إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١
الجزء ١ الجزء ٢

الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاث أو ما شاء الله ، على من الزكاة؟ على المقرض أو المقترض؟ فقال : على المقترض ، لان له نفعه فعليه زكاته (١).

نص عليه‌السلام على العلة ، فكانت أبلغ في التنصيص ، وأبلغ من هذه الرواية رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢).

احتج الشيخ رحمه‌الله بعموم قوله عليه‌السلام « المؤمنون عند شروطهم » (٣) وبرواية منصور بن حازم الصحيحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام فى رجل استقرض مالا وحال عليه الحول وهو عنده ، فقال : ان كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه ، وان كان لا يؤدي أدى المستقرض (٤). والعام يخص للدليل.

والرواية غير دالة على موضع النزاع ، بل يدل على سقوط الزكاة عن المقترض مع تبرع المقرض بالاداء ، والنزاع انما وقع في اللزوم.

قال رحمه‌الله : لا تجب الزكاة في غير الاجناس الاربعة من الغلات : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، لكن يستحب فيما عداها من الحبوب مما يدخله المكيال والميزان ، كالذرة والارز والعدس والسلت والماش والعلس. وقيل : السلت كالشعير ، والعلس كالحنطة في الوجوب ، والاول أشبه.

أقول : هذا القول ذهب إليه الشيخ رحمه‌الله. وفسر السلت بأنه نوع من الشعير. والعلس بأنه نوع من الحنطة ، قال ويقال : انه اذا ديس بقي حبتين في كمام ، ثم لا يزال كذلك حتى يدق ، أو يطرح في رحى خفيفة ولا يبقى بقاء الحنطة ، وانما بقاؤه في كمامه ، ويزعم أهلها أنها اذا هرست ، أو طرحت في رحى

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٣٣ ، ح ٨.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٣٣ ، ح ٩.

(٣) عوالى اللئالى ١ / ٢٩٣ ، برقم : ١٧٣.

(٤) تهذيب الاحكام ٣ / ٣٢ ـ ٣٣ ، ح ٧.

٦١

خفيفة ، خرجت على النصف (١).

وما ذكره الشيخ من التفسير قد ذكره الجوهري (٢).

والحق الاستحباب ، عملا باصالة البراءة السالمة عن المعارض ، ويؤيده رواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : الزكاة على تسعة أشياء : الذهب والفضة ، والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، والابل والبقر والغنم ، وعفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عما سواهن (٣). وغير ذلك من الروايات.

واحتجاجه بصدق اسم الشعير والحنطة عليهما ، فيدخلان تحت العموم الدال على وجوب الزكاة عليهما ضعيف ، لانا نمنع صدق اسم الشعير على السلت حقيقة وكذا صدق اسم العلس ، نعم يصدقان مجازا ، والمجاز لا يصار إليه بدون القرينة ولا قرينة هنا.

قال رحمه‌الله : والحد الذي تتعلق به الزكاة من الاجناس أن يسمى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا. وقيل : بل اذا احمر ثمر النخل ، أو اصفر ، أو انعقد الحصرم ، والاول أشبه.

أقول : القول الاخير هو المشهور بين الاصحاب. وأما الاول ، فلا أعرف قائلا به من علمائنا ، وانما هو شي‌ء اختص به رحمه‌الله في هذا الكتاب وغيره من مصنفاته ، عملا بظاهر النقل ، وتمسكا بمقتضى الاصل.

وتظهر فائدة الخلاف قبل صيرورته تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا ، فعلى ما اختاره رحمه‌الله لا يضمن. وعلى قول الاصحاب يضمن ، لتحقق الوجوب.

احتج الشيخ رحمه‌الله بأن البسر يسمى تمرا لغة. قال صاحب الصحاح :

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢١٧.

(٢) صحاح اللغة ٢ / ٩٤٩.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٣ ، ح ٤.

٦٢

البسر أوله طلع ، ثم خلال ، ثم بلح ، ثم بسر ، ثم رطب ، ثم تمر (١) فتجب فيه الزكاة ، عملا بالروايات المشهورة الدالة على وجوب الزكاة في التمر.

والجواب : نسلم أنه يسمى تمرا لا حقيقة لكن مجازا ، بدليل سبق غيره الى الفهم ، والمجاز انما يصار إليه للقرينة ، ولا قرينة في الاحاديث دالة على إرادة البسر من لفظ التمر ، فأما دعواهم فيما عدا البسر فتحكم محض.

قال رحمه‌الله : ولا تجب الزكاة الا بعد اخراج حصة السلطان والمؤن كلها على الاظهر.

أقول : ذهب أكثر الاصحاب الى أن زكاة الزرع بعد اخراج جميع مئونته كاجرة السقي والعمارة والحافظ والمعاون في صرام وحصاد وما أشبههما ، وقال في المبسوط (٢) والخلاف (٣) : ان ذلك على رب المال دون الفقراء ، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد.

لنا ـ أن المئونة سبب النمو والحفظ ، فتكون على الجميع ، أعني : على المستحق والمالك ، اذ هو مشارك له.

الثاني : الاصل براءة ذمة المالك من وجوب الدفع ، ترك العمل به في صورة اخراج الزكاة للاجماع ، فيبقى الباقي على أصله.

الثالث : التمسك بظاهر قوله عليه‌السلام « لا ضرر ولا اضرار » (٤). احتجوا بقوله عليه‌السلام : فيما سقت السماء العشر ، أو نصف العشر (٥). فلو أخرجت المئونة

__________________

(١) صحاح اللغة ٢ / ٥٨٩.

(٢) المبسوط ١ / ٢١٧.

(٣) الخلاف ١ / ٣٢٩ مسألة ٧٧.

(٤) عوالى اللئالى ١ / ٣٨٣ و ٢ / ٧٤ و ٣ / ٢١٠.

(٥) تهذيب الاحكام ٤ / ١٤ ، ح ٢.

٦٣

لقصر نصيب الفقراء عن هذا الفرض ، والعام يخص للدليل ، وقد بيناه.

وأجاب عنه في المعتبر (١) بأنه غير متناول لصورة النزاع ، لان العشر مما يكون له نماء وفائدة ، فلا يتناول المئونة ، وأنت تعرف [ ضعف ] (٢) هذا الجواب.

قال رحمه‌الله : اذا كان له نخل تطلع مرة واخرى تطلع مرتين ، قيل : لا يضم الثاني الى الاول ، لانه في حكم ثمرة سنتين وقيل : يضم ، وهو الاشبه.

أقول : القول الاول ذكره الشيخ في المبسوط (٣) ، محتجا بما ذكره المنصف والحق أنها تضم ، كما لو اختلفت في الادراك ، أو الاطلاع ، أو فيهما ، وحجته منقوضة بعين ما ذكرناه من الدليل.

قال رحمه‌الله : لو صارت الثمرة تمرا والمالك حي ، ثم مات ، وجبت الزكاة وان كان دينه يستغرق تركته. ولو ضاقت التركة عن الدين قيل : يقع التحاص بين أرباب الزكاة والديان ، وقيل : تقدم الزكاة ، لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها ، وهو الاقوى.

أقول : القول الاول اختاره الشيخ في المبسوط (٤) ، محتجا بأنهما حقان على عين واحدة ولا أولوية ، فوجب التقسيط ، والثاني قول بعض علمائنا ، ولعله الاقرب لوجهين :

الاول : الزكاة واجبة في العين مطلقا ، والدين ثابت في الذمة ، وانما تعلق بالعين بعد موته ، ولا جرم أن الاول أسبق ، فكان أولى عملا بالمناسبة ، وهو

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٥٣٣.

(٢) الزيادة من هامش « س ».

(٣) المبسوط ١ / ٢١٥.

(٤) المبسوط ١ / ٢١٨.

٦٤

جواب حجته.

الثاني : قوله عليه‌السلام : دين الله أحق أن يقضى (١).

قال رحمه‌الله : اذا ملك نخلا قبل بدو صلاحه ، فزكاته عليه. وكذا لو اشترى ثمرة على الوجه الذي يصح ، فان ملك الثمرة بعد ذلك ، فالزكاة على المملك ، والاولى الاعتبار بكونه تمرا لتعلق الزكاة بما يسمى تمرا لا بما يسمى بسرا.

أقول : هذه المسألة التى ذكرها مبنية على مسألة التعلق ، فكل من قال بتعلق الزكاة عند بدو الصلاح ، أوجب الزكاة هنا على المالك ، وكل من لم يقل به لم يوجبها عليه ، بل على المشتري.

ولما كان مذهبه تعلق الزكاة بما يسمى تمرا ، لا جرم لم ير وجوبها عليه ، بل على المشتري.

قال رحمه‌الله : ولو كان بيده نصاب بعض حول ، فاشترى به متاعا للتجارة ، قيل : كان حول العرض حول الاصل ، والاشبه استئناف الحول.

اقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ رحمه‌الله ، فقال : اذا اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير ، كان حول السلعة حول الاصل. والحق الاستئناف ، وهو اختياره في المعتبر (٢).

لنا ـ أنه مال لم يحل عليه الحلول ، فلا تجب فيه الزكاة. أما الصغرى فظاهرة ، اذ التقدير ذلك. وأما الكبرى فلقوله عليه‌السلام : لا زكاة فى مال حتى يحول عليه الحول (٣). وقد بينا في الاصول أن النكرة في سياق النفي للعموم.

أحتج بأن زكاة التجارة متعلقة بالقيمة ، فكانا كالمال الواحد ، فلا يعتبر لها

__________________

(١) صحيح البخارى ٢ / ١٣٩.

(٢) المعتبر ٢ / ٥٤٧.

(٣) عوالى اللئالى ١ / ٢١٠ و ٢ / ٢٣١.

٦٥

حول بانفرادها. وهو منقوض بنصب الابل الخمسة ، فان الزكاة ثم متعلقة بالقيمة مع أن الحول معتبر فيها اجماعا.

قال رحمه‌الله : اذا ملك أحد النصب الزكاتية ، سقطت زكاة التجارة ، ووجبت زكاة المال ، ولا تجتمع الزكاتان ، ويشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة.

أقول : الاشكال في تخصيص احداهما بالوجوب دون الاخرى ، لا في وجوبهما معا ، فان ذلك لم يقل به أحد ، فذهب الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) الى وجوب زكاة العين ، لان وجوبها [ متفق عليه ، فكان أولى ، ولاختصاص وجوبها ] (٣)

بالعين ، بخلاف زكاة التجارة. وذهب بعض فقهاء الجمهور الى وجوب زكاة التجارة ، ولانها أجزل حظا للمساكين.

ويضعف الاول بأن الاتفاق على الوجوب ليس بمرجح (٤) عند القائل بوجوب زكاة التجارة. وكذا اختصاص وجوبها بالعين ، ولا نسلم أن مراعاة الحظ للمساكين لازمة ، ولو قيل بالتخيير كان وجها.

فرع :

ان كان عنده عبد أو عبيد للتجارة قيمتهم (٥) نصاب ، وجبت عند حئول الحول زكاة الفطرة والتجارة ، لاختلاف التعلقين.

قال رحمه‌الله : لو عاوض أربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة ، سقط

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٢٢.

(٢) الخلاف ١ / ٣٤٣.

(٣) ما بين المعقوفتين من « س ».

(٤) فى « م » : مرجحا.

(٥) فى « س » : فقيمتهم.

٦٦

وجوب المالية والتجارة ، واستأنف الحول فيهما ، وقيل : بل يثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة ، لان اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب في الملك ، والاول أشبه.

أقول : قد مر مثل هذه المسألة في أول باب الزكاة ، فلا حاجة الى التطويل فليطلب من هناك. ولو عكس الشيخ هنا كان أجود ، لان مال التجارة لا يشترط بقاء عينه طول الحول ، بناء على مذهبه من تعلق الزكاة بالقيمة هنا.

قال رحمه‌الله : اذا ظهر في مال المضاربة الربح ، كانت زكاة الاصل على رب المال لانفراده بملكه ، وزكاة الربح بينهما ، يضم حصة المالك الى ماله ويخرج منه الزكاة ، لان رأس ماله نصاب. ولا يستحب في حصة الساعي زكاة الا أن يكون نصابا.

وهل يخرج قبل أن ينض المال؟ قيل : لا ، لانه وقاية لرأس المال. وقيل : نعم ، لان استحقاق الفقراء أخرجه عن كونه وقاية ، وهو أشبه.

أقول : هذه المسألة تردد فيها الشيخ في المبسوط (١) ، من تعجيل الاخراج وتأخره الى القيمة.

ووجه الاول أن الربح نملك الفقراء منه قسطا بظهوره ، فيخرج عن كونه وقاية ، والا اجتمع النقيضان.

ووجه الثاني أن ربح العامل وقاية لرأس مال المضاربة اجماعا ، فيجب تأخير الاخراج حتى يقسم ، والا خرج عن كونه وقاية ، وقد فرضناه كذلك ، هذا خلف.

قال رحمه‌الله : أصناف المستحقين للزكاة سبعة : الفقراء والمساكين ، وهم الذين تقصر أموالهم عن مئونتهم (٢). وقيل : من يقصر ماله عن أحد النصب الزكاتية

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٢٣.

(٢) فى الشرائع : مئونة سنتهم.

٦٧

ثم من الناس من جعل اللفظين بمعنى واحد ، ومنهم من فرق بينهما في الآية ، والاول أشبه.

أقول : ليس في تحقيق معنى المسكين والفقير فائدة في باب الزكاة ، وربما كان في غيرها ، لان الزكاة تدفع إليهما معا.

وانما الفائدة في تحقيق الضابط الذي باعساره يستحق الزكاة ، فذهب الشيخ في الخلاف (١) الى أن الضابط أن لا يكون مالكا لاحد النصب الزكاتية ، أو قيمته فمتى كان مالكا لشي‌ء من ذلك حرم عليه الاخذ.

وقال في المبسوط : وفي أصحابنا من قال : من ملك نصابا تجب فيه الزكاة تحرم عليه الصدقة ، وذلك قول أبي حنيفة (٢).

وللشيخ قول آخر : ان الضابط أن لا يكون قادرا على تحصيل المئونة له ولعياله ، وهو الوجه ، واختاره في المعتبر (٣).

لنا ـ قوله عليه‌السلام : لا تحل الصدقة الا لثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يجد سدادا من عيش ، أو قواما من عيش (٤). والروايات المشهورة الصحيحة عنهم عليهم‌السلام.

قال رحمه‌الله في صفات العاملين : وفى اعتبار الحرية تردد.

أقول : ذهب الشيخ رحمه‌الله الى اشتراط الحرية في العامل ، والوجه عدم الاشتراط ، وهو فتوى شيخنا.

لنا ـ انه نوع اجارة ، والعبد أهل لها.

احتج الشيخ أن العامل انما يستحق النصب بعمله ، والعبد ليس من أهله ،

__________________

(١) الخلاف ١ / ٣٧٢.

(٢) المبسوط ١ / ٢٥٧.

(٣) المعتبر ٢ / ٥٦٦.

(٤) سنن أبى داود ٢ / ١٢٠.

٦٨

ومولاه لم يعمل.

والجواب : عمل العبد كعمل المولى.

قال رحمه‌الله : ( وَفِي الرِّقابِ ) وهم ثلاثة : المكاتبون ، والعبيد تحت الشدة ، والعبد يشترى ويعتق وان لم يكن في شدة ، لكن بشرط عدم المستحق. وروي رابع ، وهو من وجب عليه كفارة ولم يجد ، فانه يعتق عنه ، وفيه تردد.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ رحمه‌الله في النهاية (١) رواية.

وفي المبسوط : وأما سهم الرقاب ، فانه يدخل فيه المكاتبون اجماعا ـ وأراد بذلك اجماع الخاصة والعامة ـ وعندنا أنه يدخل فيه العبيد اذا كانوا في شدة فيشترون ويعتقون عن أهل الصدقات ، وتكون ولاؤه لارباب الصدقات. ولم يجز ذلك أحد من الفقهاء ـ وعنى بذلك فقهاء الجمهور ـ وروى أصحابنا أن من وجب عليه عتق رقبة في كفارة ولا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه ، والاحوط أن يعطي ثمن الرقبة ، لكونه فقيرا ، فيشتري هو ويعتق عن نفسه (٢).

ولم يذكر ذلك أحد من علمائنا غيره ، وما ذكره رحمه‌الله حسن ، فيكون حينئذ اعطاؤه من سهم الغارمين ، لان القصد ابراء ذمته من الكفارة. ويحتمل اعطاؤه من سهم الرقاب ، اذ المقصود اعتاق الرقبة.

ووجه التردد تساوي الاحتمالين عنده رحمه‌الله ، وهو اختياره في المعتبر (٣).

قال رحمه‌الله : ولو ادعى المكاتب أنه كوتب قيل : يقيل ـ وقيل : لا يقبل ، الا بالبينة أو يحلف ، والاول أشبه ، ولو صدقه مولاه قبل.

اقول : اذا ادعى العبد الكتابة ، ففيه صور ثلاث :

__________________

(١) النهاية ص ١٨٤.

(٢) المبسوط ١ / ٢٥٠.

(٣) المعتبر ٢ / ٥٧٤.

٦٩

الاولى : أن ينضم الى دعواه تصديق المولى ، والاقوى القبول ، لانه اقرار في حقه ، فيكون نافذا. والمقدمتان ظاهرتان ، وحكى الشيخ أنه لا يقبل ، لجواز المواطاة. واختار الاول في من عرف أن له عبدا (١) ، والثاني في من لا عرف له ذلك.

الثانية : أن يصادف دعواه انكار المولى ، فهذا لا يقبل قوله اجماعا ، الا أن يقيم البينة على ذلك.

الثالثة : أن تتعرى الدعوى عنهما جميعا ، فجزم الشيخ رحمه‌الله بعدم القبول الا مع البينة ، عملا بأصالة بقاء الرق ، فيستصحب الى ظهور المنافي. والحق القبول ، وهو فتوى شيخنا.

لنا ـ أنه مسلم ادعى أمرا ممكنا ، ولم يظهر ما ينافيه ، فيصار الى دعواه.

قال رحمه‌الله : والغارمون ، وهم المدينون في غير معصية الله ، فلو كان في معصية لم يقض عنه ، نعم لو تاب صرف إليه من سهم الفقراء ، وجاز أن يقضي هو. ولو جهل في ما ذا أنفقه قيل : يمنع. وقيل : لا ، وهو الاشبه.

أقول : القول الاول ذكره الشيخ في النهاية (٢) ، عملا بظاهر رواية محمد ابن مسلم عن الرضا (٣) عليه‌السلام قال قلت : فهو لا يعلم في ما ذا أنفقه في طاعة أم في معصية ، قال : يسعى في ماله فيرده عليه وهو صاغر (٤).

ولان الانفاق في غير المعصية شرط في جواز الدفع ، وهو لا يتحقق مع الجهل

__________________

(١) فى « س » : عرف له عبد.

(٢) النهاية ص ١٨٤.

(٣) كذا فى النسختين ، وفى المعتبر : رواية محمد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا محمد عن الرضا عليه‌السلام.

(٤) المعتبر ٢ / ٥٧٦.

٧٠

والرواية ضعيفة السند ، والطاعة والمعصية من الامور الباطنة ، فيمتنع التكليف بالعلم بها ، بل يكفي غلبة الظن ، وهي حاصلة هنا.

والقول الثاني ذكره ابن ادريس ، وهو الحق ، تنزيلا لتصرف المسلم على المشروع.

قال رحمه‌الله : ولو دفع الغارم ما دفع إليه من سهم الغارمين في غير القضاء ارتجع على الاشبه.

اقول : ذهب الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) الى أنه لا يرتجع ، لحصول الملك بالقبض ، والحق الارتجاع لمخالفته قصد المالك. وقوله رحمه‌الله « الملك حصل بالقبض » ممنوع ان أراد مطلق الملك ، بل ملكه ليصرفه في وجه خاص ، فلا يسوغ له غيره.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى أن عليه دينا الى آخره.

أقول : البحث في هذه المسألة كالبحث في مسألة المكاتب ، وقد استقصينا الكلام فيها ، فليطلب من هناك.

قال رحمه‌الله : وفي سبيل الله ، وهو الجهاد خاصة. وقيل : يدخل فيه المصالح ، كبناء القناطر ، والحج ، ومساعدة الزائرين ، وبناء المساجد ، وهو الاشبه.

أقول : ذهب الشيخ رحمه‌الله في النهاية (٣) الى أن السبيل المذكور في الآية مختص بالجهاد ، اذ هو المتبادر الى الذهن عند الاطلاق ، ونمنع ذلك ، وهو قول المفيد رحمه‌الله ، واختاره سلار.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٥١.

(٢) الخلاف ٢ / ١٣٤.

(٣) النهاية ص ١٨٤.

٧١

وأطبق باقي الاصحاب عدا ابن الجنيد على الثاني. وأما ابن الجنيد ، فخصه بالمرابط والمجاهد وتعلم الآداب منصل بالدليل ، وهو الحق.

لنا ـ أن السبيل في اللغة هو الطريق ، فاذا أضيف الى الباري تعالى كان عبارة عن كل ما يكون وصلة إليه تعالى ، اذ الاضافة تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه ، ولا جرم أن ذلك غير مختص بالجهاد حقيقة ، والمجاز انما يصار إليه للقرينة وحيث لا قرينة فلا ضرورة.

قال رحمه‌الله : الثاني العدالة ، وقد اعتبرها كثير ، واعتبر آخرون مجانبة الكبائر ، كالخمر والزنا ، دون الصغائر وان دخل بها في جملة الفساق ، والاول أحوط.

أقول : ذهب الشيخ رحمه‌الله الى اعتبارها الا في المؤلفة ، وهو اختيار السيد المرتضى قدس الله روحه ، والظاهر من كلام شيخنا المفيد كرم الله محله ، واختاره أبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن ادريس. وذهب ابنا بابويه الى أن العدالة غير معتبرة ، واختاره سلار.

والاول أشبه ، وهو القول لابن ادريس ، واعتبر ابن الجنيد مجانبة الكبائر حسب.

احتج الاولون بوجوه :

الاول : الاحتياط ، اذ مع اعطائها من هذه صفته تحصل البراءة قطعا ، بخلاف الدفع الى الفاسق.

الثاني : التمسك بالظواهر من الآيات ، والسنة المقطوع بها الدال على النهي عن معونة الفاسق.

الثالث : ما رواه داود الصيرفي قال : سألته عن شارب خمر يعطى من الزكاة

٧٢

شيئا ، قال : لا (١). وهذه الرواية هي حجة ابن الجنيد.

واحتج الاخر بظاهر الآية ، ترك العمل به في غير المؤمن ، للاتفاق عليه ، فيبقى الباقي على عمومه ، وغير ذلك من الاحاديث المشهورة من طرقنا وطرق الجمهور أيضا ، والاحتياط معارض بأصالة البراءة ، والآيات التي أشاروا إليها لم يذكروها.

ونحن ما رأينا في القرآن شيئا يدل على النهي عن ذلك ، لا قطعا ولا ظاهرا ، بل وجد ما يدل بظاهره على المنع من معاونة الفاسق على فسقه ، وهو غير صورة النزاع ، والرواية مقطوعة السند ، فلا حجة فيها.

قال رحمه‌الله : والذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة من ولد هاشم خاصة على الاظهر ، وهم الآن أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب.

اقول : المشهور أن الذين يمنعون الزكاة الواجبة من ولده عبد المطلب بن هاشم ، وهم اليوم أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب ، لقوله عليه‌السلام : ان الصدقة لا تحل على بني عبد المطلب (٢). وقول جعفر بن محمد عليهما‌السلام ان الصدقة لا تحل لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم (٣).

وعلى تحريمها على هؤلاء اجماع الامامية ، بل اجماع الامة ، وهل يحرم على بني المطلب (٤)؟ قال ابن الجنيد : نعم ، وهو ظاهر كلام المفيد في الرسالة العزية (٥) ، لانه سوغ لهم أخذ الخمس. وأطبق باقي علمائنا على خلافه ، وهو

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٥٢ ، ح ٩ ، وفيه عن داود الصرمى.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٥٨ ، ح ٢.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٥٩ ، ح ٥.

(٤) قال فى هامش « س » : فى نسخة الشيخ « عبد المطلب » وفيه ما فيه.

(٥) الرسالة العزية ـ مخطوط.

٧٣

الوجه.

لنا ـ الاصل الجواز ، وعموم قوله تعالى « إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ » (١) ترك العمل به في بعض الصور ، فيجب العمل به في الباقي الى ظهور المخصص.

احتجا بقوله عليه‌السلام : أنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا اسلام ، نحن وهم شي‌ء واحد (٢). ورواية زرارة الحسنة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لو كان عدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي الى صدقة ، ان الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ولا يحل لاحد منهم (٣). واذا كانوا مستحقين للخمس حرمت عليهم الزكاة ، اذ لا قائل بالفرق.

والحديث الاول غير دال على صورة النزاع ، اذ عدم الافتراق غير دال على المساواة في تحريم الزكاة ، بل المراد به الاتفاق في الكلمة ، اذ هو المتبادر عند الاطلاق. وأما الخبر المروي من طرقنا ، فضعيف السند ، فلا يخص به عموم القرآن.

فائدة :

هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل وأبو عمرو أولاد المغيرة ، وكنيته عبد مناف. فأما هاشم ، فأعقب جماعة منهم عبد المطلب ، وكلهم لم يعقبوا الا عبد المطلب ، فانه أعقب عشرة ، منهم الذكور ، وستا من الاناث.

ولم يعقب من أولاد عبد المطلب الذكور سوى خمسة ، وهم : عبد الله وأبو طالب والعباس والحارث وأبو لهب ، وانما سمي عبد المطلب بهذا الاسم ، لان

__________________

(١) سورة التوبة : ٦٠.

(٢) المعتبر ٢ / ٥٨٥.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٥٩ ، ح ٦.

٧٤

عمه كان اذا ركب أردفه خلفه ، فنسب إليه.

قال رحمه‌الله : لو طلب الامام الزكاة وجب صرفها إليه ، ولو فرقها المالك والحال هذه قيل : لا يجزي. وقيل : يجزي وان أثم ، والاول أشبه.

أقول : ذهب الشيخ فى المبسوط (١) الى عدم الاجزاء ، وهو الحق. وذهب بعض الاصحاب الى أنه يجزي.

لنا ـ أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى فى عهده التكليف. أما الاولى فظاهرة ، اذ لا خلاف فى وجوب دفعها الى الامام عند طلبها. وأما الكبرى فاجماعية.

احتج الآخرون بأنه قد دفع المال الى مصرفه ، فخرج عن العهدة ، ونمنع المقدمة الاولى ، اذ مصرفها مع طلب الامام دفعه إليه ليفرقه فى أماكنه.

قال رحمه‌الله : المملوك الذي يشترى من الزكاة اذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزكاة. وقيل : بل يرثه الامام ، والاول أظهر.

أقول : القول الاول هو المشهور بين الاصحاب ، بل لا أعرف له مخالفا منا وقد ادعى بذلك فى المعتبر ، حيث قال : وعليه علماؤنا (٢).

ونقل صاحب كشف الرموز (٣) القول الثاني عن ابن ادريس ، وهو غلط ، فان ابن ادريس لم يقل بذلك ، بل أفتى بما قلناه نحن.

ومستند هذا القول ما رواه عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ، فلم يجد لها موضعا ، فاشترى به مملوكا فأعتقه ، هل يجوز ذلك؟ قال : نعم لا بأس بذلك. قلت : فانه اتجر واحترف فأصاب مالا ،

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٣٣.

(٢) المعتبر ٢ / ٥٨٩.

(٣) كشف الرموز للآبي ـ مخطوط.

٧٥

ثم مات وليس له وارث فمن يرثه؟ قال : يرثه الفقراء الذين يستحقون الزكاة لانه انما اشترى بمالهم (١).

والقول الثاني محتمل للاجماع ، على أن الامام وارث من لا وارث له ، ونمنع أنه انما اشترى بمالهم ، لانه أحد مصارفها ، والرواية ضعيفة السند ، فان في طريقها ابن فضال وهو فطحى ، وابن بكير (٢) وهو مطعون فيه والاقوى عندي الاول.

قال رحمه‌الله : اذا احتاجت الصدقة الى كيل ووزن ، كانت الاجرة على المالك. وقيل : يحسب من الزكاة ، والاول أشبه.

أقول : القولان للشيخ رحمه‌الله. ولعل الثاني أقرب.

لنا ـ ان دفع الزكاة على المزكي واجب مطلقا ، ولا يتم الا بالكيل والوزن وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، والا لخرج الواجب عن كونه واجبا ، أو لزم تكليف ما لا يطاق ، والثاني بقسميه باطل ، فكذا المقدم.

احتج على الثاني باصالة براءة الذمة ، ولان ايجاب ذلك مخالف [ لظاهر الآية ، فلا يصار إليه الا بدليل قاطع ، والاصل يخالف ] (٣) للدليل ، ومخالفة الظاهر انما يكون باثبات ما ينافيه ، أو ينفي ماهيته ، أما اثبات ما لا يدل عليه لفظ الآية لا اثباتا ولا نفيا بدليل آخر ، فليس لمخالفة الظاهر ، فافهمه.

لا يقال : التخصيص بالذكر يدل على نفي الحكم عما عدا المذكور.

لانا نقول : هذا بناء على قاعدة فاسدة ، قد بينا فسادها في كتب الاصول.

قال رحمه‌الله : أقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الاول عشرة قراريط

__________________

(١) فروع الكافى ٣ / ٥٥٧ ، ح ٣.

(٢) والعجب من الطعن فيهما ، فانهما من عيون الثقات ، كما نص على ذلك أرباب الرجال.

(٣) ما بين المعقوفتين من « س ».

٧٦

أو خمسة دراهم. وقيل : ما يجب في النصاب الثاني قيراطان أو درهم. والاول أكثر.

أقول : القول الاول مذهب أكثر الاصحاب ، ومستنده الاحاديث الصحيحة المروية عن أهل البيت عليهم‌السلام.

والقول الثاني مذهب السيد المرتضى فى المسائل المصرية (١).

وللاصحاب قول ثالث ، وهو عدم التقدير في جانب القلة أيضا ، وهو اختيار ابن ادريس ، عملا بظاهر الآيات الدالة على وجوب ايتاء الزكوات.

قال رحمه‌الله : اذا قبض الامام الزكاة ، دعا لصاحبه وجوبا. وقيل : استحبابا وهو الاشهر.

أقول : القولان للشيخ رحمه‌الله ، لكن الثاني أقوى ، عملا بالاصل.

احتج بقوله تعالى « وَصَلِّ عَلَيْهِمْ » (٢) والمراد بالصلاة معنى الدعاء اجماعا ، والامر للوجوب.

والجواب : يحمل على الاستحباب جمعا بين الادلة.

قال رحمه‌الله تعالى : اذا أهل الثاني عشر ، وجب دفع الزكاة ، ولا يجوز التأخير الا لمانع ، أو لانتظار من له قبضها. واذا عزلها جاز تأخيرها الى شهر أو شهرين.

والاشبه أن التأخير ان كان لسبب مبيح ، دام بدوامه ولا يتحدد. وان كان اقتراحا لم يجز ويضمن ان تلفت.

__________________

(١) المسائل المصرية للشريف المرتضى ـ مخطوط.

(٢) سورة التوبة : ١٠٣.

٧٧

أقول : هذا القول ذهب إليه الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) استنادا الى رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قلت : زكاتي يحل على شهر ، أفيصلح أن احبس منها شيئا؟ مخافة أن يجيئني من يسألني ، فقال : اذا حال الحول فأخرجها من مالك ، ولا تخلطها بشي‌ء ، وأعطها كيف شئت. قلت : وان أنا كتبتها وأثبتها أيستقيم لي ذلك؟ قال : نعم (٣).

والحق ما ذكره المصنف ، وهو اختيار ابن بابويه وشيخنا المفيد قدس الله روحه وابن ادريس.

لنا ـ أنها عبادة موقتة بوقت ، فلا يجوز تأخيرها عن وقتها الا لعذر. أما الصغرى فظاهرة ، اذ لا خلاف فيها. وأما الكبرى فلانه لو لا ذلك لكان التوقيت عبثا ، والثاني باطل اجماعا فالمقدم مثله ، والشرطية ظاهرة ، والرواية معارضة بالأحاديث الكثيرة الدالة على ما اخترناه ، ومع هذا فهي قابلة للتأويل.

قال رحمه‌الله : ولو كان النصاب يتم بالقرض ، لم تجب الزكاة ، سواء كانت عينه باقية أو تالفة ، على الاشبه.

أقول : قال الشيخ فى الخلاف (٤) والمبسوط (٥) : اذا كان له أربعون شاة فعجل شاة وحال الحول ، جاز الاحتساب له بها من الزكاة ، اذ المعجل دين ومع التمكن من استعادته يكون كالحاصل عنده ، فلا يكون النصاب ناقصا حينئذ. والحق سقوط الزكاة.

__________________

(١) النهاية ص ١٨٣.

(٢) المبسوط ١ / ٢٢٧.

(٣) فروع الكافى ٣ / ٥٢٢ ، ح ٣.

(٤) الخلاف ١ / ٣١٨ مسألة ٤٥.

(٥) المبسوط ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

٧٨

لنا ـ انه مال ناقص عن النصاب ، فلا تجب فيه الزكاة. والمقدمتان ظاهرتان هذا تلخيص كلام المصنف.

وفيه نظر ، فان الشيخ رحمه‌الله بنى ذلك على مذهبه من ايجاب زكاة الدين على صاحبه ، اذا كان التأخير من جهته ، ولا ريب أن هذا المعنى موجود هنا ، فيثبت الحكم ، لكن هذا قد بينا ضعفه فيما سلف.

قال رحمه‌الله : وتتعين النية عند الدفع ، ولو نوى بعد الدفع لم أستبعد جوازه.

اقول : عندي في هذه المسألة نظر ، ينشأ : من قوله تعالى « وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ » (١) أمر بايقاع العبادة حالة الاخلاص ، وهو لا يتحقق (٢) الا مع مقارنة النية للدفع.

لا يقال : لو لم يجز تأخير النية عن وقت الدفع ، لما جاز نقل الزكاة المخرجة عن المال الغائب الى غيره مع ظهور تلفه ، والثاني باطل ، فالمقدم مثله والشرطية ظاهرة ، اذ التقدير مع شرط السلامة أنه حال الدفع لم ينو الاخراج الا عن المال الغائب لا غيره.

لانا نقول : بموجبه ، كما هو مذهب الشيخ فى المبسوط (٣) سلمنا لكن الفرق بين الصورتين ظاهر ، فان الظاهر عند الاطلاق التطوع ، فلا يجوز إنشاء النية بعد الدفع.

بخلاف هذه الصورة ، اذ الفقير لم يملك المدفوع زكاة بل قرضا ، اذ المالك انما نواه زكاة بتقدير سلامة المال ، ومع ظهور التلف يبقى مستحقا في يد الفقير

__________________

(١) سورة البينة : ٥.

(٢) فى هامش « س » : لا نسلم ذلك.

(٣) المبسوط ١ / ٢٣٢.

٧٩

للمالك ، فيجوز نقله الى غيره من أمواله ، بل ويجوز انتزاعه عملا بقوله عليه‌السلام : الناس مسلطون على أموالهم (١).

قال رحمه‌الله : ولو أخرج عن ماله الغائب ان كان سالما ، ثم بان تالفا ، جاز نقلها الى غيره ، على الاشبه.

اقول : قد تقدم البحث في هذه المسألة في المسألة السابقة مفصلا ، فلا وجه لاعادته.

قال رحمه‌الله : ولو لم ينو رب المال ونوى الساعي أو الامام عند التسليم فان أخذها الساعي كرها جاز ، وان أخذها طوعا قيل : لا يجزي. والاجزاء أشبه.

أقول : قال في المبسوط : ولو نوى الامام ولم ينو رب المال ، فان كان أخذها منه كرها أجزأه ، لانه لم يأخذ الا الواجب. وان أخذها طوعا ولم ينو رب المال ، لم يجزه فيما بينه وبين الله تعالى ، غير أنه ليس للامام مطالبته دفعة ثانية (٢).

والحق الاجزاء مع التطوع أيضا.

لنا ـ وجوه :

الاول : انه أتى بالمأمور به على وجهه ، فيخرج عن العهدة ، أما الاولى فلقوله تعالى « خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها » (٣) ولا خلاف أن المراد بها الزكاة. وأما الثانية فظاهرة.

الثاني : اصالة براءة الذمة من وجوب الدفع ثانيا ، ترك العمل بها في بعض الاماكن للدليل ، فيبقى الباقي على أصله.

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٢ و ٤٥٧ و ٢ / ١٣٨ و ٣ / ٢٠٨.

(٢) المبسوط ١ / ٢٣٣.

(٣) سورة التوبة : ١٠٣.

٨٠