الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

مقتض للخروج عن الأصل ، فإنّ المقتضي له هو استيمان المالك ، والمالك حينئذ هو الوارث ، وهو أي الوارث لم يأتمن المستودع حتّى يكلف تصديقه ، بل ائتمنه مورثه ، فلا يكلّف الوارث بتصديق المستودع ، بل يحكم عليهما بمقتضى قواعد الحكم في المدّعي والمنكر.

٦٨١
٦٨٢

كتاب العارية

قوله : غالبا.

احتراز عن الشاة المستعارة للحلب كما يأتي ، فإنّه ينتفع فيها باللبن مع أنّه عين لا منفعة.

قوله : بل لو استفيد رضاه.

متعلّق بالايجاب ، دون القبول. والضمير في « رضاه » راجع إلى المعير.

قوله : ومثله.

أي : مثل كل من الكتابة والإشارة.

قوله : أو فرش لضيفه إلى آخره.

أي : كان الفرش مخصوصا به ، فلو دخل الضيف بيته وجلس على الفرش المبسوطة لم يكن إعارة ؛ لأنّه لم يقصد بها انتفاع شخص بعينه ، بل جواز جلوسه عليها حينئذ بالاذن بالفحوى.

قوله : واكتفى في التذكرة.

أي : اكتفى فى تحقّق الإيجاب ، أو في استفادة الرضا بمجرّد حسن ظنّ الصديق بصديقه المالك ، ولو لم يحصل من الصديق لفظ ولا فعل دالّ على الرضا.

قوله : وينبغي تقييده.

أي : تقييد الاكتفاء بحسن الظن ، أو تقييد جواز الانتفاع المذكور.

وقوله : « ممّا يتناوله » خبر للكون. وقوله : « بجواز الأكل » متعلّق بالإذن. ولفظة « الباء »

٦٨٣

فيه بمعنى : « في » نحو : ( نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ) ، (١) أو متعلّق بالوارد ، و « الباء » بمعناها. وضمير « بيته » راجع إلى الصديق. وقوله : « بمفهوم الموافقة » متعلّق بقوله : « يتناوله ». وقوله : « وتعدّيه » عطف على قوله : « تقييده » والضمير فيه راجع إلى جواز الانتفاع أو الاكتفاء بحسن الظن. وقوله : « لا مطلق حسن الظن » عطف على « تعدّيه » و « تقييده » معا.

وقوله : « لعدم الدليل » تعليل لقوله : « لا مطلق حسن الظن ».

وقوله : « إذ المساوي » بيان « لعدم الدليل ». والمراد : أنّ ما ذكره في التذكرة من « جواز انتفاع الصديق بمتاع صديقه ، والاكتفاء فيه بحسن الظن » لا يتمّ بإطلاقه ، بل ينبغي تقييده بكون منفعته التي ينتفع بها من المنافع التي يتناولها الآية المذكورة بمفهوم الموافقة بأن تكون المنفعة أقل من الأكل المأذون فيه ، حتّى يثبت جوازه بالقياس بالطريق الأولى ، الذي هو مفهوم الموافقة وتدلّ على جوازه الآية ، وخرج بها عن عموم النهي عن تناول مال الغير والانتفاع به. وكذا ينبغي تعدّيه أي : تعدّي جواز الانتفاع إلى الأرحام المذكورة في الآية ، فلا يتعدّى إلى غيرهم ، ولا يكفي مطلق حسن الظن ، ولو بالانتفاع الذي كان مساويا للأكل أو أضعف منه من حيث الظن بالرضا. وكذا لا يكفي مطلق حسن الظن ولو بغير الأشخاص المذكورة في الآية ، وإن كان مساويا لهم في ظن رضاه أو أضعف لعدم الدليل على الجواز المطلق مع النهي عن التصرّف في مال الغير ، إذ لا دليل إلّا الآية ، وهي مختصّة بالأكل والأشخاص المخصوصة. نعم يجوز التعدّي إلى الأقوى في حسن الظن به بالقياس بالطريق الأولى ، وهو حجّة. وأمّا إلى المساوي فلا يجوز ؛ لأنّه قياس باطل يمتنع الاستدلال به عندنا. والأضعف من جهة حسن الظن ممتنع بالطريق الأولى يعني : إذا كان المساوي ممتنعا ، فالأضعف ممتنع بالطريق الأولى.

ويمكن بعيدا أن يكون قوله : « بطريق أولى » متعلّقا بكون محذوف. ويكون المراد : أنّ القياس إمّا قياس مساواة ، أو قياس بطريق أولى ؛ لبداهة بطلان غيرهما ، والمساوي قياس لا نقول به ، والأضعف ممتنع كونه بطريق أولى. وعدم كونه مساويا أيضا ظاهر ، فلا دليل في المساوي والأضعف.

__________________

(١) آل عمران : ١٢٣.

٦٨٤

قوله : لمال نفسه ووليه.

عطف على « نفسه » أي : مال وليه. ويجوز عطفه على الصبي أيضا أي : إعارة ولي الصبي مال الصبي.

قوله : في تحقّق هذا العقد.

التخصيص بهذا العقد ، لما عرفت في البيع من أنّ عقد الصبي فيه لا عبرة به ، وإن أذن له الولي.

والسرّ في الكفاية هنا على ما ذكره في المسالك وغيره أنّ العارية لما كانت جائزة ولا تختص بلفظ ، بل كلّ ما دلّ على رضا المعير كاف فيها ، والمعير هنا هو الولي ، فكان إذنه للصبي بمنزلة الإيجاب ، فالعبرة حينئذ بإذنه ، لا بعبارة الصبي.

قوله : في الهدية.

أي : الهدية التي أهداها الولي لغيره فجاء الصبي بها وقال : إن وليّي أرسلها ، وكذا إذا أخبر بإذن وليه لأحد في دخول الدار ، وقوله : « بالقرائن » متعلّق بقوله : « يقبل ».

قوله : أو لانتفاع.

عطف على قوله : « بأن يكون » أي : من وجود المصلحة فيها لانتفاع الصبي إلى آخره.

قوله : ولو رجع قبله.

أي : قبل الطم.

قوله : قد وضع.

أي : وضع في القبر من غير أن يطم ، فيجب إخراجه.

قوله : فمئونة الحفر.

أي : إذا رجع المعير بعد الحفر وقبل الدفن فمئونة الحفر على ولي الميّت من ماله ، لا من مال الميّت ؛ لقدومه على ذلك حيث يعلم أنّ له الرجوع متى شاء ، إلّا أن يتعذّر على الولي غير هذا الموضع المستعار من المواضع التي لا يزيد عوضه عنه ـ أي : عن عوض حفره ـ فإنّه حينئذ يقوى كون المئونة من مال الميّت ؛ لعدم تقصير الولي.

قوله : طمّه للإذن.

٦٨٥

أي : لا يلزم الولي بعد رجوع المعير طمّ الأرض التي حفرها لإذن المعير.

قوله : رقّع به.

أي : وصل به ثقب سفينته ومواضع خللها ، ودخل في البحر ، وكان بحيث لو نزع اللوح غرقت السفينة.

قوله : ضمن الأرض.

فلو تلفت ، ولو بغير تفريطه كأن يستغرقها الماء ونحوه يجب عليه [ الغرامة ].

قوله : لعدم استقرار ملكه.

قيل : إن اريد بالملك الغير المستقر موضع الغرس والبناء ، فهو ليس ملكا له ، بل هو عارية ، وإن اريد أصل الشجر والبناء فهو ملك مستقر.

قلت : المراد جزء من المبيع ، وهو هيئته الصورية الموجبة لاختلاف القيمة ، فإنّها أيضا جزء من المبيع ، يختلف الثمن باختلافها ، فإنّ آلات البناء حال كونها بناء لها هيئة صورية يشتريها المشتري وهي ملك غير مستقر ، اذ برجوع المعير يجب على المستعير قلع البناء والشجر ، فتنتفي الهيئة.

قوله : وهو غير مانع.

هذا ردّ على قول القيل.

قوله : لو اتّفقا.

أي : المعير والمستعير على بيع العارية التي هي ملك المعير ، وما فيها من ملك المستعير.

قوله : فيقسط على أرض مشغولة به.

« الفاء » للتفصيل يفصل كيفيّة التوزيع ، فالمستتر فيه للثمن ، والضمير المجرور في « به » لكلّ من الغرس أو البناء.

وقوله : « على وجه الإعارة » متعلّق بمشغولة. وقوله : « مستحق القلع » إمّا صفة لمرجع الضمير في « به » أي : بناء أو غرس مستحقّ القلع ، أو صفة بعد صفة للأرض من باب الوصف بحال المتعلّق أي : أرض مالكها مستحقّ بقلع ما فيها.

٦٨٦

وقوله : « بالأرش » متعلّق بالقلع أي : مستحقّ القلع مع الأرش بأن يعطي القالع الذي هو مالك الأرض إلى المستعير تفاوت ما بين قيمة شجره حالكونه مغروسا ، وحالكونه مقلوعا ، فإنّ وجوب الأرش عليه يوجب نقص قيمة أرضه ، وكلّ من « الابقاء » و « التملّك » عطف على القلع.

وقوله : « بالاجرة » متعلّق بالإبقاء. والمراد : الاجرة التي يأخذها المالك من المستعير :لأجل بقاء شجره ـ مثلا ـ فيه بعد الرجوع من الإعارة. وقوله : « بالقيمة » متعلّق بالتملّك يعني : أو المستحقّ للتملّك بأن يقبل المعير الشجر أو البناء ـ مثلا ـ ويشتريه من المستعير بقيمته.

وقوله : « مع التراضي » متعلّق بكلّ من القلع والإبقاء والتملّك ، حيث إنّها تتوقّف على رضاهما معا.

قوله : وعلى ما فيها.

عطف على قوله : « على أرض » ، والضمير للأرض. والمراد بما فيها : الغرس أو البناء. وقوله : « مستحقّ القلع » إمّا وصف لمرجع الضمير نفسه ، أو وصف بحال متعلّقه. والمراد بأحد الوجوه : الوجوه الثلاثة المذكورة من القلع بالأرش أو الإبقاء بالاجرة ، أو التملّك بالقيمة.

قوله : ولو من جهة الإطلاق.

متعلّق بقوله : « مأذون فيه ». أي : ولو كان إذنه في هذا الفعل الموجب للنقص من جهة إذنه في الاستعمال المطلق من غير تقييد بخصوص هذا الاستعمال ، فإنّ عدم الضمان حينئذ أظهر.

قوله : وتقييده بالنقص إلى آخره.

إضافة التقييد إلى الضمير إمّا إضافة إلى الفاعل أي : تقييد المصنّف الاستعمال بالنقص ، أو إضافة إلى المفعول أي : تقييد الاستعمال بالنقص ، والتقييد بالنقص لأجل اختصاصه عدم الضمان به حيث قال : « ولو نقصت ». ولفظة « قد » يمكن أن تكون تحقيقيّة ، وأن تكون تقليلية. والتقليل باعتبار خفاء إفهامه ويفهم من الإفهام.

٦٨٧

والضمير في « به » راجع إلى « الاستعمال » يعني : أن تخصيص الاستعمال بالنقص مفهم لأنّها لو تلفت كان المستعير ضامنا لها.

قوله : للاستعمال المتلف.

متعلّق بعدم تناول الإذن.

قوله : فيضمنها آخر حالات التقويم.

المراد : بيان أنّه على القول بالضمان مع الاستعمال المتلف وفإذا اختلف قيمته من يوم الإعارة إلى يوم التلف فالمضمون أيّ واحد من القيم.

وحاصله أنّ المضمون هو قيمته في آخر حالة له قيمة سواء كانت قيمته في هذه الحالة أعلى القيم أو أنقصها ، فلو كانت قيمته أوّلا ثلاثة ، ثمّ اثنين ، ثمّ واحدا ، ثمّ تلف كان عليه الواحد ، ولو انعكس كان عليه الثلاثة. ولا تفاوت في ذلك ما كان نقص القيمة بسبب السوق أو بسبب نقص العين بالاستعمال ؛ إذ عرفت أنّه غير ضامن للنقص الاستعمالي.

قوله : عملا بالشرط المأمور.

أي : قوله عليه‌السلام « [ المؤمنون ] عند شروطهم ».

قوله : استنادا إلى الجمع أيضا.

توضيح المقام ـ كما في المسالك أيضا ـ : أنّ النصوص هاهنا بين ثلاثة أقسام.

أحدها : ما يدلّ على عدم الضمان في العارية مطلقا من غير تقييد كصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « ليس على مستعير عارية ضمان ». (١)

وثانيها : ما يدلّ على استثناء مطلق الذهب والفضّة كحسنة زرارة عنه عليه‌السلام قال :قلت : العارية مضمونة؟ فقال : « جميع ما استعرته [ فتوى ] فلا يلزمك [ تواه ] إلّا الذهب والفضة ، فإنّهما يلزمان ». (٢)

وثالثها : ما يدلّ على استثناء الدراهم والدنانير كصحيحة ابن مسكان : « لا يضمن

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ٩٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ٩٦.

٦٨٨

العارية إلّا أن يكون اشترط فيها ضمان ، إلّا الدنانير ، فإنّها مضمونة ». (١) وفي حسنة عبد الملك : « إلّا الدراهم ». (٢)

فمن قال بالقول الأوّل قال : إنّ القسم الثاني من الأخبار خاصّ ، والقسم الاول عام ، ويجب تخصيص العام بالخاص ، فخرج مطلق الذهب والفضّة ، والقسم الثالث فرد من القسم الثاني متّحد معه في الحكم ، فلا ينافيه ، فهو تصريح للحكم في بعض أفراده.

ومن قال بالثاني قال : يجب حمل العام على الخاص ، والقسم الثاني أعم من الثالث ، فيحمل عليه ، ويراد منه مطلق النقدين ، ولكونه أخصّ من القسم الأوّل يخصّصه ، فالجمع بتخصيص العامّ الأوّل بالعامّ الثاني ، وحمل العام الثاني على الخاص الثالث.

قوله : وتقدير منفعة الإنفاق.

اعلم أنّ التقدير أحد الأحكام الوضعية وعرّفه الاصوليون بأنّه تقدير الموجود معدوما ، أو بالعكس ، لتصحيح حكم شرعي.

وهاهنا يقدّر المعدوم موجودا لتصحيح العارية ، فإنّ العارية الشرعيّة لا تكون إلّا لمنفعة ، ولما لم يتصوّر في استعارة النقدين منفعة إلّا منفعة الإنفاق ، ولكنّها معدومة في الاستعارة ؛ إذ هي عقد ثمرته جواز التصرّف بالانتفاع مع بقاء العين ، والانفاق يوجب تلف العين ، فيقدّر حينئذ هذه المنفعة فيها لتصحيح الاستعارة ، ولا شكّ أنّ هذا التقدير حكم بغير الواقع ؛ لأنّ الواقع هو عدم الإذن في الإنفاق كما هو مقتضى الإعارة ، فتقديره حكم بغير الواقع.

قوله : بأمر ظاهر أم خفي.

هذا ردّ على بعضهم حيث فرّق بين دعوى التلف بأمر ظاهر كالحرق والغرق ، أو خفي كالسرق ، فقال : يقبل قوله في الثانى ، دون الأوّل.

قوله : بخلاف الودعي.

فإنّه قد مرّ أنّه إنّما قبضه لمصلحة المالك.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ٩٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ٩٧.

٦٨٩

قوله : لما تقدّم.

من إمكان صدقه ، فلو لم يقبل لزم تخليده الحبس.

قوله : أو في المباح.

عطف على قوله : « في غيره » أي : وكما جلس في الملك المباح ، فاتفق له التظلل بشجر غيره.

قوله : يضمن العين.

أمّا ضمان العين فظاهر. وأمّا ضمان المنفعة ، فلانّ بإعارته ثانيا بطلت الإعارة الاولى ، ورجعت المنفعة إلى المالك.

قوله : لم يرجع على الثاني.

أي : لم يرجع المستعير الأوّل على الثاني إذا كان الثاني جاهلا بأنّه مال الغير ، إلّا أن يكون العارية الثانية مضمونة على المستعير الثاني بأن أخذها من الأوّل بشرط الضمان [ فحينئذ ] يرجع المستعير الأوّل على الثاني بعوض العين خاصّة ، دون المنافع. أمّا الرجوع بعوض العين ، فلاشتراط الضمان ، وأمّا عدم الرجوع بالمنافع ؛ فلتغرير الأوّل له.

قوله : ولو كان عالما.

يعني : لو كان المستعير الثاني عالما بأنّه مال الغير استقر الضمان عليه ببدل العين والمنافع ، فيرجع الأوّل عليه.

قوله : وإن رجع.

يعني : إن رجع المالك على المستعير الثاني رجع الثاني على الأوّل بما لا يرجع الأوّل على الثاني في الصورة الاولى ؛ وهي ما لو رجع المالك على الأوّل ، ففي صورة الجهل مع عدم اشتراط الضمان يرجع الثاني على الأوّل بالعين والمنافع أجمع ، ومع اشتراط الضمان يرجع بالمنافع خاصّة ، وفي صورة العلم لا يرجع بشي‌ء منهما.

والوجه في الكل ظاهر. وقوله : « لغروره » متعلّق بقوله : « لا يرجع عليه » أو بقوله :« رجع على الأوّل ».

قوله : فلا يعقل إسقاطه.

٦٩٠

تفريع على كونهما من أسباب الضمان يعني : أنّه إذا كان التعدّي أو التفريط من أسباب الضمان ، ولا يوجد المسبّب قبل وجود السبب ، فلا يقع الضمان قبل وجود التعدّي أو التفريط ، ولا يعقل الإسقاط قبل الوقوع. والضمير المجرور في « وقوعه » إمّا راجع إلى الضمان أو إلى كلّ من التعدّي والتفريط.

قوله : بغير عوض على خلاف الأصل.

أي : كونها بغير عوض على خلاف الأصل ، دون مطلق الملكيّة ؛ لاتّفاقهما على تحقّقها.

قوله : من خصوص ما ادّعاه.

أي : خصوصية الاجرة المعيّنة ، لا مطلق الاجرة بعد استيفاء منفعة ملك الغير المستلزم لتعلّق عوضها على ذمّته.

قوله : ما يدّعى كونها.

عطف على قوله : « مدّة » يعني : أو بعد انقضاء مدّة يدّعى كونها مدّة الإجارة. وذكر ذلك ؛ لادخال ما إذا ادّعى المالك إجارتها في مدّة قليلة ليس لها إجارة عادة كنصف يوم ـ مثلا ـ فإنّه وإن لم يكن لها اجرة بحسب العادة ، ولكن إذا وقع العقد فيها باجرة يتعلّق بها الاجرة الموسومة في العقد ، فإذا ادعاها المالك لا يرتفع النزاع بمجرد حلف الراكب على نفي الاجارة.

ولا يخفى أنّ فيه نظرا ظاهرا ؛ إذ لو لم تكن لها اجرة في هذا الزمان ، فينتفي الاجرة بحلف الراكب على نفي الإجارة ولو ادعى المالك الإجارة فيها.

٦٩١
٦٩٢

كتاب المزارعة

قوله : بفعل أحدهما.

« الباء » سببيّة يبيّن بها سبب نسبة الفعل الذي هو الزرع إليهما مع عدم كون الزرع منهما يعني : أنّ نسبته إليهما بسبب فعل أحدهما وطلب الآخر الفعل ، فكأنّ الآخر لذلك الطلب أيضا فاعل كما في المضاربة ؛ فإنّ الضرب في الأرض كان من أحدهما ، ولكن سمّيت مضاربة باعتبار طلب الآخر أيضا.

قوله : فإنّها بالذات على الاصول.

أي : اصول الزرع والأشجار يعني : أنّ المقصود بالذات فيها وقوع المعاملة عليها ، ويتعلّق السقي بها ، وإن يسقى الأرض ويتصرّف فيها بالتبعيّة.

قوله : أو الأعم.

عطف على الزراعة. أي : وخرج بالحصّة إجارة الأرض لخصوص الزراعة ، أو للأعم منها ومن البناء وغيره ؛ [ وقوله ] « إذ لا تصحّ » علّة للخروج أي : لا تصحّ الإجارة مطلقا بحصّة من الحاصل.

قوله : في العمل مقامه والّا استاجر الى آخره.

أي : وإن لم يقم الوارث مقامه بأن [ كان ] الوارث ممّن لا يصلح للإقامة كالصغير والمجنون والغائب ، استأجر الحاكم أحدا على العمل من مال العامل الميّت ، أو استأجره على شي‌ء ممّا يخرج من حصّة الميّت أي : يؤدي وجه الاجارة من هذا المال إن لم يكن له مال آخر. فقوله : « على ما يخرج » عطف على « من ماله ». ويمكن أن يكون المراد من قوله : « على ما يخرج من حصته » أنّه يستأجره على تمام ذلك بأن يعامل مع أحد بأن

٦٩٣

يكون حصّة الميّت له ، واستعمال الاستيجار حينئذ يكون تجوّزا ولا تكون لفظة « أو » حينئذ للتخيير ، بل للتقسيم ، فيستأجر من ماله إذا كان ذلك أنفع للوارث عادة ، ويستأجر على ما يخرج من حصّته ، إذا كان هذا أنفع.

قوله : أو لهما.

أي : أو لهما الباقي. ونبّه بقوله : « وإن كان البذر » إلى آخره على خلاف الشيخ وجماعة حيث جوّزوا استثناء البذر وجعله لأحدهما.

وقوله : « سواء كان » إلى آخره دفع لما قد يتوهّم من استدلال بعض المانعين من أنّه لعلّه لم يخرج من الزراعة شي‌ء زائد على ما شرط لأحدهما ، فيبقى الآخر بلا نصيب ؛ فإنّه يتوهّم انّه لو علم خروج الزائد صحّ.

قوله : ويكون قراره مشروطا.

يعني : أنّه يكون قرار ذلك الشي‌ء الذي شرط مشروطا بسلامة الزراعة ، فلو تلفت الزراعة ، لا يجب على من شرط عليه ان يؤدّي ما شرط. ولو تلف البعض من الزراعة سقط من الشرط ـ أي : من ذلك الشي‌ء ـ بحسابه ، فلو تلف ثلث الزراعة ـ مثلا ـ يسقط ثلث ذلك الشي‌ء ، وهكذا.

قوله : فعلى العامل الاجرة.

أي : اجرة الأرض على الزارع إن لم يرض بالقلع ، ورضي المالك بالبقاء مع الاجرة.

قوله : أو الزيادة.

عطف على « الغيوث » أي : تسقيها زيادة ماء شط غالبا كما في النيل حيث إنّ المعتاد فيه أنّه يزيد ماؤه بحيث يسقي الزرع بقدر الكفاية ، فينقص.

قوله : بعوض لم يسلم له.

المستتر في « لم يسلم » راجع إلى العوض. والمجرور في « له » إلى الغير ، وفي « زواله » إلى « الانتفاع » وفي « اختياره » إلى العامل.

قوله : أو بذل المالك ما شاء.

عطف على « زرع ». والمستتر في « شرط » مبنيا للمفعول للبذل ، والمجرور في

٦٩٤

« عليه » للمالك يعني : وإذا اطلق المزارعة وشرط على المالك أن يبذل البذر بذل ما شاء من البذور.

قوله : بالأقوى.

المراد بالأقوى : ما كان أشدّ ضررا بالأرض كما في المسالك ، فإنّ الزرع القوي يكون ضرره على الأرض أكثر.

قوله : أم غيره.

المراد بغيره : ما كان راجعا إلى الامور الخارجية كقدر معيّن من البذر ، أو في زمان معيّن ، وكالزرع بالمسحاة أو بالعوامل ، أو غير ذلك.

قوله : لذلك.

متعلّق بالفسخ. أي : الفسخ لذلك الاستيفاء.

قوله : ولما شرط عليه.

إمّا عطف على الضمير في « مثلها » ، والضمير المجرور في « عليه » لصاحب الأرض ، و « من الآخرين » بيان للموصول. والمراد بالآخرين : العمل والعوامل يعني : على الزارع لصاحب الأرض اجرة المثل للأرض ، ولما شرط لصاحب الأرض من العمل والعوامل من أحدهما ، أو كليهما ، أو بعض منهما ، أو من أحدهما.

وإمّا عطف على « صاحب الأرض » لا (١) البواقي كما ذكر.

قوله : ويجوز لصاحب الأرض.

الضمير المنصوب في « يخصّه » له أيضا. وقوله : « تخمينا » متعلّق بقوله : « يقدر ». والمستتر المرفوع في « يقبله » لصاحب الأرض أيضا. والبارز المنصوب فيه للزارع. و « الباء » في قوله : « به » زائدة. والضمير المجرور فيه للموصول في « ما يخصّه ».

و « الباء » في بحبّ للعوض. والمجرور في « منه » للزرع. وقوله : « بما خرصه به » كالبدل « لحب ». والموصول بمعنى المقدار. والمرفوع المستتر في « خرصه » لصاحب الأرض ، والمنصوب « البارز » للزارع ، أو الحصّة. والمجرور في « به » للمقدار. والمعنى : أن

__________________

(١) والبواقى. ظ.

٦٩٥

يقدّر صاحب الأرض ما يخصّه بالتخمين ، ويقبل صاحب الأرض الزارع ما يخصّه بعوض حب ، ولو من هذا الزرع بمقدار خرص صاحب الأرض الزارع بهذا المقدار.

ويحتمل أن يكون « الباء » في قوله : « بما خرصه » سببيّة ، ولفظة « ما » مصدرية ، ويكون حينئذ الضمير المجرور في قوله : « به » في الأوّل أي : بعد قوله : « يقبّله » للمقدار المدلول عليه بقوله : « يقدّر ». ويكون المعنى : ويقبّل صاحب الأرض الزارع هذا المقدار بعوض الحب بسبب خرصه به. والأوّل أظهر.

قوله : إن كانت بيعا أو صلحا.

يحتمل أن يكون مرجع الضمير في « كانت » هذه المعاملة وأن يكون المرجع « المحاقلة ». فعلى الأوّل يكون المعنى : أنّ هذه المعاملة إن كانت بيعا أو صلحا تكون مستثناة من المحاقلة التي إمّا بيع أو صلح ، وأمّا إذا وقعت بالتقبيل ، فلا تحتاج إلى الاستثناء ؛ إذ لا تكون من المحاقلة في شي‌ء.

وعلى الثاني يكون المعنى : وهذه المعاملة مستثناة من المحاقلة إن كانت المحاقلة بيعا أو صلحا ، ووقعت هذه المعاملة أيضا بلفظ البيع أو الصلح.

وأمّا إذا لم تكن المحاقلة منهما ، فلا يحتاج إلى استثناء أصلا سواء وقعت المعاملة بالتقبيل ، أو بالبيع ، أو الصلح.

٦٩٦

كتاب المساقاة

قوله : في أصل الشرعيّة.

أي : فيما هو أصل شرعيّة هذا العقد وما هو أصلها نخل الحجاز.

قوله : مخصّصا.

وصف لقوله : « وصفا » أي : جعله مخصّصا للاصول المذكورة في موضع البحث ، واحترز به عن الاصول الغير الثابتة وهي الاصول التي لا تبقى كالخضراوات.

قوله : كما مرّ في المزارعة.

أي : كما مرّ القول بالاكتفاء بالقبول الفعلي في المزارعة. وهذا إشارة إلى ما ذكره فيها بقوله : « فيقبل الزارع لفظا على الأقوى » حيث إنّ قوله : « على الأقوى » يدلّ على وجود القول بعدم لزوم القبول اللفظي.

قوله : بالقول الكاشف.

أي : غالبا.

قوله : على الوديّ.

بفتح « الواو » وكسر « الدال » المهملة ، و « الياء » المشدّدة ما يسمّى بالفارسية « نهال ».

قوله : أو المغروس.

أي : كان بدو غرسه ، ولم ينفذ بعد اصوله في الأرض ، ولم يعلق بها.

قوله : والمغارسة.

الظاهر أنّ الفرق بين هذا وبين الأوّل أي : المساقاة على ودىّ غير المغروس : أنّ الأوّل إنّما هو ما إذا كان الوديّ مشخصا معيّنا فيقع العقد عليه بأن يغرسه ، والثاني أعمّ منه وممّا

٦٩٧

يعقد على غرس شجر ولو لم يعيّن وديّة ، أو الثاني مخصوص بغير المعيّن. أو المراد بالأوّل ما وقع المساقاة على وديّ بأن يغرسه المالك ثمّ يساقي العامل ، وبالثاني أن يكون الغرس من العامل.

قوله : وبقي القطن.

عطف على قوله : « تعدّدت ». أي : وإن بقي القطن أي : الشجرة.

قوله : هذه المعاملة.

أي : أصل المساقاة وجهالة العوض ؛ لأنّ ما يجعل للعامل من حصّة الثمرة ليس قدره معلوما.

قوله : ومثله أغصان الشجر المضرّ.

اعلم أنّ الأغصان اللازمة إزالتها على قسمين :

أحدهما : ما هي من فضول الشجرة مضرة به وثمره ، ويعلم زيادتها قبل ظهور الثمرة أيضا ، فهي مانعة عن وفور الثمرة ، وعن [ نموّ ] الشجر ، وأمثالهما.

وثانيهما : ما ليست من الفضول ، ولا تضر بالشجر ، ولا تمنع وفور الثمر ، ولكنّها مانعة عن وصول الشمس أو الهواء إلى بعض الأثمار مضرّة به ، يعلم ذلك بعد ظهور الثمر ، فهي غير مضرّة بالشجر ، ولا من فضوله ، ولكنّها مانعة من صلاح بعض الثمار.

فالمراد بالأغصان المضرّة هاهنا : هو القسم الأوّل ، والمراد بها فيما سيأتي من قوله :« بازالة ما يضرّها من الأغصان » هو القسم الثاني.

قوله : ومقدّماته.

احترز عن غير المتكرّرة [ في ] كل سنة كحفر الأنهار ، واتساعها ، وحفر الآبار وعمل الدولاب ونحوها ؛ فإنّها على المالك.

قوله : ولقاطها.

بالفتح والكسر في « اللام ».

قوله : والثلث من الرطب.

أي : أو الثلث من النوع الفلاني من الرطب.

٦٩٨

قوله : إذا علماها.

المراد : أن يعلما مقدار الأنواع تخمينا كأن علما مثلا أنّ نصف البستان عنب ، ونصفه رطب ، وذلك لأنّهما لو لم يعلما قد يحصل الغرر كما أن شرطا النصف من العنب والعشر من الرطب ، فظهر أنّ أكثر البستان كثلاثة أرباعه مثلا رطب وربعه عنب ، فوقع أقلّ الجزءين الذي هو العشر لأكثر الجنسين الذي هو الرطب ، فيقع الغرر على العامل.

قوله : الفائت.

صفة لقوله : « عمله ».

قوله : شيئا.

مفعول لقوله « يخسر ».

قوله : ولم يكن الفساد بشرط عدم الحصة.

« الباء » في قوله : « بشرط » للسببية يعني : أنّه لم يكن فساد العقد بسبب شرط عدم حصّة للعامل في ضمن العقد حيث إنّ هذا الشرط يوجب فساد عقد المساقاة ، فلو كان فساده لأجل ذلك لم يكن للعامل اجرة أيضا.

قوله : إلّا كونه.

الضمير في « كونه » راجع إلى المالك. وكذا المستتر في « لم يرض » والمرفوع المستتر في « يعطيه ». والبارز المنصوب فيه للعامل ، وكذا المستتر في « يرضى » والبارز المجرور في « منه » راجع إلى « المالك » أيضا.

والمراد بالآخر : ما يشترط مساقاته في ضمن عقد المساقاة الاولى.

قوله : يظهر مع ضعفه.

المستتر في « يظهر » راجع إلى « الوجه ». والمراد بما ذكر في وجه الصحّة : ما ذكره مانعا ، وبيان عدم صلاحيّته.

قوله : فإنّما يتمّ مع كون البذر إلى آخره

لا يخفى أنّه يرد مثل ذلك على الفرق الأوّل أيضا ؛ إذ عمل الأرض وإن كان غير مقصود في المزارعة ، ولكن العمل في البذر مقصود فيها ، فلو كان البذر من المالك ، والنماء أيضا

٦٩٩

تابع له ، فيلزم التسليط على مال الغير ، ولا يفيد اشتراك الزارع في النماء أيضا ، بخلاف المساقاة ، فإنّ العامل لا يشترك في الاصول ؛ لأنّ الزارع وإن كان شريكا في النماء ولكن حصّته ليست مفروزة ، فالتسليط عليها يوجب التسليط على حصّة المالك أيضا بدون اذنه.

ويظهر من المسالك في تصحيح هذه التفرقة : أنّ مبنى المساقاة أن يكون المعاملة على اصول مملوكة للمالك ، بخلاف المزارعة ؛ فإنّ مبناها في الأصل على المعاملة على الأرض ، والأصل في باقي اللوازم من البذر وغيره أن يكون على العامل ، فإنّهم عرّفوها :بأنّها المعاملة على الأرض ، وهذا لا يقتضي أزيد من ذلك ، فعاملوا في المزارعة بما هو مقتضى أصله ، ولم يلتفتوا إلى بعض الصور الخارجة عن مقتضى الأصل ، وكذا عاملوا في المساقاة على مقتضى الأصل. ولا يخفى أنّه لو تمّ ذلك لأوجب صحّة الفرق الثاني أيضا ، وكان اللازم عدم الالتفات إلى صورة كون البذر للمالك.

قوله : ومع ذلك فإنّ العقد إلى آخره

لمّا ردّ الفرق المذكور : بأنّه يتمّ مع كون البذر للعامل ، دون غيره ، وفرضوا المسألة أعم ، وكان لقائل أن يقول : إنّ فرضهم المسألة أعم لا يصير حجّة ، بل اللازم متابعة ما يدلّ عليه الفارق ، ضمّ قوله : « ومع ذلك » لبيان أنّ الدليل أيضا يرشد ويقرر ما فرضوه. فالمشار إليه في قوله : « ذلك » هو كون المسألة مفروضة أعمّ يعني : أنّ الفرق المذكور لا يتمّ مع كون البذر من المالك. والحاصل : أنّ مفروض المسألة يعمّه ، ومع ذلك الفرض هو مقتضى الدليل أيضا ، فإن العقد اللازم يوجب الحصّة. فلا يمكن اختصاص المسألة بصورة كون البذر من العامل ، وعدم الاعتناء إلى فرضهم. وعلى هذا فيكون قوله : « ومع ذلك » تتميما للبحث الأوّل على الفرض المذكور.

ويمكن أن يجعل بحثا برأسه ، ويكون المشار إليه في « ذلك » هو عدم التمامية كلّية ويكون المراد : أن هذا الفرق مع أنّه يتمّ في بعض الصور دون بعض يرد عليه شي‌ء آخر وهو : أنّ النماء وإن كان تابعا للأصل ، والأصل كان للمالك في المساقاة مطلقا ، و

٧٠٠