الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

النسبة أي التفاوت بينهما ويجمع ، وينسب المجموع الى المجتمع من الصحيحين ، ويؤخذ من [ الثمن ] بنسبتها.

وعلى هذا فالمراد من قوله في الطريق الأوّل : « وتنسب إحداهما إلى الاخرى » لازمه ، وهو تحصيل التفاوت بينهما وأخذه والمراد من قوله : « ويؤخذ بتلك النسبة » : هو معناه الشائع بينهم في هذا المقام كما مرّ في قول الشارح : « ويؤخذ من الثمن مثل تلك النسبة »

والمراد من قوله في الطريق الثاني : « ويجمع قدر النسبة » : أيضا لازمه أي : يجمع التفاوت بين كلّ قيمة معيب وصحيحها. والمراد من قوله : « يؤخذ من المجتمع بنسبتها » :أنه يؤخذ من المجتمع من مجموع الصحيحين بنسبة قدر النسبة المجموعة أي : ينسب مجموع قدر النسبة ـ أي : التفاوتين ـ إلى مجموع الصحيحين. ولما كان تتمة العمل وهي الأخذ من الثمن بهذه النسبة معلوما مذكورا مكررا تركها.

والملخص أنه إذا تعدّدت القيم يمكن أخذ الأرش بثلاث طرق متحدة مآل كلّ منها مع الآخر ومع ما إذا اتّحدت القيمة.

أحدها :

أن يؤخذ القيمة المنتزعة من مجموع القيم ، ويؤخذ الأرش بالطريق المتقدم أي : بنسبة التفاوت إلى الصحيح وأخذ مثله من الثمن.

وثانيها :

أن لا يؤخذ القيمة المنتزعة ، بل تجمع القيم [ الصحيحة ] ، ثم المعيبة ، ويؤخذ الأرش بالطريق المتقدّم أي : بنسبة تفاوت مجموع المعيبين والصحيحين إلى مجموع الصحيحين ، وأخذ مثله من الثمن.

وثالثها :

أن لا تؤخذ المنتزعة ، ولا تجمع الصحيحة والمعيبة ، بل ينسب كلّ معيب إلى صحيحها ، ويؤخذ الأرش بالطريق المقدّم أي : بجمع مجموع ما يكون من التفاوت ونسبته إلى مجموع الصحيحة ، وأخذ مثلها من الثمن.

٥٨١

فالتفاوت بين الطرق في كيفية تحصيل التفاوت بين المعيب والصحيح ، لا غير. وعلى هذا يتّحد جميع الطرق الثلاثة في جميع المواضع ، ولا يختلف أصلا كما سنذكر.

وأما ما ذكره الشارح من حصول التفاوت بين الطريقين الأخيرين في بعض الأوقات ، فهو ناش عن الغفلة عن المراد في الطريق الأخير.

قوله : وقيل : ينسب إلى آخره.

قد علم توضيح العبارة على ما حملنا هذه الطريقة عليه. وأما الشارح فقد حمل قوله :

« ويجمع قدر النسبة » على أنه بعد نسبة كل قيمة معيب إلى صحيحها يجمع قدر النسبة من الثمن ويؤخذ من المجتمع من هذه التفاوتات المنسوبة إلى الثمن بنسبة عدد القيم أي :بنسبة الواحد إلى عدد القيم فيجمع في المثال الآتي السدس وثلاثة أثمان من الثمن ، ويؤخذ نصفه.

ولا يخفى عدم مدخليّة ذلك في الأرش.

قوله : كما لو قالت إحدى البيّنتين.

طريق أخذ الأرش على هذا على الطريق المستفاد مما ذكره سابقا أن يجمع اثنا عشر مع الثمانية يحصل عشرون فينصف ، وهو القيمة الصحيحة ، ثمّ يجمع العشر مع الخمسة يحصل خمسة عشر فينصف ، وهو القيمة المعيبة.

والتفاوت بين النصفين ربع النصف الذي هو قيمة الصحيح أي : اثنين ونصف فيؤخذ ربع الثمن.

قوله : فالتفاوت بين القيمتين

هذا إشارة إلى طريق [ أخذ ] الأرش بالطريق الأوّل الذي ذكره الشارح من الطريقين. حاصله : أنه يجمع الصحيحان يحصل عشرون ، والمعيبان يحصل خمسة عشر ، ويؤخذ التفاوت بينهما من غير تنصيف. والتفاوت هو ربع الصحيحين يؤخذ مثله من الثمن ، وهو بعينه الحاصل من الطريق السابق.

قوله : وعلى الثاني.

هذا إشارة إلى طريق أخذ الأرش بالطريق الثاني من الطريقين اللذين ذكرهما

٥٨٢

الشارح. وحاصله على ما ذكرنا : أنه تنسب احدى المعيبتين ـ وهي العشرة ـ إلى صحيحتها ، وهي اثنا عشر ، والتفاوت سدس الصحيحة هنا وهو اثنان ، ثم ينسب الاخرى إلى الاخرى ، والتفاوت ثلاثة أثمان الصحيحة هنا ، وهي ثلاثة [ ثمّ ] يجمع سدس اثني عشر وثلاثة أثمان الثمانية أي : خمسة ، وينسب إلى مجموع الصحيحتين وهو العشرون ، يحصل الربع ، فيؤخذ مثله من الثمن ، وهو بعينه الحاصل من الطريقين السابقين ، وبناء الشارح على أنه يؤخذ السدس وثلاثة أثمان من الثمن.

قوله : ومجموع ذلك من الاثني عشر.

أي : الاثني عشر الذي هو الثمن المفروض بقوله : « لو كان كذلك » لا الاثني عشر الذي هو إحدى قيمتي الصحيح

قوله : ولو كانت ثلاثا.

طريق أخذ الأرش في هذا المثال على الطريق السابق المستفاد وأخذ القيمة أن تجمع القيم الصحيحة ، فيحصل ثلاثون ، فيؤخذ ثلثه ، وهو عشرة ، ثمّ تجمع المعيبة ، فيحصل أربعة وعشرون ، فيؤخذ ثلثه وهو ثمانية ، والتفاوت بين الحاصل من قيمة الصحيحة والحاصل من المعيبة خمس الصحيحة ، فيؤخذ خمس الثمن.

قوله : والتفاوت ستّة.

هذا إشارة إلى طريق أخذ الأرش بالطريق الأوّل من الطريقين. وحاصله : أنه تجمع القيمة الصحيحة ، فيحصل ثلاثون ، والمعيبة فيحصل أربعة وعشرون ، ويؤخذ التفاوت بينهما وهو خمس مجموع الصحيحة ، فيؤخذ خمس الثمن.

قوله : وعلى الثاني.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش بالطريق الثاني من الطريقين ، وحاصله على ما ذكرنا : أن ينسب الاثنا عشر إحدى القيم الصحيحة إلى العشرة إحدى المعيبة ، ويؤخذ التفاوت أي :سدس الاثني عشر ، وهو اثنان ، ثمّ ينسب العشرة إحدى الصحيحة إلى الثمانية إحدى المعيبة ، ويؤخذ التفاوت أي : خمس العشرة ، وهو أيضا اثنان ، ثم ينسب الثمانية إحدى الصحيحة إلى المعيبة ، ويؤخذ التفاوت أي : ربع الثمانية ، وهو أيضا اثنان. ثمّ يجمع مجموع

٥٨٣

ما به التفاوت فيحصل ستّة ، ينسب إلى مجموع قيم الصحيحة ، وهو ثلاثون ، يكون خمسة ، فيؤخذ خمس الثمن.

قوله : فطريقته تنصيف المعيبتين.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش في هذا المثال بالطريق السابق أي : الطريق الأوّل من الطرق الثلاثة التي ذكرناها.

قوله : أو تجمع المعيبتين.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش في المثال بالطريق الثاني منها أي : الطريق الأوّل من الطريقين اللذين ذكرهما الشارح. ووجه تضعيف الصحيحة حينئذ أنه لما كانت اللازم على أصل القاعدة وهى أخذ القيمة المنتزعة أن ينسب نصف المعيبتين إلى الصحيحة ، ونسبة نصف الشي‌ء إلى شي‌ء كنسبة نفس الشي‌ء الأوّل إلى ضعف الشي‌ء الثاني ، فإذا لم ينصف المعيبتان يلزم تضعيف الصحيحة ، ثمّ النسبة.

قوله : وعلى الثاني.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش بالطريق الثاني من الطريقين ، وحاصله على ما ذكرنا : أن ينسب أحد المعيبتين وهي العشرة إلى الاثني عشر قيمة الصحيحة ، فيحصل التفاوت سدس اثني عشر ، وهو اثنان ، ثمّ ينسب المعيبة الاخرى وهي الستّة إلى الاثني عشر الصحيحة ، فيحصل التفاوت نصف اثني عشر ، وهو الستّة ، ويجمع التفاوتان تحصل ثمانية ينسب إلى ضعف الصحيحة ، وهو أربعة وعشرون ، يكون ثلاثة ، فيؤخذ ثلث الثمن ، وهو بعينه الحاصل من الطريقين الأوّلين.

قوله : فإن شئت جمعتهما.

أي : الصحيحتين والمعيبتين بتضعيف المعيبة. وهذا إشارة إلى أخذ الأرش بالطريق الأول من الطريقين. وحاصله : أن يجمع الصحيحتان يحصل ثمانية عشر ويضعف المعيبة يحصل اثنا عشر ، ويؤخذ التفاوت وهو الثلث.

قوله : أو أخذت نصف الصحيحتين.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش بالطريق الأوّل من الثلاثة.

٥٨٤

قوله : وعلى الثاني.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش بالطريق الثاني من الطريقين. وحاصله على ما ذكرنا : أن ينسب الستّة المعيبة إلى الثمانية الصحيحة ويؤخذ التفاوت وهو ربع الثمانية اثنان ثم ينسب الستة المعيبة إلى [ الثمانية الصحيحة ويؤخذ التفاوت ، ] (١) وهو ربع الثمانية وخمسا العشرة. أي : ستّة ينسب إلى مجموع الصحيحتين ، وهو ثمانية عشر يحصل الثلث ، فيؤخذ من الثمن.

قوله : وهو ينقص عن الثلث بنصف خمس.

يعني : أن الثمن والخمس المنسوبين إلى الثمن المفروض هنا ، وهو اثنا عشر ، ينقص عن الثلث أى الثلث المعهود ، وهو ثلث اثني عشر ، بنصف خمس الواحد ، لا أن الثمن والخمس لكلّ عدد ينقص عن ثلثه بنصف خمسه ، أو نصف خمس الواحد ؛ إذ ليس كذلك كما لا يخفى.

قوله : وما تقدّم.

أي : تقدّم في بحث خيار الحيوان ، وما تقدّم إشارة إلى ما ذكره بقوله : « ولو قصد به الاستخبار » إلى اخر ما ذكره في هذا البحث.

قوله : ولو رضي البائع

أي : فيما لو حدث عيب مضمون على المشتري.

قوله : وفي حكمه.

أي : في حكم ما ذكر من التصرف وحدوث العيب مع إيجابه المنع من الرد. أو في حكم حدوث العيب حيث إنّ تبعّض الصفقة والشركة أيضا عيب ، والضمير المجرور في قوله :« ظهر فيه » راجع إلى المبيع المدلول عليه بقوله : اشترى ، أو الى الصفقة باعتبار كونها مبيعا. ثمّ لا فرق في ظهور العيب في كل من أفراد الصفقة ، أو في بعضها ، الموجود كان ذلك البعض أو التالف.

قوله : وأولى بالمنع من التفرق.

__________________

(١) الصحيح [ العشرة الصحيحة وهو خمسا العشرة أربعة ، ثمّ يجمع التفاوتان ] فلا تغفل.

٥٨٥

يعني : أولى بأن يمنع من تفرق المتشاركين في الصفقة بأن يحكم لأحدهما بالرد ، وللأخير بالأرش ، أو السقوط. أو من تفرق الصفقة بأن يأخذ أحد المشاركين حصة منها مع الأرش ، أو بدونه عند الإسقاط ، ويردّ الآخر حصّته. وقوله : « الوارث » خبر لقوله :« أولى ». أي : الوارث عن واحد إذا كان متعدّدا أولى بالمنع من التفرّق ممّا إذا كان المشتري نفسه متعدّدا.

والمراد : أنه إذا اشترى شخص صفقة واحدة أو متعدّدة ، ثم مات ، وانتقلت إلى الوارث المتعدّد ، وظهر فيها عيب ، وامتنع بعض الورثة عن الرد ، وأراد بعضهم الرد ، فمنع ذلك البعض عن الرد أولى من منعه إذا كان نفسه مشتريا مع غيره.

قوله : لأنّ التعدّد طارئ.

تعليل لأولوية المنع. وبيانه : أنه إذا كان الشريكان مشتريين بنفسهما يمنع أحدهما عن الرد بامتناع الآخر مع أنّ المشتري كان متعدّدا أولا ، فيحتمل كون حصّة كلّ منهما مبيعا منفردا فيتعدّد المبيعان ، وكذا البيع ، فيحتمل عدم سقوط ردّ أحدهما بامتناع الآخر ولذا قال بعض الفقهاء بجواز ردّ أحدهما أيضا حينئذ مستدلا بذلك ، بخلاف ما لو انتقل إلى المتعدّد من المورث الواحد ، فإن المبيع والمشتري كان أوّلا واحدا وطرأ التعدّد بعد العقد وهو لا يوجب تعدّد المبيع والبيع قطعا.

قوله : غير مقيّد بالأرش.

فإنّه لو قيّده بالأرش يسقط الرد خاصّة ، لا هما معا.

قوله : وأولى منه.

أي : من الرضا. ووجه الأولويّة : أنّ دلالة الرضا على سقوط الرد والأرش التزامية ، ودلالة إسقاط الخيار صريحة.

قوله : على أصحّ القولين.

مقابل الأصح قول ابن الجنيد ، وابن البراج بعدم السقوط بالبراءة عن عيب [ غير ] معيّن.

قوله : ولا فرق.

أي : في سقوط الخيار ببراءة البائع.

٥٨٦

قوله : حيث تكون مضمونة على البائع.

قيد للمتجدّدة ، والتقييد به ؛ لأنّ ما يتجدّد وليس مضمونا على البائع ، لا يوجب خيارا ، حتى ينفع البراءة منه.

قوله : لأنّ الخيار بها إلى آخره.

الضمير المجرور راجع إلى « المتجدّدة » والمراد بالسبب : سبب الخيار. وقوله :« حينئذ » أي : حين العقد. وغرضه من هذا التعليل دفع ما يقال من : أنه كيف تصح البراءة حين العقد من المتجدّدة ، مع أنها غير موجودة حال العقد ، فلا معنى للبراءة عنها ، فإنّ البراءة إنما تكون عن شي‌ء موجود.

وحاصل التعليل : أن الغير الموجود حين العقد هو سبب الخيار الذي هو العيب ؛ فانه لم يوجد بعد ، فلا يضمنه حينئذ ، ولكن الخيار يثبت بأصل العقد حين العقد أي : يلزم العقد أن له الخيار لو وجد سببه ، فالخيار المقيّد يحصل له بأصل العقد [ و ] إن لم يحصل له الخيار المطلق.

خيار التدليس

قوله : ومنه اشتراط صفة.

أي : من التدليس أن يشترط اتّصاف المبيع بصفة ، فعلم فقدانها فيه. والتصريح به ؛ لأجل خفاء كونه من التدليس. حيث إن الظاهر أن يعمل أمر يشتبه بسببه الواقع.

وقوله : « سواء كان من البائع أم المشتري » أي : سواء كان الاشتراط من البائع في المبيع ، أم من المشتري في الثمن ، أو سواء كان من البائع في المبيع أم من المشتري فيه ، بأن يبتاعه بشرط صفة لم تكن فيه ، وسكت البائع عن بيان فقدانها فيه.

قوله : أو توهّمها المشتري.

يعني : أو توهّم المشترى صفة موجودة فيه كمالا ذاتيا وإن لم يشترط البائع كونها كمالا ذاتيا وقوله : « كتحمير الوجه » مثال للصفة المتوهّمة كمالا أي : كالحمرة الحاصلة بالتحمير ، واتصال الشعر الحاصل بالوصل ، وإلّا فنفس التحمير والوصل لا يصلحان مثالين للصفة ، ولا للتوهّم.

٥٨٧

ويمكن أن يكون المعتبر توهمها بعمل من البائع كتحمير الوجه حتى يكون التحمير والوصل مثالين للعمل.

قوله : والواقع ليس بعيب.

أي : الحالة الواقعية الحاصلة بدون التحمير والوصل ليست بعيب ، بل فوات أمر زائد على أصل الخلقة ، وهو حمرة الوجه وطول الشعر.

ولا بدّ من التقييد بما إذا لم يكن الواقع نقصا عن أصل الخلقة كما إذا كانت الأمة أسمر ، فحمر وجهها. أمّا إذا كان نقصا كما إذا كان أصفر اللون بسبب عارض ، فيكون عيبا وله الأرش.

قوله : بل يحتمل ثبوتهما.

أي : ثبوت الرد والأرش المخيّر فيهما ؛ [ وقوله ] « لما ذكرناه » إشارة الى ما ذكره من أنّ البكارة مقتضى الطبيعة وفواتها نقص.

قوله : وإنما يثبت الحكم إلى آخره.

وهو الرد والارش.

قوله : قد تذهب.

أي : بعد البيع.

قوله : وغيرهما.

كحمل ثقيل أو سقطة.

قوله : ترتب الحكم.

حيث ان العيب المتجدد فيهما مضمون على البائع ؛

قوله : لجواز تعلّق غرضه.

مثل أن يكون المشتري عاجزا عن وطئ البكر.

قوله : وكذا التصرية.

أصله من الصري. يقال : صرى الماء زمانا في ظهره أي : احتبس فيه. وقوله : « وكذا التصرية » أي : كتحمير الوجه ووصل الشعر ، فيوجب الرد لو فعل ذلك وإن لم يشترط.

٥٨٨

قوله : عادة.

متعلّق بقوله : « اتفقت » أي : اتفقت عادة ، فلا يضر النقصان القليل.

قوله : وإن اختلفت.

أي : اختلفت مع السابقة على البيع.

قوله : يثبت الخيار.

لا يخفى أنّ بعد ثبوت الخيار بنقصان بعض الحلبات عن الاولى في الثلاثة ، فلو زاد في الثلاثة بعد النقصان لا تظهر فائدة [ في ] التأخير إثبات الخيار إلى بعد الثلاثة. وأيضا يظهر من إطلاق العبارة أنّه لو نقصت حلبة واحدة في الثلاثة عن الاولى يثبت الخيار ، ولو زاد بعدها مستمرا ، وهذا بعيد جدّا ؛ لأنّ الظاهر حينئذ عدم استناد تغيّر اللبن في تلك الحلبة الواحدة إلى التصرية ، بل إلى العلف ، أو المكان ، أو الشرب ، أو غير ذلك.

ويظهر من كلام العلّامة : أنّه لا أثر للنقصان في اليوم الثاني ما لم يستمر إلى الثالث ، بل يظهر من كلام بعض آخر أيضا : أن اللازم النقصان في الثلاثة.

ويمكن توجيه كلام الشارح أيضا بأن يقال : « في الثلاثة » في قوله : « ولو زاد بعدها في الثلاثة » ليس متعلّقا بقوله : « زاد » بل بالناقصة التي هي مرجع الضمير في قوله : « بعدها » أي : وإن زاد اللبن بعد الحلبة الناقصة في الثلاثة. ويحمل الزيادة على البعض على كونها بعد الثلاثة ، ولكنّه خلاف ظاهرها.

قوله : بلا فصل.

متعلّق بقوله : « بعد الثلاثة » وقوله : « على الفور » متعلّق بقوله : « ثبت ».

قوله : ولو ثبت ... بالإقرار ، أو البيّنة.

لا يخفى أنّ الفرق بين ثبوت التصرية بالإقرار أو البيّنة وبين ثبوتها بالاختيار بعد اشتراط النقصان في الخيار بالثبوت بالبينة والإقرار على القول بعدم اشتراط استمرار النقصان إلى تمام الثلاثة كما هو ظاهر عبارة الشارح ، يكون في مجرد وقت الخيار فعلى الاختبار يكون الخيار بعد الثلاثة ، وعلى البينة والإقرار يكون مدّة الثلاثة.

٥٨٩

وأمّا على القول باشتراط الاستمرار والنقصان في الاختبار ، فيكون نفس اشتراط الاستمرار فرقا آخر أيضا.

قوله : ويشكل بإطلاق توقّفه على الاختبار ثلاثة.

أي : يشكل جعل خيار التصرية بالثلاثة خيار الحيوان بإطلاق توقّفه أي : ذكر توقّف خيار التصرية على الاختبار ثلاثة ، فلا يحصل إلّا بعد الاختبار الغير الحاصل إلّا بعد الثلاثة ، فلا يجامع خيار التصرية الثلاثة اي لا يتحقّق في ظرف الثلاثة لأنّه لا يثبت بدون اختبار الثلاثة ، وخيار الحيوان إنّما يكون في ظرف الثلاثة.

وظهر ممّا قلنا أنّ المراد بالإطلاق : الذكر لا الإطلاق الاصطلاحي المقابل للتقييد.

ويمكن أن يراد به : الإطلاق المصطلح ، ويكون المراد : إطلاق الثلاثة من غير تقييد بجزء منها أي : لم يقيّد الثلاثة والاختبار بجزء منها حتّى يتحقّق الخيار في ظرف الثلاثة أيضا.

قوله : والحكم بكونه إلى آخره.

أي : رفع الإشكال : بأن يحكم بكون المشتري مخيّرا بالتصرية في آخر جزء من الثلاثة حتّى يجامع الخيار الثلاثة أيضا كخيار الحيوان يوجب ارتكاب المجاز في لفظ « الثلاثة » حيث اطلقت الثلاثة التي هي حقيقة في تمامها على ما سوى آخر جزء منها.

هذا ، مع [ أنّ ] ذلك أيضا لا يوجب رفع الإشكال ؛ لأنّ خيار الحيوان في مجموع الثلاثة ، وهذا يكون في آخر جزء منها ، فلا يتّحدان.

خيار الاشتراط

قوله : ويصحّ اشتراط سائغ في العقد.

أي : يصحّ أن يشترط في العقد أمر سائغ. فقوله : « سائغ » بالجر لا بالرفع كما قيل ؛ إذ على الرفع يكون صفة للاشتراط ، فيصير المعنى : ويجوز اشتراط متّصف بجواز اشتراطه ، وهذا إثبات الشي‌ء لنفسه ، أو يكون معناه : والاشتراط الجائز جائز.

فإن قلت : لا ضير في ذلك ، لأنّه يكون المعنى : والاشتراط الجائز جائز في العقد.

٥٩٠

لأنا نقول : الاشتراط لا يكون إلّا في العقد ، فمعنى الاشتراط الجائز الاشتراط الجائز في العقد.

ثمّ قوله : « في العقد » يكون متعلّقا بقوله : « يصح » ، لا بقوله : « سائغ » ؛ إذ لو تعلّق بسائغ يكون المعنى : ويجوز أن يشترط في العقد شرط جائز في العقد ، هذا كلام لغو.

قوله : او يمنع منه الكتاب والسنّة.

لفظة « الواو » بمعنى : « أو ». والضمير المجرور راجع إلى الاشتراط أي : يمنع من اشتراطه الكتاب والسنّة ، سواء كان نفس المشروط أيضا ممنوعا كشرب الخمر والسرقة ، أو كان نفسه جائزا ، ولكن لم يجز اشتراطه كالشروط المنافية لمقتضى العقد كعدم التصرّف في المبيع ، أو عدم وطء الأمة المبتاعة.

قوله : وجعل ذلك.

قيل : المشار إليه عدم الجهالة ، وعدم منع الكتاب والسنّة.

ولا يخفى أنّ الشرط المجهول أمر سائغ ، ولكنّه لا يصحّ في العقد ، فلا يكون قيد « السائغ » مغنيا عن قيد « عدم الجهالة » ، فلا يصحّ جعل ذلك إشارة إليه ، بل هو إشارة إلى الأخير خاصة.

نعم لو قرئ « سائغ » ـ بالضم ـ حتّى يكون صفة للاشتراط لكان مغنيا عن عدم الجهالة أيضا ؛ لأنّ اشتراط المجهول غير سائغ ، ولكن قد عرفت أنه مجرور بحذف المضاف.

نعم ، يكون قيد منع الكتاب والسنة على جعل الضمير المجرور راجعا إلى الاشتراط مغنيا عن قيد عدم الجهالة ، ولا محذور فيه ؛ لجواز إغناء اللاحق عن السابق. ثمّ كون قيد « السائغ » مغنيا عن قيد « منع الكتاب والسنّة » إنّما هو على إرجاع الضمير إلى المشروط ، وأما على ما ذكرنا من إرجاعه إلى الاشتراط لا يكون مغنيا عنه ؛ لجواز أن يكون أمر سائغا ، ومنع من اشتراطه الكتاب والسنّة كما مر ، فبناء الشارح على الاحتمال الأوّل ، ولكن الظاهر أنّ بناء المصنّف على الثاني.

٥٩١

ثمّ قوله : « متكلّف » ـ بفتح اللام ـ خبر للجعل أي : متكلّف فيه. وفي بعض النسخ :« تكلّف » وهو أظهر.

قوله : شرط وطء البائع إيّاها.

إظهار قوله : « شرط » هنا دون سابقه ؛ لئلّا يتوهّم عطف وطء البائع على وطء الأمة.

قوله : فيما بعد.

احتراز عن اشتراط كونها حاملا حال البيع ؛ فإنّه جائز ؛ لكونه أمرا واقعا إذ كان ويمكن تحصيل العلم به ولو بعد مدّة.

قوله : إلى أوان السنبل.

لا يخفى أنّ جهالة اشتراط التبقية إلى أوان السنبل من وجهين : أحدهما : من جهة صدق السنبل حيث إنّه يطلق على ما بلغ أوّله إلى أوان الحصاد. وثانيهما : من جهة أوان بلوغ السنبل.

وقوله : « يحمل على المتعارف من البلوغ » يحتمل الأمرين ، ولكن لا يخفى أنّ كون المتعارف من أوان البلوغ منضبطا محل نظر ؛ لتفاوت الشيئين ( كذا ) بحسب شدّة حرارة الهواء وخفّتها ، وتقديم الزرع وتأخيره في وقت بلوغ السنبل ، نعم ينضبط أوانه في تمثيل ( كذا ) أوائل الصيف ـ مثلا ـ وهذا لا يرفع الجهالة.

قوله : فإذا بطل يجهل الثمن.

قيل : لا وجه لكون الثمن مجهولا ؛ فإنّ الباقي والمجموع المركب منه ومن الشرط الباطل معلومان ، نعم لم يسلم الثمن بتمامه.

أقول : اعلم أنّ الشرط تارة يكون جزءا من المبيع كأن يشترط في العقد أن يعمل البائع للمشتري عملا بلا اجرة ، واخرى جزءا من الثمن كما يشترط عمل المشتري للبائع. فعلى الأوّل : إذا بطل الشرط بطل جزء من المبيع ويلزمه بطلان جزء غير معلوم من الثمن ، فيصير الثمن مجهولا.

وعلى الثاني : يبطل جزء معلوم من الثمن ، ولا يلزم جهل الثمن ونظر الشارح إلى الأوّل ، ونظر الباحث إلى الثاني.

٥٩٢

ويمكن أن يراد بالثمن : أحد العوضين مطلقا كما يطلق ، وحينئذ يصحّ الحكم بجهل الثمن في الصورتين ، ولا يكون للبحث مجال.

قوله : كشرط الوكالة في العقد.

متعلّق بالشرط. ويمكن تعلّقه بالوكالة أي : شرط الوكالة في عقد ، والمراد بشرط الوكالة : أن يشترط في العقد كونه وكيلا ، لا أن يشترط أن يوكّله بعد ذلك ؛ لاحتياجه حينئذ إلى صيغة اخرى بعد العقد.

ثمّ شرط الوكالة تارة يكون مع تعيين مدّة الوكالة كأن يشترط كونه وكيلا إلى شهر ، واخرى بدون التعيين ، وفي الأوّل لا يجوز له العزل بعد العقد ، وأما في الثاني فيجوز والمراد بشرط الوكالة في المثال : هو الأوّل خاصّة ، فلا يرد ما قيل من : أنّ الوكالة ممّا يمكن عزل الوكيل بعد العقد ، غاية الأمر تحقّق أصل الوكالة بالعقد ، فيكون ممّا يجوز الاخلال به بعد العقد ، ولا يتحقّق فرق بينه وبين القسم الآخر ، ويلزم منه كون هذا التفصيل من المصنّف غير مختاره في هذا الكتاب.

بل في عدم الفرق في صورة عدم تعيين هذه الوكالة أيضا نظر ؛ لأنّ العزل الطارئ بعد العقد هو أمر آخر سوى أصل الوكالة ، فجوازه لا يوجب جواز الاخلال بأصل المشروط من حيث هو مشروط ، ومقتضى جواز الإخلال به عدم لزوم أصل الوكالة بالعقد لا بقائها ، فتأمل.

خيار الشركة

قوله : فيصير.

تفريع على البقاء خاصّة.

قوله : لمناسبته إلى آخره.

بيان لعلاقة المجاز ، والمراد : أنّ العلاقة هي المناسبة ـ أي : المشابهة ـ في نقص المبيع.

غاية الأمر أنّ النقص في العيب بحسب أصل الخلقة وليس بحسبه في الشركة.

وقوله : « في نقص المبيع » بيان لوجه المشابهة. وقوله : « بسبب الشركة » بيان لعلّة نقص المبيع هاهنا ، وليس تتميما وجزءا لوجه المشابهة ، فإن النقص في العيب ليس بسبب الشركة.

٥٩٣

قوله : بفوات وصف.

يحتمل تعلّقه بقوله : « فكان » أي : كان بسبب فوات وصف كالعيب ، وتعلّقه بالعيب أي :كان كالعيب الكائن بفوات وصف والثاني أولى وأظهر.

خيار تعذر التسليم

قوله : ظنّا.

حال عن فاعل « اشترى ». والمصدر بمعنى الفاعل. والتقييد به ؛ لأنّه لو علم عدم إمكان التسليم ، بل ولو ظنّه لم يكن له خيار.

قوله : ونحو ذلك.

يمكن أن يكون المشار إليه كلّا من الطائر والعبد والدابة أي : ونحو الطائر والعبد والدابة المذكورات ، فيكون التشبيه في المثال. ويمكن أن يكون المشار إليه كلّا من الإباق والشرد وعدم العود ، فيكون المراد ؛ ونحو ذلك من موجبات العجز كأن يغصب أحدها ولم يمكن تخليصه ، أو فقد بحيث لم يظهر ، وغير ذلك.

قوله : ولما لم ينزل ذلك إلى آخره.

لا يخفى ما في تعليل الجبر بالتخيير بعدم التنزيل منزلة التلف ؛ فإنّ عدم التنزيل منزلة التلف ليس علّة للجبر بالتخيير ، بل هو علّة لعدم بطلان البيع ، والجبر بالتخيير معلول لحصول الضرر.

والتوجيه : أنّ المعنى : أنه لما أوجب تعذّر التسليم الضرر ولم ينزل منزلة التلف جبر بالتخيير خاصة من دون بطلان البيع. ففي كلّ من الشرط والجزاء مقدّمة مقدرة معلومة بقرينة المقام ، بل بدلالة كلّ من المقدّمتين المذكورتين فيهما على المحذوفة ؛ فإنّه يفهم من قوله : « لم ينزل منزلة التلف » أنّ فيه ما يوجب توهم ذلك ومن « الجبر بالتخيير » أنّ البيع لم يبطل. والمقدّمة المذكورة في الشرط علّة للمطويّة في الجزاء ، والمطوية في الشرط علّة للمذكورة في الجزاء.

والسر في هذا التعبير : أنّه أراد الإشارة الى علّة التخيير مع دفع توهّم أنّه يشبه التلف ، فيوجب بطلان البيع ، وبيان علّة انّه لم يوجب البطلان ، وذكر الجميع يوجب الإطناب ، وكان الأهم دفع التوهّم ، فصرّح به على نحو مشعر بالعلّة أيضا كما ذكرنا.

٥٩٤

الفصل العاشر

[ الحكم ] الثاني في القبض

قوله : وفي المعتبر كيله.

أي : فيما يكون له اعتبار مخصوص لرفع الجهالة ، والاعتبار المخصوص الذي اعتبروه منحصر بالكيل والوزن والعدّ ، فيكون المعنى : وفي المعتبر أي : في المكيل والموزون والمعدود : كيله ، ووزنه ، وعدّه.

قوله : والمعدود نقله.

أي : نقل المشتري إيّاه ، فإنّه هو القبض ، لا نقل البائع ؛ فإنّه ليس قبضا ، ولا إقباضا وتسليما ؛ لأنّهما إدخال المبيع في يد المشتري ، ونقل البائع لا يستلزمه وإن ترتّب عليه في بعض الحالات.

قوله : ينتقل الضمان.

أي : الضمان الذي كان متعلّقا بالبائع قبل البيع والقبض وهو عبارة عن كون المبيع بحيث لو تلف كان محسوبا من ماله ، فإنّه ينتقل بعد القبض الى المشتري ، يعني : لو تلف يكون حينئذ من ماله ، وخسرانه عليه.

قوله : فمن البائع مطلقا.

سواء كان التلف من الله ، أو من البائع ، أو من الأجنبي ، وأما من المشتري فهو بمنزلة القبض ، فلا يرد أنّه لا يصحّ الإطلاق.

ثمّ إنّهم ذكروا في تصحيح كون الضمان على البائع مع كون المبيع مال المشتري أنه يقدر دخوله في ملك البائع قبل التلف بأقلّ زمان ، ويكون التلف كاشفا عنه كدخول الدية في ملك الميّت ، ودخول العبد في ملك المعتق عنه ، والصداق في ملك المصدق عنه.

قوله : هذا إذا كان إلى آخره.

أي : فسخ التلف للبيع من حينه ، لا كون الضمان على البائع ؛ لأنّه إذا كان التلف من البائع أو الأجنبي يكون الضمان على البائع أيضا ، إلّا أنه يتفاوت مع التلف من الله في جواز مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة.

٥٩٥

قوله : وأولى بتحقّق القبض.

وجه الأولويّة : أنّ الرضا في يد البائع إنما هو مع إمكان القبض ، فهو في حكم ما أودعه عنده باختياره ، وأما الرضا في يد الغاصب فلعدم إمكان الرد ليس باختياره ، ولا شكّ أنّ كونه في يد البائع حينئذ يكون بإذنه ، بخلاف يد الغاصب. والابقاء مع الإذن أقرب إلى القبض من الإبقاء بدونه وإن رضي.

ومن هذا ظهر أنّ الرضا في يد البائع مع عدم إمكان القبض بأن لا يعطيه أيضا ، ككونه في يد الغاصب. ومراد الشارح : الرضا بكونه في يد البائع مع إمكان الرد.

قوله : بمنزلة النقص الداخل.

أي : الداخل على المبيع. ووجه كونه بمنزلة النقص الداخل عليه : أنّ النقص الداخل عليه أعمّ من أن يكون في العين أو في الوصف ، وترتّب المنفعة عليه في مدّة كونه في يد الغاصب وصف للمبيع ، وقد نقص قبل القبض.

وقد يعلّل ضمانه : بأنّه نقص على نفس المبيع ؛ لأنّ المبيع ليس هو العين فقط ، بل هي وتوابعها التي منها منفعة مدّة كونه في يد الغاصب ومنعه ظاهر.

قوله : حضر الاعتبار.

أي : الكيل ، أو الوزن ، أو العدد المعتبر في المكيل والموزون والمعدود.

الثالث في ما يدخل في المبيع

قوله : والضابط

أي : يرجع فيه إليهما ، بمعنى أنّ كلا منهما المرجع في الجملة ، فاللغة إذا لم يكن فيه عرف ، وإلّا العرف.

قوله : وكذا يراعى الشرع.

إنما لم يذكره المصنّف ، إذ ليس في المبيع ما كانت له حقيقة شرعية كما لا يخفى ، وإن أمكن تحقّقها في غير المبيع ممّا يتعلّق بالعقد.

قوله : ثمّ ان اتفقت.

أي : اتّفقت الثلاثة : اللغة والشرع والعرف. والمراد باتفاقها : أن لا يكون للفظ سوى

٥٩٦

المعنى اللغوي ، فيتكلّم في الشرع والعرف أيضا بمتابعة اللغة ، لا أن يكون فيه النقل العرفي ، أو الشرعي ، أو هما ، ويطابق مع اللغة ، كما قيل ؛ إذ مع التطابق لا يكون نقل.

قوله : ثمّ اللغوي.

عطف على « العرفي » أي : ثمّ يقدّم اللغوي والمراد بتقديمه : ما هو لازم التقديم أي :يرجع إليه ، وإلّا فمع الانحصار في اللغوي لا معنى للتقديم. ومعنى قوله : « قدّم الشرعي » إلى آخره : أنه إن كانت الثلاثة موجودة يقدّم الشرعي ، وكذا لو وجد اثنان أحدهما الشرعي. وإن لم يوجد الشرعي ، ووجد العرفي واللغوي يقدّم العرفي ، وإلّا يرجع إلى اللغة وكذا لو وجدت الثلاثة ولم يمكن الحمل على الشرعي ، واحتمل الباقيان يقدّم العرفي ، وإن لم يمكن الحمل على العرفي أيضا يقدّم اللغوي.

وعلى هذا فيمكن تحقّق تقديم اللغوي أيضا على غيره أي : الرجوع إليه مع عدم الانحصار.

ثمّ إنّ الرجوع إلى أحد الثلاثة إذا لم يلتفت البائع والمشتري إلى جزئيّات المبيع وأجزائه وتوابعه ، أو وقع بينهما التنازع في المقصود ، وإلّا فالمرجع مقصودهم ؛ فإنّ العقود تابعة للقصود.

والوجه في الرجوع إلى الثلاثة عند عدم الالتفات أو التنازع : أنّ الظاهر الغالب من حالهما تكلّمهما بعرفهما وبدون العرف أو الشرع باللغة كما هو المتعارف في المحاورات. وعلى هذا فمع وجود العرف العام أو الخاص لهما يشكل الرجوع إلى الحقيقة الشرعية ، بل الظاهر الرجوع إلى العرف. وأما تقديم الشرعيّة في كلام الشارح ، فإنّما هو لأجل أنه عرفه.

والحاصل أنه لا إشكال في الرجوع إلى احد الثلاثة مع الانحصار ، ولا في تقديم العرف العام على كلّ من اللغة والشرع ، بل ولا في تقديم العرف الخاص للبائع والمشتري على كلّ منهما ، وإنّما الإشكال في ترجيح اللغة والشرع إذا لم يطابق عرف الشرع عرفا ما ، وكذا في ترجيح كل من العرف العام والخاص لهما على الآخر ، وهذا لا يظهر حكمه من العبارة. وكذا يشكل فيما إذا تعارض العرف الخاص للبائع مع الخاص للمشترى ، ولا يبعد الحكم ببطلان البيع هنا حيث إنّ الظاهر من كلّ منهما إرادة عرفه.

٥٩٧

قوله : ويدخل فيه الطريق والشرب.

لا شك في دخول الطريق. وأمّا في دخول الشرب نظر حيث إنه مختلف باختلاف البلاد ، فإنّ منها ما يباع كلّ من البستان والماء على حدة ، فاللازم الرجوع إلى عرف البلد.

قوله : والعريش

العريش : شي‌ء يعمل من الخشب وغيره يشبه السقف يلقى عليه قضبان شجر العنب.

قوله : وكذا ما اشتمل عليه.

أي : كالكرم إذا باعه بلفظه ، غير الكرم إذا باعه بلفظه أيضا كاشجار اللوز مثلا ، ويمكن أن يكون المعنى : وكذا أي : كالأرض والعريض وغيرهما ممّا ذكر ما اشتمل البستان عليه من الأشجار غير الكرم ؛ فإنّه إذا باع بلفظه « الكرم » يرجع في دخوله أيضا إلى العرف.

قوله : إلّا أن ينفرد الأعلى عادة.

بأن يكون له طريق مستقلّ ومرافق على حدة ، وإن كان أسفله داخلا في محوّطة الدار.

ووجه التخصيص بالأعلى : أنّ الأسفل إن انفرد عادة لا يكون داخلا في محوطة الدار التي باعها ، بخلاف الأعلى ، فإنّه يمكن دخوله فيها مع الانفراد العادي.

قوله : وفي المنفصلة.

المراد : المنفصلة مع كونها بالفعل أبوابا لبيت معيّن يغلق ويفتح كأبواب الدكاكين دون المنفصلة التي اعدّت للاتصال ، أو لجعلها أبوابا لبيت ، ولم يجعل بعد ، فإنّها خارجة قطعا.

قوله : فيمنعان.

أمّا منع المشتري ؛ فلإيجاب سقيه اضرار البائع. وأما منع البائع ؛ فلايجابه اضرار المشتري.

قوله : ويشكل تقديم المشتري إلى آخره.

يحتمل أن يكون المراد بالمشتري الذي كلامه فيه ومفروض المسألة ، أي مشتري الأصل ، وأن يكون المراد به : مطلق المشتري ، كما هو مقتضى إطلاق كلام المصنّف. فعلى الأوّل : يكون الضمير في قوله : « يوجب » راجعا إلى السقي المتقدّم ذكره أو على عدمه المدلول عليه بقرينة المقام حيث يكون النقص بسببه ، ويكون المعنى : يشكل تقديم

٥٩٨

مصلحة مشتري الأصل فيما إذا أمكن الجمع بين الحقّين ، وهو ما إذا اوجب سقي البائع نقصا في الأصل يحيط بقيمة الثمرة التي يتلف كلّها بقرينة قوله : « ضمانه لقيمة الثمرة » مع تركه فإنه لو فرض تقديم مصلحة المشتري يدخل الضرر على البائع فقط ولو فرض تقديم البائع بلا ضمان يدخل الضرر على المشتري ، فينبغي تقديم مصلحة البائع مع الحكم بضمانه بقدر ماله ، وهو قيمة الثمرة ، دون الزائد ؛ لأنّه لا يغرم زيادة عن ماله ، فدخل على كلّ منهما الضرر من وجه.

وعلى هذا يبقى سؤالان :

أحدهما :

أنّ الجمع بين الحقين كما يمكن بتقديم البائع يمكن بتقديم المشتري بأن يقدّم مصلحته مع ضمانه لقيمة الثمرة.

وجوابه :

أنّ كثيرا ما يتعلّق غرض بالعين نفسه ، وهو الظاهر من ترك البائع الثمرة لنفسه وعدم بيعه ، وإلّا فكان يحصّل قيمته له بالبيع ، فمع تقديم مصلحته يبقى لكلّ منهما العين ويحصل الضرر على كل منهما من وجه ومع تقديم مصلحة المشتري وان يحصل الضرر لكل منهما أيضا إلّا أنّ عين الثمرة التي يتعلّق الغرض ببقائها كثيرا تتلف.

وثانيهما :

أنّ الجمع بين الحقّين كما يمكن في صورة كون نقصان الأصل محيطا بقيمة الثمرة وزيادة ، يمكن في صورة كونه مساويا لها أو ناقصا عنها بأن يضمن البائع قيمة الثمرة في الأوّل أو الناقص عنها في الثاني.

وجوابه :

أنّ ذلك ليس جمعا بين الحقّين ، لعدم دخول ضرر على المشتري أصلا.

ولو قلت :

يضمن البائع بأقلّ ممّا دخل على المشتري من الضرر.

قلنا :

٥٩٩

لا مرجع لتعيين ذلك الأقل ، فلا يمكن الحكم به ، بخل ما إذا كان نقص الأصل زائدا عن قيمة الثمرة ، فإنّ الزائد غير مضمون على البائع قطعا ، فيمكن تعيين قيمة الثمرة لأجل ذلك ، حيث إنه أقدم على ضرر المشتري ، فكان عليه ضمان ما أدخل عليه من الضرر ، ولكن لم يضمن الزائد ؛ إذ لا غرامة زيادة على المال.

وعلى الثاني أي : جعل المراد من المشتري ، مطلق المشتري سواء كان مشتري الأصل أو الثمرة ، يكون الضمير في قوله : « يوجب راجعا إلى تقديم المشتري ويكون المقصود اعتذارا لنفسه حيث خصّص المشتري في كلام المصنّف على مشتري الأصل ، مع إطلاق كلامه ، أو ، مشترى للمصنّف حيث فرض الكلام في بيع الأصل.

ومنه علم أنّ مراده من المشتري ، مشتري الأصل. ويكون المعنى : ويشكل تقديم قول المشتري مطلقا ؛ ولذا خصّصناه ، أو خصّصه المصنّف بمشتري الأصل ، وذلك لأنّه إذا كان المشتري مشتري الثمرة ، وأوجب تقديم مصلحته نقصان الأصل بزيادة عن قيمة الثمرة لا وجه لتقديم مصلحته ؛ لإمكان الجمع بين الحقين بتقديم مصلحة بائع الثمرة ، و [ عدم ] سقيه الأصل ، وضمانه قيمة الثمرة ، فالمشتري وإن لم يدخل عليه ضرر ، ولكن تلفت عين ثمرته التي يتعلّق الغرض ببقائها كثيرا ، والبائع وإن دخل عليه الضرر بضمانه للمشتري ، ولكن يبقى عليه.

والسؤالان المتقدمان جاريان هنا أيضا

واما جوابهما فغير جار ، ومنه يعلم اولوية التوجيه الاول.

[ الحكم ] الرابع في اختلافهما

قوله : ومستنده رواية مرسلة.

وهي : ما روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال في الرجل يبيع الشي‌ء ، فيقول المشتري : هو بكذا وكذا ، بأقلّ ممّا قال البائع قال : « القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشي‌ء قائما بعينه ». (١)

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ / ٥٩.

٦٠٠