.

وله قدس‌سره ولدٌ فاضلٌ محقّقٌ مدقّقٌ هو الشيخ ضياء الدين علي ، الذي يروي عنه الشيخ محمّد بن محمّد بن داود المؤذِّن الجزّيني ، الذي يروي عنه الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي الميسي ، رحمهم‌الله تعالى جميعاً.

__________________

(١) آل عمران : ١٤١.

(٢) لؤلؤة البحرين : ١٤٦ ١٤٨.

١١٣

شرح خطبة الكتاب

شرح البسملة

وحيث قد تمّ ما أردناه وحصل ما قصدناه ، فلنشرع في المقصود متوكّلين على الملك المعبود ، فنقول : لمّا جرت عادة السلف الصالح بابتداء مصنّفاتهم بالبسملة والحمدلة والثناء على الله تعالى بأنواع المحامد والممادح صدَّر كتابه قدّس الله روحه ، ونوّر ضريحه ، وطّيب ريحه ب ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) جرياً على منوالهم الراجح. وإنَّما ابتدءوا بالبسملة لوجوه :

منها : الاقتداء بالكتاب المجيد الذي ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١) ، فإنَّها أوَّله ، وأوَّل كلّ سورة منه ، ما عدا براءة ؛ لنزولها بالتهديد والزجر والوعيد ، بل قيل : قد عُوّض عنها في سورة النمل في قوله تعالى ( إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (٢) ، بل روى العيّاشي عن الصادق عليه‌السلام أنَّه : « ما أنزل الله تعالى كتاباً من السماء إلّا وهي فاتحته » (٣).

وفي ( الكافي ) عن الباقر عليه‌السلام : « أوّل كلّ كتابٍ نزل من السماء : بسم الله الرحمن الرحيم » (٤).

ومنها : امتثال الأوامر الواردة عن النبيّ المجيد وآله المعصومين خلفائه على الطارف والتليد ، الحاثّة على ذلك بما ليس عليه مزيد ، ففي تفسير الإمام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حدّثني عن الله عزوجل أنَّه قال : كلّ أمر ذي بالٍ لم يذكر فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر » (٥).

وفيه أيضاً وفي ( التوحيد ) عنه عليه‌السلام : « مَنْ تركها مِن شيعتنا امتحنه الله بمكروه لينبّهه على الشكر والثناء ، ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه [ قول بسم الله الرحمن الرحيم (٦) » (٧) ].

__________________

(١) فصّلت : ٤٢. (٢) النمل : ٣٠.

(٣) النمل : ٣٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٣.

(٥) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٥ / ٧ ، باختلاف.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٢ / ٧ ، التوحيد : ٢٣١ / ٥ ، باختلاف.

١١٤

وفي ( الكافي ) عن الصادق عليه‌السلام ، قال لا تدعها ولو كان بعدها شعر (١) ، إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المضمار.

ومنها : أنَّه جلَّ شأنه وعَظُم سلطانه أوّل الموجودات فناسب أنْ يكون اسمه أوَّل كلّ شي‌ء حتى المكتوبات ، كما قيل : إنّ له تعالى وجوداً في الأعيان ، ووجوداً في الأذهان ، ووجوداً في الإنسان ، ووجوداً في البيان وهي الكتابة. ووجوده تعالى في هذه الأقسام أشرف الوجودات.

ومنها : الردّ على أهل الجاهلية فإنّهم إذا أرادوا البسملة قالوا : باسمك اللهمَّ ، فلمّا نزل قوله تعالى ( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) (٢) ، وقيل : قوله تعالى ( إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (٣) ، أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقال ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (٤).

ثّم إنَّ المُراد من ذي البال في الحديث السابق هو الأمر المقصود بالذكر بالذات ، لا كلّ ما كان ذا شأنٍ وخطرٍ في نفس الأمر ، فتخرج البسملة عنه بهذا المعنى ، فلا يرد ما قيل من أنَّ البسملة أيضاً أمرٌ ذو بال فتقتضي بسملة اخرى ، وهي أيضاً كذلك ، فيلزم الدور أو التسلسل ، وهما باطلان. أو نخصّص ذلك العامّ بما سوى البسملة ، إذ ما من عامّ إلّا وقد خُصّ ، فنخرجها عن حكمه بالقرينة الخارجيّة من الأدلّة النقليّة ، كاستثناء الصلاة على النبيّ وآله في ضمن الصلاة عليهم ؛ بناءً على القول بالوجوب كلّما ذكر. أو نجعلها متخصّصةً بنفسها غير داخلة في العموم أصلاً ، على حدّ قولنا : كلّ شي‌ء معلول لله ، وقوله تعالى ( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ ) (٥) ، فإنَّ المُراد غير ذاته تعالى من غير احتياج إلى أحد المخصِّصات.

والفرق بين الجوابين ظاهر بلا رين.

ولك أنْ تبقية على عمومه وتلتزم بأنَّ البسملة الواحدة كما أنَّها بسملةٌ لغيرها

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٧٢ / ١ ، بالمعنى.

(٢) الإسراء : ١١٠.

(٣) النمل : ٣٠.

(٤) النمل : ٣٠.

(٥) الزمر : ٦٢.

١١٥

كذلك تجعلها بسملةً لنفسها ، كالدرهم الواحد في أحد نصب الزكاة ، فإنّه كما يصدق أنَّه زكاة لما انضمَّ اليه ، كذلك يصدق أنَّه زكاة لنفسه ، ولكن لا يخلو من خدش وتأمّل. أو نمنع الدور والتسلسل بانقطاع السلسلة ولو بانتهائها إليها ؛ لأنّ ما يوجد بالغير لا بدّ أنْ ينتهي إلى الموجود بالذات كوجود الأشياء المنتهى إلى وجود الواجب بنفسه ، ودسومة الأشياء المنتهية إلى دسومة الدسم بالذات ، وإليه الإشارة بقوله تعالى ( وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ) (١).

وحينئذٍ فابتداء غير البسملة بها ، وابتداؤها بها. ونظيره قول الصادق عليه‌السلام : « خَلَقَ اللهُ المَشِيئةَ بِنَفْسِها ثَمّ خَلَقَ الخَلْقَ بِالمَشِيئَةِ » (٢) على بعض الوجوه في الحديث.

ثمّ إنّ الشّائع على ألسنةِ أصحابنا في هذا المقام هو الاستدلال بالخبر المشهور : « كلّ أمر ذي بالٍ لم يبدأ فيه بِبِسْمِ الله فهو أبتر » (٣).

وهو بهذا اللفظ غير وارد من طرقنا ولا موجود في شي‌ء من كتب أخبارنا ، وإنّما هو من الأخبار العاميّة ، أخرجه المدني وابن مسعود والرهاوي عن أبي هريرة (٤) ، ولعلّه بناءً منهم على ما اشتهر بينهم من التسامح في أدلّة السنن.

وحيث اشتمل على لفظ الابتداء وقعوا في الإشكالين المشهورين ؛ من معارضته بحديث الابتداء بالحمدلة الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي هريرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) ، ومحالية الابتداء بالبسملة ؛ ضرورة أنَّ الابتداء إنّما هو بالباء فقط ، وسيأتي الجوابُ عن الأول في الكلام على التحميد.

وأمّا الجواب عن الثاني فبما قيل من تنزيل البسملة منزلة البسيط الخالي عن شائبة التركيب ، فيلزم من الابتداء بشي‌ء منه الابتداء به بكماله ؛ وذلك لأنّ الكلّ كما تُلاحظ معه أجزاؤه كذا قد يلاحظ شيئاً واحداً مع قطع النظر عن أجزائه ، وتصير

__________________

(١) النجم : ٤٢.

(٢) الكافي ١ : ١١٠ / ٤ ، التوحيد : ١٤٨ / ١٩ ، وفيهما : « خلق الأشياء » بدل « خلق الخلق ».

(٣) تفسير الكشّاف ١ : ٣ ٤.

(٤) الدر المنثور ١ : ٣١ ، وفيه : ( أقطع ) بدل : ( أبتر ).

(٥) الدر المنثور ١ : ٣٥ ، كنز العمال ١ : ٥٥٩ / ٢٥١١.

١١٦

الأجزاء حينئذٍ كأنّها مندمج بعضها في بعض ، فيكون الكلّ كالبسيط ، فيصح نسبة الحكم بالمخصوص بالكلّ إلى الجزء ويسري منه إليه ، فليتأمّل.

مع أنّ مبنى الشرع الشريف على الظواهر العرفيّة لا الدقائق الحكميّة.

معنى الباء

ثمّ الباء هنا تحتمل الاستعانة والملابسة ، فإنّ ذكر اسمه المبارك الميمون مثمرٌ للبركة على جميع الحالات والشؤون ، وتظهرُ الثمرة في اللَّغْوِيّة والاستقرار :

فعلى الأول يكون الظرفُ لغواً ، وهو ما كان عامله خاصّاً غير واجب الحذف ؛ إمّا لكونه لغواً من الضمير ، أي خالياً منه ؛ أو لعدم تعلُّقه بالاستقرار العامّ ، وعلى الأخير يكون مستقراً ( بفتح القاف وكسرها ) وهو عكس الأول ، كالواقع خبراً وحالاً ونعتاً وصلةً ووصفاً.

قيل : إمّا لاستقرار الأصل فيه ؛ لأنَّ الظرف لمّا قام مقام عامله انتقل إليه ، وإمّا لكون عامله الفعلَ العامَّ من الاستقرار والثبوت ، والكون والحصول ، والملابسة والوجود.

ويرجِّح الأول مضافاً إلى ما رواه الإمام العسكري عليه‌السلام في تفسيره (١) والصدوق في معانيه (٢) وتوحيده (٣) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « تقول : بسم الله ، أي أستعين على أُموري كلِّها باللهِ الذي لا تحقُّ العبادةُ إلّا له » أنَّ جعل الاسم الكريم وسيلةً لحصول الفعل مشعرٌ بزيادة مدخليّته وتمام الانقطاع إليه ، حتى كأنَّه لا يتمّ الفعل بل لا يحصل إلّا به ، ومعنى الملابسة عارٍ عن ذلك الإشعار غايةً ، وناءٍ عنه نهاية.

ويرجِّح الثاني كونُ الملابسة أدخل في التعظيم والتبجيل ، وأوغل في التكريم والتجليل ؛ لجعلها حينئذٍ متعلّقةً بالتبرّك.

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٨ / ٩ ، باختلاف. وفيه نصّ الحديث عن الإمام العسكري عليه‌السلام نفسه : ٢١ ٢٢ / ٥.

(٢) معاني الأخبار : ٤ / ٢ ، والحديث فيه منسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام.

(٣) التوحيد : ٢٣٢ / ٥ ، باختلاف.

١١٧

وأُورِدَ عليه أنَّ تقدير التبرّك حالة الملابسة يخرجها عن حيز الاستقرار وينأى بها عن صقع ذاك المزار ، إذ المستقر هو ما كان عامله عامّاً واجب الحذف والإضمار ، والتبرّك خاصّ ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار.

وأُجيب بأنَّ الفعل العامّ قد تقوم قرينةٌ تخصّصه ببعض الأفراد ، وذلك غير قادح في الاستقرار ، فإنّا إذا قُلنا : ( زيدٌ على الفرس ) ، فالأصل مستقرٌّ ، إلَّا إنَّ المراد منه بحسب القرينة الدالّة عليه راكبٌ.

وقد يقال : إنَّه مع قيام القرينة على إرادة الفعل الخاصّ فلا ريب في دخوله في حيّز تعريف اللغو وخروجه عن ضابط الاستقرار العامّ ؛ بناءً على أعمّيّة الخاصّ من الأصلي والعرضي ، فيفضي إلى عود الكلّ إلى الاستقرار العامّ.

وبطلانُهُ غير خفيِّ على ذي التأمُّل التامّ ؛ إذ لنا أنْ نقدِّر على تقدير إرادة الاستعانة أيضاً ـ ( متلبِّساً ) إلّا إنّ المراد بحسب مقتضى المقام على الاستعانة ، وهو خلاف ما صرّح به الأعلام.

ويحتمل كونها للإلصاق أيضاً ؛ لأنَّه أدخل في شدّةِ الملازمة ، مضافاً لأصالته فيها كما يظهر من غير واحدٍ ، وظاهر مرويّ الصدوق في ( التوحيد ) و ( العيون ) عن الرضا عليه‌السلام : أنَّه سُئِل عن معنى قول القائل : بسم الله ، فقال : « أي ، أسِمُ [ على (١) ] نفسي بسِمةٍ من سمات الله عزوجل » قيل : ما السمة؟ قال : « العلامة » (٢).

واحتمل بعضٌ كونها صِلةً ، أيْ زائدةً لتحسين اللفظ ، فمحلّ مجرورها حينئذٍ رفع على الابتداء ، وخبره محذوف تقديره : كهفي أو عوني أو حصني.

ولا يخفى ما فيه من مخالفة الأصل من وجهين ، مع عدم المقتضي لذلك في البين ، كما في تجويز بعضٍ آخر (٣) كونها حالَّة محلّ اسم تقديره ابتدائي ، وحذف خبرها ، أي ابتدائي ثابت ، إذ هو كما ترى.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) مجمع البيان ١ : ٢١.

١١٨

وإنَّما حُرِّكت الباء حذراً من الابتداء بالساكن ؛ لأنّه إمَّا متعذِّرٌ مطلقاً سواء كان لازماً لذاته كما في الألف ، أو لا كما في غيرها عند بعضٍ ، أو متعسّرٌ كذلك كما عند آخرين ، أو متعذِّرٌ في الأوّل فقط كما عن أكثر المحقّقين.

وكيف كان ، فالفرار من الابتداء به لازم بلا إشكال ؛ لنصِّ القائلين بالإمكان على عدم وقوعه في اللغة العربيّة بحال.

وحرّكت بالكسر دون غيره لتكون حركتها من جنس ما تحدثه ؛ لاختصاصها بلزوم الجرّ والحرفيّة ، ولم يلتزموه في الكاف ؛ لعدم ملازمتها الحرفية ، وأمَّا اللام فالقياس فيها كالباء ، وإنّما تفتح مع الضمير لمانع هو حصول الثقل بالانتقال من الكسر إلى غيره ، فأُوثر الفتح لخفَّته. على أنّه نُقل عن الفارسي (١) عدم امتناع الفتح والضم في الباء لحصول الغرض بهما.

وعن بعض العرب (٢) فتحها ، إلّا إنّه نادر في القياس والاستعمال.

الكلام على معنى الاسم واشتقاقه

و ( اسم ) مجرور بالباء ؛ لأنَّ الاستعانة بالاسم استعانة بالمُسمَّى على أبلغ وجهٍ ، ولأمره تعالى بالدعاء بأسمائه قال ( وَلِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) (٣).

وقيل : إنَّه مقحم بين الباء ومجرورها وهو لفظ الجلالة على حدّ قول لَبِيد :

إلى الحولِ ثمّ اسمُ السلامِ عليكُما

ومَنْ يَبكِ حولاً كاملاً فقد اعتذر (٤)

والإقحام وإنْ كان جائزاً بل واقعاً ، إلّا إنَّه مع مخالفة الأصل لا داعي إليه مع استقامة المعنى بغيره الذي لا محذور فيه.

وكأنّ الذي حداه على ذلك قصد الفرار من توهّم عينيّة الاسم للمسمّى ، كما جنح إليه أكثر الأشاعرة (٥) ، إذ الحقّ عند الإماميّة والمعتزلة هو الغيريّة (٦) كما دلّت

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٢١ ـ ٢٢.

(٢) مجمع البيان ١ : ٢١ ـ ٢٢.

(٣) الأعراف : ١٨٠.

(٤) مجمع البيان ١ : ٢١ ، الجامع لأحكام القرآن ١ : ٩٨.

(٥) التفسير الكبير ١ : ٩٥ ، شرح المواقف ٨ : ٢٠٧.

(٦) شرح أُصول الكافي ( الملا صدرا ) ٣ : ٨٠ ٨١ ، التفسير الكبير ١ : ٩٥.

١١٩

عليه الأخبار المعصوميّة (١) وقامت عليه الأدلّة القطعيّة العقليّة ، وإنْ كان المانع أنّ هذا الخلاف في عدم الثمرة كالخِلَاف ؛ لأنّه إنْ أُريد بالاسم اللفظ الدالّ على الذات فلا شبهة في أنّه غير المسمّى ضرورةَ أنَّ لفظ إنسان غير الحيوان الناطق ، وإن أُريد به ما صدق عليه فلا ريب أنّه عينه ، وإن تحيّروا في تحرير محلّ النزاع حتى إنّ بعض الأعلام (٢) اضطرب كلامه في المقام ؛ فتارة : [ جعله الذات (٣) ] إذا أُريد بالاسم الذات [ مع صفة ] معيّنة وتجلّ [ خاصّ ] ، وتارة : ما إذا لم تقم [ قرينة ] تعيّن المراد من الاسم ومن اللّفظ أو المسمّى.

وكلامه غير وافٍ بتحقيق المرام وغير شاف في تنقيح المراد.

أمّا الأول : فلأنَّه إنْ أراد بالذات المأخوذة مع صفة معيّنة ذات المعنى [ فلا كلام ] في أنّها المسمّى فلا يتصوّر مغايرتها له ، [ وإن أراد ] بها الدلالة فيتصوّر كونها عينه وإن كان لا يخلو من نظر.

وأمّا الثاني : فلأنّ ظاهرهم عدم اختصاص الخلاف المذكور باسمٍ دون آخر ، ولا بما لم تقم فيه قرينة على إرادة اللفظ أو المعنى ، دون ما قامت فيه قرينة تخصّه بأحدهما. ومَنْ أراد بسط الكلام في هذا المقام فليرجع إلى مطوّلات علمائنا الأعلام ، فإنّهم قد أرخوا في ذلك الزمام وكشفوا عن عزة المرام نقاب الإبهام.

واختلف في أصله :

فقال الكوفيّون (٤) : إنّه مشتقّ من السمة بمعنى العلامة ؛ لأنَّه علامةٌ على مسمّاه ، واصلة : ( وسم ) ، مكسور الفاء فحذفت اعتباطاً ، أو بعد نقل حركتها إلى السين لثقل الكسرة على الفاء ، ثمّ إسقاط الحركة المنقولة فحذفت الواو لالتقاء الساكنين. وكأنّ الأول أولى لسلامته من التكلّف ، فلمّا حذفت فاؤه أُتي بهمزة الوصل حالة الابتداء لتعذر الابتداء بالساكن ؛ ولهذا حذفت عند دخول الباء ؛ لعدم الحاجة إليها ، لا أنّها اتي

__________________

(١) الكافي ١ : ٨٧ / ٢ ، ١١٤ / ٢.

(٢) شرح أُصول الكافي ( المازندراني ) ٣ : ١٣٤ ١٣٥ ، نقلاً عن الشيخ البهائي.

(٣) سقط في المخطوط ، وكل ما بين المعقوفتين وفقاً لما في المصدر السابق.

(٤) الإنصاف في مسائل الخلاف ١ : ٦ ، التفسير الكبير ١ : ٩٤ ـ ٩٥.

١٢٠