الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

وفيه : أنّه لا يشترط في القنوت خصوصيّة في الدعاء.

والقائل بوجوبه ابن بابويه ، والأكثر على الاستحباب.

قوله : وإن كان مسبوقا.

أي : وإن كان المأموم مسبوقا بالإمام : بأن يكون وصول المأموم بعد دخول الإمام في الركعة الثانية فيأتم ، فإنّه يتابع الإمام حينئذ في القنوت وإن كان المأموم في الركعة الاولى.

قوله : بدعاء أو ذكر.

الفرق بين الذكر والدعاء إما أنّ الدعاء ما جرى على اللسان ، والذكر ما يكون بالقلب ، أو أنّ الدعاء ما يتضمّن طلب حاجة دنيويّة أو اخرويّة والذكر ما يدلّ على تقديس الله سبحانه وتمجيده والثناء عليه.

الفصل الخامس في التروك

قوله : أو دعاء.

يمكن أن يكون مجرورا عطفا على « الحمد » أي : أو عقيب دعاء ، ويكون ذكره عقيب « الحمد » لقول العامّة بوجوبه بعدها وذكره عقيب الدعاء لمناسبته له حيث إنّه بمعنى :« استجب » وأن يكون منصوبا عطفا على « عقيب » أي : يجب ترك التأمين وإن كان دعاء بمعنى : « استجب » ، ويجوز قراءة الدعاء في الصلاة.

الفصل السادس في بقية الصلوات

قوله : لكثرة عوائد الله إلى آخره

هذان تعليلان لتسمية العيد عيدا ، فعلى الأوّل يكون مشتقّا من العود بمعنى : النفع. وعلى الثاني من العود بمعنى : الرجوع.

ولفظة « الواو » في قوله : « وعود السرور » يكون بمعنى : « أو » ، ويمكن أن تكون باقية على معناها أيضا حتّى يكون المراد : كون كلّ من الوجهين سببا للتسمية.

٢٢١

ويمكن على بعد أن يكون المجموع علّة واحدة للتسمية ويكون العود بمعنى :الرجوع ، ويكون قوله : « لكثرة عوائد الله » تمهيد مقدّمة لبيان عود السرور والرحمة ، ويكون ذكر لفظة « العوائد » لمراعاة المناسبة اللفظي.

قوله : وجمعه إلى آخره

مبتدأ خبره إمّا قوله : « غير قياس » أو قوله : « على أعياد ». فعلى الأوّل هذا جواب لسؤال مقدّر تقديره : أنّه لو كانت ياؤه منقلبة عن « الواو » لزم أن يكون جمعه « أعواد » دون « الأعياد ». فأجاب عنه : بأنّ جمعه على « أعياد » غير قياس.

وعلى الثاني يكون تحقيق مقام ويكون قوله : « غير قياس » حالا عن جمعه.

قوله : يرد إلى الأصل.

يمكن أن يكون مبنيّا للفاعل ، ومبنيّا للمفعول.

قوله : التخيير هنا.

إذ ليس معه فرد آخر يتصوّر التخيير بينه وبينها ، فلو وجبت لوجبت عينا.

ولا يخفى أنّه لقائل أن يقول : إنّ عدم إمكان التخيير هنا لا يوجب كون صلاة العيد كصلاة العيدين (١) عند اختلال جميع الشرائط العينيّة والتخييريّة ؛ لاحتمال وجوبها عينا حين اجتماع شروط الجمعة التخييريّة أيضا.

والحاصل : أنّ حين شروط الجمعة التخييريّة يكون لصلاة العيد احتمالات ثلاثة الوجوب العيني والتخييري وكونه كحال اختلال الشرائط ، وعدم إمكان الثاني يعيّن أحد الطرفين دون الأخير حتّى يصلح تقليلا ( كذا ) له ، إلّا أن يقال : إنّ نظره إلى ما صرّح به جمع من الأصحاب من عدم القول بالوجوب العيني لصلاة العيد في حال الغيبة ، فيكون انتفاء الاوّل ظاهرا.

قوله : والخطبتان.

عطف على المستتر في قوله : « تجب » أي : وتجب الخطبتان بعدها.

ويمكن أن تكون « الخطبتان » مبتدأ خبره قوله : « بعدها » ، ويكون « اللام » فيها للعهد

__________________

(١) كذا ولعلّ الصحيح : كصلاة الجمعة.

٢٢٢

أي : الخطبتان الواجبتان في الجمعة تكون في صلاة العيدين بعدها. ويكون فيه إشعار بالوجوب أيضا.

قوله : فيجب.

أي : يجب كلّ من هذا التكبير والقنوت. وكذا قوله : « ويسنّ ».

قوله : وبما سنح.

عطف « ما سنح » على غيره عطف الخاص على العام. ذكره لدفع توهم عدم جواز القنوت إلّا بالأدعية المأثورة.

قوله : وقيل مع استحبابها إلى آخره.

يمكن أن يكون قوله : « مع استحبابها » كناية عن اختلال الشرائط حيث إنّه ملزوم له ، فيكون المعنى : وقيل : مع اختلال الشرائط تصلّى فرادى خاصة. ويمكن أن يكون المراد منه : نفس الاستحباب ، ويكون المعنى : وقيل في صورة اختلال الشرائط مع كونها مستحبّة تصلى فرادى.

ثمّ إنّ هذا مذهب السيّد المرتضى.

ونقل عن ظاهر الصدوق في المقنع ، وابن أبي عقيل عدم مشروعيّة الانفراد فيها مطلقا.

قوله : لعذر وغيره.

غير العذر كما أن يتركها عمدا من دون فقد شرط أو عدم مانع.

ويمكن إدخال السهو والنسيان في كلّ من العذر وغيره ، حيث إنّ النسيان أيضا عذر شرعي ، وإنّه لا يسمّى عذرا عرفا.

قوله : للنص.

هو ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ومن لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه ». (١) ويدلّ على عدم وجوب القضاء أيضا أنّه فرض مستأنف فيتوقّف على الدلالة ، ولا دليل عليه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١.

٢٢٣

قوله : أربعا مفصولة.

أي : يصلّيها بتسليمتين ركعتين ركعتين. والموصولة أي : بتسليمة واحدة.

وقوله : « وهو ضعيف المأخذ » أي : القضاء مطلقا ومأخذ مطلق القضاء أو القضاء كما فاتت عموم قوله عليه‌السلام « من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته ». (١) ورواية زرارة ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : أدركت الإمام على الخطبة. قال : قال عليه‌السلام : « تجلس حتّى يفرغ من خطبته ، ثمّ تقوم فتصلّي ». (٢)

ووجه ضعف الأوّل أنّ مقتضاه وجوب القضاء ، ولم يقل به أحد ، مع أنّ في عمومه بحيث يشمل صلاة العيد نظرا.

ووجه ضعف الثاني : باعتبار اشتمال سنده على أحمد بن محمّد بن موسى. وهو غير موثّق في كتب الرجال ، وباعتبار عدم دلالته على كون ما يصلّى قضاء لبقاء الوقت.

ومأخذ القضاء أربعا ما رواه الشيخ عن أبي البختري ـ في الضعيف ـ عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « من فاتته صلاة العيد ، فليصل أربعا ». وضعفها باعتبار السند.

قوله : والفرق لائح.

يعني : أنّ الفرق بين عيد الفطر والأضحى في الأكل قبل الصلاة وبعدها لائح ، وهو الموجب لفعل المعصوم ، المقتضي للاتباع والتأسّي.

ووجه الفرق : أنّ الصوم في اليومين حرام ، فالإفطار عبادة واجبة غير منافية للمبادرة إلى الصلاة فينبغي المبادرة إليه ، ولكن تخلّف ذلك في الأضحى ؛ لاستحباب البدأة بالأكل من الاضحية ، وينبغي كون الاضحية بعد الصلاة ، ولا وجه للتخلّف في الفطر ، فيكون باقيا على مقتضى الاستحباب. (٣)

قوله : محمول على العلّة جمعا.

أي : محمول على حال العلّة أي : المرض جمعا بين ما دلّ على حرمة الطين مطلقا ، وما روي من الإفطار على التربة.

__________________

(١) راجع الوسائل : ٧ / ٢٦٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٦.

(٣) فى الاصل : الاستصحاب.

٢٢٤

وإنما لم يقيّد مطلقات التحريم بذلك مع كونه مقيّدا ووجوب حمل المطلق على المقيّد ؛ لضعف تلك الرواية.

قوله : كلّ جمعة عشرا بصلاة علي.

يعني : يصلي أربعا من العشر بطريق صلاة علي ، وركعتين بطريق صلاة فاطمة ، وأربعا بطريق صلاة جعفر ، وصلاة علي أربع ركعات في كلّ ركعة الحمد مرّة والتوحيد خمسون مرّة. وصلاة فاطمة ركعتان في الاولى بعد الحمد « القدر » مائة مرّة ، وفي الثانية بعد الحمد « التوحيد » كذلك ، كما في مصباح الكفعمي.

وفي بعض الروايات في الثانية بعد الحمد « التوحيد » مرّة ، وبعد السلام يسبّح تسبيح فاطمة عليها‌السلام.

وصلاة جعفر : أربع ركعات ، الاولى بالحمد و « الزلزلة » ، والثانية بالحمد و « العاديات » ، والثالثة بالحمد و « النصر » ، والرابعة بالحمد و « التوحيد » ، فإذا فرغ من قراءة الركعة الاولى يسبّح التسبيحات الأربع قبل ركوعه خمس عشرة ، ثمّ يقولها في ركوعه ورفعه ، وسجوده ، ورفعه عشرا عشرا ، ثمّ يصلّي الثلاث البواقي كذلك.

الفصل السابع في بيان احكام الخلل

قوله : بعزوب المعني.

اسم مفعول بمعنى : المقصود. والمراد منه أعمّ من المقصود تفصيلا أو إجمالا.

والتفسير به ؛ لخروج السهو جهلا. فالمراد بالسهو : عزوب ما قصده أوّلا تفصيلا كأن يقصد النيّة والحمد والسورة إلى آخر الصلاة ، ثمّ سها عن بعض ، أو إجمالا كأن يقصد الصلاة ولم يحضر أجزاءها في ذهنه مفصّلا. وعلى هذا فلو لم يقصد أوّلا قراءة الفاتحة ـ مثلا ـ لجهله بوجوب قراءتها لا يكون سهوا ، وإن اطلق على تركه السهو لغة.

مسائل سبع

الاولى

قوله : لو غلب على ظنّه.

٢٢٥

إمّا من باب القلب كما في عرضت الناقة على الحوض أي غلب ظنّه على أحد الطرفين ، وكان قول الشارح بعد ذلك : « والمراد أنّه غلب ظنّه عليه ثانيا » إشارة إلى ذلك ، ويكون المراد بالغلبة : الوقوع ؛ لأنّ الظن هو رجحان أحد الطرفين.

وإمّا تكون لفظة « على » بمعنى « اللام » كما في قوله تعالى : ( لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ* ) (١) ويكون المعنى : ولو غلب لأجل ظنّه أحد الطرفين على الآخر.

قوله : بعد التروي.

التقييد بذلك مع عدم اختصاص الحكم بما إذا كانت الغلبة بعد التروي ، بل يعمّ ما إذا كانت ابتداء أيضا ؛ لأنّه المراد هاهنا للمصنّف بقرينة قوله : « ما شكّ فيه » ؛ فإنّه يدلّ على أنّ العارض أوّلا هو الشك ، فلا تكون الغلبة إلّا بعد التروي.

قوله : أو أطرافه.

عطف على قوله : « طرفي » أي : أحد أطراف ما شك فيه. وذكره لدخول ما إذا كان الشك متعلّقا بأكثر من اثنين.

قوله : لأنّ الشك.

هذا تعليل للتفصيل المذكور مع ثانوية غلبة الظن وأولية الشك مع خلوّ كلام المصنّف عنه.

قوله : والظن رجحان.

الظاهر أنّ « الواو » حالية ، لا عاطفة ؛ إذ كونها عاطفة يقتضي معرفة أنّ الظنّ رجحان أحد الطرفين سابقا مع أنّه لم يتقدّم إلّا أنّ الشك يقتضي تساوي الطرفين ، فيكون المعنى :أنّهما لا يجامعان ؛ لما عرفت من أنّ الشك يقتضي التساوي ، والحال أنّ الظن هو رجحان أحدهما.

ويحتمل بعيدا كونها عاطفة وتكون إشارة إلى ما يدلّ عليه فحوى قول الشارح سابقا دو لم يحصل ظنّ بطرف من متعلّقه ».

__________________

(١) الحجّ : ٣٧.

٢٢٦

قوله : تبطل الصلاة.

بضم « التاء » من باب الإفعال. والمراد بإبطالها مع مضيها : أن يعيده كما يعيد من بطلت صلاته.

قوله : إلّا بها.

مفهوم الاستثناء : أنّ الصلاة تتحقّق بهذه الامور ومطلوب الشارح هو هذا المفهوم ، دون منطوقه. وهو أنّه لا يتحقّق الصلاة بدون هذه الامور كما قيل.

ثمّ إذا ثبت أنّ المفهوم أنّ الصلاة تتحقّق بهذه الامور ثبت أنّه صلاة منفردة ، وإلّا كان جزء للصلاة ، وجزء الشي‌ء غير الكل ، مع أنّه ثبت أنّه صلاة ، فلا حاجة إلى تقدير قوله :« منفردة » بعد قوله : « ولا صلاة ».

قوله : ومن ثمّ وجبت المطابقة بينهما.

أي : لأجل كونها جبرا لما يحتمل نقصه وجبت المطابقة بين صلاة الاحتياط وبين ما يحتمل نقصه ؛ فإنّه إذا شكّ بين الاثنين والثلاث وبنى على الثلاث يحتمل نقص ركعة واحدة ، وصلاة الاحتياط أيضا ركعة واحدة قائما ، أو ركعتان جالسا وهما أيضا بمنزلة ركعة واحدة ، وإذا شك بين الاثنين والأربع وبنى على الأربع يحتمل نقص ركعتين وصلاة احتياطه أيضا ركعتان ، وهكذا.

وقوله : « لا يقتضي الجزئية » خبر لقوله : « وكونها جبرا » أي : كونها كذلك لا يقتضي جزئية صلاة الاحتياط لصلاة الأصل ؛ لأن كونها كذلك يحتمل الجزئية وغيرها الذي هو البدلية أي : كون الاحتياط صلاة منفردة بدلا عمّا يحتمل نقصه ، وبدل الجزء غير الجزء.

وقوله : « إذ لا يقتضي » يحتمل ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون تعليلا لما يلزم ممّا ذكره من قوله : « وكونها جبرا لا يقتضي الجزئيّة » وهو مطلوبه هنا ، وهو أنّه إذا لم يقتض الجزئيّة واحتمل البدليّة أتى بها بعد التطهر ، ولا يبطل الصلاة ؛ لأنّ البدليّة لا تقتضي المساواة أي : مساواة البدل والمبدل منه من كلّ وجه حتّى في بطلان الصلاة بوقوع الحدث بينها وبين بدل جزئها كما كانت تبطل بوقوعه بينها وبين جزئها ، وعلى هذا يكون فاعل « لا يقتضي » « البدليّة. »

٢٢٧

وثانيها : أن يكون تعليلا لقوله : « لا يقتضي الجزئية » ويكون فاعل قوله : « لا يقتضي » « كونها جبرا لما يحتمل نقصه » أي : كونها كذلك لا يقتضي الجزئية ؛ لأنّه لا يقتضي المساواة من كلّ وجه ، وإن اقتضى المطابقة في العدد ، فإنّه يجوز الجلوس في الاحتياط ، ولا يجزي فيه التسبيحات وغير ذلك ممّا ليس في ما يحتمل نقصه ، ولو كان كونها كذلك مقتضيا للجزئيّة لاقتضى المساواة من كلّ وجه.

وثالثها : أن يكون تعليلا لاحتمال البدليّة ، ويكون التعليل لدفع توهّم عدم احتماله لعدم مساواتهما من كلّ وجه.

قوله : بحيث.

التقييد بذلك ؛ لخروج ما إذا ذكر النقصان بحيث لا يحتاج إلى إكمالها بمثل ما فعل ، بل احتاج إلى غيره ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع ، واحتاط بركعة ثمّ ذكر نقصان الركعتين ، فإنّه لا يصح.

وقوله : « بحيث » متعلّق بالنقصان. وقوله : « بمثل ما فعل » متعلّق بالإكمال أي : لا يحتاج المصلّي في صحّة الصلاة إلى إكمالها بمثل ما فعل.

قوله : ولو اعتبرت المطابقة محضا إلى آخره

لمّا حكم بصحّة الصلاة لكون الاحتياط متمّما وإن اشتمل على زيادة أو نقصان احتمل أن يستبعد ذلك ويقال : إنّه كيف يصحّ الصلاة حينئذ مع أنّه يعتبر المطابقة المحضة أي : من جميع الوجوه بين ما نقص وما قام مقامه؟

فدفع ذلك : بأنّه ليست المطابقة المحضة معتبرة قطعا ؛ إذ لو اعتبرت المطابقة محضا لم يتحقّق احتياط يتذكّر فاعله أنّه محتاج إليه ، لأنّ كلّ صلاة احتياط تتحقق فيه الزيادة قطعا ؛ لاحتياجها إلى النيّة والتكبيرة وإن لم تحصل المخالفة في عدد الركعات كما إذا احتاط بركعة قائما في الشك بين الثلاث والأربع وذكر النقصان أي : أنّ صلاته كان ثلاثا مع أنّ ذلك أي : عدم تحقّق احتياط يذكر فاعله الحاجة إليه باطل قطعا ؛ لأنّ معنى الاحتياط أن يكون محتاجا إليه في بعض صور الواقع.

وعلى هذا يكون قوله : « ولو اعتبرت » إلى آخره دفعا لما يستبعد. ويحتمل أن يقال :

٢٢٨

ويمكن أن يكون قوله هذا لبيان احتمال عدم صحّة الصلاة في صورة الاحتياط مع تذكّر النقصان مطلقا. وعلى هذا يكون المعنى : أنّ ما ذكرنا من الحكم بصحّة الصلاة كان لو لم يعتبر المطابقة المحضة ، وأمّا لو اعتبرت لم يقبل احتياط ذكر فاعله الحاجة إليه ، لأنّ فاعله إمّا ذكر عدم النقصان ، فيعلم عدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط وكونه عبثا ، أو يتذكّر النقصان ، فبطل الصلاة ؛ لعدم حصول المطابقة المحضة لتحقّق زيادة النيّة والتكبير وإن لم يحصل المخالفة في عدد الركعات.

وظهر ممّا ذكر أنّ قوله : « الحاجة » مفعول لقوله : « ذكر » وقوله : « لتحقق الزيادة » ؛ [ تعليل ] لعدم التسليم.

قوله : ويشمل ذلك إلى آخره

يعني : أنّ حكم المصنّف بعدم الإعادة مطلقا بإطلاقه يشمل ما لو كان الشك بحيث يوجب احتياطين ، كما لو شك بين الاثنين والثلاث والأربع ، فيحتاط بركعتين قائما وركعتين جالسا ، فيكون على قول المصنّف صلاة صحيحة ، ولو ذكر النقصان. وهو أي عدم الإعادة وصحّة الصلاة كما قاله المصنّف ظاهر مع المطابقة أي : مع كون ما فعل من الاحتياطين مطابقا لما ذكره من الناقص كما لو تذكّر أنّ الصلاة التي فعلها كانت ركعتين ، فوجب ركعتان وقدّم ركعتين قائما على الركعتين جالسا من الاحتياطين ؛ فإنّ الركعتين قائما مطابقان للناقص ، ولانفصالهما عن الركعتين جالسا بالتشهد والتسليم يتمّ الصلاة أربع ركعات ويصح ، ويكون الركعتان جالسا زائدا لا يضرّ زيادتهما بالصلاة للانفصال المذكور.

ولو لم يتحقّق المطابقة كما لو ذكر أنّ ما فعلها كانت ثلاث ركعات ، وقدّم ركعتي القيام ، فإنّ الناقص حينئذ ركعة واحدة ، والمتمّم المتّصل بالصلاة ركعتان احتمل كونه أي : كون المصلّى كذلك ، أي لا إعادة عليه ، وهو ظاهر فتوى المصنّف لاطلاقه لما ذكر من الامتثال المقتضي للإجزاء.

واحتمل إلحاقه بمن زاد ركعة آخر الصلاة سهوا ، فيصحّ صلاته إن كان قد جلس بعد السجدتين من الركعة الاولى من ركعتي الاحتياط بقدر التشهد وإلّا فيبطل. هذا إذا كان قدّم الركعتين قائما.

٢٢٩

وكذا أي مثل ما ذكر أنّها ثلاث في صورة تقديم الركعتين قائما ما لو ظهر الاول اى كون الصلاة ركعتين بعد تقديم ركعتي الجلوس أو الركعة قائما بدلهما إن جوّزنا تقديم ركعتي الجلوس أو بدليّة الركعة كما مر ، فيحتمل صحّة الصلاة وعدم الإعادة للامتثال المقتضي للإجزاء.

ويحتمل الإلحاق بمن زاد ركعة آخر الصلاة سهوا ؛ لأجل أنّ الركعتين جالسا في حكم ركعة واحدة ، ومع انضمامها مع الركعتين قائما يصير المتمّم ثلاث ركعات ، وأمّا التشهد والتسليم الواقعان في آخر الركعتين جالسا ، فلا اعتبار به ؛ لكون المصلّي كالساهي ، فلا يضرّ زيادتهما.

قوله : ولعلّه السر إلى آخره

يعني : لعلّ ما ذكرنا هو السر في تقديم ركعتي القيام على ركعتي الجلوس ؛ فإنّه إذا قدّمت ركعتا القيام فان ذكر أنّ الصلاة كانت اثنتين يصحّ الصلاة قطعا ، وإن ذكر أنّها كانت ثلاثا يلزم زيادة ركعة فقط ، ولا يلزم شي‌ء آخر ، بخلاف ما إذا قدّمت ركعتي الجلوس ؛ فإنّه إن ظهر أنّ الصلاة كانت ثلاثا وإن كانت صحيحة ، إلّا أنّها ان ظهرت كونها اثنتين يلزم زيادة ركعة وتشهد وتسليم ولا شك ان الأوّل أقلّ محذورا ، فيجب مراعاته.

الفصل الثامن في القضاء

قوله : بتكرير الفرائض على وجه.

متعلّق بفعله وقوله : « على وجه » متعلّق بالتكرير ، والحرج والعسر مفعول للاستلزام. وقوله : « في كثير من موارده » متعلّق بالاستلزام.

والضمير في « موارده » راجع إلى التكرير أي : استلزام فعل القضاء أو الترتيب في كثير من موارد التكرير العسر والحرج ، والتخصيص بالكثير ؛ للاحتراز عن الطبقات ( كذا ) الاولى التي تكرر الصلاة فيها مرّة أو مرّتين.

ويمكن أن يكون قوله : « في كثير » متعلّق بقوله : « المنفيين » والضمير راجعا إلى العسر والحرج أي : المنفيين في كثير من موارد لزومهما وإن لم يكونا منفيين في بعض المواضع

٢٣٠

كوجوب قضاء تمام الصلوات فيمن جهل مسألة وأخلّ لأجله بالصلاة وأمثال ذلك ، وحينئذ يحتاج تتميم الاستدلال إلى ضميمة اخرى وهى إلحاق الشي‌ء بالأكثر الأغلب.

ثمّ لا يتوهّم اتحاد هذا مع الدليل الأوّل حيث إنّ مفاد قوله : « إنّ الناس في سعة ما لم يعلموا » (١) سقوط ترتيب القضاء لأجل منافاته للسعة [ لا ] استلزامه العسر ؛ فإنّ الاول استدلال بحديث « إن الناس في سعة » والثاني استدلال بدليل العقل وسائر عمومات نفي الحرج.

قوله : وسهولته.

مبتدأ ، وقوله : « يستلزم » خبره.

وجملة المبتدأ والخبر مبتدأ بتأويل القول خبره إحداث قول ثالث ؛ فإنّه لما نفى وجوب الترتيب لأجل العسر والحرج في كثير من الموارد كان لقائل أن يقول : إنّه في بعض الموارد سهل ، فسهولته فيه يستلزم إيجاب التكرير فيه فقال : إنّ سهولته في بعض يستلزم إيجابه فيه الا ان هذا القول إحداث قول ثالث.

والمراد بالثالث هنا : ما ينافي الإجماع المركّب ، فإنّه يتعارف أن يقال لخرق الإجماع المركّب إحداث قول ثالث ، وإن كانت الأقوال في المسألة أكثر من اثنين.

قوله : أن ينوي بقلبه.

لا يخفى أنّ النيّة هو العزم ، والعزم هو الإرادة والقطع ـ صرّح بهما الجوهري في الصحاح ـ ولا شك أنّ الإرادة والقطع عليها لا يكونان إلّا في القلب. وعلى هذا فلا حاجة إلى التقييد بقلبه ، وإنّما قيّده من باب التجريد كما في قوله تعالى : ( أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ).

ووجه التجريد : أنّه لمّا شاع استعمال النية في آثارها الظاهرية من التلفّظ ونحوه مجازا وكان من المهم أن يذكر أنه يجب أن لا يكون بالتلفّظ ، حيث إنّه موجب لبطلان الصلاة صرّح به اهتماما بالمقام وتوضيحا له.

و « الباء » في قوله : « بقلبه » إمّا بمعنى « في » أو للاستعانة.

قوله : تدارك السابقة لا غير.

ذكره لدفع توهّم أنّه يجب بعد تدارك السابقة إعادة اللاحقة التي صلاها.

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ١٨ / ٢٠.

٢٣١

وقوله : « لاغتفار الترتيب » علّة لما يدلّ [ عليه ] قوله : « لا غير » من عدم إعادة اللاحقة.

قوله : وكذا لو شرع.

أي : مثل النسيان لو لم يعلم بفوات السابقة أوّلا أصلا وشرع في اللاحقة ثمّ علم في أثنائها فوات السابقة ، فيعدل لو لم يركع في الزائدة ويتمّها ويتدارك السابقة لو ركع.

قوله : أو فيما بعده.

عطف على قوله : « أوّلا » حيث إنّه بمعنى : في الأوّل ، والضمير راجع إلى الأوّل أي : لو ذكر براءته من المعدول إليها عدل إلى اللاحقة المنوية في الأوّل إذا كان المعدول إليها واحدا ، أو متعدّدا ولكن علم البراءة من جميع ما عدا الأوّل ، وعدل إلى اللاحقة المنوية في ما بعد الأوّل إذا كان المعدول إليها متعدّدا وعلم البراءة من بعضها الذي عدل إليه أخيرا.

ولا يخفى أنّ العدول هنا إلى اللاحقة المنوية أوّلا أو فيما بعده أيضا يتوقّف على عدم التجاوز عن محلّ العدول ، فلو تجاوز بطلت الصلاة ، ويجب استئناف اللاحقة كما أنّه شرع في قضاء المغرب ، ثمّ ذكر أنّ عليه قضاء العصر في الركعة الثالثة ، فعدل إلى العصر ، وصلّى ركعة ، وركع في الرابعة ، فذكر براءته من العصر ، فإنّه لا يصحّ العدول حينئذ.

قوله : من أوّل الوقت.

لفظة « من » بمعنى : « في » كما في قوله تعالى : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ). (١)

وقوله : « من أوّل الوقت » متعلّق بالصلاة. و « الباء » في قوله : « بإطلاق الأمر » للسببيّة ، وهو متعلّق بالمخاطبة أي : مخاطبة ذوي الأعذار بالصلاة في أوّل الوقت بسبب إطلاق الأمر أي : الأمر بإتيان الصلاة في أوّل الوقت ؛ فإنّه مطلق شامل لذوي الأعذار وغيرهم.

الفصل التاسع في صلاة الخوف

قوله : سفرا.

إذا كانت رباعية ، وإنّما لم يقيد بها لظهورها.

__________________

(١) الجمعة : ٩.

٢٣٢

قوله : على الأصح.

إشارة إلى ما حكاه الشيخ والمحقّق عن بعض الأصحاب من أنّها إنّما يقصر في السفر خاصّة.

قوله : وحجّة.

مصدر بمعنى الاحتجاج مبتدأ خبره قوله : « مندفعة » والمراد من الآية قوله تعالى : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ). (١) وقوله : « حيث اقتضت الآية الجمع » أي اقتضت الجمع بين السفر والخوف فلا يقصر مع الخوف وحده.

ووجه اقتضائها الجمع أنّه سبحانه قال : وإذا ضربتم أي سرتم في الأرض فلا جناح من القصر بشرط الخوف ، فالقصر مشروط بكلّ من السفر والخوف.

و « الباء » في قوله : « بالقصر » سببيّة أي : الاندفاع بسبب [ أنّ ] القصر للسفر المجرّد عن الخوف ، فإنّ السفر إذا لم يكن معه خوف يوجب القصر بالإجماع ، فليس شرط القصر الجمع إجماعا ، فيكون الآية متشابهة ، فلا يمكن الاستدلال بها ؛ لأنّ الاستدلال إنّما يكون بالمحكم دون المتشابه ، والمحكم هنا : النص.

وهذا هو المراد بقوله : « والنص محكم فيهما » أي : المحكم في حكم السفر المجرّد عن الخوف ، والخوف المجرّد عن السفر هو النص حيث إنّه لا اشتباه فيه ، فيجب اتباعه ، وهو يدلّ على عدم اشتراط شي‌ء منهما بالآخر.

ويمكن أن يكون قوله : « محكّم » ـ بالتشديد ـ من التحكيم بمعنى الحاكم يعني : أن الآية اقتضت الجمع بمعنى أنّ الخوف يستدعي القصر بشرط السفر ، والسفر يستدعيه بشرط الخوف ، والحاكم في هذين الحكمين النص ، فحكم لكلّ منهما بالقصر ، ولو بدون الآخر ، هذا.

ويمكن أن يكون الوجه في اندفاع الاحتجاج بالقصر للسفر المجرّد عن الخوف : أنّه يعلم من الخارج أنّ السفر المجرّد يوجب القصر ، ومع ذلك فلا معنى لجعله مشروطا

__________________

(١) النساء : ١٠١.

٢٣٣

بالخوف ، فيعلم بذلك أنّ المراد بالضرب في الأرض ليس سفر القصر ، وإلّا لم يكن للتقييد بالخوف فائدة ، وإذا لم يكن المراد سفر القصر لا يتمّ الاحتجاج ، بل جعلها بعضهم بهذا التوجيه دليلا على عدم اشتراط السفر ، بإتمام المطلوب بالإجماع المركّب.

قوله : على الأشهر.

إشارة إلى خلاف الشيخ في المبسوط. وبه صرّح ابن إدريس ونسبه المصنّف إلى ظاهر جماعة من الأصحاب.

قوله : أو قوّتهم.

أي : شجاعتهم وتظاهرهم على العدوّ بجرأتهم وجلادتهم.

وبذلك يندفع ما توهّم من أنّ عطف قوله : « أو قوّتهم » على « الكثرة » غير واقع موقعه حيث إنّه يدلّ على أنّ الكثرة بدون القوة التي توجب مقاومة كلّ فرقة كافية في جواز الصلاة ، مع أنّه ليس كذلك ؛ لأنّ الكثرة بدون القوّة المذكورة لا تكفي في تجويز صلاة الخوف.

ووجه الاندفاع : أنّ المقاومة شرط على التقديرين ، ولكنّها تارة تكون لأجل الكثرة وإن لم تكن فيهم شجاعة وجلادة ، واخرى تكون لأجل الشجاعة ، فإنّ المراد بالقوّة ليس إمكان المقاومة مطلقا ، بل لأجل الشجاعة وعلى هذا يمكن أن يكون قوله : « بحيث يقاوم » قيدا للكثرة والقوة معا ، لا للقوّة خاصّة.

قوله : وإن لم يتساويا.

أي : وإن لم يتساو الفرقتان في العدد ، بأن يكون أحدهما ذا قوّة وشجاعة فيقاوم العدو مع أقلّية عددهم عن الفرقة الاخرى.

ويمكن أن يكون المراد : وإن لم يتساو كلّ فرقة مع العدو في العدد أي : لا يشترط مساواة كلّ فرقة بما يقابله من العدو ، والأوّل أظهر.

قوله : أو في جهتها.

عطف على قوله : « في خلاف جهة القبلة ». أي : يشترط إمّا كون العدو في خلاف جهة القبلة مطلقا ، أو كونهم في جهة القبلة ، ولكن بشرط وجود مانع هناك يمنع من قتالهم ، فيضطرون إلى التوجّه إلى جانب يكون العدو في خلاف جهة القبلة.

٢٣٤

ويمكن بعيدا أن يكون معطوفا على الجملة الاستثنائية أي قوله : « إلّا بالانحراف عنها » ، ويكون المراد بالانحراف عن القبلة التوجّه إلى الجانب المخالف للقبلة مطلقا ، ولو كانت جهة القبلة. ويكون قوله : « مع وجود حائل » قيدا للجملة الاستثنائية والمعطوفة معا ، ويكون المراد بالحائل : الفرقة المقاتلة ، ويكون المعنى : بحيث لا يمكنهم القتال مع صلاتهم بغير الانحراف عن القبلة أي : إلى نفس القبلة ، أو في جهة القبلة مع مقاتلة الطائفة الاخرى. وهذا بعيد ، بل فيه خدشة ظاهرة ، ولكنّه احتمله بعض المحشّين.

الفصل العاشر فى صلاة المسافر

قوله : وشرطها قصد المسافة.

أي : قصدها في مبدأ السير. فلو قصد أقلّ من المسافة ، ثمّ إذا بلغه قصد أقلّ من المسافة أيضا لم يجب القصر ، وإن بلغ المجموع المسافة.

قوله : أو غيره مع النيّة.

معطوف على قوله : « في بلده » أي : لا يقيم في بلده مطلقا سواء كان مع النيّة أو بدونها أي : لا يقيم أيضا مع النية مطلقا سواء كان في بلده او في غيره فالإقامة فى بلده قادحة فى الكثرة سواء كانت مع النية أم لا. وأمّا في غيره فلا بدّ من نيّة الإقامة أوّلا عشرا.

قوله : أو يصدق عليه اسم المكاري.

عطف على قوله : « يسافر » أي : كثرة السفر بأن يسافر ثلاث سفرات بالطريق المذكور ، وإن لم يصدق عليه الاسم ، أو بأن يصدق عليه الاسم وإن لم يسافر ثلاث سفرات.

والترديد بلفظة « أو » يمكن أن يكون للتقسيم أي : كثرة السفر يتحقّق بكلّ منهما كما هو مذهب ابن إدريس. ويحتمل أن يكون للتردّد في التعيين حيث إنّ بعضهم خصّ بالأوّل ، وبعضهم بالثاني.

ويمكن أن يكون لفظة « أو » بمعنى « الواو » حتّى يكون المعتبر في تحقّق الكثرة الأمران معا ، وهو الأنسب بقوله : « وحينئذ فيتمّ في الثالثة » كما لا يخفى.

٢٣٥

وعلى بقاء لفظة « أو » بمعناها يجب أن يراد بقوله : « حينئذ » : أنّه إذا اعتبرت السفرات الثلاث ، وذكر ذلك لئلّا يتوهّم أنّ بعد اعتبار ثلاث سفرات يجب الإتمام في الرابعة.

قوله : أربعون يوما مترددا في الإقامة.

اعتبار الأربعين ؛ لأجل أنّ المستفاد من اعتبار إقامة عشرة في البلد مطلقا ، أو مع اعتبار النيّة في غير بلده أنّ موجب القصر هو إقامته في مكان يجب عليه التمام لو لم يكن كثير السفر عشرة أيّام.

وعلى هذا فإقامة عشرة يوجب التمام للمتردد أو الجازم بالسفر لا يحصل إلّا بعد مضيّ أربعين يوما ؛ لأنّ أوّل الإتمام بعد الثلاثين.

وذهب بعضهم إلى كفاية مضيّ ثلاثين يوما أيضا.

قوله : كالتاجر في المحرّم.

الأربعة الاولى أمثلة لسفر كانت غايته معصية ، والخامس مثال لما كان سفره مستلزما لمعصية.

وعلى هذا فالمراد بالآبق والناشز : من يسافر لأجل الإباق والنشوز أي : يوجدهما بالسفر ، ولم يذكر مثال المشترك لوضوحه.

وقوله : « مستلزمة » أي : يكون السفر مستلزما للمعصية لا غايته ؛ لأنّ الغاية لو استلزمها لكانت معصية أيضا. والتأنيث في قوله : « مستلزمة » باعتبار كون السفر بمنزلة مبتدأ خبره : « معصية » في قوله : « وأن لا يكون سفره معصية » أو باعتبار إضافة الغاية إلى الضمير الراجع إليه ، فتأمّل.

قوله : ولو تقديرا.

قيد لتواري الجدران وخفاء الأذان معا. والأمثلة الأربعة الاول والأخير أمثلة لتقدير تواري الجدران والباقيان مثالان لتقدير خفاء الأذان.

ثمّ عطف « السمع » و « البصر » على « الأذان » مع أنّ عادم الأذان والجدار وصف للبلد باعتبار أنّ المسافر من البلد أيضا من متعلّقات البلد ، فالمعنى : كالبلد العادم للسمع والبصر المسافر منه ، فهو وصف البلد باعتبار متعلّقه.

٢٣٦

قوله : مخزون علم الله.

إضافة « مخزون » إلى « العلم » من باب إضافة الصفة إلى الموصوف كجرد قطيفة.

قوله : والاقتصار عليها.

أي : على المواضع الأربعة المتقدمة وهي المساجد الثلاثة والحائر وعدم التعدّي إلى غيرها من المشاهد والبلدان موضع اليقين فيما خالف الأصل. وهذا كناية عن تعيّن الاقتصار ولزوم الحكم به ؛ لأن فيما خالف الأصل يجب الاقتصار على موضع اليقين بإجماع الفقهاء ، فمن لوازم موضع اليقين فيما خالف الأصل الحكم به ، وتعين الأخذ به وعدم التعدي عنه.

فكنّى بهذه العبارة عن تعيّن القول به ، وإنّما كنّى بذلك ؛ لكونه إشارة إلى دليل الاقتصار أيضا ؛ فإنّه لا يصار إلى خلاف الأصل إلّا بدليل ، وهو لا يوجد إلّا في موضع اليقين ، فلا يجوز التجاوز عنه.

قوله : بحيث مضى منه.

أي : من الوقت و « الباء » في قوله : « بشرائطها » بمعنى : « مع » أي : مضى من الوقت بقدر الصلاة مع الإتيان بشرائطها التي كانت مفقودة قبل الوقت ؛ فإنّ ما كان من الشرائط حاصلا قبله لا يشترط مضي الوقت بقدر الإتيان به أيضا وقوله : « قبل مجاوزة الحدّين » متعلّق بقوله : « مضى » أي : مضى هذا الوقت قبل التجاوز عن الحدّين المذكورين ، وهما تواري الجدران وخفاء الأذان ، فلو مضى بعض القدر المذكور بعد الشروع في السفر ولكن قبل مجاوزة الحدّين اطّرد الحكم أيضا.

قوله : عملا بالأصل.

المراد بالأصل هنا : هو القاعدة الثابتة بالدليل ، وهي هنا وجوب الصلاة أربع ركعات خرج ما خرج بالدليل ، فيبقى الباقي.

قوله : تصلّى سفرا إلى آخره

سواء كانت مقصورة أم لا ، كصلاة المغرب. ولا يخفى أنّ مقتضى قوله : « وقيل كل صلاة » انّه يستحبّ جبر كلّ صلاة ، مع أنّه لا نقص في غير المقصورة حتّى يجبر.

٢٣٧

ويمكن أن يقال : إنّ نقص كلّ صلاة سفرية باعتبار سقوط الأذان في السفر ، وباعتبار ما لا ينفك السفر عنه غالبا من الاستعجال وعدم حضور القلب.

ويمكن أن يكون من باب التجريد حيث إنّ الجبر هنا بمعنى : قول التسبيحات للجبر.

قوله : والمرويّ التقييد.

أي : التقييد بالمقصورة.

رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي قال : قال الفقيه العسكرى عليه‌السلام : « يجب على المسافر أن يقول في دبر كلّ صلاة يقصر فيها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله اكبر ، ثلاثين مرّة لتمام الصلاة ». (١)

الفصل الحادى عشر في الجماعة

قوله : وملازمة المروّة.

يمكن أن يكون مجرورا معطوفا على قوله : « ملازمة التقوى » ومرفوعا معطوفا على « القيام ».

وقوله : « وما ينفر عنه » عطف على « مساويها » أي : اجتناب ما ينفر عنه ، و « يؤذن » عطف على « ينفر » أي : ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة.

قوله : تزكية إلى آخره

مرفوع على أنّه خبر لقوله : « واقتداء العدلين ». ويمكن أن يكون منصوبا على أن يكون مفعولا له للركون ، أو تمييزا ، وحينئذ يكون [ الاقتداء ] مجرورا عطفا على الشياع.

قوله : ولا تصحّ مع جسم.

التقيّد بالجسم لخروج حيلولة الظلمة كما يأتي.

وقوله : « يمنع المشاهدة » وصف للحائل ، والتقييد به لخروج حيلولة النهر ومثله ؛ فإنّه وإن كان حائلا إلّا أنّه ليس حائلا من المشاهدة.

وفيه ردّ على أبي الصلاح وابن زهرة حيث ذهبا إلى المنع من حيلولة النهر.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٥٢٣.

٢٣٨

وقوله : « أجمع » بدل للإمام أي : يمنع من مشاهدة الإمام أجمع ، فلو كان مانعا عن مشاهدة بعضه كحائل قصير يمنع من مشاهدة رجليه ، أو من مشاهدة رأسه فقط لا يضر.

وسائر هنا بمعنى : الجميع ، كما ذكر الجوهري في الصحاح. قال : وسائر الناس جميعهم. والتقييد به للمانع عن المشاهدة في بعض الأحوال كالحائط القصير المانع عن المشاهدة حال الجلوس.

وقوله : « للإمام » متعلق بالمشاهدة. وقوله : « منهم » أي : من المأمومين. والتقييد به لخروج مشاهدة من يشاهد الإمام من غير المأمومين ، ؛ فإنّه غير كاف.

قوله : بالمشهور.

« الباء » بمعنى « في » كما في قوله : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ) (١). وقوله : ( نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ ). (٢) أي : في المشهور. وخلاف المشهور قول الشيخ في الخلاف حيث ذهب إلى الكراهة.

ورجّحه بعض المتأخرين.

وتردّد فيه المحقّق في المعتبر.

قوله : عدم تقدّم.

ظاهر هذا الكلام جواز المساواة بينهما ، وهو المشهور. وحكي عن ظاهر ابن إدريس المنع من ذلك واعتبار تأخّر المأموم.

ولفظة « الواو » في قوله : « ولا بدّ منه » حالية ، والضمير المجرور راجع إلى الذكر المستفاد من قوله : « ولم يذكر » ، أو إلى الاشتراط ، أو إلى عدم تقدّم المأموم أي : لم يذكر ذلك ، والحال أنّه لا بدّ من ذكره أو من اشتراطه أو من عدم تقدّم المأموم.

والضمير المجرور في قوله : « فيه » راجع إلى عدم تقدّم المأموم.

قوله : والمعتبر فيه العقب قائما.

وعلى هذا فلو تساوى العقبان لم يضر تقدّم أصابع رجل المأموم أو رأسه أو صدره في حالتي الركوع والسجود كما أنّه لو تقدّم عقبه على عقب الإمام لم ينفعه تأخر أصابعه ورأسه.

__________________

(١) آل عمران : ١٢٣.

(٢) القمر : ٣٤.

٢٣٩

وهذا في القائم ، وكذلك في الجالس لو تساوى الأليتان لم يضر تقدم الركبتين كما لا ينفع تأخّر الركبتين مع تقدّم الأليتين.

قوله : وجوبا أو استحبابا.

يمكن أن يكون « وجوبا أو استحبابا » متعلّقا بقوله : « أسقط » أي : أسقط إسقاطا واجبا ، فيحرم القراءة مطلقا ، أو أسقط إسقاطا استحبابا ، فيكره القراءة كذلك.

وعلى هذا فيكون الإسقاط الوجوبي قولا لبعض ، والاستحبابي قولا لبعض آخر.

ويمكن أن يكون قوله : « وجوبا أو استحبابا » متعلقا بالقراءة أي : ومنهم من أسقط القراءة سواء كانت في المواضع التي قيل بوجوبها فيها أو استحبابها مطلقا.

والحاصل أنّه قال بسقوط القراءة التي قيل بوجوبها أو استحبابها. وعلى التقديرين المراد بقوله : « مطلقا » أي : سواء كانت في الجهريّة أو الإخفاتية في الأوّلتين أو الآخرتين.

قوله : المعيّن بالاسم إلى آخره

التعيين الاسمي كما إذا شاع أنّ زيدا ـ مثلا ـ عادل ، أو شهد به عدلان ، ولم ير المأموم شخصه ، وما رآه قبل ذلك أيضا ولم يعلم منه وصفا آخر أيضا ، فدخل مسجدا يعلم أنّ الإمام فيه زيد الشائع عدالته ووقف عقيب الصفوف من غير مشاهدته ، فتعيّن الإمام حينئذ بالاسم فقط فينوي : اصلّي اقتداء بزيد قربة إلى الله.

والتعيين الوصفي كما إذا شاع أنّ مصنّف الكتاب الفلاني ـ مثلا ـ عادل ، وما رآه أيضا ، ودخل مسجدا يعلم أنّ الإمام فيه هذا المصنّف من غير مشاهدته ، فينوي : إنّي أقتدي بمصنّف الكتاب الفلاني.

والتعيين بالقصد الذهني إن دخل مسجدا ولم يعلم اسم الإمام المصلّي فيه ، ولا وصفه ، وشاهده ، وشهد عدلان ـ مثلا ـ بعدالته ، فينحصر شخص الإمام في قلبه ، وينوي الاقتداء به.

ولكن لا يخفى أنّه يمكن التعيين بالوصف حينئذ أيضا : بأن ينوي التعيين بوصف كونه حاضرا أو مصلّيا أو إماما.

وقوله : « ولو أخطأ تعيينه » معناه : أنّه نوى الاقتداء بالحاضر على أنّه زيد ، فبان عمرا ، ونحو ذلك.

٢٤٠