الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

تقويمه حائلا أي : لاختلاف الحائل والمجهض في القيمة ؛ لكون الإجهاض نوع مرض.

وأيضا الإجهاض هو المطابق للواقع ، لأنها مجهض لا حائل.

قوله : على الأصح.

مقابل الأصح قول الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط ، والقاضي ، وهو أنّه إذا ابتاع جزءا معيّنا يكون شريكا مع البائع بنسبة قيمة المبتاع إلى قيمة المبيع ، فلو ابتاع رأس شاة وقوّم الشاة بعشرة ورأسها بواحدة كان المشتري شريكا بالعشر.

قوله : عملا بظاهر الآية.

هي قوله سبحانه : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١) فإن الشي‌ء المنفي قدرته عليه يشمل نحو التملّك أيضا ؛ فإنّه أيضا شي‌ء ، والنكرة فى سياق النفي تفيد العموم ، فالتملّك يكون تبعيّا.

وقد يستدلّ أيضا بقوله سبحانه : ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) (٢) الآية ، وفي دلالتها نظر.

قوله : فاضل الضريبة.

هي فعيلة بمعنى : المفعول والمراد بها : ما يؤدي العبد إلى سيّده من الخراج المقدّر عليه.

الفصل الخامس في الصرف

قوله : وهو بيع الأثمان.

إنّما يسميان بالأثمان لكونهما ثمنا في أكثر البيوع ، وعوضا عن الاشياء ، ومقارنتها بـ « باء » العوض غالبا والمراد بهما هنا : هما مطلقا سواء كانا مسكوكين أم لا ، وإنّما سمي هذا البيع بالصرف ؛ لأنّ الصرف لغة : الصوت ، وهذه المعاملة تشمل على الصوت عند تقليب الأثمان في البيع والشراء. كذا قيل.

قوله : بدل التحويل والتوكيل صريحا الى آخره.

والتوكيل عطف على « الشراء » والفصل بقوله : « بدل التحويل » بين المعطوف والمعطوف عليه ؛ لكون الشراء خاصّة بدلا عن التحويل.

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) الروم : ٢٨.

٥٦١

وقوله : « صريحا » : حال عن « العدول » أي : حال كون عدوله صريحا في ذكر القبض حيث قال : « بوكالته في القبض » ، وحينئذ يكون قوله : « والرضا » عطفا على « القبض » ويمكن أن يكون صريحا حالا عن « التوكيل » أي : حال كون توكيله صريحا في التوكيل في القبض ، وحينئذ يكون « الرضا » عطفا على « التوكيل ».

قوله : في الجنس الواحد.

أي : الجنس الواحد منهما ـ أي : من الأثمان ـ والمراد بالجنس الواحد : أن يبيع الذهب بالذهب ، أو الفضة بالفضة مع التفاضل ، وأمّا في المختلف منهما جنسا كذهب بفضة وبالعكس فيجوز التفاضل بشرط التقابض قبل التفرق.

قوله : يصلح ثمنا له.

المراد أن يكون متمولا أي : يصدق عليه المال.

قوله : عرفا.

متعلّق بقوله : « يراد » لا « صحيح » أي : جرى العرف بأن يراد من النصف النصف الصحيح ، وكذا قوله : « نطقا ».

قوله : على الأوّل.

أي : على أن لا يراد النصف الصحيح عرفا أو نطقا. وقوله : « فلو باعه » أي : لو باعه شيئا آخر غير ما باعه أوّلا بنصف دينار.

الفصل السادس في السلف

قوله : وهو بيع مضمون في الذمّة.

يظهر من هذا أنّ السلف من البائع ، وهو خلاف المصطلح ، كما يدلّ عليه كون قول المشتري : « أسلفت ، وأسلمت » ، بل السلف من المشتري ، ولذا جعل الجنس في البائع وغيره الابتياع ، دون البيع.

ويحتمل أن يكون المراد بالبيع : عقده أي : الإيجاب والقبول الدالّان على نقل الملك ، فلا يكون السلف بالمعنى المصدري.

ثمّ قوله : « مضمون في الذمّة » فصل يخرج به بيع الأعيان الحاضرة ، ويشمل ما لو بيع

٥٦٢

شي‌ء حالّا بالوصف ، ويخرج ذلك بقوله : « إلى أجل ». وقوله : « معلوم » في الموضعين وكذا : « مضبوط » و « مقبوض » و « بصيغة خاصّة » بيان لشرائط السلف.

قوله : يعتبر فيها سواء.

هذا ردّ على بعضهم حيث جعل الضابط فيما يجوز السلم فيه من الجواهر ما يطلب للتداوي ، دون التزيين ، وقد يجعل الضابطة ما يباع بالوزن ، ولا يعتبر فيه الأوصاف الكثيرة عرفا ، وقد يجعل ما يكون وزنه سدس دينار.

قوله : أو ما يعمّ الثمن.

عطف على « المسلم فيه ». والمراد : أنّ مرجع الضمير في تقديره إمّا خصوص المسلم فيه ، أو ما يعمّه ويعمّ الثمن أيضا مثل كلّ من العوضين.

وظاهر كلام الأكثر اختصاص ذلك بالمسلم فيه ، وأمّا الثمن فقد يكتفى فيه بالمشاهدة أيضا ، كما في البيع المطلق ، ويصرّح به الشارح في آخر المسألة أيضا.

قوله : والعدد في المعدود.

وفي ذلك خلاف للشيخ والعلّامة في التذكرة ، فحكما بعدم كفاية التقدير بالعدد مطلقا.

قوله : كالصنف.

التقييد بالصنف الخاص ؛ لأنّه شرط جواز السلف فيهما ، لأنّ قلة التفاوت تكون في الصنف ، وله مدخليّة في قلّته. كذا قيل.

ولا يخفى أنّه يمكن أن يكون التقييد به لمدخليّته في قلّة التفاوت أيضا ؛ فإنّ أصناف الجوز واللوز مختلفة في الصغر والكبر ، فلو لم يعيّن الصنف الخاص ، يمكن حصول التفاوت الكثير في الوزن.

قوله : الاعتبارات المذكورة.

أي الكيل ، والوزن ، والعدد.

قوله : إن اريد موضوعه.

هذا الشرط ؛ لدفع توهّم التناقض بين كلام المصنّف هذا ، وكلامه الذي يذكر بعد ذلك

٥٦٣

بقوله : « والأقرب جوازه حالّا » حيث يفهم منه أنّه لا يشترط تعيين الأجل ، فقيّد الشارح هذا الحكم ـ أي : اشتراط تعيين الأجل ـ بما إذا اريد من السلم موضوعه أي : الذي وضع له السلم اصطلاحا ـ وهو البيع بأجل ، وأمّا إذا أراد كلّ من المتبايعين منه معناه المجازي الّذي هو مطلق البيع ، فلا يشترط فيه ذلك.

قوله : مع قصد السلم.

أي : قصد معنى السلم شرعا من غير قصد المجازية ، أو قصد البيع المطلق بأنّ يقصد من قوله : « أسلمتك » إيجاد السلم. والمراد بالإطلاق في قوله : « بل مع الإطلاق » : أن لا يتفطّن بإرادة السلم الشرعي ، أو البيع المطلق ، بل إرادة النقل.

قوله : يرشد إليه التعليل والجواب.

التعليل هو المذكور بقوله : « ووجه القرب ». والجواب هو المذكور بقوله : « واجيب بتسليمه ».

قوله : ولو انعكس إلى آخره.

لا يخفى أنّ معنى قوله سابقا : « ولو عيّن غلّة بلد لم يكف وجوده في غيره » : أنّه لو عيّن غلّة بلد لم يوجد فيه ، ووجد في غيره ، وعكس هذا إذا عيّن غلّة بلد وجد فيه ولم يوجد في غيره. ومعناه : أنّه عيّن غلّة غير بلد لم يوجد فيه ، فمراده من قوله : « لو انعكس » : العكس المذكور.

وقوله : « بأنّ عيّن [ غلّة ] غيره » بيان لهذا العكس أي : بأن عيّن غلّة غير بلد لم يوجد فيه. قوله : « مع لزوم التسليم به » ليس جزءا لبيان معنى العكس ، بل هو قيد آخر أي :لو انعكس بأن عيّن غلّة غير بلد لم يوجد فيه أي : بلد وجد فيه ومع ذلك شرط التسليم فيه ـ أي : في بلد لم يوجد فيه ، لا في ذلك الغير الذي وجد فيه ـ مع شرطه نقله إلى بلد التسليم ، فالوجه الصحّة ؛ فإنّ عدم وجوده في بلد التسليم غير معتبر ، بل المعتبر بلد المسلم فيه ، والمفروض وجوده فيه. نعم قد يبطل ذلك من جهة اخرى ، وإن لم يبطل من جهة عدم وجود الغلّة في بلد التسليم ، وهي الإطلاق بالنسبة إلى الشرط الأخير ، وهو شرط نقله إليه ؛ لأنّه لا بدّ في السلم من القدرة على التسليم عند حلوله في محلّه ، وبدون شرط النقل لا يجب النقل قبل الحلول ، ولا يمكن التسليم بعده بدون النقل ، فليبطل.

٥٦٤

فمعنى العبارة : لو عيّن غلّة بلد لم يوجد فيه ووجد في غيره بطل ولو انعكس بأن عيّن غلّة غير بلد لم يوجد فيه أي : غلّة بلد وجد فيه ، ومع ذلك لزم التسليم في بلد لم يوجد فيه [ ل ] شرط النقل إليه ؛ صحّ ، وإن بطل بدون الشرط الأخير من جهة عدم وجوب النقل ، لا من جهة عدم وجود الغلّة فيه.

قوله : والفرق.

أي : الفرق بين هذا العكس وبين أصله : أنّ بلد التسليم حينئذ بمنزلة شرط آخر خارج عن حقيقة السلم ، فلا يشترط وجود الغلّة فيه ، والمعتبر وجود الغلّة في بلد المسلم فيه ، والمفروض وجوده فيه ، هكذا ينبغي أن يفهم كما فهمه سلطان العلماء أيضا. وقد حصل الخبط في فهم هذا المقام لجماعة من المحشين.

قوله : قسطه من الثمن.

لفظة « من » تبعيضية. والمجرور متعلّق بالحالّ الذي هو مرجع الضمير في « قسطه ». وإضافة القسط إلى الضمير بمعنى : « اللام » أى : جهالة قسط الحالّ من الثمن أي : القسط الذي للحالّ الذي هو بعض الثمن. والمراد بالقسط الذي للحالّ : القسط للمبيع الذي يختص بالحالّ ، ووقع بإزائه.

الفصل السابع في اقسام البيع

قوله : ويخبر.

عطف على « لا يقوّم ». أي : لا يجوز في المرابحة تقويم أبعاض جملة المبيع بتقسيط الثمن عليها ، والإخبار بما يقتضيه التقسيط ، وإن كانت الأبعاض متساوية جنسا ، فإذا اشترى مائة ثوب من جنس واحد بوصف واحد بمائة درهم لا يجوز له أن يقوّم عشرة منها بعشرة دراهم ويخبر عنه ؛ إذ قد تكون للجملة خصوصيّة ليست في البعض.

وقوله : « أو أخبر » عطف على قوله : « كانت » أي : وإن أخبر بالحال أيضا ؛ لأنّه لا يكون حينئذ من الإخبار برأس المال ، فلا يكون مرابحة ، كما صرّح به الشيخ علي في شرح القواعد ، وإن جاز أصل ذلك العمل.

٥٦٥

والحاصل : أنّ حصول المرابحة لا يكون مع ذلك ، وإن أخبر بالحال أيضا وإن لم يأثم لإخباره بالحال ، فيكون المعنى : ولا يقوّم في المرابحة من حيث إنّها مرابحة الأبعاض ، وإن أخبر بالحال.

وقد يجعل لفظة « أو » في قوله : « أو أخبر بالحال » بمعنى : « إلّا أن » حتى يكون المعنى :لا يقوّم كذلك ، إلّا أن يخبر بالحال. ولا يخفى ما فيه ؛ لأنّه ليس في مقام بيان ما يجوز من البيع وما لا يجوز ، بل في مقام ما يتحقّق به المرابحة. والعجب! أنّه لمّا وقع في القواعد لفظة « إلّا أن يخبر » تصدّى المحقّق الشيخ علي توجيهه تارة : بأنّ إطلاق المرابحة عليه حينئذ مجاز للمشابهة ، واخرى بتقدير جملة وجعل المعنى : إلّا أن يخبر بالحال ، ولا يصيّره من المرابحة ، ووقعت لفظة « أو » هنا في موقعها فتصدى للتوجيه إلى ما [ لا ] يحتاج إلى التوجيه.

قوله : من غلامه الحر.

التقييد بالحر ؛ لأنّه لا يتصوّر شراء الشخص شيئا من عبده.

الفصل الثامن في الربا

قوله : في الربا بالقصر.

الربا في اللغة : الزيادة. وشرعا يطلق على معنيين : أحدهما : زيادة مخصوصة ، وهي زيادة أحد العوضين المتماثلين إلى آخر ما يأتي. والآخر : بيع أحد المتماثلين المقدّرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع ، أو في العادة بالآخر مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكما ، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة مطلقا ، وإن لم يكونا مقدّرين بالأمرين.

قوله : وضابط الجنس هنا.

احترز بهذا القيد عن الجنس المنطقي. وقوله : « ما دخل تحت اللفظ الخاص » أي :دخل تحت مدلوله. ولا يخفى أنّ المراد باللفظ الخاص إن كان اللفظ المعين فيلزم الربا في بيع أحد المتجانسين بالجنس المنطقي مع الزيادة أيضا ؛ لدخولهما تحت مدلول لفظ جنسهما كالفاكهة ـ مثلا ـ بل الجسم في الجميع ، وإن كان المراد اللفظ المختصّ بالمتجانسين ، فإن كان المراد أعمّ من الخاصّ الإضافي والحقيقي ، للزم المحذور

٥٦٦

المذكور ، وإن كان المراد الخاصّ الحقيقي لزم عدم الربا بين أفراد نوع واحد إن كان لبعض أفراده لفظ خاص.

إلّا أن يقال : إنّ المراد بالدخول تحت اللفظ : أن يكون من أفراده أي : يكون هذا المدلول نوعا لها ؛ ولذا قال المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد : « إن المراد باللفظ الخاص : ما يكون مفهومه نوعا منطقيا بالإضافة إلى ما تحته ».

قوله : لدلالة الأخبار الصحيحة إلى آخره.

الفرق بين مدلول الأخبار الصحيحة وبين مدلول هذا البعض حيث خصّه بالذكر : أنّ الأخبار الصحيحة تدلّ على اتّحادهما جنسا ، وهو أعمّ من أن يكونا معا صنفين من جنس آخر غيرهما ، وأن تكون الحنطة من الشعير ، وأن يكون الشعير من الحنطة وذلك البعض يدلّ على الأخير فقط.

قوله : إلى اختلافهما صورة.

لعلّ المراد بالصورة : الصورة النوعية المتحقّقة في الأشكال المختلفة ، وبالشكل : هو خصوص الهيئة الخاصة مثلا : الحنطة لها صورة نوعيّة موجودة في جميع أفراد الحنطة ، وإن كان بعضها أكبر من بعض ، وبعضها أطول ، وهكذا ولكلّ فرد شكل خاصّ به لا يوجد في غيره من أفراد الحنطة. والمراد بالإدراك : بلوغ أوان الحصاد وبالحس : اللمس حيث إنّ الحنطة ألين لمسا من الشعير.

قوله : للرواية المخصّصة.

هذا تعليل لقوله : « لا يثبت » أي : وقيل : لا يثبت للرواية المخصصة للذمّي عن عمومات حرمة الربا كما خصّصت الرواية غير الذمّي من أصناف الكفّار عن العمومات. والرواية المخصّصة إشارة إلى الرواية المرسلة ، وفيها : « ليس بين المسلم والذمي ربا ».

قوله : ولا يضر إلى آخره.

هذا دفع لما يمكن أن يتوهم من تحقّق الربا فيما إذا بيع قدر من حنطة ـ مثلا ـ بمثل هذا القدر من الحنطة ، وكان في أحدهما يسير من التبن أو الزوان ، فيلزم زيادة الحنطة الخالصة عن الحنطة الممزوجة بالتبن والزوان ، فإنّه إذا وضع التبن والزوان عنه تبقى

٥٦٧

الحنطة أقل من القدر المبيع ، وكذا إذا كان التبن والزوان في الحنطتين ، ولكن كان ما في أحدهما أكثر ، فإن قدر الحنطة الخالصة فيه أقلّ من الحنطة في عوضه ، وقوله : « لأنّ ذلك » دفع لهذا التوهّم ، وحاصله : أنّ أقلية أحد الحنطتين عن الآخر بهذا القدر مع جبر نقصانه ممّا لا ينفك عنه غالبا غير قادح في تماثل الجنسين ومساواتهما ، بل هذا القدر اليسير أيضا يعد من الحنطة عرفا ، فيتساويان قدرا ، وهذا مراده من إطلاق المثلية. وكذا لو وضع هذا القدر لا يقدح في المساواة عرفا ، وهذا مراده من إطلاق المساواة. والضمير في قوله :« زيادة عنه » راجع إلى قوله : « الآخر » وقوله : « زيادة » حال عن عقد التبن.

فإن قيل : لا وجه لهذا التوهم أصلا لانه سيأتي أنّه يتخلّص من الربا بالضميمة ، غاية الأمر أنّ اليسير من التبن والزوان يكون ضميمة إلى الناقص.

قلنا : لا يصلح هذا للضميمة ؛ لأنّ شرط الضميمة ـ كما مر سابقا ـ أن تكون مما يصلح كونه مالا ومبيعا ، وهذا ليس كذلك.

قوله : وحصول التفاوت.

مبتدأ ، وخبره قوله : « لا يقدح ». وقوله : « توزيع الثمن » عطف على المقابلة. وهذا ردّ على بعض العامّة حيث منع عن بيع جنسين ربويّين بأحدهما مع الزيادة كمدّ تمر ودرهم بمدّين. ووجه منعه : ما ذكره الشارح من حصول التفاوت عند المقابلة وتوزيع الثمن.

وحاصله : إذا قوبل أجزاء المبيع أجزاء الثمن ، وقوّم كلّ منها بالآخر ربما حصلت الزيادة الموجبة للربا ، مثلا في المثال المذكور إذا فرضنا أنّ الدرهم قيمة مدّ ونصف من التمر ، فيكون المبيع مدّين ونصف مدّ تمر ، ومدّ ونصف قيمة الدرهم ، فالدرهم ثلاثة أخماس المبيع ، ويقابله ثلاثة أخماس الثمن ، وهو مدّ وخمس مدّ ، ويبقى خمسا الثمن ، وهو أربعة أخماس المد في مقابل مدّ ، وذلك ربا.

وقوله : « على بعض الوجوه » إشارة إلى أنّه قد لا يحصل التفاوت ، كما إذا كان قيمة الدرهم مدّا من التمر. وظهر ممّا ذكرنا أنّ قوله : « وحصول التفاوت » إشارة إلى ردّ قول المخالف في المسألة المذكورة في المتن ، لا في المسألة التي ذكرها الشارح من أنّه لا يشترط في الضميمة أن تكون ذات وقع.

٥٦٨

قوله : لحصوله.

أي : حصول التفاوت بسبب التقسيط.

والحاصل : أنّ هذا التفاوت إنّما هو مقتضى التقسيط ، لا البيع ؛ فإنّ البيع إنّما هو المجموع بالمجموع ، فلا يلزم علينا التقسيط ، ولا نحتاج إليه حتى يلزم الزيادة.

قوله : قبل القبض.

أي الذي جرى العقد عليه بخصوصه. والتقييد به ؛ لأجل أنّه لو لم يكن كذلك لم يتفاوت الحال بتلف الدرهم ؛ لأنّ المبيع لا يكون حينئذ هذا لمعين. والتقييد بقبل القبض ؛ لأنّ ضمان البائع إنّما هو في هذه الصورة وأمّا بعد القبض فلا ضمان عليه.

قوله : في مقابله.

أي : مقابل التالف. والغرض أن يكون بحيث إذا استرد مقابل التالف أوجب الزيادة المفتضية إلى الربا في البيع ، كما لو كان المبيع مدّا ودرهما بمدّين ونصف ، وكان كلّ مدّ بدرهم ، فإذا تلف الدرهم يسترد مدّ من الثمن فيبقى مدّ ونصف منه في مقابل مدّ ، وهو الربا ، بخلاف ما إذا لم يكن في مقابله ما يوجب ذلك كما إذا بيع مدّ ودرهم بمدّين ، وكان كلّ مد بدرهم ، فإذا تلف الدرهم بقى مدّ بإزاء مدّ ، فالباقي وهو يقابل نصف الثمن وهو مدّ أيضا ، ولا يلزم ربا.

قوله : والبطلان في مخالف التالف.

عطف على قوله : « بطلان البيع » أي : احتمل البطلان في مقابل التالف خاصّة ، لا في مجموع البيع ، ولا بدّ أن يقيّد هذا بما إذا اشتمل كلّ من العوضين على جنسين كما يشعر به قوله : « لأنّ كلا من الجنسين » إلى آخره. والمراد : أنّه إذا بيع مدّ ودرهم معيّن بمدّين ونصف درهم ـ مثلا ـ فتلف الدرهم احتمل بطلان بيع الدرهم التالف ومخالفه من الثمن ـ أي :المدّين ـ ويبقى بيع المد المبيع ونصف الدرهم صحيحا ؛ لأنّ كلا من المتجانسين يقابل بما يخالفه في الثمن كما صرّح المصنّف به بقوله : « ويصرف كل إلى مخالفه » فكان المدّان بإزاء الدرهم ، فإذا تلف الدرهم بطل البيع في المدّين ، وكان نصف الدرهم بإزاء المد ، فيكون صحيحا ، وقوله : « والمصحّح لأصل البيع » إشارة إلى ذلك. أي : هذا القول هو

٥٦٩

الموافق لمصحّح أصل البيع ، أو هذا القول مصحّح أصل البيع ، فإنّ مصحّحه كان صرف كل جنس إلى ما يقابله ، وهذا القول أيضا مبني عليه.

الفصل التاسع في الخيار

قوله : بعض أفراد الحقيقة.

الحقيقة هنا إمّا بالمعنى المصطلح. أي : اللفظ المستعمل فيما وضع له أو بمعنى الماهيّة والطبيعة ، فعلى الأوّل : تكون إضافة « بعض أفراد » إليها بيانيّة ، ويكون المتجوّز فيه أي : ما اطلق عليه اللفظ مجازا محذوفا ، ويكون المعنى إمّا تجوّزا في إطلاق لفظ بعض أفراد خيار المجلس الذي هو الحقيقة على غيره ، فيكون المراد ببعض أفراد الحقيقة خيار موضع الجلوس ، أي : اطلق لفظ خيار المجلس الذي هو موضوع لبعض أفراد خيار المجلس وهو موضع الجلوس على سائر الافراد تجوّزا.

وعلى الثاني : تكون الإضافة « لامية » ويكون المتجوّز فيه هو المذكور أي : تجوزا في إطلاق بعض أفراد حقيقة خيار المجلس ، وهو غير موضع الجلوس ، فإنّ إطلاق هذا الفرد أي : إطلاق اللفظ عليه مجازي.

خيار الشرط

قوله : متصلا.

حال عن الأجل. والمراد : ابتداء الأجل. أي : حال كون ابتدائه متصلا بالعقد بأن يبيع في أوّل شهر بشرط أن يكون الخيار لأحدهما منه إلى آخر الشهر ، أو منفصلا عن العقد بأن يبيع في أوّل شهر بأن يكون له الخيار من ثالث الشهر ـ مثلا ـ إلى آخره وحينئذ فإن تفرّقا من المجلس قبل الثالث يصير العقد لازما بعد التفرّق وقبل الثالث ، وإذا دخل اليوم الثالث يصير جائزا لأجل الشرط ، وأمّا قبل التفرّق فيكون جائزا لأجل خيار المجلس.

والضمير في « تأخره » راجع إلى « الأجل » أي : ابتدائه.

وقد يجعل قوله : « متصلا » حالا للشرط أي : سواء كان شرط الخيار متّصلا بالعقد ، أو منفصلا عنه. وهو غير صحيح ؛ لعدم العبرة بهذا الشرط.

قوله : عنهما ، أو عن أحدهما.

٥٧٠

متعلّقان بالاشتراط ، لا الأجنبي أي : يجوز اشتراط الخيار لأجنبي عن جانبهما بأن يكون له خيار الفسخ عنهما ، أو عن المشتري خاصّة ، أو البائع كذلك. وكذا في قوله :« لأجنبي مع أحدهما عنه » أي : ويجوز اشتراط الخيار لأجنبي مع أحد المتبايعين سواء كان خيار الأجنبي عن هذا الذي له الخيار أو عن الآخر.

قوله : فلا اختيار له.

تفريع على كونه تحكيما ، لا توكيلا. أي : وإذا كان تحكيما فلا خيار للمتحكّم أي : من جعل عنه مع الأجنبي بخلاف ما لو كان توكيلا ؛ لأنّ لازم التوكيل أن يكون الخيار للوكيل والموكّل معا.

قوله : فلا يلزم المستأمر الاختيار.

هذه العبارة تحتمل وجوها :

الأوّل :

أن يكون المستأمر بالفتح ، وكذا المستأمر الأوّل ، ويكون هذا تفريعا على قوله : « وإن سكت فالأقرب اللزوم » يعني : أنه إذا عرفت أنه إن سكت المستأمر ـ بالفتح ـ يلزم العقد تعلم أنه لا يلزم عليه اختيار أحد الأمرين من الفسخ والإجازة ، أو الأمر بالفسخ والإجازة يعني : أنه لا يصير العقد بعدم اختياره معطلا ، بل لو سكت أيضا يؤثّر أثرا ، وهو اللزوم الذي هو مقتضى العقد.

الثاني :

مثل ما مر ، إلّا أن المراد بالاختيار : اختيار اللزوم يعني : إذا عرفت أن مع السكوت أيضا يلزم ، فلا يلزم المستأمر ـ بالفتح ـ اختيار اللزوم في حصوله ، بل قد يحصل بدونه أيضا.

الثالث :

أن يكون المستأمر بالكسر في الموضعين ، ويكون تفريعا على قوله : « وإن سكت » أيضا يعني : فإن قال المستأمر ـ بالكسر ـ : ( فسخت ) أو ( أجزت ) بعد أمر المستأمر ـ بالفتح ـ فذاك ، وإن سكت بأن لم يستأمر ، أو استأمر ولم يقبل الاستئمار ، فالأقرب اللزوم ، فلا يلزم المستأمر ـ بالكسر ـ اختيار ما أمره المستأمر ـ بالفتح ـ مطلقا ، بل يجوز له السكوت.

٥٧١

الرابع :

ما مر ، إلّا أنّ المراد بالاختيار : اختيار اللزوم بعد أمر المستشار ، بل يلزم بدونه أيضا بأن يسكت.

ورجّح الشارح أحد الاحتمالين الأوّلين حيث قال : « فإن اللزوم المنفي » إلى آخره.

كما يأتي بيانه.

ورجّح بعض المحشّين أحد الأخيرين معلّلا : بأنّ المستأمر ـ بالفتح ـ لم يكن له الاختيار حتّى ينفى لزومه عنه ، بل كان له الأمر والرأي.

ولا يخفى ما فيه

أمّا أوّلا :

فلأنّ معنى الاختيار لا يجب أن يكون اختيار الفسخ أو الا مضاء بنفسه ، بل اختيار الأمر بأحدهما إذ اختيار أحدهما بالأمر به أيضا اختيار ، فإنّ الاختيار تارة يكون بأن يقول : « فسخت » أو « أمضيت » واخرى بأن يقول : « افسخ » أو « أمض ».

وأمّا ثانيا ؛

فلأنّ الكلام بعد في أنه هل للمستأمر ـ بالفتح ـ اختيار الفسخ أو الإمضاء أم لا؟وبحث الشارح مع المصنّف ، أنّ الظاهر من كلامه ذلك ، فهو غير موافق لكلام الأصحاب.

فلا يجوز توجيه كلام المصنّف بوجه معلّلا : بأنّه ليس للمستأمر ـ بالفتح ـ اختيار الأمرين.

قوله : لكن دلالة ظاهر العبارة إلى آخره.

حيث إن الظاهر في كلّ عبارة عدم التقدير ، وعلى جعل المستأمر ـ بالكسر ـ يجب تقدير قوله : ( بعد أمر المستأمر ـ بالفتح ـ ) كما مر. وأيضا الظاهر من تفريع قوله : « فإن قال المستأمر » على قوله : « واشتراط المؤامرة » ذلك كما لا يخفى.

وقوله : « خصوصا بقرينة قوله : فلا يلزم الاختيار » بناء على حمل قوله هذا على أحد الاحتمالين الأوّلين وعلّله بقوله : « لأنّ اللزوم » إلى آخره ، يعني : أنّ قوله : « فلا يلزم الاختيار » معناه : فلا يلزم المستأمر ـ بالفتح ـ الاختيار ؛ لأنّ اللزوم المنفي ليس إلّا عنه.

٥٧٢

وأمّا المستأمر ـ بالكسر ـ فلا يمكن نفي اللزوم عنه ؛ إذ يلزم عليه اختيار اللزوم عند أمر المستشار باللزوم ، ولو سكت أيضا فيجب أن يكون بقصد اختيار اللزوم ؛ إذ ليس حينئذ غير ذلك بمقتضى العقد ، فالاختيار عليه لازم في الجملة ، فلا يصحّ نفيه عنه ، فيجب أن يكون معنى قوله : « فلا يلزم » أي : فلا يلزم المستأمر ـ بالفتح ـ وإذا كان مفعول « فلا يلزم » هو المستأمر ـ بالفتح ـ فيكون المستأمر الأوّل أيضا كذلك ؛ لظهور اتحادهما.

ومراد الشارح بمن جعل له المؤامرة : هو المستأمر بالفتح.

قوله : وكذا كلّ من جعل له الخيار.

التشبيه إمّا فيما ذكره بقوله : « فإن قال فسخت » إلى آخره. أو فيما ذكره بقوله : « فلا يلزم الاختيار ». والمعنى على الأوّل واضح كما ذكره أخيرا ، وأمّا على الثاني ، فإنّما يصحّ على أحد الاحتمالين الأوّلين لقوله : « فلا يلزم الاختيار » ، دون الأخيرين ويكون المعنى على أحد الأوّلين أنه : وكذا كل من جعل له الخيار لا يلزم عليه اختيار أحد الأمرين ، أو لا يلزم في لزوم البيع اختياره اللزوم.

وأما على الأخيرين ، فلا يظهر له معنى محصّل ؛ إذ معنى المشبه به يكون : فلا يلزم المستأمر ـ بالكسر ـ اختيار ما أمره المستأمر ـ بالفتح ـ ولا مستأمر في المشبه حتّى يصح التشبيه. وهذا أيضا أحد وجوه ما رجّحه الشارح.

ثمّ قول الشارح : « فإن المجعول له » تعليل لكون قول المصنّف هذا قرينة على كون المستأمر بالفتح ، يعني : أن تشبيه كلّ من جعل له الخيار بما سبق يدلّ على أنه أيضا له الخيار والمجعول له الخيار هنا في المؤامرة الأجنبي ؛ لأنّ الأمر بيده ، لا المشروط له ؛ لأنّه ليس أمر بيده ، وإن حصل له الخيار بعد أمر الأجنبي والظاهر ممن جعل له الخيار أن يكون الأمر بيده واختياره.

خيار ما يفسد ليومه

قوله : ولكن يشكل إلى آخره.

يمكن دفع الإشكال بأن يقال : إن المراد باليوم في الرواية وكذا في كلام المصنّف هو :مجموع النهار والليل ، وهذا الإطلاق شائع حتّى أنه قال بعضهم : إنّ مقابل الليل هو النهار ، وأمّا اليوم فهو المجموع ، ولذا يقابل الليل بالنهار ولم يقابل في موضع باليوم.

٥٧٣

فعلى هذا فالمعنى : ما يفسد في يوم بليلته أي : مجموع النهار والليل ، فإذا دخل الليل ، ولم يجئ بالثمن وابقاؤه أوجب الضرر ثبت الخيار ، فيرجع ما ذكره هنا وما في الرواية إلى ما في الدروس ، ولا يكون فيه خروج عن النص.

نعم يبقى الكلام فيما يفسد في النهار ، فلا يكون حكمه مذكورا ، وكأنّ التخصيص في الرواية ؛ لعدم تحقّق شي‌ء يكون كذلك ، أو ندرته ، بل الأشياء التي أثبتوا فيها هذا الخيار إنّما هي ممّا يفسد بمضيّ الليل عليها كاللحم والخضروات فلا إشكال.

قوله : وإن خرج عن مدلول النص الدال على هذا الحكم إلى آخره.

لا يخفى أن مراده بالخروج عن مدلول النص إن كان أنّ النص الدال على هذا الحكم لا يشمل هذا ، فهو صحيح لاختصاصه بما يفسد في يوم بليلة. وإن كان المراد : انّ النص يدلّ على خلافه ، فهو لا يصحّ ؛ لأنّ اختصاص النص بذكر حكم لشي‌ء لا يدلّ على عدم ثبوت هذا الحكم لغيره ، فيرجع في الغير إلى دليل آخر كخبر الضرار فيما نحن فيه.

وعلى هذا يظهر ما في قول الشارح « لقصوره » تعليلا لاتّجاه ما ذكر ، فإنّ هذا التعليل انّما يصح في مقام يخالف مدلول النص ؛ ويقال : إنه لم يعمل به لقصوره لا في مقام لم يشمل عليه النص.

ويمكن التوجيه بأن يقال : إن مراده : أنّ قصور النص موجب لعدم صحّة التمسّك به فيما اشتمل عليه أيضا فإذا قال بالحكم الذي اشتمل عليه ، فمعلوم أنّه ليس لهذا النص ، بل لخبر الضرار ومثله ، وهو يشمل غيره أيضا مما ذكر ، فالتعدّي إليه متّجه.

خيار الغبن

قوله : في المبيع المغبون فيه.

أى : المغبون فيه البائع أو المشتري. فالأوّل كما إذا باع ما قيمته عشرة بخمسة. والثاني كما إذا باعه بعشرين.

فلا يرد : أن تخصيص المبيع المغبون فيه ينافي ما سيأتي من أنّ المغبون إمّا البائع أو المشتري حيث انّه خصّ المبيع بالمغبون فيه ، فالمشتري مغبون أيضا ، وتخصيص المغبون فيه بالمبيع إمّا لأجل أنه يظهر منه حكم الثمن المغبون فيه أيضا وأقسامه ، وكذا حكم ما لو

٥٧٤

كان الغبن فيهما وأقسامه بالمقايسة إليها ، أو لأنّ الغبن إنّما يكون منحصرا بالغبن فى المبيع ، وكلما يكون الغبن في الثمن أيضا ، فالغبن في المبيع.

بيان ذلك : أنّك إذا بعت ثوبا بمائة ، فغبن البائع إنما يكون بكون قيمته أزيد ، وغبن المشتري إنّما يكون بكون قيمته أنقص ، ولا غبن في المائة ، ولو كان فيها غبن أيضا فباعتبار كونها أزيد أو أنقص من قيمة الثمن ، فالغبن في الثوب. وكذا إذا بعت ثوبا بفرس ، فإذا ظهر قيمته انقص من الثوب فالغبن في الثوب المبيع للبائع ، وإن ظهر قيمته أزيد من الثوب ، فالغبن في الثوب [ للمشتري ].

قوله : إمّا أن يزول المانع من الرد إلى آخره.

المراد بالمانع من الرد : هو جميع أنواع التصرّف المذكور بقوله : « إما أن يخرج عن الملك » إلى آخره. دون خصوص ما ذكره بقوله : « أو يمنع من الرد » كما توهّم.

قوله : أو هما.

لا يخفى أنه لا يتصور كونها معا مغبونين ؛ لأنّ غبن البائع هو كون قيمة المبيع أزيد ممّا باعه أي : كون الثمن أنقص من القيمة ، وغبن المشتري هو كون قيمته أنقص مما اشتراه أي :كون الثمن أزيد وهما ممّا لا يمكن أن يجتمعا.

فإن قيل : إذا باع الثوب بفرس وظنّ المشتري أن قيمة الثوب مائة والبائع أن قيمة الفرس مائة فظهر أن قيمة الثوب خمسون وقيمة الفرس سبعون فكلّ منهما مغبون.

قلنا : الغبن لا يحصل بسبب الظن ، بل بالقيمة الواقعية. ففي المثال ، المغبون صاحب الفرس خاصّة حيث إنّ قيمة فرسه أزيد بعشرين ، وأمّا صاحب الثوب فلا غبن له أصلا.

فإن قيل : إذا باع الثوب بمائة وأخذ عوضها فرسا ، فظهر قيمة الفرس خمسين وقيمة الثوب سبعين فكلّ منهما مغبون.

قلنا : هذا ليس بيعا واحدا ، بل بيع ومعاوضة ، ففي البيع المغبون المشتري ، وفي المعاوضة البائع ؛ ولذا لو فسخ البائع المعاوضة ولم يفسخ المشتري البيع يلزمه المائة.

قوله : ومضروبها يزيد عن مائتي مسألة.

طريق ضربها : أن تضرب أقسام المتصرف فيه وهي الثلاثة المذكورة بقوله : « إمّا أن

٥٧٥

يكون في المبيع أو في ثمنه ، أو فيهما » في أقسام التصرّف وهي الثلاثة عشر المذكورة بقوله : ثمّ إما أن يخرج عن الملك » إلى قوله : « أو لا يوجب شيئا من ذلك » فيحصل تسعة وثلاثون.

ثمّ يضرب هذه الأقسام في أقسام زوال المانع الثلاثة ، فيحصل مائة وسبعة عشر. ثمّ يضرب الحاصل في أقسام المغبون الثلاثة ، فيحصل ثلاثمائة وواحد وخمسون.

واعلم أنه قد اضطربت أفهامهم في تعيين حاصل الضرب هنا فكلّ قال بشي‌ء ولكلّ وجه. وهم بين من لم يعتبر في الضرب الاتّحاد في الحكم ، والاختلاف فيه وبين من اعتبره.

أما الأوّل :

فمنهم من قال : إنه ثلاثمائة وواحد وخمسون. ووجه هذا : أنه جعل المراد في قوله : « إما أن يزول المانع من الرد » شاملا لجميع ما سبق من أنواع التصرّف ، وعلى هذا فيكون أقسام المتصرّف فيه ثلاثة ، وأقسام التصرف ثلاثة عشر ، وأقسام زوال المانع أيضا ثلاثة ، وكذا أقسام المغبون ، فيضرب ثلاثة عشر أقسام التصرف في الثلاثة أقسام المتصرّف فيه يحصل تسعة وثلاثون ، فيضرب الحاصل في أقسام زوال المانع الثلاثة يحصل مائة وسبعة عشر ، ويضرب الحاصل في أقسام المغبون الثلاثة يحصل ثلاثمائة وواحد وخمسون.

ومنهم من قال : « إنه مائة وخمسة وثلاثون ». وهذا جعل المراد من المانع هو ما ذكره أوّلا بقوله : « أو يمنع من الرد » فيكون واحد من أقسام التصرف على ثلاثة أقسام ، والبواقي غير منقسمة إلى هذه الأقسام ، فيكون مجموع أقسام التصرف مع ملاحظة أقسام زوال المانع في واحد منها خمسة عشر ، تضرب في أقسام المتصرف فيه ، يحصل خمسة وأربعون والحاصل في أقسام المغبون يحصل مائة وخمسة وثلاثون.

ومنهم من قال : « انه مائة وواحد وسبعون ». وهذا جعل المراد بالمانع من الرد :الخروج عن الملك ، أو المنع من الرد كالاستيلاد أو الإجارة ، دون البواقي حيث إن مع واحد من هذه الثلاثة لا يمكن الرد ، بخلاف البواقي ، وعلى هذا فيضرب أقسام زوال المانع الثلاثة في ثلاثة من أقسام التصرف يحصل تسعة وينضم معها العشرة الاخرى منها يحصل

٥٧٦

تسعة عشر يضرب فى ثلاثة اقسام المتصرف فيه يحصل سبعة وخمسون ، يضرب في ثلاثة أقسام المغبون ، يحصل مائة وواحد وسبعون.

ومنهم من قال : « إنّه مائة وثلاثة وخمسون ». وهذا جعل المراد بالمانع في قوله : « امّا أن يزول المانع » هو الاستيلاد خاصّة ، وجعل أقسام النقصان أيضا ثلاثة كأقسام الزيادة ، فتكون أقسام التصرف خمسة عشر ، ومع ملاحظة أقسام زوال المانع سبعة عشر يضرب في ثلاثة أقسام المتصرف فيه يحصل واحد وخمسون ، والحاصل في أقسام المغبون يحصل مائة وثلاثة وخمسون.

ومنهم من قال : « إنه مائة وأربعة عشر ». وهذا جعل المانع من الرد أحد أقسام الثلاثة الاول من أقسام التصرف ، فتكون أقسامه مع ملاحظة أقسام زوال المانع تسعة عشر يضرب في أقسام المتصرف فيه ، يحصل سبعة وخمسون ، ويضرب الحاصل في اثنين من أقسام المغبون بإسقاط واحد منها وهو الأخير ، لامتناعه كما مر يحصل مائة وأربعة عشر.

وممّا ذكر يعلم أنه يمكن جعل حاصل الضرب أربعمائة وخمسة بجعل أقسام النقصان ثلاثة كما مر ، فتكون أقسام التصرف خمسة عشر يضرب في ثلاثة التصرف تحصل خمسة وأربعون ، يضرب في ثلاثة أقسام زوال المانع يحصل مائة وخمسة وثلاثون يضرب في ثلاثة أقسام المغبون يحصل أربعمائة وخمسة.

وجعله مائتين وسبعين بإسقاط الأخير من أقسام المغبون حينئذ.

وجعله مائة وتسعة وثمانين بجعل أقسام التصرف خمسة عشر وتخصيص أقسام زوال المانع بالثلاثة الاول ، فتكون أقسامه مع أقسام زوال المانع واحدا وعشرين يضرب في ثلاثة أقسام التصرف ، والحاصل في أقسام المغبون يحصل مائة وتسعة وثمانون.

وجعله مائة وستة وعشرين باسقاط الأخير من أقسام المغبون حينئذ.

وجعله مائة واثنين بتخصيص زوال المانع بالاستيلاد حينئذ.

وأما الثاني ، وهو من يعتبر في الضرب ملاحظة الحكم فيجعل ما يتّحد حكمه من الأقسام قسما واحدا :

٥٧٧

فمنهم من جعل الأقسام ثلاثمائة وعشرين. ومنهم من جعلها ثلاثمائة وأحدا وعشرين ، ومنهم من جعلها مائتين وخمسة وعشرين ، ومنهم من جعلها خمسة وأربعين. ولكلّ وجه.

ويمكن الزيادة والنقصان أيضا ، كما لا يخفى على من تأمّل.

ثم انه قد يزيد أقسام التصرف أيضا بملاحظة ما سيذكره الشارح من البيع بالخيار والسكنى المطلقة فيدرجان في أقسام التصرّف أيضا ، وعلى هذا فيمكن جعل حاصل الضرب أربعمائة وتسعة وخمسين ، وجعله مائتين وسبعين ، وجعله ثلاثمائة وستة ، وجعله مائة وثمانية وثلاثين.

ولو ادرج مع ذلك ما يستفاد من كلام الشارح من تقسيم الزيادة الحكمية إلى ما يوجب زيادة القيمة وما لا يوجبه يمكن جعل الأقسام أربعمائة وستة وثمانين وثلاثمائة وأربعة وعشرين ومائتين وستة عشر ، ومائة وأربعة وعشرين ومائة وثمانين ، ومائة وعشرين. وبعد جعل أقسام النقصان واحدا يتصوّر صور اخرى أيضا لا يخفى على الماهر.

قوله : بغيرها إلى آخره.

أي : بغيرها عينا لا جنسا بقرينة جعل المساوي والأردإ والأجود من أقسامه حيث انه جعلها أولا أيضا من أقسام الممتزج بالمثل ، وأيضا قوله : « ولو مزجها بغير الجنس » أيضا قرينة عليه.

خيار العيب

قوله : يعتبر فيه ذلك.

أي : الخيار. أي : خلقة أكثر النوع الذي يباع ، فيعتبر فيه خيار العيب.

وقوله : « ذاتا أو صفة » قيدان لقوله « خلقة أكثر النوع » كما أن « عينا وصفة » في كلام المصنّف قيدان للزيادة في الخلقة والنقصان ، فلا تكرار ، وأما جعلهما قيدين لقوله :« ذلك » فبناء على جعل « ذلك » إشارة إلى الخلقة الأصلية ، ولا بأس به أيضا.

٥٧٨

قوله : فضلا من المساواة.

متعلق بقوله : « أم زادها » دون مجموع انقص قيمته أم زادها.

قوله : مثل نسبة التفاوت بين القيمتين.

فيه حذف ظاهر ، وهو قوله : « إلى قيمة الصحيح ». وهذا الحذف شائع في هذا المقام ، كما في القواعد أيضا.

قوله : ذلك من الثمن.

متعلق بقوله : « والأرش ». أي : للمشتري الخيار بين ردّ المبيع وبين الأرش من الثمن.

ويحتمل أن يكون متعلقا بالمثل والمراد به : ما يماثل ، أي : الأرش ما يماثل من الثمن نسبة التفاوت بين القيمتين ، وقول الشارح : « فيؤخذ ذلك » يناسب الاول.

قوله : بمائة أو أزيد.

فالتقويم بالمائة ، مثال لما يحيط بالثمن ، وبالأزيد مثال لما يزيد عليه.

قوله : بخمسة وعشرين.

لان نسبة خمسة وعشرين إلى الخمسين الذي هو الثمن مثل نسبة الخمسين الذي هو التفاوت بين القيمتين إلى قيمة الصحيح التي هي المائة.

ولا يخفى أن المراد بالمثال في قوله : « يرجع في المثال » ما إذا قوم الصحيح بالمائة ، لا الأزيد ، لأن الأرش حينئذ يزيد عن الخمسة والعشرين.

قوله : اخذت قيمة واحدة.

المراد بقيمة واحدة : قيمة خارجة عن جميع القيم المختلفة. والمراد : بنسبتها متساوية بالنسبة إلى الجميع ليس أن تكون نسبتها إلى الجميع واحدة كأن تكون ضعف كلّ منها ؛ لاستحالة ذلك ، بل المراد من تساوي نسبتها إلى الجميع أن لا تكون أقرب إلى بعض من بعض آخر وأرجح بالنسبة إليه ، بل يكون قربها ومناسبتها للجميع واحدا.

فالمراد بالنسبة ليس النسبة الاصطلاحية ، بل مجرد المناسبة والقرب ، فإذا قوّم واحد بخمسين وآخر بمائة يؤخذ في [ خمسة و ] سبعين وقربه إلى الخمسين ومناسبته له كقربه إلى المائة ومناسبته لها ، إذ يختلف عن كلّ منهما بخمسة وعشرين.

٥٧٩

وأما النسبة الاصطلاحية ، فيجب أن يقال : اخذت قيمة واحدة نسبتها إلى الجميع ـ أي : المجموع ـ كنسبة الواحد إلى عدد تلك القيم.

قوله : وطريقه.

أي : وطريق أخذ الأرش ، لا أخذ تلك القيمة الواحدة ؛ فإنه قد علم بقوله : « وضابطه ».

واعلم أنه قد علم مما ذكر سابقا في أخذ الأرش ، طريق أخذ الأرش هنا أيضا بعد أخذ القيمة ، فانه إذا اخذت قيمة الصحيح عند التعدّد على الطريق المذكور ، وكذا المعيب ، يؤخذ التفاوت بين القيمتين ، وينسب إلى قيمة الصحيح ويؤخذ من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة التفاوت إلى قيمة الصحيح.

ولكن كان هذا محتاجا إلى أخذ القيمة المتساوية النسبة أولا ، ثم أخذ الأرش. وغرضهم من وضع الطريقين اللذين يذكرهما الشارح لأخذ الأرش أن يأخذوه بطريق يتحقق في ضمنه أخذ القيمة أيضا من غير احتياج إلى أخذ القيمة أولا ، ثم أخذ الأرش ، ومآل الطريقين واحد وهو راجع إلى الطريق المعلوم مما ذكر سابقا.

فهاهنا ثلاثة طرق لأخذ الأرش :

أحدها :

ما علم سابقا مما ذكره الشارح والمصنّف.

وثانيها :

ما ذكره الشارح بقوله : « أن تجمع القيم الصحيحة ».

وثالثها :

ما ذكره بقوله : « وينسب » إلى آخره ولا يحتاج في الطريقين الأخيرين إلى أخذ القيمة أولا ، بل يحصل ذلك في ضمن أخذ الأرش.

وتوضيح الطريق الاول منهما : أنه يجمع القيم الصحيحة على حدة ، ويجمع القيم المعيبة أيضا على حدة ، وينسب إحداهما إلى الاخرى أي : يؤخذ التفاوت بينهما ، ثمّ يؤخذ من الثمن بتلك النسبة أي : بنسبة التفاوت إلى الصحيح.

وتوضيح الطريق الثاني منهما : أن ينسب معيب كلّ قيمة إلى صحيحها ، ويؤخذ قدر

٥٨٠