الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

يزوجها ايّاه عند عقدة النكاح وان كان الزوج لم يرهنّ كلّهن ، ولم يسم له واحدة منهنّ عند عقدة النكاح ، فالنكاح باطل ». (١)

قوله : بينه وبين الله تعالى.

يعني : أنّ الأب إذا قدّم قوله ، وحلف ، لم تصر التي حلف عليها زوجة له في الواقع لو لم يكن ينوها ، بل يجب عليه تسليم من نواها. وإنّما ذكر الشارح هذا الجزء من الرواية ، دون باقيها ؛ لأنّ الباقي هو مضمون ما ذكره المصنّف ، ولكن لم يذكر هذا الجزء ، فيحتمل أن يتوهّم أنّ مع الحلف يصير المحلوف عليها زوجة للزوج ، فذكر هذا الجزء ؛ لدفع ذلك التوهم.

قوله : بأنّه إذا لم يسم للزوج واحدة منهنّ إلى آخره.

قد عرفت أنّ المفروض علم الزوج بالتعيين عند الأب ، والّا فلا معنى لاختلافه في المعقود عليها. وعلى هذا فلا أثر لعدم التسمية في البطلان أصلا ، ولذا لا يحكم بالبطلان في صورة الاختلاف بأحد الوجهين الأوّلين. وأمّا على الوجه الأخير ، وإن حكم بالبطلان ؛ ولكن لا لأجل عدم التسمية للزوج ، بل اختلاف المقصودين ، وتغاير محلّ الإيجاب والقبول.

قوله : لما تقدّم.

إشارة إلى ما ذكره بقوله : « لامتناع استحقاق الاستمتاع بغير معيّن » ؛ فإنّه إذا لم يسم للزوج واحدة منهنّ ، فتكون الزوجة غير معيّنة عند الزوج ، فلا يكون محلّ القبول معيّنا ، ولا يكفي تعيين محلّ الإيجاب ؛ لوجوب اتّحاد مورد الإيجاب والقبول ، فإذا كان المحلّ للقبول غير معيّن وهو مبطل للعقد ، يكون العقد باطلا.

قوله : والرواية مطلقة.

الظاهر أن قوله : « اعمّ من عدمه » منتهى الإشكال. وقوله : « والرواية » ابتداء تحقيق له. وحاصله : أنّ الرواية الواردة في المقام مطلقة بالنسبة إلى الرضا وعدمه ، وهو موجب للحكم المذكور فيها مطلقا ، والرؤية غير شرط في الصحّة ، وهو موجب لعدم اعتبار

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٩٥ ، مع اختلاف يسير.

٧٦١

الرواية مطلقا وطرح الرواية ، وتخصيص الرواية بصورة الرضا ، وإن أوجب تنزيلها على محلّ صحيح ، ولكنّه لا دليل عليه ، فاللازم أحد الأوّلين إمّا متابعة إطلاق النص أو متابعة اصول المذهب. وإنّما جعلنا قوله : « الرواية » مبتدأ الكلام ، دون تتمّة الإشكال ؛ إذ لا مدخلية لقوله : « والرؤية غير شرط في الصحّة » في الإشكال أصلا ، بل لا يلائمه ، وإنّما هو يناسب ما بعده من تفريع قوله : « العمل » إلى آخره على ذلك.

قوله : قبول قول الأب مطلقا.

أي : سواء رآهنّ الزوج أم لا. وقوله : « أن الاختلاف في فعله » تعليل لتقديم قول الأب. وقوله : « وأنّ نظر الزوجة » إلى آخره تعليل لقوله : « مطلقا ».

قوله : ولا فرق بين كون النكاح بمهر المثل وعدمه.

أي : النكاح الذي يريده البنت ، وعضل عنه الأب.

قوله : ولا خيار له معه.

أي : مع المولى ، أو مع تزويج المولى.

قوله : إجباره عليه مطلقا.

أي : عبدا كان أو أمة ، صغيرا أو كبيرا. وفيه ردّ على ما نقله يحيى بن سعيد في الجامع حيث قال : « وقيل : ليس له إجباره » يعني : العبد الكبير.

قوله : ولو تحرّر بعضه.

لا يخفى أنّه يأتي هذا الحكم من المصنّف بعينه في آخر المسألة السابعة ، فلا وجه لذكره هنا.

قوله : على الصغير مطلقا.

أي : سواء كان خاليا عن الأب والجد أو لا.

قوله : اختار المصنّف هنا انتفاءها مطلقا.

الظاهر أنّه استفاده من التفصيل حيث فصّل حكم ولاية القرابة ، والملك والحكومة والوصية ، فاثبت الاولى للصغيرة ، دون الاخر ، والتفصيل قاطع للشركة.

قوله : مع التنصيص أو مطلقا.

٧٦٢

وجه ترديده : أنّ المصنّف في شرح الإرشاد نقل أوّلا القول بثبوت الولاية مع التنصيص عن الشيخ في الخلاف ، ثمّ قال : « واختاره المصنّف في المختلف ». ثمّ قال : « بل ظاهر مذهبه ـ أي : المختلف ـ أن الوصي مطلقا يتولّاه ». ثمّ ذكر كلاما فقال : « والمختار مذهبه في المختلف ». انتهى.

فلما نسب أوّلا إلى المصنّف اختيار التفصيل ، ثمّ قال ثانيا : أن ظاهر مذهبه الإطلاق.

فيتردّد أنّ مذهبه الذي اختار بقوله : « والمختار مذهبه في المختلف ». أيّ منهما.

قوله : وقبله العلامة في المختلف.

أي : اختار الجواز مع التنصيص ، أو مطلقا قبل المصنّف ومقدّما عليه العلّامة في المختلف.

قوله : لأنّ تصرفات الوصي منوطة بالغبطة.

أي : تصرّفاته دائرة مدار الغبطة ، فكلّ ما كان غبطة الصغير يجوز ، وما لم يكن لم يجز ولازمه جواز نكاحه إذا كان غبطة ، وللمانع منع الإناطة والدوران فنقول : كلّ ما يجوز فيه التصرف له يجب أن يكون غبطة ، ولا عكس ، بأن كلّ ما كان غبطة يجوز فيه تصرّفه.

قوله : لعموم فمن بدّله.

الظاهر أنّ مراده من العموم : العموم الإطلاقي الحاصل للوصية من الضمير البارز في « بدّله » ؛ فإنّه بإطلاقه يشمل وصيّة المال ووصية النكاح.

ويمكن أن يكون المراد : العموم الاستغراقي الحاصل لـ « من » الموصولة ، فإنّه بعمومه يشمل من بدّل وصيّة النكاح أيضا من الصغيرين بعد كبرهما ، ولا يخفى أنّ في كلّ من العمومين نظرا ظاهرا.

قوله : وذكر الأخ غير مناف.

[ دفع ] دخل مقدّر تقديره ؛ أنّ ذكر الأخ مع الوصي ينافي إرادة ولي النكاح من الذي بيده عقدة النكاح ؛ إذ الأخ ليس ولي النكاح إجماعا.

ودفعه : بأنّ الأخ ليس باقيا على إطلاقه ، بل هو مقيّد بالأخ الذي كان وصيّا بأن يرجع ضمير « إليه » في قوله : « يوصى إليه » إلى كلّ واحد من الرجل والأخ ، فلا يعلم المنافاة ، وهو

٧٦٣

حسن. ولكن الرواية بعد « الرجل يوصى إليه » ذكر وكيل المرأة في المال أيضا ، وهو أيضا ليس ولي النكاح قطعا. وتخصيصه بالوكيل في النكاح أيضا ليس بأولى من ارتكاب تجوّز في الذي بيده عقدة النكاح ، أو تقييد في الرجل الوصي بكونه جدّا أو حاكما.

قوله : ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى آخره.

عطف على قوله : « ولرواية أبي بصير ». أي : ولانّ الحاجة قد تدعو إلى نكاح الولي للصغير ؛ لتعذّر تحصيل كفوه كلّما يراد النكاح او يراد تحصيل الكفو ، فلو لم يزوّج حينئذ يمكن أن يبقى بلا كفو ، فيحمل ( كذا ) بتزويجه. وقوله : « حيث يراد » إمّا ظرف للتعذّر أو لتحصيل الكفو.

قوله : خصوصا مع التصريح بالولاية فيه.

أي : مع تصريح الموصي بولاية الوصي في النكاح. وهذا متعلّق بقوله : « وهو حسن » يعني الجواز مع التنصيص أو مطلقا حسن ، فله الولاية المذكورة خصوصا مع التنصيص حيث إنّه يجري فيه جميع هذه الأدلّة مع الزيادة ، وهو ما ذكروه من أنّ الوصية بالنكاح كالوصية في المال ، فاذا نفذت فيه تنفذ فيه أيضا ، ومن أنّ بعد التنصيص تنتقل الولاية من الموصي إلى الوصي ، فلا تنقطع الولاية حتّى يحتاج عودها إلى دليل.

مسائل

المسألة الاولى

قوله : فيجوز إخلاؤه عنه.

الضمير في قوله : « عدمه » وفي « فيه » للصداق ، دون الذكر.

قوله : فاشتراط الخيار فيه إلى آخره.

تفريع على جواز الإخلاء واشتراط العدم ، يعني : إذا جاز العقد بدون الصداق ، فلا يكون الصداق من لوازمه ، ولا من جزء حقيقته فلا يكون شرط الخيار منافيا لمقتضى العقد ، اذ المنافي له ما كان إمّا مخالفا لذاته أو للوازمه. وهذا ليس شيئا منهما ، وإذا لم يكن منافيا لمقتضى العقد ، فلا يكون مخصّصا من عموم « المؤمنون عند شروطهم » ؛ إذ لم يخرج

٧٦٤

من عمومه إلّا أربعة إجماعا : الشرط المخالف للكتاب والسنّة ، أو المحلّل للحرام ، والمحرّم للحلال ، أو المؤدّي إلى جهالة أحد العوضين ، أو المنافي لمقتضى العقد. وعدم كون شرط هذا الخيار من الثلاثة الاول ظاهر. فلو توهّم عدم الجواز لكان للأخير ؛ وإذ عرفت أنّه ليس منه أيضا ، فيكون باقيا تحت العموم.

قوله : ولا يجوز اشتراطه في العقد.

بمعنى ؛ أن يشترط خيار فسخه لعقد النكاح.

قوله : لأنّه ملحق بضروب العبادات.

وذلك ؛ لوقوع الأمر به : فقال سبحانه وتعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) (١) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تناكحوا تناسلوا » (٢) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « النكاح سنّتي » (٣) ثمّ إذا كان من العبادات لم يقبل الشرط ؛ للإجماع.

قوله : بأنّ الواقع شي‌ء واحد.

وذلك ؛ لأنّ ذكر الثاني يجعل الأوّل مشروطا ومقيّدا.

قوله : ركنان بمثابة الثمن والمثمن.

الظاهر أنّ قوله : « بمثابة الثمن والمثمن » وصف احترازي لقوله : « ركنان » أي : الزوجان الركنان اللذان بمثابة الثمن والمثمن ، لا الركنان اللذان بمنزلة البائع والمشتري ؛ لأنّ كما أنّ البيع الذي هو مبدأ الاشتقاق يتعلّق بالثمن والمثمن ، دون البائع والمشتري كذا التزويج يتعلّق بالزوج والزوجة. وعلى هذا فكما لا بدّ من تسمية الثمن والمثمن بالاسم ، أو الإشارة ، أو الوصف الرافع للجهالة ؛ للإجماع ، ولتعيين متعلّق المبدأ فكذا في الزوجين في النكاح.

قوله : ولأن البيع يرد على المال.

توجيه هذا الفرق : أنّ البيع لما كان واردا على المال ؛ لأنّه المبيع ، وهو قابل للنقل من شخص [ الى ] آخر ، فيمكن تصحيحه بالبيع للوكيل بقول البائع : بعتك ؛ إذ يمكن أن ينتقل

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) عوالى اللئالى : ٢ / ١٢٥.

(٣) المسالك : ١ / ٤٣٠ ، وعوالى اللئالى : ٢ / ٢٦١.

٧٦٥

المبيع بذلك إلى الوكيل ، ثمّ يقول الوكيل : قبلت لموكّلي فينتقل منه إلى الموكّل بمعنى : أن يجعل الشارع القبول له موجبا للنقل منه إليه إذا انتقل ( كذا ) بقصد الوكيل الابتياع له نقله منه إليه ، بخلاف النكاح ؛ فإنّه لعدم قبول النقل لا يتمشّى فيه هذا الاحتمال ، فلا يصحّ التزويج للوكيل. بل يمكن أن يكون الحكم في البيع كذلك مطلقا ، فينتقل من البائع إلى الوكيل ومنه إلى الموكّل ؛ ولذا لو أنكر الموكّل التوكيل وانتفى الانتقال إليه يحكم ببقاء الانتقال إلى الوكيل ولا يحكم بفساد البيع ، بخلاف النكاح. ولا يخفى أنّ الغرض من إبداء هذه الوجوه للفرق ليس بيان دليل الحكمين ، بل الغرض ابداء النكتة ، ولو بالاحتمال ، للحكمين ، فيكفي مجرّد الاحتمال.

قوله : ولأن الغرض في الأموال إلى آخره.

يعنى : أنّ الغرض الكلّي في العقود المتعلّقة بالأموال لما كان تحصيل الأعواض من ايّ مشتركان ، دون خصوص البيع بالشخص المعيّن ، فلم يكن ذكر المبتاع معتنى به. ولما كان الغرض في النكاح خصوص الأشخاص غالبا ، فكان ذكر المتزوّج معتنى به فناسب ذلك عدم اشتراط تسمية خصوص المبتاع في الاوّل واشتراط تسميته في الثاني.

أو المراد : أنّه لما كان كذلك فلم يكن خصوص المبتاع منظورا للبائع ، فكأنّه يبيعه بمن اشتراه ، ويتعيّن المشتري بقبول المبتاع ، فإن قبل لنفسه يكون هو المبتاع ، وإن قبل لموكله يكون هو المبتاع.

قوله : ولأنّ البيع يتعلّق بالمخاطب.

يعني ؛ أنّ البيع عرفا وفي الإطلاقات العرفية يتعلّق بالمخاطب غالبا ، لا لمن له العقد واقعا كما يشاهد في أولياء الصغار ، والأوصياء ، والامناء ، والمتولّين لامور شخص وأمناء التجار في البلاد ، فيقال : إنّ فلانا باع المتاع الفلاني لزيد وإن كان ولي صغير ، أو أمين تاجر ، أو متولي امور شخص ، ولا يقال : باعه لمن اشتري له بذلك الواسطة غالبا ، بخلاف النكاح ؛ فإنّه لا يتعلّق عرفا ، ولا يقال : الناكح ، إلّا لمن له في الواقع أبدا. فناسب ذلك عدم المضايقة شرعا في عدم ذكر من له العقد واقعا في البيع ونحوه والمضايقة فيه في النكاح.

قوله : ومن ثمّ لو قال زوّجتها من زيد.

٧٦٦

يعني : أنّه لما كان متعلّق النكاح حقيقة من له العقد ، دون المخاطب ، لو ذكر من له العقد دون المخاطب وقال : « زوّجتها من زيد » وقبله المخاطب الذي هو الوكيل صحّ النكاح ويحنث لو حلف أن لا ينكح ؛ لأنّه يصير بذلك ناكحا عرفا ، وإن لم يكن مخاطبا ، بخلاف ما لو حلف أن لا يشتري فاشترى له أحد شيئا ، لا بإذنه لا يقال عرفا : انّه اشترى شيئا بل يقال : اشترى وكيله.

والظاهر أنّ الاستشهاد إنّما بالحنث مع قبول الوكيل في النكاح وعدمه في البيع لا بصحّة هذا النكاح ، دون البيع إذ الظاهر أيضا صحّة البيع لو قال : بعته من زيد فقبل له وكيله. وأمّا ذكر الفقرة الاولى ، وهي قوله : « فقبل له وكيله صحّ » من متمّمات الحنث ، حيث إنّه يتوقف على صحّة النكاح فقال : إنّه إذا قال كذا صحّ ، وحنث لو كان معه حلف ، لا أن تكون الصحّة أيضا مستشهدا بها ؛ ولذا لم يذكر عدم الصحّة في البيع مع أنّه لو كان لكان ينبغي ذكره ولم يذكر المحقّق الشيخ علي الفقرة الاولى أصلا.

قوله : وفي بعض هذه الوجوه نظر.

ذكر هذه الوجوه بأجمعها المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد. ولو كان المطلوب منها بيان علّة حكمنا بلزوم [ ذكر ] الموكّل في النكاح ، دون البيع ، وتفرقنا بينهما ، فالأمر كما ذكره الشارح من كون أكثر تلك الوجوه منظورا فيه ؛ لعدم صلاحيّته لها. وأمّا على ما ذكرنا من أنّها ابداء نكات وجه لتفرقة الشارح وبيان احتمالات ومناسبات للفرق ، فيمكن تصحيح الجميع كما ذكرنا.

قوله : ممّن شئت أو ولو من نفسك.

عموم الأوّل بالنسبة إلى الزوج وغيره على السواء ، وعموم الثاني بالنسبة إلى غيره وبالنسبة الى الزوج تنصيص.

قوله : على الأقوى.

إمّا متعلّق بقوله : « فيصح » وله حينئذ احتمالان : أحدهما : أن يراد بقوله « حينئذ » أي : حين الخصوصية على الأقوى. وثانيهما : أن يراد به : حين العموم أو الخصوصية أي :يصحّ في الصورتين على الأقوى.

٧٦٧

وإمّا متعلق بالثلاثة أي : لا يزوّجها مع الإطلاق ، ويزوجها مع العموم ، ومع الخصوص كلّ ذلك على الأقوى ، وهذا أنسب بقوله : « أمّا الأول فلكذا ، وأمّا الثاني فلكذا » إلى آخره.

قوله : لأنّ المتبادر أنّ الوكيل غير الزوجين.

الظاهر أنّ المراد أنّ المتبادر من خصوص مادّة لفظ « الوكيل » هو غير الزوجين ، فإذا قال [ وكّلتك ] يستفاد أنّه ليس زوجا ولا يريد تزويجه.

أو المراد : أنّ المتبادر من الوكيل الثابت ولايته واختياره هو غير الزوجين ، فلا يثبت من الأخبار جواز توكيل الزوج. والمراد من التعليل الأوّل المذكور بقوله : « فلأنّ المفهوم » ؛ أنّ المتبادر من قوله : أذنت أو وكلت أو غير ذلك ممّا يفيد الإذن ، إرادة تزويج الغير ؛ لأنّ الشائع من الإذن لشخص والأكثري فيه ذلك ؛ وينصرف المطلق إلى الشائع. فهذا التعليل مبني على دعوى التبادر من الإذن للغير بأىّ لفظ وقع الاذن. ومبنى التعليل الثاني على التبادر من لفظ التوكيل ، أو على عدم ثبوت توكيل الزوج من عمومات التوكيل أو إطلاقاته. هذا على ما في بعض النسخ من عطف قوله : « ولأنّ المتبادر » ، وأمّا على ما في أكثر النسخ من سقوط لفظة « الواو » فلا يكون تعليلين ، ويكون قوله : « لأنّ » علّة لكون المفهوم من الإطلاق تزويجها بالغير يعني : أنّ معنى الإذن للغير توكيله. والمتبادر من الوكيل غير الزوجين ، فالمفهوم من إطلاق الإذن التزويج بالغير.

قوله : فلأنّ العام ناص إلى آخره.

وذلك ؛ لأنّ العام موضوع لجميع الأفراد ، فكلّ فرد داخل في مدلوله ، وهو في قوّة هذا الفرد إلى آخر جميع الأفراد ، بخلاف المطلق ؛ فإنّه موضوع للماهيّة ، فلا يدلّ على شي‌ء من الأفراد ، وإنّما يثبت الحكم للأفراد ، بواسطة أصالة عدم التقييد بفرد خاص.

قوله : وفيه نظر.

أي : في التعليل بذلك التفرقة ؛ لأن خصوصية العام إن كانت مسلّمة فإنّما هي فيما سلّم عموم اللفظ بالنسبة إليه ، والعموم هنا بالنسبة إلى الزوج ممنوع ؛ لتبادر غيره ، فيكون مخصوصا بالغير.

أو وجه النظر ؛ أنّ الخصوصية في العام ممنوعة ، بل غايته الظهور ، وهو في المطلق أيضا

٧٦٨

حاصل. غاية الأمر : أنّ الظهور في الأوّل للوضع ، وفي الثاني للأصل ، ومجرّد ذلك لا يصلح وجها للفرق.

قوله : فلانتفاء المانع مع النص.

يعني : أنّ المانع كان هو فهم غير الزوج من إطلاق الإذن والوكيل ، ومع التنصيص بخصوص الزوج ينتفي هذا المانع قطعا.

قوله : إلى رواية عمّار.

هي موثّقة ، وهي : أنّه سئل عن امرأة تكون في أهل بيت ، فتكره أن يعلم بها أهلها ، أيحلّ لها أن توكّل رجلا يريد أن يتزوّجها تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجى قال :« لا ». الحديث. (١)

قوله : وأنّه يصير موجبا قابلا.

عطف على قوله : « رواية » [ أي ] واستنادا إلى أنّه يصير شخص واحد موجبا قابلا.

قوله : بضعف الرواية.

أي : سندا ودلالة. أمّا سندا ؛ فلأنّ عمار فطحي المذهب ، وإن كان موثقا. وأمّا دلالة ؛ فلانّه لا دلالة لها على التنصيص ؛ إذ قالت : وكلتك وهو أعمّ من أن يكون وكيلا في التزويج لنفسه ، وإرادته التزويج لا يدلّ على إرادتها أيضا من قولها : وكلتك.

قوله : أي : وإن كان مولّى عليه.

أي : وإن كان الولد مولّى عليه للوكيل بأن يكون صغيرا.

المسألة الثانية

قوله : لو ادّعى زوجية امرأة.

أي : غير مزوجة بالغير ، والّا لم يحكم بالعقد بمجرّد اعترافها.

قوله : لانحصار الحق فيهما.

أي : في حقّهما ؛ إذ انحصار ذي الحق فيهما ، فالمضاف مقدّر.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٨٨.

٧٦٩

قوله : وتوارثا بالزوجية.

ولا يسمع إنكار سائر ورثة أحدهما لو أنكر لأنّ إقرارهما مثبت للزوجيّة ظاهرا ، كالنكاح واقعا ، نعم لو ادّعى أمرا حسبة كحرمة أحدهما على الآخر برضاع أو مصاهرة أو النكاح في عدة أو نحوها ، وأثبته يسمع وينتفي التوارث.

قوله : بين كونهما.

ردّ على الشافعي في أحد قوليه حيث حكم بمطالبة البلديين بالبيّنة وعدم ثبوت النكاح من دونها.

قوله : قضي عليه به.

أي : باعترافه أي : بمقتضاه ، أو بالعقد أي : بلوازمه الثابتة في حقّه.

قوله : وأمّها إلى آخره.

يعني : إن كان المعترف ، أو المدّعي رجلا.

قوله : وليس لها مطالبته.

وكذا ليس لأحد آخر إجباره على أدائه ؛ لأنّه حقّ آدمي ، فيتوقّف الإجبار على مطالبة ذي الحق ، وهو [ يتوقف ] على تسلّطه على المطالبة ، وكذا ليس لوارث الزوجة بعد موتها مطالبته ؛ إذ ما ينتقل إليهم هو حق المورث ، ولم يكن له حقّ بإنكاره.

قوله : مع نكول الآخر.

الظاهر أنّ المراد بالنكول : ترك الحلف ، سواء كان بمجرّد ردّها إلى المدّعي ، أو الامتناع من الحلف ، فردّه الحاكم إليه فيشمل الصورتين.

قوله : الممتنع على تقدير الاعتراف.

الظرف متعلّق بالممتنع أي : الممتنع على تقدير اعتراف الزوجة بالزوجيّة ، والتزويج الممتنع حينئذ مثل تزويج اختها ، وبنتها ، وأمها ، ونحوهن.

قوله : في الجملة.

أي : حقّ ما ، وهو ثبوت الزوجية ، لو رجعت من الإنكار إلى الاعتراف. فالمراد بفي الجملة : في بعض الصور ، أو الاحتمالات. أو المراد : أنّ ثبوت الزوجية يتوقّف على

٧٧٠

اعتراف الزوجين ، وقد اعترف أحدهما ، ونفى الآخر ، فتحقّق أحد شطريه ، وعلى هذا يكون المراد بفي الجملة جزء من مقتضيها. أو المراد به : حقّ تعلّق باعتبار دعوى الزوجية من سماع دعواه ، ولزوم جوابه عليها والحكم بمقتضى الجواب.

قوله : وكون تزويجها.

أي : تزويج المرأة بزوج آخر قبل الحلف يمنع من نفوذ إقرارها في حقّ الزوج الأوّل ، لو اعترفت به أي : بادّعاء الزوجية أي بالتزويج الأوّل.

قوله : ومن عدم ثبوته.

عطف على قوله : « من تعلق » ، وهما متعلّقان بالنظر أي النظر الحاصل من تعلّق حق الزوجية ، فليس لها التزويج ، ومن عدم ثبوت حق الزوجية ، أو عدم ثبوت التزويج الأوّل ، فلها التزويج ، وهذا هو الأقوى.

قوله : ثمّ إن استمرت الزوجة.

أي : بعد تزويجها بغيره أو مطلقا ، فالحكم واضح ، وهو أنّه لا تسلّط له عليها إلّا اليمين.

قوله : لم يسمع بالنسبة إلى حقوق الزوجية.

أي : بالنسبة إلى حقوق الزوج الثاني الثابتة على الزوجة بالتزويج الثاني ، فلا تخرج عن بيته بغير إذنه ، وللزوج الثاني مجامعتها ، وأمرها ، ونهيها بما للأزواج على الزوجات.

قوله : وفي سماعه إلى آخره.

أي : في سماع اعترافها. وقوله : « في حقوقها » [ أي ] على الثاني من المهر والنفقة والقسم قوّة ؛ إذ لا مانع من السماع والقبول ، فيحكم بعدم استحقاقها المهر والمسمّى والنفقة والقسم من الزوج الثاني.

قوله : فإن ادّعت.

أي : إن ادّعت بعد رجوعها عن إنكار زوجية الأوّل ، واعترافها بزوجيته ، أنها كانت عالمة متذكرة بالعقد للزوج الأوّل حال دخول الثاني بها ، فلا مهر لها على الزوج الثاني على الظاهر ، وإن لم يكن كذلك واقعا لو كانت كاذبة في تلك الدعوى وإنّما قال حال دخول الثاني ، لا حال العقد له ؛ إذ لو علمت حال العقد ونسيت حال الدخول لم تكن بغيا ،

٧٧١

بل أوجب مهر المثل أيضا ، ولو علمت حال الدخول ، دون حال العقد كان بغيّا ، فالمناط حال الدخول ، دون العقد.

قوله : للشبهة.

أي : لأنّ الدخول حينئذ يكون دخولا بشبهة بزعمها الحلّية باعتبار النسيان ، والدخول بالشبهة يوجب مهر المثل. ويمكن أنّ المراد : أنّه يقبل ادعاء التذكر بعده ، ويحكم بمهر المثل للشبهة المأمور بدرء الحدود بها بقوله عليه‌السلام : « ادرءوا الحدود بالشبهات » حيث إنّه لو لم يسمع دعواها ذلك لكانت زانية واجبا عليها الحد ، فيسمع دعواها ؛ لأجل حصول الشبهة ، ولذلك يثبت لها مهر المثل.

قوله : ويرثها الزوج.

أي : الزوج الثاني ؛ لاستصحاب حكم التوارث الثابت قبل اعترافها ، وعدم ثبوت نفوذ اعترافها في حقوق الزوج.

قوله : وفي إرث الأوّل.

أي : إرث الزوج الأوّل ممّا يبقى من تركتها ، بعد وضع نصيب الزوج وإنّما قيّد بقوله :« بعد نصيب الثاني » ؛ إذ لا ينفذ إقرارها في حقّ الثاني أصلا ، فلا ينقص من نصيبه شي‌ء ، بل يأخذ نصيبه من الباقي ، أي : يأخذ جميع نصيبه من جميع التركة من الباقي.

فلو كانت التركة ثمانية يأخذ الأوّل الربع اثنين ، ويبقى ستّة ، ويأخذ الثاني أيضا من الستّة اثنين أو يرث من الباقي بقدر حصّته ، فيأخذ من الستّة واحدا ونصفا ، ولكن الثاني لا وجه له ؛ إذ لو ثبت إرث للزوج الأوّل لكان ربع مجموع التركة ، لا ربع الباقي من نصيب الزوج الثاني ، فالظاهر أن المراد هو الأوّل ، [ و ] يلزم حينئذ عدم بقاء شي‌ء لسائر الورثة ، لو لم يكن لها ولد ؛ إذ يأخذ كلّ منهما نصف التركة.

والحق عدم توريث الأوّل ؛ لأن التوريث فرع الزوجية ، ولم يثبت ذلك من إقرارها ، وإنّما يثبت الحقوق الاخر المختصّة بها.

والحاصل : أن التوارث مسبب للزوجية ، فإذا لم تكن الزوجة مزوّجة للثاني وأقرت تثبت الزوجية باعتراف الزوجين ، ولازمها التوارث ، بخلاف ما إذا كانت مزوّجة ؛ فإنّ

٧٧٢

اعترافها لا يؤثّر في ثبوت زوجيّة الأوّل التي هي سبب التوارث أصلا. وما يؤثر فيه من عدم تسلّطها على مطالبة المهر من الثاني ونحوه ليس سببا للتوارث.

قوله : وهو غير مناف.

أي : وتوريث الزوج الثاني غير مناف لنفوذ ذلك الإقرار ، أو نفوذ الإقرار في حقّ نفسها غير مناف لشي‌ء من حقوق الزوج الثاني حتّى يمنع ذلك من نفوذه. والحق عدم توريث الزوج الأوّل ؛ إذ الثابت من الشرع توريث الزوج ، ولم يثبت زوجيّته بمجرّد تصديقها.

المسألة الثالثة

قوله : لو ادّعى زوجيّة امرأة.

اعلم أن المسائل المهمّة الواقعة في تنازع الزوجين ثمان ؛ لأنّه إمّا يدّعي رجل بلا مانع زوجيّة امرأة بلا مانع ، أو بالعكس. فهاتان مسألتان ذكر المصنف إحداهما سابقا بقوله : « لو ادّعى زوجية امرأة فصدّقته » إلى آخره.

وأهمل ذكر الثانية ؛ لوضوح حكمها بالمقايسة إلى ما ذكر. أو يدّعى رجل بلا مانع زوجيّة امرأة لها مانع كالزوجية ، أو بالعكس أي : تدّعي امرأة مزوّجة زوجية رجل آخر ، فهاتان أيضا مسألتان ، ويظهر بعض أحكامهما ممّا ذكره الشارح بقوله : « وإن رجعت إلى الاعتراف بعد تزويجها ».

أو يدّعي رجل له زوجة زوجيّة اختها أو بالعكس أي : تدّعي امرأة خالية عن المانع زوجيّة رجل له مانع من تزويجها كأن تدّعي امرأة زوجية رجل مزوّج باختها. وهاتان المسألتان غير مذكورتين في الكتاب.

وفي جميع هذه المسائل الستّ يكون الدعوى واحدة ، وكلّ من المدّعي والمنكر واحدا. وقد يتعدّد الدعوى والمدّعي والمنكر بحيث لا يمكن جمع الدعويين ، والعمل بمقتضاهما ، وهو أيضا مسألتان.

إحداهما : أن تدّعي امرأة زوجيّة رجل ، ورجل آخر زوجيتها ، فالمرأة مدّعية بالنسبة إلى الرجل الأوّل ، ومنكرة بالنسبة إلى الرجل الثاني.

٧٧٣

وثانيتهما : أن يدّعي رجل زوجيّة امرأة وامرأة اخرى لا يجتمع مع الامرأة الاولى زوجية. والاولى غير مذكور هنا. والثانية هي المنوية بقوله : « لو ادّعى زوجية امرأة وادعت اختها » إلى آخره. وإنّما خصّها بالذكر ؛ لأنّ أكثر أحكام هذه المسائل إنّما يظهر من القواعد الكلّية المقرّرة في كتاب القضاء ، فلا يحتاج إلى الذكر ، الّا ما كان مخصوصا بدليل تخلف لأجله عن القاعدة ، كهذه المسألة حيث ورد فيه رواية متضمّنة لترجيح إحدى البيّنتين بالدخول بالمدّعية. وذلك مخالف للقواعد المقرّرة ، أو ما كان فيها مخصوصا بخلاف لم يقع ذلك الخلاف في غيره من نظائره كمسألة ادّعاء زوجيّة امرأة حيث إنّه وقع الخلاف في جواز تزويج هذه الامرأة قبل الحلف وطيّ الدعوى ولم يقع ذلك الخلاف في نظائرها فللمنكر في سائر الدعاوي التصرف في المدعى به كيف شاء قبل طيّ الدعوى إجماعا ؛ ولذا استشهد به الشارح بقوله : « كما يصحّ تصرّف المنكر » إلى آخره.

وكمسألة ادّعاء زوجية المزوّجة التى ذكرها الفقهاء في هذا المقام حيث إنّه وقع الخلاف في أنّه إذا لم يكن للمدّعي بيّنة فهل ينقطع دعواه ، أو يتوقّف على الحلف. وقد أجمعوا في غيرها بالتوقّف على الحلف. وممّا ذكرنا ظهر سرّ ذكر الفقهاء بعض مسائل التنازع في التزويج هنا دون بعض آخر.

ثمّ لا يخفى أنّ مفروض هذه المسألة التي ذكرها المصنّف أن تكون المرأة الّتي يدّعي الرجل زوجيّتها ، واختها زوجيّته منكرة لزوجيّته ، وأمّا [ اذا ] لم تكن منكرة ، فهي مسألة اخرى من المسائل الثمان المذكورة ، ولا يجري فيها جميع الأحكام المذكورة لذلك ؛ ولذلك قال : « ادعت زوجيّة امرأة » حيث إنّ في مقابل الادّعاء الإنكار ، وقد صرّح بذلك في النصّ الوارد في المسألة أيضا.

قوله : ودعواه زوجيّة الاخت متعلّق بها.

دفع لتوهم [ عدم ] كونه منكرا. وبيانه : أن هنا دعويين : إحداهما : دعوى الاخت الزوجية والرجل في هذه الدعوى منكر ، والحلف لها. وثانيتهما : دعوى الرجل زوجيّة المرأة ، وهذه دعوى اخرى غير ما حلف لقطعها ، فمعنى قوله : « ودعواه » إلى آخره ؛ أنّ دعوى الرجل زوجيّة اخت هذه الاخت المدّعية متعلّق بالاخت أي : اخت المدّعية ، لا بالمدّعية ، وهو أمر آخر غير تلك الدعوى.

٧٧٤

قوله : ويشكل تقديم قوله.

يعني : أنّ مقتضى قول المصنّف حلف الرجل تقديم قوله مع حلفه مطلقا ، سواء دخل بهذه الاخت المدّعية قبل هذه الدعوى أم لا.

وهذا مشكل ؛ لأنّه ورد في النص أنّ دخوله بها مرجّح للمدّعية فيما سيأتي من تعارض البيّنتين حيث إنّه دلّ على ترجيح بيّنتها ، فإذا كان مرجّحا لبيّنتها يكون مرجّحا لها ، ويلزمه تقديم قولها ، وهي رواية الزهري في رجل ادّعى على امرأة أنّه تزوجها بوليّ وشهود ، وأنكرت المرأة ذلك ، وأقامت اخت هذه المرأة على هذا الرجل البيّنة أنّه تزوجها بوليّ وشهود ولم يوقتا وقتا ، فكتب عليه‌السلام : أنّ البيّنة بيّنة الزوج ؛ ولا تقبل بيّنة المرأة ؛ لأنّ الزوج قد استحق بضع هذه المرأة ، وتريد اختها فساد هذا النكاح ، فلا تصدق ولا تقبل بيّنتها ، إلّا بوقت قبل وقتها ، أو بدخول بها. (١)

قوله : ويمكن أن يقال.

دفع هذا الإشكال المذكور : يعني : أن هنا أي : فيما نحن فيه مع الدخول بالمدعية تعارض الأصل والظاهر ؛ لأنّ الأصل عدم زوجيّة المدعية للرجل ، والظاهر من الدخول تحقّق الزوجيّة ، إذ الظاهر أن لا يكون زنا ؛ لأنّ الظاهر من حال المسلم عدم فعله المعصية ، وظهور أفعال المسلمين على الصحّة ، ولا شبهة لأنّها فرد نادر ، والمشكوك فيه يلحق بالأعم الأغلب ، فيرجّح الأصل على الظاهر ، كما هو الحق والقاعدة ، إلّا إذا ضمّ مع الظاهر شي‌ء آخر يرجحه على الأصل من نصّ أو إجماع ، وهنا ليس كذلك.

و [ قوله : ] خلافه أي : خلاف ترجيح الأصل على الظاهر فيما ارتكب فيه خلافه أي : فيما سيأتي ، حيث إنّ مقتضى تعارض البينتين تساقطهما ، والعمل بمقتضى أصالة عدم الزوجية ، وخولف فيه فقدّم قولها بالبيّنة والدخول ؛ لظهوره في الزوجيّة إنّما خرج عن تحت قاعدة ترجيح الأصل بالنص ، وهو منفي هنا ؛ لأنّ النص ورد في تعارض البينتين ، فيمكن اختصاص ترجيح الظاهر على الأصل بصورة تعارض البينتين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٩٩.

٧٧٥

قوله : فإن أقامت بيّنة.

أي : إن أقامت بيّنة ولم يقمها الرجل.

قوله : فالعقد على الاخت.

أي : اخت الاخت المدّعية.

قوله : ويشكل أيضا.

كما كان يشكل تقديم قوله بالحلف. وقوله : « مع معارضة » متعلّق بقوله : « ويشكل » أي : يشكل في صورة معارضة دخوله بالمدّعية. وقوله : « لما سيأتي » تعليل للإشكال أي : قوله : « مرجح » بصيغة المفعول أي : لأجل ما سيأتي من أنّ الدخول مرجّح على البيّنة أي : بيّنة المدّعي.

ويمكن أن يقرأ بصيغة الفاعل. والمعنى : أنّ الدخول مرجّح على تقدير البيّنة. وقوله :

« مع ذلك » تعليل آخر للإشكال أي : ومع ما ذكر ، فالرجل مكذب بفعله الذي هو الدخول بها لبيّنته ، لأنّ فعله يدلّ على تزويجه إيّاها.

قوله : إلّا أن يقال.

أي : في دفع الإشكال أنّ ذلك أي : كون الدخول مرجّحا على البيّنة هنا أمر على خلاف الأصل ؛ لأن الأصل عدم التزويج ، والتعليل الآخر ضعيف ؛ لمنع كون الدخول تكذيبا للدعوى ، بل هو أعمّ منه ؛ لجواز كونه شبهة ، أو زنا ، فلا يستدعي كون المدّعية زوجة وعدم كون الاخت الاخرى زوجة ، وعلى هذا فيقتصر في ترجيح الظاهر على الأصل على مورد النص الذي هو صورة تعارض البيّنتين.

قوله : ولا يخفى منافرة لفظ الآخر لذلك.

أي : لإرادة ذي البيّنة من الآخر ؛ لأنّ الآخر انّما يطلق على الطرف المقابل للمذكور ، والمذكور هنا من حكم له ، وهو نفس ذي البيّنة.

وقد يوجّه : بأنّه يمكن أن يقال : إنّ الظرف متعلّق باليمين ، لا بالتوجّه ولا يكون من يتوجه إليه اليمين مذكورا ، بل يعلم بالقرينة. والمراد : أنّه يتوجّه اليمين ، [ على من ] هو غير مذكور ، وهو ذو البيّنة.

٧٧٦

ويحتمل أن يكون « على الآخر » متعلقا باليمين أو بالتوجّه ، والمراد بالآخر الادعاء الآخر يعني : أنّ بعد إقامة المدّعية البيّنة على ادّعائها وطيّ دعواها ، أو إقامة الرجل البيّنة على ادعائه يتوجّه اليمين على الادّعاء الآخر ؛ لأنّ المفروض انتفاء البيّنة الّا في طرفه ؛ فإنّه قد صرّح في المسألة بوجود ادّعائين ، فبعد طيّ أحد هما بالبيّنة يتوجّه اليمين على الادّعاء الآخر.

وإنّما قال : « الأقرب » ؛ دفعا لتوهّم أنّ بيّنة أحد الادّعاءين تستلزم انتفاء الآخر ولا يترتّب على اليمين حينئذ فائدة. فقال : الأقرب توجّه اليمين على الادعاء الآخر ، ولا يكفي بينة الادّعاء الآخر لرفعه لجواز تقدّم العقد على الاخر كما ذكره المصنّف.

وعلى هذا يكون مراد المصنّف طيّ الدعويين ، ويكون هذا اليمين هي التي ذكرها الأصحاب ، ويندفع عنه ما ذكره الشارح بقوله : « واليمين في هذين الموضعين لم ينبّه عليه أحد من الأصحاب » وكذا المنافرة التي ذكرها. والظاهر أنّ ما ذكرنا مراد المصنّف ، لا غير.

قوله : عملا بالقاعدة.

وهي : أنّ اليمين الراجعة إلى نفي قول انّما يكون على عدم العلم.

قوله : بالعقد على الاخت.

أي : اخت المدّعية.

قوله : فيحتمل عدم ثبوتها لذلك.

قيل : أي : لخلوّ النص. وعلى هذا فيكون الصواب إسقاط لفظة « الواو » في قوله : « ولئلّا يلزم » ؛ إذ دلالة خلوّ النص على عدم الثبوت إنّما هي لأجل عدم لزوم تأخير البيان ، والّا فلا دلالة عليه ، وأيضا عدم لزوم تأخير البيان ليس شي‌ء آخر وراء خلوّ النص ، والأولى أن يجعل قوله : « لذلك » إشارة إلى عدم تنبيه أحد من الأصحاب عليه ، وقوله : « لئلّا يلزم » دليلا آخر متفرّعا على خلوّ النص ، فيكون المعنى : فيحتمل [ عدم ] ثبوتها لعدم ذكر أحد من الأصحاب.

قوله : ولئلّا يلزم تأخير البيان عن وقت الخطاب ، أو عن وقت الحاجة.

٧٧٧

حيث إنّ النص خال عنه. ثمّ الترديد بين وقت الخطاب ووقت الحاجة لأجل أنّ النص المتضمّن للحكم يحتمل أن لا يكون [ وروده ] وقت الحاجة ، بل يكون السؤال فيه فرضيّا ، ويحتمل أن يكون وروده وقت الحاجة إلى المسألة. فعلى الأوّل يلزم تأخير البيان عن وقت الخطاب وعلى الثاني عن وقت الحاجة.

ولكن يخدشه حينئذ : أنّ عدم جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب قول مرغوب عنه ، لم يقل به الأكثر ، ولا الشارح ، فبناء التعليل على ما يحتمله عليل. والأولى أن يحمل على لزوم الأمرين باعتبار ما قيل من : أنّ الظاهر في كلّ خطاب أن يكون وقت الحاجة ، فيتّحد وقت الخطاب والحاجة ، ولكن الأوّل مثبت للمطلوب عند من يقول بعدم جواز التأخير عن وقت الخطاب. والثاني عند من يقول بعدم جوازه عن وقت الحاجة ، فترديده باعتبار تعدّد سبب البطلان.

لا يقال (١) : إنّ من يقول بعدم جواز التأخير عن وقت الخطاب لعدم جوازه يسند الحكم إليه من غير حاجة إلى التعدّي إلى وقت الحاجة.

قوله : وعلى التقادير الستّة.

واحد منها أن تكونا مطلقتين ، وثلاثة من المؤرختين ، واثنان منها : أن تكون إحداهما مطلقة ؛ لأنّ المطلقة امّا بيّنته أو بيّنتها.

قوله : مضافة إلى ستّة سابقة.

أي : حال كون هذه الاثني عشر منضمّة مع ستّة سابقة ، وهي ما إذا لم تكن لهما بيّنة ، أو كانت لها ، أو كانت له ، وعلى التقادير الثلاثة إمّا يكون قد دخل بالمدّعية أولا.

ووجه نسبته هذه الستّة إلى السابق مع أنّه لم يذكر في السابق الدخول وعدمه : شمول إطلاق ما ذكر لكلّ منها أيضا.

قوله : معها.

أرجع الشارح الضمير إلى الاخت المدّعية. ويمكن إرجاعها إلى « بيّنته » أيضا أي : إلّا أن يكون مع بيّنته مرجّح لبيّنتها.

__________________

(١) فلا يقال. ظ.

٧٧٨

قوله : وهي الستّة المجامعة للدخول مطلقا.

أي : سواء تقدّم تاريخها أولا.

قوله : من قدّمت بينته بغير سبق التاريخ.

وهو في تسع صور من الصور الاثنتي عشرة ، فإن تقدّم البيّنة مع سبق التاريخ إنّما هو في ثلاث : [ سبق ] بيّنة الزوجة مع الدخول وبدونه ، وسبق بيّنة الزوج مع عدم الدخول. وأمّا معه فلا يقدّم السابق.

قوله : حيث تكونان متّفقتين.

قد يقال : إنّ التعليل أخصّ من المدّعى ؛ لأنّ المراد بالمتفقتين : إمّا خصوص المتّفقتين في التاريخ فيثبت الحكم في صورتين من التسع هي صورتا الاتّفاق في التاريخ مع الدخول وعدمه ، أو المتّفقتين في الإطلاق أو التاريخ ، فثبت الحكم في أربع صور ، ولا يفيد لخمس اخرى هي صورة تاريخ الزوج خاصّة ، أو الزوجة كذلك مع الدخول وعدمه وصورة سبق تاريخ الزوج مع الدخول.

وقد يوجه : بأنّ المراد بالمتّفقتين : المتفقتان بحسب عدم السبق ، وإذا كان أحدهما مورخا ، دون الآخر ، والتقارن فيكون كما لم يعلم التاريخ ، فتكونان متّفقتين في عدم التاريخ.

ويرد عليه : أنّ صورة سبق تاريخ الزوج مع الدخول ليس كذلك ، مع أنّه يقدم بيّنتها ، فلا يصحّ التساقط. فإن قيل : حينئذ وإن لم يتحقّق الاتّفاق بحسب انتفاء السبق ، ولكن يتحقّق بحسب انتفاء المرجّح ، لأن بيّنة الزوج وإن كانت سابقة بحسب التاريخ ، فترجّح ، ولكن الدخول يرجح بيّنة الزوجة ، فيتفقان. وفيه : أنّه على هذا يلزم عدم التساقط في صورة إطلاقهما ، أو اتّفاقهما في التاريخ مع الدخول ، لأنّ الدخول إن كان موجبا للرجحان بحيث ساوى لأجله المتأخّر مع المتقدّم ، فيكون ما ضمّ معه في الصورتين راجحا ، فلا وجه للتساقط.

أقول : في أكثر النسخ المصححة « حيث يكونان متفقين » بالتذكير ، وهو الصحيح والمراد منهما : طرفا الدعوى يعني : منشأه الحكم بتساقط البيّنتين في كلّ موضع يكونان

٧٧٩

متّفقين في كونهما مدعيين أو منكرين بأن يكون لكلّ منهما جهة دعوى وجهة إنكار ؛ فإنّه إذا لم يكونا كذلك ، بل كان أحدهما مدّعيا محضا ، والآخر منكرا كذلك ؛ لم يحكم أحد بتساقط البينتين ، بل إنّما يقدّم بيّنة الخارج أو الداخل على اختلاف القولين ، فالحكم بالتساقط إنّما هو إذا كانا متّفقين في كونهما مدعيين كما فيما نحن فيه.

قوله : خصوصا المرأة ؛ لأنّها مدّعية محضة.

فإنّه إذا تساقطت البينتان يبقى المورد بلا دليل ، فلو كان مع أحدهما أصل يكون الأولى الرجوع إليه والأصل هنا مع الزوج ؛ لأنّه مدّع في معنى المنكر ، ومنكر في معنى المدّعي ، فكان لتقديم قوله وجه ، بخلاف المرأة ؛ لأنّها مدّعية محضة قبولها مخالف للأصل بالمرّة.

قوله : وخصوصا إذا كان المرجّح لها الدخول.

ليست الخصوصية لإخراج فرد ليست له تلك الخصوصية ، بل لبيان الواقع كما يقال : خلقك الله سبحانه ، فيجب عليك اطاعته خصوصا إذا كان هو رازقك.

ومرجعه إلى التخصيص من بين أفراد فرضية لم تكن كذلك. والمعنى : خصوصا أنّ المرجّح هو الدخول.

فلا يرد : أنّ تقديم قول المرأة كان في سبع صور : واحدة منها مع سبق التاريخ ، وهي خارجة عن هذا المورد. والستّ الباقية صور الدخول جميعا ، فليس غيرها حتّى يختص هذه بالخصوصية.

وهاهنا إيراد آخر وهو : أنّ « خصوصا » إنّما يستعمل في مورد يكون ما بعده أولى بالحكم من غيره من الأفراد الواقعية أو الفرضية ، وهنا ليس كذلك ؛ إذ احتمال اليمين بدون الدخول أولى منه معه ، لأنّ بدونه تكون بيّنتها خالية عن المرجّح مطلقا ، فيكون أولى باليمين عمّا إذا كان يرجّحه الدخول.

ودفعه : أنّ المراد ليس أولويّة ما إذا كان المرجّح الدخول ، باليمين عمّا لم يكن له هذا المرجّح ، بل المراد : أولويّته باليمين عمّا كان له مرجّح آخر بسبق التاريخ ، أو موافقة الأصل ونحوهما ، فالمعنى : أنّ البيّنتين يتساقطان مع الاتّفاق ، فلا بدّ من اليمين ، وإن ترجّح إحدى البيّنتين خصوصا إذا كان المرجّح لها الدخول الّذي لا ينفي الاحتمال.

٧٨٠