الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

قوله : ويثبت بالاستفاضة.

المقصود من هذه المسألة أنّ الأمور المذكورة لا يحتاج الشاهد فيها إلى الرؤية والسماع بخصوص ما يشهد به ، بل يكفي فيها الاستفاضة ، فيجوز للشاهد الشهادة بها مع الاستفاضة ، وليس المقصود هنا أنّها تثبت بالاستفاضة عند الحاكم ، وإن كان كذلك في الواقع.

والحاصل : أنّ المراد هنا : بيان مستند الشهادة ، لا مستند الحكم.

واعلم أنّ تخصيص هذه الامور بالثبوت بالاستفاضة ، دون غيرها ، إنّما هو بناء على عدم كفاية مطلق العلم في مستند الشهادة ، بل لا بدّ من الرؤية أو سماع المشهود به ، إن كان قولا ـ كما هو المشهور عند الأصحاب ـ بل قال بعضهم : « إنّ ظاهر كلمة الاصحاب الإطباق على الحكم المذكور ». فاستثنى من الحكم هذه الامور بكفاية الاستفاضة فيها ، أو بناء على كفاية مطلق العلم في الشهادة ، ولكن المراد بالاستفاضة فيها أعم ممّا يفيد العلم أو الظن المتاخم للعلم أو الظن مطلقا ، كما قال به جماعة. فيكون تخصيص هذه الامور من جهة عدم اشتراط العلم فى الشهادة بها ، بل يكفي الظن الحاصل من الاستفاضة.

نعم من يقول بكفاية مطلق العلم في مستند الشهادة مطلقا ، وبأنّ الاستفاضة المثبتة لهذه الامور هي المفيدة للعلم ، يشكل عليه تخصيص هذه الامور ، ولعلّه لا يخصّص ، وإنّما هو بناء على احد الوجهين المذكورين.

قوله : والمشهور.

خلاف المشهور : أنّه لا يثبت بها إلا النسب خاصة وهو قول ابن الجنيد.

وأنه لا يثبت بها الموت ، استوجهه بعضهم. وقد يزاد العدالة والرق أيضا.

قوله : ويكفي إلى آخره.

لا يخفى أنّ هذه العبارة يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون عطفا تفسيريا لقوله : « ويثبت بالاستفاضة » وبيانا له ، وعلى هذا يكون قوله « على قول » متعلّقا بالثبوت بالاستفاضة وكفاية المتاخمة ، ويكون المعنى :

٥٢١

وتثبت هذه الامور بالاستفاضة ويكفي فيها المتاخمة على قول ، والقول الآخر : أنّه لا تثبت بالاستفاضة ، بل يشترط فيها حصول العلم.

وثانيهما : أن يكون جملة مستأنفة ، ويكون « على قول » متعلّقا بقوله : « ويكفي » ويكون المعنى : وتثبت هذه الامور بالاستفاضة قطعا ، ولكن لا يشترط الاستفاضة القطعيّة ، بل يكفي المتاخمة على قول.

والأوّل أنسب بقول الشارح : « والمراد بها : شياع الخبر » إلى آخره. حيث فسّر الاستفاضة بالمفيد للظن. وكذا هو يؤكّده قول الشارح : « وعلى المختار » كما يأتي ، ولا ينافيه قول الشارح : « وقيل : يشترط أن يحصل العلم » حيث يدلّ على أن القول الآخر اشتراط حصول العلم من الاستفاضة ؛ إذ يحتمل أن يكون هذا قولا مقابلا للثبوت بالاستفاضة ، لا لاشتراط الاستفاضة القطعية ، بل هو الظاهر لأنّ ( من ظ ) القول الثالث الذي ذكره بقوله : « وقيل : يكفي مطلق الظن حتّى لو سمع » إلى آخره ، فإنه لا شكّ أن السماع من الشاهدين ليس استفاضة.

قوله : صار متحملا.

أي : صار السامع متحمّلا للشهادة ، ويكون شاهد أصل من غير حاجة إلى الشهادة بالشهادة حتّى يكون شاهد فرع.

قوله : وعلى المختار.

المراد بالمختار : ثبوت الامور المذكورة بالاستفاضة حيث اختاره بقوله : « قوي » على أن يكون « على قول » متعلّقا بمجموع قوله : « ويثبت بالاستفاضة » و « يكفي المتاخمة ». وليس المراد به : كفاية الاستفاضة الظنية وعدم اشتراط الاستفاضة القطعيّة على أن تكون الاستفاضة على قسمين ؛ إذ لا يكون حينئذ وجه لتخصيص عدم الاشتراط بالمختار ، بل لا يشترط على القول باشتراط حصول القطع من الاستفاضة أيضا ؛ لامكان إفادة العلم أيضا من نقائضها. فالمراد : أنّه على المختار من ثبوت الامور المذكورة بالاستفاضة لا يشترط العدالة إلى آخره.

وأمّا على القول بعدم الثبوت بها فلا تثبت إلّا بالبينة ، فيشترط فيها هذه الشرائط.

٥٢٢

قوله : من نقائضها.

الجار متعلّق باستفادته على أكثر النسخ. وأمّا على بعض النسخ الذي تكون الإفادة مكان « الاستفادة » فمتعلق « بالإمكان » لا « بالإفادة » ؛ لأنّه متعدّ ، وإضافة الإفادة إلى الضمير إضافة المصدر إلى المفعول. والضمير فى « نقائضها » راجع إلى العدالة » وما عطف عليها على سبيل الاستخدام بأن يراد منها : العادل ، والحر ، والذكر. أو يقدّر محذوف أي :من أصحاب نقائضها والمتّصف بها ، والمعنى : لأنّه يمكن من خبر نقائض العادل وأخويها أي : خبر الفاسق والعبد والانثى إفادة الظن ، أو يمكن من خبر المتّصف بنقائضها ذلك.

قوله : لا في السبب.

وتظهر الفائدة في ترجيحه على مدّع آخر ادّعى السبب أيضا.

الفصل الثاني في تفصيل الحقوق

قوله : ولو أفرد هذين.

أي : لو أفرد الرجم والجلد عن القسم الأوّل ، وهو ما يثبت بأربعة رجال. وقوله : « وجعل الزنا » الذي هو القدر المشترك بينهما قسما ثانيا كان انسب لاختلاف حاله بالنسبة إلى القسم الأول ؛ لأن الأوّلين اللذين هما من القسم الأوّل أي : اللواط والسحق ـ وكونهما أوّلين بالنسبة إلى قسمي الزنا المذكورين ثانيا ـ لا يثبتان إلّا بأربعة رجال خاصّة ، والزنا تثبت بهم ، وبمن ذكر من ثلاثة رجال وامرأتين ، ورجلين وأربع نسوة ، فحاله مختلفة بالنسبة إلى حالهما ، وهما من القسم الأوّل ، فحاله مختلفة بالنسبة إلى القسم الأوّل.

قوله : ألحقها المصنّف.

الظاهر أنّ حكمه بإلحاق المصنّف هذه الأربعة فى حقوق الله ، لأجل ذكره إيّاها في أثنائها حيث إنّ المقدّم عليها الردّة والقذف والشرب وحدّ السرقة ، وهي من حقوق الله ، وكذا الإسلام المتأخّر عنها.

ويشهد بأن حكمه بالإلحاق من هذه الجهة ما يذكره بعد ذلك : « وبهذا يظهر أن الهلال » إلى آخره ، فإنه لا يظهر ذلك ، الا من ذكر الهلال في تلو حقوق الناس.

٥٢٣

قوله : وهذا الضابط.

أي : الضابط الذي ذكره بعض الاصحاب لا يدخل الزكاة والخمس والنذر والكفّارة في هذا القسم ، لأنّها إمّا ليست من حقوق الآدمي ، أو يكون من حقوقه المالية ، فيخرج هذه الأربعة عن هذا القسم.

ويمكن أن يكون المراد بالضابط بعض الأصحاب أي : لا يدخل هذا البعض تلك الاربعة في هذا القسم ، إذ ضابطته توجب خروجها ، [ و ] على التقديرين يكون قوله هذا بيانا لمخالفة هذا الضابط مع ما ذكره المصنّف.

وأمّا إرادة البعض من الضابط وجعل الأربعة داخلة في الضابطة ، وجعل هذا الكلام بحثا مع الضابط كما وقع من بعض المحشّين فخطأ.

قوله : والعمد

عطف على القتل لا على الخطأ أي : جناية العمد. وقوله : « المشتمل » صفة للعمد. والمراد : العمد الذي يشتمل قصاصه على التغرير بالنفس ، أي لو اريد القصاص لاحتمل هلاكة النفس ، فالمعنى : المشتمل قصاصه على التغرير بالنفس ، واحترز به عمّا ليس كذلك ؛ فإن فيه الدية.

قوله : وهذا الفرد.

أي الوصية له بالمال خارج عن الضابط المذكور لهذا القسم بقوله : « وضابطه : ما يعسر اطلاع الرجال عليه » فإنّ اطّلاعهم على الوصية ليس بمتعسر.

قوله : ليترتّب عليه باقي أحكامه.

تعليل لحسن الإفراد ، وقوله : « فانّه يختص » إلى آخره ، تعليل لقوله : « باقي أحكامه » وبيان لأنّ له أحكاما اخر باقية. والمراد : أنّه لو أفرد هذا القسم ورتّب عليه جميع أحكامه كان حسنا.

قوله : لا بدونه.

لا يخفى أنّه يستباح له مع جهله بالوصية ، وبكذب المرأة أيضا. نعم لو علم بكذب المرأة وجهل الوصية لم يكن الجميع مستباحا له.

٥٢٤

قوله : وكذا القول فيما لا يثبت إلى آخره.

لفظة : « ما » بمعنى : « من » ، والمضاف إليها محذوف أي : ومثل القول في المرأة الواحدة سائر من لا يثبت بشهادته الجميع كالمرأتين وثلاث امرأة والرجل على القول بالثبوت به ، في أنه ليس له تضعيف المال ليصير ما أوصى به ثابتا بشهادته.

وأمّا إبقاء لفظة « ما » بمعناها ، وجعل عائدها المستتر في « لا يثبت » وجعل « الجميع » بدلا عن المستتر ، أو جعل « اللام » في « الجميع » عوضا عن الضمير المحذوف العائد إلى ما لا يثبت جميعه ، فإن كان محتملا لفظا بل هو الظاهر ، إلّا أنّه لا يصح معنى ؛ لأنّه إنّما يصحّ لو كان لشي‌ء غير الوصية مثل هذا الحكم أي : لا يثبت ببعض الشهود الجميع ويثبت بعضه حتّى يصحّ أن يقال : « وكذا القول » ، أى : مثل الوصية في سائر ما لا يثبت ، إلى آخره.

فله : ومنها ما يثبت بالنساء إلى آخره.

أي : يمكن إثباته بهنّ لا أنه لا يثبت بغيرهنّ. وقوله : « خاصة » قيد للمنضمّات ، لا للنساء. والمعنى : يمكن إثباته بالنساء المنضمّات ، دون المنفردات ، وليس المعنى : يثبت بالنساء دون غيرهنّ ؛ فإنّه قد صرّح سابقا أنّ الديون والأموال تثبت بالرجلين أيضا ، فيصحّ قول الشارح : « وهذا الفرد داخل في القسم الثالث ». ولو كان المراد : أنّه لا يثبت بغير النساء لم يكن داخلا في الثالث.

قوله : إلى الرجال فيه صريحا.

الضمير المجرور في قوله : « فيه » يحتمل أن يكون راجعا الى هذا القسم ، وأن يكون راجعا إلى « الثالث ».

فعلى الأوّل يكون الجار والمجرور متعلقا بقوله : « ليعلم » أي : ليحصل العلم في هذا القسم باحتياج النساء المذكورات في القسم الثالث إلى الرجال.

وعلى الثاني : يكون متعلقا بالاحتياج اي : يعلم احتياج النساء في القسم الثالث إلى الرجال.

قوله : فلو عكس المعتذر.

أي : كان يقول : وإنّما افرد ليعلم عدم [ احتياج ] النساء إلى الرجال مطلقا ، بل يكفي

٥٢٥

النساء مع اليمين. ولكن لا يخفى أنّ إطلاق الانضمام لا يفيد هذه الفائدة ، بل يحتاج إلى التصريح.

قوله : ولقد كان إبداله إلى آخره.

الضمير في « إبداله » راجع إلى هذا القسم. وقوله : « ما أشرنا إليه من الأقسام » إشارة إلى ما ذكره سابقا بقوله : « ولو أفرد هذين من القسم الأوّل وجعل الزنا قسما برأسه ».

وقوله : « التي أدرجها » صفة للأقسام ، والمدرج فيه محذوف. وقوله : « وإدراجه » عطف على « إبداله ». والضمير فيه أيضا راجع إلى هذا القسم. وضمير « هو » ضمير الفصل و « العماد » راجع إلى كلّ من الإبدال والإدراج ، وفائدته : التأكيد واختصاص الأولوّية بذلك.

والمعنى : ولقد كان إبدال هذا القسم ببعض الأقسام التي أدرجها في القسم الأوّل ، وإدراج هذا القسم في الثالث بأن يجعل أحد الأقسام الخمسة ما يثبت بأربعة رجال ، وثلاثة وامرأتين ، ورجلين وأربع نسوة ، وهو الزنا ، أولى ممّا فعله.

الفصل الثالث في الشهادة على الشهادة

قوله : كالطلاق والنسب.

لا يخفى أنّ قول المصنّف فيما بعد ذلك : « أو مشتركا كالسرقة » يدلّ على أنّ المراد بحقوق الناس هنا : الحقوق المختصة بالناس ، فإنّ المشتركة منها قد حكم بعدم ثبوتها على خلاف ، ويلزمه كون الطلاق والعتق من الحقوق المختصّة بالناس ، وهذا ينافي ما سبق من الشارح من جعله الطلاق والعتق من الحقوق المشتركة كما ذكرنا.

قوله : هذا وما بعده.

مبتدأ خبره قوله : « من أفراد الحقوق التي » إلى آخره. على أن تكون لفظة « من » تبعيضية ، ولكن يرد حينئذ : أنّ ممّا يذكر ما بعده الوصية له ، وهي من الحقوق المالية.

ويمكن أن يكون خبر هذا قوله : « رتبها » وتكون لفظة « من » بيانية للموصول أي عيوب النساء وما بعده ممّا ليس مالا كغير الوصية له مرتّبة مشوشة. والمراد بالترتيب المشوش : أنّه ليس على الترتيب الموافق للضابطة.

٥٢٦

قوله : كالزنا.

المراد بالزنا : هو حدّ الزنا بغير ذات البعل ؛ لأنّ نفس الزنا مشتمل على الأمرين ، وحدّ الزنا بذات البعل مشترك بين الله وبين العبد كحدّ السرقة.

قوله : كالسرقة والقذف.

أي : كحدّهما. وأمّا نفس السرقة فهي مما اشتمل على الأمرين أي : على الحقّين ، لا من الحقوق المشتركة ، والفرق بين المشترك والمشتمل على الأمرين : أنّ الأوّل حقّ واحد ؛ وأمر وحداني مشترك بينهما ، والثاني يشتمل على أمرين كلّ واحد لواحد ؛ ولذا يحكم في الثاني بالافتراق ، فيثبت احد الحقّين دون الآخر ، بخلاف الأوّل ؛ فإنّ الخلاف فيه في ترجيح أحد الحقّين على الآخر ؛ إذ لا يمكن ثبوت أمر واحد من جهة ، وعدم ثبوته من جهة أخرى.

قوله : فبقي ضابطة محلّ الشهادة إلى آخره.

« ضابطة » فاعل « بقي » و « ما ليس بحدّ » حال ملازمة عن الفاعل ، و « الفاء » في قوله :« فبقي » للتفريع ، والجملة متفرعة على ما ذكره سابقا من قوله : « بل ضابطه » إلى آخره مع ما ذكره هاهنا من ترجيح عدم ثبوت الحقّ المشترك ؛ فإنّه لما ذكر أوّلا أنّ الضابط كلّ ما لم يكن عقوبة لله مختصة به مع تردّد في المشترك ، ثمّ رجّح هنا أنّه ما لم يكن عقوبة مشتركة أيضا ، فثبت أن غير العقوبة المشتركة والمختصّة بالله محلّ الشهادة على الشهادة ، وغير ذلك ما ليس بحدّ من الحقوق ، لأنّ كلّ حدّ عقوبة إمّا مختصّة بالله ، أو مشتركة ، وكلّ عقوبة مختصّة أو مشتركة حدّ.

قوله : افتقر إلى إضافة.

أي : احتاج كلام المصنّف ، وهو قوله : « فيثبت بالشهادة » إلى إضافة الشهادة الاخرى على الشهادة المذكورة بأن يقال بالشهادة على الشهادة ، كما فعله الشارح ليصير من أمثلة المبحث ؛ فإنّ المبحث مبحث الشهادة على الشهادة ، لا الشهادة فقط.

قوله : فالحكم كذلك.

أي : ثبت نشر الحرمة ، لا الحد ، لكنّه ليس من أحكام هذا المبحث ، بل من أحكام القسم

٥٢٧

السابق. والصواب : من أحكام الفصل السابق حيث حكم فيه : بأنّ مثل الوكالة والوصية والعفو عن القصاص وأمثالها من حقوق الآدميين التي ليست ما لا يثبت برجلين ، والإقرار بالزنا منه ، ولكن حدّه لا يثبت بهما ، بل لا بدّ من أربعة رجال.

قوله : بل يجوز أن يكون الأصل.

أي : يجوز أن يكون أحد الأصلين فرعا للأصل الآخر ، فتثبت شهادة الاصل الآخر بشهادة هذا الأصل الذي هو فرع بالنسبة إليه مع فرع آخر غير الأصلين. والحاصل : أنّه يجوز شهادة أحد الأصلين مع الفرع الآخر على شهادة الأصل الآخر.

قوله : لأن شهادة الفرع إلى آخره.

توضيح الدليل : أن الأصل في الشهادة ثبوتها بالرجال دون النساء كما صرّحوا به ، فلا يثبت بشهادة النساء إلّا ما دلّ عليه دليل مثل كثير من المواضع المتقدّمة ، فلو كان الشهادة على الشهادة مثبتة لما شهد به الأصل ، لكانت النساء فرعا في كلّ ما ثبت فيه شهادة النساء من المواضع المذكورة ؛ لدلالة الدليل على ثبوتها بالنساء. أمّا لو كانت الشهادة على الشهادة مثبتة لشهادة الأصل ، فلا تكون النساء فرعا أي : لا يجوز كونهنّ فرعا إذا لم يثبت قبول شهادة النساء في ثبوت شهادة الأصل ، وإن ثبت فيما شهد به الأصل.

قوله : وإن سمعاهما

أي : سمع الفرعان الأصلين أنّهما يشهدان من غير أن يقولا للفرعين : اشهدا.

قوله : وإن لم تكن

فإنّها إن كانت عند الحاكم جازت الشهادة عليها قطعا ؛ لأنّ العدل لا يتصدى لإقامة الشهادة عند الحاكم إلّا بعد تحقّق المشهود به عنده ، ولا يتسامح به أبدا.

قوله : لأن العدل لا يتسامح.

فإن قيل : إن لم يكن التسامح عصيانا وذنبا ، فلا مانع للعدل منه في صورة ذكر الأصل السبب ، وإن كان عصيانا فلا يوجب اعتياده رفع معصيته فلا يرتكبه العدل عند عدم ذكر الأصل السبب أيضا.

قلنا : يمكن أن يكون عصيانا عند ذكر السبب ؛ لعدم اعتياده حينئذ ، ولا يكون عصيانا

٥٢٨

عند عدم ذكره ، لاعتياده ، فإنّ للاعتياد وعدمه مدخلية في العصيان وعدمه فى أمثال هذه المواضع ؛ لانّه فيما اعتيد التسامح به يعلم كلّ أحد سمعه أنّه من باب المسامحة ، فلا يلزم كذب ولا تدليس ، بخلاف ما إذا لم يعتد ؛ فإنّ السامع يفهم عدم المسامحة ، فيلزم التدليس ، فلا يرتكبه العدل.

ومن هذا القبيل الألفاظ الشائعة في غير معانيها الحقيقية ؛ فإنه يجوز للعدل استعمالها في المعنى المجازي بدون القرينة في الشهادة ، ولا يلزم تدليس ، بخلاف ما لم يكن شائعا.

الفصل الرابع في الرجوع عن الشهادة

قوله : عند فوات محلّه.

الظرف متعلّق بقوله : « بدل » ، لا بقوله : « ممكن ». والضمير المجرور في قوله : « محلّه » راجع إلى القصاص أي : لأنّ الدية بدل عن القصاص عند فوات محلّ القصاص وعدم إمكانه ، وممكنة أيضا فلا بدّ من الانتقال إليها.

قوله : والعبارة تدلّ بإطلاقها.

يحتمل أن يكون العبارة الدالّة بإطلاقها قوله : « وإن كان بعده لا ينتقض ». وأن يكون قوله : « ولو كانت على قتل ، أو رجم » ، أو قطع أو جرح ثمّ رجعوا واعترفوا » فإنّه يدلّ على الاقتصاص من الشاهد بعد الرجوع مطلقا ، وهو لا يكون إلّا مع الاستيفاء عن المشهود عليه.

قوله : وإن كان حدّا.

جعله فردا خفيّا بالنسبة إلى المال لا بالنسبة إلى القتل ، والرجم ، والقطع. ويمكن أن يكون المراد بالحد : ما يشمل هذه الثلاثة أيضا ، فإنّه قد يطلق عليه.

قوله : أو خلاف المشهور.

مرفوع معطوف على جملة : « إمّا ليس بجيّد ». والمراد : أنّ مذهب المصنّف إمّا موافق لمذهبه ، أو مذهبه الاستيفاء مطلقا ، وحينئذ فالإطلاق خلاف المشهور.

قوله : واتّفق موته بالحدّ.

٥٢٩

لما كان المذكورات القتل والرجم المستلزم للقتل غالبا ، والقطع والجرح والحدّ ، وكان الاقتصاص من غير الحد منها مجوّزا ، فلم يحتج في غيره إلى قيد. وأمّا الحد نفسه فلا يقتص منه ؛ إذ لم يثبت من الشرع حدّ قصاصي ، فالاقتصاص منه مقيّد بما إذا صار سببا للموت ، فلذا صرّح فيه بأنّ الاقتصاص فيه إذا اتّفق الموت به.

قوله : وردّ على كلّ واحد.

أي : وردّ الولي على ورثة كلّ واحد من المقتص منهم ما زاد عن جناية كلّ واحد ؛ فإنّه لو كان الشهود اثنين كانت جناية كلّ منهما نصفا ، فيرد على ورثة كلّ منهما نصف دية الانسان ، ولو كانوا أربعة ـ كما في الشهادة على الزنا ـ كانت جناية كلّ منهم ربعا ، فيرد على ورثة كل منهم ثلاثة أرباع الدية ، وإذا اقتص عن بعضهم كما أن يقتص عن واحد من الشاهدين ردّ الولي على ورثته نصف الدية ، ويردّ الشاهد الآخر على الولي النصف أيضا. هذا فيما إذا كان الاقتصاص بالقتل ، وأمّا إذا كان بالقطع أو الجرح ، ففي الأوّل يردّ نصف دية المقطوع أو المجروح ، وفي الثاني ثلاثة أرباعه ، وهكذا.

قوله : ثمّ رجعا.

أي : فتزوجت المطلقة بزوج آخر.

قوله : ترد إلى الأوّل.

أي ترد الزوجة إلى الزوج الأوّل ، ولكنّه لا يقربها حتّى تنقضي عدّتها.

قوله : ويغرمان.

أي : الشاهدان المهر للثاني فيعطيانه ، وهو يعطيه الزوجة إن لم يعطها أوّلا.

قوله : رواية حسنة.

الرواية هكذا : في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها ، فاعتدت المرأة ، وتزوّجت ، ثمّ إنّ الزوج الغائب قدم ، فزعم أنّه لم يطلقها ، وأكذب نفسه أحد الشاهدين. [ قال أي : أبو جعفر عليه‌السلام ] : « لا سبيل للأخير عليها ، ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع ويرد على الأخير ويفرق بينهما » (١). الحديث.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ / ٣٣١.

٥٣٠

وقوله : « حملت » ردّ لاستناد هذه الرواية يعني : أنّها ليست باقية على إطلاقها من شمولها صورة كون التزويج بعد الحكم أيضا ، كما هو مذهب الشيخ في النهاية ، بل محمولة على تزويجها قبل الحكم.

ووجه حمل الرواية على ما ذكر : ما مرّ من عدم انتقاض حكم الحاكم ، فلو كان تزويجها بعد حكم الحاكم بسبب الشهادة لم يقبل الرجوع عن الشهادة ويبقى زوجة للأخير.

قوله : لاستقرار المهر في ذمّته به.

أي : بالدخول. والمراد أنّه لا يغرم الشاهدان شيئا إن كان ما وقع من شهادتهما وتزويجها بعد دخول الزوج الأوّل ؛ لأن الغرم ليس للزوج الثاني قطعا ، لأنّ الزوجة له لأجل الحكم ، فلا تفويت عليه ، وإنما الغرم لو يتصوّر ، فإنّما يكون للزوج الأوّل ، ولا غرم له أيضا ؛ لأنّ سبب الغرم إمّا تفويت تمام المهر الذي يجب عليه لها ، أو تفويت البضع منها ، وشي‌ء منهما لا يوجب الغرم.

أمّا المهر ، فلأنه استقرّ بذمّته بسبب الدخول ، فهو في مقابل الدخول ، فلم يفوت الشاهدان شيئا عليه ، ولم يصير اسبابا لوجوب المهر عليه ، حتّى يكونا مفوّتين له.

وأمّا البضع ؛ فلأنّه لا يغرم ؛ إذ تفويته لا يوجب الضمان إجماعا ، وقول المصنّف : « لا غرم » يشمل نفي الغرم للثاني والأوّل ، ولما كان عدم الغرم للثاني ظاهرا غير محتاج إلى بيان خصّصه الشارح بنفيه للأوّل.

قوله : والا لحجر إلى آخره.

إثبات لعدم تضمين البضع بالتفويت. يعنى : وإن لم يكن كذلك ، وكان البضع مضمونا ، لكان كالمال فيلزم تضمينه كلّما يضمن المال ، ولازمه حجر المريض الذي يموت في مرضه عن الطلاق ؛ لأن الطلاق يفوت البضع ، فكما أنّ المريض إذا فوت مالا منه يضمنه فيما تسلّط عليه من ماله ـ وهو الثلث ـ وما زاد عنه لا يقبل على المشهور من إخراج المنجزات من الثلث ، فيلزم أنّ البضع أيضا يكون كذلك ، ويمنع المريض عن تفويته بالطلاق ، إلّا إذا خرج ما يقابله من ثلث ماله ، وليس كذلك ، بل له الطلاق مطلقا.

٥٣١

فقوله : « حجر » إمّا بمعنى : اورد الحجر ، و « الباء » في قوله : « بالطلاق » بمعنى : « في » كما في قوله تعالى : ( نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ ) (١) يعني : وإلّا لاورد الحجر على المريض في الطلاق. وإمّا يكون « على » بمعنى : « من » كما في قوله تعالى : ( إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ ). (٢)و « الباء » في قوله : « بالطلاق » زائدة نحو : ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ ). (٣) أي : وإلّا لمنع من المريض الطلاق ، أو « على » زائدة و « الباء » بمعنى : « من » كما في قوله تعالى : ( عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ ) (٤) أي : وإلا لمنع المريض من الطلاق.

قوله : ولأنه لا يضمن له.

الضمير المنصوب للشأن ، والمجرور راجع إلى « البضع » و « اللام » زائدة ؛ أو للزوج والفعل إما مبني للفاعل ، أو المفعول أي : لا يضمن البضع القاتل لو قتل الزوجة مع تفويته البضع على الزوج.

وقوله : « أو قتلت نفسها » أي : لا يضمن الزوجة لو قتلت نفسها بأن يجب تأدية ما يقابل البضع من مالها.

قوله : أو حرمت.

بالتشديد. أي : حرّمت الزوجة نكاحها أي : وطئها على الزوج بإيقاع رضاع. ويمكن أن يكون النكاح بمعنى العقد أيضا ، والمراد بتحريمه أي : جعله بحيث ينفسخ أي : تحريم بقائه.

قوله : بخلافه.

أي : بخلاف ثبوت المهر.

قوله : كالآخر.

أي : كالقول الآخر ، وهو الذي نقله عن الشيخ في النهاية ، لمعارضة الرواية أي :

__________________

(١) القمر : ٣٤.

(٢) المطففين : ٢.

(٣) البقرة : ١٩٥.

(٤) الإنسان : ٦.

٥٣٢

لمعارضة الرواية المعتبرة لما يدلّ على هذا القول الأخير من أدلّة عدم جواز نقض الحكم ، أو لما يدلّ على هذا القول بخصوصه ، والمراد من الرواية المعتبرة هي الحسنة المتقدمة.

قوله : لتقصيره بترك الرجعة.

يظهر من تعليله العدم بالتقصير اختصاص احتمال العدم بصورة تقصيره ، فلو فرض عدمه لجهل الزوج بالحال ، أو عذر لا يصدق معه تقصير تعيّن الاحتمال الأوّل ، وهو الإلحاق بالبائن ؛ لصدق التفويت حينئذ.

ومن هذا يظهر أنّه لو زاد بعد قوله : « فلو شهدا بالرجعي » قوله : « مع علم الزوج بالحال وتمكّنه من الرجوع » كان أجود ، وإن كان يمكن استفادته من سياق عبارته.

قوله : كعلم الحاكم به.

أي : علم الحاكم الاخر غير الحاكم بشهادتهما ، كما إذا رفع مدّعي تزوير الشاهدين دعواه التزوير إلى حاكم آخر يعلم بذلك ، وينقض حكم الحاكم الأوّل ، وإنّما قلنا : إنّ المراد بالحاكم : الحاكم الآخر ؛ لعدم صحّة إرادة الحاكم بشهادتهما ؛ لأن المراد بعلمه : إمّا علمه الحاصل ابتداء ، فلا معنى لقوله : « نقض الحكم » ؛ إذ لا يتصوّر حينئذ حكم حتّى ينقض. وإمّا علمه المتجدّد بعد الحكم ، وحينئذ لا وجه للتمثيل أي : قوله : « كعلم الحاكم » ؛ لأنّ المراد بالقاطع ليس إلا القاطع للحاكم ، فهو عين علمه ، فلا معنى للتمثيل.

قوله : ولا بشهادة غيرهما.

يجب أن يكون مراده بشهادة غيرهما : شهادة الغير بخلاف ما شهدا به ، لا شهادته بالتزوير ؛ لأنّ هذا ليس من باب التعارض ، بل هو من باب الجرح الذي يثبت بالشاهدين ، وإنّما التعارض فيما إذا شهد الغير مخالفا لما شهدا به.

قوله : لأنّه تعارض.

الفرق بين ثبوت التزوير والرجوع حتى صار الأوّل مجوزا لنقض الحكم ، دون الثاني ، أنّ الرجوع لم يثبت منه كون الشهادة الاولى على الزور ليترتّب عليه الأحكام الثابتة لشهادة الزور ، بل يتردّد بين صدق الاولى أو الثانية ، فلا يقطع بخطإ الحاكم ، وعدم تحقّق موجبه ، بخلاف ثبوت التزوير ؛ فإنّه يقطع معه بعدم تحقّق موجب الحكم وكونه خطأ.

٥٣٣

قوله : وكذا يلزمهم.

يمكن أن يكون من الإلزام أي : يلزمهم الحاكم ؛ وأن يكون من اللزوم أي : يصير لازما عليهم ، والمراد : أنّه يلزمهم غرامة كلّ ما فات من قصاص ، أودية ، أو قطع ، أو جرح ، أو غير ذلك.

قوله : أمر زائد.

أي : أمر زائد يوجب التعزير أو التشهير ، وإلا حصل منه الغلط في الأول بالشهادة ، وهو أمر زائد.

٥٣٤

كتاب الوقف

قوله : الناظر فيها.

أي : في الجهة العامّة. والمراد به : من نصبه الإمام أو الحاكم للنظر على تلك الجهة العامّة.

قوله : ومنه يظهر.

أي : من قول المصنّف ووجه ظهوره : إطلاق مفهوم الشرط فيه ، فإن مفهومه : لو لم يمت قبل القبض لم يبطل مطلقا.

قوله : لا اللزوم.

عطف على « الصحّة » ، لا على عدم الصحّة أي : ذلك ليس من مقتضى عدم اللزوم ؛ فإن مقتضاه الانفساخ ، دون البطلان.

والحاصل : أنّ الحكم بالبطلان بدون القبض قبل الموت يدلّ على أنّ القبض شرط عدم البطلان ، فيكون بدونه باطلا وقوله : « كما صرّح » تشبيه في إرادة الصحّة من اللزوم ؛ لأنّه هو الذي صرّح في الدروس ؛ ولذا عطف عليه قوله : « واحتمل » إلى آخره حتّى يبيّن ذلك أي : احتمل إرادة ما ذكر ـ وهو الصحّة ـ من اللزوم ، من كلام بعض الأصحاب في هبة الدروس.

قوله : لأنها كالجزء.

إنما قال : « كالجزء » لأنّهما لو كانا جزءين حقيقيين لانتفى الكلّ بانتفائهما ، مع أنّه ليس كذلك ؛ إذ لا ينتفي التسمية بالحيوان بانتفاء شي‌ء منهما لا حقيقة ولا عرفا ، وأيضا لا يقال في العرف للحيوان الفاقد لهما : إنه ناقص.

٥٣٥

قوله : والأقوى.

مقابل الأقوى البطلان ، كما حكاه جماعة عن بعضهم ، وإن لم يسموا له قائلا.

قوله : إلى الواقف.

إن كان حيّا ، أو وارثه إن كان ميتا.

قوله : قبيل.

كما إذا وقفه على العلماء ـ مثلا ـ وكان نفسه أيضا عالما حين الوقف ، أو صار عالما بعده.

قوله : أو شرط.

عطف على قوله : « وقفه ».

قوله : والمشهور.

مقابل المشهور : البطلان رأسا.

قوله : وإن كان قبلها.

أي : كان الموت قبل الحاجة. والوجه فيه دلالة روايتين صحيحتين عليه ، وإلّا فمقتضى القواعد عدم الرجوع قبل الحاجة.

قوله : في ربعه.

لأنّ الجمع يحمل على أقلّه ، وهو ثلاثة ، وهم مع نفسه أربعة ، فيبطل في ربعه ، واحتمال النصف ؛ لعطف « الفقراء » على نفسه ، فيكون نفسه في مقابل الفقراء أجمع ، فلكلّ نصف. واحتمال البطلان ؛ لأجل أن التبعيض مخالف للمقصود.

قوله : لعدم الانتفاع.

[ المراد ] أنّه لا يتحقّق فيه هذا الوصف أي : الانتفاع به مع قيامه الذي هو شرط في الوقف كما يأتي. ثمّ عدم هذا الوصف إما لعدم إمكان البقاء كما في المنفعة ، أو لعدم إمكان الانتفاع كما في الثلاثة ؛ فإنّه لا انتفاع في المنفعة ، ولا في الدين ، ولا في المبهم ؛ إذ لا ينتفع إلّا من المعيّن.

٥٣٦

وقوله : « وعدم وجوده خارجا » دليل آخر ، وتعليل لعدم الصحّة في الثلاثة. وقوله :« والمقبوض » إلى آخره دفع لتوهم أن الدين إذا قبض ، والمبهم إذا عيّن يمكن الانتفاع به ، مع بقائه ويوجد في الخارج.

وحاصل دفعه : أنّ المقبوض والمعيّن بعد الوقف غير ما وقف ، أو غير الدين والمبهم ، فليسا وقفين.

قوله : أن يراد به الأعم.

لا يخفى أنّ إرادة الأعم ليست سوى إرادة الأوّل ، فتأمّل.

قوله : وإن ذكر بعض تفصيله.

وهو القسم الثاني أي : ما لا يملك وإن صلح له ، يذكره بقوله : « ولو وقف ما لا يملكه » إلى آخره.

قوله : ولو كان مزروعا إلى آخره.

أي : ولو كان الريحان مزروعا صحّ. والظاهر أنّ المراد بالمزروع منه : ما كان باقيا في الأرض ثابتا ، وبالأوّل : ما لم يكن كذلك أي : كان مقلوعا.

والفرق : أنّ الأوّل لا ينتفع به ، إلّا قليلا ؛ لأنّ الريحان إذا قلع من الأرض يفسد سريعا ، بخلاف الكائن في الأرض.

قوله : قابل للنقل.

هو وصف للعقد بحال متعلّقه ، وهو محلّه أي : محلّه قابل للنقل من ملك مالكه ، فاذا جاز النقل صحّ كما في المبيع ( البيع ).

قوله : لأنّ الوقف فكّ ملك في كثير من موارده.

وهو ما لا يحتاج فيه إلى القبول. وهذا دفع لما سبق من أنّ المحل قابل للنقل أي : إنّ المحلّ وإن كان قابلا للنقل ، وكانت الإجازة كافية في النقل ، إلّا أنّ الوقف ليس نقل ملك من شخص إلى آخر ، بل هو في كثير من الموارد فك ملك ، ولم يثبت تأثير عبارة الغير فيه كما ثبت في النقل. وحاصله يرجع إلى جعل القياس المستفاد من قوله : « قابل للنقل » قياسا مع الفارق.

٥٣٧

قوله : لعدم صحّة التقرّب.

وأمّا نيّة المجيز لها حين الإجازة فغير نافعة إمّا لاشتراط المقارنة بالصيغة ، وهو في الفرض مفقود ، أو لأنّ تأثير نيّته لها بعدها وإفادتها للصحّة حينئذ غير معلومة ، فالأصل بقاء الملكية.

قوله : كقبض المبيع.

أي : المبيع المشاع

قوله : مطلقا.

أي سواء كان منقولا أو غير منقول.

قوله : في متن الصيغة.

التقييد بذلك ، لأنّه لا يجوز ذلك بعد الصيغة ؛ لأنّ بعدها ليس له الاختيار في ذلك ، بل يكون النظر للحاكم ، أو الموقوف عليه.

قوله : في المشروط له.

يحتمل أن يكون مراده بالمشروط له أعمّ من نفسه ومن غيره ؛ فإنّه قد ذهب بعضهم إلى اشتراط العدالة في نفسه أيضا. ويحتمل أن يكون المراد به الغير حيث إنّه مما ادّعي الاتفاق عليه.

قوله : إن كان مشروطا.

يعني : إن كان العود مشروطا من الواقف ، لا أن يكون النظر مشروطا منه ، لأنه [ لا ] يكون حينئذ للشرط فائدة بل يكون لغوا كما لا يخفى.

قوله : فى معنى التوكيل.

لا يخفى ما في هذا الدليل ؛ فإنّ كونه في معنى التوكيل لا يقتضي أن يترتّب عليه جميع أحكام التوكيل ، وإلّا لزم أن يبطل النظارة بموت الواقف ؛ لأنّ التوكيل يبطل بموت الموكّل ، فالصواب أن يعلّل بالأصل.

قوله : وليس للواقف عزل المشروط.

أي : المشروط توليته ونظارته.

٥٣٨

قوله : لأنّه جرى.

يستفاد من التعليل أنّه لو لم يجر أوّلا بالغبطة يكون له الفسخ بل ينفسخ ، بل يكون باطلا أولا ، وهو كذلك.

قوله : فيتعيّن عليه.

أي : إذا زادت الأجرة ، أو ظهر طالب بالزيادة. وأمّا إذا لم يكن كذلك ، فلا يتعين عليه الفسخ في زمن الخيار ، وإن جاز له.

قوله : وإلّا فله اجرة المثل.

يشكل ذلك فيما إذا لم يشترط له شي‌ء ، بل ظهر قصد الواقف عدم أجرة للناظر.

شرط الواقف لا يجوز تصرفه. وإن قيل : يلزم أن يكون على ما شرط ( كذا ).

ولو جاز له أخذ الاجرة حينئذ يلزم جواز أخذها لو كان ما شرط الواقف أقل من الاجرة أيضا مع أنّه ليس كذلك.

قوله : ويجعله من الطبقة الاولى.

قال بعض المحشين : « إن قلت : ينبغي أن يقول : ويجعله الطبقة الاولى بحذف « من » قلت : الطبقة الاولى زيد وما يتجدّد من ولده ، فإذا وقف مثلا على ولده المعدومين ثمّ إذا وجدوا كان أبوهم مشاركا لهم ... طبقة واحدة ». انتهى.

ولا يخفى أنّ ما ذكره المحشّي لا يلائم المثال الذي ذكره الشارح ؛ لأنّ ظاهره أنّه ...

عليه فقط ، ومع ذلك فكون المعدوم على فرض المحشي بعض الطبقة الاولى ممنوع.

فالصواب أن يقال : إن بعضية المعدوم باعتبار تعدّد جنس الطبقة الاولى في الموقوفات. والمعنى : ويجعله من أقسام هذا الجنس ؛ فإنّ الطبقة الاولى كثيرة باعتبار كثرة الموقوفات ، والمعدوم حينئذ يكون قسما منها.

قوله : وإن أخره.

أي : إن أخّره عن الابتداء سواء أخّره عن الجميع حتّى يكون منقطع الآخر ، أو عن البعض حتّى يكون منقطع الوسط.

٥٣٩

قوله : وإنما أفاد تخصيصه.

يعني : أنّ غاية ما ثبت من التخصيص بالمتعلّق تخصيص الوقف ببعض مصالحهم ، وهو المصلحة الحاصلة من جهة المسجد ومثله ، وذلك أي : التخصيص بالبعض لا ينافي الصحّة ، وإنّما المنافي لها هو الوقف على ما لا يصح تملّكه ، أو ذلك أي ، التخصيص بمتعلّق يفيد التخصيص بمصالح المسلمين لا ينافي الصحّة ، وإن كان ذلك المتعلّق ممّا لا يصلح تملّكه.

قوله : لأنّ الوقف على كنائسهم.

هذا تعليل لاستلزام ذلك جواز الوقف على البيع والكنائس. وقوله : « للفرق » تعليل لعدم ورود ذلك.

وتوضيح الإيراد والجواب : أنّه لما ذكر أنّ الوقف على المساجد وقف على بعض مصالح المسلمين الذين يجوز الوقف على مصالحهم ، وكانت أهل الذمّة أيضا ممّن يجوز الوقف على مصالحهم كان يرد حينئذ أنّ اللازم من ذلك جواز الوقف على البيع والكنائس أيضا ؛ لأنّه وقف على بعض مصالح أهل الذمّة الذين يجوز الوقف على مصالحهم ، فأجاب : بأنّه لا يرد ذلك ؛ لأنّ الوقف على المصالح قد يحرم من جهة اخرى مثل : كون المصلحة محرّمة ، فالمصالح إمّا مصلحة طاعة أو مصلحة معصية فيجوز الأوّل ، ولا يجوز الثاني ، والوقف على بعض مصالح المسلمين الذي هو المسجد من الأوّل ، والوقف على بعض مصالح أهل الذمّة الذي هو البيع والكنائس [ من الثاني ] لأنّ البيع والكنائس ممّا يرتكب فيها العبادات المحرّمة.

والحاصل : أنّ جواز الوقف على مصالح المسلمين يستلزم جواز الوقف على مصالح أهل الذمة إذا لم يكن فرق بين المصلحتين من جهة اخرى ، وهو هنا موجود ؛ لأنّ مصلحة المسلمين هنا مصلحة طاعة ومصلحة أهل الذمّة هنا مصلحة معصية ؛ ولذا لا يجوز الوقف على بعض مصالح المسلمين الذي كان معصية كالوقف على الزنا ويجوز الوقف على بعض مصالح أهل الذمّة الذي كان غير معصية كوقف عين ليشربوا ماءها ، ووقف دابّة ليركبوا عليها لتحصيل معاشهم وأمثالهما.

٥٤٠