الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

قوله : في مجموع الصلاة.

إمّا متعلّق بالجماعة ، أو بالفوت. وعلى التقديرين إمّا يكون المراد : أنّ قطع الفريضة إنّما يكون مع خوف فوات الجماعة في كلّ الصلاة حتّى لو أدركها في بعضها كالركعة الأخيرة ـ مثلا ـ لا يجوز القطع ، والمجوّز للقطع هو فوت الجماعة بحيث لم يدرك منها شيئا.

أو يكون المراد : أنّ قطع الفريضة إنّما يكون مع خوف فوات الجماعة في المجموع حتّى أنّه لو خاف الفوات في جزء منها كالركعة الاولى جاز القطع أيضا ، هكذا قال بعض المحشّين ، وحكم بأنّ الظاهر هو المعنى الثاني. وهو ليس لذلك ، بل الظاهر المعنى الأول ؛ لأنّه على الثاني يكون حكم الفريضة حكم النافلة أيضا ؛ لأنّها يجوز قطعها بمجرّد الإحرام ، حتّى لا يفوت إدراك جزء من صلاة الجماعة مع أنّ المستفاد من قوله : « وفي البيان جعلها كالنافلة » أنّه على ما في هذا الكتاب لم يجعلها كالنافلة ، فافهم.

قوله : مع المتابعة.

المراد بالمتابعة هنا : معناها الحقيقي العرفي ، وهو ما يكون المأموم متأخّرا.

وأمّا المتابعة المذكورة أوّلا أي : عدم التقدّم الشامل للمساوقة أيضا فمجاز ؛ ولذا احتاج إلى التفسير بقوله : « بمعنى أن لا يتقدمه ».

قوله : وكيف تجب.

دليل على ما اختاره من عدم وجوب المتابعة في الأقوال. يعني : وكيف يمكن القول بوجوب المتابعة في الأقوال؟ مع أنّها ممّا لا يجب على المأموم سماعه ولا على الإمام إسماعه إجماعا ، والمتابعة موقوفة على العلم بها ، والعلم بها موقوف على السماع ، فلو وجب المتابعة لوجب السماع والإسماع من باب المقدّمة ، فلمّا لم يجب لم تجب ، وتكليف المأموم بتأخير الذكر إلى أن يعلم وقوعه من الإمام أو يظنّ ذلك لا يخلو من بعد. وقوله : « مع إيجابهم إلى آخره » ظاهر العبارة أنّه أيضا من تتمّة الدليل المذكور لعدم وجوب المتابعة ، مع أنّه لا يصلح ظاهرا لذلك ؛ فإنّه لا مدخلية لإيجابهم العلم بالأفعال في عدم وجوب المتابعة في الأقوال ، وتوجيهه ان ايجاب العلم بالافعال وان لم يكن دخيلا في

٢٤١

عدم وجوب المتابعة في الاقوال ولكنّه مع قوله : « وما ذاك إلّا لوجوب المتابعة فيها » دخيل في ذلك.

وتوضيحه : أنّ لفظة « الواو » في قوله : « وما ذاك » حاليّة والمعنى : أنّه كيف تجب المتابعة في الأقوال ، مع قولهم بعدم وجوب العلم فيها مع أنّهم أوجبوا العلم في الأفعال ، والحال أنّه لأجل وجوب المتابعة ، فلو وجب المتابعة هنا أيضا كما في الأفعال لزم إيجاب العلم أيضا كما فيها.

قوله : والجاهل.

أي : الجاهل بوجوب المتابعة ، لا الجاهل بعدم دخول الإمام في الفعل وزعمه دخوله ؛ لأنّه الظان ، فهو تقدّم عمدا ، ولذا قال : « الجاهل عامد » ولم يقل : « كالعامد » بخلاف الظان ؛ فإنّه ليس عين الناسي ، بل مثله في الحكم.

قوله : بل بالمساوي.

أي : بل ينبغي أن يكون ايتمام كلّ من الحاضر والمسافر بالمساوي له في الحضر والسفر ، فيأتمّ الحاضر بالحاضر والمسافر بالمسافر مطلقا على ما يوافق مذهب المصنّف في هذا الكتاب ، أو يأتمّ غير المساوي في الفريضة غير المقصورة على ما ذهب إليه في البيان.

قوله : في الأوّل مع النص.

يمكن أن يراد بالأوّل : أن يؤمّ الأعرابي بالمهاجر بمعنى المدني ، وثانيه حينئذ أن يؤمّ الأعرابي بالمهاجر بالمعنى الثاني.

ووجه تخصيص هذا الوجه بإمامة الأعرابي للمدني بهذا المعنى ، لأنّ المهاجر بهذا المعنى لكونه في الحضر يكون قريبا من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، والأعرابي بعيد عنها ، فيصلح ذلك وجها لكراهة إمامته به وأمّا لو اريد بالمهاجر [ المهاجر ] بالمعنى الثاني أي : المهاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، فلا يصلح هذا وجها لكراهة إمامة الأعرابي له خاصّة ؛ إذ لو كان الوجه ذلك لعمّ المهاجر بهذا المعنى وغيره.

٢٤٢

ويمكن أن يراد بالأول : الأعرابي بالتفسير المذكور ، وكونه أوّلا باعتبار التفسير الآخر الآتي ، ولكنّه بعيد.

قوله : المعنيّ.

صفة للموصول في قوله : « من لا يعرف ».

قوله : حصل قبل القراءة.

أي : حصل بطلان صلاة الإمام. والمستخلف ـ بفتح اللام ـ هو الذي يستنيبه الإمام.

وعطف قوله : « أو المنفرد » لبيان حكم ما إذا لم يكن هناك من استخلفه الإمام ، أو لم يستخلف ، ونوى المأموم الانفراد.

قوله : من الأوّل.

متعلّق بـ « وقع » أي : ما صدر عن القارئ الأوّل ، وهو الإمام.

والمراد بالبناء على ما وقع منه أن يقرأ الثاني من موضع بلغ إليه الإمام.

قوله : للإمامة.

متعلّق بالأهلية أي : عدم أهليّته للإمامة.

و « الباء » في قوله : « بحدث » سببيّة أي : عدم أهليّته بسبب حدث ، والمراد منه : حدث يعلمه الإمام أوّلا. فلا ينافي ذلك ما سيأتي من تمثيله للمخرج من الصلاة الذي لا يخرج الإمام عن الأهليّة بالحدث ، فإنّ المراد به الحدث العارض منه في الأثناء أو المعلوم في الأثناء عروضه أوّلا مع عدم علم الإمام به أوّلا ؛ فإنّه لا ينافي العدالة حتّى يخرج الإمام عن الأهليّة ، بخلاف الحدث الذي يعلمه الإمام أوّلا ، ودخل معه الصلاة ، فإنّه يخرجه عن الأهليّة.

ويمكن أن يكون المراد بالحدث في الموضعين معنى واحدا ، ولكن كان المراد بالاهلية في الأوّل : أهليّة الإمامة ولو في الحال ، ولا شك أنّ الحدث العارض يمنع الإمامة حال حدوثه ، وكان المراد بالأهليّة فيما يأتي أهليّة الاستنابة ؛ فإنّ عروض الحدث للإمام أو تبيّن كونه محدثا وإن كان موجبا لانتفاء أهليّة الإمامة ، ولكنّه لا ينفي أهلية الاستنابة ، بخلاف مثل الجنون والإغماء والكفر ، بل الفسق ؛ فإنّها مخرجة عن أهليّة الإمامة والاستنابة معا.

٢٤٣

ويمكن أن يكون « اللام » في قوله : « للإمامة » للتعليل ، ويكون تعليلا للتبيّن ، أي : تبيّن ذلك لأجل إمامته بالحدث ، فالباء بمعنى : « مع » أي : إمامته مع الحدث ، وهذا مناف لأهليّة الإمام ، بخلاف عروض الحدث في الأثناء ، أو عدم علم الإمام به ؛ فإنّ الإمامة بالحدث مشعرة بكونها عن عمد وقصد.

قوله : لهما.

أي : لمثل الحدث ممّا يعرض في الأثناء ، ولتبيّن كونه خارجا أوّلا.

ووجه الشمول أنّ التبيّن في الثاني مخرج حقيقة أيضا ، وهو أيضا أمر عارض في الأثناء ، وأمّا عدم طهارته أوّلا بدون تبيّنه عند الإمام فليس مخرجا حقيقة ؛ لأنّ التكليف ليس بالامور الواقعيّة ، بل مشروط بالعلم به.

قوله : لا يؤمّ.

فلا يؤمّ المضطجع الجالس ولا المستلقي المضطجع ، وهكذا.

قوله : حينئذ.

إمّا متعلّق بـ « انفرد » أي : انفرد الكامل حين عروض العجز للإمام ، والمتبادر من الكامل :الكامل في الحال ، دون الكامل مطلقا ، ولو سابقا.

أو متعلّق بـ « الكامل » أي : الكامل حين عروض العجز للإمام.

قوله : مع تساويهما.

أي : تساوي الإمام والمأموم في عين المجهول : بأن يكون مجهولهما شيئا واحدا بعينه ، كأن يجهلا معا الفاتحة ، أو بعضا معيّنا منها من غير زيادة لأحدهما ، ولا اختلاف موضع الجهل ، أو مع نقصان المأموم في المعلوم : بأن يكون جهل ما يجهله الإمام بعينه مع شي‌ء زائد ، فيكون ناقصا بالنسبة إلى الإمام.

وقوله : « وعجزهما » إلى آخره أي : جواز إمامة الأمّي مثله عند التساوي أو نقصان المأموم (١) مشروط بأن يعجزا عن التعلّم وعن ائتمامهما بقارئ ، أو ائتمامهما بإمام ثالث أتمّ منهما أي : أقلّ مجهولا ، ولو لم يكن تامّا ؛ لأنّه لو لم يعجزا لزم عليهما التعلّم أو الائتمام

__________________

(١) فى الاصل : نقصان الامام.

٢٤٤

بالثالث ، ولا يجوز لهما الإمامة للآخر. وكذا لو لم يعجز أحدهما ؛ فإنّه يجب عليه التعلّم أو الائتمام دون الإمامة أو الائتمام بهذا الناقص.

وقوله : « لضيق الوقت » ليس لتقييد الجواز بما إذا كان العجز عن التعلّم لضيق الوقت خاصّة ؛ إذ لو عجز عنه لسبب آخر أيضا كفقد المعلّم إذا لم يرج وجوده في الوقت جاز الائتمام أيضا ، بل ذكره لبيان صورة العجز عن التعلّم ، وتخصيصه بالذكر لندرة اتّفاق وجود غيره.

ويمكن أن يكون ذكره للتقييد والتخصيص حيث إنّ عجز الأمّي عن التعلّم لغير ضيق الوقت مرجو الزوال البتة ، فلا يجوز عليه الصلاة إمامة أو ائتماما في أوّل الوقت ، وأمّا العجز لآفة في اللسان ، فهو غير الامّي ، بل مئوف اللسان ، وسيأتي ذكره.

ويمكن أن يجب على الأمّي الذي يعجز عن التعلّم والائتمام تأخير الصلاة من أوّل الوقت مطلقا ، وإن لم يرج الزوال ، كما في التيمّم على قول ، وحينئذ يكون وجه التقييد أظهر.

قوله : إلّا أن يقتدي جاهل الى آخره

أي : إلّا أن يقتدي في صورة الاختلاف ـ بأن يجهل أحدهما مثلا أوّل الفاتحة ، والآخر آخره ، أو يجهل أحدهما الفاتحة والآخر السورة خاصّة ـ جاهل الموضع الاول بجاهل الموضع الآخر ، فيقتدي في المثالين المذكورين جاهل أوّل الفاتحة أو تمام الفاتحة بجاهل آخر الفاتحة أو السورة والضمير في « معلومه » راجع الى جاهل الآخر يعني يأتمّ جاهل الاول بجاهل الآخر الذي يعلم الاول فاذا تمّ معلومه وبلغ الى الموضع الذي لا يعلمه ينوي جاهل الأوّل العالم بالآخر الانفراد ، ويقرأ بنفسه الآخر الذي يعلمه.

وقوله : « ولا يتعاكسان » أي : لا يقتدي جاهل الآخر بجاهل الأوّل ؛ لأنّه إن اقتدى به في أوّل الصلاة وابتدائه يلزم تركه ما يعلم اكتفاء بقراءة من لا يعلم ، والاقتداء به بعد تجاوزه عن محل جهله موقوف على جواز نية الاقتداء بعد الانفراد ، وهو غير جائز ، بخلاف عكسه.

٢٤٥

قوله : وقيل إلى سكنى الأمصار.

يعني : قيل : إنّ التقدّم في الهجرة هو السبق عن البادية إلى سكنى الأمصار.

وقوله : « مجازا » حال إمّا عن « الأقدم هجرة » أو عن « السبق إلى سكنى الأمصار » وعلى الأوّل يكون المراد بالمجاز : اللفظ المستعمل في المعنى المجازي أي : حال كون هذا اللفظ مجازا. وعلى الثاني يكون المراد منه : المعنى المجازي أي : حال كون هذا المعنى مجازا.

والمراد من الهجرة الحقيقيّة : الهجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام ، ومن البادية أو المكّة إلى المدينة. وكون هذه الهجرة حقيقيّة باعتبار العرف الطارئ ، فالمجاز يكون مجازا عن المعنى المنقول إليه العرفي. وأمّا بحسب اللغة ، فالمعنيان متساويان ، كما لا يخفى.

قوله : يستدلّ على الصالحين.

هذا قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في العهد الذي كتبه لمالك الاشتر رضى الله عنه.

قوله : وزاد بعضهم في المرجّحات.

قد زاد بعضهم أمورا اخر أيضا ، كتقديم الأشرف نسبا والأعلى قدرا ، وتقديم العربي على العجمي ، والقرشي على سائر العرب ، وكتقديم أمجاد بني هاشم بحسب شرف الآباء كالطالبي والعبّاسي ، والحارثي ، واللهبي ، ثمّ العلوي والحسني والحسيني ، ثمّ الصادقي والموسوي والرضوي والهادوي.

قوله : الأتقى والأورع.

التقوى والورع مرتبتان وراء العدالة. والمراد منهما إمّا واحد ، وهو صفة يبعث على ترك المكروهات والتجنّب عن الشبهات ، فيكون العطف تفسيرا ؛ أو هما متغايران ، كما قيل : إنّ التقوى هو التجنب عن الشبهات لئلّا يقع في المحرّمات ، والورع هو التجنّب عن المباحات لئلّا يقع في الشبهات ، فمرتبة الورع أعلى من التقوى.

٢٤٦

كتاب الزكاة

الفصل الاوّل

قوله : كتاب الزكاة.

خبر مبتدأ محذوف.

والزكاة لغة : الطهارة ، والنموّ ، والزيادة. والفرق بين النموّ والزيادة أن الأوّل أخص من الثاني ؛ لكونه زيادة مخصوصة.

وشرعا : اسم لما يجب في المال بشرائط مخصوصة. ودخول زكاة الفطر لاشتراطها على قوت السنة. والمراد بالوجوب هنا : مطلق الثبوت ، وهو يتناول الواجب بالمعنى المصطلح عليه والمندوب ، فلا ينتقض العكس بالزكاة المندوبة. ولطهارته ونموّه وازدياده بأداء الزكاة سميت بها.

والمصدر إمّا بمعنى الفاعل اوتي بالمصدر للمبالغة كما في : « زيد عدل » أو اطلق على القدر المخرج مجازا من باب تسمية السبب باسم المسبّب.

قوله : تجب زكاة المال.

« اللام » في قوله : « المال » للعهد الذهني أو الخارجي.

قوله : والمجنون.

لا يخفى أنّ المجنون على قسمين : مطبق ، وذي الأدوار. والذي أجمعوا على عدم وجوب الزكاة عليه هو الأوّل. وأمّا الثاني فعلى قسمين ؛ لأنّ جنونه إمّا يكون بحيث يفيق سنة ، ويجن اخرى أي : تحصل له الإفاقة في سنة ، أو يكون بحيث يجن في بعض الحول ويفيق في بعضه أي : لا يحصل له الإفاقة في سنة. والظاهر أنّه لا خلاف في وجوب الزكاة

٢٤٧

على الأوّل في سنة الإفاقة لو حصل له شرائط وجوب الزكاة. وأمّا الثاني (١) فمختلف فيه : فقال في التذكرة : « لو كان الجنون يعتوره أدوارا اشترط الكمال طول الحول ، فلو جنّ في أثنائه سقط واستأنف من حين عوده » (٢).

وقال بعض آخر : ان الاقرب تعلق الوجوب به فى حال الافاقة.

ومراده من المجنون هاهنا إمّا هو المطبق ، وإطلاقه لانصراف المطلق عليه ، أو مطلقه ، والمراد : عدم تعلّق وجوب الزكاة عليه حال الجنون ، وهو في الثاني أيضا مجمع عليه.

قوله : على أصحّ القولين.

القول الآخر : هو الوجوب في غير النقدين من مال الصبي والمجنون. وهذا القول للشيخين حيث ذهبا إلى وجوب الزكاة في غلّات الطفل ومواشيه ، وحكما بمساواة المجنون للطفل في ذلك.

قوله : نعم يستحبّ.

الظاهر من هذه العبارة استحباب الزكاة في غير النقدين من مال المجنون أيضا وهو بإطلاقه محلّ تأمّل ؛ فإنّ الظاهر أنّه لا يستحبّ الزكاة في المال الناطق للمجنون ، وكذا في الصامت إذا لم يتجر به.

قوله : للطفل.

فيه إشارة إلى أنّه لو لم تكن التجارة للطفل ، بل ضمن المال الولي ، أو من أذنه وكان مليا واتجر لنفسه كان الربح له ، والزكاة عليه ، وهو كذلك.

ولا يخفى أنّه إذا تصرّف غير الولي بدون إذنه في مال الطفل أو أقرضه الولي بدون كونه مليا واتجر لنفسه ، فحكم الأكثر بكون الربح لليتيم ، وعدم استحباب الزكاة هنا أصلا. وتأمّل بعضهم في كون الربح لليتيم أيضا.

فإن اريد بقوله : « اتجر لليتيم » : ما كان قصد التاجر أن تكون التجارة للطفل ، فلا تكون الزكاة حينئذ مستحبّا ، وإن اريد به : ما كانت التجارة شرعا له وإن لم يقصده التاجر ، فإن قلنا بكون الربح لليتيم ، وقلنا بأنّ شرط ثبوت زكاة التجارة مقارنة قصد الاكتساب لها ،

__________________

(١) فى الاصل : وامّا البواقي.

(٢) التذكرة : ٥ / ١٦.

٢٤٨

لا يستحبّ الزكاة هنا أيضا. وإن قلنا بأنّ شرط الثبوت هو قصد الاكتساب عند التملّك ، وهو هنا حاصل ، بناء على ما هو الظاهر من أن الإجازة ناقلة لا كاشفة ، فيكون أداء الزكاة هنا مستحبّا.

وإن قلنا بأنّ الربح ليس لليتيم فلا يكون مستحبّا أيضا.

قوله : واجتمعت شرائط التجارة.

أي : تكون التجارة بقصد المعاوضة وقصد الاكتساب ، فلو ملك المال بدون عقد كحيازة المباحات ، وإن قصد به التكسّب ، أو بعقد غير المعاوضة كالهبة والصدقة لم تكن فيه زكاة.

والمراد بالمعاوضة : ما يقوم طرفاها بالمال ، فيخرج الصداق والصلح عن دم العمد ، وإن قصد بذلك الاكتساب. وكذا لا زكاة فيما ملك بعقد معاوضة مع عدم قصد الاكتساب امّا مع الذهول أو قصد الغنية أو نحو ذلك ، هذا.

وإن قلت : إنّ الاستحباب من باب خطاب الشرع الذي لا يتعلّق بغير المكلّف ، فكيف يحكم بالاستحباب في مال الطفل؟

قلت : إنّ الاستحباب وإن نسب إلى مال الطفل ، إلّا أنّ المكلّف به في الحقيقة هو الولي ، وبه يتعلّق الثواب والعقاب ، وتحصل للطفل في الدنيا أعواض في مقابلة ما ذهب من ماله.

قوله : لو قلنا بملكه.

التقييد بهذا القيد ، لأنّه على القول بأنّ المملوك لا يملك ، وما بيده يكون ملكا لمولاه ، فلا معنى لاشتراط الحرّية ؛ لأنّ وجود المال شرط في ثبوت الزكاة ، ولا يكون ذلك متصوّرا في حقّ المملوك.

قوله : لتزلزله.

أي : لتزلزل الملك ؛ إذ للمولى أن ينتزع المال منه ، ولا زكاة في المال المتزلزل ملكا.

قوله : بشرطه.

« الباء » بمعنى « مع » ، والضمير راجع إلى مصدر « تجب » أي : الوجوب. والمعنى : أنّ

٢٤٩

من تبعّضت رقيّته تجب الزكاة في نصيب حريّته ، مع تحقّق شرائط الوجوب التي غير الحرية من النصاب والحول. وغير ذلك.

قوله : أمّا النتاج فيزكّى بشرطه.

هذا إذا كان الوقف على معيّن ، ولم يشترط الواقف كون النتاج وقفا فظاهر ، وأمّا إذا لم يكن الوقف لمعيّن ، فذهب بعضهم إلى أنّه لا يتصوّر فيه وجوب الزكاة. والظاهر إمكانه في بعض الصور. وكذا إذا اشترط الواقف كون النتاج وقفا وقلنا بجوازه لا تلزم الزكاة فيه ، ووجهه ظاهر.

قوله : أو قهرا كالمغصوب.

فلا زكاة فيه حين كونه مغصوبا ، أمّا إذا خرج من يد الغاصب ، وعاد إلى المالك ، فتجب فيه الزكاة ، فإن كان ممّا يعتبر فيه الحول كالأنعام يعتبر ابتداء الحول من العود ، ولا يعتد بما كان في يد الغاصب ، ولا بما كان في يد المالك قبل الغصب إذا لم يكن حولا كاملا.

وأمّا إن لم يكن ممّا يعتبر فيه الحول كالغلّات ، فالظاهر وجوب الزكاة فيه متى تمكّن المالك من التصرّف.

قوله : إذا لم يمكن تخليصه.

لا يخفى أنّ المستفاد من قوله : « إذا لم يمكن تخليصه » : أنّه إذا أمكن تخليصه ولم يخلصه تجب عليه الزكاة ، والأمر كذلك ، وحينئذ فإن كان المغصوب ممّا لا يعتبر فيه الحول فأمره ظاهر. وإن كان ممّا يعتبر فيه الحول فيبتدأ الحول من الزمان الذي أمكنه التخليص إن لم يكن جميع الأزمنة كذلك ، إن كان زمان الإمكان مؤخّرا عن زمان عدم الإمكان وإن كان مقدّما عليه فيبتدأ من أوّل زمان انتقال المال إليه الذي كان قبل الغصب وإن كان بعض زمان الإمكان مقدّما وبعضه مؤخّرا فيعتبر ابتداء الحول من زمان الانتقال للجزء المقدّم ومن زمان الإمكان للجزء المؤخّر. وإن كان إمكان التخليص في جميع الأزمنة فالابتداء من زمان الانتقال قطعا.

قوله : فيجب فيما زاد على الفداء إلى آخره

الظاهر أنّ هذا تفريع على قوله : « ولو ببعضه » أي : إذا خلّصه ببعضه حتّى صار هذا البعض فداء ، تجب الزكاة فيما زاد على الفداء إن بلغ النصاب.

٢٥٠

وليس تفريعا على مطلق إمكان التخليص ولو بفداء آخر ؛ إذ الظاهر أنّه لو خلّص بفداء آخر تجب الزكاة في المجموع ، لا فيما زاد على الفداء ، لو أخرج الفداء عنه ؛ إذ لا دليل على إخراجه.

قوله : للبدأة بها في الحديث.

اعلم أنّ معنى العبارة في بادئ النظر : أنّ المصنّف إنّما بدأ بالأنعام ، ومنها بالإبل ، للبدأة بالأنعام بالحديث ، فلذلك بدأ بها ، ولأنّ الإبل أكثر أموال العرب ، فكان الأولى الابتداء بها من الأنعام فلذلك بدأ بها أيضا من الانعام.

ولكن ليس كذلك ؛ لأنّ صحّته يتوقّف على البدأة بالأنعام في الحديث ، ولم أعثر على حديث بدأ فيه بالأنعام ، بل كلّما ظفرت به فإنّما بدأ فيه بغيرها ، ولو فرض وجود حديث بدأ فيها بها لا يصير علّة للبدأة بها ، مع كون أكثر الأحاديث على خلافه.

نعم بدأ في الأحاديث بأسرها بالإبل من بين الأنعام ، لا من جميع الأجناس الزكوية.

فينبغي أن يفسّر كلام الشارح بأن يقال : إنّ الضمير في قوله : « بها » أوّلا راجع إلى « الأنعام » وفي قوله : « بها » ثانيا إلى « الابل ». وقوله : « للبدأة بها في الحديث » علّة للثاني أي : للبدأة بالإبل ، وقوله : « لأنّ الإبل » علّة للأول أي : للبدأة بالأنعام.

وحاصل المعنى : أنّه بدأ بالإبل ؛ لانّ المناسب تقديم ما يكون الاعتناء بشأنه أكثر ، والاعتناء بشأن ما هو أكثر الأموال أكثر ، والإبل أكثر أموال العرب ، فكان البدأة بها أولى وأنسب ، ولما لم يناسب البدأة بها وتأخير باقي الأنعام فاقتضى ذلك تقديم الأنعام ، فقدّمها. وأمّا وجه بدأته بالابل فللبدأة بها في الحديث من بين الأنعام.

ولا يخفى أنّ العلّة الاولى كما تصلح أن تكون علّة للاوّل تصلح لعلّية الثاني أيضا ، وعلى هذا فيكون للبدأة بالإبل علّتان.

قوله : من مال المالك.

أقول : مدلول هذا الكلام أنّ المعلوفة من مال غير المالك ، ولو كان بإذنه تكون سائمة أيضا ، وتحقق السوم بانتفاء العلف من مال المالك ، وذلك ينافي ما اختاره بعد ذلك في تحقق السوم والعلف وبيانهما وقال : إنّ الأجود تحقّق العلف بعلف غير المالك لها على

٢٥١

وجه لا يستلزم غرامة المالك. والصحيح أيضا ذلك ؛ لأنّ غاية ما استدلّ على نفي العلف بعلف غير المالك أنّ الحكمة المقتضية لسقوط الزكاة مع العلف المئونة اللازمة من ذلك الموجبة للتخفيف ، فهي منتفية في هذه الصورة.

وفيه : أنّ هذه المناسبات لا تصلح لمعارضة إطلاق النص ، وكأنّ السرّ في تخصيص الشارح هنا العلف بمال المالك ؛ لأنّه ليس هنا في مقام بيان معنى السوم والعلف ، فاكتفى هنا بما هو مجمع عليه حتّى يأتي مقام البيان والتحقيق.

قوله : عرفا.

معناه : أنّ المناط في تحقّق السوم والعلف هو العرف.

وفيه إشارة إلى ردّ ما ذكره بعضهم من أنّه لا بدّ من استمرار السوم جملة الحول ، فلو علّفها بعضا ولو يوما استأنف الحول عند وما ذكره بعض آخر من أنّه يعتبر في تحقّق السوم والعلف الأغلب.

والصحيح ما ذكره الشارح ( رحمه‌الله ) من أنّ المناط في تحققهما هو العرف ، ويأتي تحقيقه بعد ذلك.

قوله : مثقال من الذهب.

بالمثقال الشرعي ، وهو ثلاثة أرباع الصيرفي ، فالصيرفي بقدر الشرعي وثلثه.

قوله : عن عشرة دراهم.

الدرهم نصف المثقال وخمسه. والمراد هنا : درهم من الفضّة ؛ فإنّ الدرهم يستعمل فيها كما يستعمل الدينار في الذهب.

وفي قوله : « وإن زادت إلى آخره » إشارة إلى دفع ما يمكن أن يتوهّم من أنّه إذا اعطيت القيمة فاللازم هو عشرة دراهم ؛ إذ قيمة الدينار في عهد الشارع كان كذلك ؛ ولذلك اشتهر بينهم تقدير الدينار بعشرة دراهم ، ويعمل في الأحكام الشرعيّة بما كان معهودا في زمن الشارع ويعمل فيما (١) حصل التفاوت فيه عرفا وشرعا بالمتعارف شرعا ؛ ولذلك احتمل بعضهم هنا وفي أمثاله بقاء حكم القيمة ، وهو ليس بشي‌ء.

__________________

(١) فى الاصل : ويحمل ما.

٢٥٢

قوله : المقرف.

قال في الصحاح : « المقرف الذي أمّه عربيّة وأبوه ليس كذلك ؛ لأنّ الاقراف إنّما هو من قبل الفحل والهجنة من قبل الام ».

وقال في النهاية : « المقرف من الخيل الهجين وهو الذي أمّه برذونة وأبوه عربي وقيل بالعكس ».

قوله : كلّ واحد خمس.

لا يخفى أنّ عبارة المصنّف لا يخلو من حزازة ؛ لأنّ ظاهر معنى قوله : « كلّ واحد خمس » : أنّ النصاب الأوّل خمس ، والنصاب الثاني خمس ، والثالث خمس ، وهكذا.

فإن أراد به أنّ كلّ نصاب خمس حال كون تلك الخمس منضمّة إلى ما سبق عليه من النصاب ، وزائدا عليه ، فلا يلائمه قوله : « في كلّ واحد شاة » إذ يصير المعنى حينئذ : أنّ في النصاب الثاني ـ مثلا ـ وهو الخمس الزائدة على الخمس الاولى أي : العشرة شاة ، مع أنّه ليس كذلك.

وإن أراد أنّ كلّ نصاب خمس ، مع قطع النظر عمّا سبق عليه وعدم كونه زائدا عليه ، فهو خلاف الواقع ونفس الأمر ، إلّا أن يقال : إنّ المراد هو الأوّل ، ومعنى قوله : « في كلّ واحد شاة » : أنّ في كلّ نصاب ، وهو الخمس الزائد على سابقه من حيث حصول النصاب الثاني شاة واحدة ، والزائد إنّما هو لما يتضمّنه هذا النصاب اللاحق من النصاب السابق.

والحاصل : أنّ في العشرة ـ مثلا ـ شائين : إحداهما للنصاب الثاني ـ وهو الخمس الزائدة على النصاب الأوّل المتضمّنة عليه ـ وثانيتهما للنصاب الأوّل فقط بدون ملاحظة ما زاد عليه.

قوله : بمعنى أنّه لا يجب إلى آخره.

يظهر من هذا التفسير أنّ كلام المصنّف يدلّ على أحكام خمسة.

الأوّل : أنّه لا يجب شي‌ء فيما دون الخمس.

والثاني : أنّه يتحقّق الوجوب في الخمس.

والثالث : أنّه يجب في رأس كلّ خمسة شي‌ء زائد على القدر الواجب في سابقه.

٢٥٣

الرابع : أنّه لا يجب فيما بين كلّ خمستين شي‌ء زائد على ما يجب للخمسة الاولى.

الخامس : كون الواجب في الأوّل شاة ، وفي الثاني شاتين ، وهكذا.

ويستنبط الأحكام الأربعة الاولى من قوله : « خمسة كلّ واحد خمس ». أمّا الأوّل والرابع ؛ فلدلالته على أنّ غير الخمسة ليس نصابا ، فلا يجب فيه شي‌ء ، فيكون النصاب في الأوّل بالمعنى الاوّل وفي البواقي بالمعنى الثاني. وأمّا الثاني والثالث ؛ فلدلالته على كون رأس كلّ خمسة من الخمس نصابا ، فلا بدّ من تحقّق الوجوب في رأس كلّ خمسة.

والخامس يستنبط من قوله : « في كلّ واحد شاة » ، والوجه ظاهر.

قوله : بنت مخاض إلى آخره

اعلم أنّ المخاض علم للنوق الحوامل واحدها خلفة ـ كما صرّح به الجوهري وابن الأثير ـ ولا واحد لها من لفظها ، وحينئذ فالأولى أن يقال : إنّه (١) هو الذي حملت أمّه أو حملت النوق التي فيها أمّه وإن لم تحمل هي ، لا أنّه هو الذي حملت أمّه فقط ؛ لأنّ الواحد لا يكون ابن نوق ، وإنما يكون ابن ناقة واحدة.

والمراد : أن يكون وضعتها أمّها ... ، وقد حملت النوق التى وضعن مع أمّها وإن لم تكن أمّها حاملا فنسبتها إلى الجماعة ، بحكم مجاورتها أمّها.

وإنّما سمّي ابن مخاض في السنة الثانية ؛ لأنّ العرب إنّما كانت تحمل الفحول على الاناث بعد وضعها بسنة ليشتدّ ولدها ، فهي تحمل في السنة الثانية وتمخض ، فيكون ولدها بنت [ أو ابن ] مخاض.

قوله : ففيها بنت لبون.

اعلم أنّ بنت اللبون هي من الإبل : ما دنا ( كذا ) عليه سنتان ودخل في الثالثة ، فصارت أمّه لبونا أي : ذات لبن ؛ لأنّها تكون قد حملت حملا آخر ووضعت.

قوله : وإنّما الخلاف فيما زاد.

فإنّ الظاهر من كلام السيد في الانتصار : أنّ بعد التجاوز عن الإحدى وتسعين لا يتغير الفرض إلى مائة وثلاثين ورجع إلى المشهور في المسائل الناصرية.

__________________

(١) أى : ابن مخاض.

٢٥٤

وذهب إلى قول الانتصار الشافعي والأوزاعي وبعض آخر من المخالفين.

وذهب أبو حنيفة وبعض آخر منهم إلى أنّه لا يتغير الفرض بعد الإحدى وتسعين إلى أن تبلغ مائة وخمسا وعشرين ، فإنّه قال :

في مائة وعشرين حقّتان ، فإذا زادت استؤنفت الفريضة ، فيجب في الخمس شاة ، ففي مائة وخمس وعشرين حقّتان وشاة ، وفى مائة وثلاثين حقتان وشاتان ، وفى مائة وخمسة وثلاثين حقتان وثلاث شياة ، وفي مائة وأربعين حقّتان وأربع شياة ، وفي مائة وخمس وأربعين حقّتان وابنة مخاض ، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق. ثمّ تستأنف الفريضة ، فيجب في الخمس شاة ففي مائة وستّين ثلاث حقاق وشاتان وفي مائة وخمس وستين ثلاث حقاق وثلاث شياة ، وفي [ مائة و ] سبعين ثلاث حقاق وأربع شياة ، وفي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض ، وفي مائة وستّة وثمانين ثلاث حقاق وابنة لبون ، وفي مائة وستّة وتسعين أربع حقاق ، وفي مائتين أربع حقاق وهكذا ، ثمّ تستأنف الفريضة.

قوله : والحامل له على الإطلاق.

لمّا ذكر أنّ إطلاق المصنّف ليس بصحيح أراد أن يعتذر منه ويبيّن أنّ الباعث على حمله على ذلك ما ذا ، وهذا الاعتذار مبتن على أصل ذكره المصنّف في غير هذا الكتاب ويشير إليه الشارح بقوله : « واعلم [ الى آخره ] ».

وحاصل ذلك الأصل أنّ في كلّ موضع قالوا بالتقدير بالأربعين والخمسين تجب فيه ملاحظة غبطة الفقراء ، والتقدير بما يحصل به الاستيعاب أو ما كان منهما أكثر استيعابا.

وتوضيح الاعتذار : أنّ التقدير بالأربعين والخمسين وإن لم يكن فيما بين النصابين الحادي عشر والثاني عشر ، ولكنّ المصنّف لما علم أنّا لو قدّرنا بهما فيه لا يحصل اختلاف فيما دون المائة والعشرين بين هذا التقدير وبين ما هو في الواقع ونفس الأمر أطلق الحكم فيه.

٢٥٥

وعدم الاختلاف ؛ لأنّ الواجب فيه في الواقع حقّتان ، ولو فرضنا التقدير بهما أيضا يجب حقّتان ؛ لانّ صرفة الفقراء لو قدّرنا بهما حينئذ في التقدير بالخمسين ؛ لأنّه يوجب حقّتين ، دون الأربعين ، لإيجابه بنتي لبون ، فلا يختلف الحكم فيصح الإطلاق.

وأمّا في المائة والعشرين وإن اختلف الحكم في التقدير بهما وفيما هو الواقع ؛ لأنّه لو قدّرنا بهما يجب التقدير بالأربعين ؛ لكونه غبطة للفقراء لإيجابه ثلاث بنات لبون ، دون الخمسين ؛ لإيجابه حقتين ، وأمّا في الواقع فالواجب هو حقّتان ؛ ولكن لما يظهر من كلام المصنّف في البيان أنّه توقّف في كون الواحدة الزائدة على المائة والعشرين جزءا من النصاب أو شرطا لوجوب الفريضة ، واحتمل كونها شرطا له ؛ فلاجل ذلك الاحتمال يصحّ استعمال الحكم الثابت لمجموع المائة وإحدى وعشرين في المائة والعشرين فقط أيضا تجوّزا.

فإنّه لو كانت الواحدة الزائدة شرطا لكان النصاب هو مائة وعشرين ، ولكن يكون ترتّب الأثر عليه ـ وهو وجوب التقدير بالأربعين والخمسين ـ موقوفا على شرط ، هو زيادة الواحدة. فباعتبار كون المائة والعشرين نصابا يكون مشابها لسائر النصب ، فيصحّ أن يثبت الحكم الثابت لسائر النصب ـ وهو ترتّب أثر كونه نصابا أي : إيجاب القدر المخصوص ـ لهذا النصاب أيضا مجازا ، وإن توقّف هذا الثبوت هنا على شرط آخر. فيكون إطلاق المصنّف هذا الحكم هنا في المائة والعشرين تجوّزا لا حقيقة.

إذا عرفت ذلك ، فمعنى كلام الشارح : أنّ الباعث للمصنّف على إطلاق الحكم بالتقدير بهما فيما زاد على الإحدى وتسعين ، مع كونه مقيّدا في الواقع بالبلوغ إلى مائة وإحدى وعشرين ؛ أنّ الزائد على النصاب الحادي عشر وما دون المائة والعشرين لو فرض تقديره بالأربعين والخمسين ، لا يجب إلّا بخمسين لملاحظة غبطة الفقراء ، فلا يلزم إلّا وجوب حقّتين ، ومع ذلك فالواجب فيه في الواقع أيضا حقّتان ، فلا يختلف الحكم ، وإنّما يختلف في المائة والعشرين والحامل له على الإطلاق هنا أنّه احتمل كون الزائد على المائة والعشرين شرطا ، فيصحّ إطلاق الحكم في المائة والعشرين تجوّزا بالتقريب الذي ذكرناه ، فتجوّز المصنّف هنا.

٢٥٦

قوله : والمصنّف توقّف.

واعلم أنّه تظهر فائدة الخلاف في كون الواحدة الزائدة جزءا للنصاب أو شرطا فيما إذا تلفت الواحدة بعد الحول بغير تفريط ، فلو كانت جزءا يسقط من ذمّة المكلّف جزء واحد من مائة وإحدى وعشرين جزءا ممّا وجب عليه أداؤه ، ولو كانت شرطا لا يسقط شي‌ء بتلفها كما لا يسقط بتلف ما زاد عنها إلى أن تبلغ تسعة عشر.

ولا يخفى ما في قول الشارح : « جزءا من الواجب أو شرطا » من المسامحة إلّا أن يقال : إنّ الواحدة والزائدة لو كانت جزءا من النصاب لكان جزء منها جزءا من الواجب أداؤه ، فأطلقت الجزئيّة على الكل مجازا.

قوله : كالمائة وإحدى وعشرين.

ذكر الواحدة هاهنا مع أنّ المطابق مع الأربعين هو المائة والعشرون دون المائة وإحدى وعشرين ؛ بناء على أنّ الآحاد ليست معتبرة في المطابقة وعدمها ، لأنّ العشرات يستحيل مطابقتها مع الآحاد ، فعدم المطابقة معها أمر ظاهر ، والمعتبر هو المطابقة مع غير الآحاد.

قوله : ولو لم يطابق أحدهما إلى آخره

أقول : قد ظهر لك ممّا سبق أنّ المطابقة وعدمها يعتبر في ثلاثة : الأربعين والخمسين وكليهما معا ، وعلى هذا يكون وجود هذا الشق من العدد أعني : ما لم يطابق أحد المذكورات ممتنعا.

لانك قد عرفت فيما سبق أنّ الآحاد غير معتبرة في المطابقة وعدمها ، وكلّ عدد بلغ النصاب الأخير وقطع النظر عن آحاده يكون مطابقا إمّا للأربعين ، أو الخمسين ، أو لكليهما معا ؛ فإنّ المائة والعشرين ثلاثة أربعين والمائة والثلاثين اثنان أربعين وخمسين ، والمائة والأربعين اثنان خمسين وأربعين ، والمائة وخمسين ثلاثة خمسين ، والمائة والستّين أربعة أربعين ، والمائة والسبعين خمسين وثلاثة أربعين ، والمائة والثمانين اثنان خمسين واثنان اربعين ، والمائة والتسعين ثلاثة خمسين وأربعين ، والمائتين أربعة خمسين أو خمسة أربعين والعشرة والمائتين أربعة أربعين وخمسين ، وكلّما زاد على ذلك فاسقط منه مائة ، والبواقي كما سبق ، وهكذا.

٢٥٧

ولو اعتبرت الآحاد في المطابقة وعدمها أيضا يلزم بطلان ما ذكر من مطابقة المائة وإحدى وعشرين للأربعين على أنّه يكون في الكلام حزازة من وجوه اخر :

الأوّل : في قوله : « أحدهما » فإنّه لو لم يطابق أحدهما ، بل طابق كليهما يجب اعتبارهما معا دون ما هو اقلّ عفوا.

الثانى : في قوله : « أقلّهما » ووجهه يظهر من سابقه.

والثالث : أنّه قد عرفت أنّه لو اسقط الآحاد يكون كلّ عدد مطابقا لأحد المذكورات ، فاللازم حينئذ أن يقال : ولو لم يطابق شيئا منها وأسقطت الآحاد ، طوبق مع أحدهما ويكون العفو في الجميع مساويا.

قوله : عفوا.

أي : معفوّ عنه. أي : عن إخراج الزكاة عنه ، أو مأخوذ من عفو المال بمعنى : الطيب الحلال منه بمعنى : أنّه حلال لمالكه ؛ لعدم تعلّق حقّ الغير به ، أو من العفو بمعنى الأرض التي لم توطأ وليست بها آثار حيث لم يوجد ، فيما نقص عن النصاب ما يجب إخراجه.

قوله : وفي البقر نصابان.

كلّ عدد إن كان الباعث لوجوب القدر المخصوص نفسه وحده فهو النصاب ، وإن كان وجوب القدر المخصوص فيه بتكرّر عدد آخر ، فالنصاب هو العدد المتكرّر.

وبهذا يظهر الفرق بين ما زاد على أربعين في نصاب البقر وبين نصب الإبل كما لا يخفى.

قوله : فتبيع وهو ابن سنة إلى آخره

تفسير التبيع بابن سنة إلى سنتين يخالف ما فسّره اللغويّون به.

قال الجوهري : التبيع هو ولد البقر في أوّل سنة. وقال ابن الأثير : التبيع ولد البقر أوّل سنة. وكأنّ تفسير الشارح إنّما هو لحقيقته العرفية الخاصّة أي : المتشرعة ، دون اللغوية ؛ فإنّ التبيع في النصوص مقيّد بالحولي ، وبكثرة استعماله فيه صار حقيقة عرفيّة فيه.

وعلى هذا يكون المراد منه في الأخبار حقيقته اللغوية ، ويفهم كونه ابن سنة بقيد آخر هو الحولي.

٢٥٨

قوله : قيل ثلاث نظرا.

هذا تعليل للقول بالثلاث. وفيه إشارة إلى أنّه لم يصرّح في الأخبار بوجوب الثلاث في الثلاثمائة والواحدة ، بل ما يظهر من بعض الأخبار أنّه آخر النصب ، وأنّ في كلّ مائة حين البلوغ إلى آخر النصب شاة ، فيلزم من ذلك أن يكون الفريضة في الثلاثمائة والواحدة أي آخر النصب ثلاثا.

قوله : اكتفى بالنصاب المشهور.

هذا اعتذار للمصنّف في إطلاقه الحكم هاهنا ، وحاصله : أنّ لأصحابنا في نصب الغنم قولين : أحدهما : أنّها أربعة. وثانيهما ما هو المشهور وهو أنّها خمسة. وكلّ من قال بالمشهور قال : بأنّ النصاب الأخير هو الأربعمائة وبأنّ الحكم بأنّ في كلّ مائة شاة لا يكون إلّا بعد البلوغ إلى الأربعمائة ، ولم يذهب أحد إلى الواسطة بين كون النصب خمسة وبين كون النصاب الأخير هو الأربعمائة ، بل كلّ من يقول بالأوّل يقول بالثاني ، وبالعكس.

ولمّا ذكر المصنّف أنّ مختاره أنّ النصب خمسة يعلم منه أنّه يقول بأنّ النصاب الأخير هو الأربعمائة وبأنّ الحكم بأنّ في كلّ مائة شاة إنّما هو فيها دون ما نقص عنها ، وإن كانت عبارته مجملة أيضا فلا فائدة معتدّ بها في التبيّن.

وحينئذ معنى العبارة : أنّ المصنّف اكتفى في تبيين الإجمال بذكر النصاب المشهور أعني : الخمسة ؛ إذ لا قائل بالواسطة بين النصاب المشهور وبين المبيّن من هذا الإجمال.

وقد فسّر بعض المحشّين النصاب المشهور في كلام الشارح بالأربع التي اختارها المصنّف في ثلاثمائة وواحدة. وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ الأربع فيها وإن كان المشهور إلّا أنّها ليست نصابا ، بل هي فريضة.

قوله : فإنّه يستلزم.

هذا تعليل لمجموع العلّة والمعلول.

قوله : ومعنى كونها.

وفائدة هذه العناية أنّ لكون العدد عفوا معنيين :

٢٥٩

أحدهما : أنّ ما يجب في النصاب السابق عليه فقط من الفريضة يجب في مجموع النصاب وهذا العدد أيضا على التوزيع ، ولا يزيد لهذا العدد شي‌ء على سبيل العفو ، فيكون محلّ الوجوب مجموع النصاب وهذا العدد.

وثانيهما : أنّه لا يجب لهذا العدد لا بالزيادة ولا بالتوزيع ، وإن وجب شي‌ء فإنّما هو للنصاب السابق عليه. والمراد بالكون عفوا هاهنا : هو الثاني دون الأوّل ؛ لاستلزام الاوّل إسقاط شي‌ء بالتلف بعد الحول بغير تفريط ، مع أنّه ليس كذلك.

قوله : ومنه تظهر إلى آخره

هذا دفع لما يمكن أن يسأل عنه ، وهو أنّه ما يجب في كلّ من النصابين الأخيرين على القولين أي : الأربعمائة على القول المشهور ، وثلاثمائة وواحدة على قول المفيد والسيد واتباعهما هو بعينه ما يجب في كلّ من النصابين السابقين عليهما ، وإذا كان كذلك فما الفائدة في جعل كلّ من الأخيرين نصابا؟

فإنّ ما يترتّب على كون العدد نصابا إنّما هو تأثيره في الوجوب أو وجوب قدر مخصوص ، ولا يتحقّق شي‌ء منهما في هذين النصابين وما الذي يترتب على نصابيته؟

وتوضيح ما ذكره فائدة : أنّه قد علم ممّا ذكر من أنّ الوجوب لا يتعلّق بالعفو ، وأن تلف بعض النصاب بغير تفريط يوجب أن يسقط من الواجب بحسابه ، أنّ لكون العدد نصابا أثرا آخر غير وجوب القدر المخصوص وهو أنّ الوجوب متعلّق به بنفسه ، وإن كان الواجب هو ما وجب في السابق ، لا لاشتماله على السابق ، ويسقط من الواجب بحسابه إذا تلف بعض النصاب بعد الحول بغير تفريط.

وبهذا تظهر فائدة النصابين الأخيرين على القولين ؛ فإنّه وإن لم يختلف حكم كل منهما مع سابقه في وجوب القدر المخصوص ، ولكنّه يختلف في السقوط مع تلف بعض النصاب بغير تفريط ، فيسقط من الواجب في كلّ منهما بحسابه ، وهو فيهما مختلف ؛ فإنّه على القول المشهور لو تلفت من الأربعمائة واحدة بعد الحول بغير التفريط ، فيسقط منه جزء من مائة شاة. ولو تلفت من ثلاثمائة واحدة بعد الحول كذلك يسقط منه جزء من

٢٦٠