الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

وبيان ذلك : أنّه لو سقي بالغير والسيح ، فإمكان اعتبار العدد مطلقا ظاهر سواء كان السقي بهما ملفقا أو غير ملفق. وأمّا اعتبار النفع أو الزمان فلا يمكن غالبا فيما سقي بهما ملفقا.

ولو سقي بالغير والبعل فاعتبار العدد يمكن أيضا ، وذلك بأن يحسب عدد ما يجب للزرع من السقي ، واخرج منه ما سقي بالغير ، فالباقي عدد السقي بالبعل.

وأمّا اعتبار الزمان ، فإنّما يمكن لو لم يكن البعل مستداما للزرع ولم يكن حين البعل محتاجا إلى السقي. وأمّا اعتبار النفع وإن أمكن في بعض الصور ، ولكنّه لا يمكن في بعض آخر كما لا يخفى.

ولو سقي بالغير والمطر فيمكن اعتبار العدد أيضا مطلقا ، وحينئذ يحسب أعداد السقي بالمطر ما كان منه لازما دون الزائد.

وأمّا اعتبار الزمان فلا يمكن في صورة التلفيق ، وأمّا النفع فيمكن في بعض صور التلفيق ولا يمكن في بعضها ، فتأمّل.

قوله : والزمان مطلقا.

لفظة « واو » في قوله : « والزمان » للجمع في الاحتمال أي : يحتمل اعتبار العدد مطلقا ، ويحتمل اعتبار الزمان مطلقا ، فكلاهما محتملان ، لا للجمع في الاعتبار أي : يحتمل اعتبارهما معا ؛ لأنّ الأغلب أنّه لا يمكن اعتبارهما معا ، فتتفاوت أعداد السقي في الأزمنة المتساوية.

قوله : ولو أشكل الأغلب.

أي : لا يعلم أنّه أغلب أحدهما على الآخر أم لا؟ وليس المراد ما إذا علمت الغلبة ولكن لم يعلم أنّها لأيّهما ؛ بدليل ما يذكره من احتمال الإلحاق بالتساوي لأجل أصالة عدم التفاضل.

قوله : وهو قول الشيخ.

قال به في المبسوط والخلاف ، والاحتجاج بالإجماع إنّما هو في الخلاف.

٢٨١

قوله : من استثنائها مطلقا.

أي : عن استثناء مطلقها وإن ورد استثناء بعضها كمونة الحارس و [ هي ] العذقان ، وأمّا حصّة السلطان فهي ليست من المئونة كما صرّح به الشارح.

ويحتمل أن يكون معنى الإطلاق : أنّه ليس استثناء شي‌ء منها [ في النصوص ] سواء فيه البذر والمتقدّم والمتأخّر ومئونة الحارس باعتبار عدم صحّة الخبر المتضمّن لاستثنائها.

قوله : لأجلها.

أي : لأجل الغلّة ، وهو متعلّق بالعمل وقوله : « وإن تقدّم » أي : تقدّم العمل أو الغرامة.

قوله : ولو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة.

المراد بالقيمة : القيمة التي اشتراه بها ، لا قيمته وقت الإخراج.

احترز بذلك عمّا لو كان البذر من ماله ، فإنّه لا يعتبر فيه القيمة أو المثل ، بل يستثنى عينه من ماله ، كذا في المسالك وحواشي الإرشاد.

ولعلّ العين والمثل هنا واحد لعدم بقاء عين البذر ، بل المراد في التفرقة بين الصورتين أنّه في صورة الاشتراء مخيّر بين المثل وبين القيمة ، بخلافه فيما لو كان من ماله ، فإنّه يعتبر المثل ، ولو اعتبرت القيمة أيضا ، فهي غير القيمة المعتبرة في صورة الاشتراء ؛ لأنّ القيمة المعتبرة فيها هي القيمة التي اشتراه بها ، والقيمة المجزية عن المثل في صورة كونه من ماله قيمة المثل وقت الإخراج.

قوله : ويعتبر النصاب إلى آخره

هذا بيان لمسألة اخرى على القول باستثناء المئونة : وهي أنّه هل يستثنى المئونة أوّلا ثمّ يعتبر النصاب ، أو يعتبر النصاب أوّلا ثمّ يستثنى المئونة؟ وفيها ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّ اعتبار النصاب بعد جميع المؤن ، فإن بقي بعد إخراجها أقلّ من النصاب لم تجب الزكاة.

وثانيها : ان اعتباره قبلها ، ففي الصورة المذكورة يجب عشر الباقي أو نصف عشره.

وثالثها : التفصيل ، وهو أنّ المئونة على قسمين : قسم يتقدّم على تعلّق الوجوب بالغلّات أي : يحصل قبل انعقاد الحب وبدوّ الصلاح أو صدق الاسم على اختلاف القولين ،

٢٨٢

وقسم يتأخّر عنه فما كان من قبيل الأوّل يعتبر النصاب بعده دون ما تأخّر عنه ، بل يستثنى ولو من نفس النصاب ويزكّى الباقي وإن كان أقل من النصاب.

وهذا القول الأخير هو مراد الشارح ومختاره بقوله : « ويعتبر النصاب ».

الفصل الثاني

قوله : عروضا.

العروض : المتاع الذي اشتري بمتاع لا بنقد. قال ابن الأثير في النهاية : « المعارضة : بيع العرض بالعرض ، وهو بالسكون المتاع بالمتاع لا نقد فيه ، يقال : أخذت هذه السلعة عرضا إذا أعطيت في مقابلتها سلعة اخرى ».

هذا ، وكذا إن كان بعضه عروضا وبعضه نقدا حيث لم يبلغ نقده إلى نصاب ، وكذا إن كان الأصل مركّبا من النقدين بحيث لم يبلغ كلّ منهما إلى نصاب وبلغ المجموع إليه.

ولا يخفى أنّ الصواب أن يقول بدل قوله : « وإلا فنصاب أصله » إلى آخره : وإلّا فلا زكاة إذا لم يبلغ نصاب أصله وإن بلغ بالآخر ، كما لا يخفى.

قوله : وفهم من الحصر إلى آخره

المراد بالحصر الاقتصار على ذكر ما ذكر من الشروط دون الحصر المدلول إليه بلفظة « إنّما » إذ لا يفهم من ذلك الحصر إلّا أنّه لا يستحبّ زكاة التجارة بدون الشرط المذكور ؛ لا انّه لا يشترط في استحبابها غيرها.

ويمكن إرجاع الحصر إلى ذلك أيضا ، بناء على أنّ الحصر مركّب من إثبات ونفي ، فيتضمّن هذا الحصر إثبات الاستحباب مع هذه الشروط ، ويفهم من هذا الإطلاق عدم اشتراط قصد الاكتساب ، والمآل واحد.

قوله : قصد الاكتساب إلى آخره

هذا إذا لم يعتبر قصد الاكتساب عند التملك قيدا لتعريف مال التجارة كما عليه الأكثر ، وأمّا لو جعل قيدا له كما في الشرائع ، فلا يفهم من الحصر ما ذكره ، كما لا يخفى.

٢٨٣

قوله : إلى المال.

أي : إلى رأس المال ، فإذا بلغ المجموع النصاب تعلّقت به الزكاة وإن نقص عنه كل منهما ، وإن كان رأس المال نصابا كفى بلوغ حصّته النصاب الثاني للنقدين.

ثمّ إنّ هذا بخلاف ما إذا كان المال بيد المالك نفسه ، فإنّ الربح كلّه يضمّ حينئذ إلى رأس المال.

قوله : ويعتبر بلوغ حصّة العامل إلى آخره

هذا إذا قلنا بأنّ للعامل قسطا من الربح ، وأمّا على القول بأنّه ليس له إلّا اجرة المثل فزكاة الجميع على المالك ، ولا تنقص منها مقدار اجرته ؛ لأنّها كالدين.

قوله : وما في حكمها.

أي : حكم الزراعة من التملك قبل انعقاد الحب وبدوّ الصلاح.

قوله : وغيرها.

من أنّ وقت التعلّق بدوّ الصلاح أو صحّة إطلاق الأسماء ، وأنّ المؤن والخراج مستثناة أو لا.

قوله : جعلنا وقته.

لا يخفى انه على القول بكون وقت تعلّق الوجوب حين التسمية لا يتّحد وقتا الوجوب والإخراج ؛ لأنّ وقت الوجوب حين التسمية ، ووقت الإخراج على ما ذكره بعد التصفية ، وهما متغايران البتّة.

ويمكن التوجيه بتكلّف.

قوله : بوقت الوجوب.

يمكن أن يقال بابقاء قوله : « من وقت الوجوب » على ظاهره أيضا ، وهو وقت وجوب الزكاة أي : اشتداد الحب وبدوّ الصلاح على مذهب المصنّف ، ويقال : إنّ قيد « مع الإمكان » يخرج وجوب الإخراج في وقت الوجوب هنا ؛ إذ لا يمكن الإخراج حين تعلّق الوجوب على هذا القول.

٢٨٤

قوله : على التفصيل.

أي : التفصيل بين وقتي الوجوب والإخراج [ و ] وقت الوجوب هو بدوّ الصلاح وانعقاد الحب كما هو المشهور.

قوله : فيضمن.

لفظة « الفاء » تدلّ على أنّ الضمان متفرّع على عدم جواز التأخير ، مع أنّه قال في المدارك : لا ريب في الضمان إذا كان التأخير بغير عذر وإن قلنا بجوازه إلّا أن يقال : إنّ مراده تفريع مجموع الضمان والإثم على عدم الجواز دون الضمان فقط.

قوله : بالتفرقة.

الظاهر تعلقه بكلّ من الوصي والوكيل ، وإن كان المعهود في الوكيل لفظة « في » لسعة باب التضمين ، وجواز كون « الباء » بمعنى « في ».

قوله : ولغيرها.

من الحقوق المالية.

قوله : أو التعميم.

أي : بالنسبة إلى الفقراء وأصناف المستحقّين للزكاة المذكورة في الآية.

قوله : على أشهر القولين.

والقول الآخر جواز التقديم على وجه الزكاة وهو لابن أبي عقيل وسلّار ظاهرا.

قوله : إلّا قرضا.

الاستثناء منقطع ؛ لأنّ القرض ليس تقديم الزكاة ، أو يؤوّل في قوله : « ولا يقدّم على وقت الوجوب » بما يجعل الاستثناء متّصلا.

قوله : بالنيّة.

أي : بعد وقت الوجوب ينوي أنّ ما عند فلان بالقرض فهو زكاة ، ولا يجب الإظهار عند المستقرض.

قوله : فيجوز إخراجها [ وفي الاثم قولان ].

قيل عليه : لا يخفى أنّه غير ملائم للجزم بعدم الجواز ؛ فإنّه يستدعى الاثم ، وهذا

٢٨٥

يشعر بالتردّد ، كأنّه ذكر لنقل الخلاف. ويمكن أن يوجّه : بأنّ المراد بنفي الجواز نفي الجواز بالمعنى الأخص المرادف للإباحة حتّى يصحّ بقاء الكراهة.

قوله : عن الصادق عليه‌السلام

« في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها أله أن يخرج الشي‌ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ قال عليه‌السلام : لا بأس » (١).

قوله : للنهي.

أي : عن النقل ، وهو متضمّن للنهي عن الدفع ؛ لأنّه ليس في البلد ، والنهي عن الدفع مقتض لفساده من جهة تعلّقه بالعبادة ، ومن جهة استلزامه خروج من ليس في البلد عن المستحقّين لهذه الزكاة. والجارّ والمجرور متعلّق بالاحتمال ، ويحتمل التعلّق بالنهي أيضا. والضمير المجرور متعلّق بالنهي.

قوله : وإنّما يتحقّق نقل الواجب.

أي : نقل القدر الواجب في المال من الزكاة الذي يحكم بعدم جوازه والإثم به ، أو بجوازه عند إعواز المستحق مع عزله وافرازه عن ماله قبل النقل بنيّة كون المال الفلاني هو القدر الواجب.

وكذا يتحقّق نقل القدر الواجب بنقل جميع المال الزكوي أو بحيث لا يبقى في البلد إلّا أقلّ من الواجب.

لا يقال : بل يتحقّق نقل الواجب بنقل جزء من أجزاء المال أيّا ما كان ولو بدون العزل بالنيّة أيضا ؛ بناء على تعلّق الزكاة بتمام العين ، ولذا تسقط منها بالنسبة إذا تلف من المال شي‌ء بلا تفريط ، فكلّ جزء من أجزائه متضمّن لجزء من أجزاء الواجب.

لأنّا نقول : نعم ولكن للمالك التصرّف فيما عدا القدر الواجب ، وفيه أيضا ولكن مع تضمينه للمثل أو القيمة ، ولا يخرج عن ملكه ولا يحرم التصرف فيه بتعلّق الزكاة به ، فلا يكون النقل حراما ولا مكروها على القول بهما ، ومراد الشارح هو النقل الحرام أو المكروه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٢.

٢٨٦

قوله : جاز العزل.

أي : ترتّب عليه آثاره من تعينه للزكاة حتّى إذا تلفت بلا تفريط لم يضمن المالك.

قوله : من أنّ الدين.

المراد : أنّه بالنسبة إلى أجزاء المال الزكوي كالدين حيث إنّه لم يتعلّق بجزء معيّن منه ، أو المراد : أنّه في حكم الدين حيث إنّه يجوز للمالك أن يدفع القيمة.

قوله : أو ما في حكمه.

إمّا عطف على المالك ، ولفظة « ما » بمعنى « من » ، والمراد بمن في حكم المالك : وكيله ؛ أو عطف على القبض أي : ما في حكم قبض المالك ، كقبض الوكيل ، والتقييد بالامكان لانه قد يتعيّن الدين بدون قبض المالك أو من في حكمه مع عدم الإمكان ؛ فإنّه يجب عند غيبة المالك ومن في حكمه على المديون عند أمارة الموت عزله والوصية به.

قوله : وعليه تبتني المسألة هنا.

أي : على قول الدروس ؛ بناء المسألة التي ذكرها المصنّف هنا ؛ إذ لولاه لما جاز العزل في صورة عدم إعواز المستحق ، وإذا لم يجز العزل بدونه لم يتحقق النقل لما عرفت من أنّ النقل إنّما يتحقّق مع العزل ، وإذا لم يتحقّق فلا يصح قوله : « ولا يجوز نقلها عن بلد المال إلّا مع اعواز المستحق » ؛ إذ لا يتحقّق نقل حتى لا يجوز أو يجوز.

قوله : وأمّا نقل قدر الحق.

يمكن أن يكون ابتداء كلام لتحقيق مسألة ويمكن أن يكون جوابا لسؤال مقدر وهو أنّه لا يجب بناء المسألة هنا على ما في الدروس ، بل يمكن حمل المسألة على نقل قدر الحق الواجب ، دون خصوص الزكاة المعيّن.

وحاصل الجواب : أنّه لو كان المراد نقل الحق ، فلا شبهة في جوازه ، فلا يمكن حمل مسألة الجواز وعدمه عليه ، نعم يمكن ذلك في مسألة الضمان كما فعله في المسالك وحواشي القواعد من أنّ الضمان بمعنى ذهابه من ماله وبقاء الحق في ماله أو ذمّته.

وقوله : « في جوازه مطلقا » أي : سواء وجد المستحق أم لا.

٢٨٧

قوله : فإذا صار في بلد.

لا يتوهّم أنّ هذا عين ما ذكره بقوله : « ويجزي لو نقلها » إلى آخره ؛ لأنّ ما ذكره إنّما كان في بيان حكم ما إذا نقل الزكاة بعينها ، ومراده هاهنا : بيان ما إذا نقل قدر الحق من ماله ، دون ما تعيّن ( تبين ) أنّه زكاة.

قوله : للتغرير بالمال.

إمّا متعلّق بالتغرير ، أو بالنقل : بأن تكون « الباء » زائدة أو للملابسة ، و « اللام » في المال للعهد الخارجي أي : المال المحرّم نقله أو مال المستحقّين ، وإنّما لم يصدق نقله لان قبل دخول البلد الآخر ، وإن تحقّق نقل ، ولكنّه ليس نقلا لمال المستحقّين ، بل لماله كما مر ، والآن لا نقل. وهذا وجه جواز الاحتساب وقوله : « وجواز كون الحكمة » إلى آخره وجه المنع.

قوله : وعليه يتفرّع إلى آخره

أي : على النظر في المسألة المذكورة ، أو على ما فيها من الاحتمالين ، أو على ما ذكر في مأخذيهما ، أو على جواز الاحتساب.

وقوله : « من غيره » أي : من غير نقل أي : احتسب القيمة في غير البلد أو المثل في غير البلد من غير نقل المال.

ويمكن على بعد أن يكون الضمير في « غيره » راجعا إلى المال ، وقوله : « من غيره » متعلّقا بالمثل ، والمطلوب واحد.

الفصل الثالث

في المستحق

قوله : في المستحق.

أي : في بيان المستحق عددا ووصفا.

قوله : وما دونه.

وكذا في الحاجة وعدمها ؛ فإنّه ربما احتاج الوضيع إلى ما يليق بالشريف. وكذا تجب

٢٨٨

ملاحظة حال العيال أيضا في الشرف والحاجة ، ولم يتعرّض بحالهم ؛ لأنّ حالهم تابعة لحال ذي العيال غالبا.

قوله : واختلف في أن أيّهما أسوأ حالا.

فقال الشيخ في جملة من كتبه : « أنّ الفقير أسوأ ، فهو الذي لا شي‌ء معه أو معه شي‌ء لا يعتد به ، والمسكين من له فوق ذلك ، لكن لا يكفيه ».

وقال في النهاية بالعكس وتبعه ابن زهرة.

وقال قتادة : « الفقير : هو الزمن المحتاج ، والمسكين هو الصحيح المحتاج ».

وقال الأصمعي : « الفقير : الذي له ما يأكل ، والمسكين : الذي لا شي‌ء له » إلى غير ذلك من الأقوال.

قوله : للإجماع على إرادة كلّ منهما إلى آخره

يعني أنّ كلّا منهما إذا انفرد بالذكر يصدق على الآخر أيضا إجماعا ، فلا تظهر ثمرة للتحقيق حينئذ وأمّا في صورة الاجتماع وإن لم يتحدا وأمكن ظهور الثمرة ، ولكن لم يجتمعا في الأحكام الشرعية إلّا في الزكاة ، وأجمعوا فيها على أنّهما مستحقّين للزكاة ، فلا تظهر الثمرة حينئذ أيضا.

والامور التي قال بامكان ظهور الفائدة فيها كأن نذر أو أوصى لهما ووقف عليهما وفضّل أحدهما على الآخر ، أو خصّ شيئا من ذلك بأحدهما ونصّ على نفي الآخر.

قوله : أهل اللغة.

كابن السكيت وابن دريد وابن قتيبة وأبي زيد وأبي عبيدة ويونس.

قوله : من المئونة.

يعني : لا يفيد تملّكهما الغنى المانع من استحقاق الزكاة ، أو لا يفيد الغنى عن غيرهما مع الاحتياج إليهما الغنى المانع عن استحقاقها.

قوله : ويتحقّق مناسبة الحال في الخادم بالعادة.

إنّما خصّ الحكم بالخادم مع أنّ غيره من الامور مثله ؛ لأنّ اعتياد أكثر من دار واحدة أو الحاجة إليه نادر جدّا. وكذا الحاجة إلى أكثر من فرس واحد للركوب ، وأمّا اعتياده

٢٨٩

فكأنّ الظاهر عدم اعتباره إذ لا يضع الاقتصار على ركوب فرس واحد من قدر الشريف شيئا.

وأمّا الثياب والكتب ؛ فلكونهما جمعين يدلّ على التعدد ، والغالب فيها التعدّد عادة وحاجة ، بل الظاهر أنّ العادة لا مدخل لها في الكتب.

ثمّ لا يخفى أنّ التعدّد في الثياب والكتب على قسمين : أحدهما بحسب الأجناس كالعمامة والقباء ونحوهما. والآخر بحسب الافراد كعمامتين وقباءين أو نسختين من كتاب واحد ، ومثل هذا التعدد في الكتاب وثياب التجمّل تبعد الحاجة إليه جدّا ، لكن إذا فرضت كان المتعدّد من المئونة.

ولا يخفى أيضا أنّ قوله أوّلا : « كيفيّة وكمية » يغني عن التعرّض للتعدّد.

وقد يقال : إنّ التعدد المذكور أوّلا إنما كان بخصوص العادة حيث خصّ باللائق ، والتعدّد المذكور هنا إنّما هو بحسب الحاجة ؛ ولذا ذكر لفظة « إلى » في قوله : « ولو إلى أزيد من واحد » ؛ فإنّ ما يتعلّق بالحاجة يصحّ دخول « إلى » عليه ، دون العادة ، وهذا ليس بشي‌ء.

والظاهر أنّ هذا توضيح لما سبق ؛ فإنّه بيّن أوّلا أنّ الخادم الذي يكون من المئونة هو اللائق بالحال وكان مرجع اللياقة غير معلوم ، فأوضحه : بأنّ مرجعه العادة أو الحاجة ، أو الحاجة واحدا كان أو متعدّدا.

ثمّ في قوله : « بالعادة أو الحاجة » إشارة إلى أنّهما قد يجتمعان وقد يفترقان ، وردّ على التحرير والمنتهى حيث اعتبرهما جميعا فيهما ، وعلى التذكرة حيث اقتصر فيه على اعتبار العادة فقط.

قوله : وزاد أحدها في إحداهما.

أي : زاد أحد الامور المذكورة في واحدة من الكمّية أو الكيفيّة ، اقتصر على اللائق. وقد يرجع الضمير في قوله : « إحداهما » إلى العادة أو الحاجة ، وهو خطأ ؛ لايجابه مناقضة مع ما مرّ من قوله : « وتتحقّق المناسبة بالعادة أو الحاجة » ؛ فإنّ مفاده : أنّ زيادة أحدها في إحداهما غير مضرّ بل المضرّ زيادة أحدها في كلتيهما.

٢٩٠

قوله : ونحوها من العقار.

لفظة « من » إمّا تبعيضية على أن يكون العقار أعم من الضيعة كما يدلّ عليه كلام الجوهري حيث قال في الصحاح : « العقار ـ بالفتح ـ : الأرض والضياع ، والنخل ». ومثله في النهاية.

أو بيانية على أن يكون مبائنا للضيعة ، وكان بيانا لنحو الضيعة ، وهو موافق لما ذكره صاحب ديوان الأدب (١) حيث خصّ العقار بالنخل.

ويظهر من كلام بعض اللغويين ترادف الضيعة والعقار. ومبنى كلام الشارح على عدم الترادف.

قوله : وإن قدر عليه لو ترك.

أي : قدر على الكسب لو ترك طلب العلم.

قوله : نعم لو أمكن إلى آخره

أي : لو أمكن جمع الكسب والطلب بوجه لا ينافي طلب العلم أو جمعهما بوجه لا ينافي الكسب. فيكون مفعول الجمع المقدر الكسب والطلب معا ، والضمير المنصوب راجعا إلى الكسب أو الطلب.

ويمكن أن يكون مفعول الجمع الكسب أو الطلب وحده ، ويجعل « الباء » في قوله :

« بما لا ينافيه » بمعنى : « مع » ، والموصول عبارة عن أحدهما أيضا المغاير للمقدّر ، ويرجع الضمير المنصوب إلى مفعول الجمع ، فيكون المعنى : لو أمكن جمع الكسب مع طلب لا ينافي الكسب أو جمع الطلب مع كسب لا ينافي الطلب.

قوله : إن أخذها.

أي : أخذ التتمّة ، لا أخذ الزكاة ، وإلّا لكان منافيا لقوله : « أما لو اعطي » إلى آخره كما لا يخفى.

قوله : صحّ كغير المكتسب.

أي : كما أنّ لغير من يكتسب ، تناول ما يزيد على مئونة سنته دفعة.

__________________

(١) فى كشف الظنون : ١ / ٧٧٤ ، ديوان الادب فى اللغة لإسحاق بن ابراهيم الفاريابى خال الجوهرى ...

٢٩١

وترك لفظة « الفاء » بعد أمّا لحذفها مع جوابها وهو جائز كما في قوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ ) (١) تقديره : فيقال لهم : أكفرتم. والتقدير هنا : فنقول : صحّ. أو لجواز حذفها نادرا ولو بدون الجواب كما قيل في ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أمّا بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ».

أو جعل المذكور جواب الشرط ، ويكون جواب « أمّا » محذوفا من جنسه مقترنا بـ « الفاء » للخلاف الواقع فيما إذا وقع الشرط بعد « أمّا » أن المذكور جواب الشرط وجواب « أمّا » محذوف ، أو بالعكس.

قوله : وقيل بالفرق.

أي : بين المكتسب القاصر كسبه وبين غير المكتسب ، فلم يجوّز إعطاء الأوّل زيادة على التتمّة ، وجوّز إعطاء الثاني زيادة على مئونة السنة ، ولو أضعافا دفعة.

قوله : وهو ظاهر إطلاقه هنا.

المراد : إطلاق قوله : « تناول التتمة ، لا غير » ، فإنّه مطلق بالنسبة إلى الدفعة والدفعات ، فيدلّ بإطلاقه [ على ] أن المكتسب لا يعطى الزيادة على التتمة مطلقا.

قوله : مع عجزه.

أي : عجز المنفق ، فلو لم يبذل وكان قادرا على البذل لا يحسب من تجب نفقته عليه فقيرا ، بل يجب الأخذ منه.

ويحتمل إرجاع الضمير إلى من تجب نفقته ، يعني : إذا لم يبذل المنفق يكون من تجب نفقته عليه فقيرا بشرط عجزه عن التكسب أو عن تحصيل مئونته.

قوله : بجباية وولاية.

المراد بالجباية : الجمع ، فالجابي هو الجامع. والوالي هو الرئيس على الجابي والكاتب والحافظ والمحاسب والمقسم ، أو هو الرئيس على بلد الزكاة بحيث يتضمّن الولاية على سعاة الزكاة وعمّالها أيضا.

قوله : لأنّهم قسيمهم.

أي : العاملون قسيم الفقراء في الآية ، وقسيم [ الشي‌ء ] لا يكون من أقسامه.

__________________

(١) آل عمران : ١٠٦.

٢٩٢

قوله : وهم أربع فرق.

أي : المسلمون.

قوله : ونسبه المصنّف.

أي : نسبته في تعميم المؤلّفة قلوبهم بالنسبة إلى المسلمين أيضا ؛ ليس لأنّه لا يجوز اعطاء هؤلاء المسلمين من الزكاة ، بل لعدم اقتضاء الإعطاء اسم المؤلّفة قلوبهم. فلفظة « ذلك » فاعل الاقتضاء والاسم مفعوله أي : لا يقتضي جواز إعطاء هؤلاء ؛ لما فيه من المصالح التي لا يخفى ، أن يدخلوا في اسم المؤلّفة.

ويحتمل أن يكون لفظة « ذلك » حينئذ إشارة إلى ما ذكر في وجه الإعطاء بهؤلاء الطوائف ؛ فإنّ شيئا من هذه الوجوه أو بعضها لا يستدعي تأليف القلوب.

ويمكن أن يكون « ذلك » مفعولا و « الاسم » فاعلا أي : لا يقتضي اسم المؤلفة عمومه بهم ، فلا عموم في الآية ، بل هي مجملة لا بدّ من الاقتصار فيها على موضع اليقين.

ويحتمل أن يكون « الاسم » بيانا أو صفة لذلك ، والاضافة تكون إلى الفاعل أو المفعول أي : لعدم اقتضاء العموم أو عدم اقتضاء جواز اعطائهم ذلك الاسم أي : دخولهم في ذلك الاسم.

وعلى جميع التقادير يكون قوله : « إذ يمكن » إلى آخره تعليلا ؛ لأنّ اعطاء هؤلاء من الزكاة لا يقتضي كونهم من المؤلّفة قلوبهم ، والتوجيه واضح.

قوله : في الجملة.

أي : على القولين ، فمن أعطى هؤلاء برئت ذمته وإن [ لم ] يعط غيرهم ، فإنّهم مؤلّفة أو عاملون أو في سبيل الله ويجوز الاقتصار على صنف واحد.

قوله : ( وَفِي الرِّقابِ ).

قال في المدارك :

ذكر جمع من المفسرين أنّ الوجه في العدول فيها من « اللام » إلى « في » أنّ الأصناف الأربعة الاولى يصرف المال إليهم حتّى يتصرّفوا فيه كيف شاءوا. وأمّا الأربعة الأخيرة فلا يصرف المال إليهم كذلك ، بل إنّما يصرف

٢٩٣

في جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التي لأجلها استحقوا الزكاة ، ففي الرقاب يوضع في تخليص رقابهم من الرق والاسر ، وفي الغارمين يصرف المال إلى قضاء ديونهم ، وكذا في سبيل الله وابن السبيل.

وقال في الكشاف :

إنّما عدل للايذان بأنّهم أرسخ في استحقاق التصدّق ممّن سبق ؛ لأنّ « في » للوعاء فينبّه به على أنّهم أحقّاء بأن يجعلوا مصبّا للصدقات وتكرير « في » في قوله : « وفي سبيل الله وابن السبيل » فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين.

قوله : تبعا للآية.

أي : جعله ظرفا والإتيان بلفظة « في » لمتابعة الآية وإن لم يكن ما في الآية ظرفا لما يقدّر متعلّقا هنا ؛ فإنّ الآية إمّا بمعنى : ومصروفة في الرقاب أي : في افتكاكها أو معطاة أو مستحقّة لأجل الرقاب ، وإن كان وجه العدول عن « اللام » في الرقاب وسبيل الله إلى « في » ما ذكره هنا من التنبيه على أن الصرف أو الإعطاء أو الاستحقاق ليس على وجه الملك أو الاختصاص الذي يدلّ عليه « اللام » بل يتعيّن الصرف في وجه خاص ففي الرقاب يوضع في تخليص رقابهم من الرق والاسر ، وفي سبيل الله فيما فيه قربة أو مصلحة من المصالح الدينيّة.

وكذا إذا جعل « الغارمين وابن السبيل » أيضا معطوفين على الرقاب وسبيل الله ؛ فإنّ مصرف المال فيهم قضاء ديونهم وما يحتاجون إليه في أسفارهم.

ووجه التنبيه بذلك من الإتيان بلفظة « في » إمّا مجرّد العدول حيث إنّ العدول من « اللام » الدالة على الملك أو الاختصاص إلى غيرها لا يكون إلّا لعدم تحقّق الملكيّة والاختصاص هنا ، أو خصوص لفظة « في » الدالّة على أنّ الظرف المصروف هو الرقاب أو سبيل الله المشعرين بالرقيّة والقربة.

وذكر في الكشاف : « أنّ وجه العدول في الآية الإيذان بأنّ هؤلاء الأربعة أرسخ في استحقاق التصدّق عليهم ممّن سبق ؛ لأنّ « في » للوعاء ، فينبّه به على أنّهم أحقّاء بأن

٢٩٤

يجعلوا مصبّا للصدقات وتكرير « في » في قوله : « وفي سبيل الله وابن السبيل » فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين ».

ثمّ لا يخفى أنّ الظاهر من كلام المصنّف حيث رفع « الغارمون » وعطفهم على « فِي الرِّقابِ » دون الرقاب : أنّه جعل الغارمين وابن السبيل في الآية معطوفين على « الفقراء » دون « الرقاب وسبيل الله » كما صرّح به بعض المفسّرين. ويمكن أن يكونا في الآية ـ عنده ـ معطوفين على « الرقاب وسبيل الله » كما يدلّ عليه كلام صاحب الكشّاف ، ولكنّه لم يتبع الآية فيهما ، أو في الغارمين فقط ، للترجيح الذي ذكره صاحب الكشّاف ، أو لتحقّق نوع ملكيّة واختصاص فيهما ، وإن لم يجز لهما صرفه في كلّ ما شاءوا وأرادوا.

ثمّ إنّ معنى قول المصنّف : « وَفِي الرِّقابِ » : أنّ المستحقّ هم المستحقّون في الرقاب أي لأجلها ، أو الصارفون لما يأخذونه من الزكاة في فكاك رقابهم ، أو المعبّر عنهم في الآية بقوله تعالى : ( فِي الرِّقابِ ).

قوله : ومثلهم في سبيل الله.

أي : في أنّ استحقاقهم ليس على وجه الملك ؛ فلذا أتى بلفظة « في » فيه أيضا.

وفي أنّه لم يعبّر عنه الّا بالصورة الظرفية تبعا للآية وتنبيها على أنّ الاستحقاق فيه ليس على وجه الملكية والاختصاص كسائر الأصناف ؛ فإنّه يعمّ الناس وغيرهم ممّا لا يتصوّر فيه الملك أو الاختصاص الذي يتبادر من الاستحقاق كالمساجد والقناطر ونحوهما ، وبتقدير أن يعطى سهمهم الناس ، فإنّما يأخذونها للصرف في جهة خاصّة من الجهاد خاصّة أو نحوه من القربات المسببة للاستحقاق ، فينبغي التنبيه على أنّ جهة استحقاقهم واختصاصهم ذلك خاصّة.

قوله : والمناسب لبيان المستحق إلى آخره

يعنى : لو لم يلاحظ ما ذكر من متابعة الآية والتنبيه كان المناسب للنظام أن يقول :« الرقاب وسبيل الله » من دونه لفظة « في » ويحملهما على المستحق. أما الرقاب فلا إشكال في حملها على المستحق ، وأمّا سبيل الله فإمّا بإرادة من يعطى لسبيل الله أو

٢٩٥

بإرجاع نحو المساجد والقناطر إلى المنتفعين بها ، أو التجوز في الحمل كما في نحو :« ضربته للتأديب » أو المراد بسبيل الله : من يعبّر به عنهم.

قوله : والعبيد تحت الشدّة.

الظرف إمّا صفة للعبيد أو حال عنها بتقدير كائنين ، أو واقعين ، أو مثلهما.

قوله : والمرجع فيها إلى العرف.

أي : في الشدّة ؛ إذ لا تقدير لها شرعا.

وقيل : أقلّها أن يمنعوا من الصلاة أوّل الوقت.

قوله : فيشترون منها إلى آخره

إشارة إلى أنّه لا يجزي الشراء بلا عتق في تحقّق هذا الصنف ، وإن اشتروها لأهل الصدقات ، وإلى أنّه لا يغني الشراء منها عن الاعتاق ، وإن نوى العتق حين الشراء كما قد يقال.

قوله : ونيّة الزكاة.

مبتدأ خبره قوله : « مقارنة ».

قوله : ويجوز شراء العبد.

أي : شراؤه للعتق لا مطلقا. وقوله : « مطلقا » أي : من سهم الرقاب ، أو من سهم سبيل الله.

قوله : ومعه.

أي : ومع المستحق يشترى من سهم سبيل الله خاصّة ، دون سهم الرقاب.

وظاهر الانتصار ، والمراسم ، والسرائر ، والقواعد ، والإرشاد ، وصريح الإيضاح ، والمسالك : جواز شرائه حينئذ من سهم الرقاب أيضا.

قوله : ولا يتمكّنون من القضاء.

« الواو » حالية ، أي : والحال أنّهم لا يتمكّنون منه. وفي هذا إشارة إلى أنّه لا يشترط فيهم الفقر كما هو مقتضى جعلهم قسيما للفقراء ، بل يشترط عدم التمكّن من القضاء وإن ملك قوت السنة أو كان بيده صنعة أو عنده ضيعة تفي بقوت سنته.

٢٩٦

ثمّ لا يخفى أنّهم جعلوا الغارمين على قسمين : أحدهما من استدان لمصالح نفسه كحجّ أو صدقة أو مأكل وثانيهما : من استدان لمصالح غيره كاصلاح ذات البين ، أو أداء دية قتيل لا يدرى قاتله وكاد يقع بسببه فتنة.

وصرّحوا في الأوّل : باشتراط عدم التمكّن من القضاء ، وأمّا في الثاني ، فالظاهر من جماعة عدم اشتراط ذلك ، بل يؤدى من الصدقات ما لم يؤدها من ماله.

قوله : إن اشترطناها.

أي : إن اشترطنا التوبة هنا : بأن اشترطنا العدالة أو التجنّب عن الكبائر في الفقراء كما ذهب إليه بعضهم.

قوله : من سهم سبيل الله.

أي : مطلقا سواء كان بعد التوبة أم لا.

وقد يقال : إنّ هذا إنّما هو بعد التوبة أيضا بناء على أنّه بدونها لا قربة فيه ؛ لما فيه من الإغراء بالقبيح ولا يبعد حمل كلام الشارح عليه أيضا.

قوله : هل هو.

الضمير راجع إلى الانفاق إمّا لكون « ما » مصدريّة أو لكون الانفاق مفهوما من « أنفق » لو كانت « ما » موصولة.

قوله : في الشرط.

أي : شرط الاستحقاق ، وهو الاستدانة في غير معصية كما مر ، فيحصل الشك في المشروط ، فلا تبرأ الذمّة بالدفع الى مجهول الحال.

قوله : حملا لتصرف المسلم.

فإنّ هذا نازل منزلة العلم في الشرع ، ويبنى عليه كثير من العبادات والمعاملات. واستدلّ عليه بوجوه اخر :

أحدها : أنّ تتبع مصالح الأموال ، والتطلّع على ما يخرجه المسلم ، دائما عسر جدّا في بعض آحاد الناس في بعض الأوقات فكيف في حقّ الجميع؟

٢٩٧

وثانيها : أنّ الاستدانة في غير معصية ليست بشرط ، بل الانفاق في المعصية مانع ؛ لأنّ الأصل عدم الاشتراط.

وثالثها : عموم الآية ، وبعض الأخبار.

قوله : الفقير.

نائب الفاعل لقوله : « يقاص » ، أو مفعوله والضمير المجرور راجع إلى الزكاة. أي :يقاص رب الدين الفقير بالزكاة كما إذا كان لشخص دين على فقير ، وكان على ذلك الشخص زكاة.

وقوله : « بأن يحتسبها » أي : يحتسب الزكاة صاحب الدين إن كانت زكاة واجبة عليه على الفقير. والضمير في « عليه » أوّلا راجع إلى صاحب الدين ، وثانيا إلى الفقير. (١)

قوله : يجوز لمن هي عليه.

أي : الزكاة ، والضمير المجرور راجع إلى الموصول.

وقوله : « دفعها » فاعل لقوله : « يجوز » ، وقوله : « كذلك » أي : وإن لم يقبضها المديون ولا وكّل ولا أذن في قبضها.

قوله : مع قصور تركته.

الوجه في اشتراط القصور : أنّ التركة لا تنتقل إلى الوارث إلّا بعد أداء الديون ، فإذا كان الميّت مديونا ووفت تركته بالديون وجب صرفها فيها ، وأيضا عدم التمكّن من القضاء شرط ، وهو لا يتحقّق إلّا مع القصور ، ويدلّ على الاشتراط أيضا بعض الأخبار.

قوله : والأخذ منه مقاصة.

عطف على إثباته أي : عدم إمكان الأخذ ، والضمير المجرور راجع الى الوارث ، أو إلى التركة بتأويل المال ، أو المذكور أو المتروك ، أو نحوه ، ويحتمل إرجاعه إلى « الدين » أي :من جهة الدين.

قوله : وقيل.

والقائل العلّامة في المختلف صريحا ، وفي المنتهى ظاهرا. وهو الظاهر من الشيخ في النهاية ، وابن إدريس والمحقّق.

__________________

(١) كانت عبارة شرح اللمعة في نسخة المحشّي هكذا : صاحب الدين ان كانت عليه عليه.

٢٩٨

قوله : يجوز مطلقا.

أي : من دون اشتراط قصور التركة ، أو جهل الوارث ، أو جحوده.

قوله : فيصير فقيرا.

أي : الميّت يصير فقيرا.

قوله : لتوقّف تمكّنه منها.

أي : لتوقّف تمكّن الوارث من التركة على قضاء الدين لو قيل بالانتقال إليه حين الموت.

والحاصل : أنّهم اختلفوا في تركة المديون : فقيل بانتقالها إلى الوارث بالموت ، ولكن يجب على الوارث قضاء الدين منها أو من ماله عوضا عنها. وقيل بعدم الانتقال إلّا بعد أداء الدين. وعلى القولين فلا يتمكّن الوارث منها تمكن المالك في ملكه المختصّ به إلّا بعد القضاء.

قوله : أو كان واجب النفقة.

عطف على « مات » أي : وإن كان واجب النفقة.

قوله : فإنّه يجوز مقاصته.

أي : مقاصة رب الدين ، على أن يكون إضافة المصدر إلى الفاعل ، أو مقاصة من يجب نفقته على أن يكون إضافته إلى المفعول.

وقوله : « به » أي : بالدين ، منها أي : من الزكاة ولا يمنع منها أي : من المقاصة.

قوله : وكذا يجوز له أي : للمزكّي الذي فيه الكلام ، أو المفهوم من رب الدين لكونه المزكّي ، إليه ـ أي : إلى واجب النفقة ـ منها ـ أي : من الزكاة ـ ليقضيه ـ أي : ليقضي الدين ـ إذا كان ـ أي : الدين ـ لغيره ـ أي : غير المزكّي ـ كما يجوز إعطاؤه ـ أي : إعطاء المزكّي ـ من الزكاة واجب النفقة او اعطاء واجب النفقة ، غيره أي : غير الدين.

قوله : وهو القرب.

بضمّ « القاف » جمع القربة ، كاللقم جمع اللقمة والغرر جمع الغرّة. والمراد بالقربة :

ما يتقرّب به إلى الله.

٢٩٩

قوله : لأن سبيل الله لغة.

لا يخفى ما في هذا الاستدلال ظاهرا من المصادرة على المطلوب ؛ إذ لا نزاع على القولين في أنّ سبيل الله لغة : الطريق إليه ، وموضع النزاع : أنّ المراد : الطريق إلى رضوانه مطلقا المعبّر عنه بالقرب ، أو الطريق الخاص إلى رضوانه الذي هو الجهاد ، واستحالة التحيّز يصحّ دليلا للقولين.

ويمكن التوجيه بان يقال : المراد أنّ سبيل الله لغة : الطريق إليه من دون تقييد بل مطلق ، والمراد هنا أيضا يجب أن يكون هو الإطلاق الذي هو الطريق إلى رضوانه وثوابه مطلقا من غير تخصيص بطريق خاص ؛ لأنّه إنما يخرج عن مدلول اللفظ حسب ما دلّ عليه الدليل ، واستحالة التحيّز عليه سبحانه يفيد أنّه الطريق إلى الرضوان ، أو الثواب مطلقا أو مقيّدا ، ولكن الإطلاق هو مقتضى الوضع اللغوي ، فيجب المصير إليه ، وبهذا يندفع المصادرة بالمطلوب وإن لا يخلو الدليل بعد عن النظر أيضا.

قوله : لا يدخل في الأصناف.

أي : الأصناف السبعة الباقية غير هذا الصنف ؛ إذ لو لم يدخل فيه أيضا لم يحتج خروجه إلى التقييد ، بل هو خارج أوّلا.

قوله : وهو المنقطع.

بفتح « الطاء » يقال : انقطع بالرجل ، فهو منقطع به اذا عجز عن سفره ؛ لذهاب نفقته أو قيام ( تلف ظ ) راحلته عليه ، أو عروض أمر لا يقدر معه أن يتحرّك ، فلا يستعمل إلّا فى شأن المسافر في غير بلده ، فيكون ذكر غير بلده للتأكيد.

والمراد ببلده : ما يعم ما كان وطنه ، وما يريد أن يستوطنه ، وغيره يشمل ما يقيم فيه عشرا أو أكثر أو أقل. وفي المبسوط : « فإن دخل بلدا في طريقه ، فإن أقام به يوما أو يومين إلى عشرة اعطي نفقته ، وإن اقام أكثر من ذلك لم يعط ؛ لأنّه يخرج من حكم المسافرين ». ووافقه بعض آخر.

وقال ابن إدريس : « إنما يخرج من حكم المسافر في تقصير الصوم والصلاة ولا يخرج من كونه ابن سبيل ولا منقطعا به ، لحاجته إلى النفقة إلى وطنه ، إلّا أن يعزم

٣٠٠