إيضاح تردّدات الشرائع - ج ٢

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ٢

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

وأما ثانيا ، فلانها مخالفة لاصول المذهب ، ولان التدبير في عرف الشرع عتق العبد بعد وفاة المولى ، والمجعول له غير المولى.

وأما ثالثا ، فلان الا باق يبطل التدبير اتفاقا منا ، والرواية تتضمن أنه غير مبطل له ، وهو اختيار المتأخر محتجا بعين ما ذكرناه.

وهو ضعيف ، أما الاول فلوجود الدليل الشرعي ، وهو التمسك بالاصل والرواية التي ذكرناها. قوله « الرواية من أخبار الآحاد » قلنا : مسلم.

قوله « فلا يجوز العمل بها لما ذكرناه في أصول الفقه » قلنا : قد استدللنا على وجوب العمل بأخبار الآحاد هناك ، وأبطلنا حجة المخالف في ذلك لما فيه مقنع.

قوله « ولانها مخالفة لاصول المذهب » قلنا : ممنوع.

قوله « لان التدبير في عرف الشرع عبارة عن عتق العبد بعد موت مولاه » قلنا : ذلك باطل ، أما أولا فلعدم دليل التخصيص ، وأما ثانيا فللرواية.

قوله « وأما ثالثا فلان الإباق يبطل التدبير » قلنا : التدبير المعلق بموت المولى أو غيره ، الاول مسلم والثاني ممنوع.

قال رحمه‌الله : وفي اشتراط نية القربة في التدبير تردد ، والوجه أنه غير شرط.

أقول : منشؤه : النظر الى أن التدبير نوع من العتق ، فاشترط فيه نية القربة كالعتق ، وهو اختيار المتأخر ، قال بعد هذا : تدبير الكافر غير جائز.

والالتفات الى أن التدبير بمنزلة الوصية ، فلا يشترط فيه القربة كالوصية ، ولعله الاشبه ، ويدل عليه الروايات بالتدبير.

قال رحمه‌الله : ولو دبر المسلم ثم ارتد لم يبطل تدبيره. ولو مات في حال ردته عتق المدبر ، هذا اذا كان ارتداده لا عن فطرة ، ولو كان عن فطرة لم ينعتق المدبر بوفاة المولى ، لخروج ملكه عنه ، وفيه تردد.

٦١

أقول : منشؤه : النظر الى أن السبب المقضي وهو موت المولى قد وجد ، فيوجد معلوله ، وهو العتق عملا بالعلية ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط (١) ، بناء على القول بأن ملكه باق عليه ، وأنه لا يزول عنه بمجرد ارتداده.

والالتفات الى أن التدبير وصية فلا ينفذ فيه شي‌ء وحيث لم يحصل شي‌ء لم ينفذ العتق. أما المقدمة الاولى فاجماعية ، وأما المقدمة الثانية ، فلزوال ملكه عن جميع أمواله حالة ارتداده ، وانتقالها الى وارثه في تلك الحالة ، وهو أقرب ، فيلزم على هذا القول انعتاق ثلثه.

قال رحمه‌الله : ولو ارتد لا عن فطرة ثم دبر ، صح على تردد.

أقول : منشأ التردد : الشك في اشتراط القربة في التدبير ، فان قلنا باشتراطه لم يصح لتعذرها في جنبه ، وان لم نقل به وهو الاقوى صح التدبير ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف (٢) ، وحكم في المبسوط (٣) بالبطلان ، لانه نوع تصرف ، والمرتد ممنوع من التصرف اذ هو محجور عليه.

قال رحمه‌الله : ولو كان على الميت دين يستوعب التركة ، بطل التدبير وبيع المدبرون فيه ، وإلا بيع منهم بقدر الدين وتحرر ثلث من بقي ، سواء كان التدبير سابقا على الدين أو لاحقا على الاصح.

أقول : قال الشيخ رحمه‌الله في النهاية : واذا دبر عبده وعليه دين فرارا به من الدين ثم مات ، كان التدبير باطلا ، وبيع العبد في الدين وان كان التدبير سابقا واقعا في حال صحة المولى ، لم يكن لصاحب الدين على المدبر سبيل ، عملا برواية وهب بن حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤). ومثله رواية الحسن بن يقطين عن

__________________

(١) المبسوط ٦ / ١٧٣.

(٢) الخلاف ٢ / ٦٦٩.

(٣) المبسوط ٦ / ١٧٣.

(٤) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٦١ ، ح ١٢.

٦٢

أبي الحسن عليه‌السلام (١).

وقال المتأخر : هذا غير واضح ، لانه لا خلاف بيننا أن التدبير بمنزلة الوصية فيخرج من الثلث ، ولا يصح الا بعد قضاء الديون ، فعلى هذا التحرير والتقرير يباع العبد في الدين ويبطل التدبير على كل حال ، سواء دبره في حال السلامة أو فرارا من الدين وانما هذا خبر واحد ذكره وأورده شيخنا ايرادا لا اعتقادا. والحق ما قاله المتأخر ، وعليه الفتوى.

قال رحمه‌الله : ولو دبر الشريكان ثم أعتق أحدهما ، لم يقوم عليه حصة الاخر ، ولو قيل : يقوم كان وجها. ولو دبر أحدهما ثم أعتق ، وجب عليه فك حصة الاخر. ولو أعتق صاحب الحصة القن ، لم يجب عليه فك الحصة المدبرة ، على تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة البراءة ، ترك العمل بها في بعض الصور فيبقى معمولا بها فيما عداها ، ولان التقويم على خلاف مقتضى الدليل ، فلا يصار إليه الا بدليل ناقل ، ولان التقويم حكم شرعي ، فيقف على الدليل الشرعي ، وحيث لا دلالة فلا حكم ، وهو خيرة الشيخ في الخلاف (٢) ، وقواه في المبسوط (٣). ويؤيده أن الحصة المدبرة معرضة للحرية ، فلا حاجة الى تقويمها اذ لا ثمرة مهمة فيه.

والالتفات الى عموم الاخبار الدالة على وجوب التقويم على من أعتق شركا له من عبد ، وقد تقدم بعضها ، وهو الاقوى عندي ، وهو القول الاخر للشافعي.

قال رحمه‌الله : ولو دبره ثم كاتبه كان نقضا للتدبير ، وفيه اشكال.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الاصل عدم النقض ، فلا يصار إليه الا عند وجود

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٦١ ، ح ١٣.

(٢) الخلاف ٢ / ٦٧٠.

(٣) المبسوط ٦ / ١٧٩.

٦٣

اللفظ الدال عليه صريحا ، وهو غير موجود هنا ، ولانه لا فرق بين هذه المسألة والتي قبلها الا تقدم الكتابة على التدبير فى المسألة الاولى ، وتأخرها عنه في المسألة الثانية.

وليس ذلك صريحا في الرجوع في التدبير ، لانه كما يمكن الجمع بين الكتابة والتدبير مع تقدمها ، بأن يعتق بالكتابة مع أداء المال قبل موت المولى أو بالتدبير مع تأخر الاداء حتى يموت المولى ، فيكون عتقه متوقفا على أسبق الشيئين أداء المال أو موت المولى ، كذلك يمكن الجمع بين التدبير والكتابة مع تأخرها عنه بما ذكرناه حرفا حرفا ، فالحكم بأن احدى المسألتين مبطلة للتدبير والاخرى غير مبطلة له مع تساويهما في المنافاة له وامكان الاجتماع معه على الوجه الذي لخصناه تحكم محض.

واعلم أن الشيخ حكم في الخلاف بأن ذلك ابطال للتدبير ، ثم قال : دليلنا انا قد دللنا على أنه وصية ، واذا ثبت ذلك يثبت ما قلناه ، لان أحدا لا يخالف فيه مع ثبوته (١).

وقال في المبسوط : اذا دبر عبده أولا ثم كاتبه ، فمن قال : التدبير وصية ، قال : يكون رجوعا لانه وصية ، فهو كما لو أوصي بعبده ثم كاتبه. ومن قال : عتق بصفة قال : هو عتق بصفة ، قال : يصير مكاتبا مدبرا ، والحكم فيه كما لو كاتبه أو لا ثم دبره ، وقد مضى حرفا بحرف (٢).

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٦٩ ـ ٦٧٠.

(٢) المبسوط ٦ / ١٧٥.

٦٤

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى فصل المكاتبة )

قال رحمه‌الله. ويعتبر في الموجب البلوغ وكمال العقل والاختيار وجواز التصرف ، وهل يعتبر الاسلام؟ فيه تردد ، والوجه عدم الاشتراط.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم قوله تعالى « فَكاتِبُوهُمْ » (١) ويؤيده أن الكتابة عقد معاوضة ، فيصح ايقاعها من المسلم وغيره ، كغيرها من عقود المعاوضات ، وهو خيرة الشيخ في المبسوط (٢).

والتفات الى أن الكتابة نوع ازالة رق ، فيشترط في موجبها الاسلام كالعتق ، ونمنع اشتراط الاسلام في العتق ، سلمنا لكن الذي ذكرتموه قياس ، وهو عندنا باطل ، سلمنا لكن الوصف الجامع بين المقيس عليه والمقيس وصف سلبي ، والاوصاف السلبية لا يوجب التماثل ، لما مر في هذا الكتاب.

قال رحمه‌الله : وفي كتابة الكافر تردد ، أظهره المنع ، لقوله تعالى « فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا ».

__________________

(١) سورة النور : ٣٣.

(٢) المبسوط ٦ / ١٣٠.

٦٥

أقول : منشؤه : اختلاف التفسير في قوله تعالى « فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً (١) » فقال الشيخ في المبسوط (٢) والخلاف (٣) : المراد بالخير هنا الامانة والكسب وبه قال الشافعي. وقال ابن عباس وصاحباه مجاهد وعطا : هو الفقه والامانة فقط.

وقال الحسن البصري والثوري : هو الاكتساب فحسب. فعلى هذه الاقوال جميعا تصح مكاتبة الكافر ، اللهم الا أن يقال : ان الكافر ليس محلا للامانة.

وقيل : هو الدين والايمان. واختاره الراوندي والمتأخر ، فعلى هذا لا تصح مكاتبة الكافر ، ولعله الاقرب ، اذ لا يقال للكافر عرفا وان كان مكتسبا أن فيه خير.

واعلم أن الشيخ رحمه‌الله في المبسوط قوى القول بالبطلان للآية السابقة ، ولقوله تعالى « وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ » (٤) أمر الله تعالى باتيانهم من الصدقة الذي هو عبارة عن مال الله ، وليس الكافر من أهلها.

قال رحمه‌الله : وفي اعتبار اتصال الاجل بالعقد تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز ، ولان الكتابة نوع معاوضة ، فلا يشترط فيها الاتصال كغيرها ، وهو قوي.

والالتفات الى أنه عقد معاوضة ، فيشترط فيها اتصال الاجل بالعقد كالاجارة وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، ونمنع اشتراط الاتصال ، سلمنا لكنه قياس وهو باطل عندنا.

قال رحمه‌الله : ولو قال : علي خدمة شهر بعد هذا الشهر ، قيل : بطل على القول باشتراط اتصال المدة بالعقد ، وفيه تردد.

__________________

(١) سورة النور : ٣٣.

(٢) المبسوط ٦ / ١٣٠.

(٣) الخلاف ٢ / ٦٥٥ ـ ٦٥٦.

(٤) سورة النور : ٣٣.

٦٦

أقول : هذا الفرع مبني على هذه المسألة السابقة ، فكل من اعتبر الاتصال قال بالبطلان ، كما هو مذهب الشيخ في المبسوط (١) ، ومن لم يعتبر ذلك قال بالصحة.

قال رحمه‌الله : اذا مات المكاتب وكان مشروطا بطلت الكتابة ، وكان ما تركه لمولاه وأولاده رقا. وان لم يكن مشروطا ، تحرر منه بقدر ما أداه وكان الباقي رقا ولمولاه من تركته بقدر ما فيه من رق ، ولورثته بقدر ما فيه من حرية ، ويؤدي الوارث من نصيب الحرية ما بقي من مال الكتابة.

وان لم يكن له مال سعى الاولاد فيما بقي على أبيهم ، ومع الاداء ينعتق الاولاد وهل للمولى اجبارهم على الاداء؟ فيه تردد ، وفيه رواية أخرى تقتضي أداء ما تخلف من أصل التركة ، وتحرر الاولاد وما يبقى فلهم ، والاول أشهر.

أقول : منشؤه النظر الى أصالة براءة الذمة من وجوب السعي ، فلا يصار إليه الا لدليل أقوى ، ولان ثبوت الاجبار على خلاف مقتضى الاصل ، فيقف ثبوته على الدليل الشرعي ، وهو قوي ، ويؤيده ما رواه ابن عطية عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهو خيرة الشيخ في التهذيب (٢).

والالتفات الى أن حكم ولد المكاتب حكم أبيه في أنه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه ، ويتحرر منه بقدر ما تحرر من أبيه ،

اذا تقرر هذا فنقول : هؤلاء الاولاد بعضهم حر لا سبيل للمولى عليه ، وبعضهم مملوك له فيثبت له الولاية عليه ، فيشرع له الاجبار على السعي ، دفعا للضرر الناشي من تشقيصهم المقتضي لنقصان الولاية الثابتة له عليهم والمانع من الانتفاع الكلي بهم ، وعليه دلت ظاهر الرواية المروية عن الصادق عليه‌السلام ، وهو ظاهر كلام المتأخر

قال رحمه‌الله : اذا كان للمكاتب على مولاه مال ـ الى قوله : واذا تراضيا

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٧٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٧٣ ، ح ٢٩.

٦٧

كفى ذلك ، ولو لم يقبض الذي له ثم يعيده عوضا ، سواء كان المال أثمانا أو أعواضا وفيه قول آخر بالتفصيل.

أقول : قال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : لا يخلو مال الحقين من ثلاثة أحوال ، وعنى بذلك المال الذي للمكاتب على سيده والمال الذي للسيد على مكاتبه من ثلاثة أحوال : اما أن يكونا نقدين أو عرضين أو نقدا وعرضا ، فان كانا نقدين ، فلا يحتاج الى قبض الحقين معا ، بل يقبض أحدهما ماله من صاحبه ، ثم يرده عليه عوضا عماله في ذمته ، لان دفع العوض عن الدراهم والدنانير التي في الذمة يجوز.

وان كانا عوضين ، فلا بد أن يقبض أحدهما ثم يرد ما قبضه على الاخر عوضا عماله ، لان هذا العوض الذي في الذمة ثابت في أحد الحقين عن سلم ، فان المكاتب لا يجوز له أن يعوض ما في يده من المال وأخذ المال عن العوض الثابت في الذمة عن كتابه ، أو سلم غير جائز.

ثم قال رحمه‌الله : فاما اذا كان أحدهما نقدا والاخر عوضا ، فانه ان قبض صاحب النقد حقه ، لم يجز أن يدفعه عوضا عن العوض الذي في ذمته ، بل عليه تسليمه واقباضه. وان قبض صاحب العوض حقه ، جاز أن يدفعه بدلا عن النقد وعوضا عنه ، لما ذكرناه من التعليل (١).

وأقول : معنى هذه الجملة أن المكاتب لا يجوز له أن يبيع بالثمن المؤجل لما فيه من التغرير بالمال ، ويجوز أن يبتاع بالمؤجل لانتفاء التغرير حينئذ.

اذا تقرر هذا فنقول : هذا العوض الثابت في ذمة مولاه لا يجوز أن يكون ثمن مبيع باعه اياه ، اذ هو بيع بمؤجل ، فتعين أن يكون مبيعا حالا لم يقبضه المكاتب من سيده ، وبيع ما لم يقبض غير جائز عند هذا الشيخ رحمه‌الله ، ولهذا

__________________

(١) المبسوط ٦ / ١٢٤ ـ ١٢٥.

٦٨

أوجب أن يقبض كل واحد منهما ماله قبل صاحبه.

قال رحمه‌الله : اذا جنى عبد المكاتب ، لم يكن له أن يفكه بالارش ، الا أن يكون فيه الغبطة له ، ولو كان المملوك أبا للمكاتب ، لم يكن له افتكاكه بالارش ولو قصر عن قيمة الأب ، لانه يتعجل باتلاف مال له التصرف فيه ، ويستبقى ما لا ينتفع به ، لانه لا يتصرف في أبيه ، وفي هذا تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن صحة تصرفات المكاتب مشروطة بوجود الغبطة في كل نوع منها ، ولا غبطة في هذا النوع من التصرف ، فيكون باطلا. أما المقدمة الاولى فاجماعية.

وأما المقدمة الثانية ، فلانه ممنوع من التصرف في أبيه لو جاء أن يؤدي مال الكتابة ، فينعتق أبوه مع عتقه ، فلو سوغتا له الفك تعجلنا باتلاف مال موجود صالح للتكسب بالتصرف فيه ، واستبقينا ما لا ينتفع به عاجلا ، وفي ذلك ضرر عظيم للمولى والمكاتب أيضا ، وهو اختيار الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١).

والالتفات الى أنه ربما حصل في ذلك غبطة للسيد بتقدير أن يعجز المكاتب عن أداء ما عليه ، فيسترق ويسترق أبوه معه ، فيكون له الافتكاك ، ترجيحا لهذه المصلحة الظاهرة ، ولانا انما نمنعه من بعض التصرفات لتضرر المولى بها ، ولا ضرر على المولى هنا ، ولانه ان عجز عن الاداء استرقهما ، وان أدى حصل المقصود وهذا أقرب من القول الاول.

__________________

(١) المبسوط ٦ / ١٣٦.

٦٩

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الاقرار )

قال رحمه‌الله : ولو قال : له درهم بل درهم ، لزمه واحد.

أقول : هذا القول ذكره الشيخ في المبسوط (١) ، واحتج عليه بأن الظاهر من حال المتكلم بذلك أنه أمسك ليستدرك ، ثم تذكر أنه ليس عليه الا ذلك فيثبت عليه.

أقول : والاقوى لزوم درهمين ، لاستدعاء الاضراب المغايرة ، وهو بنص من أهل العلم أقوالهم.

قال رحمه‌الله : ولو قال : له عندي مال عظيم قبل تفسيره ولو بالقليل. وكذا لو قال : عظيم جدا كان كقوله عظيم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن لفظة « جدا » موضوعة في اللغة للمبالغة في الكثرة ، فلا يقبل تفسيره لها الا بأقل ما يمكن حملها عليه لغة ، وللفقهاء في حد ذلك خلاف ، فبعضهم قال : أقل ذلك ثلاثة دراهم وبعضهم ستمائة درهم وبعضهم اثنان وسبعون درهما.

والالتفات الى أن الاصل براءة الذمة ، ولا دليل على قدر معين مقطوع به بحيث

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٧.

٧٠

يرجع إليه ، فلم يبق الا تفسيره ، وإلا لزم التحكم المنهي عنه شرعا ، وهو اختيار الشيخ في كتابه والمتأخر.

قال رحمه‌الله : ولو قال : غصبتك شيئا وقال : أردت نفسك لم يقبل.

أقول : انما لم يقبل تفسير المقر لكلامه في هذه الصورة لما فيه من المنافاة لاقراره ، لان ذلك ليس بغصب في الحقيقة ، اذ الحر لا يثبت عليه يد الغاصب ، فقد فسر الغصب بما ليس بغصب ، فلاجل ذلك لم يقبل منه.

قال رحمه‌الله : ولو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى كان اقرارا. ولو قال : نعم لم يكن اقرارا ، وفيه تردد من حيث يستعمل الامران استعمالا ظاهرا.

أقول : منشؤه : وضع أهل اللغة « نعم » مخففة للكلام السابق نفيا أو اثباتا ، فعلى هذا لا يكون الجواب بها هنا اقرارا بل انكارا ، لانها يفيد تحقيق النفي ، وتحقيق النفي انكار بالضرورة ، اذ معناه : نعم ليس لك علي شي‌ء.

ولهذا قيل في قوله تعالى « ألست بربكم قالوا بلى » انهم لو قالوا نعم لكفروا ، اذ معناه حينئذ نعم لست بربنا ، وهذا اختيار الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١).

والالتفات الى أن أهل العرف يستعملونها للايجاب في الحالين ، فيكون الجواب بها اقرارا ، اذ تقدير الكلام نعم لك عندي كذا ، فالشيخ رحمه‌الله نظر الى الحقيقة اللغوية بأنها بعد « أليس » لا يقبل الاقرار بل تحقيق النفي ، والمصنف رحمه‌الله رجح الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية ، فحكم بافادتها الاقرار.

والحق ما قاله المصنف رحمه‌الله ، لان اللفظ اذا دار بين الحقيقة اللغوية والعرفية ، فالترجيح للعرفية ، اللهم الا أن يكون هناك قرينة حالية أو مقالية ، فيجب العمل بمقتضاها.

قال رحمه‌الله : الاستثناء من الجنس جائز ، ومن غير الجنس على تردد.

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٣.

٧١

أقول : منشؤه : النظر الى أن قبول الاستثناء في الاقرار على خلاف الاصل بمقتضى الدليل ، لما فيه من الانكار بعد الاقرار ، ترك العمل به في سماع الاستثناء من الجنس لدليل أقوى ، فيبقى معمولا به فيما عداه.

ولان الاستثناء من غير الجنس لو صح ، لصح اما من اللفظ أو من المعنى ، والقسمان باطلان ، فالقول بصحة الاستثناء من غير الجنس باطل.

أما الاول ، فلان اللفظ الدال على شي‌ء بعينه غير دال على ما يخالف جنس مسماه ، واللفظ اذا لم يدل على مسماه لا يحتاج الى صارف يصرفه عنه ، لاستحالة تحصيل ما هو حاصل.

وأما الثاني ، فلانه لو جاز حمل اللفظ على المعنى المشترك بين مسماه وبين المستثنى ليصح الاستثناء ، لجاز استثناء كل شي‌ء من كل شي‌ء ، لان كل شيئين لا بدّ أن يشتركا من بعض الوجوه ، فاذا حمل المستثنى على ذلك المشترك صح الاستثناء.

ولما عرفنا أن العرب لم يجوزوا استثناء كل شي‌ء من كل شي‌ء علمنا بطلان هذا القسم ، وهو اختيار فخر الدين الرازي من الاصوليين وأكثر الفقهاء والنحاة.

والالتفات الى أن في القرآن والشعر والمعقول ما يدل على جواز ذلك.

أما الاول ، فآيات خمس :

الاول : « وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلّا خَطَأً » (١).

الثاني : « فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلّا إِبْلِيسَ » (٢) ولم يكن من الملائكة بل من الجن.

الثالث : « لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ

__________________

(١) سورة النساء : ٩٢.

(٢) سورة الحجر : ٣٠.

٧٢

مِنْكُمْ » (١).

الرابع : « ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ » (٢) والظن ليس من جنس العلم.

الخامس : « لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً* إِلّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً » (٣) والسلام ليس من جنس اللغو.

وأما الثاني ، فقول الشاعر وهو النابغة :

وبلدة ليس بها أنيس

الا اليعافير والا العيس

وقول الاخر :

وقفت بها اصلالا أسائلها

أعيت جوابا وما بالدار من أحد

وأما الثالث ، فلان الاستثناء تارة يقع عما يدل عليه اللفظ دلالة المطابقة والتضمن ، وتارة عما يدل عليه دلالة الالتزام ، فاذا قال : لفلان علي ألف دينار الا ثوبا ، فمعناه : قيمة الثوب. والحق الاول لما ذكرناه ، والآيات مؤولات.

واعلم أن المانعين اختلفوا على قولين ، منهم من منع من ذلك مطلقا ، وهو غلط ، لانه واقع ومنهم من منع من ذلك حقيقة وجوزه مجازا ، وهو الحق ، واختاره فخر الدين والشيخ أبو جعفر.

أما المجوزون حقيقة ، فمنهم من ذهب الى أن الاستثناء مقول بالتواطؤ على المتصل والمنفصل دفعا للاشتراك ، وذهب آخرون الى أنه مشترك بينهما اشتراكا لفظيا ، لان المتصل اخراج والمنقطع يختص بالمخالفة من غير اخراج ، فلا اشتراك معنوي هنا.

وانما طولنا الكلام في هذه المسألة هنا ، لكونها من المسائل المهمة ، وان كانت خارجة عن هذا العلم.

__________________

(١) سورة النساء : ٢٩.

(٢) سورة النساء : ١٥٧.

(٣) سورة الواقعة : ٢٥.

٧٣

قال رحمه‌الله : اذا قال : له علي عشرة الا درهما ، كان اقرارا بتسعة ونفيا للدرهم ولو قال : إلا درهم ، كان اقرارا بالعشرة.

أقول : الفرق بين الصورتين أن « الا » في الصورة الاولى حرف استثناء ، ولهذا كان ما بعدها منصوبا ، اذ الاستثناء من الموجب يجب أن يكون منصوبا في الاحوال الثلاث ، وان اختلف في ناصبه ، والاستثناء من الاثبات نفي كما قرره ، فيكون قد أقر بتسعة وأنفى درهما.

وأما في الصورة الثانية ، فانها وصف لا حرف استثناء ، ولهذا كان ما بعدها مرفوعا ، فيكون قد أقر بعشرة ، اذ المعنى : له عندي عشرة غير درهم.

قال رحمه‌الله : ولو قال : ما له عندي شي‌ء ، كان اقرارا بدرهم. وكذا لو قال : ماله عندي عشرة الا درهم ، كان اقرارا بدرهم. ولو قال : الا درهما ، لم يكن اقرارا بشي‌ء.

أقول : اذا كان الاستثناء من بعد حرف النفي وأردت أن تقر بما بعد الا رفعته ، لانك اذا رفعته فانما رفعته ، بأن جعلته بدلا من العشرة ، فكانك قلت : ما له عندي الا درهم ، وان لم يرد الاقرار فانصبه ، ليصير تعبير الكلام : ما له علي تسعة ، وانما لم يكن ذلك اقرارا لان « عندي » لم يرفع شيئا ، فيثبت له عندك ، فكانك قلت : ما له عندي تسعة ، وهذا الفرق ذكره الشيخ في المبسوط (١) وأتبعه المتأخر.

قال رحمه‌الله : ويقبل اقرار المفلس ، وهل يشارك المقر له الغرماء أو يأخذ حقه من الاصل؟ فيه تردد.

أقول : ذهب الشيخ رحمه‌الله الى أن اقرار المفلس مقبول ، سواء أقر بدين في ذمته أو بعين من أعيان ماله ، محتجا بعموم قوله عليه‌السلام « اقرار العقلاء على أنفسهم

__________________

(١) المبسوط ٤ / ١١.

٧٤

جائز » (١) وهذا عاقل ، فيسمع اقراره.

وقال المتأخر : الاولى عندي أنه لا يصح اقراره في أعيان ماله بعد الحجر عليه ويصح اقراره بدين في ذمته ، وهو حسن لتعلق حق الغرماء بأعيان أمواله.

اذا عرفت هذا فنقول : منشأ التردد النظر الى تعلق حق الغرماء بما هو وجود في يده ، فيعطى دينه من الفاضل عن دين غرمائه ، وهو أحد قولي الشافعي.

والالتفات الى أن المقر له قد صار غريما بظاهر اقراره ، فتكون له المشاركة عملا بظواهر الاخبار ، وهو اختيار الشيخ في كتابيه المبسوط (٢) والخلاف (٣) والمتأخر والقول الاخر الشافعي.

قال رحمه‌الله : لو شهد الاخوان وكانا عدلين بابن للميت ، ثبت نسبه وميراثه ولا يكون ذلك دورا.

أقول : قال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : كل موضع يثبت النسب بالاقرار يثبت بالمال ، الا في موضع واحد ، وهو اذا كان اثبات الميراث يؤدي الى اسقاطه مثل أن يقر الاخوان بابن للموروث ، فان نسبه يثبت ، ولا يثبت الميراث ، لانه لو ورث حجب الاخوان وخرجا عن كونهما وارثين ، فيبطل الاقرار بالنسب ، اذ هو اقرار من غير وارث ، واذا بطل النسب بطل الميراث ، فلما أدى اثبات الميراث الى اسقاطه أسقط ، فيثبت النسب دونه.

ثم قال رحمه‌الله : ولو قلنا بثبوت الميراث أيضا كان قويا ، لانه قد ثبت نسبه بشهادتهما ، فتبعه الميراث لا بالاقرار. هذا في المقر الذي يثبت النسب باقراره ،

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٣ و ٢ / ٢٥٧ و ٣ / ٤٤٢.

(٢) المبسوط ٣ / ٤.

(٣) الخلاف ١ / ٦٢٢.

٧٥

وهو اذا كانا عدلين (١).

والمصنف رحمه‌الله اختار ما قواه الشيخ أخيرا ، وهو المعتمد ، واختاره المتأخر في الجزء الثالث من كتابه.

__________________

(١) المبسوط ٣ / ٣٩.

٧٦

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الأيمان )

قال رحمه‌الله : ولو قال : وقدرة الله وعلم الله ، فان قصد المعاني الموجبة للحال لم ينعقد اليمين ، ولو قصد كونه قادرا عالما جرى مجرى القسم بالله القادر العالم. وكذا تنعقد بقوله : وجلال الله ، وعظمة الله ، وكبرياء الله ، وفي الكل تردد.

أقول : اعلم أن المتكلمين اختلفوا في صفات الله تعالى ، فذهب جمهورهم الى أن صفاته تعالى ذاتية ، فهو تعالى عالم لذاته قادر لذاته ، لا بمعنى قائم به ، وكذلك باقي الصفات ، والاشاعرة أنكرت ذلك وزعموا أنه عالم بالعلم قادر بالقدرة حي بالحياة ، الى غير ذلك من الصفات ، وتحقيق القولين مذكور في كتب الاصول.

فمن قال بالاول قال : اذا حلف بهذه الصفات لم ينعقد يمينه ، لان الله عالم بذاته ، فاذا قال. وعلم الله ، كان معناه ومعلوم الله ، فلا يكون يمينا بالله.

وقال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) والخلاف (٢) : ان قصد الحالف المعاني التي أثبتها الاشعري لم ينعقد يمينه ، وان قصد به كونه قادرا عالما كان يمينا ، فان

__________________

(١) المبسوط ٦ / ١٩٦.

(٢) الخلاف ٢ / ٥٥٢ مسألة ١٠.

٧٧

ذلك قد يعبر به عن كونه عالما وقادرا ، وأتبعه المتأخر.

والمصنف رحمه‌الله تردد في ذلك ، ومنشأ تردده : النظر الى أن انعقاد اليمين حكم شرعي يقف ثبوته على اللفظ الذي وضعه الشارع دليلا على الانعقاد ، وليس الا الحلف به تعالى ، أو باسمائه المختصة به تعالى ، أو الذي ينصرف اطلاقها إليه وليس هنا شي‌ء منها بموجود.

والالتفات الى أن ذلك قد يعبر به عن كونه قادرا عالما ، ولو حلف بذلك انعقدت يمينه اجماعا ، وكذا بما هو في معناه ، ولقائل أن يمنع انعقاد اليمين مع الحلف بالقادر العالم.

قال رحمه‌الله : الاستثناء بالمشيئة يقف اليمين عن الانعقاد ، اذا اتصل باليمين أو انفصل ، بما جرت العادة أن الحالف لم يستوف غرضه ، ولو تراخى عن ذلك من غير عذر حكم باليمين ولغى الاستثناء ، وفيه رواية مهجورة.

أقول : أشار بذلك الى ما رواه الحسين القلانسي أو بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : للعبد أن يستثني في اليمين ما بينه وبين أربعين يوما اذا نسي (١).

وفي رواية الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام في قوله تعالى « وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ » (٢) قال : اذا حلف الرجل فنسي أن يستثني فليستثن اذا ذكر (٣). وعمل الاصحاب على الاول.

قال رحمه‌الله : ولا يدخل الاستثناء في غير اليمين ، وهل يدخل في الاقرار؟ فيه تردد ، والاشبه أنه لا يدخل.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الاقرار اخبار عن حق واجب في الذمة ، فلا يقبل

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٨١ ح ٢٠.

(٢) سورة الكهف : ٢٤.

(٣) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٨١ ، ح ١٩.

٧٨

التعليق على الشرط. أما الصغرى فاجماعية.

وأما الكبرى فلوجوب كون المشروط متوقع الوجود ، واستحالة كون الاقرار كذلك ، ولان قبول الاستثناء على خلاف مقتضى الاصل ، لما فيه من المناقضة للكلام السابق ، فلا نحكم بجوازه الا مع وجود الدليل الدال عليه ، وبه قال مالك من الجمهور ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف (١) محتجا بما ذكرناه أخيرا ، وهو خيرة المتأخر ، وهو غير موجود هنا.

والالتفات الى أن الاقرار ايقاع ، فيدخل فيه الاستثناء كاليمين ، وهو اختيار الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (٢) وأبي حنيفة ، ولما كان هذا الدليل ضعيفا لكونه مجرد قياس وهو عندنا باطل ، لا جرم كان القول الاول أقوى.

فرع :

قال الشيخ في المبسوط : يدخل الاستثناء في العتق والنذور (٣) وهو مذهب أبي حنيفة ، والبحث فيه كما تقدم.

قال رحمه‌الله : والحروف التي يقسم بها الباء والتاء والواو ، وكذا لو خفض ونوى القسم من دون النطق بحروف القسم على تردد ، أشبهه الانعقاد :

أقول : منشؤه : النظر الى أن الانعقاد حكم شرعي ، فيقف ثبوته على اللفظ الذي وضعه الشارع دليلا عليه ، وليس الا هذه مع النطق بها ، اذ القسم لا يكون الا بحرف القسم ، وهو خيرة الشيخ في الخلاف (٤) ، وحكاه عن جميع الفقهاء الا أبا جعفر الأسترآبادي.

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٥٥٨.

(٢) المبسوط ٦ / ١٩٩.

(٣) المبسوط ٦ / ٢٠٠.

(٤) الخلاف ٢ / ٥٥٦ مسألة ١٨.

٧٩

والالتفات الى أن أهل اللغة أجازوا ذلك واستعملوه اختصارا لكثرة الاستعمال ولعلم المحذوف هنا يقينا فيكون جائزا ومستعملا شرعا ، اذ الشرعي غالبا تابع للغوي.

فائدة :

اذا كان المقسوم به اسم الله تعالى جاز نصبه وجره مع حذف حرف القسم القسم ، فأما من نصب فانه يقول : انتصابه بفعل محذوف ، تقديره : ألزم يمين الله وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، أو يكون التقدير : أقسم الله ، أي بالله فلما حذف الحرف وصل الفعل إليه بنفسه فنصبه ، ولا يجوز الجر بعد الحذف الا في اسم الله خاصة لكثرة استعماله في القسم وقال الكوفيون : يجوز مطلقا ، واحتج كل من الفريقين بأدلة ليس هذا موضع ذكرها ، لكن القول الاول أقرب في المقامين.

قال رحمه‌الله : ولو قال : ها الله كان يمينا ، وفي أيمن الله تردد ، من حيث هو جمع يمين ، ولعل الانعقاد أشبه ، لانه موضوع للقسم بالعرف ، وكذا أيم الله وم الله.

أقول : منشؤه : اختلاف النحاة في هذه اللفظة ، فقال البصريون : هي مفردة واشتقاقها من اليمن أي البركة ، فعلى هذا يكون يمينا قطعا.

واحتج البصريون على صحة مذهبهم بأنها قد يكسر همزتها في بعض اللغات ، ولو كانت جمع يمين لما كسرت ، وبأن همزتها همزة وصل ، بدليل حذفها في قول الشاعر :

فقال فريق القوم لما نشدتهم

نعم وفريق أيمن الله لا ندري

وهمزة الجمع ليست بهمزة وصل.

وقال الكوفيون : هي جمع يمين ، فعلى هذا لا يكون قسما ، لان اليمين ليس

٨٠