إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١
الجزء ١ الجزء ٢

عليها مستحبة ، اذ هي من جملة البر ، وقد قال الله تعالى « وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى » (١) وأما الثانية ، فاجماعية.

احتج الشيخ قدس الله روحه برواية علي بن مهزيار قال : كتب رجل من بني هاشم الى أبي جعفر الباقر عليه‌السلام (٢) اني كنت نذرت نذرا منذ سنتين أن أخرج الى ساحل البحر الى ناحيتنا مما يرابط فيه المتطوعة نحو مرابطتهم بجدة وغيرها من سواحل البحر فارابط ، أفترى حينئذ أن يلزمني الوفاء به أو لا يلزمني؟ أو أفترى الخروج الى ذلك الموضع بشي‌ء من أبواب البر لاصير إليه إن شاء الله تعالى.

فكتب إليه بخطه وقرأته : ان كان سمع نذرك منك أحد من المخالفين ، فالوفاء به ان كنت تخاف الشنعة ، والا فاصرف مانويت في وجوه البر (٣).

والرواية مشتملة على المكاتبة ، مع أنها منافية للاصول ، فلا اعتماد عليها.

قال رحمه‌الله : ولو آجر نفسه ، وجب عليه القيام بها ، ولو كان الامام مستورا ، وقيل : ان وجد المستأجر أو ورثته ردها ، والا قام بها ، والاولى الوجوب من غير تفصيل.

أقول : هذه المسألة مبنية على المسألة السابقة ، فكل من قال بوجوب الوفاء بالنذر هناك مطلقا قال بوجوب القيام بها هنا ، وكل من لم يوجبه مع استتار الامام الا على وجه لم يوجبه هنا الا عند عدم المستأجر أو وارثه ، لوجوب ايصال الحق الى مستحقه. وقد بينا في المسألة السابقة أن القول الاول أقوى ، فيكون الاولى وجوب الوفاء هنا.

وقال صاحب كشف الرموز : هذه المسألة مبنية على القولين ، فمن قال لا تلزم

__________________

(١) سورة المائدة : ٢.

(٢) كذا فى النسختين ، وفى التهذيب : أبى جعفر الثانى عليه‌السلام.

(٣) تهذيب الاحكام ٦ / ١٢٦ ، ح ٤.

٢٤١

المرابطة مع عدم تمكن الامام قال بوجوب الاعادة ، ومن قال يلزم قال لا تجب الاعادة ، لان العقد : اما لازم كالاجارة ، أو جائزة كالجعالة.

فان قصد بالمرابطة مسألة من نذر صرف شي‌ء الى المرابطة فصحيح ، والا فغلط ، اذ لا خلاف في وجوب الاتيان بالمرابطة مع نذرها ، سواء كان الامام ظاهرا أو مستورا ، على ما تقدم مستوفى ، وقد صرح المتأخر بذلك.

وأما قول الشيخ المصنف في المختصر : وجاز له المرابطة أو وجب (١). فمعناه : جاز له المرابطة ان أخذ المال بعقد غير لازم كالجعالة ، ووجبت ان أخذه بعقد لازم كالاجارة.

قال رحمه‌الله : ولا يبدءون الا بعد الدعاء الى محاسن الاسلام.

أقول : المراد بمحاسن الاسلام عندنا الاقرار بالشهادتين والتوحيد والعدل والتزام جميع شرائع الاسلام.

قال رحمه‌الله : أو تسويته لامته.

أقول : اللأمة بالهمز : الدرع ، وجمعها لأم ، ويجمع أيضا على لؤم مثال نغر. قال الجوهري : على غير قياس. فانه جمع لؤمة ، واستلأم الرجل ، أي : لبس اللأمة ، واللامة بالتشديد الدرع (٢).

قال رحمه‌الله : ولو غلب عنده الهلاك لم يجز الفرار ، وقيل : يجوز ، لقوله « وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » (٣) والاول أظهر ، لقوله تعالى « إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا » (٤).

__________________

(١) مختصر النافع ص ١٣٤.

(٢) صحاح اللغة ٥ / ٢٠٢٦.

(٣) سورة البقرة : ١٩٦.

(٤) سورة الانفال : ٤٦.

٢٤٢

أقول : القولان ذكرهما الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، واختار الاول على الاولوية ، ويؤيده أن الآية الدالة على الامر بالثبات خاصة ، وأنه الحفظ عامة ، والخاص مقدم على العام ، فيعمل به في غير صورة الخاص.

ويضعف بأن العمل بالخاص وتقديمه على العام انما يجب اذا لم يمكن العمل بالخاص ، الا مع تخصيص العام. أما اذا أمكن اجراء العام على عمومه والعمل بالخاص من وجه دون وجه ، فلا يجب تقديمه عليه ، بل يكون عدم التقديم أولى اذ العمل بأحد الدليلين من كل الوجوه وبالآخر من وجه دون آخر أولى من العمل بكل منهما من وجه دون آخر ، لان العمل به من كل وجه تنزيل له على كل مفهوماته ، فيكون أكثر فائدة.

وفيه نظر ، اذ ليس اجراء آية الحفظ على عمومها وتخصيص آية الثبات أولى من العكس.

ويحتمل أن يقال : تخصيص آية الثبات أولى ، لقوله تعالى « إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ (٢) » الآية ، فمدحهم تعالى على ذلك. ولو كان الثبات مع العطب منهيا عنه ، لما مدحهم على ذلك.

قال رحمه‌الله : ولو كان المسلمون أقل من ذلك لم يجب الثبات ، ولو غلب على الظن السلامة استحب ، ولو غلب العطب قيل : يجب الانصراف. وقيل : يستحب ، وهو أشبه.

أقول : القولان نقلهما الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (٣) ، واختار الثاني ، وانما كان أشبه لاعتضاده بالاصل.

__________________

(١) المبسوط ٢ / ١٠.

(٢) سورة التوبة : ١١١.

(٣) المبسوط ٢ / ١٠.

٢٤٣

والقول الاول عندي أقوى ، لان في الانصراف والحال هذه دفع ضرر لا يندفع الا به ، ودفع الضرر المظنون واجب عقلا عندنا ، وبالاجماع عند أهل السنة ، فقد ثبت اتفاق المسلمين على وجوب دفع الضرر.

فرع :

قال الشيخ في المبسوط : لو قصد رجلا رجل ، فغلب في ظنه أنه ان ثبت له قتله فعليه الذب (١).

قال رحمه‌الله : ولو انفرد اثنان بواحد من المسلمين ، لم يجب الثبات ، وقيل : يجب ، وهو المروي.

اقول : قال الشيخ في المبسوط : كان في بدو الاسلام أن يضاف واحد بعشرة ثم نسخ بوقوف الواحد لاثنين بدليل الآية (٢).

قال رحمه‌الله : وليس المراد بذلك أن يقف الواحد بإزاء العشرة أو اثنين وانما يراد الجملة. وان جنس المسلمين اذا كان نصف جنس المشركين بلا زيادة وجب الثبات ، ويؤيده الاصل ، ولان الثبات هناك انما وجب لحصول القوة الاجماعية ، وهي غير موجودة حالة الانفراد. والقول الثاني ذكره الشيخ في النهاية (٣) اعتمادا على الرواية (٤) ، وتبعه المتأخر ، والمعتمد عندي الاول.

قال رحمه‌الله : ويحرم بإلقاء السم ، وقيل : يكره ، وهو أشبه ، فان لم يمكن الفتح الا به جاز.

__________________

(١) المبسوط ٢ / ١٠ وفيه : فعليه الهرب.

(٢) المبسوط ٢ / ١٠.

(٣) النهاية ص ٢٩٤.

(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ١٧٤ ، ح ٢٠.

٢٤٤

اقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ في النهاية (١) ، وهو ظاهر كلام المتأخر مصيرا الى رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يلقى السم في بلاد المشركين (٢). وظاهر النهي التحريم ، لقوله تعالى « وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (٣) » أوجب الانتهاء عن المنهي ، ولا نعنى باقتضائه التحريم الا ذلك.

وقال في المبسوط : كره أصحابنا القاء السم في بلادهم (٤) ، ويؤيده أصالة الجواز.

والحق أن نقول : ان علم وظن أن في البلد أحد من المسلمين حرم الالقاء ، وإلا جاز. أما لو لم يمكن الفتح الا بالالقاء جاز قولا واحدا ، اذا لفتح واجب ولا يتم الا به ، وما لا يتم الواجب المطلق الا به فهو واجب ، على ما بين في كتب الاصول.

قال رحمه‌الله : ولا يلزم القاتل دية ، ويلزمه الكفارة. وفي الاخبار : ولا كفارة.

اقول : لا خلاف في سقوط الدية مع عدم امكان التحرز ، وفي الكفارة قولان للشيخ رحمه‌الله ، أحدهما السقوط عملا بالاصل ، واستنادا الى النقل. والثاني الوجوب ، عملا بالآية ، وهو اختيار المتأخر وبه اعمل.

قال رحمه‌الله : وتكره المبارزة بغير اذن الامام ، وقيل : يحرم.

أقول : القول الاول ظاهر كلامه في المبسوط (٥) ، عملا بالاصل وانما كرهه لجواز أن لا يرضى الامام عليه‌السلام ذلك ، ولانه عليه‌السلام أعرف بفرسان المسلمين وفرسان المشركين ، ومن يصلح للبراز ومن لا يصلح.

__________________

(١) النهاية ص ٢٩٣.

(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ١٤٣ ، ح ٤.

(٣) سورة الحشر : ٧.

(٤) المبسوط ٢ / ١١.

(٥) المبسوط ٢ / ١٩.

٢٤٥

والقول الثاني ذهب إليه في النهاية ، وأتبعه المتأخر ، عملا بالاحتياط ، اذ يجوز أن لا يرضى الامام بذلك ، فيكون حراما. أما لو منع ، حرم قولا واحدا.

قال رحمه‌الله : المشرك اذا طلب المبارزة ولم يشترط جاز معونة قرنه.

اقول : قال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : اذا بارز مشرك مسلما ، نظر فان بارز مطلقا ، جاز لكل أحد رميه وقتله ، لانه حربي لا أمان بيننا وبينه ، الا أن تكون العادة قد جرت أن لا يقاتل عند البراز الا المبارز وحده ، فيستحب حينئذ الكف (١).

ولو قيل بوجوب الكف كان حسنا ، اذ ما جرت العادة به كالمنطوق ، لا خلاف في وجوبه مع النطق.

فائدة :

القرن بالكسر كفوك في الشجاعة ، والقرن بالفتح كفوك في السن. وله معان أخر أضربنا عنها خوف الاطالة. والقرن بالتحريك الجعبة.

وقال الاصمعي : انها يكون من الجلود فقط تكون مشقوقة ثم تخرز ، وانما تسد ليصل الريح الى الريش فلا يفسد. وله أيضا عدة معان ، فليطلب من الكتب المطولة.

قال رحمه‌الله : ولو شرط أن لا يقاتله غيره ، وجب الوفاء له ، فان فر فطلبه الحربي جاز دفعه ، ولو لم يطلبه لم يجز محاربته ، وقيل : يجوز ما لم يشترط الامان حتى يعود الى فئته.

اقول : القول الاول هو المختار ، عملا بالشرط السائغ وظاهر كلام الشيخ في المبسوط (٢) يعطي الثاني ، وليس بجيد. فان احتج بالاصل الدال على الجواز منعنا من دلالته على ذلك ، مع حصول الشرط السائغ اجماعا.

__________________

(١) المبسوط ٢ / ١٩.

(٢) المبسوط ٢ / ١٩.

٢٤٦

وفيه نظر ، فانا لا نسلم أن شرط الانفراد بالمقابلة سائغ ، كما ذهب إليه أبو علي ، محتجا بأن الله الزم المؤمن الدفع عن المؤمن ممن يريد البغي عليه ، ولا جرم أن طالب المقابلة باغ ، لكن هذا ليس ينافع للشيخ ، لانه أوجب الوفاء بهذا الشرط.

لا يقال : انما شرط الانفراد بالمقابلة في زمان حصول القتال بينهما ولا جرم في زواله مع فرار قرنه المسلم.

لانا نقول : نمنع ذلك ، بل انما شرط بشاهد الحال الانفراد ما دام في المبارزة وهي لا يزول الا بعد العود الى فئته.

قال رحمه‌الله : ولو أذم المراهق أو المجنون لم ينعقد ، لكن يعاد الى مأمنه.

اقول : هذا الحكم انما يصح اذا اعتقد الحربي الامان ، أما لو عرف أن أمان الصبي غير منعقد ثم دخل إلينا كان حربا ، ومراد المصنف الاول.

قال رحمه‌الله : ويجوز أن يذم الواحد من المسلمين الآحاد من أهل الحرب فلا يذم عاما ولا لاهل اقليم ، وهل يذم لقرية أو حصن؟ قيل : نعم ، كما أجاز علي عليه‌السلام ذمام الواحد لحصن من الحصون ، وقيل : لا ، وهو الاشبه ، وفعل علي عليه‌السلام قضية في واقعة ، فلا يتعدى.

اقول : القول الاخير ذهب إليه الشيخ رحمه‌الله ، وهو الحق.

لنا ـ أن صحة الامان حكم شرعي ، فيقف على الدليل الشرعي ، وحيث لا دلالة فلا حكم ولان ذلك من توابع النظر في المصالح ، وليس الا للامام أو نائبه. واحتجاج المجوزين بفعل علي عليه‌السلام ضعيف ، لما ذكره المصنف.

قال رحمه‌الله : ولو قال لا تخف أو لا بأس عليك ، لم يكن ذماما ما لم ينضم إليه ما يدل على الامان.

أقول : هذا القول ذكره الشيخ في المبسوط (١) ، وعندي فيه اشكال اذ لا فرق

__________________

(١) المبسوط ٢ / ١٤.

٢٤٧

بين قول القائل لا تخف أو لا بأس عليك ، وبين قوله أنت آمن أو آجرتك ، وقد حكم بأن هذا أمان صحيح (١) غير مفتقر الى القرينة ، ويلزمه القول بعدم احتياج هذا.

قال رحمه‌الله : ويراعى في الحاكم كمال العقل والاسلام والعدالة ، وهل يراعى الذكورة والحرية؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

اقول : منشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز.

والالتفات الى فتوى الشيخ رحمه‌الله ، ولانه من المناصب الجليلة ، فلا يليق بحاله ، وهو الاقوى عندي. وكذا المرأة لقصور عقلها ورأيها.

قال رحمه‌الله : ويكره قتل الاسير صبرا.

أقول : المراد بالصبر الحبس لاجل القتل.

قال رحمه‌الله : ولو استرق الزوج ـ الى قوله ـ ولو قيل يتخير الغانم في الفسخ كان حسنا.

أقول : اعلم أن الشيخ رحمه‌الله حكم في الصور الثلاث الاول بانفساخ النكاح لتجدد الملك المقتضي لثبوت السلطنة ، وحكم في الصورة الاخيرة بعدم الانفساخ ، كما ذكره المصنف ، والمصنف رحمه‌الله مال الى التخيير ، وهو الوجه عندي.

لنا ـ أنه مالك تجدد ملكه ، فكان له التخيير كغيره من الملاك.

قال رحمه‌الله : ولو أعتق مسلم عبدا ذميا بالنذر ، فلحق بدار الحرب فأسره المسلمون جاز استرقاقه ، وقيل : لا ، لتعلق ولاء المسلم به ، ولو كان المعتق ذميا استرق اجماعا.

أقول : قال الشيخ رحمه‌الله : ومتى أعتق مسلم عبدا مشركا وثبت له عليه ولاء ، فلحق بدار الحرب ، ثم وقع في الاسر لم يسترق ، لانه قد ثبت عليه ولاء

__________________

(١) فى « س » : أمانا صحيحا.

٢٤٨

للمسلم ، فلا يجوز ابطاله.

قال رحمه‌الله : ولو قلنا انه يصح وتبطل ولاء المسلم كان قويا ، وان كان الولاء لذمي ثم لحق المعتق بدار الحرب فسبي استرق ، لان سيده لو لحق بدار الحرب استرق والبحث هنا يقع في مقامين :

الاول : في صحة عتق العبد المشترك ، وقد اختلف الاصحاب فيه ، فذهب قوم منهم الى أنه لا يصح مطلقا ، وقال آخرون : انما يصح مع النذر فقط ، ولا يصح فيما عداه ، والمصنف رحمه‌الله فرع على هذا القول الاخير ، وهو يدل على الرضا به ، والشيخ رحمه‌الله أطلق ، وهو يدل على اختيار القول.

المقام الثاني : في كيفية هذا الولاء ، ولا اشكال فيه على قول الشيخ قدس الله روحه ، حيث حكم بصحة عتق الكافر تبرعا ، فيثبت حينئذ عليه الولاء للمولى ، وانما يرد الاشكال على الشيخ المصنف قدس الله روحه ، حيث علق صحة العتق على النذر ، ثم أثبت الولاء للمعتق ، وهما حكمان متضادان.

ويمكن أن يتحمل له رحمه‌الله ، بأن يقال : المراد بالولاء هنا ولا يضمن الجريرة الثابت بالتوالي الى المولى ، لا ولاء العتق ، وانما صح أن يتولاه وان كان معتقة ، لانه والحال هذه شائبة لا ولاء عليه ، اذ التقدير أنه معتق بالنذر.

واعلم أن هذا التأويل بعيد جدا ، اذ هو غير مفهوم من كلام المصنف ، لكنه محتمل.

لا يقال مثله في الذمي.

لانا نقول : الذمي لو لحق بدار الحرب استرق ، فكيف من له عليه حق ما.

قال رحمه‌الله : اذا أسلم عبد الحربي في دار الحرب قبل مولاه ملك نفسه بشرط أن يخرج قبله. ولو خرج بعده ، كان على رقه ، ومنهم من لم يشترط خروجه ، والاول أصح.

٢٤٩

اقول : لا خلاف في حصول الحرمة بالاسلام والخروج الى دار الاسلام قبل المولى ، وانما الخلاف لو أسلم فأقام في دار الحرب ، أو خرج بعد المولى ، فذهب الشيخ في النهاية (١) الى أنه باق على الرقية ، وهو اختيار أبي علي والمتأخر.

ويؤيده أصالة بقاء الملك على مالكه ، ترك العمل بها في تلك الصورة للاجماع فيبقى معمولا بها فيما عداها ، وقوله عليه‌السلام « أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر ، وأيما عبد خرج بعد مولاه فهو عبد » (٢).

وقال في المبسوط بعد ذكر هذا القول : والفرق بين المسألتين بحصول قهر العبد للسيد على نفسه ، فملكها في المسألة الاولى ، وبعدم حصوله في الثانية ، فيبقى على أصل الرق ، وان قلنا انه يصير حرا على كل حال كان قويا (٣). والمعتمد الاول.

تذنيب :

قال في المبسوط : لو دخل الحربي إلينا بأمان ، فاشترى عبدا مسلما ، ثم لحق بدار الحرب ، فغنمه المسلمون ، فانه باق على ملك المسلم ، لان الشراء فاسد ، اذ الكافر لا يملك مسلما ، ويرد عليه المال الذي أخذه المسلم ثمنا في أمان ، فان تلف العبد كان لسيده قيمته وعليه رد ثمنه ، فيترادان الفضل (٤).

قال رحمه‌الله : لو وجد شي‌ء في دار الحرب ، يحتمل أن يكون للمسلمين ولاهل الحرب كالخيمة والسلاح فحكمه حكم اللقطة ، وقيل : يعرف سنة ثم يلحق بالغنيمة وهو تحكم.

أقول : الاخير ذكره الشيخ في المبسوط ، عملا بالظاهر ، اذ لو كان له صاحب

__________________

(١) النهاية ص ٢٩٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٦ / ١٥٢.

(٣) المبسوط ٢ / ٢٧.

(٤) المبسوط ٢ / ٢٧.

٢٥٠

لظهر مطالبا ، وليس بجيد ، لان فيه تهجما على التصرف في الاموال المعصومة بغير سبب مبيح شرعا.

والحق ما قاله المصنف ، وهو اختيار شيخنا في المختلف (١).

لنا ـ أنه مال ضائع لا بدّ لاحد عليه ، فيكون لقطة.

قال رحمه‌الله : ويبدأ بما يرضخه للنساء والعبيد والكفار ان قاتلوا باذن الامام فانه لا سهم للثلاثة.

اقول : قال أبو علي : يسهم للعبيد المأذون له فيه والمكاتب ، وهو حسن ، لانه نوع اكتساب وللمكاتب أهلية ذلك ، وكذا العبد المأذون ، والشيخ قال : لا سهم للعبيد ، سواء خرجوا باذن سيدهم أو بغير اذنه ، لان الاستغنام نوع التملك وليس العبد أهلا له على ما يأتي بيانه. وهو ضعيف. فانا لا نملكه شيئا ، بل ما يحصل له يكون لمولاه كغيره من وجوه الاكتسابات.

قال رحمه‌الله : ثم يخرج الخمس ، وقيل : بل يخرج الخمس مقدما ، عملا بالآية ، والاول أشبه.

اقول : قال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : والارضاخ يجوز أن يكون من أصل الغنيمة ، وهو الاولى ، وان أعطاه من ماله خاصة كان له.

قال رحمه‌الله : وقال قوم : انه يكون من أربعة أقسام المقابلة ، والاول أصح لانهم يغتمونه. وبه قال في الخلاف محتجا بأن يقع هؤلاء ومعونتهم عائد على أهل الغنيمة طرا ، فتخصيص رضخهم بحصة قوم منهم دون قوم ترجيح من غير مرجح ، وهو باطل.

وظاهر كلام الشيخ في النهاية (٢) يؤذن بالقول الاخر ، وهو اختيار المتأخر ،

__________________

(١) المختلف ص ١٥٨ من كتاب الجهاد.

(٢) النهاية ص ١٩٨.

٢٥١

عملا بقوله تعالى « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ » (١) الآية ، أوجب تعالى اخراج الخمس من جميع المغنوم ، ولا شك أن الرضخ من جملة المغنوم فيجب اخراج خمسه أولا ثم يرضخ ثانيا.

والجواب : الآية مخصوصة بما عدا الرضخ ، كما أنها مخصوصة بما عدا السلب المشترط للقاتل وما يحتاج إليه الغنيمة ولما قلناه.

قال رحمه‌الله : ثم يعطى الراجل سهما والفارس سهمين ، وقيل : ثلاثة ، والاول أظهر.

اقول : القول الاول هو المشهور بين الاصحاب ، ونقل الشيخ في المبسوط (٢) والخلاف (٣) القول الثاني ، وهو اختيار أبي علي ابن الجنيد ، والاقرب الاول.

لنا ـ أصالة التساوي ، ترك العمل بها في السهمين ، فيبقى معمولا بها فيما عداها ، والتمسك بالأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم‌السلام.

وبالقول الاول رواية عن أهل البيت عليهم‌السلام أيضا ، وحملها الشيخ في الاستبصار على ذي الافراس ، مستدلا برواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام (٤).

قال رحمه‌الله : من الخيل للقحم والرازح والضرع ، لعدم الانتفاع بها في الحرب ، وقيل : يسهم مراعاة للاسم ، وهو حسن.

اقول : القول الاول ذهب إليه أبو علي ابن الجنيد ، ونقله الشيخ رحمه‌الله أيضا.

والقول الثاني ذهب إليه الشيخ رحمه‌الله ، وهو أحوط ، عملا بعموم الاخبار.

__________________

(١) سورة الانفال : ٤١.

(٢) المبسوط ٢ / ٧٠.

(٣) الخلاف ٢ / ١١٨ مسألة ٢٤.

(٤) الاستبصار ٣ / ٣ ـ ٤.

٢٥٢

والقحم من الخيل بفتح القاف وتسكين الحاء الكبير الذي لا يمكن القتال عليه لكبر سنه ، قاله الشيخ رحمه‌الله والمتأخر والشيخ ، القحم الهم ، ومثله الفجل والرازح الذي لا حراك به. والضرع بفتح الراء والضاد الصغير من الخيل.

قال رحمه‌الله : المرصد للجهاد ، لا يملك رزقه من بيت المال الا بقبضه ، فان حل وقت العطاء ثم مات ، كان لوارثه المطالبة ، وفيه تردد.

اقول : منشؤه : النظر الى فتوى الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، ولانه قد استحق المطالبة به ، فيكون لورثته ذلك ، عملا بعموم قوله تعالى « لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ » (٢).

والالتفات الى أصالة عدم انتقال هذا المال إليه ، ترك العمل بها في صورة القبض مع حلول الحول ، فيبقى معمولا بها فيما عداها ، ولان شرط الملك القبض وهو منتف هنا ، فينتفي مشروطه ، واذا بطل الملك لم يستحق وارثه المطالبة ، لانها تابعة له.

قال رحمه‌الله : قيل : ليس للاعراب من الغنيمة شي‌ء ، وان قاتلوا مع المهاجرين ، بل يرضخ لهم ، ونعني بهم من أظهر الاسلام ولم يصفه ، وصولح على اعفائه عن المهاجرة وترك النصيب.

أقول : هذا القول ذكره الشيخ رحمه‌الله ، ونازع فيه المتأخر ، وقال بعد كلام طويل : لا خلاف بين المسلمين أن كل من قاتل من المسلمين ، فانه من جملة المقاتلة ، وأن الغنيمة للمقاتلة ، فلا يخرج عن هذا الاجماع الا باجماع مثله. والحق ما قاله الشيخ.

لنا ـ أن النبي عليه‌السلام صالحهم عن المهاجرة بترك النصيب ، فلا يستحقون فيه

__________________

(١) المبسوط ٢ / ٧٣.

(٢) سورة النساء : ٧.

٢٥٣

شيئا.

قال رحمه‌الله : لا يستحق أحد سلبا ولا نقلا ، في بدأة ولا رجعة ، الا أن يشترط له الامام.

اقول : السلب في اللغة المسلوب ، ومثله السليب ، والسلب أيضا مصدر سلبت الشي‌ء سلبا. وأما في الشرع ، فهو كل ما يد المقتول عليه ، وهو حثه للقتال أو سلاح له مثل القوس والبيضة والخوذة والجوشن والسيف والرمح والدرقة والثياب التي عليه وفرسه التي تحته.

وأما الذي لا يكون يده عليه ، كالمضرب والرحل والجنايب التي يساق خلفه وما شاكل ذلك ، فغنيمة وليس بسلب.

أما ما يده عليه وليس بجنة للقتال ، كالمنطقة والخاتم والسوار والطوق والنفقة التي معه ، ففي كونها غنيمة أو سلبا نظر ، ينشأ : من كون يده عليه ، فيكون سلبا مراعاة للوضع اللغوي. ومن أنه ليس بجنة.

قال الشيخ في المبسوط : والاولى أن نقول : انه سلب لعموم الخبر (١).

وهل يستحق بنفس الفعل ، أو بشرط الامام ، أو والي الجيش؟ أكثر الاصحاب على الثاني. وقال أبو علي : من قتل قتيلا ، فله سلبه خاصة ، سواء قال ذلك للعسكر أو لم يقله ، اذا كان ذا سهم في الغنيمة. أما لو لم يكن كذلك. أفتقر الى الشرط والمعتمد ما قاله الشيخ.

والنفل في اللغة الغنيمة ، يقال بتحريك الفاء وتسكينها ، والجمع الانفال.

قال لبيد :

ان نقوى ربنا خير نفل

وباذن الله رمي وعجل

والمراد هنا ما يجعله الامام ، أو والي الجيش لبعض المجاهدين من الغنيمة

__________________

(١) المبسوط ٢ / ٦٧.

٢٥٤

ويجوز أن يكون من غيرها ، بشرط أن نقول : من يولي السرية فله كذا ، ومن دلني على القلعة الفلانية فله كذا ، من قتل فلانا من البطارقة فله كذا ، هذه اللفظة ذكرها الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١).

قال الجوهري : البطريق القائد من قواد الروم ، وهو معرب ، والجمع البطارقة (٢).

وهو جائز مع الحاجة لا بدونها ، ولا تقدير له ، بل تقديره موكول الى نظر الامام عليه‌السلام.

قال : وجعل النبي عليه‌السلام في البدأة ، وهي السرية المنفذة أولا الى دار الحرب الربع ، وفي الرجعة وهي السرية الثانية التي تبعث بعد رجوع الاولى ، وقيل : هي المنفذة بعد رجوع الامام الى دار الاسلام ليس عاما ، بل لما رأى في ذلك من المصلحة.

فرع :

اذا قال الامام قبل لقاء العدو : من أخذ شيئا فهو له ، صح لانه معصوم ففعله حجة ، قاله الشيخ رحمه‌الله ، وروي ان عليا عليه‌السلام قال يوم : من أخذ شيئا فهو له.

قال رحمه‌الله : الحربي لا يملك مال المسلم بالاستغنام ، ولو غنم المشركون أموال المسلمين [ وذراريهم ] ثم ارتجعوها ، فالاحرار لا سبيل عليهم. أما الاموال والعبيد ، فلاربابها قبل القسمة ولو عرفت بعد القسمة ، فلا ربابها القيمة من بيت المال ، وفي رواية : تعاد على أربابها بالقيمة. والوجه اعادتها على المالك ، ويرجع الغانم بقيمتها على الامام مع تفرق الغانمين.

__________________

(١) المبسوط ٢ / ٦٨.

(٢) صحاح اللغة ٤ / ١٤٥٠.

٢٥٥

اقول : اعلم أنه لا نزاع في وجوب رد الاولاد مطلقا من غير عوض مع قيام البينة بكونهم أولادا للمسلم. وانما النزاع في الاموال فقط.

اذا عرفت هذا فنقول : اختلف الاصحاب في هذه المسألة ، فذهب الشيخ في النهاية (١) الى تقويمها على المقاتلة ، ويدفع الامام قيمتها الى أربابها من بيت المال ، مصيرا الى رواية هشام بن سالم عن بعض الاصحاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام في السبي يأخذه العدو من المسلمين في القتال من أولاد المسلمين ومماليكهم ، فيتجرونه ، ثم ان المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم ، فسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين وأولادهم الذين كانوا أخذوهم من المسلمين ، فكيف نصنع بما كانوا أخذوه من أولادهم ومماليكهم؟ قال فقال : أما أولاد المسلمين ، فلا يقام في سهام المسلمين ، ولكن يرد الى أبيه ، أو الى أخيه ، أو الى وليه بشهود وأما المماليك ، فانهم يقامون في سهام المسلمين ويعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين (٢).

وهي غير مسندة الى امام ، فلا حجة فيها.

وقال في المبسوط (٣) والخلاف (٤) : ان عرفت قبل القسمة كانت لاربابها بغير ثمن ، وان كان بعدها ردت عليهم أيضا ، وأعطى الامام من حصل في سهمه قيمته من بيت المال ، لئلا تنتقص القسمة. وهو اختيار المتأخر ، عملا بقوله عليه‌السلام : لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه (٥).

والقول الذي ذكره المصنف منسوب الى ابن بابويه ، وهو ظاهر كلام الشيخ

__________________

(١) النهاية ص ٢٩٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٦ / ١٥٩ ، ح ١.

(٣) المبسوط ٢ / ٢٦.

(٤) الخلاف ٢ / ١٢١.

(٥) عوالى اللئالى ٣ / ٤٧٣.

٢٥٦

في الاستبصار ، حيث تأول رواية ابن سالم عن الصادق عليه‌السلام (١).

وأما الرواية التي أشار إليها المصنف رواية ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل كان له عبد ، فأدخل دار الشرك ، ثم أخذ سبيا الى دار الاسلام ، فقال : ان وقع عليه قبل القسمة فهو له ، وان جرت عليه القسمة فهو أحق به بالثمن (٢). وفي معناها رواية الحلبي عنه عليه‌السلام (٣).

والحق ما اختاره المصنف ، وهو اختيار الشيخ في الاستبصار أخيرا ، عملا بالرواية عن الباقر عليه‌السلام (٤).

فرع :

لو أسلم الحربي بعد استغنام مال المسلم لم يملكه ، خلافا لابي حنيفة.

قال رحمه‌الله : ولو قتل الرجال قبل عقد الجزية ، فسأل النساء اقرارهن ببذل الجزية ، قيل : يصح ، وقيل : لا ، وهو الاصح. ولو كان بعد عقد الجزية ، كان الاستصحاب حسنا.

أقول : القولان نقلهما الشيخ رحمه‌الله في المبسوط ، فقال : فان قتل الرجال ، فسأل النساء أن يعقد لهن ليكن ذميات في دار الاسلام ، عقد لهن بشرط أن تجري أحكامنا عليهن ، وليس له سبيهن ولا أن يأخذ منهن شيئا ، فان أخذ شيئا رده. وقد قيل : انه يحتال عليهن حتى يفتحوا ، فيسبين ولا يعقد لهن الامان (٥).

ولا يدل صريحا على ما نقله الشيخ المصنف رحمه‌الله. وانما كان القول الثاني

__________________

(١) الاستبصار ٣ / ٥ ، ح ٢.

(٢) الاستبصار ٣ / ٥ ، ح ٣.

(٣) الاستبصار ٣ / ٥ ، ح ٤.

(٤) الاستبصار ٣ / ٥.

(٥) المبسوط ٢ / ٤٠.

٢٥٧

أصح ، لان النساء لا يصح ضرب الجرية عليهن اجماعا منا ، فيكون هذا العقد قد تضمن شيئا باطلا ، فيكون باطلا ، لان الماهية المركبة تكفي في ارتفاعها بطلان أحد أجزائها.

وأما قوله « ولو كان بعد عقد الجرية كان الاستصحاب حسنا » معناه : اذا قتل الرجال بعد ضرب الجرية عليهم ، كان استدامة الامان للنساء من غير ضرب جزية عليهن حسنة ، لانهن قد ثبت لهن الامان مع الرجال ضمنا ، فيستحب الوفاء به.

قال رحمه‌الله : ويجوز وضع الجزية على الرءوس ، أو على الارض ولا يجمع [ بينهما ] وقيل بجوازه ابتداءً ، وهو الاشبه.

اقول : الاول هو المشهور بين الاصحاب ، والقول الثاني ذهب إليه أبو علي ، واختاره أبو الصلاح. وانما كان أشبه ، لان الجمع أنسب بالصغار ، ولانه بمدلول الاصل.

قال رحمه‌الله : واذا أسلم قبل الحول ، أو بعده قبل الاداء ، سقطت الجزية على الاظهر.

أقول : لا خلاف في سقوط الجزية بالاسلام قبل حوول الحول.

وانما الخلاف في الفرض الثاني ، فذهب الشيخ رحمه‌الله وأكثر الاصحاب الى السقوط ، عملا بالاصل ، ولقوله عليه‌السلام « الاسلام يجب ما قبله » (١) ولانه لا جزية على مسلم ، ولان أداها مشروط بالصغار ، ينتفي هنا اجماعا.

وظاهر كلام أبي الصلاح عدم السقوط ، لانه حق ثبت في الذمة بحؤول الحول ، فيجب أداؤه كغيره من الحقوق ، وليس بجيد ، لانها انما وجبت لمعنى وقد انتفى فينتفي بانتفائه.

قال رحمه‌الله : اذا خرقوا الذمة في دار الاسلام ، كان للامام ردهم الى مأمنهم

__________________

(١) الجامع الصغير للسيوطى ١ / ١٢٣.

٢٥٨

وهل له قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

اقول : القول للشيخ رحمه‌الله. وأما التردد ، فمنشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز ، ولان الامان انما هو للالتزام بشرائط الذمة وقد زال فيزول مشروطه.

والالتفات الى حصول الامان لهم في دار الاسلام ، فيجب ردهم للآية الى مأمنهم ، ثم يصيرون حربا بعد ذلك ، والاول أقوى عندي.

قال رحمه‌الله : وأما المساكن ، فكل ما يستجده الذمي لا يجوز أن يعلو به على المسلمين من مجاوريه ، ويجوز مساواته على الاشبه.

اقول : لا خلاف في تحريم العلو. وانما الخلاف في المساواة ، فذهب الشيخ الى أنه لا يجوز ، وأتبعه المتأخر ، لانه أنسب بالصغار.

والحق الجواز ، عملا بعموم قوله عليه‌السلام « الناس مسلطون على أموالهم » (١) ترك العمل به في الصورة الاولى ، اما للدليل الدال عليه ، أو للاتفاق ، فيبقى معمولا به فيما عداها.

قال رحمه‌الله : ولا يجوز لهم استيطان الحجاز على قول مشهور.

اقول : هذا القول ذكره الشيخ أبو جعفر ، وهو جيد لما فيه من تحقيق الصغار المأمور به شرعا ، ولم أقف لباقي الاصحاب على شي‌ء من ذلك.

قال رحمه‌الله : وفي الاجتياز به والامتياز منه تردد ، ومن أجازه حده بثلاثة أيام.

اقول : منشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز.

والالتفات الى أن المنع من ذلك أنسب بالصغار ، فيكون مطلوبا للشارع.

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٢ و ٤٥٧ و ٢ / ١٣٨ و ٣ / ٢٠٨.

٢٥٩

فرع :

المراد بالحجاز هنا ما عدا الحرم ، فلا يجوز دخوله ، لا للاستيطان ولا لغيره عملا بقوله تعالى « إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » (١) الآية. قال الشيخ رحمه‌الله : فأما المسجد الحرام ، فهو عبارة عن الحرم عند الفقهاء ، فلا يدخل مشرك الحرم بحال.

قال رحمه‌الله : ولا جزيرة العرب ، قيل : المراد بها مكة والمدينة واليمن ومخاليفها.

اقول : المراد بمخاليفها ما كان قريبا منها.

قال رحمه‌الله : ولا يجوز أكثر من سنة على قول مشهور.

اقول : هذا القول ذكره الشيخ ، محتجا عليه بقوله تعالى « فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ » (٢) فاقتضى ذلك قتلهم بكل حال ، وخرج قدر الاربعة أشهر بدليل الآية الاولى ، وبقي ما عداه على عمومه ، فالوجه عندي مراعاة الاصلح للمسلمين.

قال رحمه‌الله : لو قدم زوجها فطالب بالمهر ، فماتت بعد المطالبة ، دفع إليه مهرها. ولو ماتت قبل المطالبة ، لم يدفع إليه ، وفيه تردد.

اقول : منشؤه : النظر الى تحقق السبب الموجب لدفع المهر ، وهو الامساك فيجب الدفع ، عملا بالمقتضي.

والالتفات الى أصالة البراءة ، ترك العمل بها في الصورة الاولى ، فيبقى معمولا بها فيما عداها.

واعلم أن هذا التردد ضعيف جدا ، لانا لا نسلم أن سبب الدفع مجرد الامساك بل شبيه الامساك الحاصل معه الحيلولة ، وهي منتفية هنا ، اذ لا يتحقق الحيلولة الا

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٨.

(٢) سورة التوبة : ٥.

٢٦٠