الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

وقوله : ويعدم الظل أصلا إن كان بقدره.

أى : كان عرض المكان بقدر ميل الشمس في ذلك اليوم.

وقوله : « وذلك » أي : تساوي مقدار عرض المكان لميل الشمس. ويمكن أن يكون إشارة إلى انعدام الظل كما سيظهر وجهه.

وقوله : « في كلّ مكان » إلى آخره خبر لقوله : « ذلك » ويمكن أن يكون الخبر « عند ميلها » إلى آخره والأوّل أولى.

والمراد بالميل الأعظم : غاية بعد منطقة البروج عن معدل النهار وهو بالرصد الجديد المعمول له ثلاث وعشرون درجة وثلاثون دقيقة وسبع عشرة ثانية وهو يكون عند الانقلابين الشتوي والصيفي. وقوله : « عند ميلها » أي : يكون التساوي إذا بلغ ميل الشمس بقدر عرض المكان ، فإن كان العرض مساويا للميل الأعظم يكون إذا بلغ الميل غايته ، وإذا كان أنقص يكون إذا بلغ بقدره ، سواء اتّحدت جهتا الميل والعرض أو [ اختلفت ] ، وإن يتوقّف انعدام الظل على الاتّحاد في الجهة.

قوله : وموافقته له في الجهة.

أي : موافقة الميل للعرض في الجهة : بأن يكونا معا شماليين عن المعدل أو الجنوبيين عنه.

وهذا ليس عطفا على قوله : « ميلها » إن كان قوله : « ذلك » إشارة إلى التساوي ، فإنّه لا شك أن التساوي لا يتوقّف على الاتّحاد في الجهة ، بل يتحقّق مع الاختلاف أيضا.

نعم لو جعل إشارة إلى انعدام الظل يكون عطفا عليه ؛ إذ انعدام الظل لا يكون إلّا مع الموافقة في الجهة ، ولكن جعله إشارة إليه لا يخلو عن شي‌ء ؛ لأنّه لا بدّ حينئذ أن يكون قوله : « وموافقته للجهة » عطفا على « ميلها » وتتمّة لخبر ذلك. فيبقى ما قبله باقيا على الإطلاق أي : يكون انتهاء النقصان مع المخالفة في المقدار ، وانعدام الظل مع التساوي مطلقا ، مع أنّه ليس كذلك ؛ لأنّه قد يتساويان في المقدار ، ولا يعدم الظل ، وهو إذا اختلفت الجهة ، فيجب أن تكون لفظة « الواو » في قوله : « وموافقته » بمعنى : « مع » وتكون تتمّة لقوله : « إن كان بقدره » أي : ويعدم الظل ان [ كان ] الميل بقدر العرض مع موافقة الميل والعرض في الجهة ، فيفهم منه أنّه لا يعدم عند عدم الموافقة في الجهة أيضا.

٢٠١

ويمكن أن يكون هذا تتمّة للخبر ، ويكون « ذلك » إشارة إلى انعدام الظل ، وكان يقيّد ما قبل الإشارة بما سيأتي بعد ذلك من قوله : « كلّ ذلك مع الموافقة في الجهة » بل هذا هو الظاهر ؛ لأنّ قوله : « كلّ ذلك » لا يصلح قيدا إلّا لذلك كما يأتي.

قوله : ويتّفق في أطول أيّام السنة إلى آخره

أي : يتّفق انعدام الظل.

وقوله : « تقريبا » قيد للاتّفاق أي : لا يتفق انعدام الظلّ فيه أيضا حقيقة ، بل تقريبي ؛ وذلك لانّ عرض مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله خمس وعشرون درجة ، فيزيد عن الميل الأعظم بدرجة ، فلا يساوي العرض للميل في أطول أيّام السّنة ، بل يختلفان بدرجة وكسر ، ولكن الباقي من الظل لا يكون محسوسا ، فلذلك قيّد بالتقريب.

قوله : وفي مكّة.

أي : يتفق انعدام الظل في مكّة قبل انتهاء ميل الشمس ، أو قبل انتهاء الأيّام إلى الأطول بستّة وعشرين يوما.

ولا يخفى أنّ عرض مكّة إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة وهي مساوية لميل الدرجة الثامنة من الجوزاء أو الثالثة والعشرين من السرطان ، ولا شك [ أنّ ] وصول الشمس إلى الاولى قبل الانتهاء ، بأقلّ من ستّة وعشرين بثلاثة أيّام أو أربعة ، وكذلك وصولها إلى الثانية بعده ، فلا يصحّ تعيين ستّة وعشرين. والتوجيه بأنّه تقريبيّ غير صحيح ؛ لمنافاته لقوله : « ثمّ يعدم يوما آخر » ، بل لقوله : « ثمّ يحدث ظلّ جنوبي » مع منع التقريب أيضا.

قوله : تختلف زيادة ونقصانا.

فإن كان البلد شماليا تكون غاية نقصان الظل إذا كانت الشمس في أوّل السرطان ، ثمّ يزيد الظل بانتقال الشمس إلى أن وصلت أوّل الجدي ، فحينئذ غاية زيادة الظل ، ثمّ ينقص شيئا فشيئا إلى الوصول إلى أوّل السرطان وإن كان البلد جنوبيا يكون بعكس ذلك.

ولو قلنا بكون غاية نقصان الظل في المنقلب الصيفي في البلد ، ثمّ ينقص إلى حلول الشمس إلى المنقلب الشتوي فيه يعمّ البلدين.

٢٠٢

قوله : وما كان عرضه مساويا للميل.

« اللام » للعهد الذكري. أي : للميل الأعظم.

قوله : صاعدة وهابطة.

المراد : الصعود والهبوط المصطلحين عند علماء الهيئة ، وكونها في النصف الصاعد والهابط ، دون ما هو الظاهر المعتبر بالنسبة إلى سمت الرأس.

قوله : كلّ ذلك مع موافقته في الجهة.

هذا إشارة إلى ما قبل الضابط ، بل ما قبل قوله : « ويتّفق » ؛ إذ ليس بعده ما يصلح لكونه إشارة إليه كما لا يخفى على المتدرب.

قوله : أمّا الميل الجنوبي إلى آخره

لمّا كان الربع المسكون عرضه شماليا وليس بلد جنوبي ، وينحصر العروض بالشمالية فيصير قوله : « مع موافقته في الجهة » في قوة قوله : « مع كون ميل الشمس شماليا » ؛ إذ العرض ليس إلّا شماليّا.

وعلى هذا فيظهر صحّة تعقّبه بقوله : « وأمّا الميل الجنوبي » ، وكذا يظهر صحّة قوله : « من ذي العرض » لأنّ المراد حينئذ : ذو العرض الشمالي. وأمّا ذو العرض الجنوبي فقد يعدم الظل فيه مع الميل الجنوبي.

وقوله : « مطلقا » أي : سواء كان العرض بقدر الميل الكلّي ، أو أزيد أو أنقص.

قوله : لا كما قال المصنّف في الذكرى

ليس عطفا على قوله : « أمّا الميل الجنوبي » كما يوهمه ظاهر العبارة ، بل عطف على ما سبق من ( انعدام الظل إذا كان الميل بقدر العرض ) يعني : أنّ انعدام الظل إذا كان الميل مساويا للعرض ، فيكون ذلك بمكّة وصنعاء قبل أطول أيّام السنة كما سبق ، لا كما قاله المصنّف إلى آخره.

ووجه كون ما ذكره من أقبح الفساد ظهر ممّا ذكرنا.

قوله : وكذا لو دخل.

أي : وكذا تقع العصر صحيحة لو صلّاها ناسيا قبل الظهر لو دخل الوقت المذكور قبل أن يتمّ العصر.

٢٠٣

والحاصل أنّ صحّتها موقوفة إمّا على وقوع جميعها في الوقت المشترك أو وقوع بعضها فيه بأن يدخل الوقت المشترك وهو في الصلاة. هذا بناء على ما عليه الأكثر من أنّه لو وقع بعض الصلاة قبل الوقت نسيانا تصحّ الصلاة إذا وقع بعضها الآخر في الوقت.

قوله : مثله أي : مثل ذي الظل.

إنّما حكم برجوع الضمير إلى ذي الظل ، دون الظل نفسه ـ كما هو مذهب بعضهم ـ لأنّه خلاف ظاهر العبارة ؛ لأنّه لا معنى لأن يصير الشي‌ء مثل نفسه ، فلا بدّ من ارتكاب استخدام : بأن يراد من الظل المذكور : الظلّ الحادث ، ومن الظل في المرجع : الظلّ الباقي. مع ضعف هذا المذهب دليلا واستلزامه لاختلاف الوقت في البلاد لاختلاف الظلّ الباقي بحسب اختلاف العروض بل اختلاف الوقت في بلد واحد باختلاف الاوقات لاختلاف الظلّ الباقي باختلاف ميل الشمس.

قوله : بل قيل.

أي : قيل بتعيّن فعل الظهر قبل هذا المقدار بخلاف تأخير العصر فانّه لم يقل أحد بأنّه يتعيّن التأخير بل اتفقوا على جواز فعل العصر قبل هذا المقدار.

قوله : المشرق.

أي : حدّ المشرق ، ومنتهاه قمة الرأس ، أى أعلاه فما لم يتجاوز الحمرة عن أعلى الرأس لم تذهب الحمرة المشرقيّة وإن تجاوزت عن مبادئ المشرق.

قوله : اختيارا.

هذا القيد ليس للاحتراز ، بل لدفع توهّم أنّ الوقت الممتدّ (١) هو الوقت الاضطراري للظهر ـ كما قيل ـ وهو المقابل لأشهر القولين.

قوله : كما يختصّ.

هذا التشبيه يحتمل أن يكون في مجرّد الاختصاص ، وأن يكون فيه وفي سائر ما سبق من ملاحظة حالات المصلّي ، فيكون المراد : أنّ اختصاص العصر من الآخر كاختصاص الظهر من الأوّل ، فيتفاوت بحسب حال المصلّي من القصر والتمام ، والخفّة والبطء ، وحصول الشرائط وفقدها.

__________________

(١) فى الاصل : المبتدأ.

٢٠٤

قوله : وإطلاق امتداد إلى آخره

أي : في كلام المصنّف حيث قال : « الظهرين ».

وقوله : « إذ امتداد » إلى آخره تعليل لما يفهم من قوله : « وإطلاق » إلى آخره من أنّه يصحّ هذا الإطلاق بالاعتبار المذكور ، ولا ينافي اختصاص بعض الوقت بالعصر.

والضمير في قوله : « مجموعه » راجع إلى اللفظ الواحد باعتبار معناه.

قوله : من المراتب.

أي : ما بعد القيام كفاقد الجلوس إذا رجا القدرة عليه ، أو فاقد النوم على القفا لفاقده ، وهكذا.

الثانى فى القبلة

قوله : بسبب الزيادة.

أي : بسبب الزيادة فيهما أي : في الجهتين العرفيتين ، وكذا النقصان.

قوله : المشهور جعل الثريّا والعيّوق.

ليس المراد أن يكون الثريّا عند الطلوع مقابلا لليد اليمنى والعيّوق لليسرى لأنّه غير ممكن ؛ لتوقّفه على أن يكون البعد بينهما نصف دور مع أنّه أقلّ بكثير من ربعه أيضا ، بل المراد : أنّ قبلتهم بين مطلعهما بحيث يكون الثريا على جهة اليمين والعيّوق على جهة الشمال.

الثالث ستر العورة

قوله : وهو مورد النص.

أي : سواء كان صبيّا أو صبية.

ويحتمل أن يكون التخصيص لضعف الرواية ؛ ولذا توقّف فيه بعضهم.

قوله : والحق بها المربّي.

أي : الحق بالمربية المربّي ، وبالصبي الولد المتعدّد.

٢٠٥

أمّا إلحاق الأوّل ؛ فلاتّحاد [ العلّة ] وهو دفع العسر والحرج. وأما الثاني ؛ فلورود المولود في النصّ الصادق على الواحد والمتعدّد.

وفي الأوّل : منع الاتحاد ؛ لأنّ العسر والحرج بالنسبة إلى المرأة أظهر لضعف حالها. وفي الثاني : منع الصدق ؛ فإنّ شمول المولود للمتعدّد غير معلوم مع تضاعف النجاسة فيه غالبا.

قوله : على جواز الصلاة فيه.

المجرور متعلّق بالإجماع ، أي : جواز الصلاة في هذا الفرض. وفي بعض النسخ : « وعاريا » حتّى يكون الضمير راجعا إلى الثوب ، ولكنّه غير صحيح [ و ] مناف لقوله : « بل الشهرة بتعيّنه » أي : تعيّن العريان ؛ فإنّ الشهرة بتعيّنه ينافي جواز الصلاة في الثوب وعاريا.

قوله : إلّا مع الساق.

أي : إلّا إذا ستر ظهر القدم مع الساق ، فالمراد بالساق معناها الحقيقي.

ويمكن أن يكون المراد منها : معناها المجازي ، وهو ما يستر الساق أيضا ؛ فإنّه يسمّى ساقا مجازا ، فيكون المعنى : فيما يستر ظهر القدم ، إلّا إذا كان مع الساق ، وعلى هذا يكون في الضمير المجرور في قوله : « منه » ارتكاب استخدام.

وقوله : « بحيث » إلى آخره لبيان أنّه لا يجب تغطية جميع الساق ، بل يكفي تغطية شي‌ء منها.

وقوله : « فوق المفصل » ؛ لاخراج ما لو اتصل بما يستر ظهر القدم شي‌ء مغطّ (١) بحيث يستر شيئا من الساق ، لا فوق المفصل ، بل أعلى منه ، ويكون ما بينه وما بين المفصل من الساق مكشوفا ؛ فإنّه لا يكفي في الجواز ، بل يجب أن يكون المستور من الساق فوق المفصل أي : متصلا به.

__________________

(١) فى الاصل : مخيط.

٢٠٦

السادس [ فى مبطلات الصلاة ]

قوله : ما تركّب من حرفين.

أي : صوت مركّب منهما. والمراد بالكلام اللغوي : ما يتكلّم به قليلا كان كلمة أو كثيرا.

قال نجم الائمة : « إنّ الكلام في اللغة موضوع لجنس ما يتكلّم به سواء كان كلمة شاملة على حرف كـ « واو » العطف ، أو على أكثر ، أو كان أكثر من كلمة ، وسواء كان مهملا أو مستعملا مفيدا أو غير مفيد ».

والمراد بالكلام الاصطلاحي : هو المشتمل على الإسناد ، أو هو اللفظ المفيد فائدة يصحّ السكوت عليها ، أو المراد منه : هو الكلمة الموضوعة كما قال به الشارح في شرح الإرشاد.

والمراد بما لم يكن كلاما لغة ولا اصطلاحا : الحاصل من التأوه والانين والنفخ ، بل التنحنح في الأكثر ونحوه ؛ فإنّه لا يقال لمن تنحنح أنّه تكلّم لا لغة ولا اصطلاحا ؛ فإنّ التكلّم والتلفّظ مترادفان فلا يصدق التلفظ على التنحنح وإن حصل منه حرفان فصاعدا كما صرّح به المصنّف فى الذكرى.

ومن هذا يظهر بطلان ما قيل من أنّه لا تحقّق للمركّب من حرفين لا يكون كلاما لغة.

قوله : وإن أخطأ.

المستتر فيه راجع إلى المتكلّم. و « الباء » في قوله : « بحذف » سببيّة.

قوله : لاشتماله على حرفين فصاعدا.

الصعود يتحقّق بكثرة المد. والمراد باشتماله على حرفين اشتماله على قدر حرفين فصاعدا ، فلا ينافي القول بأنّه في حكم ما تركّب من الحرفين.

قوله : ويشكل.

أي : يشكل ما ذكروه من تعريف الكلام وإلحاق حرف المد : بأنّ النصوص خالية عن هذا الإطلاق أي : إطلاق ما تركّب من حرفين فصاعدا ، بحيث يشمل ما لم يكن كلاما لغة

٢٠٧

واصطلاحا ، فلا أقل من وجوب الرجوع إلى اللغة أو الاصطلاح بناء على الخلاف في تقديم كلّ من اللغة والعرف على الآخر.

وبأنّ حرف المدّ لا وجه لإلحاقه ؛ لأنّه وإن طال مدّه لا يخرج عن الحرف الواحد.

فقوله : « وحرف المد » عطف على قوله : « النصوص ». ويكون هنا اشكالان : أحدهما على تعريف الكلام ، والآخر على إلحاق حرف المد ومعنى قوله : « وذلك لا يلحقه بالكلام » أنّ مطّ الحرف والنفس به لا يوجب إلحاق الحرف الممدود بالكلام المعرف أي : الحرفين.

وقيل : يمكن أن يكون الاشكال مختصّا بإلحاق حرف المد ، ويكون المعنى : ويشكل ما ذكر من كون حرف المد مبطلا وكونه في حكم الحرف الواحد : بأنّ النصوص خالية عن هذا الاطلاق أي : إطلاق الكلام على حرف المد ، وإطلاق بطلان الصلاة بكلّ صوت حتّى يشمل حرف المدّ أيضا ، فلا بدّ من الرجوع إلى الكلام اللغوي أو الاصطلاحي أي : اصطلاح الفقهاء وهو ما مرّ من أنّه ما تركّب من حرفين فصاعدا ، وحرف المدّ وإن طال مدّه لا يخرج عن الحرف الواحد ؛ لأنّ المدّ زيادة في المطّ لا توجب إلحاق الممدود بالكلام الاصطلاحي الذي هو المركّب من الحرفين.

أقول : يخدش هذا الوجه بأنّ الزيادة في المطّ لا يلحقه بالكلام الاصطلاحي. وأما الكلام اللغوي فقد عرفت أنّه يصدق على الحرف الواحد ولو لم يكن فيه مطّ أيضا.

وقد سلّم أنّه لا أقلّ من الرجوع إلى اللغوي أو الاصطلاحي ، فيجب الاكتفاء به ، ولا يرد الإشكال ، فالصواب ما ذكرناه.

قوله : والعجب أنّهم جزموا إلى آخره

المراد بالحكم الأوّل : أنّ الكلام الذي عرّفه مبطل مطلقا أي : سواء كان كلاما لغويا أم لا.

وقوله : « من حيث » متعلّق بقوله : « توقّفوا » أي : توقّفهم من هذه الحيثيّة.

وقوله : « مع أنّه كلام لغة واصطلاحا » اعتراض عليهم. والمعنى : أنّ العجب من القوم

٢٠٨

أنّهم حكموا ببطلان الصلاة بسبب الحرفين مطلقا ، وإن لم يكن كلاما لغة واصطلاحا ، وتوقفوا في الحرف المفهم مع كونه كلاما لغة واصطلاحا.

قوله : من التنحنح.

قد يقال : إنّ ما ذكره هاهنا مناف لما ذكره سابقا ؛ لأنّه ذكر سابقا أنّ المصنّف والجماعة ذهبوا إلى أنّ الكلام المبطل هو مركّب من حرفين ولو لم يكن كلاما لغة واصطلاحا ، ومقتضاه البطلان به وبمثل الحرفين الحاصلين من التنحنح ونحوه ، بل بكلّ ما لم يكن كلاما لغويا ولا عرفيا أيضا ؛ إذ لا يكون موضوعا ومقتضى ما ذكره هنا وجود الخلاف في البطلان بما تركّب من حرفين ولم يكن كلاما لغويّا ولا اصطلاحيّا.

ويمكن أن يقال : إنّه يمكن أن يحصل من التأوّه والانين والنفخ ، بل التنحنح حرفان موضوعان لمعنى ، فلا منافاة ؛ إذ لا يلزم حينئذ أن يكون كلّ ما ليس بكلام لغويّ ولا اصطلاحى غير موضوع ، وأمّا ذكر التنحنح ؛ فلانّ الغالب عدم حصول الحرفين الموضوعين منه ، فذكره بناء على الغالب.

ويكون قوله : « وقطع العلّامة إلى آخره » حكما على حدة ، لا من تتمّة مسألة اشتراط كون الحرفين موضوعين ، ويكون المعنى : أنّ العلّامة قطع بكون التنحنح ونحوه حين عدم إفادة المعنى غير مبطلين ؛ إذ لا يكون حينئذ كلاما أصلا.

ويمكن أن يقال أيضا : إنّ ما ذكره سابقا إنّما كان مختار المصنّف وجماعة كما ذكره ، وما يذكره هنا بيان شي‌ء آخر ، وإن يترتّب عليه أن كلّ من قال بالأوّل فيقول هنا بعدم اعتبار الوضع ، وأمّا غيره فقد يعتبره ؛ بل قد ينفي عن غير الموضوع الكلاميّة كالعلامة ، فتأمّل.

قوله : في المجتمع.

المراد بالمجتمع هاهنا : هو كلّ واحد من تلك الأفعال الحاصل من اجتماعها الفعل الكثير الذي هو المجتمع ، فالمجتمع هو المجموع [ و ] المجتمع منه هو كلّ واحد.

فالضمير المجرور في قوله : « منها » راجع إلى « ال » الموصول في لفظ « المجتمع » والتأنيث باعتبار تعدّد المراد من الموصول.

٢٠٩

ومن هذا يظهر أنّه لا حاجة إلى تفسير المجتمع منها بالمتوالي منها ؛ لأجل حصول الكثرة للمجتمع منها كما قيل. فإنّ مراد الشارح حصول الوصف بما يدلّ عليه (١) « اللام » الموصولة ، لا بمدخولها.

قوله : كلبس العمامة.

الظاهر أنّ المراد بلبس العمامة : أخذ العمامة الملفوفة من الأرض ووضعها على الرأس ، لا لفّ العمامة ، لأنّه قد يصير فعلا كثيرا.

قوله : وهو ما اشتمل منه.

الضمير المجرور راجع إلى البكاء الممدود مع إرادة المقصور منه ، ففي الكلام استخدام.

وقوله : « مع احتماله » أي : احتمال خروج الدمع في كونه مبطلا ، والمراد بالاحتمال :الاحتمال الواقعي دون الظاهري أي : الحكم الظاهري لنا المستنبط من الأدلّة التي في أيدينا هو الأوّل ، ولكن لا يقطع بأنّ هذا حكم الله الواقعي بل يحتمل أن يكون المبطل في الواقع هو خروج الدمع.

فالمراد من الاحتمال : الاحتمال المرجوح لأجل الأدلّة ، وسنذكر وجه حمل الاحتمال على ذلك.

وقوله : « لأنّه » تعليل لذلك الاحتمال. وقوله : « والشك » مجرور على العطف على مدخول « لام » التعليل ، أو مرفوع على كونه مبتدأ خبره محذوف أي : والشك حاصل إلى آخره أو كون الظرف خبره. وقوله : « أو ممدوا » من تتمّة التعليل المذكور أي : وذلك الاحتمال ؛ لأنّ خروج الدمع هو البكا المقصور والشك حاصل في كون الوارد من لفظ « البكا » في النص هو المقصور أو الممدود ، فهو محتمل لهما ، فيثبت الاحتمال المدّعى. وقوله : « وأصالة عدم المد » مبتدأ خبره « معارض ». وهو جواب عن سؤال مقدّر تقديره :أنّه لم حكمت بكون إبطال خروج الدمع احتمالا مع وجود الشك في النص الوارد وأصالة عدم المدّ؟

__________________

(١) فى الاصل : بما يدل على علّية اللام.

٢١٠

فأجاب : بأنّ هذا الأصل معارض بأصالة صحّة الصلاة ، فيتكافى الاحتمالان ، ثمّ للاوّل أصل آخر وهو أصالة عدم كون البكا المقصور مبطلا ، وهو المراد بقوله : « فيبقى الشك في عروض المبطل » ، ولا معارض لهذا الأصل فتبقى الصحة راجحة.

ومن هذا ظهر وجه حملنا الاحتمال على الواقعي ؛ لأنّه بعد بيان وجه الاحتمال وردّ مرجّحه حكم بترجيح الاحتمال الأوّل ، فلا يكون الثاني احتمالا ظاهرا لوجوب الأخذ بالراجح ظاهرا.

ويحتمل أن لا يكون قوله : « والشك » إلى آخره من تتمّة التعليل ؛ بل كان التعليل هو قوله : « لأنّه البكا مقصورا » فقط وكان تتمة التعليل ساقطا ؛ لوضوحه أو دلالة ما بعده عليه ، ويكون « والشك » مبتدأ وقوله : « وأصالة » عطف عليه ، وقوله : « معارض » خبر المبتدأ. وعلى هذا يكون قوله : « والشك » ابتداء السؤال المذكور.

ويحتمل أن يكون قوله : « لأنّه » تعليلا لقوله : « لا لخروج الدمع » أي : ونفي إبطاله لأنّه البكا مقصورا مع الشك في أنّ الوارد في النص هو المقصور أو الممدود ، فيجب الأخذ بالمتيقّن ، وهو إبطال الممدود وترجيح المقصور بأصالة عدم المد. وعلى هذا فلا يكون دليل الاحتمال الثاني مذكورا.

قوله : فيبقى الشك في عروض المبطل.

قيل ما حاصله : إن أصالة صحّة الصلاة ليست إلّا باعتبار عروض الشك في المبطل وعدم كون المقصور مبطلا فهذا ليس أصلا آخر.

أقول : أصالة صحّة الصلاة هو استصحاب الصحّة السابقة ، والأصل الثاني هو أصالة عدم كون المقصور مبطلا ، والأوّل استصحاب حال الشرع ، والثاني استصحاب حال العقل ، وبينهما بون بعيد.

نعم يرد الإشكال فيما إذا دخل في الصلاة باكيا ، فإنّ استصحاب الصحّة حينئذ منتف ، فيبقى الأصلان متعارضين.

قوله : بحائل.

مثل أن وضعت إحدى اليدين على كم الآخر حال كون الكم عليها.

٢١١

والضمير المجرور في قوله : « عليه » راجع إلى « الكف » أي : يوضع الكف على الكف بأن يجعل باطن أحدهما على ظاهر الآخر أو على باطنه ، أو ظاهره على ظاهره.

قوله : إمّا لمنافاتهما.

أي : كونهما أمرين منافيين للصلاة ، فيكون الإتيان بهما إعراضا عن الصلاة ، فيخرج بهما عنها ، كما إذا نوى قطع الصلاة على قول قوي.

قوله : إذ لا دليل على أصل المنافاة.

هذا تضعيف للدليل الأول. وأمّا الثاني ، فلم يذكر وجه ضعفه اكتفاء بما مرّ من أنّ العدد لا عبرة به في تحقّق الفعل الكثير ، وظاهر الاستدلال اعتبار العدد ، كما لا يخفى.

قوله : إذا لم يستدع إلى آخره

أي : لم يستدع شرب الماء أمرا منافيا للصلاة غير الشرب كمشي كثير ، أو طلبه بقول ، ونحوهما.

والحاصل أنّ جواز شرب الماء فيه مشروط بشرطين : أحدهما : عدم استدعائه فعلا منافيا. وثانيهما : خوف فجأة الصبح قبل إتمام غرضه ، فلو ظنّ أو علم بقاء الوقت لم يجز. والمراد بقوله : « قبل إكمال غرضه منه » ـ أي : من الوتر ـ أنّه إذا لم يف الوقت للوتر بجميع آدابه من الاستغفار والدعاء والعفو وغيرها ، ولكنّه لم يكن غرضه الإتيان بجميع الآداب ، بل أراد الاكتفاء بقنوت مختصر وكان الوقت وافيا به ... لمناط مراعاة هذا الوقت ... والحاصل أنّ المناط وقت ما يريد.

قوله : فإنّ ذلك.

أي : اشتراط الترك يقتضي كون تركها مكلّفا به لأنه على هذا يكون تركها شرطا للصلاة.

والمراد : اشتراط صحّتها أو وجودها به ، فلا يتحقّق الصلاة الصحيحة أو مطلق الصلاة إلّا بهذه التروك وهو مكلّف بالإتيان بالصلاة الصحيحة المتوقّفة على هذه التروك ، فيكون مكلّفا بالإتيان بهذه التروك أيضا.

لا يقال : قد لا يكون الشرط مكلّفا به كالاستطاعة للحج ، والنصاب للزكاة.

٢١٢

لأنّا نقول : إنّ مثل هذين الشرطين شرط للوجوب ، وهو ليس مكلّفا به قطعا ، وهذه التروك ليست شروطا للوجوب ، بل للوجود أو الصحّة ، والحاصل أنّ هذه التروك لكونها شروطا مقدمات للواجب المطلق ، ومقدّمة الواجب المطلق واجب.

فإن قيل : سلّمنا أنّ التكليف متوقّف على الذكر ، ولكن اللازم منه عدم كون الناسي مكلّفا به حال النسيان ، وذلك لا ينافي تكليفه بعد التذكّر بالإعادة. ألا ترى أنّ الوضوء شرط لصحّة الصلاة ولو نسيه المصلّي يجب عليه إعادة الصلاة بعد الذكر ؛ ولذا قيّد الشارح عدم تكليف الناسي بقوله : « ابتداء ».

قلنا : لا شك أنّ الإعادة تكليف زائد يتوقّف وجوبها على دليل ، ولا دليل هناك بخلاف الوضوء.

والحاصل : أنّ الثابت من الأدلّة ليس إلّا وجوب هذه التروك ، ولا شكّ أنّه مختص بحال الذكر ، فلذا ينهى عنه ، بخلاف حال النسيان ؛ فإنّه لا تكليف حينئذ ، فلا وجوب ، والأصل صحّة الصلاة وعدم وجوب الإعادة ؛ لعدم دليل على شي‌ء منهما ( كذا ).

قوله : صورة.

لا يخفى أنّ الفعل الكثير على ما فسّره الشارح يستلزم انمحاء صورة الصلاة مطلقا ، إذ ليس معنى انمحائها إلّا كون المصلّي بحيث لا يعد في العرف مصلّيا ، فلا وجه للتفصيل.

الفصل الثالث في كيفية الصلاة

قوله : من المقدمات.

يمكن أن يراد بالمقدّمات هنا : معناها اللغوي أي : من الآداب والسنن المتقدّمة على الصلاة. ويمكن أن يراد منها معناها العرفي أي : الشرط أو السبب ، وذلك لأنّهما شرطان لكمال الصلاة أيضا.

وقوله : « غالبا » للاحتراز عن صورة اكتفاء الجماعة الثانية بالأذان وإقامة الجماعة الاولى ، أو الداخل بين صلاة الجماعة عند بقاء الصفوف أو من يضيق الوقت عليه أو لعدم بطلانهما بما يتخلل نادرا من الكلمات الواقعة لمصلحة الصلاة ، والمراد بنحو الكلام : النوم والحدث والسكوت الطويل.

٢١٣

وقوله : « وكونها أحد الجزءين » بيان لجعل الأذان من الكيفيّة ، مع أنّ ما مرّ دلّ على كون الإقامة خاصّة جزءا والمعنى : أنّ مقارنة الإقامة وكونها واحدا من الأذان والإقامة وأحد الجزءين من هذا المجموع يوجب مقارنة الأذان أيضا ؛ لأنّ مقارنة الجزء توجب مقارنة الكلّ عرفا أيضا.

قوله : على التحقيق.

من أنّ النيّة شرط للصلاة. وخلافه قول من ذهب إلى أنّها جزء منها وركن فيها.

قوله : ينويهما أوّلا.

أي : ينوي أنّه يأتي بالأذان والإقامة قربة إلى الله سبحانه.

وقوله : « لأنّهما عبادة » تعليل لاشتراط النيّة فيهما. وتوضيح التعليل : أنهما ـ أي :الأذان والإقامة ـ عبادة ، وكلّ عبادة من لوازمها أن يترتّب عليها ثواب ، لأنّ العبادة لا يخرج عن الواجب والمستحب ، ولا يخلو شي‌ء منهما عن الثواب ، وترتّب الثواب على الفعل لا يكون إلّا بعد النيّة ، فتحقّقها موقوفة على النيّة.

وممّا ذكرنا يندفع ما يتوهّم من حزازة العبارة من حيث إنّ المصنّف علّل اشتراط النيّة بكونها عبادة ، ثمّ فرّع عليه افتقار الثواب إلى النيّة ، فالتفريع لا يدلّ إلّا على أنّ ترتّب الثواب عليهما مشروط بالنيّة ، لا أنّهما مطلقا مشروطان بها. على أنّ تفريع افتقار الثواب إلى النيّة على كونهما عبادة لا يخلو عن شي‌ء لعدم الاحتياج في ذلك إلى كونهما عبادة ، فإنّ ترتّب الثواب على كلّ فعل موقوف على النيّة.

وتوضيح الدفع : أنّ المراد بقوله : « لانهما عبادة » أنّ الأذان والإقامة المستحبّين في الصلاة لا بدّ وأن يكونا عبادة ، أو اريد فعلهما عبادة ، فيفتقر في تحقّقها إلى تحقّق جميع لوازم العبادة ومنها الثواب المفتقر إلى النية ، فيفتقر إلى النيّة. فلم يفرع افتقار الثواب إلى النيّة على كونها عبادة ، بل فرّع الافتقار إلى النيّة من حيث ترتّب الثواب على لزوم كونهما عبادة ، فيندفع المحذور الثاني ، والتفريع يدلّ على أنّ لازم العبادة موقوف على النيّة وبعد لزوم كونهما عبادة يثبت الافتقار إلى النيّة ، فيندفع الأوّل أيضا ، فافهم.

٢١٤

قوله : فما كلّ واقع.

لفظة « ما » نافية. وقوله [ حقا ] حال عن الوقوع ، وقوله : « يجوز » منفي أي : ليس أن يجوز إدخال كلّ ما يقع حقّا في العبادات.

وقوله : « الموظّفة » وصف توضيحي ؛ لأنّ كلّ عبادة تكون موظّفة لا محالة. وقوله :« المحدودة » وصف احترازي عن العبادات الغير المحدودة أي : غير المعيّنة قدرها كالذكر ؛ فإنّه لا يبطل بإدخال بعضه في بعض.

قوله : من وضع المفوّضة.

سميت بالمفوضة ؛ لقولهم بأنّ الله سبحانه فوّض أحكامه وأمر عباده إلى النبي والأئمة عليهم‌السلام.

والمراد بالغلاة هنا : المفرطون في حقّهم ، لا القائلون بربوبيّة بعضهم ، كما هو المصطلح.

قوله : أو رفعهما.

أمّا النصب فعلى حذف العامل مثل : احضر الصلاة أو أدرك أو غيرهما. وأمّا الرفع فعلى حذف الخبر مثل : الصلاة جامعة أو حاضرة ، أو حذف المبتدأ مثل هذه الصلاة.

والتفريق أن يقرأ أحدهما مرفوعا والآخر منصوبا. وإنّما خصّ بالأوّلين للبناء على أنّه لا يجوز الوقف بالحركة ، فتكون الأخيرة التي يسكت عليها ساكنة.

قوله : مطلقا.

قيد لقوله : « واستحبابهما ثابت » أي : ثابت مطلقا في الجهريّة والإخفاتية ، وإنّما أخّره لمناسبته مع قول المصنّف : « ويتأكّدان في الجهرية ».

ويمكن على بعد أن يكون قيدا لقوله : « عنهم » أي : المصنّف فسّر بهذا التفسير عن القائلين بالوجوب بأجمعهم ، وإن كان المصرّح به الشيخ فقط.

قوله : العامد دون إلى آخره

هذا مذهب الشيخ في النهاية ، وذهب العلّامة في القواعد إلى عكس الذي اختاره المصنّف أي : يرجع الناسي دون العامد.

[ و ] أطلق الشيخ في المبسوط القول بالاستئناف ما لم يركع.

٢١٥

قوله : ويرجع أيضا.

هذا عطف على قوله : « تداركهما » لا على قوله : « يرجع » أي : كما يرجع لهما ما لم يركع يرجع للإقامة فقط أيضا كذلك.

قوله : وكذا يسقطان.

أي : يسقط الأذان والإقامة عن المنفرد الذي يريد الصلاة في موضع صليت فيها جماعة ولم يفرّق الجماعة بالمعنى المتقدّم. ووجه الأولويّة للسقوط هنا : أنّ تأكّد الأذان والإقامة في الجماعة أكثر وأشدّ حتى قيل بوجوبهما فيها ، فإذا سقطا عن الجماعة اللاحقة فيسقطان عن المنفرد اللاحق بطريق أولى ، ومع ذلك يشمل إطلاق الأخبار المنفرد أيضا.

قوله : مطلقا.

أي : سواء كان الثاني جماعة أو منفردا.

قوله : ويشترط إلى آخره

يعني : يشترط في سقوط الأذان والإقامة عن الجماعة الثانية أو المنفرد اللاحق اتّحاد صلاة اللاحق للصلاة السابقة في الماهيّة كان يكونا معا صلاة الظهر ـ مثلا ـ أو العصر سواء اتّحد الوقت كأن يكونا معا في وقت الظهر ، أو يتغايرا في الوقت كأن يصلي الجماعة الاولى العصر ـ مثلا ـ ولم يتفرّق الصفوف حتّى دخل المغرب ودخل اللاحق في المغرب قبل شروع الاولى في صلاة المغرب وأراد قضاء صلاة ظهره ( كذا ).

أو اتّحاد الوقت وإن تغايرت الصلاتان كأن يكون الوقت وقت الظهر وكانت الجماعة الاولى للظهر مثلا والثانية يريدون صلاة العصر لفعلهم الظهر في غير هذا الموضع.

وقوله : « والمكان » عطف على « الصلاتين » أي : يشترط اتّحاد المكان لا على « الوقت » حتّى تدخل عليه لفظة « أو » أيضا.

وقوله : « عرفا » قيد للمكان أي : يشترط اتّحاد المكان في العرف كمسجد واحد أو بيت واحد ، ولا يشترط اتّحاد المكان حقيقة : بأن يصلّي الثانية في عين المكان الاولى.

٢١٦

قوله : وظاهر الإطلاق.

يمكن أن يكون المراد بالإطلاق : إطلاق كلام المصنّف هنا ، ويمكن أن يراد إطلاق الأخبار.

والظاهر الأوّل ؛ لأنّ أكثر الأخبار الواردة في المقام مقيّد بالمسجد.

قوله : ولا يشترط العلم.

لا يتوهّم تناقض ذلك مع ما سبق من قوله : « فوجدت جماعة اخرى قد أذّنت وأقامت » حيث يدلّ على اشتراط الأذان والإقامة ؛ لأنّه لا يدلّ على الاشتراط ، بل على أنّهما يسقطان إذا وجدهم أذّنوا وأقاموا ، فلا ينافي السقوط في غيره أيضا.

قوله : عن الثانية مطلقا.

أي : سواء لم يعلم إهمال الجماعة الاولى ، أو علم إهمالها أيضا.

قوله : ولو جوازا.

متعلّق بقوله : « جامع » أي : ولو جامع جمعا جائزا غير مستحب ، كما في غير المواضع الثلاثة المتقدّمة ، فإنّ الجمع فيه جائز ، وإن كان التفريق مستحبا ؛ لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويحتمل على بعد تعلّقه بقوله : « ويسقط » أي : يسقط في الثانية في كلّ جمع ، فلا يؤذّن للثانية ولو كان بعنوان الجواز أي : كان سقوطه رخصة لا عزيمة كما قيل مطلقا ، وكما قيل في المواضع الثلاثة المتقدّمة.

قوله : ربّما قيل بكراهته.

لا تنافي بين ذلك وبين ما مرّ من قوله : « استنادا إلى عدم وقوفه فيه على نصّ ولا فتوى » ؛ لعدم دلالة قوله : « ربما قيل » على وجود القائل.

قوله : فيما لا إجماع.

إنّما خصّ بما لا إجماع على استحبابه مع أنّه لو تحقّق الإجماع على الإباحة أو الكراهة أيضا لم يمكن الحكم بالتحريم ؛ لأنّ ما يظن فيه تحقّق الإجماع هو الاستحباب ، وأمّا الإباحة أو الكراهة فعدم الإجماع عليهما قطعي ، أو لأنّ الأذان عبادة لا يكون إلّا حراما أو مستحبّا ، فلا يمكن الإجماع على غيرهما ، والرخصة والكراهة فيه أيضا متضمّن للاستحباب ؛ لأنّه ليس إلّا بمعنى المرجوحيّة الإضافيّة أو أقلية الثواب فتأمّل.

٢١٧

قوله : فأضعف.

أي : أضعف من احتمال الكراهة أو الجزم بانتفاء التحريم.

وتوضيح ما ذكره دليلا للأضعفية : أنّ الأذان عبادة مخصوصة وهو غير سائر العبادات ، وأصل شرعيّته للإعلام وبعضه ذكر وبعضه غير ذكر.

ولا يمكن أن يقال : إنّ الأذان في تلك الصلوات إنّما هو على مقتضى الأصل ، وإلّا لم يتأد وظيفته بإيقاعه سرّا كما في النساء ولا أن يقال : إنّه ذكر لاشتماله على ما ليس بذكر وهو الحيعلات ، فلا بدّ وأن يكون قسما ثالثا أي : أمر آخر وراء الإعلام والذكر.

أقول : لا يخفى أنّ هذا إنّما يرد على المصنّف لو كان أراد بالقسمين ما ذكره الشارح أي : أذان الإعلام وأذان الذكر ، ولكنّه قسّمه إلى أذان الإعلام وأذان الذكر والإعظام أي :أذان يحصل به الذكر وإعظام الصلاة ، ولا شكّ أنّه يكفي في ذلك كون بعضه ذكرا والباقي للإعظام ، ولا يتوقّف على كون جميع فصوله ذكرا كما لا يخفى.

قوله : فانّه لغة عربيّة.

الضمير راجع إلى « التسكين ». وهذا تعليل لأولويّة التسكين عند ترك الوقف من الإعراب أي : وجه أولويّته : أن التسكين مع عدم الوقف ليس مخالفا للغة العرب حتّى يجب تخصيص ترك الإعراب بالوقف ، بل هو أيضا لغة عربيّة جائزة ، فيساوي بحسب اللغة مع الإعراب ، بل الوقف ، مع زيادة ترجيح له على الإعراب ، وهو أنّ الإعراب مرغوب عنه شرعا ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « الأذان والإقامة مجزومان » (١) وفي خبر آخر :« موقوفان ». (٢)

قوله : تماميّة الجملة.

أي : الجملة المأمور بها في الأذان كالتشهد ؛ فإنّه إنّما تمّ إذا تحقّق جميع أركانه ومنها المشهود به ، وكذا غير التشهّد من الفصول.

قوله : الراتب يقف على مرتفع.

لا يخفى أنّه كلام لا وقع له (٣) يعنى : غير الراتب من المؤذّنين يقتصر عن الراتب في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٩.

(٣) لوقوعه بين المعطوف عليه والمعطوف. كذا فى هامش النسخة.

٢١٨

رفع الصوت أي : رفع صوته أقلّ ممّا يرفعه الراتب ، وفي الارتفاع فيؤذّن في مكان منخفض من مكان الراتب ، أو يقتصر أي : يكتفي بالراتب في الأذان ، فتكون لفظة « عن » بمعنى : « الباء » ، اوتي بها لمراعاة لفظ الاقتصار. كلّ ذلك لمراعاة جانب الراتب ؛ فإنّها مندوب إليه حتّى يقال بكراهة سبق غير الراتب من الراتب في الأذان يعني : يستحبّ أن لا يؤذّن غير الراتب قبل الراتب ، بل يؤخّر أذانه عن أذانه ، إلّا إذا فرّط الراتب في الأذان بسبب التأخير ؛ فإنّه لا بأس بالسبق حينئذ.

قوله : جلوس وزيادة.

المراد بالزيادة في قوله : « جلوس وزيادة » أي : زيادة على الجلوس ؛ لأنّ في السجود يجلس ، ثمّ يسجد ، فهو جلوس ثمّ سجود. أو لأنّ هيئة السجود يشتمل على الجلوس وهو وضع الركبتين على الأرض ، وزيادة هو وضع الجبهة عليها أيضا ، فيتحقّق في السجدة الجلوس. مع أنّ الزيادة التي في السجدة تشتمل على مزيّة أي : فضيلة زائدة على أصل الجلوس ، وهي التذلّل والانكسار بوضع الجبهة على الأرض. أو مع أن السجدة تشتمل على مزيّة زائدة على الجلوس.

وكيف كان فإدخال السجدة في الجلوس لما ذكر محلّ نظر ؛ فإنّ تحقّق الجلوس في السجدة ، ممنوع ، بل الجلوس هو ما يسمّى جلوسا عرفا ، ولا يقال للساجد إنّه جالس واشتمال السجدة على فضيلة زائدة لا يوجب قيامها مقام الجلوس شرعا ، إلّا بدليل شرعي.

قوله : وقد ورد.

وهو ما روي عن الصادق عليه‌السلام : « افصل بين الأذان والاقامة بقعود أو كلام أو تسبيح ». (١)

قوله : أمّا السكتة فمروية.

أمّا رواية السكتة فما روي عن الصادق عليه‌السلام : « بين كلّ أذانين قعدة إلّا المغرب ؛ فإنّ بينهما نفسا ». (٢)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٨.

٢١٩

وأمّا الجلسة فما روي عن الصادق عليه‌السلام أيضا : « من جلس بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله ». (١)

وقوله : « وأمّا الخطوة فكما تقدّم » أي : لم يجد بها المصنّف في الذكرى حديثا لكنّها مشهورة.

قوله : غير الحكاية.

بدل عن « الكلام » أي : ويقطع كلّ كلام غير الحكاية أي : لا يتكلّم بكلام غيره ، وإن كان قراءة.

قوله : والشرط.

أي : مقدّم ذاتا ، فإنّ الشرط ما يتوقّف وجود المشروط على وجوده ، فلا يمكن تحقّق المشروط بدونه ، فيكون مقدّما ذاتا ، وإن لم يتقدّم وجودا.

قوله : ففي البعض.

ولو تمكّن في بعض مطلقا يجعله متصلا بالركوع حتّى يدخل إلى الركوع من القيام.

قوله : فإن عجز عنه.

لا يخفى أنّ القيام هنا أعمّ من الانتصاب والانحناء ، وإن كان الانتصاب مقدّما على الانحناء وجوبا ، فلا يرد أن بعد العجز عن القيام يتعيّن الانحناء وبعده يجب القعود.

قوله : مستقلا كما مر.

أي : من غير استناد إلى شي‌ء بحيث لو أزيل سقط.

الفصل الرابع في باقي مستحباتها

قوله : ويستحبّ القنوت.

القنوت لغة : الخضوع لله والطاعة والدعاء. ويراد به هنا : الدعاء في موضع مخصوص من الصلاة بوضع خاص.

ومنهم من قال : دعاء مخصوص في موضع مخصوص من الصلاة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٩.

٢٢٠