الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

قوله : بتقديم بيّنته مع عدم الأمرين.

أي : الدخول أو سبق التاريخ. إنّما خصّ إطلاق النص بذلك ، ولم يذكر إطلاقه بتقديم بيّنتها مع أحد الأمرين ؛ لأنّ استدلاله ليس بالإطلاق فقط ، بل ليس إطلاق حقيقة ، وإنّما هو خلوّ النص عنه ، بل استدلّ به بضميمة عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو غير جار في صور تقديم بيّنتها ؛ لأنّ المسئول عنه في النص هو عدم التوقيت والدخول ولذا حكم الإمام بتقديم بيّنته في صورة السؤال.

وأمّا قوله عليه‌السلام : « ولا تقبل بيّنتها إلّا بوقت أو الدخول بها » فهو ليس مسئولا عنه ، وإنّما هو حكم ذكره الامام عليه‌السلام تطفّلا ، وفرضا ، فلا يعلم أنّه وقت الحاجة إليه ، بل لم يكن حينئذ وقتها ، فلا يتمّ الإطلاق بالنسبة إلى بيّنتها ، هذا.

وأمّا أخصية الدليل عن المدّعى حيث إنّه انتفاء اليمين في الصور التسع ، والدليل حينئذ يدلّ على انتفائها في خمس من الصور ، فغير ضائرة ؛ لأنّ المطلوب يتمّ باتّحاد طريق المسألتين ، والإجماع المركّب ، فإنّ موجب اليمين في الجميع واحد ، فإذا انتفت في بعضها بالنص تنتفي في الجميع.

قوله : خصوصا مع جريان الحكم إلى آخره.

وجه الخصوصية : أنّه لو كان الحكم في النص موافقا للأصل لكان النص والأصل مقتضيا لانتفاء اليمين ، بخلاف ما إذا كان الحكم مخالفا له ؛ فإنّ الأصل الذي هو وجوب الاقتصار على موضع اليقين يوجب اليمين ، فيكون عدم المنافاة أظهر.

قوله : أحدهما تقديم بيّنته مع أنّه مدّع.

وكلّ مدّع يكون قوله مخالفا للأصل ؛ لأنّ الأصل عدم تحقّق مدّعاه ، فيكون تقديم بيّنته مخالفا للأصل. أو المعنى مع أنّه مدّع أيضا كما أنّ الاخت مدّعية ، فكلاهما متساويان من هذه الحيثية ، فتقديم أحدهما مخالف للأصل ؛ إذ الأصل إمّا تقديم بيّنة الداخل أو الخارج على اختلاف القولين ، وإذا كانا معا مدّعيين ، لا يتحقّق خارج ولا داخل.

قوله : لأنّه منكر.

٧٨١

لا يتوهّم تنافي ذلك لقوله سابقا « مع أنّه مدّع » ؛ لأنّ الكلام فيما سبق إنّما هو كان في قبول بيّنته ، وهو فيما شهد له البيّنة ، وهو زوجيّة اخت المدّعية مدّع ، والكلام هنا في الحلف للمرأة المدّعية ، وهو في مقابلها منكر ، فحكمه حلف.

المسألة الرابعة

قوله : أو ملّكه إيّاها بعد شرائها له.

أي : أو ملّك السيّد العبد الأمة بعد شراء العبد الأمة للمولى.

قوله : بعدم ملكه.

أي : بعدم تملّك العبد لشي‌ء.

قوله : لبطلان الشراء والتمليك.

إذ بعد القول بعدم تملّك العبد لا يكون إذن المولى له في شرائه لنفسه نافعا ولا تمليكه إيّاه ، فيبطلان معا.

قوله : على ملك البائع ، أو السيّد.

الأوّل في صورة الإذن في الشراء لنفسه اذ يكون الشراء باطلا ، فيبقى على ملك البائع. والثاني في صورة التمليك ؛ إذ لا يتملّكها العبد ، فتكون باقية على ملكيّة السيّد الذي اشتراها له.

قوله : واستباح بضعها إلى آخره.

إمّا عطف على قوله : « بطل العقد » ، أو على قوله : « اشترى الحر » وقوله : « استباح » امّا لازم وفاعله « بضعها » أو متعدّ وفاعله « العبد » ، أو « الحر ». ومفعوله : « بضعها ». وكونه عطفا على « بطل » ومتعديا أقرب.

المسألة الخامسة

قوله : ولا الوكيل.

أي : المطلق. وأمّا المقيّد ، فيجب عليه اتباع القيد ، ولو كان القيد كون المهر بأقلّ من مهر المثل.

٧٨٢

قوله : فيتخيّر كل منهما.

أي : من الصغيرة في المسألة الاولى ، والطفل في الثانية.

قوله : بمن لا يقتضيه الإذن الشرعي.

قيل : كما إذا زوّج بغير الكفو.

وفيه : أنّ التزويج بغير الكفو حرام ، فإنّ غير الكفو هو الكافرة والكافر أو مع المخالف أيضا والتزويج به غير منعقد ، فلا معنى للتشبيه الدال على ثبوت الخيار. نعم قد يراد من غير الكفو : المعسر الغير القادر على الإنفاق ، ويقال بثبوته لو زوّجت به جهلا ، ولا يمكن أن يراد ذلك هنا ؛ إذ لو كان هذا ممّن لا يقتضيه الإذن الشرعي لكان من به أحد العيوب أيضا كذلك ، لثبوت الخيار فيه أيضا.

والتحقيق أنّه لا يظهر للمشبّه الذي يثبت الخيار فيه مصداق ؛ لأنّ المراد بمن لا يقتضيه :إمّا من لم يثبت إذنه ، وإن لم يثبت المنع أيضا ، أو من ثبت المنع شرعا منه.

وعلى التقديرين فالمراد إمّا من لا يقتضيه الإذن الشرعي في خصوص نكاح الولي ، أو في مطلق النكاح. فإن كان المراد أحد الثلاثة [ الاول ] ، فليس له مصداق ؛ إذ ليس هنا شخص لم يثبت من الشارع الإذن في نكاحه ، ولا المنع منه خصوصا من كان عدم الثبوت فيه مخصوصا بالأولياء ، وإن كان الأخير فمصداقه كثير كالكافر وسائر المحرّمات ، ولكن لا معنى للخيار معه ، بل يقع النكاح فاسدا من أصله. وفي كثير من النسخ المصحّحة سقطت لفظة « كما » وكأنّه الصحيح.

ويكون قوله : « لو زوّج » بيانا للشرط المقدّر لقول المصنّف : « فيتخيّر ». ويكون المراد بمن لا يقتضيه الإذن الشرعي : من ذكره المصنّف ممّن به أحد العيوب ، أو بأقلّ من مهر المثل ، ولا يكون خدشة في العبارة.

قوله : فمتى لم يكن ماضيا.

أي : متى لم يكن المسمّى ماضيا أي : لازما كان لها فسخ العقد أيضا ؛ لأنّه إذا لم يكن المسمّى ماضيا ففسخ المسمّى وضمّ معه غيره يكون المجموع غير ما وقع به التراضي ، فيكون كالفضولي ، فيكون له فسخه ، فلا تكون في الكلام مصادرة على المطلوب من جهة

٧٨٣

جعله خيار فسخ العقد مرتّبا على عدم مضي المسمّى مع أنّه عين المطلوب ؛ إذ الخلاف فيما إذا كانت مخيّرة في المهر.

ووجه عدم المصادرة : أن خيار الفسخ ليس مرتّبا على عدم مضي المهر وحده ، بل عليه وعلى ما تقدّمه من أنّ التراضي إنّما وقع على العقد المشتمل على المسمّى ، نعم لو أرجع المستتر في قوله : « لم يكن » إلى العقد ـ كما قد يتوهّم ـ كان عين المصادرة على المطلوب.

قوله : لعدم مدخليّة المهر إلى آخره.

وإذا لم تكن له مدخلية فيها ، فيعلم عدم ارتباط بينهما ، فلا يلزم من التخيير في أحدهما التخيير في الآخر ، وبهذا التقرير يندفع ما قد يتوهّم من أنّ عدم المدخلية في الصحّة والفساد لا يقتضي عدم المدخلية في اللزوم وعدمه.

قوله : وقيل : ليس لها خيار مطلقا.

أي : لا في المهر ، ولا في العقد.

قوله : وعلى القول بتخيّرها يثبت لها مهر المثل.

أي : لو اختارت فسخ المهر لا بمجرّد التخيير وإن لم تفسخ المسمّى بعد.

قوله : من التزامه بحكم العقد.

لأنّ كلّ من رضي بعقد يرضى بكلّ ما يترتّب عليه من الأحكام ويلتزمه. ومن أحكام عقد الولي عليها بأقلّ من مهر المثل ثبوت الخيار لها وثبوت مهر المثل مع فسخها ، فهو قد التزم بذلك الحكم.

ولا يخفى أنّ هذا إنّما يتمّ إذا كان الزوج عالما بثبوت الخيار لها حينئذ. وأمّا مع جهله فلا التزام ، إلّا أن يقال : إنّه لا يلزم العلم تفصيلا ؛ ولذا لا يختار الزوج لو جهل بوجوب الإنفاق عليه.

قوله : أو غير ذلك.

أي : غير المثالين ، كما أن ظنّ أو علم حصول منافع اخر لها من هذا الزوج ، أو يتوقّف وصول مال مفقود له على هذا الزوج ، أو كان على الزوج شي‌ء منه أنكره ، ولا يتوصل إليه إلّا بذلك.

٧٨٤

قوله : ولو اشتمل على الأمرين.

أي : على ما دون مهر المثل وعلى التزويج بغير الكفو أو المعيب ، فلها التخيير في كلّ منهما ، فله فسخ المسمّى ، دون اصل العقد ، وله فسخ العقد ؛ لعدم الكفاءة ، أو المراد بالأمرين : الخيار من جانب الطفل ومن جانب الزوجة.

المسألة السادسة

قوله : ووليه الذي له مباشرة العقد.

التقييد لخروج الأولياء الذين ليس لهم ذلك كالوصي على الصغيرين ، والحاكم بالنسبة إليهما ، والأب والجد للمجنون المنفصل جنونه عن البلوغ ونحو ذلك.

قوله : وإن لم نقل به في غيره.

أي : بهذا الحكم أو بالصّحة موقوفا في غير النكاح.

قوله : لئلّا يلزم من صحّته إلى آخره.

فإنّه لو صحّ من غير معقود عنه ، أو وليه لكان موقوفا على الإجازة إجماعا ، فيكون السبب العقد والإجازة ، فلا يكون سببا بنفسه ، مع أنّه بنفسه سبب. هذا خلف. وهذا الخلف إنّما لزم من صحّته عن [ غير ] المعقود عنه ، فيكون ذلك باطلا.

قوله : والأوّل عين المتنازع.

إذ لا نسلّم كون العقد سببا بنفسه ، بل هو السبب مع رضا المعقود عنه ، أو إجازته.

قوله : والثاني ممنوع.

أي : كون الرضا شرطا للعقد ، بل إنّما هو شرط للزوم ، وهو متقدّم عليه ، أو [ وجوب ] كون الشرط متقدّما ممنوع ، لم لا يضر أن يكون بعض الشروط متأخّرا.

المسألة السابعة

قوله : لا يجوز نكاح الأمة.

النكاح هنا بمعنى : الوطء. ويكون المراد بعدم الجواز هو معناه. وتكون لفظة « في » في

٧٨٥

قوله : « في الدائم والمنقطع » للسببية ، أي : لا يجوز وطؤها بسبب النكاح الدائم ، أو المنقطع ، ويراد بالنكاح المقدّر : هو العقد. وإن كان بمعنى العقد يكون المراد بعدم الجواز : عدم الإمضاء واللزوم كما في قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ».

اذ نفس العقد بدون إذن المالك ليس حراما قطعا ؛ لجواز الفضولي ، ولفظة « في » حينئذ إمّا تكون زائدة للتأكيد كما جوّزه الفارسي ويكون « الدائم والمنقطع » بدلا عن النكاح ، أو تكون بمعنى : « من » أي : لا يجوز العقد مطلقا من دائمه ومنقطعه ، كما يقال : لا تهن الناس من المؤمن والكافر. ويكون التعليل بقوله : « لقبح التصرف في ملك الغير حينئذ » باعتبار لازم اللزوم ، وإلّا فاصل اللزوم ، لا يقع ( كذا ) لذلك التعليل يعني : لا يلزم ؛ إذ لزومه يستلزم جواز الوطء بدون الإذن أيضا ، وهو تصرّف في ملك الغير بغير إذنه.

قوله : فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ.

وجه دلالته : إمّا من جهة مفهوم الوصف حيث إنّ المعنى ؛ فانكحوهنّ نكاحا منضمّا بإذن أهلهنّ فيدلّ بمفهوم الوصف على عدم جواز النكاح بدونه ، أو لأجل انضمام الأصل حيث إن الأصل عدم ترتّب الأثر على النكاح الّا ما أخرجه الدليل ، والآية لم تخرج إلّا النكاح بإذن الأهل ، والأوّل أولى.

قوله : عن علي بن المغيرة.

لا يخفى أنّ هذه الرواية رواها سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام تارة بلا واسطة واخرى بواسطة داود بن فرقد ، وثالثة بواسطة عليّ بن المغيرة ، ومتون الأسناد الثلاثة مختلفة ، وكلّها على الجواز دالّة ، فتخصيص الشارح الرواية التي ذكرها المصنّف بإحداها مع كونها أضعف دلالة من الاخريين ؛ لاحتمال رجوع ضمير « إذنها » إلى الأمة كأنّه لتعبير المصنّف بالرواية المشعرة بضعف الحديث حيث إنّ السندين الآخرين صحيحان ، فلما عبّر بالرواية دون الصحيحة حملها الشارح على ذلك السند.

قوله : وإن كانت صحيحة.

أي : وإن فرض كونها صحيحة ، والّا فالسند المذكور غير صحيح.

قوله : جريا على قاعدته.

وهي العمل بخبر الواحد الصحيح مطلقا.

٧٨٦

قوله : صحّ.

أي : صحّ النكاح ؛ لأنّ هذا النكاح يتضمّن امورا ثلاثة : أصل النكاح ومهر المثل أو ما عيّن والزائد والإذن حاصل في أصله ، ومهر المثل ، أو ما عيّن مقتضاه أيضا ، والزائد وإن لم يكن مقتضى له إلّا أنّه في ذمّة العبد ؛ فلا يحتاج إلى إذن ، وليس شي‌ء آخر يوجب الشك في صحّة النكاح.

أو المعنى : صحّ ما زاد ؛ لأنّه متفرّع على النكاح ومهر المثل أو ما عيّن ، والنكاح صحيح ؛ لأنّه مأذون فيه ، وكذا مهر المثل أو ما عيّن ؛ لأنّه أيضا من مقتضى النكاح ، والزائد في ذمّة العبد ، فلا وجه لعدم الصحّة.

ومن ذلك ظهر فائدة قوله في التعليل : « وهو يقتضي مهر المثل على المولى أو ما عيّنه »

قوله : وقيل ؛ يجب ذلك في كسبه.

أي : كسب العبد. ولفظة « في » إمّا للظرفية كما يقال : تجب الزكاة في مال زيد أي : ما يجب إخراجه للزكاة داخل في ماله وهو ظرفه ، فما يجب من المهر ، والنفقة ظرفه كسب العبد ، فيكون الكسب ظرفا للمشار إليه ، لا للوجوب ، أو لفظة « في » بمعنى : « من » أي : يجب كون ذلك بعضا ممّا يكتسبه ، أو ناشئا منه ، أو يجب أداؤه منه ، فكأنّه يجب عليه على التقادير ، ويجب عليه [ أي على ] إمّا المولى أو العبد ، فالمعنى على الأوّل : يجب على المولى ذلك حال كونه من كسب العبد بأن يخلي العبد وكسبه حتّى يؤدّي منه. وعلى الثاني : يجب على العبد في كسبه بأن يكسب ويؤدي.

قوله : فإن أطلقها.

أي : أطلق المولى الزوجة تخيّر العبد ما يليق به ، لأنّه ما ينصرف إليه الإطلاق.

المسألة الثامنة

قوله : على تقدير إجازته.

متعلّق بقوله : « قسطه » أي : قسطه على هذا التقدير.

٧٨٧

قوله : بمعنى أن الباعث على الإجازة ليس هو الإرث.

يمكن أن يكون المراد بالإجازة : هو التلفّظ بلفظ « أجزت » وأن يكون المراد : الإجازة الحقيقية. أي : مدلول لفظ « أجزت » فعلى الأول يكون المعنى : أن يحلف على أنّه ليس الباعث على التلفظ بهذا اللفظ محض الإرث من غير أن يقصد مدلوله ، ويريد معناه الحقيقي ، بل أراد مدلوله وقصده وأنشأ حصول الإذن في النكاح سواء كان المقصود بالذات من هذه الإجازة : النكاح ، وكان الارث تبعيّا قسريا ، أو كان المقصود بالذات منها حصول الإرث ، وعلى الثاني يكون المعنى أن يحلف على أنّ الباعث على إيجاد الإجازة الحقيقية ليس هو الإرث ، بل المقصود بالذات ، والباعث عليها هو الرضا بالتزويج وإن لزمه الإرث قسرا.

وعلى هذا يجب أن لا يكون مقصوده الأصلي هو الإرث ، سواء كان مقصودا تبعا أو لم يكن مقصودا أصلا ، والمناسب لقوله : « بل لو كان حيّا لرضي بتزويجه » هذا المعنى الثاني.

قوله : وزوّج الآخر الفضولي.

أي : الصغير الآخر ، لا الطرف الآخر بقرينة قوله : « بعد بلوغه ».

قوله : واحلف بعد بلوغه كذلك.

أي : على عدم سببيّة الإرث في الإجازة.

قوله : للزوم العقد هنا من الطرف الآخر.

أي : لزومه في نفسه وابتداء. وهذا أقرب إلى الثبوت مما لم يكن لازما أوّلا ولزم بالاجازة ، فلا يرد : أنّ في الأوّل أيضا كان الطرف الآخر لازما بسبب الإجازة.

قوله : من حيث توقّف الإرث على اليمين.

هذا بيان لكون الحكم على خلاف الأصل. يعني : أنّ ذلك من حيث توقّف الإرث على اليمين ، وهو أمر على خلاف الأصل ؛ لأنّ تعلّق اليمين أمر شرعي توقيفي والأصل عدم تعلّقها. ومن حيث ظهور التهمة في الإجازة ؛ فإنّها في محلّ التهمة ، فالأصل عدم قبولها ؛ لأصالة عدم تحقّق الإجازة ، فيكون التوريث مخالفا للأصل على [ كل ] حال.

أمّا مع اليمين ، فلأصالة عدم تعلّقها. وأمّا بدونها ؛ فلأصالة عدم تحقق الإجازة. وقوله

٧٨٨

« فيحكم » تفريع على كون الحكم على خلاف الأصل أي : وإذ عرفت كون الحكم بالتوريث في أيّ حال مستلزما لخلاف الأصل ، فيحكم في غير المنصوص ببطلان العقد المستلزم لعدم التوريث.

قوله : ولا بعد في تبعض الحكم وإن تنافى الأصلان.

المراد بالحكم : الزوجية. والمراد ببعضه : بعض مقتضاه دون بعض ، كثبوت المهر ، دون الإرث. والمراد بالأصلين : أصلا هذين البعضين أي : مبناهما. فإنّ مبنى الأوّل على ثبوت الزوجية ، ومبنى الثاني على عدم ثبوتها ، وهما متنافيان.

قوله : وينبغي هنا.

أي : فيما إذا كان المتأخّر هو الزوج والمهر بقدر الميراث.

وقيل : « أي : فيما انتفت التهمة » وهو ليس بجيّد ؛ إذ لا يكون حينئذ وجه للاحتراز بقوله : « إن لم يتعلّق غرض » إلى آخره ؛ إذ انتفاء التهمة لا يكون إلّا مع [ انتفاء ] هذا التعلّق.

قوله : أو يخاف امتناعه.

عطف على النفي أي : أو لم يخف امتناعه من أدائه أو هربه ، فحيث إنّه قد يكون المهر أزيد من الميراث ، ولا يتعلّق غرض بأعيان التركة ، ومع ذلك لا تنتفي التهمة ؛ لاحتمال أن يكون غرضه من الإجازة أن يأخذ الإرث ولا يؤدّي المهر ، أو يهرب ، فيكون في إجازته متّهما أيضا في أنّ غرضه أن يرث ، فيحلف على أنّه ليس غرضه مجرّد الإرث ومن ذلك التقرير يظهر فساد ما ذكره بعض المحشّين من : « أنّ اليمين المذكور لا ينفع في دفع هذا الخوف ، نعم ينفع في دفع قصده ذلك الامتناع في حال الإجازة ؛ لأنّه جلب نفع » انتهى. وذلك ؛ لأنّ الغرض من اليمين ليس دفع ذلك الخوف ، بل الغرض إثبات أن الإجازة ليست للإرث ، وكان يتوقّف العلم بذلك على انتفاء التهمة أو اليمين ، فكلّ موضع انتفت التهمة لا يمين.

وقد مثّل له بما إذا كان المهر بقدر الإرث ، ولكن شرط في كونه من هذا الموضع أن لا يخاف امتناعه ، فإن خيف ذلك تكون التهمة باقية ، فيجب الحلف على عدم سببيّة الإرث للإجازة ، فيحلف عليه ، ولو كان غرضه الامتناع حال الإجازة ، فإنّه قد تخيّر لامر

٧٨٩

آخر ، كما إذا كانت الزوجة علوية ، فأراد صهرية الرسول والبتول ، فيتخيّر لنفس الزوجيّة ، ولكن يقصد أن لا يؤدّي المهر أو يهرب منه.

قوله : ومع ذلك.

أي : ما ذكرنا من أنّ التهمة الموجبة لليمين لا يتأتى في جميع الموارد كما إذا كان المتأخّر هو الزوج ، فالموجود في الرواية الدالة على اليمين أيضا هو موت الزوج وتحليف الزوجة. وعلى هذا فهي أي : الرواية غير منافية لما ذكرنا من عدم توجّه اليمين إلى الزوج.

الفصل الثالث

قوله : ويترتّب على ذلك.

أي : على ما ذكر المصنّف من الحكمين من تحريم أولاد صاحب اللبن نسبا ورضاعا ، وأولاد المرضعة نسبا على أبي المرتضع.

مسائل عشرون

المسألة الاولى

قوله : واستحالة الترجيح.

هذا ليس تتمّة للدليل الأوّل ؛ لأنّه كاف في اثبات المطلوب ؛ لأن بعد النهي عن العقد الجامع وفساد المعاملة بالنهي ، يكون العقد الجامع فاسدا ، ولا يحتاج ذلك الى تتمّة ، بل هو دليل آخر ، تقريره : أنّه لا يمكن الحكم بصحّة العقدين اجماعا بل ضرورة ، ولا بأحدهما معيّنا ؛ لاستحالة الترجيح ، فتعيّن البطلان.

ولم يذكر استحالة الحكم بصحّتهما ؛ لبداهته وظهوره.

الفصل السادس في المهر

قوله : على كتاب الله وسنّة نبيّه الى آخره.

لا يخفى أنّ الرجوع الى مهر السنّة ـ أي : خمسمائة درهم ـ انّما هو لو كان المراد بقول الناكح : « على كتاب الله وسنّة نبيّه » كون المهر كذلك ؛ وامّا لو كان المراد بهما : كون التزويج كذلك حيث انّ كلّ نكاح مندوب إليه ، بل جائز على كتاب الله وسنّة نبيّه ،

٧٩٠

فلا يرجع الى خمسمائة درهم ، بل الظاهر أنّ الرجوع حينئذ الى مهر المثل اذ لم يسم مهر حينئذ في العقد أصلا.

قوله : فيعتبر تقديره الى آخره.

الظاهر أنّه تفريع على قول المصنّف : « ويجوز جعل تعليم القرآن مهرا » ، فانّه قد ظهر من فحوى كلام المصنّف سابقا حيث قال : « ويكفي فيه المشاهدة عن اعتباره » أنّ ما يجوز جعله مهرا يلزم فيه إما المشاهدة أو الاعتبار. والمشاهدة غير ممكنة هنا ، وكذا الاعتبار المتعارف من الكيل والوزن والعدّ ، فكانّه قيل : اذا جاز جعله مهرا فبم يكون اعتبار تقديره ؛ فقال الشارح : « فيعتبر » الى آخره.

قوله : والمرجع الى آخره.

أي : المرجع في القدر الذي يصدق عليها بسبب هذا القدر من القرآن أنّها مستقلّة في التلاوة استقلالا معتبرا في الأحكام أي : يصدق مع تعليمه تعليم شي‌ء من القرآن الى العرف أي : العرف يعيّن هذا القدر من القرآن. وليس كلّ قدر بحيث يصدق عليها بسبب استقلالها بتلاوته أنها مستقلّة في تلاوة القرآن.

وفائدة ذلك انّما تظهر فيما يذكره عقيب ذلك ؛ فانه اذا علّمها شيئا من القرآن ، ثمّ نسيته قبل تعليم ما بعده يبرأ ذمّته من تعليم ما نسيت ؛ لصدق التعليم عليها ، فحينئذ لا بدّ في براءة الذمّة عمّا نسيت صدق التعليم العرفي للقرآن عليه.

مسائل عشر

المسألة الاولى

قوله : فان تعقّبه.

هذا تفريع على قوله « الصداق يملك بأجمعه » ؛ فانّه لو لم تملك الزوجة الصداق بأجمعه بالعقد لكان الزوج شريكا لها قبل الدخول ، وليس يملكه حين الطلاق قبل الدخول ، بل كان سابقا عليه ، فتملكه النصف متفرّع على تملّكه للجميع بالعقد.

قوله : وان وجده تالفا.

٧٩١

أخذ نصف المثل أو القيمة ان وجده تالفا انّما هو اذا كان الزوج قد دفع المهر إليها قبل الطلاق ، والّا فلا وجه له ، بل ينعكس الأمر أي : تأخذ الزوجة نصف المثل أو القيمة عن الزوج ، وكأنه أهمل التفصيل اتّكالا على الظهور.

المسألة الرابعة

قوله : أو يشترط عليها.

الظاهر كما قيل أنّ هذا الشرط ليس من مقتضى النكاح ، ولا فرق بينه وبين ما جعله خارجا عنه ، إلّا أن يقال في توجيهه : إن المراد بمقتضى عقد النكاح أعمّ من أن يكون عقد النكاح موجبا له كالشرطين الأوّلين ، أو لم يكن موجبا له ، بل كان حكما لازما من أحكام النكاح مختصّا به ، فانّ من أحكام النكاح جواز الزيادة الى الأربع ، وهذا الحكم لازم له غير منفك عنه ، بخلاف تأجيل المهر أو تعجيله ؛ فانّ شيئا منهما ليس لازما للنكاح ولا حكما من أحكامه ، ولا مختصا به ، لوجود التأجيل والتعجيل في غيره أيضا.

وحاصل الفرق : أنّ الأوّل ممّا جعله الشارع من أحكامه ومن لوازمه ، دون الثاني ، فانّ الناكح إنّما أتى به فيه.

المسألة الخامسة

قوله : كان لها نصف اجرة.

فانّه ليس المسمّى حينئذ باطلا حتى يرجع بمهر المثل ، بل بمنزلة التالف في يد الزوج ، فيرجع عليه بقيمته.

قوله : لعدم امكان تعليمها الى آخره.

اذ التنصيف وغيره من النسب من شأن المحسوسات الجسمية ، فلا يتّصف به الصنائع ، نعم يتصف الصنائع بالشدة والضعف والاحسنية وضدها ، وهذه من الكيفيات ، فلا ينتقص بها الصنعة ، ولا يزيد حتّى يصدق عليها بسببها النصف وغيره ، نعم لا يبعد أن يقال : اذا أصدق تعليم صنعتين كان اجرتهما متساويتين يجب عليه تعليم واحد منهما بعد الطلاق قبل الدخول.

المسألة السادسة

٧٩٢

قوله : ورجع بنصف المسمّى.

ليس المراد برجوعه بنصف المسمّى : رجوعه بنصف عين المسمّى ؛ لأنّها صارت ملكا له بسبب المعاوضة ، بل المراد هنا : رجوعه بمثله أو قيمته.

قوله : لأنّه الواجب بالطلاق.

أى : لأنّ نصف المسمّى هو الواجب بالطلاق ، لا نصف العوض ؛ اذ قال سبحانه : « فنصف ما فرضتم » والمفروض هو المسمّى.

المسألة الثامنة

قوله : فيجبرهما الحاكم الى آخره.

هذا تفريع على ما ذكر من أنّ النكاح في معنى المعاوضة ولكلّ من المتعاوضين الامتناع من التسليم [ فللزوجة الامتناع عن التمكين ] حتّى تقبض المهر وللزوج امساك المهر حتّى يدخل ، فكيف التوفيق اذا تنازعا.

ففرّع عليه انّه اذا كان لهما الامتناع ، فيكون طريق الجمع التقابض معا بأن يجبرهما الحاكم : أمّا الزوج فبوضع الصداق على يد عدل. وأمّا الزوجة فبالتمكين بأن يأمرها به واذا مكنت سلم العدل الصداق إليها.

وليس هذا فى الحقيقة في معنى اقباض المهر أوّلا ؛ لأنّ الوضع عند العدل لكونه عدلا في حكم الوضع عند الزوج على تقدير امتناع الزوجة بعد الوضع ، وفي حكم الوضع عند الزوجة على تقدير تسليمها البضع.

وفي قوله : « ان لم يدفع إليها » اشارة الى ان اجبار الحاكم انّما يكون على تقدير امتناع كلّ من الطرفين من التسليم ، وان دفع إليها المهر فلا احتياج الى اجبار الحاكم ؛ لأنّه رضي بالتسليم ابتداء. ثمّ انّ طريق الجمع لا ينحصر في اجبار الحاكم ، بل يحصل بتراضيهما بالوضع في يد عدل أو يد من يتّفقان عليه أيضا.

وقيل وجه آخر في طريق الجمع : وهو أنّه يجبر الزوج على تسليم الصداق أوّلا ، فإذا سلّم سلّمت نفسها والفرق أن فائت المال يستدرك دون البضع.

وفيه : أنّ الزوجة اذا سلّمت البضع ، فهي تستحقّ المال ، فهي بمنزلة فائت المال أيضا.

٧٩٣

قوله : عينا كان المهر الى آخره.

العين يطلق تارة ويراد به : ما يقابل الدين ، وحينئذ فالمراد به التعيين أي : ما لا يصدق الّا على شي‌ء واحد شخصي. وتارة اخرى ، ويراد به : ما يقابل المنفعة سواء كان متعيّنا أو لا ، بل كان في الذمّة. وحينئذ فالمراد به : هو الأجسام سواء كانت دينا أو لا. والمراد بقوله : « عينا » هنا : هو المعنى الثاني.

٧٩٤

كتاب الميراث

قوله : استحقاق انسان الى آخره.

لو قلنا بصدق الانسان على الميّت أيضا لم يرد نقض. وأمّا ان خصصناه بالحي كما هو الظاهر ، لانتقض التعريف بما يستحقّه المفقود الذي لا يعلم حياته ولا موته ، وما يستحقّه الغريق والمهدوم عليه ، وقد يرد النقض بالحمل أيضا. ويمكن دفعه : بأنّ الحمل لا يستحق شيئا الّا بعد انفصاله حيّا ، وأمّا قبله فالمال متربّص به ، ولو عمّ الانسان بأن يقال حقيقة أو حكما لا ندفع الجميع.

وكذا يلزم تعميم الموت بالحقيقي والحكمي ، والّا لانتقض بالمرتد الفطري ، وان لم يقتل. والمراد بالسبب : هو السبب العرفي في هذا المقام ، دون مطلق السبب. والمراد بالشي‌ء : أعمّ من الحقوق المالية وغيرها ، فيدخل فيه الشفعة والقصاص ونحوهما. ويخرج بقيد النسب والسبب ، الوصيّة لذوي الأنساب والأسباب. وبالقيد الأخير : الوقف المرتّب على طائفة ، ثمّ على أولادهم ، وهكذا ؛ فانّه يصدق في المرتبة الثانية أنّه استحقاق انسان شيئا بموت آخر بنسب أو سبب ، الّا أنه ليس الاستحقاق بأصل الشرع ، بل بسبب عروض الوقف كذلك حتّى أنه لو وقف مرتّبا على طائفة ، ثم على جيرانهم ـ مثلا ـ لانتقل إليهم ، فالاستحقاق هنا ليس بسبب النسب والسبب ، ولذا اكتفى جمع بأحد هذين القيدين.

قوله : فهو بمعناه.

فيه : انّ التفرقة بين الفريضة والارث انّما هو من وجهين : أحدهما : باعتبار التقدير وعدمه. وثانيهما : باعتبار الاشتمال للحقوق المالية وغيرها والاختصاص بالمالية ، فانّ

٧٩٥

الارث عام ، والفريضة مختصّة بالمالية ، فبعد إرادة المفروض بالاجمال ، وان ساوى الارث والفريضة من هذه الجهة ، ولكن يبقى الفرق بينهما من الجهة الثانية.

قوله : وهو ثلاث مراتب.

اعلم أنّ الفقهاء جعلوا الانساب مراتب باعتبار الاجتماع والافتراق في الارث ، والتباين والتناسب في جهة النسبة.

وبيان ذلك : أنّه لمّا تتبعوا تفاصيل الأدلّة رأوا أنّ جميع الأنسباء لا يجتمعون في الارث ، بل يمنع بعضهم بعضا ، ثم رأوا أنّ بعض من يمنع بعضا يجامع آخر أيضا كالأولاد الذين يمنعون أولاد الأولاد والاخوة ـ مثلا ـ ويجامعون الأبوين.

ورأوا أن البعض الذي يمنعه هذا البعض على قسمين :

قسم لا يمنعه البعض الذي يجامع الأوّل كاولاد الأولاد ؛ فانّه يمنعهم الأولاد ، ولا يمنعهم الأبوان اللذان يجتمعان مع الأولاد ، ويمنع سائر من يمنعه الأولاد.

وقسم يمنعه أيضا كالاخوة والأجداد حيث يمنعهم الأولاد والأبوان معا.

وأيضا رأوا أن الأنسباء امّا متّحدون في جهة النسبة أو متباينون. والأول امّا لا يجامع بعضه من يمنعه البعض الآخر كأولاد حيث انهم متّحدون في جهة النسبة ، ولا يجامع أولاد الأولاد من يمنعه الأولاد من المرتبة الثانية والثالثة ، أو يجامع كالأجداد والآباء حيث يجامع الأجداد مع الاخوة اللذين يمنعهم الآباء ، فجعلوا كل نسبتين متباينين في جهة النسبة يجامعان في الارث ، مع من يجامع أحدهما مع من يمنعه الآخر. وان لم يجتمعا فى الارث فى طبقة واحدة ، فجعلوا الآباء والأولاد المتباينين في جهة النسبة منضما مع أولاد الأولاد الذين يجامعون الأبوين ، ويمنعون سائر من يمنعه الآباء والأولاد في طبقة واحدة. وكذا جعلوا أولاد الأولاد المتّحدين في جهة النسبة ، ولا يجتمع أحدهما مع يمنعه الآخر في طبقة واحدة.

وبتقرير آخر : الأنسباء امّا متناسبون في جهة النسبة كالآباء والأجداد ، وكذا الأولاد وأولاد الأولاد ، وكذا الأعمام والأخوال ، أو متباينون كالآباء والأولاد ، والاخوة والأجداد.

والأوّلون امّا يجامع بعضهم بعض من لا يجامع الآخر كالآباء يجتمعون مع الأولاد

٧٩٦

الذين لا يجتمعون مع [ اولاد ] الأولاد ، أولا كأولاد الأولاد حيث لا يجامعون من لا يجامع الأولاد.

والآخرون اما يجتمعون في الارث كالآباء والأولاد ، أو لا كالآباء والاخوة والأجداد والأولاد ، فجعلوا كل نسبتين متناسبتين لا يجتمع أحدهما مع من يمنعه الآخر ، كالأولاد وأولاد الأولاد ، والاخوة وأولاد الاخوة ، والأعمام والأخوال وأولادهم ، أو متباينين مجتمعين فى الارث في طبقة واحدة ، ولأجل ذلك حصل للنسب طبقات ثلاث. ومن هذا ظهرت الضابطة في ضبط الطبقات والوجه في جمع المتناسبين في الطبقة على الطريق المعروف.

ودفع ما يقال : من أنّهم ان جعلوا الضابطة الاتحاد في جهة النسبة فيلزم تعدّد طبقة الآباء ، والأولاد ، والاخوة والأجداد ؛ وان جعلوا الاجتماع في الارث فيلزم تعدّد طبقة الأولاد مع أولاد الأولاد.

ثمّ اعلم أنه لمّا كان في كلّ مرتبة وطبقة أنسباء متفرّقون باعتبار النسبة جعلوا كلّ طائفة متّحدة فيها صنفا واحدا ، وباعتبار ذلك حصل للنسب خمسة اصناف يشمل المرتبة الاولى على صنفين اصل محصور وهو الابوان وفرع غير محصور وهو الأولاد ، وكذلك الثانية ، وصنفاها غير محصورين عروجا ونزولا وهما الاخوة والأجداد ، ولا تشمل الثالثة الّا على واحد غير محصور.

ثمّ لمّا كان أنسباء كلّ صنف متفاوتة باعتبار القرب والبعد الى الميّت جعلوا كلّ طائفة متساوية قربا وبعدا درجة واحدة ، فحصل للنسب درجات ، وهي غير محصورة ، الّا أنّ للصنف الأوّل من الاولى درجة واحدة وقد يجعل الطبقات أكثر بجعل الأعمام والأخوال وأولادهم طبقة ثالثة وأعمام كلّ من الأبوين وأخواله وأولادهم رابعة ، وأعمام كلّ من الجدين وأخواله وأولاده خامسة ، وهكذا فيتصاعد الطبقات الى غير النهاية.

قوله : لعدم اطلاق اسم.

أي : حقيقة. وأمّا مجازا فيطلق الإخوة على أولادهم. وهذا التعليل إنّما يصحّ بناء على ما اختاره من صدق اسم الاولاد حقيقة على أولادهم ، والّا فلا يكون فرق بين أولاد الأولاد ، وأولاد الاخوة.

٧٩٧

قوله : ولو قيل : وان نزلوا.

يمكن أن يقال : إنّه اذا قيل : وان نزلوا ؛ يكون ذلك قرينة على إرادة التجوّز ، فيدخلون ، الّا أن يقال : انّ دخولهم بهذا النحو انّما يصحّ على القول بجواز استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي معا وأمّا على القول بعدم الجواز ـ كما هو الحق ـ فلا يصح.

قوله : من الجانبين.

متعلّق بالسبب ، دون الزوجية أي : والزوجية من الأسباب من الجانبين ، فيرث الزوج من الزوجة وبالعكس ؛ اذ لا معنى للزوجيّة من الجانبين.

قوله : على الخلاف.

أي : الخلاف في أنّه هل يشترط في سببية الزوجية الغير الدائمة شرط الارث أم لا ، لا الخلاف في اشتراط دوام العقد أو شرط الارث كما هو ظاهر العبارة.

قوله : تضاعيف الكتاب.

أي : تضاعيف كتاب الميراث ، وغير كتاب الميراث من الكتب الآتية.

قوله : ومن ثمّ أدخلهما.

أي : أدخل الأبوين اذا كانا معهنّ في قسم الحجب حيث قال : « وكذا يحجب الولد الأبوين » فإنّه شامل لهما أيضا ، والاستثناء الواقع بعده لا يخرجهما.

قوله : وكذا اللعان.

أي : انتفاء اللعان في الاخوة بأن يكون الأب نفاهم عن نفسه ، ولا عن مع أمّهم.

قوله : لو كانوا غرقى.

يعني : لو مات أخوان غرقا ومعهما أبوان وأخ آخر. وقوله : « من حيث » الى آخره بيان علّة الحجب يعني : ان فرض تقدّم موت كلّ واحد منهما يوجب حياة الآخر ، فيتحقّق حياة الأخوين الحاجبين : أحدهما الأخ الحي والآخر المفروض حياته فيحجبان.

وقوله : « ومن عدم القطع » بيان علّة عدم الحجب يعني : أنه لا قطع بوجود أحد الغريقين بعد الآخر ؛ لجواز موتهما معا في آن واحد. وقوله : « والارث حكم شرعي » دفع لما يمكن أن يقال من : أنّ هذا ينافي ما ثبت من إرث أحد الغريقين عن الآخر ؛ فانّه

٧٩٨

يستدعي حياة أحدهما بعد الآخر لا محالة فلا يكون موتهما معا. ودفعه : أنّ إرث أحدهما عن الآخر إنّما هو حكم شرعي تعبّدي ولا يدل على حياة أحدهما ، واطّراد الحكم بالحياة.

الفصل الثاني

قوله : سواء كان منه.

أي : من هذا الزوج.

قوله : ذكر في الموضعين.

أي : في الاخت للأبوين والاخت للأب ، وانما لم يقل : في المواضع ، مع أنّ البنت أيضا كذلك ؛ لأن قيد الواحدة فيها يغني عنه ؛ فانّ الواحدة بمعنى المنفردة.

ويحتمل أن يكون مراده من الموضعين : البنت والاخت مطلقا حيث انّه جعل البنت والاخت عند ذكر الآيات موضعين ، فيكون « اللام » في « الموضعين » للعهد ، وهذا أنسب لما سيأتي في البنتين والاختين حيث خصّ بالموضعين أيضا ، مع أنّ البنتين خال عن قيد الوحدة.

القول في ميراث الاجداد

المسألة السادسة

قوله : يدخل النقص عليه.

أي : على ذلك المعارض ؛ لأنّ فرض الأبوين مع الولد غير فرضهما مع عدم الولد.

والحاصل : أنّ النقص كما يدخل على البنت كذلك يدخل على الأبوين ، ففي صورة الزيادة لو ورد على البنت ، دون الأبوين لزم الترجيح بلا مرجّح ، بخلاف كلالة الام ، فان النقص لا يدخل عليها أصلا.

المسألة السابعة

قوله : من المساواة والتفضيل.

المساواة في صورة اجتماع الجد مع الأخ ، أو الجدّة مع الاخت للأب. والتفضيل في

٧٩٩

صورة اجتماع الجد مع الاخت ، أو الجدّة مع الأخ ، أو اجتماع الأخ أو الاخت للأب مع الجد والجدّة أو كليهما للام والاستحقاق بالقرابة عند اجتماع كلالة الأب مع الجد أو الجدّة للأب ؛ فانّ الكلالة حينئذ ترث بالقرابة دون الفرض ، وان كانت اختا أو اختين.

والظاهر أن قوله : « ما فصل » مراده : التفصيل في كتب القوم ، أو فيما سبق وما يأتي ، لا أنّه فصل سابقا ؛ اذ لم يذكر سابقا الّا بعض صور المساواة ، وان فهم بعض صور التفضيل أيضا ضمنا حيث صرّح بأنّ لجدودة الام الثلث مع جدودة الأب. وقال أوّلا : إنّ المال بين الجد للأب والأخ له نصفان ، فيكون الأخ في حكم الجد للأب ، فاذا اجتمع هو أيضا مع جدودة الام يكون له الثلثان.

والاستثناء في قوله : « الّا أن يكون » الى آخره استثناء عمّا يجتمع كلالة الأب مع مطلق الجد. والمراد من المستثنى : صورة لم يكن جد أو جدّة لأب ، بل اجتمعت الكلالة مع الجد أو الجدّة للام ؛ لأنّ في الصورة الاولى لا يرث الكلالة بالفرض ، بل بالقرابة وان كانت اختا واحدة أو اختين.

المسألة العاشرة

قوله : وعددهم ستّة.

وذلك لأنّهم يقتسمون للذكر ضعف الانثى ، فالجد اثنان ، والأخ اثنان ، وكلّ من الجدة والاخت واحدة ، هذه ستّة.

المسألة الحادية عشرة

قوله : في الاولى أربعة.

أي : للميّت أب وأمّ : ولكلّ منهما أب وأمّ. والحاصل من ضرب الأربعة في الاثنين ثمانية ، ولكلّ من هذه الثمانية أب وأم ، وحاصل ضرب الثمانية فى الاثنين ستّة عشر ، وهكذا. والنصف من كلّ درجة ذكور والنصف اناث ، والوجه ظاهر.

ولكن قد جرت عادة الفقهاء بالبحث من الأجداد الثمانية الواقعة في الدرجة الثانية اذا اجتمعوا ، لا غير ؛ لبعد وقوعها ، ولظهور الحكم بعد الاحاطة بهذه الثمانية في الجميع.

قوله : هذا هو المشهور.

٨٠٠