إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١
الجزء ١ الجزء ٢

أقول : هاتان المسألتان ذكرهما الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، وأوجب القضاء فيهما ، بشرط كون المرأة محرمة ، وأن يكون بشهوة ، وهو خيرة المفيد قدس الله روحه ، وتبعه سلار. وقال السيد المرتضى : اذا تعمد استنزال الماء الدافق ، وجب عليه القضاء والكفارة ، وان كان بغير جماع. واختاره ابن البراج.

وقال في المسائل الناصرية : عندنا أنه اذا نظر الى ما يحل له النظر إليها ، فأنزل غير مستدع للانزال ، لم يفطر (٢).

وقال في الخلاف (٣) والنهاية (٤) لا شي‌ء عليه ، واختاره ابن ادريس ، وأجود ما قيل هنا تفصيل السيد المرتضى أولا ، لصدق الاستمناء عليه حينئذ.

قال رحمه‌الله : والحقنة بالجامد جائزة ، وبالمائع محرمة ، ويفسد بها الصوم على تردد.

اقول : هنا بحوث :

البحث الاول : أطبق أكثر الاصحاب على جواز الحقنة بالجامد على كراهية عملا بالاصل ، واستنادا الى رواية علي بن الحسن (٥) ، وهو اختيار أبي الصلاح عملا برواية البزنطي عن أبي الحسن عليه‌السلام (٦).

الثاني : الحقنة بالمائع ، ولا خلاف في تحريمها.

البحث الثالث : في افساد الصوم بهما. أما الحقنة بالجامد ، فمن ذهب الى أنها مكروهة لم يوجب شيئا ، ومن قال بتحريمها أوجب القضاء.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

(٢) المسائل الناصريات ص ٢٤٣ ، مسألة : ١٢٩.

(٣) الخلاف ١ / ٣٩١ مسألة ٥٠.

(٤) النهاية ص ١٥٧.

(٥) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٠٤ ، ح ٧.

(٦) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٠٤ ، ح ٦.

١٠١

وأما الحقنة بالمائع ، فذهب الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) وأكثر كتبه الى أنها يوجب القضاء ، ونفاه الباقون ، عملا بأصالة صحة الصوم ، ولانه صوم محكوم بصحته قبل الاحتقان ، فكذا بعده عملا بالاستصحاب ، والتحريم ليس بمستلزم للفساد.

احتجوا بأن التحريم لا لفائدة عيب ، وهو محال عليه تعالى ، فتعين أن يكون لفائدة ، وليست الفائدة الا كونه مفسدا للصوم.

والجواب : منع الحصر أنه منقوض بالارتماس.

وفيه نظر ، فان القائل بوجوبه قائل بوجوبه هناك.

قال رحمه‌الله : من أكل ناسيا ، فظن فساد صومه ، فأفطر عامدا ، فسد صومه وعليه القضاء ، وفي وجوب الكفارة تردد ، والاشبه الوجوب.

اقول : وجه الوجوب التمسك بالعموم الدال على وجوب الكفارة على من أفطر متعمدا ، وهو الاقوى عندي ، واختاره الشيخ في المبسوط (٣) والخلاف (٤).

ووجه السقوط التمسك بالاصل ، ولانه لم يقصد هتك الحرمة ، فأشبه الناسي ونقله الشيخ في المبسوط عن بعض الاصحاب.

وهو ضعيف ، لان الاصل تخالف للدليل ، وقصد الهتك يتعمد الافطار ، وبه خالف الناسي ، والجهل ليس عذرا ، بل موجبا لازدياد العقوبة.

قال رحمه‌الله : ولو خوف فأفطر ، وجب القضاء على تردد ولا كفارة.

اقول : منشأ السقوط النظر الى قوله عليه‌السلام : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧٢.

(٢) الخلاف ١ / ٣٩٧ مسألة ٧٣.

(٣) المبسوط ١ / ٢٧٠.

(٤) الخلاف ١ / ٣٨٨.

١٠٢

وما استكرهوا عليه (١). ورفع الحقيقة غير ممكن ، فلا بد من اضمار شي‌ء ، واضمار الحكم أولى من اضمار الاثم ، لانه أعم ، وبه أفتى الشيخ في الخلاف (٢).

ووجه الوجوب الالتفات الى فتوى الشيخ في المبسوط (٣) ، وهو ضعيف ، فان احتج بأنه دفع عن نفسه الضرر يتناوله ، فكان عليه القضاء كالمريض.

قلنا : مقتضى الاصل أن لا قضاء في الموضعين ، لكن ترك العمل بالمقتضي في المريض للدليل ، فيبقى معمولا به فيما عداه.

قال رحمه‌الله : الكفارة في رمضان عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو اطعام ستين مسكينا ، مخيرا في ذلك. وقيل : بل هي على الترتيب. وقيل : يجب بالافطار بالمحرم ثلاث كفارات ، وبالمحلل كفارة ، والاول أكثر.

اقول : القول الاول مذهب أكثر الاصحاب ، ومستنده الاصل ، والنقل المشهور عن أهل البيت عليهم‌السلام.

والقول الثاني ذهب إليه ابن أبي عقيل ، وتردد الشيخ في الخلاف (٤) ، ومستنده الاحتياط ، اذ مع اعتماده يحصل يقين البراءة ، بخلاف العكس ، وظاهر روايات مشهورة ، وتحمل على الاستحباب ، توفيقا بين الادلة.

والقول الثالث ذهب إليه الصدوق محمد بن بابويه في من لا يحضره الفقيه عملا برواية الحسين بن سعيد رضي‌الله‌عنه مما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (٥) قدس الله روحه ، وبه قال ابن حمزة والشيخ رحمه‌الله

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٣٢ ، برقم : ١٣١.

(٢) الخلاف ١ / ٣٩٠ مسألة ٤٦.

(٣) المبسوط ١ / ٢٧٣.

(٤) الخلاف ١ / ٣٨٦.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١١٨.

١٠٣

حيث تأول رواية سماعة قال : يحتمل هذا الحديث وجهين :

الاول : أن يكون الواو بمعنى كقوله تعالى « مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ » (١).

الثاني : يجوز اختصاص ذلك بمن أتى أهله في وقت لا يحل له ذلك في غير حال الصوم ، أو يفطر على شي‌ء محرم (٢). وهذا يدل على اختياره له.

قال رحمه‌الله : اذا أفطر زمانا ونذر صومه ـ الى آخره.

أقول : سيأتي تحقيق القول في هذه إن شاء الله تعالى.

قال رحمه‌الله : من أجنب ونام ناويا للغسل ، ثم انتبه ثم نام كذلك ، ثم انتبه ونام ثالثة ناويا حتى طلع الفجر ، لزمته الكفارة على قول مشهور ، وفيه تردد.

أقول : التمسك بالاصل ولعدم الظفر بدليل يوجب ذلك. والالتفات الى فتوى الاصحاب.

قال في المعتبر : لا حجة صريحة لما قاله الشيخان ، والاولى سقوط الكفارة مع تكرر النوم ، وايجابها مع التعمد (٣).

قال صاحب كشف الرموز : ولعله يخرج منهما رحمهما‌الله نظرا الى دلالة الروايات على وجوب القضاء مع معاودة النوم ثانيا واذا كان هذا الحكم ثابتا في النومة الثانية ، فلا بد في الثالثة من حكم زائد ، والا لزم اجتماع العلل على المعلول الواحد ، ولا حكم زائد على القضاء في الصوم الا الكفارة ، قال : وسمعنا ذلك من شيخنا مذاكرة (٤).

وأقول : هذا أوهن من بيت العنكبوت ، والحق عندي وجوب القضاء فحسب.

__________________

(١) سورة النساء : ٣.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

(٣) المعتبر ٢ / ٦٧٥.

(٤) كشف الرموز للآبي ـ مخطوط.

١٠٤

قال رحمه‌الله : لو تمضمض متداويا ، أو طرح في فمه خرزا ، أو غيره لغرض صحيح ، فسبق الى حلقه ، لم يفسد صومه ، ولو فعل ذلك عبثا قيل : عليه القضاء وقيل : لا ، وهو الاشبه.

أقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ في المبسوط (١) والمصنف في المعتبر (٢) والحق الثاني ، عملا بأصالة البراءة ، وأصالة صحة الصوم.

احتج بأنه فرط بتعريض الصوم للافساد ، فيلزمه القضاء كالمبرد.

وهو ضعيف أما أولا ، فلانه قياس ونحن لا نقول به. وأما ثانيا فلوجوب الفارق ، وهو حصول التلذذ بالتبرد بالماء ، بخلاف الخرز وغيره.

قال رحمه‌الله : ما يخرج من بقايا الغذاء من بين الاسنان ، يحرم ابتلاعه للصائم ، فان ابتلعه عمدا وجبت عليه القضاء (٣) ، والاشبه القضاء والكفارة.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ رحمه‌الله في الخلاف (٤) والمبسوط (٥) ، وأوجب فيه القضاء لا غير. والحق ما قاله المصنف ، وهو اختياره في المعتبر (٦).

لنا ـ أنه ازدرد المفطر عامدا ، فكان عليه القضاء والكفارة. أما الصغرى ، فظاهرة. وأما الكبرى فاجماعية.

واحتجاجه بتعسر الاحتراز عنه ضعيف ، لانا نتكلم على تقدير تعمد الابتلاع.

قال رحمه‌الله : لا يفسد الصوم ما يصل الى الجوف بغير الحلق عدا الحقنة وقيل : صب الدواء في الاحليل حتى يصل الى الجوف يفسده ، وفيه تردد.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧٢.

(٢) المعتبر ٢ / ٦٧٨.

(٣) فى « س » : الكفارة.

(٤) الخلاف ١ / ٣٨١ مسألة ١٦.

(٥) المبسوط ١ / ٢٧٢.

(٦) المعتبر ٢ / ٦٥٣.

١٠٥

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط (١) ، وأوجب فيها القضاء. وكذا لو طعن نفسه بالرمح حتى وصل جوفه ، أو طعنه غيره باذنه. وكذا لو داوى جرحه ، فوصل الدواء الى جوفه.

والحق أن لا قضاء في جميع هذه الصور ، عملا بالاصل السالم عن المعارض وبه أفتى في الخلاف (٢).

احتج بأنه أوصل الى جوفه دواء ، فكان كالحقنة.

والجواب : بمنع الحكم في الاصل ، كما هو مذهبه في هذا الكتاب ، سلمنا لكنه قياس ، وهو باطل عنده.

قال رحمه‌الله : ما له طعم كالعلك ، قيل : يفسد الصوم. وقيل : لا يفسده وهو الاشبه.

أقول : القول الاول اختيار الشيخ في النهاية (٣) ، وجعله في المبسوط (٤) الاحوط ، وأوجب ابن الجنيد القضاء ، وروي وجوب الكفارة. والحق الكراهية وهو فتوى ابن ادريس.

لنا ـ أصالة براءة الذمة ، ولانه صوم محكوم بصحته قبل المضغ فكذا بعده عملا بالاستصحاب ، ويؤيده الحديث المروي عن الصادق عليه‌السلام (٥).

احتج بأن انتقال العرض محال ، فاذا وجد الطعم حكمنا بتخلل شي‌ء من أجزاء ذي الطعم ودخوله الحلق ، فكان مفطرا.

والجواب : الريق منفعل بكيفية ذي الطعم.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧٣.

(٢) الخلاف ١ / ٣٩٧ مسألة ٧٤.

(٣) النهاية ص ١٥٧.

(٤) المبسوط ١ / ٢٧٣.

(٥) تهذيب الاحكام ٤ / ٣٢٤ ، ح ٧٠.

١٠٦

قال رحمه‌الله : تتكرر الكفارة بتكرر الموجب اذا كان في يومين ، وان كان في يوم واحد قيل : يتكرر مطلقا. وقيل : ان تخلله التكفير. وقيل : لا يتكرر وهو الاشبه ، سواء كان من جنس واحد أو مختلفا.

أقول : أما الحكم الاول ، فمتفق عليه بين علمائنا رضوان الله عليهم ، وسواء تغاير السبب أو لا.

وأما الثاني ، فقد اختلف الاصحاب فيه ، فذهب السيد المرتضى قدس الله روحه الى تكرر الكفارة بتكرر السبب مطلقا ، سواء تغاير السبب كالوطي والاكل أو اتحد ، وسواء كفر عن الاول أو لا ، عملا بالعمومات ودليل الاحتياط ، وقد روي عن الرضا عليه‌السلام (١) تكرر الكفارة بتكرر الوطي.

وأما التفصيل ، فشي‌ء ذكره ابن الجنيد رحمه‌الله ، محتجا على الحكم الاول بالعمومات (٢) ، ولان الجماع الاول مستقل بايجاب الكفارة اجماعا ، والثاني مساو له ، وحكم المثلين التساوي في جميع الاحكام اللازمة.

واذا ثبت هذا فنقول : الكفارة الواجبة اما أن تكون هي الاولى أو غيرها ، والاول محال ، لاستحالة تحصيل الحاصل ، فتعين الثاني.

وعلى الثاني بأن الحكم معلق على الماهية من حيث هي هي ، والاصل براءة الذمة ، ولان الكفارة موضوعة لتكفير الذنب ، والاولى كافية في اسقاطه ، فلا معنى لايجاب الثانية. وفي هذا الاستدلال الاخير نظر.

وذهب الشيخ رحمه‌الله في الخلاف (٣) والمبسوط (٤) الى عدم التكرر مطلقا

__________________

(١) الخصال ص ٤٥٠ ، برقم : ٥٤.

(٢) فى « م » : بالعموم.

(٣) الخلاف ١ / ٣٨٧.

(٤) المبسوط ١ / ٢٧٤.

١٠٧

نظرا الى البراءة الاصلية ، ولان الفعل الثاني لم يصادف صوما (١) صحيحا ، فلا تتعلق به كفارة ثانية ، كما لا تتعلق به قضاء ثان ، والتمسك بالعموم ضعيف ليفسده بالصائم ، ومع الجماع الاول يخرج عن كونه صائما.

وقولهم : الجماع سبب في ايجاب الكفارة. قلنا : متى اذا صادف صوما صحيحا أو مطلقا ، الاول مسلم ، والثاني ممنوع (٢). ولا شك في أن الجماع الثاني لم يصادف صوما صحيحا بالاجماع ، وانما طولنا في هذه المسألة لكونها مهمة.

قال رحمه‌الله : من فعل ما يجب به الكفارة ، ثم سقط فرض الصوم ، بسفر أو حيض وشبهه ، قيل : تسقط الكفارة. وقيل : لا ، وهو الاشبه.

أقول : القول الثاني هو المشهور بين الاصحاب ، وادعى الشيخ في الخلاف (٣) عليه الاجماع ، والثاني أنسب بالصواب ، وتحقيق هذه المسألة في اصول الفقه.

فرع :

لو قلنا بالسقوط فانما نقول به اذا حصل المسقط من قبله تعالى ، أو من قبل المكلف اذا كان مضطرا إليه.

فرع آخر :

لو اعتقت ثم عرض المسقط ، فالاقرب بطلان العتق ، بناء على هذا القول ، وهل لها استرجاع الصدقة مع الاطلاق؟ اشكال ، ينشأ : من العمل بالقصد ، ومن قضاء الظاهر بالتطوع عند الاطلاق.

__________________

(١) فى « م » : موضعا.

(٢) فى النسختين : الاول « م » والثانى « ع ».

(٣) الخلاف ١ / ٤٠٠.

١٠٨

قال رحمه‌الله : لو اكره امرأته يحمل عنها الكفارة. وكذا لو كان الاكراه لاجنبية. وقيل : لا يتحمل هنا. وهو الاشبه.

أقول : هنا مقامان :

أما المقام الاول ، فالاشهر بين الاصحاب وجوب التحمل. وقال ابن أبي عقيل : ولو أن امرأة استكرهها زوجها فوطأها ، فعليها القضاء وحده ، وعلى الزوج القضاء والكفارة ، وتجب عليها مع المطاوعة القضاء والكفارة. والحق الاول.

لنا ـ ان الجماع لو وقع باختيارهما أوجب الكفارتين اجماعا ، وهو فعل واحد في الحقيقة اقتضى هذا الحكم ، ومع الاكراه يكون مستندا في الحقيقة إليه ، فيجب حكمه عليه ، ثم فرقه بين وجوب الكفارة والقضاء ضعيف جدا ، ويؤيد ما قلنا رواية المفضل عن الصادق عليه‌السلام (١).

وأما الثاني ، فقد تردد فيه الشيخ في المبسوط (٢) ، فتارة أوجب التحمل لعظم المأثم ، وللاحتياط. وتارة نفاه وأوجب واحدة عملا بأصالة البراءة.

وجزم ابن ادريس بالثاني ، وهو الاقوى ، لان ايجاب التحمل قياس ، وهو باطل. ومع هذا فالفارق موجود ، اذ الكفارة لتكفير الذنب ، وقد يغلظ الذنب فلا تؤثر الكفارة في اسقاطه ، بل ولا تخفيفه.

فروع :

الاول : قال الشيخ : لو وطأها نائمة يحمل عنها الكفارة أيضا. وعندي فيه اشكال ، ينشأ من اصالة البراءة ، والفرق بين المكرهة والنائمة ظاهر ، لامكان رضاها

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢١٥ ، ح ٢.

(٢) المبسوط ١ / ٢٧٥.

١٠٩

لو كانت مستيقظة.

الثاني : قال رحمه‌الله : فمكنته وجب عليها القضاء فحسب ولا كفارة. أما وجوب القضاء ، فلدفعها الضرر عن نفسها ، فأشبهت المريض. وأما سقوط الكفارة فلقولهم عليهم‌السلام : لا كفارة على المكرهة (١).

والحق وجوب التحمل ، وأن صومها صحيح ، وهو ظاهر كلام ابن ادريس وقد تقدم البحث في مثل هذه المسألة مستقصى.

الثالث : قال ابن ادريس : لو أكره امته لم يتحمل عنها الكفارة ، لان حملها على الزوجة قياس ، ونحن لا نقول به ، وأوجب شيخنا التحمل ، محتجا بصدق اسم المرأة على الزوجة والامة ، وهو ممنوع.

الرابع : لو أكره المجنون زوجته ، لم يتحمل عنها الكفارة ولا شي‌ء عليها أما المسافر ، فتجب عليه الكفارة عنها لا عنه ، ويحتمل السقوط ، لكونه مباحا له ولا شي‌ء عليها على التقديرين.

قال رحمه‌الله : ولو نذر يوما معينا ، فاتفق أحد العيدين ، لم يصح صومه ، وهل يجب قضاؤه؟ قيل : نعم. وقيل : لا ، وهو الاشبه. وكذا البحث في أيام التشريق لمن كان بمنى.

أقول : القولان للشيخ قدس الله روحه ، لكن الثاني أشبه بالمذهب ، وهو اختيار أبي الصلاح وابن البراج وابن ادريس.

لنا ـ أن وجوب القضاء تابع لوجوب الاداء ، ووجوب الاداء هنا منتف ، فينتفي وجوب القضاء.

واحتج الشيخ برواية مرسلة (٢) ، والمراسيل ليست حجة عندنا ، سلمنا لكنها

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٦٨٢.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٣٤ ، ح ٦١.

١١٠

محمولة على الاستحباب ، جمعا بين الادلة ، ومع هذا فهي قابلة للتأويل.

قال رحمه‌الله : ولا يصح صوم المغمى عليه. وقيل : ان سبقت منه النية كان بحكم الصائم ، والاول أشبه.

أقول : ذهب الشيخ المفيد قدس الله روحه ، والسيد المرتضى كرم الله محله الى أن المغمى عليه ان سبقت منه النية ، كان صومه صحيحا ، لانا بينا أن النية الواحدة كافية في رمضان ، وان لم يسبق لزمه القضاء ، وتبعهما سلار وابن البراج عملا بعموم قوله تعالى « فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ » (١) والاغماء مرض.

والحق أن صومه غير صحيح مع سبق النية على الاغماء ، وأن القضاء غير واجب عليه مع عدم السبق ، وهو اختيار الشيخ في بعض كتبه ، لاسقاط شرط التكليف وهو العقل ، ونمنع تناول اسم المريض للاغماء.

سلمنا لكن العام يخص للدليل وقد بيناه ، ويؤيده الروايات المشهورة عن أهل البيت عليهم‌السلام.

فرع :

لو أكل غذاء فآل الى الاغماء لم يقض. ولو أغمي عليه بشي‌ء من قبله كالمسكر ، لزمه القضاء.

قال رحمه‌الله : ويصح صوم النذر المشروط سفرا وحضرا ، على قول مشهور.

أقول : هذا القول ذهب إليه الشيخان رحمهما‌الله ومن تبعهما ، محتجا بما رواه عبد الحميد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يجعل عليه صوم يوم

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٤.

١١١

مسمى ، قال : يصومه أبدا سفرا وحضرا.

قال الشيخ في التهذيب : يحمل هذا على من نذر يوما معينا وشرط صومه سفرا وحضرا ، محتجا برواية علي بن مهزيار قال : كتب بندار مولى ادريس يا سيدي نذرت أن أصوم كل سبت ، فان أنا لم أصمه ما الذي يلزمني من الكفارة فكتب وقرأته : لا تتركه الا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض ، الا أن يكون نوبت ذلك (١).

قال في المعتبر : ولمكان ضعف هذه جعلناه قولا مشهورا (٢).

فرعان :

الاول : قال علم الهدى : لو نذر يوما معينا ، فاتفق في حال السفر ، وجب قضاؤه ، عملا برواية ابراهيم بن عبد الحميد السابقة ، والمشهور المنع ، وبه رواية (٣) أيضا.

الثاني : لو قلنا بالمنع من ذلك ، فهل يجب قضاؤه؟ قولان ، أحوطهما : القضاء.

قال رحمه‌الله : وهل يصوم مندوبا؟ قيل : لا. وقيل : نعم. وقيل : يكره ، وهو الاشبه.

أقول : انما كان أشبه ، لقوله عليه‌السلام : ليس من البر الصيام في السفر (٤). والاول مستنده ظاهر النقل. والثاني التمسك بالاصل ، وبالعموم الدال على رجحان الصوم

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٣٥ ، ح ٦٣ ـ ٦٤.

(٢) المعتبر ٢ / ٦٨٤.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٣٤ ، ح ٦٢.

(٤) عوالى اللئالى ١ / ٢٠٤ و ٢ / ٨١ و ٢٢٦.

١١٢

مطلقا.

قال رحمه‌الله : البلوغ ـ الى آخره.

أقول : سيأتي تحقيق ذلك في موضعه إن شاء الله.

قال رحمه‌الله : ومن لم ير الهلال لا يجب عليه الصوم ، الا أن يمضي من شعبان ثلاثون يوما ، أو يرى رؤية شائعة ، فان لم يتفق ذلك وشهد شاهدان قيل : لا تقبل. وقيل : تقبل مع العلة. وقيل : تقبل مطلقا ، وهو الاشهر ، سواء كانا من البلد أو خارجه.

أقول : اختلف علماؤنا في هذه ، فذهب الشيخ المفيد والسيد المرتضى قدس الله روحهما وابن الجنيد وابن ادريس الى قبول شهادة الشاهدين فيه سواء كان في السماء علة أو لا ، وسواء كانا من داخل البلد أو خارجه.

وهو الاقوى ، لان استقراء الشرع دل على أن النادر ملحق بالغائب ، ولا جرم أن جل الاحكام الشرعية يثبت بالشاهدين ، فيكون هذا ملحفا به الى حين ظهور المنافي ، وبه روايات مشهورة عن أهل البيت عليهم‌السلام مذكورة في مواضعها.

وقال الشيخ في النهاية : ان كان في السماء علة ، لم يثبت الا بشهادة خمسين من أهل البلد ، أو عدلين من خارجه. وان لم يكن علة لم يجب الصوم ، الا أن يشهد خمسون من خارج البلد أنهم رأوه (١).

ولم يتعرض لشهادة أهل البلد أصلا ، ولهذا قال الشيخ المصنف : قيل : لا تقبل ، أي قيل : لا تقبل عدلان من داخل وان كانت السماء عليلة ، واختاره ابن البراج ، وعليه دلت روايات ، منها رواية حبيب عن الصادق عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) النهاية ص ١٥١.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٥٩ ، ح ٢٠.

١١٣

وقال في المبسوط : تقبل مع العلة عدلان ، سواء كانا من داخل أو خارج (١).

وقال في الخلاف : تقبل العدلان ، سواء كانا من داخل أو خارج. وأما في حال الصحو ، فلا تقبل الا خمسون نفسا من داخل ، وتقبل اثنان من خارج (٢).

وتحمل الروايات بعد صحة سندها على الجهل لشرط قبول الشهادة ، وبه قال أبو الصلاح.

قال رحمه‌الله : ولا يثبت بشهادة الواحد على الاصح.

أقول : لما بين أولا الاقوال المشهورة ، شرع في ذكر القول الشاذ.

واعلم أن هذا قد ذكره سلار في رسالته فقال : تقبل شهادة الواحد في أوله محتجا بقبول النبي عليه‌السلام شهادة الاعرابي وحده ، ولان فيه احتياطا للعبادة ، والرواية ليست من طرقنا ، فلا حجة فيها ، سلمناها لكنها حكاية حال ، فلعله عليه‌السلام عرف ذلك من غيره ، والاحتياط معارض باستصحاب حال الشهر.

قال صاحب كشف الرموز : يلزم على هذا المذهب جواز الافطار بقول واحد وهو غير مذهبه ولا مذهب أحد منا ، وانما لزم ذلك لان ابتداء الصوم اذا كان بشهادة واحد وغمت السماء آخر الشهر ، فيعدل الى عد ثلاثين للفطر ضرورة ، وهو مبني على شهادة واحد ، والفطر مبني عليه ، والمبني على المبني على الشي‌ء مبني على ذلك الشي‌ء.

وأقول : هذا ليس يلازم لسلار ، حيث أنه لم يقبل الواحد الا في أوله ، وانما هو لازم لابي حنيفة حيث أطلق.

قال رحمه‌الله : يستحب صوم الثلاثين من شعبان بنية الندب ، فان انكشف من الشهر أجزأه ، ولو صامه بنية رمضان لامارة قيل : يجزيه. وقيل : لا ، وهو

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٦٧.

(٢) الخلاف ١ / ٣٧٩ ، مسألة ١١.

١١٤

الاشبه.

أقول : القول الاول ذكره الشيخ في المبسوط (١) ، والحق الثاني. وقد مر البحث في مثل هذه المسألة في أول كتاب الصوم ، فلا وجه لاعادته. والمراد بالامارة ما يفيد الظن الضعيف ، كالاستناد الى خبر واحد وشبهه.

قال رحمه‌الله : ولو غمت شهور السنة ، عد كل شهر منها ثلاثين. وقيل : ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة. وقيل : يعمل في ذلك برواية الخمسة ، والاول أشبه.

أقول : مذهب الشيخ في مسائل الخلاف (٢) ، واحتج عليه بالاخبار المروية عن النبي والائمة عليهم‌السلام « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ » (٣) فبين أن الاهلة يعرف بها مواقيت الشهور والحج. ومن ذهب الى الحساب والجدول لا يراعى الهلال أصلا ، وذلك خلاف القرآن.

وفي المبسوط : ويجوز عندي أن يعمل على هذه الرواية التي وردت بأنه يعد من السنة الماضية خمسة أيام ويصوم يوم الخامس (٤) لان من المعلوم أنه لا يكون الشهور تامة. وهذا عندي حسن ، لان العادة قاضية بذلك.

وأما العمل بالعدد ، فقد حكاه الشيخ في الخلاف (٥) عن بعض الاصحاب ، والمراد بالعدد أن يعد السنة شهرا تاما وشهرا ناقصا. وهذا وان كانت العادة قاضية به ، لكن ما اخترناه أكثر وجدانا ، فيكون أرجح.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٦٨.

(٢) الخلاف ١ / ٣٧٨ ، مسألة ٨.

(٣) سورة البقرة : ١٨٩.

(٤) المبسوط ١ / ٢٦٧. تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٩ ، ح ٦٩.

(٥) الخلاف ١ / ٣٧٨ ، مسألة : ٨.

١١٥

قال رحمه‌الله : ولا يجب الصوم على الصبي والمجنون الا أن يكملا قبل طلوع الفجر ، ولو كملا بعد طلوعه لم يجب على الاظهر.

اقول : ذهب أكثر الاصحاب الى أن شرط الوجوب البلوغ قبل الفجر ، وذهب الشيخ في موضع من الخلاف (١) الى وجوب الصوم عليه مطلقا ، سواء حصل البلوغ قبل الفجر أو بعده.

لنا ـ أن الصوم عبادة لا تقبل التبعيض ، ولا خلاف أن التكليف لم يتناوله أولا فلا يتناوله ثانيا.

احتج بأنه بالغ مكلف ، فيدخل تحت الامر بالصوم ، كسائر البالغين.

والجواب : قد بينا الفرق بينه وبين غيره ، وكذا البحث في المجنون.

قال رحمه‌الله : وكذا المغمى عليه ـ الى آخره.

أقول : قد استقصينا البحث في هذه المسألة.

قال رحمه‌الله : والاقامة أو حكمها ـ الى قوله : ـ كان حكمه حكم المريض في الوجوب وعدمه.

اقول : معناه ان قدم قبل الزوال ولم يتناول شيئا وجب الصوم ، وإلا فلا.

قال رحمه‌الله : والكافر وان وجب عليه ، لكن لا يجب القضاء ، الا ما أدرك فجره مسلما ، ولو أسلم في أثناء اليوم أمسك استحبابا ، ويصوم ما يستقبله وجوبا وقيل : يصوم اذا أسلم قبل الزوال ، وان ترك قضى ، والاول أشبه.

اقول : القولان للشيخ رحمه‌الله ، والاستدلال عليهما قريب مما سبق ، فلا نطول باعادته.

قال رحمه‌الله : ويستحب الموالاة في القضاء احتياطا للبراءة. وقيل : بل يستحب التفريق للفرق. وقيل : يتابع في ستة ويفرق الباقي للرواية ، والاول

__________________

(١) الخلاف ١ / ٣٩٣ ، مسألة : ٥٧.

١١٦

أشبه.

أقول : الاول ذهب إليه الشيخ رحمه‌الله وأبو الصلاح وابن الجنيد ، عملا بالاحتياط ، اذ مع اعتماد ذلك تحصل البراءة قطعا ، بخلاف ما لو فرق ، ولان فيه مسابقة الى الخيرات ، فيكون أرجح. والثاني مستنده رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١). ولان الفرق بين القضاء والاداء ليس الا بذلك. والثالث مستنده هذه الرواية أيضا.

واعلم أنه لا كثير فائدة في هذه المسألة ، فلهذا اختصرنا البحث فيها.

قال رحمه‌الله : ولو استمر به المرض الى رمضان آخر ، سقط قضاؤه على الاظهر ، وكفر عن كل يوم من السالف بمد من طعام.

أقول : للاصحاب في هذه قولان ، أحدهما : سقوط قضاء الاول ، والصدقة عن كل يوم منه بمد ، اختاره الشيخان ومن تبعهما وأبو علي ابن الجنيد وابنا بابويه.

والثاني وجوب القضاء فقط ، ذهب إليه ابن أبي عقيل وأبي الصلاح وابن ادريس. والحق الاول لوجوه :

الاول : أصالة براءة الذمة ينفي (٢) وجوب القضاء ، ترك العمل بها في صورة عدم الاستمرار ، للنص والاجماع ، فيبقى معمولا بها فيما عداها.

الثاني : انه عذر استوعب وقت الاداء والقضاء فسقطا أما استيعابه وقت الاداء فظاهر ، اذ وفيه رمضان. وأما استيعابه لوقت القضاء ، فلان وفيه ما بين الماضي والآتي ، والتقدير استمراره من الماضي الى الآتي. وأما سقوطها حينئذ فظاهر ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، وهو ايقاع الفعل في غير وقت.

واعلم أن هذا الدليل ضعيف ، لانا لا نسلم انحصار وقت القضاء فيما بين

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٧٥ ، ح ٤.

(٢) فى « س » : فيبقى.

١١٧

الرمضانين ، والا لسقط القضاء مع البرء وقبل حضور الثاني وحصول الاعذار المانعة من الصوم غير المرض.

الثالث : الروايات المشهورة عن أهل البيت عليهم‌السلام.

احتجوا بعموم قوله تعالى « فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (١) ».

والجواب : العام يخص للدليل ، وقد بيناه.

فرع :

واختلف في تقدير الفدية ، فقيل : مدان ، ومع التعذر (٢) مد. وقيل : مد من غير تفصيل ، وهو أولى.

لا يقال : تخصيص الكتاب بخبر الواحد غير جائز.

لانا نمنع ذلك ، سلمنا لكن متى يكون ذلك اذا استفاضت الاخبار واشتهرت واعتضدت بعمل الاصحاب ، او اذا لم يعتضد الاول ـ ع م ـ (٣).

قال رحمه‌الله : ولو كان [ له ] وليان أو أولياء متساوون في السن ، تساووا في القضاء ، وفيه تردد.

اقول : منشؤه : النظر الى فتوى الشيخ رحمه‌الله ، وعليه دلت رواية حماد ابن عثمان عن الصادق عليه‌السلام (٤) ، والتمسك بالاصل ، ولان الولي هو أكبر الاولاد ، وهو غير متحقق مع تساويهم في السنن ، فلا يكون الخطاب متوجها الى أحدهم لعدم صدق هذا الاسم عليه ، واختار ابن ادريس الثاني.

قال رحمه‌الله : وهل يقضى عن المرأة ما فاتها؟ فيه تردد.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٤.

(٢) فى « س » : العذر.

(٣) فى هامش « س » : صوابه والاول م وب. من نسخة الشيخ أحمد بن فهد.

(٤) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، ح ٥.

١١٨

اقول : منشؤه : وجه وجوب القضاء النظر الى المشاركة فيما يتوهم أنه علة وهي الاختصاص بالحباء ، وبه أفتى الشيخ رحمه‌الله وابن البراج.

ويؤيده رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام في امرأة مرضت في شهر رمضان ، أو طمثت ، أو سافرت ، فماتت قبل أن يخرج رمضان هل يقضى عنها؟ قال : أما الطمث والمرض فلا ، وأما السفر فنعم (١). وظاهر رواية أبي بصير عنه عليه‌السلام (٢) يشعر بما قلناه.

ووجه السقوط الالتفات الى أصالة البراءة ، وهو فتوى ابن ادريس ، وأنكر الاول انكارا عظيما ، والاول عندي أقوى.

قال رحمه‌الله : اذا نسي غسل الجنابة ومر عليه أيام أو الشهر كله ، قيل : يقضي الصلاة والصوم ، وقيل : يقضي الصلاة حسب ، وهو الاشبه.

أقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ في النهاية (٣) والمبسوط (٤) وأبو علي ابن الجنيد ، ورواية ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه (٥) عملا برواية حماد عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أجنب في شهر رمضان ونسي أن يغتسل حتى خرج رمضان ، فقال عليه‌السلام : عليه أن يقضي الصلاة والصيام (٦).

ولانعقاد الاجماع على وجوب القضاء على المجنب اذا نام مع القدرة على الغسل ثم انتبه ثم نام ، واذا كان التفريط السابق مؤثرا في ايجاب القضاء ، وقد

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٤٩ ، ح ١٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٤٨ ، ح ١١.

(٣) النهاية ص ١٦٥.

(٤) المبسوط ١ / ٢٨٨.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١١٩.

(٦) تهذيب الاحكام ٤ / ٣١١ ، ح ٦.

١١٩

حصل هنا تكرار النوم مع ذكر الجنابة أولا ، كان القضاء لازما.

والقول الثاني ذهب إليه ابن ادريس ، وهو الاقرب ، عملا بأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ، ولان الطهارة انما هي شرط مع الذكر لا مطلقا ، بدليل انه لو نام ناويا للغسل ولم ينتبه الى الصباح ، يصح صومه اتفاقا ، ولو كانت شرطا على الاطلاق لما صح ، والرواية محمولة على الاستحباب ، والقضاء انما وجب في تلك الصورة ، لتكرار النوم مع نية الاغتسال ، فيكون ذاكرا للغسل ومفرطا فيه في كل يوم ، فيلزمه القضاء لتفريطه. ولي في هذه المسألة نظر لا يليق ايراده هنا.

قال رحمه‌الله : من وجب عليه صوم شهر متتابع غير معين بنذر ، فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر ، لم يبطل صومه وبنى عليه. ولو كان قبل ذلك استأنف وألحق به من وجب عليه [ صوم ] شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا وفيه تردد.

اقول : منشؤه : الالتفات الى فتوى الشيخ رحمه‌الله ، ولمساواته الشهر المنذور ، ولدلالة مفهوم رواية موسى بن بكر عن الصادق عليه‌السلام (١) تارة ، وعن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه‌السلام اخرى قال : قال عليه‌السلام في رجل جعل على نفسه صوم شهر ، فصام خمسة عشر يوما ، ثم عرض له أمر ، فقال : جاز له أن يقضي ما بقي عليه ، وان كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا تاما (٢).

قال شيخنا : الجعل قد يكون بالنذر ، وقد يكون بفعل ما يوجب الصوم ، كالظهار وقتل الخطأ. وفي هذا التأويل تعسف ، لان المتبادر الى الذهن انما هو الاول فقط ، والمجاز انما يصار إليه للقرينة ، ولا قرينة هنا.

والنظر الى أصالة وجوب التتابع ، ترك العمل به في الشهر المنذور للنص

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٨٥ ، ح ٣٦.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٨٥ ، ح ٣٧.

١٢٠