الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

اعلم أنّه لا خلاف في أنّ ثلثي التركة لأقرباء أب الميت وثلثها لأقرباء أمّه أوّلا ، ولا خلاف أيضا في أنّ ثلثي أقرباء الأب ينقسم بينهم أثلاثا ، فثلثاه لاقرباء أب أبيه ، ولا خلاف أيضا في ان ثلثي اقرباء أبيه ينقسم اثلاثا فثلثاه لاب أب ابيه وثلثه لام أب أبيه ، وانّما الخلاف في ثلث الثلثين الذي لأقرباء أمّ أبيه ، وفي ثلث التركة الذي للأقرباء الأربعة التي من أمّ الميّت فالمشهور كما ذكره أنّ ثلث الثلثين ينقسم بالتفاوت للذكر مثل حظ الانثيين ، وثلث التركة ينقسم بين أقرباء الميّت بالسوية.

وخالف المصري في المقامين ، فقال : « انّ ثلث الثلثين ينقسم بالسويّة وثلث التركة بين أقرباء أم الميّت أوّلا أثلاثا ، فالثلث لأقرباء أمّ الام سويّة ، والثلثان لأقرباء أبيها كذلك »

وخالف البرزهي فى المقام الثاني فقط ، فقال : « انّ ثلث التركة ينقسم بين اقرباء أم الميّت أوّلا أثلاثا ، فالثلث لأقرباء أمّ الام والثلثان لأقرباء أبيها ، ولكن ينقسم ذلك الثلثان أيضا أثلاثا » فهو في ذلك مخالف للمصري أيضا.

والأقوى عندى في المقام الأوّل هو القول المشهور ، وفي المقام الثاني انّ الثلث ينقسم أوّلا بين أقرباء أم الميت أثلاثا كما ذكره المصري والبرزهي ، والثلثان اللذان لأقرباء أبيها ينقسم أيضا أثلاثا كما ذكره البرزهي ، وكذا في الثلث الذي لأقرباء أمّها. فالمسألة عندنا من سبعة وعشرين. والوجه فيما ذكرنا مذكور في كتبنا الاستدلالية.

قوله : من لاحظ الامومة الى آخره

فالأوّل ـ أي : من لاحظ الامومة في جميع أجداد الام ـ الشيخ ؛ فانّه قال باقتسام الجميع سوية ؛ لأنّ جميع أجداد الام يتقربون الى الميّت بواسطة أم ، فلاحظ أمّ الميّت.

والثاني البرزهي ؛ فانّه اعتبر الأصل أي : أم الأجداد أو أباهم دون أم الميت ، فانّه قال بقسمة الأجداد الأربعة للام أثلاثا ، فلجدّي أمّه لأبيها الثلثان ؛ لأنّ الأصل أب ، ويقتسمون بالتفاوت ، ولجدّي أمه لامّها الثلث ، ويقتسمون سوية ؛ لأنّ الأصل أم.

والثالث : المصري ، فانّه قال بقسمة الأجداد الأربعة للام أثلاثا ، فاعتبر أب الأجداد وأمّهم ، ثم قال بقسمة كلّ من قرابتي الأب والام بالسوية ، ومن هذه الجهة اعتبر أم الميت ،

٨٠١

فهو اعتبر الجهتين معا. فاعتبر جهة الأصل في قسمة الأجداد أثلاثا ، واعتبر جهة أمّ الميّت في قسمة كلّ من القرابتين بالسوية.

ولا يخفى أنّ هذه الملاحظة ، وان وافقت مذاهبهم في كيفيّة تقسيم أجداد الامّ الأربعة ، ولكنّها لا يوافق الجميع في تقسيم أجداد الأب للذكر مثل حظّ الانثيين أوّلا من غير التقسيم أثلاثا ، ثمّ على النحو المذكور ؛ لأنّه مقتضى ملاحظة الابوّة فى جميع أجداد الأب ، وعلى مذهب البرزهي يقتضي تقسيم قرابة الام من أجداد الأب على السوية ؛ لأن الأصل أمّ مع أنّه لا يقتسم.

وقد وجّه هذه العبارة بأنواع اخر أيضا. فقيل : « ان المراد بالأصل : أمّ الميّت » وجعل الثاني اشارة الى مذهب الشيخ والأوّل إلى مذهب البرزهي ، والثالث إلى مذهب المصري.

وهذا بناء على جعل الامومة جمعا. وقد يجعل الأخير اشارة الى مذهب البرزهي ، ولا يكاد يصح.

القول في ميراث الاعمام

قوله : وهم أولو الأرحام.

يعني : وهم الذين يرثون لأجل كونهم اولي الأرحام فيصحّ التعليل بقوله : « اذ لم يرد » أو هم المقصودون باولى الأرحام في الآية ، والّا فأصل كونهم أولي الأرحام لا يحتاج الى دليل. ثمّ معنى قوله : « وهم أولو الأرحام » : أنّهم أيضا منهم ، لا أن اولي الارحام مختصّون بهم ؛ لأنّ إرث الأب عند عدم الولد وارث الأجداد ، بل أولاد الكلالة أيضا يثبت بهذه الآية ، فهؤلاء أيضا داخلون في اولي الأرحام.

مسائل : المسألة الاولى

قوله : بالسوية.

هذا مذهب العلّامة وبعض آخر. وقال في الكفاية : « لا أعرف فيه خلافا ». وذهب الفضل بن شاذان ، والصدوق ، والشيخ في النهاية ، وصاحب الغنية ( كذا ) اجماع الإمامية ، وهو الحق.

قوله : مع تساويهما.

٨٠٢

أي : كانوا جميعا من أعمام الميّت ، فلو كانت قرابة الأب وحده عمّ الميّت ، وقرابة الأبوين عمّ أبيه ـ مثلا ـ لا تسقط قرابة الأب بقرابة الأبوين ، بل الأمر بالعكس.

المسألة الرابعة

قوله : لأنّ الأخوال يرثون.

لا يخفى أن جعل الأخوال بمنزلة الاخت ، والأعمام بمنزلة الأخ لا وجه له ، فان نسبة الخؤولة والعمومة الى الاخت والأخ كنسبتهم إلى الميّت نفسه ولو صحّ أيضا ، فدلالته على ما ذكر ، وصحّة الاحتجاج به على المطلوب غير واضحة ؛ لأن مطلق الاخت ليس لها الثلث ، فالصحيح جعل الأخوال بمنزلة الام ، والأعمام بمنزلة الأب كما صرّح به في الحديث الآتي ولو لا أنّ التنزيل المذكور مذكور في غير هذا الكتاب أيضا كالمسالك والكفاية لوجب حمله على غلط الناسخ ، الّا أن يحمل الاخت على اخت الأخوال التي هي أمّ الميّت ، والأخ على أخ الأعمام الذي هو أب الميّت.

قوله : ومقابل الأصح قول ابن ابي عقيل.

وإليه ذهب الديلمى ، والمفيد ، والكيدري ، وابن زهرة ، والمصري. ثمّ انّ هؤلاء جعلوا العمّ بمنزلة الأخ للأب ، فيكون له المال ، لا النصف ، نعم جعلوه للعمّة.

المسألة الخامسة

قوله : لأنّ الثلث الى آخره

هذا حجّة القول الثالث. أما القول الأوّل وهو أنّ للخال للام سدس الأصل ، فهي أن النقص لا يدخل على المتقرّب بالام ، فيكون له نصيبه لو لا أحد الزوجين.

وفيه : أنّه ان اريد بالمتقرّب بالام : المتقرب بام الميّت ، فعدم دخول النقص عليه مسلّم ، ولكن هذه النسبة ثابتة لمطلق الخؤولة من غير اختصاص له بالخال للام ، فيتساوى الجميع. وان اريد به المتقرّب بامّ أمّ الميت حتّى يكون الخال للام بمنزلة الجدّة للام والخال للأب بمنزلة الجدّ له ، فلا دليل على عدم دخول النقص عليه ، بل يدخل عليه ؛ لأنّ الجدّ والجدّة للام ينقسمان المال بعد نصيب أحد الزوجين على التساوي كما مر.

وحجّة القول الثاني : أنّ للمتقرّب بالامّ من الخؤولة سدس نصيب الخؤولة مع الوحدة

٨٠٣

وثلثه مع التعدد. وفيه : أنّ ذلك ممنوع ، ولا دليل عليه وأخذه سدس الأصل أو ثلثه عند عدم أحد الزوجين للاجماع ، وهو يحتمل أن يكون على [ أنّ ] له سدس الأصل مطلقا ، أو يكون مخصوصا بصورة عدم وجود أحد الزوجين.

وعلى هذا فنقول : إنّ مقتضى قاعدة « كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّبه » (١) أن ينزل المتقرّب بالام بمنزلة أم الام ؛ لأنّها الرحم الذي يجرّبه ، والمتقرّب بالأب بمنزلة أب الأب ، وهما يقتسمان بعضها (٢) بالسوية ، فهاهنا أيضا كذلك.

المسألة السادسة

قوله : وثمانية عشر.

وذلك ؛ لأن الثلثين ينقسم أثلاثا ، فالمخرج ثلاثة ، ثمّ ينقسم ثلث الثلثين على اثنين ، وثلثاه على ثلاثة ، وبين الثلاثة والاثنين تباين يضرب أحدهما في الآخر ، فيحصل ستّة يضرب في الثلاثة الاولى يحصل ثمانية عشر.

المسألة الثامنة

قوله : والفرق الى آخره.

فيه أوّلا : أنّ ميراث الأعمام والأخوال وان كان ثابتا بعموم الآية ، ولكن ميراث الأجداد والاخوة للأب أيضا كذلك ؛ فانّه ليس في الكتاب العزيز بيان حكمهما أيضا ، فلا وجه لقوله : « فان كل واحد ثبت بخصوصه » ، وان اريد الأعم من الثبوت في الكتاب والسنّة ، فميراث كلّ من الأعمام والأخوال أيضا ثابت في السنّة.

فان قيل : المراد : خصوص الكتاب ، والجدّ ثابت فيه أيضا للتنصيص بارث الأب والام ، وهما يصدقان على الجد والجدّة.

قلنا : الصدق ممنوع ، مع أنّ المنصوص في الكتاب إرث الأب إذا كان هناك ولد ، وأمّا في صورة عدم الولد فلا نصّ على إرثه ، بل النصّ مخصوص بالام حيث قال سبحانه : « فان لم يكن له ولد فلامه الثلث » مع أنّ حكمه سبحانه بارث الأبوين مع الولد قرينة على تخصيصهما بالأب والام الحقيقيتين ، اذ لا يرث الجدّ والجدّة مع الولد.

__________________

(١) الوسائل : ٢٦ / ١٨٨.

(٢) كذا. ولعلّ الصحيح : بينهما.

٨٠٤

فان قيل : نصّ في الكتاب بارث الاخوة ، وعيّن مقدار ارثهم ، ولمّا كان الجد والجدّة يرثان مع الاخوة فيعلم أنّ الباقي لهم.

قلنا : انّ هذا ليس اثباتا لارث الجد والجدّة بالخصوص ، مع أنّ المنصوص في الكتاب حكم الاخوة للام فقط ، والاخت والأخوات للأب أيضا.

قد حكموا جميعا بأنّ الجدّ والجدّة للام يشاركون الاخوة لها في نصيبهم المنصوص ، فلا يكون للجد والجدة.

وثانيا : أنّ قاعدة تقديم الأقرب غير مختصة بما ثبت بأنّه أولو الأرحام ، بل يجري فيما ثبت بالخصوص أيضا ، فانّ إرث كلّ من البنات والاخوة ثابت بخصوصه ، مع أنّ البنات يقدّ من لقاعدة تقديم الأقرب فالأقرب.

وثالثا : أنّه لو سلّم جميع ذلك ، فنقول : انّ إرث أولاد الاخوة لم يثبت بالكتاب.

فان قيل : نعم ، ولكن يثبت إرث الاخوة ، ويثبت في السنّة أن كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّبه (١). قلنا : هذا بعينه جار في جانب الأعمام والأخوال أيضا.

المسألة التاسعة

قوله : لو جامعه غيره الى آخره

أي : غيره ممّن هو مساو له في السببين ، اذ لو كان أقرب منه فيهما لم يرث ، أو السببين باعتبار شي‌ء من سببيّته ، ولو كان أقرب منه في أحدهما فيرث بالسبب الذي ليس معه ، وهو أقرب منه فيه ، ولا يرث بالسبب الآخر ، ثمّ انّه قيّد بمجامعة غيره لأنّه لو لم يكن غيره فالمال كلّه له ، ولا يترتّب أثر على اجتماع [ السببين ] اذ المفروض انحصار الوارث فيه ، فالمال كلّه له بأحد السببين ، أو بعضه بسبب وبعضه بآخر.

قوله : كمعتق هو ضامن جريرة.

اذا اجتمع مع معتق آخر ، أو ضامن جريرة آخر ، كما اذا كان عبد لموليين ، فاعتقاه معا ، أو ضمن شخصان لجريرة شخص.

فلا يرد ما يتوهّم من : أنّ الزوج المعتق أو الضامن للجريرة لا يجامع وارثا آخر في مرتبته.

__________________

(١) الوسائل : ٢٦ / ١٨٨.

٨٠٥

القول في ميراث الازواج

[ قوله : وهو حمل بعيد ] بل ليس بصحيح. أمّا حقيقة فظاهر. وأمّا مجازا ؛ فلعدم ظهور علاقة من العلائق المعتبرة فيه.

قوله : واختصاصها بدفع القيمة الى آخره

الظاهر منه أنّه يدفع [ إليها ] كمال الثمن من القيمة وظاهر كلام جماعة ، بل صريحه أنّه يدفع إليها نصف من القيمة اذا كانتا اثنتين وثلثاه ، اذا كانت غير ذات الولد اثنتين ، وهكذا.

والظاهر على فرض هذا التفصيل ـ أي : الفرق بين ذات الولد وغيرها ـ وجوب دفع كمال ثمن القيمة ، وعدم اختصاص ذات الولد بالدفع ، بل يعطيه جميع الورثة ، أو غير ذات الولد.

قوله : دون سائر الورثة.

أي : يختصّ دفع القيمة بالزوجة ذات ولد منه التي أخذت العين ، دون سائر الورثة ، فبأخذ العين الممنوعة منها تدفع قيمتها الى غير ذات ولد منه.

وظاهر العبارة أنّها تدفع مجموع الثمن ، وظاهر الأصحاب انها تدفع بقدر الحصّة ، تأمّل.

قوله : فهو كالدين.

اعلم أنّ الضمير راجع الى القيمة ، دون الدفع اذ لا معنى لكون دفعها كالدين ، وتذكيره باعتبار تأويلها الى المدفوع أو المأخوذ ، وأمّا الضمير المجرور في قوله : « فيه » فالمناسب ارجاعه الى الدفع ؛ لأنّه الذي لا يفرق فيه بين الصورتين ، الّا أنّه لا يلائم ظاهر العبارة ، حيث انّ الظاهر اتّحاد المرجعين.

ويمكن أن يرجع هو أيضا الى القيمة ، ويكون المراد : أنّه لا يفرّق في القيمة في الصورتين بأن تكون في صورة عدم بذل الوارث واجب الدفع وفي صورة البذل غير واجب الدفع. والمراد ببذل الوارث العين : بذله من غير تخيير للزوجة بين قبولها وأخذ القيمة ـ أي امتناعه منها ـ اذ لا كلام في جواز التخيير ، وعلى هذا فالمراد من امتناعه من القيمة : امتناعه منها مع عدم بذله العين.

٨٠٦

ثمّ انّ ما ذكره هنا ردّ على جماعة ذهبوا الى أنّ اعطاء الورثة للقيمة انّما هو [ على ] سبيل الرخصة ، دون الوجوب والحقّ ما ذكروه ؛ لأنّه المستفاد من الأخبار كما لا يخفى على الناظر فيها.

قوله : بذل الوارث

[ اي ] في صورة عدم اجتماعها مع ذات الولد. وأمّا في صورة الاجتماع فالدفع مختص بذات الولد ، فلا معنى لقوله : « ولا بين امتناعه من القيمة وعدمه » الى آخره. فاذا اجتمعت مع ذات الولد فامتنعت من دفع القيمة ، فكامتناع الوارث في جميع ما ذكره. ويمكن تعميم الوارث ليشمل في صورة الاجتماع الزوجة أيضا.

قوله : في رواية ابن اذينة.

وهي ما رواه الصدوق في الصحيح عن ابن اذينة في النساء اذا كان لهن ولد اعطين من الرباع (١).

قوله : الا ان الفرق تقليلا لتخصيص آية الارث.

لا يخفى أنّه وان كان في الفرق تقليل لتخصيص الآية ؛ الّا أنّه يوجب تخصيصها ، وتخصيص روايات الحرمان أيضا ، وأولويّته من ارتكاب التخصيص به ( كذا ) لا بدّ من ارتكابه ، ولا وجه لتقليله. وما ذكره من ذهاب الأكثر الى الفرق مع أنّه ليس بحجّة ممنوع ؛ فانّ عدم الفرق مذهب المفيد ، والسيد ، والشيخ ، وأبي الصلاح ، وابن ادريس ، وابن زهرة ، والمحقّق في النافع ، واختاره جماعة من المتأخرين عن الشارح أيضا. وفي الخلاف والسرائر دعوى الاجماع عليه.

قوله : عنها الاعتداد.

أي : اعتداد الوفاة دون الباقية. فتعتد الباقية عدة الوفاة دونها ؛ لما ذكر.

قوله : وانسحاب.

عطف على « القرعة » أي : في هذه الصور وجهان : أحدهما : القرعة. الثاني : انسحاب الحكم السابق من تقسيم ثلاثة أرباع الربع ، أو الثمن بين الباقيات التي اشتبهت المطلقة فيهنّ.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٦ / ٢١٣.

٨٠٧

قوله : باثنتين بين الاثنتين.

متعلّق بيقسم أي : يقسم نصيب المشتبه بين الاثنين في الصورة الاولى التي أشار إليها بقوله : « فان اشتبهت بواحدة » ويقسم بين الثلاث في الصورة الثانية التي أشار إليها بقوله : « ان اشتبهت باثنتين » ويكون التقسيم بين الاثنين والثلاث بالسوية ، فهو أيضا متعلّق بيقسم ، تدبّر.

الفصل الثالث في الولاء

قوله : وفيهما معا نظر.

أي : في نسبة هذا القول الى المفيد ، ونسبة الاستحسان الى المحقّق معا نظر. والظاهر أنّ مراده : أنّ النظر انّما هو في المجموع من حيث المجموع باعتبار أحد جزأيه الذي هو النسبة الى المفيد ، والّا فكلام المحقّق صريح في الاستحسان. قال في الشرائع : « ولو عدم المنعم ، قال ابن بابويه يكون الولاء للأولاد الذكور والاناث ، وهو حسن ».

قوله : فضامن الجريرة.

اعلم أنّ عقد ضمان الجريرة كان ثابتا في زمان الجاهلية يتوارثون به ، ويقدّمون الضامن على الأقارب ، فاقرّهم الله تعالى في صدر الاسلام ، ثمّ نسخ بالاسلام والهجرة ، فكان الميراث للمسلم المهاجر ، فاذا كان للمسلم ولد لم يهاجر ورثه المهاجرون دون ولده ثمّ نسخ ذلك أيضا بالتوارث بالرحم والقرابة ، ولكن بقي الارث بضمان الجريرة عندنا معاشر الامامية على بعض الوجوه ـ كما ذكره المصنّف ـ وعند الشافعي انّ الارث بضمان الجريرة منسوخ مطلقا.

قوله : ولا يتعدى الحكم الضامن.

أي : لا يتعدّى من الضامن الى غيره من ورثته وأقاربه وادّعى في الغنية الاجماع على ذلك وان حكي عن ظاهر المقنعة الخلاف فيه حيث سوى بين هذا الولاء وولاء العتق في جميع الأحكام الثابتة له ، وحجّته غير واضحة ، مع مخالفة قوله للأصل.

قوله : ولو تجدّد للمضمون وارث.

اعلم أنّ تجدّد الوارث للمضمون يمكن أن يكون بأن تزوّج بعده وولد له أولاد ، و

٨٠٨

يمكن أن يحصل له معتق بأن يكون اسلام المضمون طارئا ، ثمّ يكفر بعد العقد ، ويلتحق بدار الحرب ، ويسترق ، فيعتقه مولاه فيكون المعتق وارثا له.

قوله : لفقد شرط الصحّة.

أي : صحّة الضامنية ، لا صحّة الضمان ؛ فانّه لو كان شرطا لصحّة الضمان لما يقدح طارئا. وأمّا الضامنية كالمالكية التي شرطها كون المملوك مما يصحّ مملوكيته ـ مثلا ـ فلو عرض له بعد المبايعة ما ينافيه كطريان العتق على العبد ـ مثلا ـ زالت المالكيّة.

قوله : على الأصح.

مقابل الأصح قول ابن الجنيد ، والشيخ في الاستبصار ، وهو : أنّه لبيت المال الذي مصرفه مصالح المسلمين.

ويمكن أن يقال : إنّ مرادهما بيت مال الامام أيضا لما ذكره جماعة من شيوع اطلاق بيت المال وإرادة بيت مال الامام ، ويشير إليه كلام الشيخ في الخلاف هنا حيث قال : « ميراث من لا وارث له ينتقل الى بيت المال وهو الامام خاصّة.

الفصل الرابع

المسألة الاولى

قوله : فمن حيث ينبعث.

الظاهر ـ وقائله اعلم ـ ان خرج منهما جميعا من غير سبق لأحدهما ، فينظر أنّه من أيّهما يسترسل أي : يكون في أيّهما الدفع والفوران ومن أيّهما التقاطر والخروج بالرفق.

قال في القاموس : « بعثه كمنعه : ارسله فانبعث ». وقيل : إنّ المراد منه أن يحكم مع التساوي في السبق على المنقطع أخيرا لأن المراد من الانبعاث : الاسترسال ، وظاهر أنّ المنقطع أخيرا أشدّ استرسالا وادرارا ؛ لكون الخروج منه أكثر زمانا.

ولا يخفى ما فيه.

قوله : وهو هنا كذلك.

أي : وتوريث نصف النصيبين هنا كذلك أي : هو كقسمة ما يقع التنازع فيه بين الخصمين مع تساويهما ؛ اذ الضمير راجع الى الموصول ـ أي : ما يقع فيه التنازع هنا

٨٠٩

كذلك أي : يتساوى الخصمان بالنسبة إليه. وعلى التقديرين فالوجه في كون توريث نصف النصيبين كذلك ، أو ما يقع فيه التنازع : أنّه لا نزاع في أنّه يرث نصيب الانثى ، فهو غير المتنازع فيه والزائد منه الى نصيب الذكر هو المتنازع فيه ، فيرث نصفه ، وهو توريث نصف النصيبين. مثلا : اذا كانت التركة اثني عشر ، والوارث ذكر وخنثى ، فللذكر ستّة قطعا ، وللخنثى أربعة كذلك ، بقي اثنان وقع التنازع فيه فينصف ، ويعطى الخنثى نصفه ، وهو واحد ، وهو توريث نصف النصيبين ؛ لأن معنى توريث نصف النصيبين : أنّه يفرض تارة ذكرا ، فيلاحظ نصيبه حينئذ ، واخرى انثى ويلاحظ نصيبه حينئذ أيضا ، فينصف ، ولا شك أنّه لو كان في المفروض ذكرا كان له ستّة ونصفها ثلاثة ، ولو كان انثى كان له أربعة ونصفها اثنان ، ومجموع الثلاثة والاثنين خمسة.

المسألة الثانية

قوله : لخلوّ باقي الأخبار عنه.

وفيه نظر ؛ لأنّ جميع الأخبار يتضمّن الأمر به ، وان اختلفت بحسب الاجمال أو الاطلاق ، والتفصيل ، فان أراد بالدعاء عند القرعة جنسه المناسب للقرعة ، فجميع الأخبار للأمر به متضمّنة ، فكيف يقول : الأخبار عنه خالية؟

وان أراد به الكيفيّة المرسومة في رواية الفضيل ، فلا يقدح خلوّ باقي الأخبار عنها بعد تضمّنها الأمر بمطلق الدعاء ، والأصل يقتضي حملها عليها ، وهو أرجح من الحمل على الاستحباب ؛ ولذا أمر به ابن ادريس في السرائر والمحقّق في الشرائع ، والعلّامة في القواعد والتحرير ، وان اختلفت عباراتهم بحسب الاجمال والتفصيل بنحو ما في الرواية المذكورة.

٨١٠

كتاب الحدود

قوله : ويتحقّق الاكراه على الزنا فى الرجل ... كما يدرأ عن المرأة بالاكراه لها.

اعلم أنّه لا نزاع في انّه لو تحقّق الاكراه في حقّ الرجل يدرأ عنه الحدّ وفي انّ الاكراه مطلقا يوجب درأه وانما النزاع في أنّ الاكراه هل يتحقّق في حق الرجل أم لا.

ولم يقل أحد بكون الاكراه موجبا للدرء عن المرأة ، دون الرجل فلا يناسب الاحتجاج على درء الحد عن الرجل مع تحقّق الاكراه بقوله : « لاشتراكهما » المشعر بالفرق بين الرجل والمرأة مع تحقّق الاكراه فيهما ، بل كان الأصوب الاحتجاج على تحقّق الاكراه في الرجل وعلى إيجاب مطلق الاكراه درء الحد كما في المسالك وغيره.

قوله : غير مقدورة.

أى : غير مقدورة للرجل حتّى ينبعث القوى بعد اكراهه ، بل هو موقوفة على ميل نفساني ، ولا يتحقّق بالاكراه ، فلا يمكن اكراهه على حصول الشهوة التي يتوقّف الزنا عليها.

قوله : كله غالبا.

أي : على الشهوة وانتشار العضو وانبعاث القوى ؛ فانّه قد يتغيّب الحشفة من جهة انتشار العضو الحاصل بسبب غير الشهوة ، وانبعاث القوى ، بل قد يحصل من غير انتشار العضو أيضا.

والضمير في قوله : « توقفه » راجع الى الكل. وكذا في قوله : « منه » أي : توقّف غيبوبة الحشفة على ذلك كلّه ممنوع ، لو سلّم توقّف ذلك كله على الاختيار ، وسلم منع الخوف من حصول الكل.

٨١١

قوله : انعتاقه.

الانعتاق إما قبل الاقرار ، وكونه في حكم التصديق واضح. ولكن اشتراط الحرية يكفي عنه ، وإمّا بعده وكونه في حكم التصديق محل نظر ؛ لبطلان الاقرار أوّلا فلا يصحّ بعده. نعم الانعتاق المقارن للاقرار لا يبعد أن يكون في حكم التصديق.

قوله : بالاقرار.

متعلق بالحد ، دون النفي.

قوله : في حالة الجنون.

وكذا اذا وقع الاقرار حال الكمال بالزنا حال الجنون. ولكن هذا خارج بقيد العقل في التعريف ، ولا مدخلية بهذا المقام.

قوله : تعدّد مجالس الاقرار.

الظاهر أنّ المراد بالمجالس : مجلس المقر كما يظهر من تمسّكهم بخبر ماعز فلا يشترط تعدّد مجلس الحاكم اتفاقا.

قوله : تأخّر البيان.

ان اريد تأخّر البيان عن وقت الحاجة فهو ممنوع ، وان اريد تأخّره عن وقت الخطاب فعدم جوازه غير مسلّم.

قوله : كغيره.

يحتمل أن يكون قيدا لقوله : « المفهمة يقينا » أي : كما أنّ غير الاخرس يجب أن يكون اقراره مفهما يقينا وان كان لفظا. ويحتمل أن يكون قيدا لقوله : « اشارة الأخرس » أي : تكفي اشارة الأخرس المفهمة يقينا كما تكفي اشارة غير الأخرس اذا كانت كذلك. والأخير أنسب بالعبارة حيث انّ الملائم مع الأوّل أن يقول : « كغيرها » أي : غير الاشارة.

قوله : ولو لو يفهمها الحاكم.

عدم فهم الحاكم امّا بغفلته عنها وعدم التفاته إليها ، وامّا بكونه أعمى على القول بجواز كون الحاكم أعمى.

٨١٢

قوله : الّا أنّ الأوّل أقوى.

وجه كونه أقوى على ما سيذكره في بحث القذف وذكره في المسالك : هو دلالة ظاهر اللفظ على زنا المرأة ، وأنّ الأصل عدم الشبهة والاكراه. ورواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل قال لامرأته : يا زانية أنا زنيت بك. قال : « عليه حد واحد لقذفه ايّاها ». (١)

وفي الكل نظر : أمّا الأوّل ؛ فلمنع دلالة ظاهر اللفظ ، فان بعد ثبوت امكان انفكاك زنا الرجل [ عن ] زنا المرأة فلا وجه لدلالة نسبته [ الى ] احدهما على [ زنا ] الآخر.

وأمّا الأصل ؛ فلمعارضته بأصالة عدم زنا المرأة ، وعدم رضاها بها ، وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ادرءوا الحدود بالشبهات ».

وأما الثالث ؛ فلأنّه يمكن أن يكون حدّ القذف لأجل قوله : يا زانية لا قوله : أنا زنيت بك ، بل القول الأوّل موجب للحد قطعا ... إليه يقينا.

ثمّ ان مراده من الاتجاه : أنّ هذا القول له وجه ، وأن كان غيره أقوى ؛ لوجود دليل يعارض هذا الوجه.

وقوله : عملا بالعموم

تعليل لما يدلّ عليه الاستثناء ، وهو أنّه يدرأ عنه الحد ، ويسمع دعواه. ثمّ المراد بالعموم هنا ليس العموم المتعارف بل كون مدلول اللفظ أعمّ ، فيشمل المطلق أيضا. وهذا الاستعمال شائع.

قوله : وقد روي الى آخره.

قيل : نقل هذه الرواية لتأييد ما جعله أقوى حيث حكم عليه‌السلام بحدّين مع أنها نسبت الفجور الى الرجل دون نفسها.

وفيها : أنّ الظاهر من الرواية أنّ فجورها نفسها ثابت حيث قال : « اذا سألت الفاجرة » (٢) فأحد الحدين وهو حدّ نفسها ليس لقوله : « فلان » بعد السؤال عمّن فجر بك ، بل لثبوت فجورها ، وكونها فاجرة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٩٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٧٦.

٨١٣

قوله : لأن الله تعالى سمى من قذف.

هذا تعليل لما يفهم من قوله : « للفرية » وهو تسمية هذه الشهادة فرية أي : كذبا ، مع امكان صدقهم فالمعنى : سمّي فرية ؛ لأنّ الله تعالى سمّى من لم يأت بتمام الشهداء كاذبا وقال : ( لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) (١) ووصفه سبحانه اياهم بالكاذبين لكونهم في حكمهم من وجوب عدم قبول قولهم.

قوله : ويخرج.

التقييد بقوله : « يخرج » لأجل أنّ الغالب في المجامعة كذلك ، والا فيكفي الشهادة بالدخول فقط ، ويتحقّق الزنا به.

قوله : في شهادتهم المعاينة.

لا يخفى أنّ الشهود عند عدم ذكر المعاينة على الوجه المتقدّم أي : كالميل في المكحلة اذا شهدوا بالزنا ولم يذكروا المعاينة [ حدّوا ] وأمّا اذا شهدوا بالفعل أي بفعل عاينوه منه كالجلوس بين الرجلين ، وحلّ الازار ، والصاق بدنه ببدنها ـ مثلا ـ فلا يحدّون ، بل يعزر المشهود عليه ؛ لثبوت ذلك الفعل منه. صرح به في المسالك.

ثمّ انّ حدّهم اذا شهدوا بالزنا ؛ لأنّ المفهوم منه هو هذا العمل ، وعدم قبول الشهادة به كأنّه تعبّدي.

وأمّا ما في المسالك من : أن عدم قبوله ؛ لأنّ الزنا قد يطلق على ما دون الجماع ؛ فلعلّ مرادهم ما دونه ، فكيف يحدّون ، مع أنّ الحدود تدرأ بالشبهات. فتأمّل. (٢)

قوله : بأحد الثلاثة.

أي : لو ذكر الشهود أحد الثلاثة ، يلزم عدم اختلافهم. واذا قيّد أحدهم بأحدها فهل يلزم في الثبوت تقييد الباقين أيضا أم لا؟

الظاهر لا ؛ لاطلاق الأخبار ، وأصالة عدم الاشتراط ، وعدم صلاحيّة تقييد أحدهم لايجاب تقييد الباقين.

__________________

(١) سورة النور : ١٣.

(٢) لعل الصحيح : ففيه تأمّل.

٨١٤

قوله : في اشتراط.

أي : اشتراط حضورهم في مجلس الحكم دفعة. ووجه أولوية الحد هنا : أنّه اذا حدّوا ولم يكن حضورهم في مجلس الحكم دفعة ، وان اجتمعوا حال اقامة الشهادة ، فحدّهم فيها اذا تلاحقوا حال الشهادة اولى ؛ اذ حينئذ مع أنّهم لم يحضروا دفعة لم يجتمعوا حال الشهادة.

قوله : إمّا مطلقا.

الأوّل على القول الأوّل ، والثاني على الثاني.

الحد على الزاني

اقسام ثمانية

احدها

قوله : للعموم.

أي : عموم روايات قتل الذمّي الزاني بمسلمة. ولا يخفى أنّها وان كانت عامّة ، ولكنها تخصّص بحديث درء الحد للشبهات. وأيضا عمومها ليس بأظهر من عموم رواية قتل الزاني بذات محرم فكما يخصّص هذه فكذلك تلك.

قوله : أفحش.

لا يخفى أنّ افحشية الفعل وقوّة التحريم لا يدلان على ثبوت القتل ، اذ لعلّه لأجل علّة اخرى سوى الحرمة والفحش ، مع أنّ في كونه أفحش وأقوى تحريما نظرا.

قوله : ولا يلحق به المرأة لو اكرهته.

أي : بالزاني مكرها ، لا بالرجل فى المواضع الثلاثة ؛ لأن الالحاق في الأوّلين ان كان لم يتوقّف على اكراه المرأة للرجل. ولا يخفى أنّ تقديم ذلك على قول المصنّف : « ولا يعتبر الاحصان » أولى وأنسب.

وثانيها

قوله : أوّل النهار.

٨١٥

يمكن أن يكون ذلك على سبيل الحقيقة. وأن يكون كناية عن التمكّن منه والقدرة عليه في كلّ وقت شاء وأراد من الأوقات التي تصلح لذلك.

قوله : بحيث غابت الحشفة.

ليس هذا بيانا وتفسيرا لقوله : « معلومة » ، بل تقييد زائد أي : اصابة كانت بهذه الحيثية.

قوله : أحدها الاصابة أي : الوطء قبلا الى آخره.

ليس مراده : أنّ معنى الاصابة عرفا أو لغة هو ذلك أي : الوطء في القبل على وجه يوجب الغسل والّا لتناقض ذلك ما سيصرّح به بعد ذلك بقوله : « واعلم أنّ الاصابة أعمّ ممّا يعتبر منها ، وكذا الفرج ». بل مراده : أن مراد المصنّف من الاصابة ذلك ، وان لم يكن هذا معناها لغة ، ويكون الأولى التصريح به ومن هذا يظهر أنّه لو ترك القبل في تفسير الإصابة ، وفسّر الفرج بذلك كان أولى وأنسب.

قوله : مجنونا.

حال عن فاعل وطء ، لا مفعول له.

قوله : والّا لبطل الحصر المستفاد من الآية.

لا يخفى أنّ دخول التحليل فى ملك اليمين في الآية لقرينة خارجيّة ، أو لاستلزام عدمه بطلان الحصر لا يوجب دخوله فيه في سائر المواضع ؛ فانّه لو دخل فيه لكان على سبيل التجوّز قطعا ، ويقتصر فيه على مواضع القرينة ، دون غيرها من المواضع ، سيّما مع كون الحكم الثابت في موضع ملك اليمين مخالفا للأصل.

قوله : دون مسافة القصر وأزيد.

هذا اشارة الى ردّ ما ورد في بعض الأخبار الشاذّة من أنّ عدم الاحصان انّما هو اذا حصل البعد بقدر مسافة القصر ، كما في مرفوعة محمّد بن الحسين قال : « الحدّ في السفر الذي ان زنى لم يرجم اذا كان محصنا؟ قال : اذا قصر وأفطر ». (١) وبمضمونها رواية اخرى.

قوله : وأمّا التمكّن من الوطء.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٧٤.

٨١٦

يعني : وأمّا التمكّن من الوطء بحيث يغدو عليه ويروح انّما يعتبر في تعريف احصان الرجل فقط ، ولا يعتبر في تعريف احصان المرأة لان المرأة لا تتمكّن من الوطء متى شاءت ؛ لأنّ الأمر بيد غيرها ، والحق له في ذلك غالبا. وعلى هذا فلا بدّ من مراعاة هذا الاختصاص في تعريف المرأة المحصنة أيضا اي كما انّه لا بدّ من مراعاة بلوغها وعقلها وحرّيتها في تعريفها كذلك لا بدّ من مراعاة ذلك أيضا مع انّ المماثلة ينبئ عن عدم الاختصاص. ويمكن ان يكون المراد بل هو الاظهر ان البلوغ كما يعتبر في الواطي لتحقق احصان المرأة والعقل يعتبر في الموطوءة فقط لتمكن بحيث يغدو عليه ويروح انما يعتبر في احصان المرأة في حقّ الرجل خاصّة اي يتحقّق احصان المرأة اذا كان زوجها متمكنا من الوطء غدوا ورواحا ولا يعتبر تمكن المرأة. وعلى هذا فلا بدّ من مراعاة هذا التمكّن اى تمكن الواطئ في تعريف احصان المرأة أيضا كما لا بدّ من مراعاة سائر القيود فيقال في تعريفها : المصابة حرّة عاقلة بالغة من زوج بالغ دائم في التمكّن بحيث يغدو عليه ويروح في القبل بما يوجب الغسل.

قوله : بحيث تجعل بدله بنوع الى آخره.

يريد أنّه كما أنّ الكلام حمل على أنّ بما ذكر في الرجل تصير المرأة محصنة ، أي : اذا كان واطأها متّصفا بما ذكر تكون المرأة محصنة يمكن أن يحمل على أنّ بما ذكر تصير المرأة محصنة أي إذا كانت المرأة متّصفة بهذه الصفات تكون محصنة ، فتجعل المرأة بدلا عن الرجل في التعريف ، ويبقى باقي الصفات بحالها ، فتكون المحصنة : المصابة البالغة العاقلة الحرّة المملوكة فرجها بالعقد الدائم المتمكن زوجها من الغدو عليه والرواح ، أو المصابة البالغة الحرة المالكة فرج زوجها بالعقد الدائم المتمكّن الى آخره. والتكلّف اشارة الى ما في تأويل قوله : « مملوكا » الى آخره.

قوله لأنّها في حكم الزوجة.

والمطلّق متمكّن منها في كلّ وقت بالمراجعة. وأمّا عدم تمكّن الزوجة من المراجعة فلا يقدح في احصانها كما لا يقدح عدم تمكّنها من الوطء في احصان الغير المطلقة. وهذا هو المراد من قوله : « وان لم تتمكّن هي » الى آخره.

٨١٧

قوله : وكذا يعتبر وطء المملوك

اي كما انّه يعتبر وطء جديد في البائنة كذلك في المملوك اذا اعتق ، فانّه لا يكفي الوطء الواقع في الرقّية في احصان الرجل والمرأة حينئذ ، وان كان كافيا في احصان الرجل الرقّية ، بل لا بدّ من وطء جديد ، بالعقد الدائم بعد العتق.

قوله : حين جمع للمرأة بينهما.

وهى شراحة. جلّدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ، فقيل له : اتّحدها حدّين فأجاب عليه‌السلام : « حددتها » الى آخره. (١)

قوله : ليتحقّق فائدته.

أي : فائدة الجلد ، وهي العمل بكتاب الله ، والجمع بين الأدلّة ، فلو بدأ بالرجم لم يحصل تلك الفائدة ؛ لأنّ بالرجم يموت غالبا فلا يمكن الجلد ، فلا يحصل الجمع بين الأدلّة. ويمكن أن يراد بالفائدة : قوّة الزجر ؛ فانّ الأضعف لا يؤثر بعد الأقوى ، فلا يؤثر الجلد بعد الرجم.

قوله : وان كان التأخير أقوى في الزجر.

يمكن أن يكون قوله : « وان كان » اشارة الى استحباب التأخير حيث انّ قوّة الزجر مطلوبة هنا ؛ ولذا يجمع. فيكون المعنى : وان كان التأخير موجبا لقوّة الزجر فيستحب. ويمكن أن يكون اشارة الى ردّ من استدلّ على وجوب التأخير بكونه أقوى في الزجر ؛ لأنّ قوة الزجر لا تصلح لدفع الأصل ، حيث لا دليل على اعتباره بهذا القدر.

قوله : وقد روي أنّ عليا.(٢)

يمكن أن يكون ذكر الرواية لأجل تأييد ما اختاره من عدم وجود الصبر حتّى يبرأ الجلد ؛ فانّ الغالب أنّ الجلد لا يبرأ في يوم واحد. ويمكن أن يكون تأييدا للاستحباب المشار إليه بقوله : « وان كان التأخير أقوى في الزجر » على كونه اشارة إليه ، أو اشارة الى ردّ من استدلّ على وجوب التأخير بهذه الرواية على كون قوله : « وان كان » الى آخره أيضا ردّ على من تمسّك بقوّة الزجر ، فيكون المعنى : ولا يجب التأخير ، وان كان اقوى

__________________

(١) المختلف : ٩ / ١٤٩ ، والخلاف : ٢ / ٤٣٩ ، طبع ١٣٨٣ ق.

(٢) المختلف : ٩ / ١٤٩.

٨١٨

في الزجر ، وان روي أيضا عن علي عليه‌السلام ؛ فانّ الرواية لضعف سندها وفقد دلالتها على الوجوب لا يصلح لدفع الأصل.

قوله : ويمكن جعل ذلك الى آخره.

أي : جعل دفن المرأة الى الصدر والرجل الى الحقو. وقوله : « لتأدي » الى آخره ، دليل على أحد جزأي الاستحباب ، وهو عدم المنع من النقيض ، وقوله : « وروى سماعة » (١) دليل على الجزء الآخر ، وهو طلب الفعل. وعدم ثبوت الوجوب بها ؛ لعدم صحّة سندها.

ومنهم من جعل « ذلك » اشارة الى أصل الدفن ، وهو بعيد كما لا يخفى. وقوله بعد ذلك « وجوبا واستحبابا » ينافيه ؛ لدلالته على أنّ الوجوب والاستحباب المتقدّم ، في الكيفية ، لأنّها المغياة دون أصل الدفن.

قوله : عدم اشتراط الاصابة.

أي : الاصابة في عدم الاعادة.

قوله : وفي هذه الوجوه نظر.

أمّا في الاطلاق ؛ فلمنعه. وأمّا في الثاني ؛ فلأنّ الرجوع عن الاقرار انما يفيد لو لم يتمّ الأربعة وبدونه لا يوضع في الحفيرة ، أو لأنّ الفرار أعمّ من الرجوع ، والمنزلة تحتاج الى دليل. وأمّا في الثالث : فلأنّ الحد مبني على الزجر ، دون التخفيف ، وانّما التخفيف قبل ثبوته ، وبعده فلا تخفيف.

قوله : وينزجر من يشاهده ممّن أتى مثل ذلك.

وفائدة انزجاره امّا كفّه عن الاقرار ، أو حصول [ خوف ] من الله في نفسه حيث أتى بعمل يستحقّ مثل هذا الزجر.

قوله : وقيل ، والقائل ابن ادريس

يحتمل أن يكون هذا مقابلا لقوله : « وينبغي اعلام الناس » فيكون المعنى : وينبغي اعلام الناس أي : يستحبّ ليحضر طائفة. وقيل : يجب حضور طائفة فيجب إعلامهم. وهو المناسب للاستدلال للاستحباب بالآية ، كالوجوب. وكذا يؤيّده قول الشارح بعد ذلك : « يجب حضورها أو يستحب ».

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٩٩.

٨١٩

ويحتمل أن لا يكون كذلك فيكون « قيل » قولا مقابلا لقول من يقول بعدم وجوب حضور طائفة ويكون استحباب اعلام الناس اتفاقيا حيث انّ اعلام الناس غير اعلام الطائفة عرفا ، بل هذا الأخير هو مقصود المصنّف كما لا يخفى على من تتبّع كتب القوم.

قوله : لأنّه أقل الطائفة.

كما نقل عن الفراء بناء على كونها بمعنى القطعة من الشي‌ء. ولقوله تعالى : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) (١) بدليل قوله تعالى : ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ). ولقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في الآية : « الطائفة واحد » ، وقد روي ذلك في التبيان والمجمع عن الباقر عليه‌السلام. (٢)

قوله : فيحمل الأمر المطلق على أقلّه.

توصيف الأمر بالمطلق من باب توصيف الشي‌ء بحال متعلّقه ؛ لأنّ المطلق حقيقة هو الطائفة التي يتعلّق الأمر بحضورها ، دون الأمر ، والضمير في « أقلّه » راجع الى المطلق. ويمكن أن يراد بالأمر هو الطائفة بناء على أنّه قد يراد به الشي‌ء ، فيكون المعنى ، فيحمل الشي‌ء المطلق أي الطائفة.

قوله : ووجهه غير واضح.

واستدلّ له بالاحتياط ؛ لاشتمال العشرة على جميع ما قيل هنا.

قوله : والأجود الرجوع الى العرف.

لا وجه لذلك بعد مخالفة العرف للّغة ؛ لأصالة تأخّر الحادث ، نعم لو ثبت موافقة عرف الشارع لعرف زمان الشارح لكان ما ذكره صحيحا.

قوله : للنهي عنه الى آخره.

في أخبار كثيرة ففي الصحيح وما يقرب منه وغيرها : « لا يقيم الحد من لله تعالى عليه حدّ ، فمن كان لله تعالى عليه مثل ماله عليها فلا يقيم عليها الحد ». (٣) وفي

__________________

(١) الحجرات : ٩.

(٢) مجمع البيان : ٤ / ١٢٤. الوسائل : ٢٨ / ٩٣ ، عن الباقر عليه‌السلام عن امير المؤمنين عليه‌السلام قال : الطائفة واحد.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٥٣.

٨٢٠