الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

كتاب الصوم

قوله : وهو الكف نهارا.

اورد عليه : بأنّ متناول المفطرات سهوا صائم مع عدم الكف.

واجيب : بأن المتبادر عن الكف : الكف عن تعمّد التناول أو يعمّ الكف بحيث يتناول الحقيقي والحكمي.

قوله : كما سيأتي.

أي : في قوله : « ووقته من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب الحمرة المشرقية ».

قوله : المعتاد منهما.

أي : من الأكل والشرب. والمراد بالأكل المعتاد ما كان مأكوله معتاد الأكل كالخبز ومثله ، وكذا الشرب ، وغير المعتاد كأكل الفحم ومثله.

ويمكن أن يراد به : ما كان نفس الأكل والشرب معتادين كأن يشرب من الفم ويأكل منه وغير المعتاد أن يدخل شي‌ء في جوفه من ثقبة حادثة في صدره مثلا.

قوله : على أصحّ القولين.

مقابل الأصح عدم وجوب الكف عن الجماع في بعض المذكورات.

بيان ذلك : أن الفروج أربعة : فرجا المرأة ، ودبر الغلام ، وفرج البهيمة ، لعدم الفرق بين فرجيها. أمّا قبل المرأة فلا خلاف فى وجوب الكف عن جماعه. وأمّا دبرها فادعى الاجماع على وجوب الكف عن جماعه جماعة ، ولكن يظهر من المحقّق في الشرائع والنافع الخلاف فيه حيث جعله في الأوّل أظهر ، وفي الثاني أشهر. وأمّا دبر الغلام ففي الخلاف نقل الاجماع على إفساده الصوم ، وظاهر النافع والشرائع والمعتبر التردّد. وأمّا

٣٦١

فرج البهيمة فالمشهور الافساد وذهب ابن إدريس والفاضلان في الشرائع والتذكرة والمنتهى والتحرير والتلخيص إلى العدم.

ومن ذلك ظهر أنّه كان الأولى أن يقول : « على أصح الأقوال ».

قوله : الأحكام الآتية.

من وجوب القضاء والكفّارة ، أو القضاء فقط.

قوله : وفي حكمه.

أي : في حكم الاستمناء ، الثلاثة لمعتاده أي : معتاد الإمناء ، معه أي : مع أحد الثلاثة أو مع حصول الإمناء. فعلى الأوّل يكون المراد بكونه في حكمه : أنّ مع حصول الامناء يفسد الصوم لا بمطلق النظر والاستمتاع والتخيل كما في الاستمناء. ويكون مرجع الضمير في « حكمه » إلى مطلق الاستمناء. وعلى الثاني يكون المراد بكونه في حكمه : أنّه يفسد الصوم ويكون المرجع الاستمناء المعرف ، وهو طلب الامناء مع حصوله.

قوله : المتعدّي إلى الحلق.

يجوز كون المتعدّي صفة للغبار وللايصال. وعلى الأوّل المراد بالمتعدي إمّا المتعدّي عن الاعتدال أو عن العادة أي : الغليظ بالنسبة إلى الغبار الذي لا يخلو عنه الهواء عادة وإن لم يسم غبارا عرفا فيكون المراد بالغليظ في قوله : « غليظا أم لا » الغليظ عرفا. أو المتعدي إلى الحلق ، وعلى الأخير يكون قوله : « إلى الحلق » متعلقا بالمتعدّي وعلى الأولين يكون متعلقا بالايصال.

وفي عدول المصنّف عن الوصول إلى الايصال إيهام عدم وجوب الاحتراز عنه ، وأنّه لا يفسد الصوم بتمكينه من الوصول إلى الحلق ، ويمكن إدخاله في الايصال أيضا ولعلّه اختاره احترازا عن الوصول بلا اختيار وليكون صريحا في فعل المكلّف كسائر ما اعتبر الكف عنه.

قوله : بمحلّل.

متعلّق بالايصال أو بالغبار. و « الباء » للملابسة أو المصاحبة أي : إيصالا أو غبارا ملابسا أو مصاحبا بمحلّل كالدقيق. وقوله : « وغيره » عطف على محلّل.

٣٦٢

قوله : لا وجه له.

علّل فقد الوجه له في المسالك بأنّ المتعدّي إلى الحلق نوع من المتناولات وإن كان غير معتاد ، فيحرم ويفسد الصوم سواء في ذلك الغليظ والرقيق.

قوله : سواء نوى

أي : سواء نوى الغسل في غير الليل أم لا ، بل تعمد البقاء على الجنابة دائما ، ولم يكن فيه نيّة الغسل أصلا. أو سواء نوى الغسل في الليل لكنّه توانى إلى أن طلع الفجر أم لا بل لم يقصد في الليل ، بل قصده في النهار. أو سواء تقدّم على الفجر نيّة الغسل بل وبعض أجزائه ولكن لم يكمله حتّى طلع أو لا فإنّ الجنابة لا تزول إلّا بتمام الغسل.

فمن تعمّد البقاء عليها إلى أن لم يبق إلى الفجر إلّا مقدار النيّة أو بعض أجزاء الغسل فهو متعمّد للبقاء عليها إلى الفجر.

قوله : وإن نوى الغسل.

أي : نوى أن ينتبه ليغسل. والفرق بين هذا وما قبله أنّ ما قبله هو أن يبقى على الجنابة إلى الفجر عامدا مع النوم بعد انتباهتين أو بدونه ، من غير نيّة الغسل أو مع نيّته ولكن توانى في الغسل وهو أيضا في حكم البقاء عمدا لأن التواني لا يسقط الوجوب بخلاف ذلك فإنّه أعمّ من ذلك أي : سواء نوى الغسل ولم يتوان ، بل غلبه النوم ، أو لم ينو فبينهما عموم وخصوص من وجه ، فإنّ الأوّل عامّ من جهة النوم وعدمه ، وخاص من جهة التعمد فى البقاء. والثاني عام من جهة التعمد وخاص من جهة النوم ، وقد يراد بالثاني : ما كان بنيّة الغسل وعلى هذا فيكون الثاني مبائنا للاول.

ثمّ لا يخفى أنّه على ما قيد الشارح الكف به بقوله : « نهارا » يختل الكلام من جهة الأخيرين إذ لا معنى للكف نهارا عن البقاء ليلا على الجنابة أو عن معاودة النوم جنبا في الليل.

ويمكن التوجيه بأن يقال : إنّ المراد : أن يكف نهارا عن كونه بحيث يبقى في الليل على الجنابة ، أو يعاود النوم بمعنى : أن يجعل نفسه بحيث يكون في النهار خاليا عن وصف البقاء على الجنابة أو معاودة النوم في الليل. غاية الأمر أن اتّصافه بالنهار بهذه الصفة وحصول هذا الكف له يتوقّف على أمر في الليل.

٣٦٣

قوله : كذلك.

أي : معاودا فيه بعد انتباهتين.

قوله : فيكفر.

بصيغة المعلوم على بيان الشارح حيث ضم معه قوله : « من لم يكفّ » وأمّا في عبارة المصنّف فيمكن كونه بصيغة المجهول أيضا أي : توقع التكفير أو يكفر الاخلال بالكفّ ، وكذا الفعلان الآخران.

قوله : اختيارا.

ظرف أي : حال الاختيار ، أو حال عن فاعل لم يكفّ بمعنى : مختارا.

قوله : أو في شهر رمضان.

لفظة « أو » إمّا للتقسيم أو الترديد. فعلى الأوّل يكون عطف « شهر رمضان » مع وجوبه على « صوم واجب » من باب عطف الخاص على العام ، ويكون المعنى : يكفّر من لم يكفّ في مطلق الصوم الواجب المتعيّن ، وفي خصوص شهر رمضان مع وجوبه. وعلى الثاني يكون اشارة إلى اختلاف القولين يعني : يكفّر من لم يكفّ في مطلق الصوم الواجب المتعيّن كما هو أحد القولين ، أو في شهر رمضان خاصّة كما هو القول الآخر.

والضمير في « وجوبه » راجع إلى « الصوم » أي : مع وجوب صوم شهر رمضان ، أو إلى « شهر رمضان » بتقدير « صوم » والمآل واحد ، والتقييد به لخروج المسافر والمريض وأمثالهما.

وقوله : بقرينة المقام.

يحتمل وجوها أربعة :

أحدها : أن يتعلّق بقوله : « من لم يكفّ » أي : تخصيصنا التكفير بمن لم يكفّ أي :

الفاعل ، بقرينة المقام.

وثانيها : أن يتعلّق بالصوم الواجب وشهر رمضان مع وجوبه أي : تخصيصنا تكفير من لم يكفّ بالصوم المذكور بقرينة المقام ، فإنّ القضاء المعطوف على التكفير دليل عليه.

٣٦٤

وثالثها : أن يتعلّق بقوله : « مع وجوبه » أي : تقييد شهر رمضان بهذا القيد بقرينة المقام.

ورابعها : أن يتعلّق بقوله : « في شهر رمضان مع وجوبه » على أن يكون لفظة « أو » للترديد يعني : أنّه يحتمل أن يكون التكفير في مطلق الصوم الواجب المتعيّن ، وهو لا يحتاج إلى قرينة ؛ لأنّه مقتضى الإطلاق ، وأن يكون في خصوص شهر رمضان ، ويفهم التخصيص من قرينة المقام ؛ لأن شهر رمضان أسبق إلى الذهن في مقام الصوم.

قوله : مع الكفّارة.

قيّد به ؛ لئلّا يتوهّم إرادة التقسيم وأنّه يكفر في بعض الصور ويقضي في بعض.

قوله : المؤدي إلى فعل أحدها.

أي : أحد السبعة. قيّد به ؛ لأنّه قد يتحقّق الإخلال بالكف من دون الفعل بالغفلة من العزم والتوطين على الامتناع ، أو مع العزم على الإفطار من دون فعل المفطر ؛ أو لأنّ المعروف في الإخلال أن يضاف إلى الفعل حتّى يكون محصّله الترك ، والمراد هنا : الإخلال بالترك الذي محصله الفعل. فنصّ على ذلك مبالغة في دفع التوهّم والتنصيص على المقصود.

قوله : ودخل في التعمّد.

أي : دخل في المتعمّد ، أو دخل في التعمد فعل الجاهل. ووجه الدخول : أنّ المراد بتعمّد الاخلال : التعمد إلى فعل المخل ، ولا شك أنّ الجاهل متعمّد للفعل وإن لم يكن متعمّدا للاخلال. ويمكن أن يكون المراد بالدخول : الدخول شرعا ، وهو أنسب بحكمه بخروج الناسي ؛ لأنّه يشمل ناسي الصوم المتعمّد للفعل أيضا. والمراد بالجهل بالتحريم والافساد أن يكون جاهلا بهما معا أو بالتفريق.

قوله : وهو المروي

رواه زرارة وأبو بصير قالا جميعا : سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان ، وأتى أهله وهو محرم ، وهو لا يرى إلّا أن ذلك حلال له. قال : ليس [ عليه ] شي‌ء. (١)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٥٣.

٣٦٥

قوله : ولو بالتخويف.

أي : من قتل أو ضرب ، أو شتم. وغير التخويف ما إذا لم يباشره بنفسه ، بل وجر في حلقه ، أو اكره حتّى ارتفع القصد عنه حتّى كأنّه ليس مباشرا بنفسه.

قوله : هو عادتهم.

من ذكر تعريف الشي‌ء أوّلا ثمّ بيان أحكامه.

قوله : كما لا يخفى

فإنّه هو الكفّ المشروط بالنيّة نهارا كاملا.

قوله : تجوّز فيه ببيان أحكامه.

الضمير في قوله « فيه » راجع إلى ما ذكر ، وفي « أحكامه » إلى الصوم والمعنى : أنّه ارتكب التجوّز فيما ذكر بإرادة بيان أحكامه ، وعدم إرادة التعريف. والمراد بالتجوّز هنا :التجاوز من الظاهر إلى خلافه ، وإلّا فالعبارة المذكورة ليست مجازا في هذا المعنى من شي‌ء.

قوله : وأمّا دخله.

المراد بالدخل : البحث والنظر. وضميره راجع إلى ما ذكره أو إلى التعريف ، أو إلى الصوم ، والاضافة إليه إضافة المصدر إلى المفعول أي : الدخل في ما ذكره ، أو في التعريف ، أو في الصوم ، من حيث جعل الصوم ، أو جعل المصنّف الصوم كفّا والحال أنّه أمر عدمي فقابل للتأويل.

والتوضيح : أنّهم أوردوا على جعل الصوم كفا بأنّ الصوم تكليف ، والتكليف يجب أن يكون أمرا وجوديّا ، والكفّ أمر عدمي ويستحيل التكليف به.

وأجابوا عنه : بأنّ الكف فيه مؤوّل بامر وجوديّ ، وهو إرادة العزم على الضد أي :ضدّ فعل هذه الأفعال وهو الترك ، أو توطين النفس على الضد الذي هو الترك ، والمراد بالتوطين : ما يتبع العزم من الفعل القلبي الذي هو منع النفس عن الفعل ، بل قد يمنع كون الكف هنا عدميا ، وإنّما الكفّ العدمي هو الكفّ اللازم الذي بمعنى : الامتناع ، دون المتعدي الذي بمعنى : المنع.

٣٦٦

قوله : وبه يتحقق معنى الإخلال به.

أي : بهذا التأويل يتحقّق معنى الإخلال بالصوم ؛ إذ لا يقع الاخلال إلّا بالفعل ؛ لأنّه من أفعال الجوارح.

قوله : وإنّما اقتصر على الكف إلى آخره

هذا اعتذار للمصنّف من حيث إنّه ذكر الكفّ المحتاج إلى التأويل دون أحد الأفعال. وحاصله أنّه اقتصر على الكف ، ولم يذكر الفعل مراعاة لمعنى الصوم اللغوي فإنّه في اللغة هو الإمساك الذي هو أيضا ترك وكفّ ، فأراد أن لا يكثر النقل عن المعنى اللغوي بل يكون المعنى العرفي امساكا مخصوصا.

قوله : ليلا.

يحتمل أن يكون ظرفا للعود حتّى يخرج عود الجنب إلى النوم في النهار. وأن يكون ظرفا للغسل حتّى يخرج نيّة الغسل بعد طلوع الفجر.

قوله : ولا بدّ.

أي : ولا بدّ في عدم وجوب الكفّارة والاختصاص بالقضاء مع النيّة للغسل ، وكون النوم بعد انتباهة واحدة.

قوله : ولا احتمله.

أي : من جهة اخرى غير العادة.

قوله : أوّل نومه.

أي : ابتداء نومه ثانيا ، لا نومه الأوّل. والمراد بكونه من أوّل نومه كمتعمّد البقاء : أنّه ـ يكون عليه الإثم إن استمرّ نائما إلى الفجر [ و ] كان عليه القضاء والكفارة جميعا.

قوله : بشرطيه.

الضمير في قوله : « بشرطيه » راجع إلى ما يستفاد من قوله : « لا شي‌ء » وهو عدم وجوب القضاء والكفّارة أي : بشرطي عدم الوجوب وهما عدم الانتباه ونيّة الغسل.

والمراد بالنومة الاولى : أوّل نومة يكون بعد العلم بالجنابة ، فليس النوم الذي فيه الجنابة إن احتلم النومة الاولى ؛ إذ لا يشترط في عدم وجوب القضاء والكفّارة فيه شرط أصلا.

٣٦٧

قوله : دفعة واحدة عرفية.

احتراز عمّا [ لو ] غمس بعض رأسه ، ثمّ أخرجه وغمس بعضا آخر ، فإنّه ليس داخلا فى الحكم ، ولا يخفى أنّه يلزم على هذا القيد أنّه لو غمس رأسه أجمع بالتأنّي والتدريج من دون إخراج البعض بحيث لا يصدق عليه الغمس دفعة واحدة عرفية لم يكن داخلا في الحكم مع أنّه داخل فيه قطعا.

وتوجيهه : بأنّ بعد اغتماس الجميع يصدق عليه أنّ جميع رأسه مغموس في آن واحد. أي : دفعة عرفية ليس بجيد إذ ليس يصدق عليه أنّه غمس دفعة واحدة عرفيّة ، فإنّه لم يتحقّق الغمس دفعة عرفيّة وإن كان المجموع مغموسا في الماء في آن واحد بعد الغمس بالتدريج.

قوله : متعمّدا.

يحتمل التعلّق بالثلاثة ، ويحتمل التعلق بالارتماس خاصّة. وقد يقال : إنّه لا يحتمل التعلّق إلّا به ؛ لأنّه يفهم التعمّد من الأوّلين ، فإن المفهوم من العود إلى النوم أن يكون باختياره ، لا بأن يغلب عليه ، وكذا المفهوم من الاحتقان ؛ فإنّه لا يكون إلّا باختيار المحتقن ؛ فإنّه إن اكره به ، أو كان لا يشعر به لا يقال : إنّه احتقن ، وإن قيل : إنّه حقن ، بخلاف الارتماس والانغماس في الماء ، فلا يفهم منه ذلك لغة ولا عرفا. وفيه بعد تسليم ما ذكر :أنّ المراد بالتعمّد ما يشمل تذكر الصوم ، فإنّ من ارتمس عمدا ناسيا لصومه لم يكن عليه قضاء ، وعلى هذا فيمكن العود والاحتقان سهوا أيضا بأن لا يتذكّر الصوم.

قوله : في غسل مشروع.

لا يخفى أنّه لا فائدة في التقييد بالمشروع ؛ لأنّ الغسل لا يكون إلّا مشروعا. وكأنّ النكتة في ذكره الإشارة إلى كونه عبادة حتّى يظهر الوجه في بطلانه للنهي فان النهي في العبادة موجب للفساد.

قوله : للنهي.

اعترض عليه : بأنّ النهي يوجب الفساد إذا تعلّق بجزء العبادة أو شرطها ، ورمس الرأس دفعة ليس جزءا للغسل ، ولا شرطه ، وإنّما جزؤه إيصاله الماء إلى الرأس. ولا

٣٦٨

شبهة في أنّ كلّ جزء من أجزاء الرأس فرض فرمسه في الماء مباح ، وإنّما الحرام جمع الكل فيه ، وهو ليس من جزء الغسل ، ولا شرطه.

وفيه : أنّ جمع الكل فيه وإن لم يكن جزءا لمطلق الغسل ، ولكنّه جزء أو شرط للغسل الارتماسي ؛ لوجوب الرمس دفعة فيه ، وكما أنّ مطلق الغسل عبادة ، فكذا الغسل الارتماسي أيضا ، فتعلّق النهي بالجزء أو الشرط ، فيفسد.

قوله : ولو نسي.

أي : نسي الارتماس بأن يرتمس لا عن شعور ، أو نسي الصوم ، أو نسي الحرمة.

قوله : ممكنة.

أقول : يستفاد من تقييده بقوله : « ممكنة » زيادة على ما ذكره الشارح بقوله : « واحترز » إلى آخره أنّه يحب القضاء مع المراعاة إذا لم تبلغ إلى غاية ما يمكن ، وهو كذلك.

قوله : للفجر أو الليل.

الأوّل إذا كان مستصحب الليل ، والثاني إذا كان مستصحب النهار.

قوله : حصوله.

أي : حصول الليل. وحصوله في الأوّل ـ أي : من دون مراعاة للفجر ـ بمعنى البقاء ، وفي الثاني ـ أي : من دون مراعاة الليل ـ بمعنى الحدوث والدخول.

قوله : سواء كان مستصحب الليل.

أي : كان المتناول والمستصحب ـ بكسر الحاء ـ أي : المتمسك بالاستصحاب. والمراد به هنا : أن يكون من شأنه استصحاب الليل ، أو استصحاب النهار أي : الحكم ببقائهما عند الشك أو الظن ، وإن لم يحكم به في الثاني أي : النهار ؛ إذ الحكم به مناف لتناول المفطر.

ويحتمل أن يكون المراد بالاستصحاب : المعنى اللغوي ، دون العرفي أي : سواء كان قبل التناول في صحبة الليل ، أو في صحبة النهار.

قوله : واكتفى عن قيد ظنّ الليل إلى آخره

أي : في الصورتين. أعني : استصحاب الليل أو النهار.

وقد يتوهّم إمكان اسناد الاكتفاء عنه إلى قوله : « من دون مراعاة » لأنّه إذا علم الفجر أو

٣٦٩

النهار فلا معنى للمراعاة. وفيه : أنّه إذا شك فيهما أو ظن الفجر والنهار يمكن المراعاة أيضا ، ولكن لا يصدق الخطأ حينئذ.

لا يقال : إنّه على هذا يكون قوله : « خطأ » مخلّا لا خراجه صورة الشك والظن بالفجر أو النهار.

لأنا نقول : إنّ حكمهما يعلم من باب الأولويّة ، أو أنّه يجب إخراجهما عن هذا الحكم أي : وجوب القضاء خاصّة ؛ لأنّه فيهما تجب الكفارة أيضا.

قوله : واحترز بالمراعاة الممكنة إلى آخره

كون المراعاة الممكنة احترازا عمّا ذكره يمكن أن يكون من باب التمسك بمفهوم الشرط ، ومن باب التمسك بمفهوم الوصف ، كما لا يخفى. ولا يخفى أيضا أنّ انتفاء الوصف هاهنا وإن استلزم انتفاء أصل الموصوف إلّا أنّ علّة الحكم أي : عدم وجوب القضاء لمّا كان هو انتفاء الوصف استند الحكم والاحتراز إليه فقط.

قوله : كذلك.

أي : مع ظنّ الليل ، أو من دون مراعاة ممكنة.

قوله : حيث.

قيد للأخيرين.

قوله : بظنّه.

لانسداد باب العلم.

قوله : ويفهم.

أقول : فهم ذلك إنّما هو من باب مفهوم الشرط ، فإنّ حرف الشرط المتقدّمة داخلة على قوله : « تناول » لمكان العطف فيصير مفهوم الكلام أنّه لو لم يتناول المفطر من دون المراعاة لا قضاء عليه ، وذلك أعمّ من أنّ تناوله مع المراعاة أو لم يتناوله مطلقا.

قوله : في الثاني.

أي : فيما إذا كان مستصحب النهار مع خطأ الظنّ الحاصل بالمراعاة.

قوله : وبخلافه في الثاني.

٣٧٠

عطف على قوله : « باعتضاده » والضمير المجرور راجع إلى الاعتضاد أي : فارقا بينهما ، بتحقق خلاف اعتضاد الظن بالأصل وهو تضعيف ظنّه به ، أو عدم اعتضاده. أو عطف على قوله : « بالأصل » بتجريد الاعتضاد عن معنى التقوية والتأييد ، وملاحظة مجرّد المقارنة. والضمير حينئذ يكون راجعا إلى « الأصل ». أو « الواو » استئنافية والمعنى : والظنّ بالأمر أو الأصل بخلاف ما ذكر في الثانى.

قوله : والفاضلان.

قيل : المراد العلّامة وفخر المحقّقين ، والظاهر أنّه المحقّق والعلّامة.

قوله : استنادا إلى أخبار إلى آخره.

كرواية أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صام ، ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت ، وفي السماء غيم ، فأفطر ثمّ إنّ السحاب انجلى ، فإذا الشمس لم تغب. فقال : « قد تمّ صومه ولا يقضيه ». (١)

ورواية زيد الشحام عنه عليه‌السلام عن رجل صائم ظنّ أنّ الليل قد كان وأنّ الشمس قد غابت وكان في السماء سحاب ، فافطر ، ثمّ إنّ السحاب انجلى ، فإذا الشمس لم تغب. فقال : « تمّ صومه ولا يقضيه ». (٢)

وصحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضي صومك. وتكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئا ». (٣)

ورواية زرارة عنه عليه‌السلام قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فافطر ، ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك قال : « ليس عليه قضاء ». (٤)

ثمّ وجه قصور دلالة الأخبار باعتبار أنّه يمكن [ أن يكون ] الظنّ المأخوذ فيها حاصلا بعد المراعاة فلا يدلّ على المقصود. ويمكن أن يكون معني قوله : « تقصر عن الدلالة »

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ١٢٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١٠ / ١٢٣.

(٣) وسائل الشيعة : ١٠ / ١٢٣.

(٤) وسائل الشيعة : ١٠ / ١٢٣.

٣٧١

تقصر عن كونها دليلا وذلك لضعف الأوّلين وعدم دلالة الثالث لوجهين : أحدهما : أنّ مقتضى قوله : « إذا غاب القرص » حصول القطع به فيخرج به عن محل النزاع. وثانيهما : أنّه يمكن أن يكون معنى قوله : « مضى صومك » ذهب صومك أي : بطل. واشتمال الخبر الاخير على ما لا يقول به [ أحد ] فإنّ في أوّله : قال سالت أبا جعفر عليه‌السلام عن وقت افطار الصائم. قال : « حين يبدو ثلاثة أنجم » هذا ، ثمّ إنّ قوله : « مع تقصيره في المراعاة » يمكن أن يكون قيدا لقصور الدلالة ، وحينئذ يصير المعنى أظهر ، ويكون المعنى : استنادا إلى أخبار تقصر عن الدلالة على المطلوب في صورة التقصير في المراعاة أو أخبار تقصر عن كونها أدلّة في هذه الصورة.

ووجه التقييد على الأوّل ظاهر. وأمّا على الثاني ، فلانّ من شرط كون الخبر دليلا عدم المعارض المساوي أو الأقوى وهذه الأخبار في صورة التقصير في المراعاة معارضة مع غيرها من الأخبار.

ويمكن أن يكون قوله : « مع تقصيره » إلى آخره علاوة على قصور الأخبار عن الدلالة ، ويكون المعنى : أنّ القول المذكور مستند إلى أخبار قاصرة عن الدلالة مضافا إلى تقصير المفطر في محل النزاع في المراعاة ، فتشمله أدلّة وجوب القضاء عند التقصير أيضا ويجب عليه القضاء.

قوله : وجوب القضاء.

أي : حكمه السابق على القيل ووجه اقتضائه : إطلاقه في الحكم. وقوله : « وإن ظنّ » أي : ظنّ الليل بعدم طلوع الفجر ، أو بغروب الشمس.

قوله : وظاهر القائلين.

بالحكم السابق ، وهم المصنّف وموافقوه ، أو القائلين بصيغة التثنية أي : القائل بوجوب القضاء ـ وهو المصنّف ومن تابعه ـ والقائل بعدم وجوبه وهو الشيخ والفاضلان.

قوله : مطلقا.

استصحب الليل أو النهار ، ظنّ الطلوع أو الغروب أو شكّ ، أمكن المراعاة أم لا ، مع الظلمة الموهمة وبدونها.

٣٧٢

قوله : والقدرة على تحصيل العلم.

يجوز أن يكون عطفا تفسيريا للمراعاة ويجوز أن يكون المراد بالمراعاة أعمّ من أن يراعي لتحصيل العلم أو الظن ويكون القدرة على تحصيل العلم قيدا آخر.

قوله : في القسم الثاني.

أي : قسم استصحاب النهار. وتخصيص الاشكال به ؛ لمخالفة ظنّه للاصل ، بخلاف القسم الأول ، كما مر.

قوله : وذلك يقتضي بحسب الاصول الشرعية إلى آخره.

بيان ذلك : أنّ مقتضى العقل ، بل الاستقراء أنّ كلّ من ارتكب حراما فعليه كفّارة من صدقة ، أو صوم ، أو حدّ ، أو قصاص ، أو تعزير ، أو استغفار أو غيرها. ومقتضى الأخبار العديدة أنّ من أفطر في نهار يجب صومه عمدا تجب عليه الكفّارة ولكون العقل أيضا من أدلّة الشرع وكذا استقراء احكام الشرع ، يكون الحاكم بالكفّارة الشرع. والمراد بالاصول :القواعد الكلّية ، وبالشرعية : المستنبطة من أدلّة الشرع. فمراده بالاصول الشرعية :القاعدتان المذكورتان المستنبطتان إحداهما من العقل والاستقراء والاخرى من الأخبار. ويكون قوله : « وذلك » إشارة إلى كلّ من تحريم التناول ووقوع الإفطار فى نهار يجب صومه عمدا.

وظهر ممّا ذكرنا وجه تعليل وجوب الكفّارة بتحريم التناول أيضا. وظهر أنّ كلّا من قوله : « لتحريم التناول » إلى آخره وقوله : « ووقوعه » إلى آخره. علّة برأسها للاشكال في عدم وجوب الكفّارة.

قوله : للإذن المذكور.

أي : المذكور بقوله : « بناء على أصالة عدم الدخول » فإنّ الإذن الحاصل من الأصل أيضا إذن شرعي لقوله عليه‌السلام في أخبار متكثرة : « لا تنقض اليقين إلا بيقين مثله ».

قوله : وأمّا وجوب الكفّارة على القول المحكي فأوضح.

هذه العبارة تحتمل وجوها.

أحدها : أن يكون المراد بالقول المحكي : ما ذكر المصنّف بقوله : « قيل » ويكون المعنى :

٣٧٣

وأمّا حال وجوب الكفارة في القسم الثاني على القول المحكي ـ وهو عدم وجوب القضاء على المفطر للظلمة ـ فأوضح ، فانّه إذا لم يكن عليه قضاء فأولى أن لا تكون عليه كفّارة.

وثانيها : أن يكون الوجوب في قوله : « أمّا وجوب الكفّارة » بمعنى السقوط كما يقال في قوله تعالى : ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ) (١) ولكنّه بعيد.

وثالثها : أن يكون المراد بالقول المحكي صورة المسألة وهي أن يفطر للظلمة الموهمة من غير مراعاة ، بل استنادا إلى مجرّد الظلمة ، ويكون المعنى : أنّ وجوب الكفّارة في هذه الصورة أولى من وجوبها لتقليد الغير ، أو ظنّ آخر يكون أقوى من الظنّ الحاصل من الاستناد إلى مجرّد الظلمة.

ورابعها : أن يكون المراد بالقول المحكي ما ذكر أيضا ، ويكون المعنى : أنّ صورة هذه المسألة مخصوصة بمستصحب النهار بخصوصه ، ووجوب الكفّارة فيه واضح ، بخلاف ما ذكره المصنّف ؛ فإنّه يشمله بإطلاقه فوجوب الكفّارة إنّما هو في بعض أفراده.

وخامسها : أن يكون المراد بالقول المحكي ما حكاه نفسه عن الدروس بقوله : « وفي الدروس استقرب القضاء » حيث أوجب القضاء في القسم الثاني مع المراعاة ، فيكون المعنى : أنّه إذا وجب القضاء مع المراعاة فوجوب الكفارة بدونها أوضح منه ، إذا لم يجب القضاء معها.

قوله : واعلم أنّ المصنّف.

اعلم أنّ مراد الشارح اعتذار المصنّف في جمعه بين لفظي « الوهم » و « الظن » في نقل قول الشيخ والفاضلين. وتوضيح ما ذكره : أنّ المصنّف نقل قولهم حال كونه جامعا في النقل بين لفظي « الوهم » و « الظن » ، فيفهم منه اتّحادهما معنى ، مع أن فيه محذورين :

أحدهما : مخالفته المشهور حيث فسّروا الوهم بغير ما فسّروا به الظن.

وثانيهما : مخالفته لعبارات القوم حيث جعلوا الوهم قسيما للظن وأوجبوا في الأوّل القضاء خاصّة ، وفي الثاني لم يوجبوا شيئا.

__________________

(١) الحج : ٣٦.

٣٧٤

وتوضيح اعتذاره : أن جمعه في نقل كلام القائلين بالقول المذكور ؛ للتنبيه والإشارة إلى أنّ مراد القوم من الوهم الواقع في كلامهم أيضا الظن أي : كما أنّ مرادهم من لفظ « الظن » معناه كذلك مرادهم من لفظة الوهم معنى الظن ، فيكون قوله أيضا قيد الوهم. وإنّما حمل مرادهم على ذلك ؛ لأنّه لا يجوز الإفطار مع الوهم قطعا ، وإذا لم يجز يلزم منه وجوب الكفّارة أيضا مع أنّهم لم يحكموا به.

وتوضيحه : أنّ حكمهم بوجوب القضاء خاصّة وعدم وجوب الكفّارة يقتضي جواز الإفطار وإن فسد به الصوم كما في تناول مستصحب الليل والمريض والمسافر ؛ لأنّ الإفطار كلّما لا يجوز يوجب الكفّارة أيضا ، فلو كان الوهم في كلامهم باقيا على معناه يقتضي جواز الإفطار معه ؛ لعدم حكمهم بالكفّارة ، مع أنّه لا يجوز الإفطار مع ظنّ عدم الدخول أي : مع الوهم قطعا ، وإذا لم يجز يلزم وجوب الكفّارة أيضا ؛ فإنّ الاقتصار على القضاء خاصّة إنّما هو في صورة حصول الظن وظهور المخالفة لا مطلقا ، وإن حصل الوهم أيضا.

ولا يخفى انّه بهذا وإن ظهر توجيه ما فعله المصنّف من الجمع بين الوهم والظن واندفع المحذور من كلام القوم حيث يظهر من كلامهم عدم وجوب الكفّارة في صورة الإفطار مع الوهم ، إلّا أنّه يلزم حينئذ محذوران آخران :

أحدهما يرد عليهم : وهو الذي ذكره الشارح بقوله : « لكن بقي في كلامهم » إلى آخره.

والآخر يرد على المصنّف وهو أنّه إذا كان المراد من الوهم في كلامهم أيضا هو الظن ، فلا يخلو إمّا أن يكون المراد من الظنّين معنى واحدا ، أو يكون لكلّ منهما معنى غير معنى الآخر كما ذكره الشارح ، فإن كان المراد هو الأوّل مع أنّه لا يصح يرد أنّه لا وجه لنسبة المصنّف القول بعدم وجوب القضاء حينئذ إليهم مع أنّهم حكموا تارة بوجوبه فما علّة الترجيح؟

وإن كان المراد هو الثاني يرد : أنّه يكون حينئذ للقول المذكور فردان لكلّ منهما حكم مخالف للآخر ، فلا وجه لجمعهما وجعل حكمهما واحدا وهو عدم القضاء ، إلّا أن يقال : إنّه ليس جمعا بين الفردين ، بل ذكر أحدهما وذكر الظن لتفسير الوهم ؛ مع أنّ اختلاف

٣٧٥

الفردين في الحكم عند غير الشيخ والفاضلان ( كذا ) أمّا عندهم فلا اختلاف في حكمهما لعدم وجوب القضاء عندهما في شي‌ء منهما ، وظنّي أن إبقاء الوهم في كلامهم على معناه وتوجيه ما يرد عليهم : بأنّ عدم ذكرهم وجوب الكفّارة لا يوجب حكمهم بعدم وجوبها ، أولى ممّا ذكر ، وعليك بالتتبع والتدبّر في كلماتهم وعباراتهم ، فإنّه يظهر للمتتبّع ما لا يظهر لغيره.

قوله : وراجحه الظن.

أي : راجح الاعتقاد حتّى يكون من باب ( جرد قطيفة ) أو راجح الوهم أي : راجح هذا المرجوح.

قوله : عباراتهم.

أي : عبارات القوم ، لا عبارة الشيخ والفاضلان. وكذا قوله : « في نقل كلامهم » أي : كلام القوم ، وتفسيرهم بالظلمة الموهمة ، وذلك لأنّ في كلام الشيخ والفاضلان لم يقع هذا التفصيل بل حكموا بعدم وجوب القضاء مطلقا ، نعم وقع ذلك في عبارات غيرهم ( وإن يصحّ [ في ] قول الشيخ والفاضلان أنّ عباراتهم أيضا هي الظلمة الموهمة ) (١).

قوله : لأنّه أحد معانيه لغة.

قد نصّ في الصحاح والقاموس على أنّ توهمت بمعنى : ظننت. وأيضا قد نصّ جمهور اللغويين على أنّ الوهم ما يقع في الخلد. ومنه يقال : ذهب إليه وهمي ، وهو يشمل الظن.

قوله : الفرق بين مسألتين.

لا يخفى ما في العبارة من المسامحة والمساهلة ؛ فإنّ المسئول عنه هاهنا هو الفرق بين موضوعي المسألتين كما يشير إليه قوله : « إلّا أن يفرق بين مراتب الظن » لا بين المسألتين ، لحصول الفرق بينهما باختلاف محموليهما. فتأمّل.

قوله : حيث حكموا.

أي : وحكموا بالافساد مع الوهم. وبما ذكرنا في معنى قول الشارح : « وعباراتهم وقعت » يندفع ما يتوهّم هنا من أنّ الشيخ والفاضلين لم يفرقا بين المسألتين ، بل حكموا فيهما بعدم القضاء.

__________________

(١) العبارة الواقعة بين ( ) سقيمة ظاهرا.

٣٧٦

ووجه الدفع : أن المراد : فرق القوم ، لا الشيخ والفاضلان ، وهما لم يفرّقا.

قوله : وبهذا المعنى صرّح بعضهم.

أي : بالفرق بين مراتب الظن أو بإرادة المرتبة الضعيفة من الوهم ، والقوية من الظن.

قوله : وفي بعض تحقيقات المصنّف.

هذا إشارة إلى فرق آخر بين الوهم والظن ، مع إرادة الظن من الوهم.

قوله : وهو مع غرابته.

أي : غرابته بحسب اللغة والاصطلاح ؛ فإنّه لم يقل أحد بذلك ، ولا شاهد له من عقل أو نقل. وقد يدفع الغرابة : بأنّه ليس إلّا الحمل على اختلاف مراتب الظن ، فإنّ ما حصل من أمارة شرعية ظنّ قوي شرعا ، وما حصل من غيرها ضعيف.

ولا يخفى ما فيه ، فانّ قوّة الظن وضعفه لا دخل له بكون الأمارة شرعية أو غير شرعية ، وإن كان له دخل في الاعتبار وعدمه ، ولكن الاعتبار وعدمه غير قوّة الظن وضعفه.

قوله : لا يفرّق فيه بين الأسباب.

فيه منع ظاهر.

قوله : وأنّ الصواب العطف بعد سواء إلى آخره

يمكن أن يجاب عنه : بأنّه قد صرّح جمع من النحاة بأنّ « همزة » التسوية يجوز حذفها ، وقد حكي عن بعض القراء أنّه قرأ : سواء عليهم أنذرتهم بهمزة واحدة. (١) وأنّها إذا حذفت جاز الإتيان بـ « أو ».

قال نجم الأئمة :

ويجوز بعد سواء ، ولا أبالي أن نأتي بـ « أو » مجردا عن الهمزة نحو : سواء عليّ قمت أو قعدت ، ولا أبالي قمت أو قعدت بتقدير حرف الشرط. ثمّ قال : وقال أبو علي : لا يجوز « أو » بعد سواء مثل : سواء عليّ قمت أو قعدت. قال : لأنّه يكون المعنى سواء عليّ أحدهما ولا يجوز ذلك.

ويرد عليه : أنّ معنى « أم » أيضا : أحد الشيئين أو الأشياء. فيكون معنى سواء عليّ أقمت أم قعدت : سواء علي أيّهما فعلت. أي الذي فعلت من الأمرين لتجرد أي عن معنى

__________________

(١) البقرة : ٦.

٣٧٧

الاستفهام. وهذا أيضا ظاهر الفساد ، وإنّما لزمه ذلك في « أو » وفي « أم » ؛ لأنّه جعل « سواء » خبرا مقدّما ما بعده مبتدأ والوجه كما ذكرنا أن يكون « سواء » خبر مبتدأ محذوف ساد مسدّ جواب الشرط. (١)

قوله : همزة التسوية.

هي الهمزة الداخلة على جملة صحّ حلول المصدر محلّها كما يصحّ أن يقال : ( سواء عليهم الانذار وعدمه ) ، ( وسواء علينا جزعنا وصبرنا ) ، ( سواء عليهم دعوتكم وصمتكم ).

قوله : إلى حلقه.

يفهم منه أنّه لو رجع شي‌ء منه إلى المعدة قبل الوصول إلى الحلق لا توجب الكفّارة وهو كذلك بل لو رجع الجميع قبل الوصول إليه ، لا يوجب القضاء أيضا.

قوله : ويشكل إلى آخره.

لا يخفى أنّ الشارح قد بيّن الإشكال بالترديد بين القادر على المراعاة وغير القادر. ويمكن بيانه بتقدير آخر أيضا : بأن يردّد بين إفادة قول المخبر الظن وعدم افادته له ، وإن كان مآل التقريرين واحدا بأن يقال : إن قول المخبر إمّا لا يفيد الظن أو يفيده ، فعلى الأوّل تجب الكفّارة أيضا قطعا مطلقا سواء كان المفطر قادرا على المراعاة أو لا. وعلى الثاني فإن لم يكن قادرا على المراعاة لا يجب القضاء أيضا ، وإلّا فكالأوّل. ثمّ لا يخفى أنّ الاشكال الذي ذكره الشارح إنّما هو على أصل الحكم ، ويرد إشكال آخر على ذكر المصنّف هذا الحكم بعد قوله : « أو تناول المفطر » إلى آخره وهو : أن المراد بالإخبار بدخول الليل ليس مطلق الاخبار ، وإن لم يحصل منه الظن أصلا ؛ لأنّه لا يقول أحد بعدم وجوب الكفّارة حينئذ ، بل المراد به ما يحصل منه الظن بالمخبر عنه ، وحينئذ فإن كان المراد بالافطار : الافطار بعد المراعاة أو مع إمكان المراعاة ينافي مفهوم قوله : « أو تناول من دون مراعاة ممكنة » كما لا يخفى. وإن كان المراد حينئذ : الإفطار مع الظن الحاصل من الاخبار من دون مراعاة ممكنة ، فيكون فردا ممّا دلّ عليه قوله : « أو تناول من دون مراعاة

__________________

(١) شرح الرضى في بحث « أم ». ج ٢ / ٣٧٦ طبع دار الكتب العلمية.

٣٧٨

ممكنة فأخطأ ». فلا وجه لإفراده بالذكر هنا ثانيا ، وكثير من الأصحاب الذين أفردوا ذكر حكم من أفطر للإخبار لم يذكروا حكم من أفطر تعويلا على الظن على سبيل العموم ، وإنّما ذكروا حكم من أفطر للظلمة الموهمة خاصّة.

هذا ، ويمكن أن يقال في وجه إفراده بالذكر هنا : أنّ الظن الحاصل من الاخبار لما كان كثيرا ما من أقوى الظنون شرعا كما إذا حصل من إخبار العدل والعدلين وهو حجّة شرعيّة فيمكن توهّم عدم وجوب القضاء فيه ، ومع ذلك نفى بعضهم أيضا وجوب القضاء عمّن أفطر تعويلا على إخبار العدلين من دون مراعاة ممكنة وإن أثبته في غيره من الظنون. ومنهم المحقّق الثاني حيث حكم بأنّه لو شهد بالغروب عدلان ، ثمّ بان كذبهما ، فلا شي‌ء على المفطر وإن كان ممّن لا يجوز له التقليد ، فكان التصريح بحكمه وعدم الاكتفاء باندراجه تحت العام أولى وأدخل في دفع التوهّم.

قوله : إن كان ممّن يسوغ تقليده له.

أي : يتعبّد بقوله وإخباره شرعا كالعدل والعدلين. ولو كان الشارح يقول مكان قوله هذا قولنا : ممّن يفيد إخباره الظنّ له كان أولى ، لعدم وجوب القضاء على من لم يتمكّن من المراعاة بالافطار تعويلا على إخبار كلّ من يفيد إخباره الظن ، وإن لم يتعبد بقوله شرعا ؛ لأنّه متعبّد بظنّه كما نبّه عليه الشارح بقوله سابقا : « واحترز بالمراعاة الممكنة » إلى آخره

ويمكن توجيه بأن يقال : إنّ المراد ممّن يسوغ تقليده له : أنّه كلّ من يفيد إخباره الظن ؛ فإنّه حينئذ يسوغ تقليده له.

قوله : حال من الأمرين.

أي : حال مقدّرة فإنّ ظهوره بعد الأمرين. ويجوز جعله معطوفا عليهما وعلى مقدّر نحو : فأخطأ.

قوله : مطلقا.

أي : سواء كان المخبر ممّن يسوغ للمخبر تقليده أولا. أو سواء كان المخبر بعدم الطلوع حجّه شرعية أو لا. ولا يمكن أن يكون له تعميما للقادر على المراعاة وغير القادر ؛ لأنّ أحد جزئي الحكم ـ وهو وجوب القضاء ـ لا يجري في غير القادر وإن جرى فيه جزؤه الآخر ، وهو عدم وجوب الكفّارة.

٣٧٩

قوله : لاستناده.

الضمير راجع إلى التناول. وهذا علّة لأحد جزئي الحكم ـ وهو عدم وجوب الكفّارة ـ ولم يذكر علّة الجزء الآخر ؛ لوضوحها وتقدّمها وعدم كون المطلوب ذكرها هنا كما لا يخفى.

قوله : فرق في الثاني.

لا وجه لتقييد الفرق بقوله : « في الثاني » ؛ إذ فرّق بعضهم في الأوّل بينهما أيضا ، كما صرّح به صاحب المدارك وغيره. إلّا أن يقال : إنّه لم ينقل إلى الشارح القول بالفرق في الأوّل.

قوله : وإلّا.

أي : إن ظهرت الموافقة.

قوله : جاهلا بجواز التعويل.

قيل : الأولى أن يقول : جاهلا بعدم جواز التعويل.

أقول : يمكن أن يقال : إنّ الجهل بأحد الطرفين يستلزم الجهل بالطرف الآخر أيضا ؛ فإنّه لو علم جواز التعويل ـ مثلا ـ لا يقال : إنّه جاهل بعدم جواز التعويل وإذا كان كذلك فذكر كل منهما يغني عن ذكر الآخر ، ولا مرجّح لتخصيص الذكر بأحدهما.

هذا ، وأمّا حكم من علم جواز التعويل ، وإن لم يكن مطابقا للواقع ، فيعلم بالأولويّة. ويمكن أن يقال أيضا : الجهل بجواز التعويل شاملا له أيضا بناء على أنّ العلم يرادف اليقين ، فيشترط فيه المطابقة للواقع. وعلى هذا يظهر مرجّح لاختيار قوله : « جواز التعويل » على عدم جوازه ؛ فإنّه لا يصحّ حينئذ أن يقول « جاهلا بعدم جواز التعويل » فإنّه ليس غير مطابق للواقع ، وإرادة عدم الاعتقاد الجازم منه يوجب عدم ظهور حكم العالم بجواز التعويل.

قوله : بقرينة قوله : أو غلام.

أقول : لا يخفى أنّ قوله : « أو غلام » إنّما يصير قرينة على أنّ المراد بالمرأة المحرّمة لو ثبت من دليل خارجي كالاجماع أو غيره أنّ حكم المحرّم مطلقا يغاير حكم غير المحرّم ،

٣٨٠