إيضاح تردّدات الشرائع - ج ٢

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ٢

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

فرد أحدهما ثبت للآخر حصته.

ومنع المتأخر من ذلك ، نظرا الى أن الشفعة تابعة لثبوت الابتياع ، وحيث لا ثبوت فلا شفعة ، وذكر بعد ذلك كلاما طويلا لا فائدة في ايراده ، وهو مذهب أبي العباس ، والمصنف تردد في ذلك ، ومنشأ تردده النظر الى الوجهين ، فانهما قويان.

١٢١

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب احياء الموات )

قال رحمه‌الله : ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم ، قضي له به ، لانه يدعي ما يشهد به الظاهر ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الظاهر قاض له بذلك ، فيحكم له به ، عملا بظاهر قوله عليه‌السلام « أنا أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ».

والالتفات الى أنه خارج عن ملكه ولا يدل عليه ، فلا يحكم له الا ببينة ، عملا بقوله عليه‌السلام « البينة على المدعي » (١).

قال رحمه‌الله : في شروط التملك بالاحياء : الخامس (٢) ـ أن لا يكون مما أقطعه امام الاصل ، ولو كان مواتا خاليا من تحجير ، كما أقطع النبي عليه‌السلام الدور وأرضا بحضر موت وحضر فرس الزبير ، فانه يفيد اختصاصا مانعا من المزاحمة فلا يصح رفع هذا الاختصاص بالإحياء.

أقول : المراد بالدور هنا الدور التي أقطعها النبي عليه‌السلام بالمدينة ، واختلف

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٤٤ و ٤٥٣ و ٢ / ٢٥٨ و ٣٤٥.

(٢) فى الشرائع المطبوع : الرابع.

١٢٢

الناس في ذلك ، فمنهم من قال : أقطع الخراب الذي أرادوا أن يبنوا فيه دورا ، فسماه دورا بما يؤول إليه من العمارة. وقال آخرون : كانت تلك الخرابة من ديار عاد ، فسماها باسم ما كانت عليه ، وكلاهما مجاز.

والحضر بضم الحاء وفتحها العدو ، والمراد به هنا ما روي من أن النبي عليه‌السلام أقطع الزبير حضر فرسه ، فأجرى فرسه حتى قام فرمى بسوطه ، فقال النبي عليه‌السلام : اقطعوا له. فوفى بشرطه.

قال رحمه‌الله : والتحجير هو أن ينصب عليها المروز.

أقول : المروز جمع مرز ، وهو معروف. وأصل المرز القرص بأطراف الاصابع قرصا رفيقا ليس بالاظفار ، فاذا أوقع المرز فهو حينئذ قرص عند أبي عبيد.

قال رحمه‌الله : وأما المدارس والربط ، فمن سكن بيتا ممن له السكنى ـ الى قوله : ولو فارق لعذر قيل : هو أولى عند العود ، وفيه تردد ، ولعل الاقرب سقوط الاولوية.

أقول : منشؤه : النظر الى أن سبب الاختصاص هنا منتف ، فينتفي الاختصاص عملا بالعلية.

أما المقدمة الاولى ، فلان السبب المقتضي للاختصاص ليس الا شغل الخير : اما بالجلوس فيه ، أو كون رحله باقيا فيه ، ولا شك في انتفائهما هنا. وأما المقدمة الثانية ، فظاهرة حينئذ.

والالتفات الى أن الاصل هنا الاولوية ، للاتفاق على أنها كانت حاصلة قبل المفارقة ، ترك العمل بها في صورة ما لو فارق من غير عذر ، للاجماع فيبقى معمولا بها فيما عداها.

قال رحمه‌الله : الطرف الرابع في المعادن الظاهرة ، وهي التي لا تفتقر الى اظهار ، كالملح والنفط والقار ، لا تملك بالاحياء ولا يختص بها المحجر ، وفي

١٢٣

جواز اقطاع السلطان المعادن والمياه تردد ، وكذا في اختصاص المقطع بها.

أقول : منشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز.

والالتفات الى أن ذلك لا يملك على الخصوص ، بل الناس كلهم فيه شرع يأخذون منه حاجتهم ، فلا يصح اقطاعه.

وروي أن الابيض بن حماد المازني استقطع رسول الله ملح مازن ، فروي أنه أقطعه ، وروي أنه أراد أن يقطعه ، فقال له رجل ـ وقيل انه الاقرع بن حابس ـ : أتدري يا رسول الله ما الذي تقطعه ، انما هو الماء المعد قال : فلا اذا والماء الدائم الذي لا ينقطع (١).

وعنى بذلك أن الملح بمنزلة الماء الدائم لا ينقطع ولا يحتاج الى عمل واستجذاب شي‌ء ، ولا خلاف أن أقطاع مشارع الماء غير جائز ، فكذا المعادن الظاهرة. وطعن في الخبر بأن ذلك يؤدي الى تخطئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الاقطاع.

وأجيب عنه بأنه ما أقطع وانما أراد ولم يفعل ، فنقل الراوي الفعل ، ولانه عليه‌السلام أقطع على ظاهر الحال ، فلما انكشف رجع. وأما اختصاص المقطع بها ، فهو فرع صحة الاقطاع ، فان جوزناه ثبت الاختصاص والا فلا.

قال رحمه‌الله : لو أحيا انسان أرضا ميتة على مثل هذا الوادي ، لم يشارك السابقين ، وقسم له ما يفضل عن كفايتهم ، وفيه تردد.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط (٢) ، محتجا على الاختصاص بأن هذا الماء من مرافق ملكهم ، فكانوا أحق به من غيرهم مع حاجتهم إليه.

والتردد من المصنف ، ومنشؤه : النظر الى ما استدل به الشيخ رحمه‌الله. والالتفات الى أنه بالاحياء ملك الارض. أما أولا ، فالاجماع اذ النزاع انما وقع

__________________

(١) نحوه سنن ابن ماجة ٢ / ٨٢٧. والمبسوط ٣ / ٢٧٤.

(٢) المبسوط ٣ / ٢٨١.

١٢٤

في غيره. وأما ثانيا ، فلقوله عليه‌السلام « من أحيا أرضا ميتة فهي له » (١) قضاء من الله ورسوله ، فيكون له في الماء نصيب معهم ، لعين ما ذكره الشيخ رحمه‌الله.

__________________

(١) المبسوط ٣ / ٢٦٨.

١٢٥

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب اللقطة )

قال رحمه‌الله : ولا ريب في تعلق الحكم بالتقاط الطفل غير المميز ، وسقوطه في حق البالغ وفي الطفل المميز تردد ، أشبهه جواز التقاطه وعجزه عن دفع ضرورته.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المصلحة المقتضية ، لجواز التقاط الطفل غير المميز موجودة في التقاط الصبي المميز ، فيكون التقاطه جائزا عملا بالمقتضي.

والالتفات الى أن المميز قادر على الاستقلال بحفظ نفسه ، فلا يجوز التقاطه ولان جواز ذلك حكم شرعي ، وحيث لا دلالة فلا شرع.

قال رحمه‌الله : واذا وجد الملتقط سلطانا ينفق عليه استعان به ، والا استعان بالمسلمين وبذل النفقة عليهم واجب على الكفاية ، لانه دفع ضرورة مع التمكن وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن هذا النوع من النفقة احسان ومعاونة على البر فتكون واجبة ، عملا بظاهر قوله تعالى « وَأَحْسِنُوا » (١) وقوله تعالى « وَتَعاوَنُوا عَلَى

__________________

(١) سورة المائدة : ٩٣.

١٢٦

الْبِرِّ وَالتَّقْوى » (١) وانما خصصنا الوجوب بكونه على الكفاية ، لما في كونه واجبا على الاعيان من المشقة والحرج والضرر والعسر المنفيات شرعا ، الا عند وجود الدليل الدال على ذلك قطعا.

والالتفات الى أن وجوب ذلك حكم شرعي ، فيقف على الدلالة الشرعية ، ولا دلالة قاطعة هنا على وجوب ذلك ، ولان الاصل براءة الذمة من الوجوب.

قال رحمه‌الله : اللقيط يملك كالكبير ـ الى قوله : وفيما يوجد بين يديه أو الى جانبه تردد ، أشبهه أنه لا يقضى له به. وكذا البحث لو كان على دكة عليها متاع وعدم القضاء له هنا أوضح ، خصوصا اذا كان هناك يد متصرفة.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المقتضي للملك هنا منتف ، فيجب القول بانتفائه أما المقدمة الاولى ، فلان المقتضي له ليس الا اليد ، ولا شك في انتفائها هنا ، اذ اليد يدان : يد مشاهدة ويد حكمي ، فيد المشاهدة ما كان متمسكا به وتمسك بيده ويد الحكمي ما يكون في نيته ومتصرفا فيه ، وليس هنا شي‌ء منها بموجود.

والالتفات الى أن العادة قاضية بأن ما يكون بين يديه أو الى جانبه ، فان يده عليه كالبنيكة بين يدي الطواف والميزاب وغيرهما فان يده عليه. قال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : وهذا أقوى (٢).

والبحث فيما هو موضوع على الدكة التي وجد عليها كالبحث فيما وجد بين يديه أو الى جانبه ، وقد سلف.

قال رحمه‌الله : الخامسة ـ اذا اختلف كافر ومسلم ، أو حر وعبد ، في دعوى بنوة اللقيط ، قال الشيخ : يرجح المسلم على الكافر والحر على العبد ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : الى أن الترجيح يحتاج الى شرع ، وهو ، غير موجود هنا

__________________

(١) سورة المائدة : ٢.

(٢) المبسوط ٣ / ٣٣٧.

١٢٧

وهو خيرة الشيخ في الخلاف (١) ومذهب الشافعي ، واحتج الشيخ في الخلاف بعموم الاخبار الواردة في من ادعى النسب ، ولم يخصوا كافرا من مسلم ولا عبدا من حر.

والالتفات الى أن المسلم أشرف من الكافر ، فيكون دعواه أرجح ، وكذلك الحر أشرف من العبد ، فيرجح دعواه على دعوى العبد ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط (٢) ، وهو مذهب أبي حنيفة ونمنع كون الاشرفية مؤثرة في أولوية الدعوى.

قال رحمه‌الله : وحكم الدابة حكم البعير ، وفي البقرة والحمار تردد ، أظهره المساواة ، لان ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير.

أقول : منشؤه : النظر الى أن العلة المقتضية للمنع ، وهي قدرته على الامتناع عما يهلكه ، موجودة في هاتين الصورتين ، فلا يجوز أخذهما عملا بالعلية ، وهي خيرة الشيخ في الخلاف ، محتجا بأن جواز ذلك يحتاج الى دليل ، وبما روي عن النبي عليه‌السلام أنه قال حين سأله السائل عن الابل والضوال ، فقال : ما لك وما لها ومعها حذاؤها وسقاؤها حتى يأتي ربها. يعني خفها وكرشها (٣) واختاره المتأخر وهو مذهب الشافعي.

والالتفات الى أن النبي عليه‌السلام انما ورد في أخذ البعير ، والحاق غيره به مجرد قياس ، وهو عندنا باطل ، وبه قال أبو حنيفة ، سلمنا لكن نمنع تحقق العلة المقتضية للمنع من الاخذ في البقرة والحمار ، وهو ظاهر ، اذ البعير أكثر صبرا على الجوع والعمل وأقوى على الامتناع مما يؤذيه.

قال رحمه‌الله : والشاة ان وجدت في الفلاة ، أخذها الواجد ، لانها لا تمتنع

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٢٨.

(٢) المبسوط ٣ / ٣٤٩.

(٣) الخلاف ٢ / ٢٢ مسألة ٢ من كتاب اللقطة.

١٢٨

من صغير السباع ، فهي معرضة للتلف ، والاخذ بالخيار ان شاء ملكها ويضمن على تردد ، وان شاء احتبسها أمانة في يده لصاحبها ولا ضمان عليه ، وان شاء دفعها الى الحاكم ليحفظها أو يبيعها ويوصل ثمنها الى المالك.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة براءة الذمة ، ولان الاخبار الدالة على جواز أخذ الشاة خالية من وجوب الضمان ، روى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء رجل الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله اني وجدت شاة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هي لك أو لاخيك أو للذئب (١). واللام يقتضي الملكية. وفي معناها روايات كثيرة.

والالتفات الى عموم قوله عليه‌السلام « على اليد ما أخذت حتى يؤدي » (٢) ولان الاصل بقاء الملك ، فلا يحكم بانتقاله عنه الا لدليل قاطع ، وهو غير موجود هنا ، وهو اختيار الشيخ ، وأتبعه المتأخر ، وهو قوي.

والاصل يخالف للدليل وقد بيناه ، والاخبار الدالة على الملكية لا ينافي ما قلناه ، لانا نحكم بملكية الشاة لواجدها ، عملا بمقتضى هذه الاخبار ويوجب عليه ضمان قيمتها لمالكها ، عملا بظواهر الاخبار الدالة على وجوب ضمان مال الغير مع حصوله في يد آخر.

قال رحمه‌الله : وفي حكمها كل ما لا يمتنع من صغار السباع ، كأطفال الابل والبقر والخيل والحمير ، على تردد.

أقول : ينشأ : من النظر الى المشاركة في العلة المقتضية لجواز الاخذ ، وهي عدم القوة على الامتناع من صغار السباع ، والاشتراك في العلة يقتضي الاشتراك

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٦ / ٣٩٤ ، ح ٢٤.

(٢) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٤ و ٣٨٩ و ٢ / ٣٤٥.

١٢٩

في موجبها ، وهو خيرة الشيخ في المبسوط (١) ، وأتبعه المتأخر.

والالتفات الى أن التعدي قياس ، والاصل عصمة مال المسلم ، فلا يتسلط على أخذه الا لدليل أقوى وليس.

قال رحمه‌الله : ويصح أخذ الضالة لكل بالغ عاقل ـ الى قوله : وفي العبد تردد ، أشبهه الجواز ، لان له أهلية الحفظ.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة الجواز ، ولان للعبد أهلية الاحتفاظ ، وأخذ الضالة نوع احتفاظ ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٢) والخلاف (٣) ، عملا بعموم الاخبار الواردة في هذا الباب ، فمن ضعفها فعليه الدليل.

والالتفات الى أن ذلك نوع تعرض للتملك ، وليس للعبد أهلية التملك ، ويؤيده ما رواه أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللقطة ، فقال : وما للمملوك وما للقطة المملوك لا يملك من نفسه شيئا ، فلا يعرض لها المملوك (٤). واختاره ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (٥).

قال رحمه‌الله : وفي جواز التقاط النعلين والاداوة خلاف ، أظهره الجواز مع كراهية.

أقول : الاداوة المطهرة ، والجمع ، الاداوى على مثال المطايا ، قال الراجز :

*اذ الاداوى ماؤها تصبصبا*

وكان قياسة اذا أدائى مثل رسالة ورسائل فتجنبوه وفعلوا به ما فعلوا بالمطايا

__________________

(١) المبسوط ٣ / ٣٢٠.

(٢) المبسوط ٣ / ٣٢٥.

(٣) الخلاف ٢ / ٢٣.

(٤) تهذيب الاحكام ٦ / ٣٩٧ ، ح ٣٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٩٤.

١٣٠

والخطايا ، فجعلوا فعائل فعالى (١).

قال رحمه‌الله : اذا التقط العبد ولم يعلم المولى ، فعوف حولا ثم أتلفها ، تعلق الضمان برقبته ، يتبع بذلك اذا أعتق ، كالقرض الفاسد ، ولو علم المولى قبل التعريف ولم ينتزعها منه ، ضمن لتفريطه بالاهمال ، اذ لم يكن أمينا ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن السيد هنا مفرط ، فيلزمه الضمان. أما الصغرى فلان السيد كان قادرا على انتزاعها من يده ، فاهماله تفريط ظاهر ، كما لو وجدها وسلمها الى فاسق. وأما الكبرى فاجماعية ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٢).

والالتفات الى أن العبد هنا مباشر للاتلاف ، فيتعلق الضمان برقبته ، كالدين الذي يلزمه بغير اذن مولاه ، وأروش الجنايات التي يجنيها.

قال رحمه‌الله : لا تدفع اللقطة الا بالبينة ، ولا يكفي الوصف. ولو وصف صفات لا يطلع عليها الا المالك غالبا ، مثل أن يصف وكاءها ومقاصها ونقدها ووزنها.

أقول : الوكاء : الخيط الذي يشد به رأس الخريطة. والعقاص : الجلدة التي فوق ضمامة القارورة. كذا ذكر المتأخر.

__________________

(١) صحاح اللغة ٦ / ٢٢٦٦.

(٢) المبسوط ٣ / ٣٢٥.

١٣١

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الفرائض )

قال رحمه‌الله في موانع الارث : ولو كان للقاتل وارث كافر منعا جميعا ، وكان الميراث للامام. ولو أسلم الكافر ، كان الميراث له والمطالبة إليه ، وفيه قول آخر.

أقول : أشار بالقول الاخر الى التفصيل الذي ذكره في مسألة أنه لو لم يكن للميت المسلم وارث مسلم سوى الامام ، ثم أسلم الوارث الكافر ، فميراثه له لانه أولى من الامام مطلقا ، أو الامام أولى مطلقا ، أو الامام أولى بعد نقل التركة الى بيت ماله ، أما قبله فلا.

قال رحمه‌الله : مسألتان ـ الاولى : يفك الابوان للارث اجماعا ، وفي الاولاد تردد ، أظهره أنهم يفكون.

أقول : ينشأ : من النظر الى أن الفك ورد على خلاف مقتضى الدليل ، لما فيه من اجبار المالك على أخذ القيمة عن ملكه ، ترك العمل به في صورة وجوب فك الأب ، للاجماع فيبقى معمولا به فيما عداه ، وهو غيرة سلار.

ومن الالتفات الى الاخبار الدالة على وجوب فك الاولاد ، وهي كثيرة صحيحة

١٣٢

فيعمل بها ، وهو اختيار أكثر الاصحاب وادعى المتأخر الاجماع عليه.

قال رحمه‌الله في الحجب : وأما الحجب الاخوة ـ الى قوله : وهل يحجب القاتل؟ فيه تردد ، والظاهر أنه لا يحجب.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم قوله تعالى « فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ » (١) وعموم روايات الحجب [ ترك العمل بها في عدم الحجب ] (٢) بالكافر والرق ، لروايتي محمد بن مسلم والفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قالا : سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوك والمشرك يحجبان اذا لم يرثا؟ قال : لا (٣). فيبقى معمولا بهما فيما عداهما.

وهو ظاهر كلام الشيخ المفيد قدس الله روحه وابني بابويه ، حيث قالوا : انما يحجب الاخوة للاب ، لانهم عياله وعليه نفقتهم ، وهذه العلة مروية ، فعلى هذا القاتل يحجب ، لان نفقته غير ساقطة.

قال صاحب كشف الرموز : بخلاف الكافر والمملوك.

وأقول : أما قوله « بخلاف المملوك » فجيد ، لان نفقته ساقطة عن أبيه لوجوبها على مولاه. وأما قوله « بخلاف الكافر » فغلط ، اذ الكفر غير مسقط للنفقة ، بل يجي‌ء على ظاهر هذا القول أن الكافر يحجب أيضا.

والالتفات الى أن الاصل عدم الحجب ، فلا يصار إليه الا لدليل ناقل ، ولان القاتل ممنوع من الميراث ، فلا يحجب كالكافر والعبد ، وهو اختيار الشيخ رحمه‌الله والمتأخر ، حتى أن الشيخ ادعى عليه الاجماع في الخلاف (٤).

__________________

(١) سورة النساء : ١١.

(٢) ما بين المعقوفتين من « س ».

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٤١.

(٤) الخلاف ٢ / ٣٩.

١٣٣

والقول الاول أقوى عندي ، والاصل يخالف للدليل وقد بيناه.

وأما الثاني فمجرد قياس ، وهو عندنا باطل ، وادعاء الشيخ الاجماع فيه نظر ، اذ هو غير متحقق مع وجود الخلاف من أكابر علمائنا.

قال رحمه‌الله : وفي اشتراط وجودهم منفصلين لا حملا تردد ، أظهره أنه شرط.

أقول : منشؤه : النظر الى أن العلة المقتضية لحجب الام عما زاد على السدس ، وهي وجوب نفقة الاخوة الذين هم أولاد الأب عليه وكونهم عياله منتفية هنا ، اذ لا نفقة للحمل ، فينتفي الحجب عملا بالعلية ، وهو اختيار أكثر الاصحاب.

والالتفات الى عموم آية الحجب.

قال رحمه‌الله : وأما المقاصد فثلاثة : الاول ـ في ميراث الانساب ـ الى قوله : ولو انفرد أولاد الابن وأولاد البنت ، كان لاولاد الابن الثلثان ، ولاولاد البنت الثلث على الاظهر.

أقول : اعلم أن هذه المسألة مبنية على أن ولد الولد هل هو ولد حقيقة أو مجازا ، فان قلنا بالاول ـ كما هو مذهب السيد المرتضى قدس الله روحه وابن أبي عقيل وغيرهما واختاره المتأخر ، أعطيناه نصيب الذكر ان كان ذكرا ، وان كان ابن بنت الميت دون نصيب أبيه.

وان قلنا بالثاني ـ كما هو مذهب الشيخين وابن بابويه وأبي الصلاح وأتباعهم وهو الاقوى ـ كان لكل ولد نصيب من يتقرب به ، فيعطى ولد الابن ثلثي التركة ، ذكورا كانوا أو أناثا ، أو ذكورا وأناثا ، يقتسمونه بينهم للذكر ضعف حظ الانثى ، واحدا كان أو أكثر ، ويعطى ولد البنت ثلث التركة ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، وعلى كل حال ، لان كل رحم بمنزلة الرحم الذي يمت به.

١٣٤

فائدة :

هل يقسم نصيب أولاد البنت اذا كانوا ذكورا وأناثا بينهم بالسوية ، أو للذكر مثل حظ الانثيين؟ ذهب في المبسوط (١) الى الاول. قال المصنف رحمه‌الله في النكت : ولم يذكر مستنده فأحكيه ، وذهب في النهاية (٢) وباقي كتبه الى الثاني ، وهو الحق.

لنا ـ قوله تعالى « يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » (٣) وولد البنت ولد ، للنقل والاستعمال.

قال رحمه‌الله : المقصد الثالث في الميراث بالولاء ، ومع عدم الابوين والولد يرثه الاخوة ، وهل ترث الاخوات؟ على تردد ، أظهره نعم ، لان الولاء لحمة كلحمة النسب.

أقول : اعلم أن هذا الفرع مبني على أن الولاء هل ترثه الذكور والاناث ممن يرث تركة المنعم ، أو يختص به الذكور دون الاناث.

فان قلنا بالاول ـ كما هو مذهب الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (٤) والخلاف (٥) ـ ورثه الاخوات هنا ، وبه أفتى الشيخ رحمه‌الله في المبسوط.

وان قلنا بالثاني ـ كما هو مذهب الشيخ المفيد قدس الله روحه ـ لم ترثه الاخوات. ولما كان القول الاول عندنا أقوى ، لا جرم كان توريثهم قويا أيضا.

قال رحمه‌الله : الثامنة ـ اذا أولد العبد من معتقه ابنا ، فولاء الابن لمعتق

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٧٦.

(٢) النهاية ص ٦٣١.

(٣) سورة النساء : ١١.

(٤) المبسوط ٤ / ١٠٨.

(٥) الخلاف ٢ / ٦٤.

١٣٥

أمه ، فلو اشترى الابن عبدا ، فأعتقه كان ولاؤه له ،

ولو اشترى معتقه أب المنعم ، فأعتقه انجر الولاء من مولى الام الى مولى الأب ، وكان كل واحد منهما مولى الاخر. فان مات الابن ، فميراثه لابنه. فان مات الابن ولا مناسب له ، فولاؤه لمعتق أبيه. وان مات المعتق ولا مناسب له ، فولاؤه للابن الذي باشر عتقه. ولو ماتا ولم يكن لهما مناسب ، قال الشيخ رحمه‌الله يرجع الى مولى الام ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الحكم يعود الولاء الى مولى الام ، بعد الاتفاق على انتقاله عنه الى مولى الأب الذي هو المعتق ، يفتقر الى دليل وهو مفقود هنا اذ ليس الا النص ولا شك في انتفائه ، فيكون مالهما للامام ، لانه وارث من لا وارث له.

والالتفات الى أن الاصل قاض ببقاء ولاء مولى الام ، ترك العمل به في بعض الصور ، لوجود الدليل الدال على الانتقال ، فيبقى معمولا به فيما عداه ، وهو اختيار الشيخ رحمه‌الله في المبسوط.

قال : ومن هذا قول الفرضيين انه انتقل الولاء ، وقولهم ينجز الولاء من الام الى الأب ، لا يريدون به أنه زال ملكه ، لكن يريدون به أن هذا عصبة ، ومولى الام مولى فعصبة المولى أولى من المولى (١).

قال رحمه‌الله في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم : وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الهدم والغرق مما يحصل معه الاشتباه تردد ، وكلام الشيخ في النهاية يؤذن بطرده مع أسباب الاشتباه.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الاصل عدم التوارث ، فلا يصار إليه الا لدليل وهو غير موجود هنا ، وهو اختيار ابن بابويه ، اقتصارا بمورد النص.

والالتفات الى أن العلة المقتضية لثبوت هذا الحكم وهو الاشتباه موجود هنا

__________________

(١) المبسوط ٤ / ١٠٧.

١٣٦

فيحكم بوجوده عملا بالعلية ، وهو اختيار الشيخين وأبي الصلاح والمتأخر.

قال رحمه‌الله : اذا ثبت هذا فمع حصول الشرائط يورث بعضهم من بعض ولا يورث الثاني مما ورث منه. وقال المفيد رحمه‌الله : يرث مما ورث منه ، والاول أصح لانه انما يفرض الممكن والتوريث مما ورث يستدعي الحياة بعد فرض الموت وهو غير ممكن عادة ، ولما روي أنه لو كان لاحدهما مال صار المال كمن لا مال له.

أقول : اعلم أن صاحب كشف الرموز قدح في هذا الدليل الاول ، بانه غير وارد ، اذ فرض الشي‌ء لا ينافي الامكان بالعادة ، ثم قال : نعم يرد عليه أن الارث لا يكون الا في تركة الميت ، وما ورثه غير ما خلفه ، فلا إرث فيه ، وأن القول بالتوريث مما ورث منه يستلزم الحكم في منع بعض الورثة ، وتخصيص الاخر بمال كثير بغير سبب شرعي في صورة أخرى بتساوي الاستحقاق بالنسب مختلفي الورثة لو ترك أحدهما ألف دينار والاخر دينارا واحدا ، والاتفاق هنا قائم على جواز التقديم ، فأيهم تقدم يكون ورثة الاخر ممنوعين ، وهذا ممنوع قضية بديهية.

ويرد عليه أيضا ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في قول أهل البيت قال : يورث هؤلاء من هؤلاء ، أو هؤلاء من هؤلاء ولا يرث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئا.

ثم اعترض الاول ما يفرض أن ما ورثه من جملة تركته ، فيورث عنه الثاني بأن كونه ممنوعا في صورة غير مستلزم لكل الصور. واعترض الرواية بأنها مرسلة فلا يعمل بها.

ثم أجاب عن الاول ، بأن فرض الشي‌ء لا يفيد وقوعه في جميع الصور ، فهو ممنوع ، وان أراد أنه لا يفيد في بعض الصور ، فهو مسلم أيضا ، لكنه واقع هنا اذ البحث انما وقع فيه. وعن الثاني بأنه لا قائل بالفصل ، وعن الرواية بأنها منجبرة بعمل أكثر الاصحاب وبما قلناه.

واحتج المتأخر رحمه‌الله على أن الثاني مما ورث منه بوجهين :

١٣٧

الاول : أن الارث لا يكون الا مما يملكه الميت قبل موته ، وهذا المعنى غير متحقق هنا فلا إرث ، وهذا الدليل قريب مما استدل به المصنف.

الثاني : لو أنا ورثناه مما ورثه منه ، أبطلت (١) القسمة أبدا.

قال رحمه‌الله : وفي وجوب تقديم الاضعف في التوريث تردد ، قال في الايجاز : لا يجب. وفي المبسوط : لا يتعين به حكم غير انا نتبع الاثر في ذلك. وعلى قول المفيد رحمه‌الله تظهر فائدة التقديم. وما ذكره في الايجاز أشبه بالصواب ، ولو ثبت الوجوب كان تعبدا.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة عدم الوجوب ، ولان تقديم الاضعف في الارث كالزوجة مثلا غير مشتمل على فائدة ، فيكون وجوبه عبثا ، وهو قبيح.

أما الصغرى ، فلان التوريث حاصل من الطرفين ، والتقديم لا يقتضي زيادة سهم المقدم عن فرضه ، فحينئذ لا فائدة في وجوب هذا التقديم.

وأما الكبرى فظاهرة ، اذ الاشياء تابعة للمصالح عندنا.

واعلم أن هذا الدليل انما يتمشى على قول من لا يورث الثاني مما ورث منه أما على قول من يورثه مما ورث منه ، فالفائدة ظاهرة ، وهي اختصاص الثاني بأخذ نصيبه من تركة الاول ومما ورث منه.

والالتفات الى أن الروايات دالة على وجوب التقديم ، فيجب اتباعها دفعا للضرر المظنون الحاصل من مخالفيها ، وهو خيرة الشيخ في المبسوط (٢) ، واستحسنه المتأخر.

وانما كان الأشبه بالصواب ما ذكره في الايجاز (٣) ، وهو استحباب التقديم

__________________

(١) فى « م » : اتصلت.

(٢) المبسوط ٤ / ١١٩.

(٣) الايجاز فى الفرائض ص ٢٧٦.

١٣٨

لما فيه من الجمع بين العمل بالروايات ، والتخلص مما ذكرناه في الدليل الدال على عدم الوجوب.

وانما كان الوجوب بعيدا لوجوه : أما أولا ، فلما فيه من الاصل. وأما ثانيا فلاستلزام العبث. وأما ثالثا ، فلان العامل به قليل جدا.

١٣٩

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب القضاء )

قال رحمه‌الله : وهل يشترط علمه بالكتابة؟ فيه تردد ـ الى قوله : مع خلوه في أول أمره من الكتابة.

أقول : قد بين المصنف رحمه‌الله منشأ التردد في المتن ، لكن قوله « مع خلوه في أول أمره من الكتابة » يدل على أنه عليه‌السلام كان عالما بالكتابة بعد البعثة ، وهذا شي‌ء قد اختلف فيه ، فذهب الشيخ رحمه‌الله الى أن النبي عليه‌السلام انما كان أميا قبل البعثة أما بعدها فلا ، واختاره المتأخر وأتباعه.

وذهب قوم الى أنه عليه‌السلام كان أميا قبل البعثة وبعدها ، عملا بقوله تعالى « وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ » (١) ومعناه : ان المبطل يرتاب لو كان النبي عليه‌السلام عارفا بالكتابة ، ولو كان عالما بها بعد البعثة لبطل هذا المعنى.

وفيه نظر ، لان الريبة من المبطل انما يتحقق لو كان النبي عليه‌السلام عارفا بالكتابة قبل البعثة ، أما مع تجدد علمه بها بعدها فلا.

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٤٨.

١٤٠