الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

أحدها :

قوله : « وإن كان الخيار للبائع » لانّه يصلح فردا خفيّا لمسألة جواز رهن المبيع ؛ لكونه مؤثّرا في تزلزل المبيع في يد المشتري ، وأمّا مسألة جواز الرهن على الثمن فالفرد الخفي ، هو ما كان الخيار للمشتري ؛ لعدم لزوم رهن على المشتري ، وخيار البائع لا دخل له في ذلك.

وثانيها :

التعليل المذكور بقوله : « لانتقال المبيع » فإنّ انتقاله يصلح تعليلا لجواز رهنه. وأما الرهن على الثمن فالتعليل المناسب له ما ذكره الشارح بقوله : « لثبوت الثمن في الذمة ».

وثالثها :

إنّ الكلام هنا في المرهون ، لا الحقّ الذي يرهن عليه ؛ فإنّه سيأتي.

وأمّا ظاهر كلام الشارح فهو الرابع ، (١) وظهوره من وجهين :

أحدهما :

التعليل المذكور بقوله : « لثبوت الثمن في الذمّة ، وإن لم يكن مستقرّا » ، فإنّه لا مناسبة له ظاهرا مع جواز رهن المبيع ؛ ولذا يصحّ رهنه ، ولو لم يثبت الثمن في الذمّة ، كما إذا أدّاه حال البيع.

وثانيهما :

قوله : « لا يصح الرهن على الثمن » وهو صريح فيما ذكر.

وعلى هذا فلا يلائم كلام الشارح مراد المصنّف ؛ ولذا اعترض عليه بعض المدققين ، وقد تصدى بعض المحشّين لدفع المخالفة ، فحمل مراد المصنّف على الصورة الثالثة خاصة أي : رهن المبيع على الثمن عند البائع.

وعلى هذا فلا ينافيه قوله : « لثبوت الثمن في الذمّة » بل يحتاج إليه ؛ لأنّ رهن المبيع على شي‌ء يتوقّف على ثبوته في ذمّته ، فكان الحكم محتاجا إلى دليلين : أحدهما على

__________________

(١) فى الاصل : الثالث.

٦٢١

جواز رهن المبيع ، وثانيهما على جواز رهنه على الثمن ، ولما كان الأوّل مذكورا في كلام المصنّف اكتفى الشارح بذكر الثاني خاصة.

وكذا قوله : « لا يصح الرهن على الثمن » ؛ لأن المراد : رهن المبيع على الثمن ، وجعل قول المصنّف : « وإن كان الخيار للبائع » أنسب لذلك حيث إنه فيه خفاء آخر أيضا حيث إنّ قبول البائع للمبيع رهنا يوهم تعرّضه لإبطال حقّه ، وهو خياره.

ووجه تخصيص الشارح برهن المبيع عند البائع على الثمن مع إطلاق كلام المصنّف ؛ لأنّ رهنه عند غيره إبطال للمشتري لحقّه ، ولذا عبّر الشارح بما عبّر للتنبيه على ذلك.

المسألة الخامسة

قوله : صارت مستولدة.

أي : صارت الأمة من المستولدات الشرعية مع الإحبال ، فيتعلّق بها حكم أمّهات الأولاد ، وليست زانية ، ولا الراهن بزان حتّى لا تكون مستولدة شرعا ، لأنّها لم تخرج عن ملكه بالرهن.

قوله : وفصّل ثالث.

هذا قول الشيخ في الخلاف.

المسألة السادسة

قوله : والحوالة به.

بالرفع [ عطف ] على ضمان الغير له.

المسألة الثامنة

قوله : لزوم العقد.

اللام في العقد للعهد الذكري أي : مقتضى لزوم عقد الرهن ؛ لأنّه عقد متعلّق بحقّ من الحقوق الماليّة منقول إلى المرتهن ، فلزومه موجب لانتقاله إليه انتقالا لازما ، وكلّ حق لازم للمورث مالي ينتقل إلى ورثته.

قوله : بهما.

« الباء » بمعنى : « في » نحو قوله : « نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ». (١)

__________________

(١) آل عمران : ١٢٣.

٦٢٢

المسألة التاسعة

قوله : من حقّ المرتهن.

أي : من حقّه من الدين وذلك إشارة إلى ردّ ما روي فى رواية شاذة متروكة من « أنّه لو تلف بغير تفريط يقع التقاص بين قيمته وبين الدين ».

قوله : فإن تعدّى.

هذا تفريع على الاستثناء المذكور بقوله : « إلّا بتعدّ أو بتفريط » ، وتمهيد مقدّمة لقول المصنّف : « فيلزم » ولا تعلّق له بقوله : « ولا يسقط » إلى آخره.

قوله : وإن كانت مضمونة.

المراد بكون العين مضمونة : أنّه يجب عليه ردّها إلى الراهن مع فكّ الرهن أو المراد :أنّها تصير مضمونة بالقيمة اذا فرّط فيها ، لا أنها مضمونة حين بقائها بالقيمة. فلا تنافي بين قوله هذا وبين قوله : فيما بعد : « قبل التفريط غير مضمون » ؛ فإنّ المراد منه : أنّه غير مضمون بالقيمة.

قوله : وبأنّ المطالبة لا دخل لها إلى آخره.

هذا ردّ للثالث. وتوضيحه : أنّ ما يصلح أن يكون وجها لضمان أعلى القيم من يوم التلف الى حين الحكم هو أنّ سبب ضمانه للقيمة استحقاق مطالبة القيمة وهو لا يتحقق الا بعد التلف وهو باق من حينه الى حين الحكم فله المطالبة حين القيمة الأعلى بها فيستحقّها ويضمنها المرتهن.

فردّه : بأنّ استحقاق المطالبة لم يصر سببا للضمان في القيمى ، بل سبب ضمان القيمي هو مجرّد التلف ، نعم سبب ضمان القيمة في المثلي المطالبة وتعذّر المثل ، فيلزمه قيمة وقت المطالبة ؛ لكونها سببا للضمان فيه.

ومن هذا ظهر أنّ المراد بالمطالبة في قوله : « وبأنّ المطالبة لا دخل لها » : استحقاق المطالبة ، دون نفسها ؛ لأنّ السبب لو كان نفسها عند القائل بالخلاف ـ أي : المستدل ـ للزم الحكم بضمان قيمة وقت الأداء كما سنذكره في المثلي.

٦٢٣

ويمكن أن يكون المراد : نفسها. ويكون المعنى : المطالبة لا دخل لها حتّى يصير استحقاقها سببا لضمان القيمة ، والمراد بالمطالبة المذكورة بعد هذا في ضمان المثلي : هو نفسها ؛ لأنّها توجب القيمة وقت الأداء. وأما استحقاق المطالبة فهو موجب لأعلى القيم من يوم الإعواز إلى يوم الأداء.

المسألة العاشرة

قوله : وللقرينة.

وهي وجود الدين حيث أقرّ به ؛ فإنه قرينة على تحقّق الرهن ، وكون المختلف فيه رهنا.

قوله : ضعف المقابل يمنع من تخصيص الآخر.

هذا ردّ لدليل المفصّل المذكور بقوله : « جمعا بين الأخبار » فإنّ الجمع على ما ذكره المفصّل هو بأن يخصّص الرواية الصحيحة الدالّة على حلف المالك بصورة إنكاره لمعارضة الرواية الضعيفة ، ويخصص الرواية الضعيفة الدالة على حلف الممسك بصورة إقرار المالك.

وحاصل الرد : أن تخصيص الاولى ببعض صور الثانية إنّما هو إذا تصلح الثانية للمعارضة. ولكنّها ضعيفة ، فالمراد بالمقابل : هو الرواية الضعيفة ، وبالآخر : هو الصحيحة.

قوله : حلف الراهن خاصّة.

وجهه : أنّ الراهن منكر لرهن الجارية ومدّع لرهن العبد والمرتهن بالعكس ، ولكن لا يمين على المرتهن في إنكاره رهن العبد ؛ لأنّه لو كان حقّا أيضا بطل بإنكاره ، فلا يترتّب فائدة على اليمين ، فيبقى المرتهن مدّعيا محضا والراهن مدّعيا ومنكرا ، أما من جهة كونه مدّعيا فلا بيّنة عليه لما عرفت من بطلان دعواه في العبد بإنكار المرتهن ، فيبطلان معا.

قوله : ولو كان الرهن.

« اللام » في الرهن للعهد. أي : الرهن الذي اختلفا في العين المرهونة بها فيه. والمراد : أنّ ما تقدّم من حلف الراهن وبطلان العقد في صورة الاختلاف في العين إنّما يكون إذا لم يكن الرهن مشروطا في عقد لازم ، وإلّا فيتحالفان.

٦٢٤

قوله : لأنّ انكار المرتهن إلى آخره

توضيح المقام : أنّه إذا اشترطا الرهن في العقد فيكون الرهن حقّا للراهن أيضا ، ولا يختصّ بالمرتهن ؛ لأنّه لكونه شرطا في البيع يكون كالجزء من الثمن ، ولما لم يكن الرهن بدون المرهون واحتاج إلى متعلّق فلا بدّ من تعيينه في ضمن العقد اللازم أيضا ، فرجع الاختلاف فيه إلى أنّ جزء الثمن رهن العبد أو الجارية ، ولا شك أن تعيين جزء الثمن ليس حقّا لواحد منهما ، بل تعلّق به حقّهما معا ، فلا يبطل بإنكار واحد منهما ، فيكون كلّ منهما مدّعيا ومنكرا.

وأيضا لو سمعت هنا دعوى المرتهن عدم رهن العبد وأوجب إنكاره إبطاله ، والراهن أيضا ينكر رهن الجارية يلزم أن يحكم بعدم وفاء الراهن بالشرط ، وعدم أدائه جزء الثمن ، والزم بأدائه من دون بيّنة ولا يمين ، وهو باطل.

المسألة الثانية عشرة

قوله : والبائع المرتهن.

« البائع » مبتدأ خبره « المرتهن » يعني : المتولي للبيع المرتهن.

وقوله : « والغالب موافق لمراده » عطف على قوله : « وكيلا » من باب عطف الجملة على المفرد. وجملة : « أو رجع إلى الحق » عطف على جملة : « والغالب موافق لمراده ».

والمراد من الحق : البيع بالنقد الغالب ؛ لأنّه الحق شرعا : والمعنى : أنه يتولّى المرتهن البيع إن كان وكيلا ، وكان النقد الغالب هو الموافق لمراده ، أو لم يكن ولكن قبله ورجع إليه ، وأما إذا لم يكن وكيلا ، أو كان ولم يكن النقد الغالب موافقا لمراده [ و ] لم يقبل البيع بالنقد الغالب فالبائع الحاكم.

قوله : وعنى به المتباينين.

كلام الشارح أقحمه في كلام الدروس لبيان معنى قول الدروس « أحدهما » أي : عنى بقوله : « أحدهما » أحد المتباينين من النقدين. وقوله : « أسهل » أيضا من كلام الدروس ، وخبر لقوله : « كان ».

٦٢٥
٦٢٦

كتاب الحجر

قوله : لا مطلق الاصطلاح.

عطف على قوله : « بحيث يكون ».

قوله : وعن ابن عباس ( رضي‌الله‌عنه ).

يحتمل أن يكون ذلك مؤيّدا لقول معتبر العدالة حيث إنّ الغالب أنّ الأوصاف الثلاثة لا يجامع الفسق سيّما [ العقل ] ، وأن يكون مضعّفا له حيث إنه أطلق ولم يذكر العدالة ويحتمل أن يكون ذكره لبيان أنّ هذا أيضا قول ثالث في الرشد.

قوله : فوّض إليه البيع والشراء.

لما كان تفويض البيع والشراء إليه موقوفا على تمكينه من التصرّف في المال وهو موقوفا على العلم بالرشد ، وهو على الاختبار ، وأيضا إن كانت صحّة البيع والشراء موقوفة على الرشد ، وهو لا يعلم إلّا بعد تكرّر الفعل مرّة ( كذا ) فكان يرد : أنّ مع ذلك كيف يفوّض حينئذ إليه البيع والشراء.

فسّر البيع والشراء بما ذكر يعني : أنّ المراد بالبيع والشراء المفوضان ليس ... لعدم تصوّرهما منه ، بل تفويض المماكسة فيهما إليه أي : التكلّم في مقدّماتهما.

و « الواو » في قوله : « ويراعى » حالية أي : تفويض المماكسة إليه حال كونه مراعى ـ أي : مراقبا ـ فيراقبه الولي ويطّلع على حاله إلى أن يتمّ مقدّمات البيع ، ثمّ بعد تمامها يتولّى نفس البيع ، أو الشراء الولي نفسه إن شاء ، ولا يكفي تولية المولى عليه مع إذن الولي ، لأنّ محل الاختبار قبل البلوغ كما يأتي ، ولا يقع البيع من غير البالغ ، ولو أذنه الولي.

٦٢٧

قوله : ويكمل عقله.

عطف تفسيري لقوله : « يفيق ». والمراد بالإفاقة : رفع الجنون وإن كان سفيها خفيف العقل بعده. والمراد بكمال العقل : رفع ذلك أيضا.

قوله : إلى دليل.

أي : دليل خاصّ في كل موضع ، بل يثبت بالدليل العام ولايته عموما والتخلّف في بعض الموارد كما في الصغير والمجنون والسفيه الذي لم يسبق رشده إنّما هو بالدليل.

قوله : عليه.

الضمير راجع إلى « السفه » والجار متعلّق بالحجر و « رفعه » عطف على الحجر والضمير « فيه » للحجر ، و « على حكمه » متعلّق بالتوقّف ، والضمير فيه للحاكم أيضا.

قوله : ورفعه على حكمه.

لا يخفى أنّ في توقّف الحجر على السفه ورفعه على حكم الحاكم أقوال كما يأتي بعضها :

الأول : توقفهما عليه معا.

ثانيها : توقف الحجر عليه ، دون رفعه ، فيزول بزوال السفه.

وثالثها : عكسه أي : ثبوت الحجر بمجرّد السفه وتوقّف الرفع على الحكم.

ورابعها : عدم التوقّف على الحكم مطلقا.

ومبنى الدليل على القول الأوّل ، ولا يتمّ على سائر الأقوال ، ومع ذلك ففي تماميّته على الأوّل نظر أيضا ؛ إذ لا ملازمة بين توقّف الثبوت والرفع على الحكم وكون النظارة للحاكم.

قوله : أو حابى.

وهي المفاعلة من الحبوة ، وهي العطية. والمراد : أن يبيع بأقلّ من القيمة ، أو يوجر بأقلّ من اجرة المثل ؛ فإنّ ذلك إعطاء للزائد.

وذكر البيع والإجارة على التمثيل ، وإلّا فلا يختصّ بهما ، فمثلهما ما لو حاباه في الشراء أو المصالحة أو الهبة المعوضة أو غيرها.

٦٢٨

قوله : فله الرجوع مطلقا.

أي : الرجوع إلى السفيه بأخذه من وليه مال السفيه ، فلو لم يكن للسفيه مال انتظر اليسر.

قوله : لا يترتب عليها حكم ويكون قابضا.

فلا يؤثّر في جواز القبض بدون إذن المالك الاوّل.

قوله : وفي إيداعه.

المراد بالإيداع والإعارة والاجارة حال السفه ، فلو تحقّقت هذه الامور قبله وحصل التلف بعده من فعل السفيه ضمن قطعا.

قوله : قبل السفه.

التقييد بقبل السفه ؛ لما يأتي من عدم انعقاد نذر متعلّق بمال حال السفه.

قوله : من كسب يجبر.

اورد على صورة التمكّن من اكتساب الزائد بأنّ ما يكتسبه مال ، فيتعلّق الحجر به في الزائد على نفقة الحضر. واجيب : بأنّه قبل الاكتساب لم يكن مالا وبعده لكونه في السفر يكون محتاجا إلى زيادة النفقة ، ولا حجر فيما يحتاج إليه.

وقد يجاب أيضا : بأنّ الاكتساب غير واجب على السفيه ، وليس للولي قهره عليه ، فلا يلزم من صرف ما يحصل به إتلاف لشي‌ء من المال الذي تعلّق به الحجر.

وفيه نظر ظاهر.

قوله : تعيّنه.

أي : تعيّن المال.

لا يقال : إنّه يمكن أن يراعى في الانفاذ مع التعيّن أيضا الرشد بأن يتصدّق بالمال المعين حال الرشد ، فلا فرق بينه وبين المطلق.

لأنّا نقول : إنه إذا كان معيّنا يتعلّق به حكم النذر حال النذر ، وهذا أيضا نوع تصرّف ، ولو حصل التصدّق حال الرشد ، بخلاف المطلق ؛ فإنّه لم يتعلّق حكم النذر بشي‌ء من ماله معيّنا حتّى يكون تصرفا فيه.

٦٢٩
٦٣٠

كتاب الضمان

قوله : من البري‌ء.

متعلّق بالتعهّد. أي : تعهّدا ناشئا من البري‌ء. وقوله : « من مال » متعلّق بالبري‌ء قوله : « لما ضمنه » متعلّق بمماثل وقوله : « للمضمون عنه » متعلّق بالبري‌ء ، لا بقوله : « ضمنه ».

وفائدة قوله : « مماثل لما ضمنه » إدخال تعهّد المشغول ذمّته بغير المماثل ؛ فإنّه ضمان ؛ إذ ليس بحوالة بناء على اشتراطها بشغل ذمّة المحال عليه بما أحال به.

وقوله : « للمضمون عنه » إدخال ما لو اشتغلت ذمّته لغيره ؛ فإنّه لا يمنع ضمانه عنه ، ولو جعل « للمضمون عنه » ، متعلّقا بضمنه لورد ذلك.

قوله : بالمصدر.

المراد بالمصدر : إما الضمان أو التعهّد ، وباسم الفاعل : البري‌ء.

فإن قلت : التعهّد يدلّ على المتعهّد ، والبري‌ء على الشخص لا على الضامن.

قلت : المراد بالضامن هذا الشخص الذي ينتقل إلى ذمّته المال سواء سمّي ضامنا أو متعهّدا ، أو بريئا ، والإتيان بلفظ الضامن لصدقه عليه أيضا ، لا خصوص الضامن من حيث إنّه مدلول عليه بهذا اللفظ.

قوله : لا في مال المولى.

أي : في ماله الذي غير ذمّة العبد ، وإلّا فذمّة العبد أيضا من مال المولى.

قوله : فلا يدلّ على الخاص.

اورد عليه : بأنّه إذا كان الضمان أعمّ من كلّ منهما ، فكان ذمّة العبد أيضا خاصّا ، فلا يدلّ الأعم عليه أيضا.

٦٣١

وجوابه :

أنّها وإن كانت خاصّة أيضا ، إلّا أنّها أرجح من سائر الأفراد ، لوقوع الضمان من العبد الذي هو صاحب الذمّة ، ولأنّها أيضا مال للمولى ، فلو دلّ الأعم على مال المولى دلّ عليها أيضا ، ولو دلّ على ذمة فهي ، وأمّا دلالته على المال الذي غير الذمّة فلا وجه له.

قوله : من الضمان الذي يستعقب الأداء.

يعني : أنّ المعهود من الضمان أنه الذي يتعقّبه الاداء ، وهو لا يكون إلّا بتعلقه بكسبه ؛ لأنه لولاه فإمّا يتبع العتق ، أو يتعلّق بمال المولى غير كسبه ، أو بمال غير المولى.

والأوّل غير متعقّب للأداء ؛ لأنّه فرع العتق الذي هو خلاف الاصل والظاهر ، والمحتاج إلى الكسب بعده أيضا ؛ إذ مجرّد العتق لا يوجب إمكان الأداء ؛ لاحتياجه إلى المال. والثاني باطل لايجابه ضمان المولى وهو منتف ، وبطلان الثالث ظاهر.

قوله : كما لو شرطه.

أي : مثله في عدم تعلّقه بذمّة العبد وعدم اتباعه العتق ، لا أنّه مثله في أنّه يجب الوفاء من مطلق مال المولى.

قوله : بنسبه.

وإن شرط تميزه بشخصه كما يصرّح به بعد ذلك.

قوله : وكون الخصومة حينئذ إلى آخره.

هذا دليل على أنّه لا يلزم الضامن ما يحلف عليه المضمون له بردّ اليمين من المضمون عنه. والمراد : أنّ خصومة المضمون له حينئذ مع الضامن والمضمون عنه معا ؛ لأنّ على المضمون عنه التعيين ، وعلى الضامن الأداء ، فالنزاع وحلف المضمون له بردّ المضمون عنه إنّما هو قاطع النزاع مع المضمون عنه الذي هو أحد خصميه ، فلا يلزم بسببه شي‌ء على الضامن الذي هو خصمه الآخر.

وقد يجعل قوله : « كون الخصومة » عطفا على قوله : « نفوذ الإقرار » ليكون مدخولا للعدم ويكون المعنى : وعدم كون الخصومة مع الضامن والمضمون عنه بل مع الضامن وحده ، فلا يلزمه ما ثبت بمنازعته مع المضمون عنه ، فينتفي الاحتمال الأوّل ؛ لأنّ المضمون عنه لا مدخليّة له في الخصومة حينئذ.

٦٣٢

وفيه : منع عدم مدخليته لما عرفت مع أنه يفسد الكلام حينئذ لأنّه يفهم منه أنه لو كان الخصومة مع الضامن والمضمون عنه يلزمه ما يثبت بمنازعة غيره.

قوله : أن يريد به.

أي : بالغريم. وذلك إذا أراد من المستحقّ قدر الحق كما مر.

وأمّا إذا كان المستحق بالكسر وكان المراد به : المضمون له ، فيكون المراد بالغريم :

المضمون عنه وحده ، وإلّا لزم التكرار.

قوله : ويريد بالعلم به الإحاطة.

« الواو » للاستيناف. وهذا ابتداء كلام مهّده لقول المصنّف : « بل تميّزهما » يعني : أن المراد بالعلم به المنفي اشتراطه الاحاطة بمعرفة حاله ونسبه ، لا مطلق العلم حتّى التميز بالشخص ؛ فإنّه لازم.

وليس عطفا على قوله : « يريد به » ؛ لأنّ المراد بالعلم ذلك مطلقا سواء اريد بالغريم الأعم أو الأخص. ولا ينافي ما ذكرنا قوله : « لسهولة الاقتضاء » حيث وصف المضمون له الذي هو أحد فردي الغريم على الاحتمال الثاني ، كما لا يخفى.

قوله : لسهولة الاقتضاء.

متعلّق بقوله : « أو وصف » أي : يعرف وصفه لسهولة الاقتضاء حيث إنّ لها مدخلية تامّة في قبول الضمان عنه.

قوله : أي : المستحق والغريم.

سواء كان المستحق بالكسر والمراد بالغريم : المضمون عنه ، أو المستحق بالفتح ، والمراد بالغريم : المضمون له والمضمون عنه معا.

قوله : أما الحق.

أي : اما اشتراط توجه القصد إلى الحق. وهذا بناء على جعل المستحق بالفتح ، حتى يكون الحق داخلا في قوله : « تميزهما » أيضا.

والمراد بتميّز الحق : نوع تميّز له كجميع ما في الذمّة ، أو ثلثه ، أو ربعه ، أو غير ذلك فلا ينافي ما سبق من الشارح : « أنه لو ضمن ما في ذمّته صحّ » حيث إنّه لم يتميّز ، لأنّه أيضا متميّز من حيث دلالته على ضمان جميع ما في الذمّة.

٦٣٣

قوله : ويشكل.

يمكن أن يكون المستحق بالفتح ـ أي : الحق ـ والمراد بالغريم : المضمون له ، وعلى هذا فلا دلالة لكلام المصنّف على اشتراط تميّز المضمون عنه ، فيندفع عنه الإشكال.

قوله : ضمان.

خبر لقوله : « عليّ » والمقول هو : « عليّ ضمان » ولفظه ليس جزءا للمقول ، بل هو من الشارح يعني : أنه قيل : إذا قال الضامن : « عليّ » فهو ضمان منه ، إذا تحقّق سائر شرائطه من تعيين أنه ضمان المال وعمّن هو كأن يقول : عليّ مالك في ذمّة فلان ولا يقدح احتمال كون المراد عليّ السعي أو المساعدة أو نحوهما ؛ لاقتضاء « علي » الالتزام.

قوله : أمّا ضمانه عليّ فكاف.

أي : ذلك كاف قطعا من غير ترديد كما كان لفظة « عليّ » محل الترديد ، ولذا نسبه إلى القيل.

ووجه كفايته : أنّ مع ضميمة « ضمانه » ينتفي احتمال إرادته أنّ عليّ السعي أو المساعدة أو نحوهما ، ولكن يشترط التصريح بالمال لخروج الكفالة.

قوله : لأنّ حقه إلى آخره.

لما كان قوله : « وقيل يكفي رضاه » متضمّنا لجزءين : أحدهما : اشتراط الرضا ، وثانيهما : كفايته وعدم الاحتياج إلى القبول ، فقوله : « لأنّ حقه » علّة للجزء الأوّل. وقوله « ولكن لا يعتبر القبول » علّة للجزء الثاني.

قوله : لما روي إلى آخره.

موضع الاستدلال ليس مجرّد ما ذكره الشارح ، بل تمام الرواية ، وهو أنه بعد ضمانه ( عليه‌السلام ) صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه حيث [ انه ] مطلق غير مقيّد بالسؤال عن الغريم أنه هل رضي بضمانه أم لا؟ ولو اشترط رضاه لسأل.

وفيه : أن عدم مطالبة الغريم بعد ضمانه دليل على رضاه مع أنه ثبت في الاصول أن الفعل المثبت لا يعمّ جميع أقسامه وجهاته.

٦٣٤

قوله : وإن أذن في الأداء.

أي : أذن في الأداء بعد الضمان كما صرح بذلك في بحث الكفالة حيث قال فيه في بيان الفرق بين الكفيل والضامن في أنّ الأوّل يرجع بمجرّد الإذن في الأداء ، دون الثاني :« بخلاف الضامن ؛ لانتقال المال إلى ذمّته بالضمان فلا ينفعه بعده الإذن في الأداء ؛ لأنّه كإذن البري‌ء للمديون في أداء دينه. انتهى ».

وعلى هذا يظهر توضيح التعليل الذي ذكره بقوله : « لأنّه متبرّع » إلى آخره يعني : أن الضامن حينئذ متبرّع بالضمان حيث إنّه كان قبل الإذن ، والضمان هو الذي يوجب النقل للمال من ذمّة المديون ، فبالضمان برئت ذمّته ، واشتغلت ذمّة الضامن ، فلا يفيد الإذن الحاصل بعده ؛ لأنّه إذن للمديون بأداء ذمّته ممّن ليس عليه دين.

قوله : في كل موضع يبطل.

اورد على طرده ما لو ضمن عهدة الثمن قبل قبضه ، وظهر بطلان البيع رأسا ، فإنه لا رجوع على الضمان حينئذ.

ولا يخفى ما فيه ، فإنّ المصنّف صرّح بأن المال المضمون ما جاز أخذ الرهن عليه ، ولا يجوز أخذ الرهن على ما لم يستقر في الذمّة ، والثمن قبل قبضه غير مستقرّ في الذمّة ، فكيف يتصوّر الضمان فيه؟

قوله : كالاستحقاق للمبيع إلى آخره.

اورد عليه : بأن الاستحقاق للمبيع المعيّن أي : ظهور كونه مستحقّا للغير ، لا يبطل البيع من رأس.

ولا يخفى ما فيه ؛ لأنّه قد مرّ في أوائل كتاب التجارة أنّ الإجازة كاشفة عن صحّة العقد أولا ، فعدم الإجازة كاشف عن بطلانه أولا ، أي : حين الضمان فكيف لا يبطل من رأس؟ فإن المراد بالبطلان من رأس : كونه باطلا حين الضمان ، وهذا أيضا كذلك ، نعم لو أجاز المالك يكون كاشفا عن صحّته ، وهو غير المفروض كما صرّح به الشارح.

هذا إذا قلنا : إن الاجازة كاشفة ، ولو جعلناها ناقلة ، أو قلنا ببطلان البيع الفضولي مطلقا ، فالأمر أظهر.

٦٣٥

قوله : من بناء.

والمراد : ضمان أرش المقلوع ، واجرة الأرض التي يأخذها المالك عن المشتري.

قوله : ظهورها.

أي : ظهور الأرض.

قوله : لأنه ثابت عليه.

أي : ضمان الأرش على البائع ثابت بنفس العقد بمعنى أنّه بحيث يجب عليه الأرش لو ظهر مستحقّا للغير وأخذ الغير الأرش ، لا أنّ الأرش ثابت بنفس العقد ، فلا ينافي ذلك ما ذكره الشارح بقوله : « عدم اجتماع شرائطه التي من جملتها كونه ثابتا حال الضمان ».

فإن المراد به : أنّ الأرش غير ثابت حال الضمان بعقد الضمان ، وإن كان الضمان اللازم للبيع ثابتا بنفس عقد البيع.

قوله : ضمانه إلى آخره.

أي : صحّة ضمانه بعقد أي ، ضمان الأرش لأجل كونه بائعا ، لا يوجب صحّة ضمانه بعقد الضمان ؛ فإنّ للضمان بعقده شرائط ليست للضمان الحاصل بعقد البيع.

قوله : بعقده.

أي : عقد الضمان.

قوله : والموجود من العيب.

يعني : أنّ الموجود من العيب حين العقد لم يكن موجبا للزوم تعيّن الأرش حتى يثبت في الذمّة أولا ، بل كان موجبا للتخيير بين الأرش والرد.

قوله : فلم يتعيّن الأرش.

أي : لم يتعيّن الأرش قبل الضمان حتّى يكون مستقرّا في الذمّة حاله ويصحّ ، وإنّما تعيّن بعد الضمان بسبب العلم واختيار الأرش ، فلم يكن ثابتا في الذمّة حال الضمان.

٦٣٦

كتاب الحوالة

قوله : وهي التعهّد بالمال.

لا يخفى أنّه إنّما يصلح تعريفا لقبول الحوالة. وأما نفس الحوالة فقد عرّفه في الشرائع :

بأنّه تحويل المال من ذمّة إلى ذمّة. وفي القواعد : أنه عقد شرع لتحويل المال من ذمّة إلى ذمّة اخرى. وهما أنسب وأصح ممّا ذكره المصنّف.

قوله : أشبه بالضمان.

أي : أشبه بالضمان من الحوالة على غير [ البري‌ء ] ، فانّه أيضا شبيه بالضمان من جهة انتقال المال من ذمّة إلى اخرى ، ولكن هذا أشبه به حيث إنّه لا يشترط في الضمان الاشتغال.

أو المراد : أنّ هذا أشبه من سائر أفراد الحوالة بالضمان ، فالمعنى على الأوّل : أن شباهته بالضمان أكثر من شباهته بسائر أقسام الحوالة وعلى الثاني : أنّ شباهته بالضمان أكثر من شباهة سائر أقسام الحوالة به.

قوله : ولكنّها لا تخرج بهذا الشبه من أصل الحوالة.

لأنّ كونه حوالة إنّما هو من جهة عمل المديون الذي هو التحويل ، وهو متحقّق وبهذا يفترق عن الضمان ، فإنّ في الضمان لا يشترط صدور عمل من المضمون عنه ، بل ولا رضاه ولا تميّزه ، بخلاف الحوالة ؛ فإنّه عمل صادر من المحيل ، ولا يتحقّق بدون رضاه.

قوله : ودينه.

إضافة الدين إلى الضمير بمعنى : « اللام » ولا يخفى أنّ هذا الدليل لا يجري في الحوالة على البري‌ء ؛ إذ ليس للمحيل دين عليه.

٦٣٧

قوله : من جملتها.

الأولى أن يقول : ( من جملته ) ؛ لأنّ الدين مال ، لا من جهات القضاء ، نعم حوالته من جهاته ولعلّه المراد ، واكتفى عن التصريح به بقرينة المقام.

قوله : فلا يلزمه.

الضمير المنصوب إمّا راجع إلى المحيل أو المحتال. فعلى الأوّل يمكن أن يكون المراد باللزوم : الجواز تجوّزا أي : فلا يجوز له ذلك. أو المراد : الثبوت والتحقّق ويقدر مضاف لقوله : « نقله » أي : فلا يثبت له جواز نقله إلى آخره.

وعلى الثاني يكون المعنى : فلا يلزم المحتال قبول النقل المتحقّق بغير رضاه.

قوله : نعم لو كانا مختلفين.

لا يخفى أن هذا لا يلائم ما ذكره المصنّف في التعريف حيث قال : « من المشغول بمثله » فإنّ المستفاد منه : أنّ التعهّد من المشغول بغير مثله ليس حوالة. والمستفاد من قول الشارح هذا أنه حوالة. وجعل قوله : « بمثله » متعلّقا بالتعهد ، واريد قبول المحيل مثل مال المحتال ، ولو لم يشغل ذمّته به ، وإن كان ممكنا ولكنّه بعيد.

ولكن سيصرّح الشارح بصحّة الحوالة على المشغول بغير المثل أيضا.

قوله : عندنا.

متعلّق بالضمان. وإشارة إلى خلاف العامّة حيث يجعلون الضمان ضمّ ذمّة إلى ذمّة.

قوله : بأن يضمن الضامن آخر.

الضامن متعلّق بقوله : « يضمن » وآخر فاعل له.

قوله : وقد تظهر الفائدة في ضمان الحالّ إلى آخره.

وذلك كما إذا كان للمضمون له دين على مضمون عنه حالا ، وأراد جعله مؤجلا على وجه اللزوم ، فيضمن ثالث مؤجلا ، فيبرأ حينئذ المضمون عنه عن الدين الحالّ ، ويستقلّ الضامن بالمؤجّل ، ثم يضمن المضمون عنه عن الضامن بالمؤجّل ، فيلزم الأجل ، وكذا عكسه بأن يكون الدين مؤجّلا واراد حلوله لازما فيضمن ثالث حالا والمضمون عنه عن الثالث كذلك ، فيلزم الحلول.

٦٣٨

قوله : لئلّا يصير.

فإنّه يخرج المسألة حينئذ عن المتنازع فيه ، وإن جاز ذلك أيضا.

قوله : حيث منع منه.

أي : من التكافل. ووجه زيادة الارتفاق : أنه إذا تكافلا وضمن كلّ واحد من المتكافلين ما على صاحبه أوّلا ، فيتسلّط المحتال على الرجوع لكلّ منهما في مجموع الحق ، فيكون أقرب إلى الوصول ممّا كان أوّلا ؛ لأنّ المجموع أوّلا كان في ذمّة المحيل ، وهو شخص واحد ، والآن يكون المجموع في ذمّة شخصين اذ كلّ واحد منهما مشغول ذمّته بالمجموع ، وإن برئت بأداء الآخر.

ولا شك أن ما في ذمة شخصين أقرب إلى الوصول عمّا في ذمّة الواحد ؛ فإنّه إذا فلس أحدهما ، أو مات بقي الآخر ، فيكون أرفق ممّا كان أوّلا ، وهذا ممتنع في الحوالة.

ولا يخفي أنّ هذا لو صحّ لمنع من أصل الحوالة على الاثنين ، وإن لم يتكافلا ؛ لأنّ تعلّق مال على اثنين أسهل وصولا ممّا إذا تعلّق بالواحد.

فإن قلت :

لعلّ ذلك الواحد الذي هو المحيل متّصف بوصف يساوي الاثنين في سهولة القضاء.

قلنا :

مع أنه غير مطّرد يجري في التكافل أيضا ؛ إذ لعلّ تعلّق المال على كلّ من الشخصين لا يوجب اطراد أقربيّته إلى الوصول ممّا إذا تعلّق بالواحد ؛ إذ لعل ذلك الواحد أملأ وأحسن قضاء من الاثنين.

ثمّ لا يخفى أنّ تعلّق كلّ المال بكلّ من الاثنين إنّما هو على مذهب من يجعل الضمان ضمّ ذمّة إلى آخر ، وأمّا على مذهبنا فلا ، كما صرّح به الشارح.

قوله : عملا بالظاهر.

تعليل لقوله : « دون الحوالة ». والمراد بالظاهر ؛ الظاهر المتقدّم ، وهو كون المحال عليه مشغول الذمّة ، وهذا الظهور لمّا لم يكن في الضمان احتمل الفرق.

٦٣٩
٦٤٠