إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١
الجزء ١ الجزء ٢

الشيخ في النهاية (١).

والالتفات الى قضاء الاصل بالجواز ، وهو الاقرب ، وبمنع الاولى ، سلمنا لكن نمنع الملازمة.

__________________

(١) النهاية ص ١٠٥.

٤١

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى فضل صلاة العيد )

قال رحمه‌الله : والتكبير في الفطر عقيب أربع صلوات : أولها المغرب ليلة الفطر ، وآخرها صلاة العيد. وفي الاضحى عقيب خمس عشرة صلاة ، أولها الظهر يوم النحر. وفي الامصار عقيب عشر صلوات يقول : الله أكبر الله أكبر ، وفي الثالثة تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى اختلاف الاصحاب باختلاف الرواة في كيفيته ، فقال الشيخ رحمه‌الله : يكبر مرتين في الاضحى. وهو قول ابن بابويه ، ورواه عن علي عليه‌السلام (١). وقال البزنطي : يكبر في الاضحى ثلاثا. وهو اختيار ابن أبي عقيل.

قال الشيخ المصنف في المعتبر : لا ريب أن ذلك تعظيم الله وذكر مستحب ، فلا فائدة للمضايقة عليه. والحق عندي ما رواه النقاش عن أبي عبد الله عليه‌السلام في صفة التكبير كيف أقول؟ قال : تقول في الفطر : « الله أكبر الله أكبر لا إله الا الله

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٥١٨ ، برقم : ١٤٨٤.

٤٢

والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا » (١).

وكيف قلنا فهذا التكبير مستحب. وقال علم الهدى وابن الجنيد بوجوبه.

قال رحمه‌الله : التكبير الزائد هل هو واجب؟ فيه تردد ، والاشبه الاستحباب.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة عدم الوجوب ، وهو ظاهر كلام الشيخ في التهذيب (٢) ، ويؤيده رواية زرارة الصحيحة أن عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن الصلاة في العيدين ، قال : الصلاة فيهما سواء يكبر الامام تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ثم يزيد في الركعة الاولى ثلاث تكبيرات ، وفي الاخرى ثلاث تكبيرات ، سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود ، وان شاء ثلاثا وخمسا ، وان شاء خمسا وسبعا بعد أن تلحق ذلك.

قال الشيخ : ألا ترى جواز الاقتصار على الثلاث تكبيرات وعلى الخمس تكبيرات ، وهذا يدل على أن الاخلال بها لا يضر بالصلاة (٣). ولانه تكبير في غير محل الاستفتاح ، فيكون مستحبا كغيره.

والالتفات الى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاها كذلك ، فيجب اتباعه عملا بظاهر قوله عليه‌السلام « صلوا كما رأيتموني أصلي » (٤) ولان الائمة عليهم‌السلام نصوا على وجوب صلاة العيدين ، ثم بينوا كيفيتهما ، وذكروا التكبيرات الزائدة ، وهو اختيار باقي الاصحاب واختاره شيخنا دام ظله.

ويمكن الجواب عن الاول ، بأن الاصالة تخالف لقيام الدلالة وقد بيناها.

وعن الثاني بأن زيادة الثلاث لا ينافي زيادة الاكثر ، مع أنه قال في الاستبصار :

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٣٢١ والرواية فى فروع الكافى ٤ / ١٦٦ ـ ١٦٧.

(٢) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٤.

(٣) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٤ ، ح ٢٣.

(٤) صحيح البخارى ١ / ١٥٤ ، وسنن الدار قطنى ١ / ٣٤٦.

٤٣

الوجه في هاتين الروايتين وما يشابههما التقية ، لموافقتهما مذهب العامة ، ولسنا نعمل بها ، واجماع الفرقة المحقة على ما قدمناه (١).

وعن الثالث بأن القياس باطل عندنا.

قال رحمه‌الله : وبتقدير الوجوب هل القنوت واجب؟ الاظهر لا.

أقول : القائلون باستحباب التكبير يلزمهم استحباب القنوت ، لانه كيفية للتكبير ، ولا يعقل وجوب الكيفية مع استحباب ذي الكيفية ، ولقائل أن يمنع من كونه كيفية ، بل هو ذكر زائد على التكبير كذكر الركوع ، وكما لا يلزم من استحباب الذكر هناك استحباب ذكر الركوع فكذا هنا.

وأما القائلون بالوجوب ، فبعضهم نص على وجوبه كالسيد المرتضى ، وهو ظاهر كلام أبي الصلاح ، ونص في الخلاف (٢) على استحبابه.

واستدل الموجبون بظاهر الخبر السابق ، وبرواية يعقوب الصحيحة قال : سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن التكبير في العيدين قبل القراءة أو بعدها ، وكم عدد التكبير ـ الحديث (٣). وفي رواية اسماعيل عن الباقر عليه‌السلام ثم يكبر خمسا يقنت بينهم (٤).

احتج الشيخ بالاصل ، وبأن استحباب التكبير يستلزم استحباب أولوية استحباب القنوت. ويمكن حمل الروايتين على الاستحباب ، اذ أمر الخاص لا يأتي (٥) عاما بالامر الا نادرا ، وانما كان القول بالاستحباب أظهر لما بيناه.

__________________

(١) الاستبصار ١ / ٤٤٨.

(٢) الخلاف ١ / ٦٦١ مسألة ٤٣٣.

(٣) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٢ ، ح ١٩.

(٤) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٢ ، ح ٢٠.

(٥) فى « س » : لا يتأتى.

٤٤

قال رحمه‌الله : وبتقدير وجوبه هل يتعين لفظا؟ الاظهر أنه لا يتعين وجوبا.

أقول : ذهب أبو الصلاح الى وجوب القنوت بالدعاء المذكور. والحق الاستحباب ، ولاصالة البراءة ، ورواية محمد بن مسلم الصحيحة عن أحدهما قال : سألته عن الكلام الذي يتكلم به بين التكبيرات في العيدين ، قال : ما شئت من الكلام الحسن (١).

احتج بظاهر الروايات الدالة على ذلك ، وتحمل على الاستحباب للجمع بين الادلة ، وخاصة مع اختلاف كيفية الفعل.

قال رحمه‌الله : لو اتفق عيد وجمعة ، فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة ، وعلى الامام أن يعلمهم ذلك في خطبته.

وقيل : الترخيص مختص بمن كان نائيا عن البلد ، كأهل السواد دفعا لمشقة العود ، وهو الاشبه.

أقول : اختلف الاصحاب في هذه المسألة ، فذهب الشيخان الى سقوط الجمعة وجوبا عمن صلى العيد ، ورواه ابن بابويه في كتابه (٢) ، واختاره ابن ادريس وبه قال أحمد.

وقال ابن الجنيد : اذا اجتمع عيد وجمعة اذن الامام بالناس في خطبة العيد الاولى بأن يصلي بهم الصلاة ، فمن أحب أن ينصرف كان له مع قصي منزله ، واستحب له حضورها مع انتفاء الضرر عنه وعن غيره وفيه أشعار بما قاله المصنف رحمه‌الله ، وهو قول لبعض الشافعية.

وقال أبو الصلاح لا تسقط : تمسكا بعموم الآية والاخبار ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ، وهو خيرة ابن البراج ، والحق ما اختاره أبو علي.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٣ / ٢٨٨ ، ح ١٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٥٠٩ ـ ٥١٠.

٤٥

لنا ـ ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه كان يقول : اذا اجتمع عيدان في يوم واحد ، فانه ينبغي للامام أن يقول للناس في خطبته الاولى : انه قد اجتمع لكم عيدان في يوم وأنا أصليهما جميعا ، فمن كان منزله قاصيا وأحب أن ينصرف ، فقد أذنت له (١). ولان حصول المشقة فيه أكثر.

احتج الشيخان برواية سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام اجتمع عيد على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فخطب الناس ، فقال : هذا يوم اجتمع فيه عيدان ، فمن أحب أن يأتيه فليفعل ، وان شاء لم يفعل ، فان له رخصة (٢).

ويضعف بأن خبرنا مقيد وخبركم مطلق ، فيحمل عليه توفيقا بين الدليلين.

فائدة :

لو قلنا بالسقوط مطلقا ، وجب على الامام الحضور ، قاله علم الهدى ، تمسكا بظاهر العموم السالم عن المعارض ، وظاهر كلام الشيخ في المبسوط (٣) ليس بجيد.

قال رحمه‌الله : اذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي صلاة العيد ، ان كان ممن تجب عليه ، وفي خروجه بعد الفجر وقبل طلوعها تردد ، والاشبه الجواز.

أقول : منشؤه : النظر الى الاصالة القاضية بالجواز ، وهو مذهب أكثر الاصحاب.

والالتفات الى أن ظاهر الرواية (٤) دال على التحريم ، وهو اللائح من كلام الشيخ به. أما لو خرج قبل الفجر ، فلا كراهة ولا تحريم اجماعا.

قال رحمه‌الله في صلاة الكسوف : اذا حصل الكسوف في وقت فريضة

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٧ ، ح ٣٦.

(٢) فروع الكافى ٣ / ٤٦١ ، ح ٨ ، والرواية فيه عن سلمة.

(٣) المبسوط ١ / ١٧٠.

(٤) تهذيب الاحكام ٣ / ٢٨٦ ، ح ٩.

٤٦

حاضرة ، كان مخيرا في الاتيان بأيهما شاء ما لم يتضيق الحاضرة ، فتكون أولى. وقيل : الحاضرة أولى ، والاول أشبه.

أقول : اذا اتفق الكسوف في وقت حاضرة : فاما أن يتضيقا ، أو يتضيق الحاضرة دون صلاة الكسوف أو بالعكس ، ففي الاول تتغير الحاضرة ، ثم ان كان فرط في صلاة الكسوف قضاها والا فلا ، وفي الثالث والرابع تتعين المضيقة اتفاقا ، ثم تجب الاخرى مع الاتساع اذا وقع التفريط قضاء بغير خلاف في ذلك.

وانما النزاع في القسم الثاني ، فذهب الشيخ في النهاية (١) الى وجوب الابتداء بالحاضرة ، وهو قول علم الهدى وأكثر الاصحاب. وقال في الجمل (٢) بالتخيير وهو خيرة أبي الصلاح منا والشافعي ، وتردد في المبسوط (٣).

والحق مختار الجمل ، لانهما فرضان اجتمعا ووقتهما متسع ، فيتخير المكلف بينهما ، اذ وجوب أحدهما يستلزم أحد محالين ، اما تضيق وقت ما فرض اتساع فيه ، أو كون ترك العبادة أولى من فعلها.

بيان الملازمة : ان تعين أحدهما للفعل ان كان لضيق الوقت لزم الامر الاول وان كان لقبح تقديم الاخرى ، لزم الثاني.

احتجوا بورود الامر بقطعها عند دخول الفريضة ، ولو ساغ فعلها لما جاز قطعها ، ونمنع ورود الامر بقطعها مطلقا ، بل مع تضيق (٤) الوقت ، سلمنا لكن نمنع صدق التالي.

__________________

(١) النهاية ص ١٣٧.

(٢) الجمل والعقود ص ١٩٤.

(٣) المبسوط ١ / ١٧٢.

(٤) فى « م » : ضيق.

٤٧

قال رحمه‌الله : يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة وماشيا. وقيل : لا يجوز الا مع العذر ، وهو الاشبه.

أقول : الجواز مذهب أبي علي ابن الجنيد ، ومستنده الاصل ، ورواية علي بن فضل الواسطي قال : كتبت الى الرضا عليه‌السلام اذا انكسفت الشمس أو القمر وأنا راكب لا أقدر على النزول. فكتب الي : صل على مركبك الذي أنت عليه (١).

وجه الاستدلال : ان الجواب وقع عاما ، فلا تخصيص بالسؤال بخصوص السبب. والحق المنع ، وهو مختار أكثر الاصحاب ، لانها واجبة ، فلا تصلى على الراحلة ، كغيرها من الفرائض ، عملا بالعموم الدال على الحرمة ، والاصل تخالف للدليل ، ونمنع عموم الجواز ، لوقوعه جوابا عن سؤال خاص فلا يتعداه ، وفارق السبب حيث كان اللفظ فيه عاما ، فلا يتخصص بالسبب.

قال رحمه‌الله في فصل الصلاة على الاموات : ويرفع يديه في أول تكبيرة اجماعا ، وفي البواقي على الاظهر.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية (٢) والمبسوط (٣) الى استحباب الرفع في الاولى فقط ، وهو مختار أكثر الاصحاب ، واختار في الاستبصار (٤) الثاني ، وهو أقرب عند المصنف.

واحتج عليه في المعتبر (٥) بأن رفع اليدين مراد لله في أول التكبيرة ، وهو دليل اختصاصه بالرجحان ، فيكون مشروعا في الباقي ، تحصيلا لتلك الارجحية وعندي

__________________

(١) فروع الكافى ٣ / ٤٦٥ ، ح ٧.

(٢) النهاية ص ١٤٥.

(٣) المبسوط ١ / ١٨٥.

(٤) الاستبصار ١ / ٤٧٩.

(٥) المعتبر ٢ / ٣١٤ ـ ٣١٥.

٤٨

فيه نظر ، اذ لا يلزم (١) من رجحانه في بعض عموم الرجحان ، خصوصا مع بطلان القياس عندنا.

قال رحمه‌الله في فصل النوافل : والاشهر في الروايات استحباب ألف ركعة في شهر رمضان ، زيادة على النوافل المرتبة ، يصلي في كل ليلة عشرين ركعة ، ثمان بعد المغرب ، واثنتا عشرة ركعة بعد العشاء على الاظهر.

أقول : اختلف الاصحاب في ترتيب هذه النوافل ، فذهب في المبسوط (٢) الى ما ذكره المصنف ، وهو اختيار الاصحاب ، وخيره ابن الجنيد بين ذلك وبين صلاة اثنتا عشرة ركعة بعد المغرب والباقي بعد العشاء ، وهي رواية سماعة (٣).

وكذا الخلاف في العشر الاواخر ، ففي رواية علي بن أبي حمزة (٤) ثمان بعد المغرب وبعد العشاء ما بقي ، وفي رواية سماعة تصلي بعد المغرب اثنتين وعشرين ركعة والباقي بعد العشاء (٥).

قال المصنف في المعتبر : طرق الروايات كلها ضعيفة ، لكن عمل الاصحاب أسقط اعتبار طريقها ، ولا رجحان بينهما ، فينبغي القول فيها بالتخيير (٦).

قال رحمه‌الله في الركن الرابع في التوابع : وأما السهو فان أخل بركن أعاد ، كمن أخل بالقيام حتى نوى ، أو بالنية حتى كبر ، أو بالتكبير حتى قرأ ، أو بالركوع حتى سجد ، أو بالسجدتين حتى ركع فيما بعد. وقيل : يسقط الزائد

__________________

(١) فى « س » : اذ يلزم.

(٢) المبسوط ١ / ١٣٣.

(٣) تهذيب الاحكام ٣ / ٦٣ ، ح ١٧

(٤) تهذيب الاحكام ٣ / ٦٣ ـ ٦٤ ، ح ١٨.

(٥) تهذيب الاحكام ٣ / ٦٣ ، ح ١٧.

(٦) المعتبر ٢ / ٣٧٠.

٤٩

ويأتي بالفائت ويبنى. وقيل : هذا الحكم مختص بالاخيرتين ، ولو كان في الاوليين استأنف ، والاول أظهر.

أقول : القول الاول مذهب السيد المرتضى وسلار وأبي الصلاح وابن البراج واختاره في المعتبر (١) ومذهب مختار شيخنا أيضا ، لانه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهده التكليف.

أما الصغرى ، فلانه مأمور بالاتيان بكل ركعة بركوعها ولم يأت به ، اذ هو التقدير. وأما الكبرى فظاهرة.

لا يقال : المقدمتان ممنوعتان ، أما الاولى بمنع كونه مأمورا حال النسيان ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق. وأما الثانية فلا نسلم البقاء في عهدة التكليف ، لانه انما يلزم ذلك لو قلنا ان الاتيان بالمأمور به لا على وجهه يوجب الاعادة ، وهو ممنوع ، لافتقار الاعادة الى دليل ثان.

ولئن سلمنا المقدمتين ، لكن نمنع دلالتهما على محل النزاع ، اذ مذهبه بطلان الصلاة ، وهما لا يدلان عليه ، بل على بقاء التكليف بالركوع ، ونحن نقول بموجبه ، اذ مع ايجاب حذف السجدتين والاتيان بالركوع يكون التكليف باقيا فلا يخرج عن العهدة.

لانا نقول : الناسي لا يسقط عنه الفعل مطلقا ، بل الاثم ، وتكليف المحال انما يلزم لو قلنا انه مكلف حالة النسيان ، أما لو قلنا انه مكلف بأن يأتي حالة ذكره فلا ، وظاهر أن النسيان غير مسقط للتكاليف.

وأما دليل وجوب الاعادة فظاهر ، اذ الاتيان بالمأمور به لا على وجهه ليس

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٣٧٦.

٥٠

اتيانا بالمأمور به (١).

__________________

(١) فى النسختين هنا بياض بقدر الصفحة ، وقال فى هامش « س » : هذا البياض من هنا الى الفصل الثالث فى كتاب الزكاة وجد فى نسخة بخط شيخنا جمال الدين أحمد بن فهد رحمه‌الله.

٥١

الفصل الثالث

( فى ذكر الترددات والترجيحات المذكورة فى كتاب الزكاة )

قال رحمه‌الله : ويستحب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه. وقيل : تجب وكيف قلنا فالتكليف بالاخراج يتناول الوالي عليه. وقيل : حكم المجنون حكم الطفل ، والاصح أنه لا زكاة في ماله الا في الصامت اذا اتجر له الولي استحبابا.

أقول : في وجوب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه قولان :

الوجوب ، اختاره الشيخان وأبو الصلاح وابن البراج ، عملا برواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : ليس في مال اليتيم العين شي‌ء ، فأما الغلات فعليهما الصدقة واجبة (١). وتحمل على الاستحباب ، جمعا بين الادلة.

الثاني : الاستحباب ، اختاره السيد المرتضى قدس الله روحه ، والحسن بن أبي عقيل وسلار وابن ادريس ، وهو الاقرب.

لنا ـ اصالة براءة الذمة ، والروايات الكثيرة المشهورة الدالة عليه.

وأما المجنون ، فقد ألحقه الشيخ بالصبي ، وهو ضعيف.

__________________

(١) فروع الكافى ٣ / ٥٤١ ، ح ٥.

٥٢

لنا ـ أنه ليس من أهل التكليف ، فلا يتناوله الامر ، ولا يلزم مثله في الصبي لورود النص عليه عينا.

احتج بأن المجنون مشارك للصبي في عدم العقل.

والجواب : المشاركة في المسلوب لا يوجب التماثل.

قال رحمه‌الله : ولا تجب الزكاة في المال المغصوب ، ولا الغائب اذا لم يكن في يد وكيله أو وليه ، ولا الرهن على الاشبه.

أقول : قال في الخلاف : اذا استقرض ألفا ورهن عليها مثلها ، لزمه زكاة القرض اذا بقي في يده حولا (١) وتردد في زكاة الرهن ، فتارة أوجبها عليه ، لانه قادر على التصرف فيه بفكه ، وتارة اسقطها ، نظرا الى أنه ممنوع من التصرف فيه.

وله في المبسوط (٢) كالقولين ، لكن الذي قواه في الخلاف الوجوب وهو الاصح ، ويحمل قول هذا الفاضل على ما اذا كان الراهن معسرا ، لتحقق المنع حينئذ.

قال رحمه‌الله : ولا تجب الزكاة في الدين ، فان كان تأخره من جهة صاحبه قيل : تجب الزكاة على مالكه. وقيل : لا ، والاول أحوط.

أقول : ذهب الشيخ المفيد والشيخ أبو جعفر الى الاول ، وذهب ابن أبي عقيل الى الثاني ، واختاره ابن ادريس.

احتج بعموم قوله عليه‌السلام « هاتوا ربع عشر أموالكم » (٣) ترك العمل به في حصول التأخير من المدين ، للاجماع ، فيبقى حجة في الباقي.

والرواية الدالة على ذلك عن الصادق عليه‌السلام قال : لا صدقة على الدين ، ولا

__________________

(١) الخلاف ١ / ٣٥١ مسألة ١٢٨.

(٢) المبسوط ١ / ٢١١.

(٣) عوالى اللئالى ٣ / ١١٥ ، برقم : ١١.

٥٣

على المال الغائب عنك حتى تقع في يدك (١). ولرواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قلت له في الدين زكاة؟ قال : لا (٢). وترك الاستفصال في حكاية الحال يدل على العموم.

احتج الشيخ برواية درست عن الصادق عليه‌السلام قال : ليس في الدين زكاة الا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره ، فاذا كان لا يقدر على أخذه ، فليس عليه زكاة حتى يقبضه (٣).

والجواب ان صحت السند حمل على الاستحباب ، جمعا بين الادلة.

قال رحمه‌الله : وفي مال التجارة قولان ، أحدهما الوجوب ، والاستحباب أصح.

أقول : قال الشيخان والمرتضى وأبو الصلاح وابن البراج وسلار وابن أبي عقيل بالاستحباب ، وهو الحق. وقال بعضهم بالوجوب ، وهو الظاهر من كلام ابني بابويه.

لنا ـ الاصل ، وما رواه زرارة قال : كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه‌السلام وليس عنده غير ابنه جعفر ، فقال : يا زرارة ان أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال عثمان : كل مال من ذهب أو فضة يدار ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة اذا حال عليه الحول. وقال أبو ذر ما اتجر به أو دير وعمل به ، فليس فيه زكاة ، وانما الزكاة فيه اذا كان ركازا أو كنزا موضوعا ، فاذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عليه‌السلام : القول ما قال

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٣١ ، ح ٢.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٣٢ ، ح ٤.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٣٢ ، ح ٥.

٥٤

أبو ذر (١).

احتج الموجبون بما رواه أبو الربيع الشامي عن الصادق عليه‌السلام في رجل اشترى متاعا ، فكسب عليه متاعا (٢) وقد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ قال : ان أمسكه التماس الفضل على رأس فعليه الزكاة (٣).

والجواب الحمل على الاستحباب. قال رحمه‌الله : ان سلم السند.

قال رحمه‌الله في الغنم خمسة نصب : أربعون وفيه (٤) شاة ، ثم مائة واحدى وعشرين وفيه شاتان ، ثم مائتان وواحدة ففيه ثلاث ، ثم ثلاثمائة وواحدة ، فاذا بلغت ذلك قيل : يؤخذ من كل مائة شاة ، وقيل : تجب أربع شياة ، حتى تبلغ أربعمائة فتؤخذ من كل مائة شاة ، بالغا ما بلغ ، وهو الاظهر. وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان.

أقول : ذهب السيد المرتضى وابنا بابويه وسلار وابن ادريس الى الاول ، لرواية محمد بن قيس عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ليس فيما دون الاربعين شي‌ء ، فاذا كانت أربعين ففيها شاة الى عشرين ومائة ، فاذا زادت واحدة ففيها شاتان الى المائتين فاذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم الى ثلاثمائة ، فاذا كثر الغنم ففي كل مائة شاة ـ الحديث (٥). تحصل الكثرة بانضمام واحدة إليها.

وذهب الشيخ وابن الجنيد الى الثاني ، لقول الباقر والصادق عليهم‌السلام : فاذا بلغت

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٧٠ ـ ٧١ ، ح ٨.

(٢) فى التهذيب : فكسد عليه متاعه.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٦٨ ، ح ١.

(٤) وفى الشرائع : وفيها ، وكذا فى المواضع الآتية.

(٥) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٥ ، ح ٢.

٥٥

ثلاثمائة ففيه مثل ذلك ثلاث شياة ، فاذا زادت واحدة ففيها أربع شياة ـ الحديث (١).

وقوله « وتظهر الفائدة في الوجوب » فعلى الاول ـ وهو قول المرتضى ومن وافقه ـ تجب ثلاث شياة. وعلى الثاني ـ وهو قول الشيخ ومن تبعه ـ تجب أربع شياة.

وقوله « وفي الضمان » أنه لو تلفت الواحدة من غير تفريط بعد الحول وقبل امكان الاداء ، فعلى الاول لا تسقط ، لان الواحدة الزائدة شرط في تعين الفرض ، وليست جزءا من محل الوجوب ، لتصريح الرواية بأن في كل مائة شاة ، فلم يتعلق الواجب بشي‌ء من الزائد.

وعلى الثاني تقسط الاربع شياة على ثلاثمائة جزء وجزء ، وتسقط منه أربعة أجزاء من ثلاثمائة جزء وجزء من شاة ، فيبقى الواجب عليه ثلاث شياة ومائتي جزء وسبعة وتسعون جزءا من ثلاثمائة جزء وجزء من شياة.

والضابط : أن التالف ان كان من الزائد على الفريضة ، لم تسقط شي‌ء بسبب التلف ، كخمسين تلف منها عشرة ، فالفريضة واجبة في الاربعين ، ولا عبرة بالتالف. وان كان من أصل الفرض ، سقط من الفرض بنسبته مائة وعشرين يتلف منها واحدة.

قال رحمه‌الله : الشرط الثاني السوم ، فلا تجب الزكاة في المعلوفة ، ولا في السخال الا اذا استغنت عن الامهات بالرعي ، ولا بدّ من استمرار السوم طول (٢) الحول ، فلو علفها بعضا ولو يوما ، استأنف الحول عند استئناف السوم ، ولا اعتبار باللحظة عادة. وقيل : يعتبر في اجتماع السوم والعلف الاغلب ، والاول أشبه.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٥ ، ح ١.

(٢) فى الشرائع : جملة.

٥٦

أقول : ذهب جماعة من الفقهاء الى الاول ، وذهب الشيخ في الخلاف (١) الى الثاني. احتج الاولون بوجهين :

الاول : أن اصالة البراءة تنفي الوجوب ، ترك العمل بها في السائمة للاجماع فيبقى الباقي على اصالته.

الثاني : السوم شرط فى الوجوب اجماعا وقد انتفي ، فينتفى المشروط ، وهو وجوب الزكاة ، وفي الرواية المشهورة عن الباقر والصادق عليهما‌السلام قالا : ليس على المعلوفة شي‌ء ، انما ذلك على السائمة الراعية (٢).

واحتجاجه رحمه‌الله بأن الاغلبية معتبرة في سقي الغلات ، فتعتبر هنا قياسا عليها ، باطل. أما أولا ، فلان القياس ليس حجة عندنا. وأما ثانيا ، فلعدم الجامع بينهما.

قال رحمه‌الله : ولو اختل أحد شروط الزكاة في أثناء الحول بطل الحول مثل أن نقصت عن النصاب فأتمها ، أو عاوضها بمثلها أو بجنسها على الاصح.

أقول : قال في المبسوط : اذا بادل جنسا بجنسه لزمته الزكاة ، مثل ذهب بذهب ، أو فضة بفضة ، أو غنم بغنم ، وما أشبه ذلك (٣). والحق ما ذكره المصنف.

لنا ـ قوله عليه‌السلام « لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول » (٤).

احتج بعموم الاوامر. والجواب نعم يخص للدليل (٥).

قال رحمه‌الله : وقيل : اذا فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة. وقيل : لا تجب.

__________________

(١) الخلاف ١ / ٣٢٣ ، مسألة ٦١.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٢ ـ ٢٣ ، ح ٤.

(٣) المبسوط ١ / ٢٠٦.

(٤) المبسوط ١ / ١٩٣.

(٥) فى « س » : يخصص الدليل.

٥٧

وهو الاظهر.

أقول : ذهب الشيخ أيضا أنه اذا بادل جنسا بغير جنسه فرارا من الزكاة وجبت محتجا بما تقدم. وجوابه ما سلف. ولنا الرواية السابقة.

قال رحمه‌الله : ولو تفاوتت الاسنان بأزيد من درجة واحدة ، لم يتضاعف التقدير الشرعي ، ورجع في التقاص الى قيمة السوق على الاظهر.

اقول : ذهب أبو الصلاح الحلبي الى تضاعف التقدير الشرعي ، فلو وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده ، بل حقة دفعها واسترجع أربع شياة ، أو أربعين درهما [ وبالعكس يدفع ويخير بأربع شياة ، أو أربعين درهما ] (١) وكذا لو لم يجد حقة ووجد جذعة دفعها واستعاد ست شياة ، أو ستين درهما. وينعكس الفرض بانعكاس التقدير ، وكذا فيما عدا أسنان الابل.

واختار ابن ادريس ما ذكره المصنف رحمه‌الله ، لان التقدير المذكور في الدرجة الواحدة على خلاف الاصل ، فيقتصر به على مورده ، لان التعدي قياس وهو باطل.

قال رحمه‌الله : والشاة التي تؤخذ من الزكاة قيل : أقلها الجذع من الضأن أو الثني من المعز. وقيل : ما يسمى شاة ، والاول أظهر.

اقول : القول الاول هو المشهور بين الاصحاب ، ومستنده الحديث المروي عن النبي عليه‌السلام (٢). وأما الثاني فقد نقله المصنف في هذا الكتاب ، ولم احصل الآن القائل به. فان كان نقله حقا ، فمستنده اطلاق الاحاديث المشهورة.

قال رحمه‌الله : ولا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا ، وفيه عشرة قراريط ، ثم ليس فى الزائد شي‌ء حتى يبلغ أربعة دنانير ، ففيها قيراطان ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من « س ».

(٢) سنن النسائى ٥ / ٣٠ وسنن أبى داود ٢ / ١٣٧.

٥٨

فلا زكاة فيما دون عشرين مثقالا ، ولا فيما دون أربعة [ دنانير ] ثم كل ما زاد المال أربعة ، ففيها قيراطان بالغا ما بلغ. وقيل : لا زكاة فى العين حتى يبلغ أربعين ففيه دينار ، والاول أشبه.

اقول : القول الاول هو المشهور بين علمائنا ، عملا بعموم قوله عليه‌السلام « هاتوا ربع عشر أموالكم » (١) ترك العمل به فيما دون العشرين ، للاجماع ، فيبقى الباقي على عمومه ، وغير ذلك من الاحاديث المروية من طرقنا وطرق الجمهور أيضا.

والثاني ذكره ابن بابويه ، عملا بالاصل ، واستنادا الى ظاهر الرواية المروية عن الباقر والصادق عليهما‌السلام قالا : في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال ، وفي الورق في كل مائتي درهم خمسة دراهم ، وليس في أقل من أربعين مثقالا شي‌ء ، ولا في أقل من مائتي درهم شي‌ء (٢). والاصل يخرج عنه للدليل ، والرواية معارضة بروايات كثيرة صحيحة السند.

وقال في التهذيب : يحمل قوله « ليس فيما دون أربعين مثقالا شي‌ء » على أن المراد بالشي‌ء دينار ، لان لفظة « الشي‌ء » يصح أن يكنى به عن كل شي‌ء (٣).

قال المصنف في المعتبر : وهذا التأويل عندي بعيد (٤).

وأقول : ما ذكره حسن (٥) اذ النكرة في سياق النفي للعموم. أما أولا فلصحة الاستثناء التي (٦) يخرج من الكلام ما لولاه لدخل. وأما ثانيا فلان قولنا « لا شي‌ء

__________________

(١) عوالى اللئالى ٣ / ١١٥ ، برقم : ١١.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١١ ، ح ١٧.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١١.

(٤) المعتبر ٢ / ٥٢٤.

(٥) فى « س » : تخصص.

(٦) فى « م » : الّذي.

٥٩

فيه » مناقض لقولنا « فيه شي‌ء » ونقيض الموجبة الجزئية سالبة كلية.

قال رحمه‌الله : لا زكاة في السبائك والنقار. وقيل : اذا عملهما كذلك فرارا وجبت الزكاة ، ولو كان قبل الحول ، والاستحباب أشبه.

أقول : للاصحاب في هذه المسألة قولان ، أحدهما الوجوب ، واختاره الشيخ في أكثر كتبه ، وابنا بابويه والمرتضى قدس الله روحه.

والثاني الاستحباب ، وهو اختيار المفيد قدس الله روحه. والقول الاخر للسيد ، واختاره ابن أبي عقيل وفتوى ابن ادريس.

احتج الموجبون بالاحتياط ، وبرواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) ومثلها رواية محمد بن مسلم عنه عليه‌السلام (٢).

واحتج الآخرون باصالة براءة الذمة ، وبظاهر الروايات المشهورة وصريحها والاحتياط معارض بالاصالة ، والروايتان محمولتان على الاستحباب جمعا بين الادلة.

قال رحمه‌الله : وزكاة القرض على المقترض ان تركه حولا بحاله ، ولو شرطها على المقترض ، قيل : يلزم الشرط. وقيل : لا يلزم ، وهو الاشبه.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية (٣) الى اللزوم ، وأطبق باقي الاصحاب على خلافه ، وهو الحق.

لنا ـ اصالة براءة ذمة المقرض ، ولان الزكاة متعلقة بالعين ولا عين هنا ، انما العين في يد المقترض.

ويؤيده رواية يعقوب بن شعيب الصحيحة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٩ ، ح ١٣.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٩ ، ح ١٢.

(٣) النهاية ص ١٧٦.

٦٠