الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

بلا ضرورة أيضا.

ويمكن أن يكون قوله : « مطلقا » إشارة إلى الابتداء والأثناء أي : جواز العدول في الابتداء والأثناء لا يكون إلّا مع الضرورة وإن جاز في الأثناء العدول من الإفراد إلى التمتّع.

قوله : ويتحقق ضرورة المتمتّع.

أي : ضرورته المجوّزة للعدول بأن يخاف حصول الحيض متقدّما على طواف العمرة حتّى لا يمكن الطواف حيث لا يجوز له دخوله المسجد الحرام للطواف ، فلو خاف الحيض ، ولكن بعد الطواف فلا ضرورة ؛ إذ لا مانع حينئذ.

وكذا تكون الضرورة إذا خاف الحيض مقدّما على الطواف بحيث يفوت اختياري عرفة ، فلو خافه ، ولكن علم أنّه يطهر في وقت يمكن له الطواف وإدراك اختياري عرفة لا ضرورة كما إذا علم أنّه يطهر في أوّل يوم عرفة. وقوله : « أو التخلّف » عطف على « الحيض » أي : وتتحقق الضرورة بخوف التخلّف عن الرفقة إلى عرفة حيث يحتاج إلى الرفقة ، وذلك كما إذا خرج الرفقة أوّل يوم عرفة إلى عرفة وعلم أنّه لو أتى بأفعال العمرة يتخلّف عنهم ، فيجوز له العدول إلى الإفراد.

قوله : وخوفه من دخول مكّة إلى آخره.

عطف على قوله : « خوف الحيض » يعني : تتحقّق ضرورة المتمتّع بخوفه من دخول مكّة قبل الوقوف كما لو كان له عدوّ فيها يعلم استمراره أقلّا إلى العيد ؛ فإنّه حينئذ لا يمكنه الطواف للعمرة والسعي لها والإحرام بالحج. « قبل الوقوف لا بعده » أي : لا تتحقّق الضرورة بالخوف بعد الوقوف ؛ لأنّه يتمّ عمرته ويحرم بالحج ، ويقف بالمشاعر ويبقى طوافه وسعيه للعمرة ويجوز له الاستنابة فيهما مع بقاء المانع طول ذي الحجّة.

ويمكن بعيدا أن يكون المراد بقوله : « لا بعده » أي : تتحقّق الضرورة بأن خاف الدخول قبل الوقوف ، ولا يخاف بعده ، فإنّه يعدل إلى حجّ الإفراد ويقف المشاعر ، ثمّ يدخل مكّة ؛ لرفع المانع حينئذ ، ويأتي بباقي أفعال الحجّ والعمرة.

مسائل

٤٨١
٤٨٢

[ كتاب القضاء ]

قوله : أي : الحكم بين الناس.

تفسير القضاء بالحكم تفسير بالمعنى اللغوي على ما يظهر من المسالك وغيره. وإنّما فسره بذلك مع إطلاقه في اللغة على معان اخر أيضا كالإمضاء ، والإتمام ، والفراغ ؛ لكونه أقرب جميع المعاني إلى معناه الشرعي.

ولكن يخدشه حينئذ : أنّ المعنى اللغوي ليس هو الحكم بين الناس ، بل هو الحكم من غير قيد ، فلا يلائمه التقييد ، إلّا أن يوجّه بأن الظرف ليس قيدا للمعنى ، بل لمّا كان الكلام في قوله : « كتاب القضاء بين الناس » بقرينة المقام فقال : القضاء بين الناس هو الحكم بين الناس ، فبين الناس بيان لأمر مقدّر معلوم بقرينة المقام.

وأمّا جعله بيانا للمعنى الشرعي ، فلا يتمّ بوجه من الوجوه ؛ لتطرّق النقوض الكثيرة عليه طردا أو عكسا كالنقض بالفتوى ، وبحقوق الله ، والحكم بغير الوجه الشرعي ، وغير ذلك.

ثمّ معنى الحكم بين الناس : هو رفع النزاع الواقع بين الناس بالحكم ، فهو من باب التضمين حيث إنّ الحكم يتضمّن رفع النزاع لا محالة كما أنّ الصلح بين الناس رفع النزاع بالصلح.

ويقال للحكم بين الناس : محاكمة بينهم أيضا ؛ لأنّ المتخاصمين لرجوعهما إلى الحاكم يجعل كلّ منهما الحاكم مقام نفسه ، فهو لا محالة يحكم لأحد بإثبات وللآخر بنفي ، فكأنّه حكم هذا على هذا ، وهذا على هذا ، فيتحقق معنى المفاعلة.

٤٨٣

ثمّ إنّهم عرّفوه شرعا بتعريفات غير خالية عن النقض. وهو في عرف الشرع يستعمل في معنيين :

أحدهما : الحكم الخاص بين الناس على نحو مخصوص.

والآخر : ولاية ذلك الحكم وهو المعبّر عنه في العرف بالحكومة وهو المناسب لما يقولون من أنّ وظيفة القاضي أن ينادي كذا ، ويأخذ كاتبا كذا ، ومترجما كذا ، إلى آخر ما قالوا.

قوله : وهو واجب كفاية.

أي : هو في الأصل كذلك ، لأنّ المطلوب منه تحقّق هذه الماهيّة من أي شخص كان ممّن يصلح له كما هو شأن الواجبات الكفائية.

فلا يرد : أنّهم صرّحوا بوجوبه عينا على من انحصر الصلاحيّة فيه ، فإن المراد : الكفاية الاصلية الغير المنافية للعينيّة العارضة بالانحصار.

قوله : في حقّ الصالحين.

المراد بالصالحين له : العالمون بالأحكام ، العادلون وإن لم ينصبه الإمام بعد في حال الحضور أي : الصالحون للقضاء ولو احتاج فعليته إلى أمر آخر ، فلا خدشة في الاستثناء من حيث إنّ مع الحضور لا يصلح له إلّا الإمام أو نائبه الخاص ، فالمراد : أنّه يجب على العالمين العادلين كفاية ، وإن احتاج القيام به إلى شرط آخر واجب التحصيل ، فيجب تحصيل شرطه أيضا كما في صلاة الميّت بالنسبة إلى إذن الولى.

فإن قيل : لا يخلو في حال الحضور إمّا أذن الإمام لأحد أو لم يأذن ، فعلى الأوّل يجب عينا ، وعلى الثاني يحرم ، فأين الواجب الكفائي حتى يصحّ الاستثناء فيه.

قلنا : حال الحضور لا يخلو عن خمس صور ؛ لأنّ الصالح إمّا واحد ، أو متعدّد. وعلى الأوّل فإمّا يعيّنه الإمام ، أو لا يعيّنه لعدم اطّلاعه على صلاحيته. وأمّا عدم تعيينه مع علمه بالصلاحيّة فلا يمكن تحقّقه ؛ إذ يجب التعيين حينئذ على الإمام ، ولا يترك الواجب عليه. وعلى الثاني فإمّا يعيّن الامام واحدا بعينه منهم فهو أيضا يدلّ على عدم صلاحيّة الغير [ لان الامام ] لا يوجب ما لا يجب كما ذكره المحقّق ؛ ردّا على قول الشيخ في الخلاف ، فإذا

٤٨٤

عيّن واحدا يعلم عدم صلاحيّة الغير ، أو يعيّن واحدا لا بعينه ، أو لا يعيّن أحدا لعدم الاطلاع بحالهم أمّا عدم التعيين مع الاطلاع ، فلا يمكن لما مرّ من استلزامه ترك الامام للواجب.

فهذه خمس صور يخرج الثلاثة الاولى عن محل الكلام ؛ لأنّ الكلام فيما إذا لم يعرض ما يجعله واجبا عينا ، وفي الثلاثة الاولى يجب على الصالح عينا ، فبقيت الاخريان ، ويجب فيهما كفاية امّا على الرابعة فظاهر ؛ لطلب الإمام من واحد لا بعينه. وأمّا على الخامسة ؛ فلأنّ الواجب عليهم كفاية القضاء بجميع شرائطه التي منها إذن الإمام ، فيجب عليهم كفاية إعلام الإمام بحالهم ونصبه واحدا منهم.

قوله : فيلزمه إلى آخره.

هذا تفريع على ما يفهم من قوله : « وهو واجب » إلى قوله : « أو نائبه » مع انضمام مقدمات مطوية ظاهرة أي : لمّا كان القضاء واجبا وكان مع الحضور وظيفة الإمام أو نائبه ولم يمكن للامام إجراء الحكم في جميع النواحي وتوقّف النيابة على نصب الإمام وإذنه ، فيلزم على الإمام إلى آخره.

قوله : على من عيّنه.

أي : عيّنه الإمام للنيابة أو للقضاء. وسبب وجوب الإجابة إمّا أنّ امتثال أمر الإمام واجب مطلقا كما قاله الشيخ في الخلاف ، أو لأنّ إلزامه وايجابه يدلّ على أنّ غيره إمّا غير صالح ، أو مانع عن نصبه ؛ لأنّ الإمام لا يوجب ما لا يجب.

وهنا قول آخر ذكره في المسالك وهو : أنّه لا يجب حينئذ القبول على من عيّنه ، وهو غير صحيح ؛ لما ذكره المحقّق.

قوله : ولو لم يعيّن وجبت كفاية.

يعني : لو أذن لواحد لا بعينه ولم يعيّن أحدهم وجبت الإجابة كفاية. وهنا قسم آخر مرّت الإشارة إليه ، وهو : أن لم يعيّن ولم يأذن لأحدهم أيضا ؛ لعدم الاطلاع ويجب حينئذ القضاء كفاية بمعنى : السعي في طلب شرطه الذي هو إذن الإمام كما يجب على من يصلح لصلاة الميّت تحصيل الإذن من الولي.

٤٨٥

قوله : تعيّنت عليه.

أي : تعيّنت الإجابة.

فإن قلت : إن أراد أنّه [ إن ] طلب من جماعة من غير تعيين وكان الأهل منهم واحدا تعينت الاجابة على الأهل كما هو الظاهر من قوله : « تعيّنت الإجابة » ؛ لأنّ الإجابة لا تكون إلّا بعد الطلب يلزم خطأ الإمام حيث طلب من جماعة ليسوا بأهل إلّا واحدا منهم ، وهو غير جائز. وإن أراد أنّه إذا كان هناك واحد لم يعلمه الإمام تعينت الإجابة عليه بأن يطلب من الإمام حتّى يطلب الإمام منه ، فيجيب هو ، فهو القسم الآتي بقوله : « ولو لم يعلم ».

قلنا : المراد : الأوّل ويمكن أن يكون طلب الإمام ...

قوله : أهلا.

أي : للاجابة ، أو للنيابة ، أو للقضاء. والمعنى واحد.

قوله : ولو لم يعلم به الإمام

أي : بهذا الوجه أو بكونه اهلا.

قوله : لزمه الطلب.

أي : طلب النيابة أو القضاء.

قوله : وفي استحبابه مع التعدّد عينا إلى آخره.

يتصوّر ذلك في صور :

إحداها : إذا كان هناك جماعة صالحون ، لم يعلم بهم الإمام ، فيقال : هل يستحبّ لكلّ منهم الطلب عينا كما يجب على الكل كفاية أو لا ، بل ينحصر الحكم في الوجوب الكفائي؟

وثانيتهما : أن يكون هناك قاض منصوب وكان جماعة صالحون أيضا ، فيقال هل يستحب لكلّ الطلب عينا ، حتّى ينصبه عند الاحتياج ، فيتعرض بذلك الطلب بصورة الاحتياج. ذكر هذه الصورة في المسالك. (١)

__________________

(١) راجع المسالك ٢ / ٣٥٣ الطبع الحجري.

٤٨٦

وثالثتها : أن يكون هناك قاض منصوب ، فطلب الشريك معه ، على القول بجوازه ، وأمّا مع التعدّد وعلم الإمام وعدم وجود قاض منصوب ، فقيل : لا يمكن استحباب الطلب ؛ لأنّ الإمام لا يترك الواجب حتّى يحتاج إلى طلبه ، بل يلزم عليه نصبه فورا ».

وفيه : أنّه يمكن أن يقال : إنّه ليس فوريا حقيقيا ، فلا ينافي الطلب حينئذ مع أنّه قد يعلم الإمام عدم الحاجة فورا.

ثمّ المراد من المستحب العيني : هو نفس الطلب. وأمّا أصل القضاء فهو قبل إذن الإمام حرام ، وبعده واجب ووجه الاستحباب : أن القضاء أمر له أجر عظيم شرعا ، وطلب ما فيه الأجر يوجب الأجر أيضا.

وقيل : لا يستحب ؛ لما فيه من الخطر ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لابن سمرة : « انك إن اعطيت الأمارة عن مسألة وكلت (١) إليها ، وإن اعطيت من غير مسألة اعنت عليها ». (٢)

قوله : مع الوثوق من نفسه.

قد يقال بزيادة هذا القيد ؛ لأنّ الكلام في الاستحباب على من كان أهلا وصالحا للقضاء والوثوق من نفسه شرط في الأهليّة والصلاحيّة ، فإنّ من شرائطه العدالة ، وهي موجبة للوثوق من نفسه.

وجوابه : أنّ الوثوق من نفسه ليس شرطا في القضاء ؛ ولذا ينفذ قضاء غير الواثق بنفسه إذا طابق الواقع ، نعم يشترط في التحاكم إلى القاضي وثوق الغير به ، وإلّا لم ينفذ قضاؤه. غاية الأمر أنّه يجب على غير الواثق بنفسه عدم الجور والميل وقهر نفسه عليه ، لا أنّ الوثوق شرط في القضاء ، ولو سلّم كونه شرطا فإنّما هو من الشرائط المقدورة التي يجب على المكلّف تحصيلها كالوضوء ، فلا يتوقّف التكليف بالمشروط وجوبا ، أو استحبابا على وجود الشرط ، فيمكن استحباب الطلب لغير الواثق بنفسه بأن يستحبّ له تحصيل الوثوق به أيضا كما لا يخفى.

قوله : بالقيام به.

أي : بالقضاء. والمراد : القيام على الوجه الصحيح الشرعي.

__________________

(١) وكلتها.

(٢) المسالك ٢ / ٣٥٣.

٤٨٧

قوله : والإيمان.

أي : بالمعنى الأخص ، وهو الاعتقاد بالاصول الخمسة.

قوله : والاجتهاد.

جعله من الشرائط إنّما هو على اصطلاح القدماء ، من إطلاق الفقيه على العالم ببرهة من الأحكام ولو تقليدا وأمّا على اختصاصه بالمجتهد ، فيكون الاجتهاد عين الفقاهة المذكورة ، دون شرطها.

قوله : ويتحقّق.

أي : يتحقّق الاجتهاد في الأحكام الشرعية ، لا فيها وفي اصولها ؛ لأنّ الاصول بكلّ من المعنيين معدودة في المقدّمات ، ولا معنى لكون الشي‌ء مقدّمة لنفسه.

قوله : والأصول الأربعة.

عطف على المقدّمات. أي : بمعرفة الاصول الأربعة ، وإنّما أخرجها عن المقدّمات ؛ لأنّها أدلّة للأحكام ، ودليل الشي‌ء لا يسمّى مقدّمة لذلك الشي‌ء ، وإنّما المقدّمة ما يتوقّف الاستدلال بالدليل عليه. والمراد بمعرفة الكتاب والسنّة وأخويهما : معرفة الآيات والأحاديث وتمييزها عن غيرهما ، وفهم معانيهما ، ومعرفة مواقع الإجماع ، ومعرفة دليل العقل على ما يفصله الشارح.

فلا يرد : أنّ الاصول الأربعة داخلة في الاصول المعدودة من المقدّمات ؛ لأنّ الداخلة فيها هي معرفة حجّية هذه الأربعة ، دون ما ذكرناه كما لا يخفى.

... معرفة دليل العقل من الأصل والاستصحاب ، على أنّها داخلة مطلقا في معرفة الاصول ، وسيصرّح الشارح بذلك.

قوله : من صفات الجلال والإكرام.

صفات الجلال : السلبية ، وصفات الإكرام : الثبوتية ، وبعبارة اخرى : الجلالية والجمالية.

قوله : وعدله وحكمته.

العدل ، من صفات الجلال ؛ لأنّه سلب الظلم عنه ، والحكمة من صفات الإكرام ، فالعطف من باب عطف الخاص والعام ، ذكرهما لكثرة مدخليّتهما في معرفة الأحكام.

٤٨٨

ويمكن أنّ المراد بالصفات الجلالية والإكرامية : الصفات الثمان الثبوتية ، والسبع السلبية المعهودتين المشهورتين ، فزاد الحكمة والعدل أيضا على الخمسة عشر ؛ لكثرة مدخليتهما في فقه الأحكام. والمراد بالحكمة : الإتقان وملاحظة المصالح والمفاسد.

قوله : ويتحقّق الحجّة به.

أي : بخبرهم.

قوله : والتصديق بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى آخره.

لا يخفى ان التصديق بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحوال الآخرة لا مدخلية له في الاجتهاد ، وكذا معرفة بعض من الصفات الجلالية والإكرامية.

قوله : ومن الاصول.

عطف على قوله : « ومن الكلام ». أي : والمعتبر من الاصول ما يعرف به أدلّة الأحكام أي : مدلولات أدلّتها ولا يخفى أنّ مثل هذا الكلام يتعارف استعماله في مقام لم يعتبر جميعه ، بل اعتبر بعضه ، كما في علم الكلام ، مع أنّ المعتبر من الاصول معرفة جميعه ؛ لتوقّف استنباط الأحكام عليها ؛ لأنّ الاصول هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام كما عرّفوه به ، فما لم يستنبط منه الحكم لا يكون اصولا ، ويدلّ على ذلك أيضا قوله : « وغيرها ممّا اشتملت عليه مقاصده ».

قوله : مشترك بين سائر المكلّفين.

لا يخفى أن اشتراك ما يتوقّف عليه من الكلام بين المجتهد وباقي المكلّفين لا ينفي كونه من شرائط التفقّه أيضا ؛ إذ قد يكون شرطا لامور كثيرة كالوضوء والغسل ، فما يتوقّف عليه منه يمكن أن يكون شرطا للإيمان وللاجتهاد كيف ، ولو قطع النظر عن كونه مكلّفا ترى أنّ أصل الاجتهاد من حيث هو اجتهاد موقوف على كثير من المسائل الكلاميّة ، ولا يمكن حصوله بدونه.

قوله : أدلّة الأحكام.

أي : من حيث دلالتها على الأحكام ، لا معرفتها بنفسها ؛ لأنّها داخلة في معرفة الاصول الأربعة.

٤٨٩

قوله : مقاصده.

أي : مقاصد الاصول. وتذكير الضمير باعتبار ملاحظة معنى العلم ، أو بتقدير العلم أي :علم الاصول.

قوله : ولا يعتبر الاستقصاء فيه.

قد يقال : إن الضمير المجرور إمّا راجع إلى كلّ واحد من النحو والتصريف أو إلى الموصول في قوله : « ما يختلف المعنى ». فعلى الأوّل يلزم أن يستفاد ذلك من قوله : « ومن النحو » إلى آخره بل لا يصح قوله : « بل يكفي الوسط » ؛ إذ يمكن أن يكون ما يختلف المعنى باختلافه أكثر من الوسط.

وعلى الثاني يرد : أنّ الوجه التام إمّا يكون ممّا يختلف المعنى باختلافه أولا ، فعلى الأوّل يعتبر الاستقصاء فيه على الوجه التام. وعلى الثاني يكون معلوما من قوله : « ومن النحو والتصريف ما يختلف المعنى باختلافه » ، فلا حاجة إلى ذكره.

والجواب : أنّ الضمير راجع إلى الموصول ، ولا يرد ما ذكر ؛ لأنّ الوجه التام ليس أمرا مغايرا لما يختلف المعنى باختلافه ، بل هو كيفيّة لمعرفته ، فإنّ معرفته يمكن على أنحاء ، فقد تكون مع تتبّع وتحقيق وتفكّر تامّة ، وقد تكون بالناقص منها.

ثمّ الضمير المجرور في قوله : « منه » راجع إلى الاستقصاء.

قوله : إمّا بحفظها.

المراد بحفظها : حفظها بألفاظها من ظهر القلب أو في كتاب. والمراد بفهم مقتضاها :ضبط حاصلها يعني : يلزم إمّا حفظ نفس الآيات ليرجع إليها متى شاء ، أو استخراج مضمون كلّ منها وضبطه في موضع ليرجع إليه متى شاء ، وليس المراد بفهم المقتضى : فهم الآيات ؛ لأنّه لازم في صورة الحفظ أيضا ، فلا يصحّ جعله قسيما له ، بل المراد ما ذكرنا من ضبط مدلول كلّ آية ، وما يثبت منه من الأحكام ، ولمّا كان ذلك موقوفا على الفهم عبر بالفهم ؛ ولذا أخّر قوله : « ليرجع إليها متى شاء » ؛ فإنّه لا معنى للرجوع إلى فهم المقتضى ، بل المعنى : أنّه يرجع إلى ما يستنبطه من المقتضيات المفهومة.

قوله : كان عاصيا فاسقا لأنّ ذلك كبيرة عندنا.

٤٩٠

لما كان الفسق لا يتحقّق إلّا بفعل الكبيرة أو بالاصرار على الصغيرة ، ومقتضى إطلاق كلام المصنّف تحقّق الفسق بالعدول إلى قضاة الجور مطلقا ، ولو لم يكن مع الإصرار علّله بأنّه كبيرة عندنا.

وقوله : « ففي مقبولة عمر بن حنظلة » تعليل وبيان لكونه كبيرة. ووجه دلالتها على كونه كبيرة : أنّ الكبيرة عندنا ما أوعد الله تعالى عليه مطلقا أو في كتابه الكريم ، وقد أوعد سبحانه فيه على أخذ السحت وعدم الكفر بالطاغوت حيث أمر بالكفر به ، والأمر بالشي‌ء نهي عن ضدّه ، والمقبولة تدلّ على كون ما يؤخذ بحكمه سحتا ، وكون القاضي طاغوتا ، فيكون أخذ ما حكم به والتحاكم إليه المنافي للكفر به ممّا أوعد الله تعالى عليه ، فيكون كبيرة.

قوله : وتثبت ولاية القاضي إلى آخره.

اعلم أنّه لما كان مقتضى قواعدنا حرمة العمل بالظن ، إلّا فيما دلّ عليه الدليل ، فيكون ثبوت ولاية القاضي بالشياع على ما فسّره الشارح من كونه مفيدا للظن مختصّا بالولايات التي امتنع تحصيل العلم بالولاية فيها.

وأمّا فيما أمكن فلا. نعم من فسر الشياع باخبار جماعة لا يجمعهم داعية التواطؤ عادة ، ويحصل بقولهم العلم بمضمون خبرهم يصح له القول بثبوت الولاية به في جميع الولايات.

قوله : ولا يثبت بالواحد

القول بعدم ثبوتها بقوله ولا بالواحد وإن شهدت له القرائن ليس صحيحا على إطلاقه لأنّ القرينة إن أفادت العلم القطعي ، فلا وجه لعدم قبول قوله ، فالظاهر أنّ مرادهم من القرينة : القرينة المفيدة للظن.

قوله : ويمكن دخول إلى آخره.

إذ لا يحصل عليه النسيان ، إلّا بحصول اختلال في القوى الباطنية ومثل ذلك ليس بكامل.

قوله : وليس دخول الثاني.

٤٩١

هذا إشارة إلى اعتراض على المصنّف ، فإنّه لم يذكر ثلاثة من الشروط ، ووجّه عدم ذكر الأوّل بإدخاله في شرط الكمال ، وعدم ذكر الثاني بعدم اعتباره ؛ لكون اعتباره محلّ الخلاف ، بقي الثالث ، فأشار بقوله : « وليس » إلى آخره ، الى أنّه لا يقبل التوجيه ؛ إذ ليس اعتباره محل الخلاف حتّى احتمل عدم اعتباره ، وإدخاله في الكمال لا يلائم عدم إدخاله البصر والكتابة ؛ إذ دخوله فيه ليس أولى من دخولهما فيه ، وإنّما اقتصر بذكر ردّ إدخاله في الكمال ، دون عدم اعتباره ؛ لأنّ عدم إمكانه ( كذا ) ظهر من قوله : « على خلاف في الأخير » حيث يدلّ على أنّه لا خلاف في اعتبار الثاني.

قوله : في الكلام معهما.

أي : كمّا وكيفا : بأن يساوي مقدار الكلام معهما ، فلا يتكلّم مع أحدهما أزيد ممّا يتكلّم مع الآخر ، إلّا مع الضرورة ، وتساوي كيفيّة التكلّم من الرفق وضدّه. والمراد بتسوية السلام عليهما التسوية في نفس السلام بأن يسلّم عليهما معا ، ولا يسلّم على واحد منهما ، وفي كيفيّة السلام بأن لا يزيد لأحدهما شيئا في السلام من قوله : « ورحمة الله وبركاته » ، وكذا في التسوية في ردّ السلام.

والمراد بالتسوية في النظر : في مقدار النظر وكيفيّته من تحديد النظر وضدّه. وقوله :« والقيام » عطف على « الإذن فى الدخول » أي : يسوي بينهما في القيام لهما تعظيما ، فإن قام لأحدهما قام للآخر أيضا ، وفي قدر القيام. والمراد بالتسوية في المجلس : أن لا يرفع أحدهما على الآخر ولا يختص أحدهما بالشرف في المقام ، كالمقام القريب من القاضي وأمثال ذلك.

قوله : التسوية بينهما مستحبّة.

أي : فيما عدا ما يجب لذاته كالإنصاف لهما ، والعدل في الحكم ، وأمّا فيما يجب في نفسه فلا خلاف في وجوب التسوية بينهما.

قوله : كقربه إلى آخره

يمكن أن يكون القرب مثالا للرفع الصوري واليمين للمعنوي على اللف والنشر ؛ فإنّ علوّ المجلس صورة في الغالب يكون بالقرب من أشرف أهل المجلس.

٤٩٢

ويمكن أن يكونا معا مثالا للرفع المعنوي ذكره لخفائه ، والمراد بالرفع الصوري : أن يكون مجلس المسلم عاليا ، ومجلس الكافر خافضا ، أو يكون مجلس المسلم في مكان أنظف وأحسن من مكان الكافر ، وكيف كان فقوله : « كما جلس » مثال للقرب من القاضي.

قوله : لكن هنا يقدّم.

يعني : أنّ تزاحم الطلبة والمستفتين ، وإن كان مثل تزاحم الخصوم في وجوب تقديم المبادر ، والقرعة مع الجهل ، ولكن فرق بينهما في المبادرة الموجبة للتقديم ، فإنّها في الخصوم المبادرة في التكلم بالدعوى ، وهنا في المجي‌ء دون التكلّم بطلب الدرس والاستفتاء.

قوله : ويكره تخصيص أحدهما.

أي : يكره تخصيص أحدهما بهذا الخطاب الخاص ، وهو قوله : « ليتكلّم المدعي منكما » وإن خصّ الآخر بهذا المقدار من الخطاب بكلام آخر ، فلا يتوهّم منافاة حكمه هنا بالكراهة لحكمه بوجوب التسوية بينهما في الكلام.

ويمكن التوجيه أيضا : بأنّ هذا الخطاب ؛ لاشتماله على ما يرجع إليها ليس حقيقة إلّا تكلما معهما ، وإن خصّ النظر حين مخاطبته بأحدهما ، فالمراد بتخصيص الخطاب :تخصيص صورة المخاطبة التي هي التوجيه ، دون نفس الخطاب ، فلا تنافي حينئذ وجوب التسوية في النظر ؛ لجواز اختصاص الأخير بالنظر في غير هذا الخطاب.

قوله : وتلقين احد الخصمين.

كأن يدعي بطريق الاحتمال فيلقنه الدعوى بالجزم حتّى تسمع دعواه اجماعا ، أو ادعي عليه قرض ، واراد الجواب بالوفاء ، فيعلمه الإنكار ؛ لئلّا يلزمه البيّنة بالاعتراف أو نحو ذلك.

قوله : فإن وضح الحكم.

سواء كان هو ثبوت الحق ، أو مطالبة البينة ، أو الحلف ، أو غيرها.

قوله : قبل الحكم.

ظاهر إطلاقه يشمل ما لو ثبت استحقاق أحدهما ولم [ يحكم ] بعد ، وحينئذ ينافي ما

٤٩٣

سيأتي من كراهة الشفاعة في إسقاط الحق ؛ فإنّ الصلح لا يكون إلّا مع إسقاط شي‌ء ، فلا بدّ إمّا من تقييد إطلاقه بقبل ثبوت الحق وإن وضح الحكم من اليمين أو طلب البيّنة ، أو يقدر مضاف أي : قبل وضوح الحكم.

قوله : ويتخذ حاجبا.

الحاجب هو الذي لا يدخل أحد على القاضي إلّا برضاه ، وقوله : لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إشارة إلى ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ولي شيئا من امور الناس فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله تعالى دون حاجته وفاقته وفقره. » (١)

القول فى كيفية الحكم

قوله : هو الذي يترك إلى آخره.

أي : يترك على الحالة الثابتة قبل الدعوى لو ترك الخصومة ، أو يترك لو ترك الخصومة من غير ترتّب أثر على خصومته.

فلا يرد : أنّ المدّعى عليه أيضا لو خلّى المدّعى به ، وترك الخصومة يترك ؛ فإنّه يترك مع تغيّر في الحالة السابقة وهو تخلية المدّعى به ، ويترتب على الخصومة التخلية.

قوله : وهو.

ويمكن أن يكون الضمير راجعا إلى « المدعي » وإلى الموصول.

قوله : من يخالف قوله الأصل.

المخالفة للأصل كما إذا ادعى اشتغال ذمّة غيره بحقّ له ، أو بيع ، أو إجازة ، أو نكاح ، أو عتق ، أو أمثالها ، والمخالفة للظاهر كما إذا ادعى عينا كائنة في يد غيره ؛ فإنّ الظاهر من التصرّف الملكيّة ومثل ذلك ، وإنّما نسبه إلى القيل ؛ إذ قد يكون قول كلّ من المدّعي والمدعى عليه مخالفا للأصل كما إذا ادعى الزوج عقد التمتع ، والزوجة الزوجيّة ، وقد يكون قول المدّعى عليه مخالفا للظاهر كما إذا ادّعت الزوجة الصداق والزوج أنكره من الأصل.

قوله : انفساخ النكاح.

__________________

(١) مسالك الأفهام : ٢ / ٢٨٨ طبع دار الهدى الحجري.

٤٩٤

فلو سكت الزوج وترك الخصومة لم تبق الحالة السابقة على الدعوى ، وهي استمرار النكاح ، ويترتّب على خصومة الزوجة أثر هو انفساخ النكاح كما ذكرنا في بيان معنى التعريف.

وحاصله : أنّ معنى لو ترك ترك ، وخلي وسكوته أن لم يترتّب على ترك الخصومة وسكوته أثر غير متحقّق قبل الدعوى ، لا أنّه ترك وخلي مطلقا ، وإلّا فكلّ من المدعيين كذلك. ولا يتوهّم أنّ عدم ترك الزوج هنا لأجل أنّ بعد الانفساخ يطلب منه الصداق ؛ لأنّه لها مطالبته لو لم ينفسخ أيضا ، ولأنّ الزوجة أيضا لو سكتت واستمر النكاح يطلب منها الحقوق التي يجب للزوج على الزوجة.

قوله : بحليته.

الحلية بكسر « الحاء » المهملة ، ثم « الياء » المنقوطة بنقطتين من تحت بعد « اللام « الصفة » أي : يقنع الحاكم بصفته ، فيكتب صفة المقرّ من طوله وقصره ، وبياضه وسواده ، ونحو ذلك من الأوصاف التي يؤمن معها التزوير.

قوله : وإن وجب عليه السعي.

ولا يخفى أن وجوب السعي عليه يستلزم جواز تكليفه التكسب ، بل وجوبه من باب الأمر بالمعروف الذي هو واجب.

قوله : باشره.

أي : باشر الوفاء.

قوله : وإن قصد دفع التهمة.

لأنّ دفع التهمة في أمثال هذه المواضع غير لازمة ، وأدلّة وجوب الاتقاء عن مواضع التهمة مخصوصة بغير هذه المواضع ؛ فإنّ في القضاء مع الشهود أيضا قد يكون موضع التهمة ، وأيضا شهادة الشاهد كثيرا ما تكون محلّ التهمة للشاهد مع أنّ أداءه الشهادة واجبة مطلقا.

قوله : ووجه المنع.

أي : وجه منع جواز القضاء إذا شهد عدلان بحكمه ولم يتذكّر ، وحاصل الوجه : أنّ

٤٩٥

شهادة العدلين لا تفيد غير الظن ، وجواز العمل بالظن إنّما هو مع عدم إمكان العلم وسدّ بابه ، وفي هذا الموضع يمكن الرجوع إلى العلم ، لأنّه فعله أي : الحكم الأوّل فعل هذا القاضي ، ويمكن لكلّ أحد تحصيل العلم بفعله.

ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّه يمكن نسيان الواقعة وعدم تذكّرها بحيث لم يمكن له العلم ، فإنّ التذكّر ليس أمرا اختياريا ، ولذا جعل الشهيد الأوّل أقوى.

وقوله : « بخلاف شهادتهما » جواب للقائل بالمنع ، عن القياس على جواز قضاء غير هذا الحاكم بشهادة العدلين على حكمه ، فينفذ الغير حكم هذا بالشهادة.

وحاصل الجواب : أنّه لا يمكن للغير تحصيل العلم بحكم هذا الحاكم ، فيجوز العمل بالظن.

وقوله : « تنزيلا لكلّ باب » إلى آخره إشارة إلى ما ذكرنا من أنّ مع إمكان العلم لا يكفي الظن ، ومع عدم إمكانه وإمكان الظن يكتفى به ؛ لانسداد باب العلم.

قوله : فلو تبرع المنكر به أو استحلفه إلى آخره.

لا يقال : إنّ شهادة الحال تحكم بمطالبة المدّعي حيث إنّه أحضره إلى الترافع ؛ لأنّه ربما تعلّق غرضه بعدم سقوط الدعوى ، بل بقائها إلى وقت آخر إمّا ليتذكّر البيّنة ، أو ليتحرى وقتا صالحا لليمين أو غير ذلك.

قوله : كان حقّا

أي : الحلف ، لا الايقاع.

قوله : على الوجه.

بأن يطلب المدّعي ويأذن الحاكم.

قوله : وإن بقي الحق في ذمّته.

أي : في نفس الأمر لو كان كاذبا ، بل يجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى التخلّص من حقّ المدّعي.

قوله : وقيل : تسمع بيّنته.

وهنا قول رابع منقول عن المفيد وابن حمزة والقاضي وهو : السماع ما لم يشترط الحالف سقوط الحق باليمين.

٤٩٦

قوله : أو وصيّا.

سواء كان وصيّ اليتيم وادّعى له ، أو وصي الميت في صرف جزء من ماله في خمس أو زكاة أو حجّ أو نحو ذلك ممّا لا مستحق له بخصوصه إذا أنكره الورثة ، وادعى الوصي عليهم.

قوله : أو يقضي بنكوله.

عطف على يحلف أي : يحبس إلى أن يرضى بالحلف ، أو يقضى بالنكول ودفع الحق إلى المدّعي إذا حصل اليأس عن حلفه.

قوله : في هذا المجلس

أي : ليس له استئناف الدعوى في هذا المجلس الذي وقع فيه الواقع قطعا ، وكذا ليس له الاستئناف في غير هذا المجلس أيضا.

وقيل : له تجديد الدعوى في غير هذا المجلس.

قوله : لا يقف.

أي : لا يقف الحاكم أي : لا يجعل موقوفا عزم الغريم على الإقرار عن الإقرار. فقوله :« عن الإقرار » متعلّق بقوله : « لا يقف » ، وحذف قوله : « على الإقرار » لدلالته عليه.

قوله : بحدّ الله تعالى.

متعلّق بالمقر. وقوله : « بالكف » متعلّق بقوله : « يعرّض ».

قوله : بالإشارة.

متعلّق بالجواب. وقوله : « بمترجمين » متعلق بقوله : « المفيدة » أي : أمره بالجواب بالإشارة التي أفادت اليقين ، ولو كانت إفادته بواسطة مترجمين عدلين ، وذلك لأنّه يختلف فهم الإشارة بالنسبة إلى الاشخاص فقد يفهم أحد من الإشارة ما لا يفهمه غيره سيّما إذا كان مراقبا له مطّلعا على كيفيات إشاراته.

وعلى هذا فيكون « بالاشارة » إلى آخره من أحكام الأخرس ، وأمّا الأطرش فتكون كيفية التوصل إلى معرفة جوابه مسكوتا عنه ، لظهورها ؛ فإنّه يحتاج إلى رفع الصوت.

ويمكن أن يكون كلّ من الإشارة وقوله : « مترجمين » متعلّقا بالمعرفة ، وأن يكون

٤٩٧

متعلّقا بالتوصّل ، والمعنى واحد. ويمكن على الأخير أن يكون بيانا لكيفية التوصّل إلى المعرفة في الأطرش والأخرس معا حيث إن الصمم قد يصل إلى حد لا يسمع شيئا ، ويحتاج تفهيمه إلى الإشارة كما شاهدنا في جماعة ، والاحتياج إلى المترجمين العدلين حينئذ ؛ لأنّه قد يختلف الفهم من الإشارة ، فلو لم يكونا عدلين لاحتمل أن يكون إشارتهما إلى الأخرس بما يتضمّن التدليس [ مثل ] أن يشيرا إليه بما هو يعتاد ( كذا ) أن يفهم خلاف المطلوب وإن كانت ظاهرة عند غيره فيه.

القول في اليمين

قوله : وأسمائه الخاصّة.

المراد بأسمائه الخاصّة ما لا يطلق إلّا عليه سبحانه كالرحمن ، والرحيم ، والخالق ، لا بمثل : العالم والنافع إلّا بانضمامه مع ما يكون مختصّا به ، كما يدلّ عليه قوله بعد ذلك :الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب ، إلى آخره

وعطف « الأسماء » على قوله : « بالله » إمّا عطف تفسيري يفسر الحلف بالله : بأنّه الحلف بأسمائه المختصّة حيث إنّه لا يعبّر عن الذات إلّا بالأسماء أو من عطف العام على الخاص حيث إن لفظة « الله » أيضا من الأسماء ، أو يقدّر مضاف أي : وسائر أسمائه الخاصّة ، أو المراد من الحلف بالله : الحلف بالذات المقدّسة من غير الاسم كما أن يصرّح بلفظة « الذات » ، ويقال : « بذات الله » ، أو يجي‌ء بوصف دالّ على الذات ، كأن يقال : بالذي لا إله إلّا هو أو بالذي خلق كلّ شي‌ء وأمثال ذلك. فالمراد : أنّ الحلف يجب أن يكون بما يدلّ على تلك الذات المقدّسة من غير شائبة اشتراك ، ولو لم يكن ما يعبّر به عنها من أسمائه الخاصة ، أو باسمائه الخاصّة الدالة على الذات.

فلا يرد : أنّ الحلف بالأسماء أيضا حلف بالذات ؛ لأنّ المراد منها المسمّى.

قوله : ولو اضاف الى آخره

حيث إنّه يعتقد أنّ النور إله ، فيحتمل إرادته من الجلالة [ حين ] الحلف بها حيث إنّه موافق لاصطلاحه ، فلا يكون حالفا بالله تعالى ، فلا بدّ بأن يضمّ ما يزيل ذلك الاحتمال عن اللفظ على اصطلاح الحالف.

٤٩٨

قوله : على الحلف بالأب.

كأن يقال : بالله الذي هو أب عيسى أو أب عزير أو يقال : بالله الذي ابنه عيسى أو ابنه عزير ونحو ذلك كأن يقال : بالله الذي ختم النبوّة على موسى أو على عيسى وغير ذلك.

قوله : كالمجوس.

لا يقال : إنّ المجوس لا ينكرون الله سبحانه ، بل ينكرون بعض أوصافه كخلق النور والظلمة حيث إن معتقدهم ان النور إله ، والظلمة إله ، فلا يصحّ جعله مثالا للكفار المنكرين له تعالى.

لأنّا نقول : إنّ المراد بالله تعالى ليس كلّ ما يطلق عليه الإله ، بل الذات المعيّنة المعهودة المستجمعة لجميع الصفات الكماليّة ، ولا شك أنّه غير الظلمة والنور ، فالحلف بأحدهما ليس حلفا بالله سبحانه ؛ إذ الحلف بالله سبحانه لا كلفة به عليهم حيث إنّه لا يعتقدونه ، فهم منكرون لله سبحانه ، وإن لم ينكروا إلها آخر.

قوله : وينبغي التغليظ إلى آخره

أي : ينبغي للحاكم تغليظ اليمين التي يلقنها الحالف بسبب القول أي يقول قولا غليظا. وجعل « الباء » زائدة لا يلائم قوله : « والزمان والمكان » كما لا يخفى.

ثمّ إن استحباب التغليظ مختص بالحاكم ، دون الحالف ، بل قيل : إنّ التخفيف من جانبه أولى. وعلى هذا فلو امتنع الحالف من الإجابة إلى التغليظ لم يجبر ، ولم يتحقّق بامتناعه نكول.

قوله : بخصوصه.

متعلّق بقوله : « الحلف عليه ».

قوله : لأن ذلك.

أي : فعل الغير كما إذا ادّعى على وارث أنّ مورثه باع هذا الشي‌ء منّي ، وهو أنكره ، وردّ اليمين على المدّعي ، فهو يحلف على القطع في بيع المورث ، وكما إذا ادّعى قبض وكيل المنكر للمبيع ، أو الوديعة ، أو غيرهما وأنكره ، وردّ اليمين.

قوله : فكفاه الحلف

٤٩٩

وقد يقال : لو فرض إمكان العلم به كما إذا كانت الدعوى متعلّقة بزمان مخصوص ، أو مكان كذلك ، وهو يعلم كذب المدعي فيهما حلف على البتّ أيضا لا على نفي العلم.

القول في الشاهد واليمين

قوله : تخصيص بعد التعميم.

لأنّ القرض هو المال الذي استقرضه أحد عن غيره ، واستقرّ في ذمّته بعنوان الاستقراض ، والدين مطلق الحقوق الماليّة الثابتة في الذمّة ، وإن كان لأجل ثمن مبيع أو مال إجارة ، أو دية جناية ، أو نحو ذلك.

ثمّ الدين والقرض مثالان لما كان الدعوى مالا حيث إنّهما يطلقان على المال المستقرّ في الذمّة ، والبواقي أمثلة لما كان المقصود منها المال ولم يكن نفسه مالا أي : لدعوى كان المقصود منها المال.

فإنّ الموصول في قوله : « كلّ ما » بمعنى : الدعوى ، ودعوى الغصب ، إلى آخره. كذلك ؛ فإنّ الغصب وأخواته ليست أموالا ، بل المقصود من دعواها المال ، ولو جعل الدين والقرض بمعناهما المصدريين كانا أيضا مثالين لما كان المقصود منه المال ، ولا يكون مثال الأوّل مذكورا ؛ لظهوره.

ثمّ المراد بالموصول في قوله : « كلّ ما » كما ذكرنا : « الدعوى » ، والمعنى : وهو كل دعوى كان مالا أي : دعوى مال ، أو دعوى كان المقصود منه المال كدعوى الدين والقرض ، ودعوى الغصب إلى آخره.

فلا يرد : أنّ ظاهر العبارة حيث مثّل لما كان المقصود منه المال بالغصب : أنّ المقصود منه المال ، بل المقصود من دعواه المال ، وكذا الجناية ليس المقصود منه المال ، فافهم.

قوله : وكذا الجائفة.

الجائفة : هي الجراحة التي تبلغ الجوف من أيّ الجهات كانت. والمأمومة هي التي تصل إلى أمّ الرأس وهي الخريطة الجامعة للدماغ ، والمنقلة : هي التي تحوج إلى نقل العظام من موضع إلى غيره. وقوله : « لما في إيجابها » إلى آخره ، تعليل لكون المقصود منها مالا ، ولما يفهم من سياق الكلام من أنّه لا قصاص فيها بل فيها الدية خاصّة أي : وكون المقصود

٥٠٠