إيضاح تردّدات الشرائع - ج ٢

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ٢

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

لانا نقول : عمار وان كان فطحيا ، لكن الشيخ وثقه وعمل بمفرداته ، ومع ذلك فهي مؤيدة بروايات أخر.

واعلم أن المتأخر قال : ان المملوكة ليست من النساء ، فلا يدخل تحت الآية وليس بشي‌ء وأن ذلك دعوى مجردة.

قال رحمه‌الله : ولو ظاهر من واحدة مرارا ، وجب عليه بكل مرة كفارة ، فرق الظهار أو تابعه ، ومن فقهائنا من فصل.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : اذا ظاهر من امرأته مرارا لم يحل. اما أن يوالي أو يفرق ، فان والى بأن قال : أنت علي كظهر أمي مرارا ، فان نوى بالثاني والثالث التأكيد لم يلزمه إلا كفارة واحدة بلا خلاف ، وان لم ينو التأكيد ولا الاستيناف ، فانه يلزمه كفارة واحدة اجماعا أيضا ، وان نوى الاستيناف لزمه بكل واحدة كفارة عندنا وعند قوم. وقال بعضهم : يلزمه واحدة.

وأما ان فرق فانه ينظر ، فان كفر عن الاول ثم تلفظ بالثاني ، وجب عليه بالثاني كفارة مجددة بلا خلاف ، وان لم يكفر عن الاول فالحكم كما لو والى ذلك ونوى به الاستيناف عندنا وعند الاكثر بكل لفظ كفارة ، وقال بعضهم : كفارة واحدة (١).

وقال في الخلاف (٢) : يلزم بكل مرة كفارة اذا نوى الاستيناف بها ، ولم يفرق بين المتتابع والمتفرق ، محتجا باجماع الفرقة والاحتياط وعموم الآية.

وقال المتأخر : واذا كرر كلمة الظهار ، لزمه بكل دفعة كفارة ، فان وطئ التي كرر القول لها قبل أن يكفر ، لزمته كفارة واحدة عن الوطي وكفارات التكرار ولعله الاقرب.

__________________

(١) المبسوط ٥ / ١٥٢.

(٢) الخلاف ٢ / ٢٦٢.

٤١

لنا ـ عموم الآية ، ولا ريب في صدق اسم الظهار على كل مرة مرة وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر قال : عليه بكل مرة كفارة (١). وفي معناها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) وقد روى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل ظاهر من امرأته أربع مرات في كل مجلس واحدا ، قال : عليه كفارة واحدة (٣).

فالشيخ رحمه‌الله لما نظر الى اختلاف الروايتين جمع بينهما بالتفصيل الذي نقلناه عنه ، وهو حسن ، لكن هذه الرواية ضعيفة السند ، فلا اعتماد عليها.

قال رحمه‌الله : وكذا كفارة الحنث في العهد ، وفي النذر على تردد.

أقول اختلف الاصحاب في كفارة خلف النذر والعهد ، فذهب الثلاثة وسلار الى أنها مثل كفارة رمضان ، عملا برواية أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام قال : من جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر فيه طاعة فحنث ، فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين ، أو اطعام ستين مسكينا (٤). وفي معناها رواية جميل بن دراج عن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥).

وذهب ابن بابويه الى أنها كفارة يمين ، عملا برواية حفص بن غياث قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن كفارة النذر ، فقال : كفارة يمين (٦) ، وهي ضعيفة ، فان حفص بن غياث بتري. وفي طريقها سليمان بن داود المنقري ، وقد طعن فيه ابن الغضائري وضعفه جدا.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٢ ، ح ٤٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٢ ، ح ٤٦.

(٣) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٣ ، ح ٤٨.

(٤) تهذيب الاحكام ٨ / ٣١٥ ، ح ٤٧.

(٥) تهذيب الاحكام ٨ / ٣١٤ ، ح ٤٢.

(٦) تهذيب الاحكام ٨ / ٣١٦ ، ح ٥٢.

٤٢

وقال المتأخر : ان كان النذر صوما معينا ، فكفارته كفارة رمضان ، وان كان غير الصوم فكفارة خلفه كفارة يمين. والمصنف رحمه‌الله اختار أن كفارة خلف النذر كفارة يمين ، عملا برواية جميل بن صالح عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : من عجز عن نذر نذره ، فكفارة يمين (١). وكفارة خلف العهد كفارة رمضان ، عملا بما ذكرناه من الروايات.

قال رحمه‌الله : ويعتبر في الرقبة ثلاثة أوصاف : الوصف الاول ـ الايمان وهو معتبر في كفارة القتل اجماعا ، وفي غيرها على التردد ، والاشبه اشتراطه.

أقول : ذهب الشيخ رحمه‌الله في الخلاف (٢) والمبسوط (٣) الى أن الايمان في الرقبة غير معتبر ، الا في كفارة القتل ، دون ما عداها من سائر الكفارات محتجا بوجهين :

الاول : أصالة براءة الذمة تنفي وجوب ذلك مطلقا ، ترك العمل بها في كفارة القتل ، للنص والاجماع ، فيعمل بها فيما عداها.

الثاني : القرآن ورد بوجوب هذه الكفارات على من وجد منه سببها ، ولم يشترط في الرقبة الايمان ، بل أطلق ذلك اطلاقا ، وانما قيدها بالايمان في قتل الخطأ خاصة ، فحمل غيرها عليها يحتاج الى دليل ، ولا دليل في الشرع يوجب ذلك.

وقال المتأخر : اختلف أصحابنا في ذلك ، فالاظهر الذي يقتضيه أصول المذهب أن في جميع الرقاب في الكفارات وغيرها لا تجزئ الا المؤمنة ، أو بحكم المؤمنة ولا تجزئ الكافرة ، محتجا بقوله تعالى « وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ » (٤)

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ / ٣٠٦ ، ١٤.

(٢) الخلاف ٢ / ٤٢٠.

(٣) المبسوط ٦ / ٢١٢.

(٤) سورة البقرة : ٢٦٧.

٤٣

والاستدلال بها يتوقف على مقدمات.

الاولى : أن النهي المجرد يقتضي فساد المنهي عنه في العبادات ، وقد ثبت ذلك جميعا في أصول الفقه.

الثانية : أن الكافر يسمى خبيثا ، فيدخل تحت الآية ، وقد ادعي الاجماع على اجراء هذا الاسم عليه.

الثالثة : أن العتق يسمى انفاقا والحق ذلك ، اذ الانفاق عبارة عما أخرج لوجه الله تعالى ، عتقا كان أو غيره. وهو اختيار الشيخ في التبيان (١).

واذا تقرر ذلك فنقول : نهى تعالى عن انفاق الخبيث ، وعتق الكافر انفاق خبيث ، فيكون منهيا عنه ، واذا كان منهيا عنه لم يكن مجزئا ، لان النهي يدل على فساد المنهي عنه ، وبأن طريقة الاحتياط قاضية بذلك ، لان الذمة مشغولة بالكفارة بغير خلاف ، ولا تبرأ بيقين الا اذا كفر بالمؤمنة ، لوقوع الخلف في اجزاء ما سواها وللاتفاق على اجزائها ، وهو اختيار علم الهدى وغيره من المشيخة ، واختاره الشيخ رحمه‌الله في التبيان ، وبه قال الشافعي ومالك والاوزاعي وأحمد واسحاق.

قال رحمه‌الله : ولو أسلم المراهق لم يحكم باسلامه ، على تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم قوله عليه‌السلام « رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ » (٢) وارتفاع القلم عنه يدل على أنه لا حكم لقوله ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٣).

والالتفات الى عموم قوله عليه‌السلام « اقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٤) ولان

__________________

(١) التبيان ٢ / ٣٤٤.

(٢) عوالى اللئالى ١ / ٢٠٩.

(٣) المبسوط ٦ / ٢١٢.

(٤) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٣ و ٢ / ٢٥٧ و ٣ / ٤٤٢.

٤٤

المراهق ـ أعني : الذي ناهز البلوغ ـ غير عاقل ولقائل أن يمنع ذلك ، اذ العقل انما يتحقق مع البلوغ أما قبله فلا.

قال رحمه‌الله : ويعتبر نية التعيين ان اجتمعت أجناس مختلفة ، على الاشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : اذا وجبت عليه كفارات من جنس واحد أو من أجناس ، فأعتق عنها أو صام ، فان الواجب عليه أن ينوي التكفير ، بحيث لا يفتقر الى تعيين النية عن كفارة بعينها.

قال وقال قوم : ان كانت من جنس واحد ، كفاه نية التكفير ولم يحتج الى نية التعيين. وان كانت من أجناس ، فلا بد فيها من نية التعيين ، فان لم يعين لم يجزئه وهذا عندي أقوى (١).

والحق ما قواه الشيخ أخيرا ، وهو اختياره في الخلاف ، واختاره المتأخر.

قال رحمه‌الله : ولو كانت الكفارات من جنس واحد ، قال الشيخ : يجزي نية التكفير مع القربة ، ولا يفتقر الى التعيين ، وفيه اشكال.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم قوله عليه‌السلام « الاعمال بالنيات » (٢) وجه الاستدلال أنه عليه‌السلام علق حصول الاعمال بانضمام النيات إليها ، فمهما لم تحصل النية مع العمل لم يقع العمل مشروعا.

اذا تقرر هذا فنقول : كل واحدة من هذه الكفارات يسمى عملا ، وان كانت من جنس واحد ، فمهما لم ينوه بانفراده لم يقع مشروعا ، فلا يكون مجزئا ، فيجب حينئذ نية التعيين ، تحصيلا للاتيان بالمأمور شرعا.

والالتفات الى أن نية التكفير مشتملة على نية كل فرد فرد من الكفارات ، لكون

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢٠٩.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٦.

٤٥

التكفير مصدرا ، والمصدر جنس مندرج على جميع ما تحته من الجزئيات ، فتكون مجزية ، وهو الاقوى ، واختاره المتأخر ، وادعى الشيخ في الخلاف الاجماع عليه ، والظاهر أنه أراد اجماع فقهاء العامة.

قال رحمه‌الله : ولو قال له قائل : أعتق مملوكك عن كفارتك ولك علي كذا فاعتقه لم يجز عن الكفارة ، وفي وقوع العتق تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن العتق ايقاع صدر من أهله في محله ، فكان صحيحا. وانما لم يجز عن الكفارة لانه قصد بعتقه العوض. اما الصغرى ففرضية اذ التقدير أنه وقع من المالك البالغ العاقل في حق مملوكه. وأما الكبرى فاجماعية.

وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، محتجا بأن العتق أوقع عن أمرين ، فاذا لم يقع عن أحدهما وقع عن الاخر ، ويستحق حينئذ العوض على الباذل ويقع العتق عنه ، ويكون ولاؤه له دون مولاه.

والالتفات الى أن المالك انما قصد اعتاقه على أن يكون مجزيا عن الكفارة ولم يحصل ، فبطل عتقه.

قال رحمه‌الله : ومع تحقق العجز عن العتق ـ الى قوله : وهل يأثم مع الافطار؟ فيه تردد ، أشبهه عدم الاثم.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المتابعة بين الشهرين واجبة اجماعا فالمخل بها من غير عذر آثم ، وان جاز له البناء على صومه ، الا اذا كان قد صام من الشهر الثاني شيئا ، اذ لا منافاة بين حصول الاثم بالاخلال بالتتابع وبين جواز البناء ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١).

والالتفات الى اطلاق الروايات الدالة على جواز التفريق مع صيام شي‌ء من

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢١٤.

٤٦

الشهر الثاني ، وفي جواز التفريق دليل على عدم الاثم ، وهو ظاهر كلام الشيخ في الخلاف.

قال رحمه‌الله : اذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالبا لم ينتقل فرضه بل يجب الصبر ، ولو كان مما يتضمن المشقة بالتأخير كالظهار ، وفي الظهار تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الانتقال عن احدى خصال الكفارة المرتبة مشروط بالعجز عن الخصلة المتقدمة عليها ، وهو غير متحقق هنا ، فلا يجوز الانتقال بل يجب الصبر الى أن يصل الى موضع يساره ويعتق ، وهو الاقوى عند الشيخ في المبسوط (١) لانه حق لا يفوت بالتأخير.

والالتفات الى أن عليه في التأخير ضررا ومشقة وحرجا ، فيكون سفها ، عملا بظاهر الآيات والمشهور من الروايات.

قال رحمه‌الله : وفي صحة الايلاء من المجبوب تردد ، أشبهه الجواز ، ويكون فئته كفئة العاجز.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم الآية (٢) ، وبه أفتى الشيخ في المبسوط (٣).

والالتفات الى أن الايلاء عبارة عن قصد الاضرار بالزوجة بالامتناع من وطئها بصفة يمين ، ولا ريب أن المجبوب الذي لم يبق له شي‌ء بحال غير قادر على الوطي ، بل هو ممتنع بغير يمين.

قال رحمه‌الله : وفي وقوعه بالمستمتع بها تردد ، أظهره المنع.

أقول : منشؤه : النظر الى رواية العلاء بن رزين عن عبد الله بن أبي يعفور

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢١١.

(٢) سورة البقرة : ٢٢٦.

(٣) المبسوط ٥ / ١٤٢.

٤٧

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا ايلاء على الرجل من المرأة التي يتمتع بها (١). وعليها فتوى الشيخ وعلم الهدى وابن أبي عقيل والمتأخر.

واحتج علم الهدى بقوله تعالى « فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » وجه الاستدلال أن يقال : المراد من النساء في الآية الدائمات ، لتعقيبها بالطلاق في من لم يفي‌ء ، ولما كان الطلاق بالمستمتع بها منفيا ، لا جرم كان الايلاء كذلك.

وفيه نظر ، فانه من باب تخصيص العام باللفظ الخاص ، وقد بين ضعفه في أصول الفقه.

والالتفات الى عموم آية الايلاء ، وبه قال أبو الصلاح ، وحكى ذلك عن المفيد في بعض مسائله ، والمعتمد الاول.

قال رحمه‌الله : واذا وافقته فهو مخير بين الطلاق والفئة ، فان طلق فقد خرج عق حقها ، وتقع الطلقة رجعية على الاشهر.

أقول : ذهب أكثر الاصحاب الى أن طلاق المولى يقع رجعيا ، وخالف شاذ منهم في ذلك وقال : انه يقع بائنا. لنا ـ الاصل.

قال رحمه‌الله : ولو تجددت أعذارها في أثناء المدة ، قال في المبسوط : تنقطع الاستدامة عدا الحيض ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الحيض أمر معتاد للمرأة ، فلا يعد عذرا مانعا من جهتها ، اذ العذر هنا عبارة عن الامر النادر المانع من الوطي ، كالمرض والجنون وما شاكلهما في المنع من الوطي.

ولان الحيض لو قطع الاستدامة لزم أن لا يتم تربص واحد في غالب العرف فان العرف أن تحيض المرأة في كل شهر حيضة ، فيفضي الى منع التربص بكل

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ / ٨ ، ح ٢٢.

٤٨

حال ، وهذا الدليل ذكره الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، محتجا به على هذا المطلوب.

والالتفات الى أنه عذر ، فتنقطع الاستدامة كغيره من الاعذار.

فرع :

قال في المبسوط : لو كانت أعذارها موجودة حين الايلاء ، لم يضرب لها المدة ما دامت الاعذار موجودة ، لان المدة انما تضرب اذا امتنع من جماعها بعقد يمين ، وهاهنا قد حصل المنع بغير يمين.

ثم قال رحمه‌الله : هذا في جميع الاعذار الا الحيض ، فانه لو آلى منها وهي حائض لم يمنع الحيض من ابتداء المدة (٢).

وأقول : البحث هنا في الحيض ، كالبحث في كونه قاطعا للاستدامة أم لا ، والتردد التردد والبيان البيان.

قال رحمه‌الله : قال في المبسوط : المدة المضروبة بعد الترافع لا من حين الايلاء ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى اطلاق الروايات الدالة على مدة التربص أربعة أشهر من غير تقييد بالمرافعة أو غيرها ، ويؤيده عموم الآية ، وبه قال أكثر الاصحاب.

والالتفات الى أن التربص حكم شرعي ، والاحكام الشرعية اذا وردت مطلقة انصرفت الى أهل الشرع ، فتكون مدة التربص موقوفة على اذن الشارع ، وهو المراد بالمرافعة ، وبه قال الشيخ وأتبعه المتأخر.

قال رحمه‌الله : ولا يلحق الخصي المجبوب على تردد.

__________________

(١) المبسوط ٥ / ١٣٦.

(٢) المبسوط ٥ / ١٣٥ ـ ١٣٦.

٤٩

أقول : منشؤه : النظر الى أن العادة قاضية بأن مقطوع الذكر والانثيين معا لا يولد ، فلا يلحق به الولد قضاء للعادة ، اذ الشرعيات مبنية على الظواهر ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط (١).

والالتفات الى عموم قوله عليه‌السلام « الولد للفراش وللعاهر الحجر » (٢) فالحق الولد بمجرد الفراش ، وامرأة الخصي المجبوب يسمى فراشا ، فيكون الولد الذي يلده امرأته لاحقا به ، ولا ينفى عنه الا باللعان ، ولعله الاقرب عملا بالاحتياط.

قال رحمه‌الله : ولو اعترفت المرأة بعد اللعان لم يجب عليها الحد ، الا أن تقر أربع مرات ، وفي وجوبه معها تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى قوله تعالى « وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ » (٣) فجعل الاثنان بذلك دارئا للعذاب الذي هو عبارة عن الحد هنا عنها وقد حصل ، فيسقط الحد عملا بالمقتضي السالم عن المعارض.

والالتفات الى أن موجب الحد هنا شي‌ء متجدد غير الاول ، وهو الاقرار أربعا ، فيجب الحد عملا بالمقتضي أيضا ، وعليه فتوى الشيخ في النهاية (٤) والمبسوط (٥) والخلاف (٦) ، وأتبعه المتأخر ، وهو قوي.

قال رحمه‌الله : اذ قذفها فأقرت قبل اللعان ، قال الشيخ رحمه‌الله : لزمها الحد ان أقرت أربعا وسقط عن الزوج. ولو أقرت مرة ، فان كان هناك نسب ، لم ينتف الا باللعان ، وكان على الزوج أن يلاعن لنفيه ، لان تصادق الزوجين على الزنا لا ينفي

__________________

(١) المبسوط ٥ / ١٨٦.

(٢) عوالى اللئالى ٢ / ١٣٢ و ٢٧٥.

(٣) سورة النور : ٨.

(٤) النهاية ص ٥٢١.

(٥) المبسوط ٥ / ٢٠١.

(٦) الخلاف ٢ / ٢٨٨.

٥٠

السبب ، اذ هو ثابت بالفراش ، وفي اللعان تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن اللعان انما يجب على نفي الفراش ، ثم يتبعه انتفاء النسب ، وليس كذلك هنا ، اذ اللعان هنا ينفرد بنفي النسب ، فلم يكن للزوج ذلك ، وهو مذهب أبي حنيفة.

والالتفات الى أن النسب لم ينتف باعترافها بالزنا. أما أولا ، فلعدم التنافي بين ثبوت الزنا والنسب ، اذ هو ممكن الاجتماع. وأما ثانيا ، فلان النسب لاحق بالفراش ، فاحتاج في نفيه الى اللعان ، وهذا الدليل الاخير احتج به الشيخ في المبسوط (١).

واحتج في الخلاف (٢) بقوله تعالى « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ » (٣) الآية ، فشرع اللعان عند حصول الرمي المطلق الشامل للقذف بالزنا منفردا عن انكار الولد ومنضما إليه نطقا أو معنى ، ولم يفرق بين أن تعترف المرأة بالزنا أو تنكره ، وهو قوي ونمنع انحصار اللعان فيما ذكر أولا ، وانما هو مذهب أبي حنيفة فقط.

قال رحمه‌الله : أما العتق ، فعبارته الصريحة : التحرير ، وفي الاعتاق تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة بقاء الملك على مالكه ، فلا ينتقل عنه الا بأحد الاسباب المحررة قطعا ، وليس إلا لفظة التحرير ، لوقوع الاجماع على صحة العتق مع التلفظ بها ، وحصول الخلف في وقوع مع اللفظ بغيرها.

وهو ظاهر كلام الشيخ في الخلاف ، محتجا باجماع الفرقة وأخبارهم ، وبأن الاصل بقاء الرق ، وايجاب العتق بما قالوه يحتاج الى دليل ، وما ذكرناه مجمع

__________________

(١) المبسوط ٥ / ٢٠٢.

(٢) الخلاف ٢ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩.

(٣) سورة النور : ٦.

٥١

على وقوع العتق به (١) وهو الظاهر من كلام المتأخر.

والالتفات الى أن أهل اللغة يستعملون لفظة العتق في التحرير استعمالا ظاهرا ، بحيث لا يفهم منها عند الاطلاق الا التحرير ، وسبق المعنى الى الذهن دليل الحقيقة وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط (٢) وابن أبي عقيل ، ويؤيده اتفاق علمائنا رضوان الله عليهم على حصول العتق بقول القائل : اعتقتك وجعلت مهرك عتقك ، الى غير ذلك من المسائل المشهورة.

قال رحمه‌الله : ولو قال لامته : يا حرة وقصد العتق ، ففي تحريرها تردد ، والاشبه عدم التحرير لبعده عن شبه الانشاء.

أقول : منشؤه : النظر الى أن التحرير حكم شرعي ، فيقف ثبوته على اللفظ الذي وضعه الشارع دليلا على وقوعه ، وليس إلا قوله : أنت حر أو حرة ، ولان لفظ النداء بعيد عن شبه الانشاء والعتق انما يقع بصيغة الانشاء فقط ، اذ هو ايقاع فيستحيل وقوعه بلفظ الاخبار أو غيرها وان قصد بها العتق ، لان النية لا تستقل بوقوع العتق ما لم يكن اللفظ الصريح كغيره من الايقاعات.

والالتفات الى عموم قوله عليه‌السلام « الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى » (٣) وهذا قد نوى العتق ، فيجب أن يكون حاصلا له ، عملا بظاهر الخبر.

قال رحمه‌الله : اذا أعتق ثلث عبيده وهم ستة ، استخرج الثلث بالقرعة ، وصورتها : أن يكتب في ثلاث رقاع اسم اثنين في كل رقعة ، ثم يخرج على الحرية أو الرقية ، فان أخرج على الحرية كفت الواحدة ، وان أخرج على الرقية أفتقر الى اخراج اثنين.

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٥٣ مسألة ١٤.

(٢) المبسوط ٦ / ٥١.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٦.

٥٢

واذا تساووا عددا وقيمة أو اختلفت القيمة مع امكان التعديل أثلاثا فلا بحث وان اختلفت القيمة ولم يمكن التعديل أخرج ثلثهم قيمة وطرح اعتبار العدد ، وفيه تردد. ولو تعذر التعديل عددا وقيمة ، أخرجنا على الحرية حتى يستوفي الثلث قيمة ، فلو قصرت قيمة المخرج أكملنا الثلث ولو بجزء من آخر.

أقول : اعلم أن هذه المسألة تفرض على ستة أقسام.

الاول : أن يكونوا على صفة يمكن تعديلهم أثلاثا بالقيمة والعدد معا ، بأن يكونوا ستة قيمة كل واحد ألف ، فيكون كل عبدين ثلث ، فيستخرج بالقرعة ، كما ذكر في المتن.

الثاني أن يمكن (١) تعديلهم بالقيمة والعدد معا ، لكن اختلفت قيمتهم اختلافا لا يمنع من ذلك ، كان يكونوا ستة قيمة اثنين ألفان وقيمة اثنين أربعة آلاف وقيمة اثنين ستة آلاف ، فتكون التركة اثنا عشر ألفا ، فيضم من قيمته ألف الى من قيمته ثلاثة آلاف ، فيصير كل عبدين ثلثا ويستخرج بالقرعة كما قلنا.

الثالث : أن يكونوا على صفة بحيث يمكن تعديلهم ، اما بالعدد دون القيمة أو بالقيمة دون العدد قبل أن يكونوا ستة ، قيمة عبد ألف وقيمة عبدين ألف وقيمة ثلاثة ألف ، فان اعتبرت القيمة لم يمكن التعديل بالعدد ، وان اعتبرت العدد وجعلت كل عبدين ثلثا اختلفت القيمة ، وما الذي يصنع؟

قال الشيخ رحمه‌الله : قال قوم : يعتبر القيمة ويترك العدد ، كما أن قيمة الدار اذ لم يمكن بالمساحة والاجزاء عدلت بالقيمة.

وقال آخرون : يعتبر العدد ويترك القيمة ، فيضم الى من قيمته ألف واحدا من الثلاثة الذين قيمتهم ألف ، فيكون عبدان بأكثر من ألف وعبدان بأقل من ألف ، لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل كل عبدين جزءا.

__________________

(١) فى « س » : يكون.

٥٣

وعنى بذلك ما رواه عمران بن الحصين أن رجلا من الانصار أعتق ستة أعبد عند موته لم يكن له مال غيرهم ، فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال قولا سديدا ودعاهم فجزاهم ثلاثة أجزاء فاقرع بينهم فاعتق اثنين وأرق أربعة.

ثم قال رحمه‌الله : والاول أصح عندنا. وانما اعتبر النبي عليه‌السلام العدد ليساوي القيمة ، فحينئذ جعل واحدا ثلثا واثنين ثلثا وثلاثة ثلثا ، وتقرع بينهم على ما مضى (١).

وأما المصنف رحمه‌الله ، فقد تردد في القولين ، ومنشأ تردده : النظر الى ظاهر الخبر ، فانه دال على اعتبار العدد مطلقا. والالتفات الى أن في ذلك ضررا على الورثة ، فتعتبر القيمة كما في قسمة الدار الغير متساوية الاجزاء.

الرابع أن يمكن التعديل بالقيمة دون العدد ، مثل أن كانوا (٢) خمسة قيمة عبد ألف وقيمة آخرين ألف وقيمة الآخرين ألف ، فالتعديل هنا بالقيمة ، ومن خالف في الاولى وافق هنا ، اذ التعديل بالعدد غير ممكن هنا ، فلا بد من اعتبار القيمة.

الخامس : أن يعتذر التعديل عددا وقيمة ، مثل أن يكونوا خمسة ، قيمة واحد أربعة آلاف ، وقيمة اثنين ألفان ، وقيمة اثنين ألف ، فما الذي نصنع؟ فيه قولان أحدهما ـ لا يراعى قيمة ولا عددا ، لكن يكتب اسم كل واحد في رقعة ويخرج على الرقبة أو الحرية حتى يستوفي الثلث ، لانه اذا لم يمكن واحد منهما استوفينا الثلث على ما يمكن.

والقول الثاني : أن يجعل اثنان سهما واثنان سهما والخامس بينهما ويقرع ، فمن خرج اسمه من الاقسام الثلاثة كان حرا ، لانه أقرب الى ما فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من التعديل بالعدد. قال الشيخ رحمه‌الله : والقولان معا قريبان.

السادس : أن يكون كل ماله عبدين ، فانا نقرع بينهما ، فان خرجت قرعة

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٥٩.

(٢) فى « س » : يكونوا.

٥٤

الحرية على أحدهما ، فان كانت قيمته وفق الثلث بجزء من الاخر وان كانت أكثر عتق بقدر الثلث ، واسترق باقيه والاخر.

واعلم أن هذه الفروض الاخيرة خارجة عن قانون المسألة التي ذكرها المصنف في المتن ، لكن لما الم بذكر بعضها ، وذكرها الشيخ في المبسوط (١) أحببنا إيضاحها ، وفي هذه الاقسام تداخل.

قال رحمه‌الله : اذا أعتق مملوكه عن غيره باذنه ، وقع العتق عن الامر ، وينتقل الى الامر عند الامر بالعتق ، ليتحقق العتق في الملك ، وفي الانتقال تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى انعقاد الاجماع على اجزاء العتق عن الامر ان لو كان عليه عتق واجب ، ووقوعه عنه أن لو كان تطوعا وفي انعقاد الاجماع على ذلك دليل على انتقاله الى الامر قبل العتق ، لقوله عليه‌السلام « لا عتق الا في ملك » (٢) ولحصول الاتفاق على أن سبق الملك على العتق شرط في صحة وقوع العتق.

واعلم أن الحكم بالانتقال هنا مستفاد من اجماعين ، وهو من جملة ضروب الاستدلال بالخطاب.

والالتفات الى أن انتقال ملك الغير الى غيره يفتقر الى صريح اللفظ الدال عليه ، وهو غير موجود هنا ، ولان أسباب الانتقال محصورة معدودة ، وليس هنا شي‌ء منها.

فرعان :

الاول : اعلم أن القائلين بالانتقال اختلفوا في وقته ، فذهب طائفة الى أنه يملكه بشروعه في لفظ الاعتاق ، وذهب آخرون الى أنه ينتقل عند الامر بالعتق مع حصول الاعتاق عند الامر بالعتق بلا فصل. وقال قوم : يملكه عند قول المعتق « اعتقت

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٥٨ ـ ٦٠.

(٢) عوالى اللئالى ٢ / ٢٩٩ و ٣ / ٤٢١.

٥٥

هذا العبد عنك » وينعتق عليه بعد ذلك بلا فصل ، وهو الذي قواه الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، وليس بعيدا من الصواب.

الثاني : اعلم أن المتأخر قد نازع في وقوع العتق عن الاذن ، وقال : الذي يقتضيه مذهبنا أن العتق لا يقع الا عن المالك للعبد دون الاذن الذي ليس بمالك لانه لا خلاف في قوله عليه‌السلام « لا عتق قبل ملك » (٢) و « لا طلاق قبل نكاح » (٣) والاذن لم يملك العبد ، وانما هو على ملك المباشر للعتق الى حين اعتاقه ، وانما هذا الذي ذكره شيخنا رحمه‌الله فهو قول المخالفين ، دون أن يكون في أخبارنا ، أو أجمع أصحابنا عليه.

قال رحمه‌الله : اذا أعتق ثلاث إماء في مرض الموت ولا مال له سواهن ، أخرجت واحدة بالقرعة ، فان كان بها حمل تجدد بعد الاعتاق ، فهو حر اجماعا وان كان سابقا على الإعتاق قيل : هو حر أيضا ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالتي بقاء الرق والملك ، فيتمسك بهما الى حين ظهور المزيل قطعا ، ولان الاعتاق يفتقر الى صريح اللفظ ، وهو غير موجود هنا ولان اللفظ انما يتناول الام فقط ، وليس الحمل جزءا منها ، وهو اختيار المتأخر.

والالتفات الى أن الحمل تابع لامه في البيع ، فكذا في العتق ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٤) ، والمقدمة الاولى ممنوعة.

قال رحمه‌الله : ويعتق حصة الشريك بأداء القيمة لا بالاعتاق ، وقال الشيخ : هو مراعى.

أقول : قال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : قيل في هذه المسألة ثلاثة أقوال

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٧١.

(٢) عوالى اللئالى ٢ / ٢٩٩ ، ٣ / ٤٢١.

(٣) عوالى اللئالى ١ / ٢٣٣ ، ٣ / ٢٠٥.

(٤) المبسوط ٦ / ٦٥.

٥٦

أحدهما : أنه يعتق كله باللفظ وتثبت القيمة في ذمة الشريك ، وعليه تسليمها الى شريكه.

والثاني : أنه ينعتق نصيبه باللفظ ودفع القيمة فان دفع القيمة الى شريكه عتق نصيب شريكه ، وان لم يدفع لم يعتق.

والثالث : أن يكون مراعى ، فان دفع القيمة الى شريكه عتق نصيبه ، وان لم يدفع لم يعتق ، فان أدى تبينا أنه عتق وقت العتق ، وان لم يؤد شيئا تبينا أن العتق في نصيب شريكه لم يقع ، قال : وهذا هو الاقوى عندي (١).

وقال في الخلاف : انه يعتق بالاداء ، محتجا بما رواه سالم عن أبيه عن النبي عليه‌السلام أنه قال : اذا كان العبد بين اثنين ، فأعتق أحدهما نصيبه. فان كان موسرا يقوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط ، ثم يعتق (٢). فجعل العتق مترتبا على الاداء الآن ثم يقتضي المهلة والتراخي.

قال رحمه‌الله : والوجه في الخبرين أن قوله « انه عتيق وعتق كله » معناه سيعتق ، لان العرب يعبر عن الشي‌ء بما يؤول إليه ، قال الله تعالى « إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً (٣).

وعنى بذلك ما رواه نافع عن ابن عمر أن النبي عليه‌السلام قال : من أعتق شركا من عبد وكان له مال يبلغ ثمنه فهو عتيق » (٤).

وما رواه ابن عمر أيضا أن النبي عليه‌السلام قال : اذا كان العبد بين رجلين ، فأعتق أحدهما نصيبه وكان له مال ، فانه ينعتق النصيب الاخر في الحال (٥). واختار المتأخر

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٥١ ـ ٥٣.

(٢) الخلاف ٢ / ٦٤٩.

(٣) سورة يوسف : ٣٦.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ / ٨٤٤ ، برقم : ٢٥٢٨.

(٥) سنن ابن ماجة ٢ / ٨٤٥.

٥٧

أنه ينعتق بنفس اللفظ ، عملا بظاهر الخبرين السابقين.

فرع :

لو تصرف الشريك في نصيبه قبل أخذ القيمة ، بأن أعتقه أو باعه ، قيل : يصح لمصادقته الملك ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط (١) ، وأفتى به في موضع من الخلاف (٢) ، وقيل : يبطل لانه قد استحق في حق شريكه العتق ، وبه أفتى الشيخ في موضع آخر من الخلاف مستدلا بما ذكرناه ، ويلزم المتأخر القول بالبطلان لانعتاقه بنفس اللفظ عنده.

قال رحمه‌الله : واذا دفع المعتق قيمة نصيب شريكه ، هل ينعتق عند الدفع أو بعده؟ فيه تردد ، والاشبه أنه بعد الدفع ، ليقع العتق عن ملك ، ولو قيل بالاقتران كان حسنا.

أقول : منشؤه : النظر الى الحكم بثبوت الولاء له ، وفي الحكم بثبوته له دليل على انعتاق النصيب منذ الدفع ، لان الولاء الثابت له هنا عن عتق ، والعتق لا يقع الا في ملك ، فيحتاج الى تملك سابق على العتق ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٣).

والالتفات الى أن القول بانعتاقه بعد الدفع ليس أولى من القول بانعتاقه عنده لتساوي الاحتمالين ، فيحكم بوقوع الملك والعتق معا في شأن واحد ، لان القول باشتراط الملك في صحة العتق مع القول بالاقتران ممكن الاجتماع ، فيحكم بهما.

واعلم أن هذا الفرع انما يتمشى على قول من يقول ان حصة الشريك ينعتق بشرطين : اللفظ ودفع القيمة ، أو على من يقول : انه مراعى ، أما على قول من

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٥٢.

(٢) الخلاف ٦ / ٦٤٨ ـ ٦٤٩.

(٣) المبسوط ٦ / ٥٢.

٥٨

يقول انه ينعتق بنفس اللفظ فلا.

قال رحمه‌الله : واذا ملك شقصا ممن ينعتق عليه لم يقوم عليه ان كان معسرا وكذا لو ملكه بغير اختياره. ولو ملكه اختيارا وكان موسرا ، قال الشيخ : يقوم عليه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة براءة الذمة من وجوب التقويم ، ترك العمل بها في صورة عتق نصيبه من العبد المشترك ، للنص والاجماع ، فيبقى معمولا بها فيما عداها.

والالتفات الى أن تملكه بعضه مع العلم بأنه ينعتق عليه بمنزلة مباشرة عتقه وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١).

قال رحمه‌الله : وفي عتق من مثل به مولاه تردد ، والمروي أنه ينعتق.

أقول : منشؤه النظر الى أصالتي بقاء الرق والملك ، فلا يحكم بانتقالهما الا مع ظهور الناقل قطعا ، وهو اختيار المتأخر.

والالتفات الى ظواهر الاخبار الدالة على انعتاقه مع حصول ذلك من مولاه وبه أفتى الشيخ في النهاية (٢).

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٦٩.

(٢) النهاية ص ٥٤٠.

٥٩

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب التدبير )

قال رحمه‌الله تعالى : التدبير هو عتق العبد بعد وفاة المولى ، وفي صحة تدبيره بعد وفاة غيره ، كزوج المملوكة ووفاة من يجعل له خدمته تردد ، أظهره الجواز ، ومستنده النقل.

أقول : منشؤه : النظر الى الاصل القاضي بالجواز ، ويؤيده رواية يعقوب ابن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له الخادم ، فيقول : هي لفلان تخدمه ما عاش ، فاذا مات فهي حرة ، فتأبق الامة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين ، ثم تجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها بقدر ما أبقت؟ فقال : لا اذا مات الرجل فقد عتقت (١). وعليها فتوى الشيخ في النهاية (٢).

والالتفات الى أن هذا النوع حكم شرعي ، فيقف ثبوته على الدليل الشرعي ولا دليل عليه الا هذه الرواية ، وهي من أخبار الآحاد ، فلا يعمل بها.

أما أولا ، فلان العمل بخبر الواحد غير جائز ، لما بيناه في أصول الفقه.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٦٤ ، ح ٢٨.

(٢) النهاية ص ٥٥٤.

٦٠