الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

المسألة الرابعة

المطهّرات

قوله : المطهرات.

يعني : أنّ المطهّر المشهور بالبحث عنه عشرة ، وإلّا فهي أكثر ، كاستبراء الحيوان ، وانتقال الدم ، وزوال العين ، والإسلام. بل قيل بمطهريّة البصاق للنجس بالدم ، والدباغ للجلد ، والمسح للجسم الصيقل.

قوله : مطلقا.

يحتمل أن يكون قوله : « مطلقا » قيدا للماء أي : سواء كان ماء راكدا أو جاريا ، قليلا ، أو كثيرا ، ماء بئر أو عين أو غيث ، أو بمعنى حال كونه مطلقا حتى يخرج المضاف ، أو قيدا للمطهّر أي : مطهّر لكلّ نجس بالكسر ( كذا ) ، فمعنى الإطلاق : أنّه سواء كان ثوبا أو بدنا أو إناء أو غيرها ، أو بمعنى : أنّه سواء كانت النجاسة من البول أو الغائط أو الدم إلى آخر النجاسات.

وعلى هذا يكون قول الشارح : « من سائر النجاسات » تفسيرا للإطلاق. والسائر بمعنى الجميع ، قال في الصحاح : « وسائر الناس : جميعهم » ، وعلى هذا يكون قوله : « التي تقبل التطهير » وصفا احترازيّا.

ويحتمل أن يكون « السائر » بمعنى البقيّة ، وكان غرضه النجاسات القابلة للتطهير ، وعلى هذا يكون الوصف المذكور توضيحيّا.

والمراد بالنجاسة : الحالة الحادثة للمحل سواء كان المحل هو [ محلّ ] عين النجس أو المتنجس ، وعلى هذا فيكون الوصف للاحتراز عن الحالة الحاصلة للعين ، فإنّها غير قابلة للتطهير إلّا في ميّت الآدميّ ، وعن الحالة الحاصلة للمتنجّسات الغير القابلة للتطهير كالدهن على قول. ويحتمل أن يكون المراد بالنجاسة : الحالة الحادثة للمتنجسات فقط ، فيكون الوصف للاحتراز عن الأخير فقط.

١٤١

والمراد بقوله : « تقبل التطهير » أي : التطهير بالماء. فلا يرد أنّه غير مطهّر من نجاسة الكفر من البدن مع أنّه قابل للتطهير ، والمراد قبول التطهير به وحده ، فيخرج ما يتوقّف تطهيره على استعمال التراب أيضا ، أو في الجملة ، فيشمله أيضا.

قوله : وهو أسفله الملاصق للأرض.

التفسير لاجل أن لا يتوهّم أنّ باطنه هو ما يلاصق الرجل ، حيث إنّ الباطن أظهر فيه من الملاصق للأرض ، كما لا يخفى.

قوله : مع زوال عين النجاسة.

قد يتوهّم أنّ معنى « مع زوال النجاسة بها » أن يشترط زوال النجاسة بها ، ويجعل قوله : « بمشي » محتمل التعلّق بالزوال وبقوله : « تطهّر ».

ويعترض بأنّه لا يشترط في تطهيرهما زوال النجاسة عنهما بالأرض [ فـ ] لو ازيلت بغيرها ، ثمّ دلك المحل بها يطهر.

وفيه : أنّ لفظة « مع » هنا ليست متضمّنة لمعنى الشرطيّة ، بل متضمّنة لمعنى ال « باء » وبيان لكيفيّة التطهير. يعنى : ويطهر باطن النعل والقدم بزوال عين النجاسة بالارض بالمشي وغيره ، إذا كان للنجاسة عين ، وأمّا إذا لم يكن لها عين بأن كانت النجاسة ممّا لا عين لها كالبول الجاف ، أو كانت لها عين وازيلت بغير الأرض ، فيأتى إنّما يطهر بالامساس.

والمراد بغيرهما : المسح ، وقد دلّ بعض الأخبار على كفايته بخصوصه.

قوله : كفى مسمّى الإمساس.

أي : كفى في التطهير. أمّا إذا كان جرم أو رطوبة فلا يكفي ذلك ، بل لا بدّ من زوال الجرم أو الرطوبة.

قوله : ما لم تخرج عن اسم الأرض.

قد يقال : إنّ بعد قوله : « في الأرض » يكون هذا القيد مستدركا. أقول : يمكن أن تكون الفائدة فيه بيان أنّ مطلق الرطوبة لا يخرج الأرض عن اطلاق الاسم عليها.

١٤٢

توضيحه : أنّ منهم من اشترط في التطهير في الأرض جفافها. وقد يستدل له : بأنّ الرطوبة تخرج الأرض عن إطلاق الاسم ، وإن اطلق عليها مقيّدا.

وعلى هذا فلا إشعار في قوله : « في الأرض » بعد توصيفها بالجافّة والرطبة ، على أنّ الرطبة أيضا يطلق عليها اسم الأرض المطلق الذي هو شرط في التطهير.

ولكن قوله « ما لم تخرج » إلى آخره تنبيه على أنّ مع الرطوبة أيضا قد تكون باقية على الإطلاق.

قوله : وإطلاق النص والفتوى إلى آخره.

قد يناقش في الإطلاقين : أمّا في إطلاق النص ، فبأنّ بعض النصوص وإن كان مطلقا إلّا أنّ صحيحة الأحول مقيّدة بالطهارة ، وهي توجب تقييد المطلقات كما هو القاعدة. وصحيحة الأحول هي أنّه لمّا سأله عن الرجل الذي يطأ الموضع الذي ليس بنظيف ، ثمّ يطأ بعده مكانا نظيفا ، فقال : « لا بأس إذا كان ذلك المكان النظيف قدر خمسة عشر ذراعا ». (١)

بل قد يقال : إنّ المروى بعدّة طرق ، ومنها : الصحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا » (٢) دالّ على التقييد أيضا ، حيث إنّ الطهور لغة بمعنى : الطاهر المطهّر.

وأمّا في إطلاق الفتوى فلتصريح ابن الجنيد والمصنّف في الذكرى بالتقييد بالطاهر.

ويمكن دفع الأوّل : بأنّ تقييد المعصوم المكان النظيف في صحيحة الأحول إنّما هو لتقييد السائل ، فلا إشعار ، وكون الطاهر بمعنى الطاهر المطهّر في المروي لا دلالة له على اشتراط الطهارة فيما نحن فيه أصلا. نعم في رواية معلّى بن الخنيس ما يدلّ على التقييد. قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخنزير يخرج من الماء ، فيمرّ على الطريق ، فيسيل منه الماء ، وأمرّ عليه حافيا. قال : « أليس وراءه شي‌ء جاف؟ قال : بلى. قال : « لا بأس ». (٣) ولكنّه لم يلتفت إليها الشارح لضعفها.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٤٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٨.

١٤٣

ودفع الثاني : بأنّ المراد بالفتوى المصنّف في هذا المقام ، وليس ذكر إطلاق الفتوى للاستدلال ، بل المراد أنّ مقتضى النص ومذهب المصنّف ذلك. ويمكن أن يكون المراد بالفتوى فتوى جماعة يتحقّق باتّفاقهم الإجماع ، فلا عبرة بمخالفة بعض من يكون معلوم النسب.

قوله : ما يجعل أسفل الرجل.

أي : ما يتعارف جعله. فلا ينافي ذلك جعل خشبة الأقطع مثل النعل دون النعل نفسه. وكذا يخرج الخف ؛ لانّه ليس للوقاية عن الأرض ونحوها ، بل يستر الساق وأمثاله. ويدخل ما يسمّى ظهر الرجل أيضا من ... وإن لم يطلق عليه النعل ؛ لانّ الغاية في لبسها وقاية أسفل الرجل.

والمراد من نحو الأرض : المرزيات ( كذا ) والحشائش وغيرها.

قوله : وخشبة الاقطع كالنعل.

أي : الخشبة التي يجعلها مقطوع الرجل في موضع القطع للمشي كالنعل ، لا لأجل صدق النعل عليه ، بل لإطلاق الصحيحة الاولى المتقدّمة. (١)

ولكن يرد على التمسك بها : أنّ المطلقات منصرفة إلى الأفراد الشائعة المتكثرة ، دون النادرة.

قوله : فهو مطهّر في الجملة.

لو قيل بجواز تأخير التراب في الولوغ عن الغسل يمكن جعله مطهرا مستقلّا أيضا حيث إنّ بعد تمام الغسل يكون المحلّ نجسا بعد وإنّما يطهر بالتراب.

لا يقال : إنّ التراب من حيث هو الكائن على الأرض يطهّر النعل ومثله ، وكذا المأخوذ منها الممسوح بالنعل ومثله على قول ، فيكون التراب أيضا مطهّرا مستقلّا مطلقا ، وأيضا يصدق على التراب الأرض ، فبعد ذكر الأرض لا يحتاج إلى ذكر التراب.

أقول : يمكن أن يقال : إنّ التراب من حيث هو تراب غير الأرض من حيث هو أرض وجهة الترابية غير جهة الأرضية ، والتراب الكائن على الأرض أو المأخوذ منه يطهر النعل ومثله لجهة أرضيته ، وتطهيره للنعل لجهة ترابيته.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٧.

١٤٤

ثمّ ال « فاء » في قوله : « فإنّه » للتعليل ، وفي قوله : « فهو » للتفريع والمراد بالمطهريّة في الجملة تخفيف النجاسة لا حصول شي‌ء من التطهير ، كما يتوهّم ويعترض.

قوله : والجسم الطاهر.

والأكثر قيّدوه بالجاف أيضا ، وكأنّه لا يشترطه.

ثمّ الإتيان بلفظ المفرد دون الجمع بناء على عدم لزوم الثلاثة في الاستنجاء ، أو على إجزاء التوزيع. أي : يكفي إمرار كلّ حجر ـ مثلا ـ على موضع من المخرج فيطهره ، ولا يجب إمرار الجميع على الجميع ، أو مراده : المطهّر في الجملة كما في التراب.

قوله : في غير المتعدّي من الغائط.

لفظة « في » بمعنى من ، أو للظرفية المجازية.

وفسّر التعدّي : بأنّه عبارة عن تجاوز الغائط عن المخرج ، وهو حواشى الدبر ، وإن لم يبلغ الاليتين. وقال بعضهم : إنّه وصول النجاسة إلى محلّ لا يعتاد وصولها إليه ولا يصدق على إزالتها اسم الاستنجاء

والمراد بالمتعدّي : إمّا هو القدر الذي تعدّى عن المحل المعتاد وعلى هذا فيطهر في صورة التعدّي القدر الغير المتجاوز بالجسم الطاهر بعد غسل القدر المتعدّي بالماء ، أو مجموع ما خرج من المخرج ؛ فإنّه يصدق على الجميع أنّه المتعدّي ولو حصل التعدّي للبعض حقيقة.

قوله : والشمس ما جفّفته.

يعلم من ذلك أنّ مذهب المصنّف هو المذهب المشهور من أنّ الشمس مطهر لما يذكره.

ونقل عن القطب الراوندي ، وصاحب الوسيلة ، ونسبه في المختلف إلى المحقّق أنها غير مطهّرة ، ولكن يحصل بها العفو ما دام يابسا ، وهو مختار المحدّث الكاشاني ، وتوقّف صاحب المدارك في المسألة. وكذا يعلم من العبارة أنّ تطهيرها ليس مختصا بالبول ، بل يطهر من كلّ نجاسة.

والمراد بقوله : « وزالت عين النجاسة عنه » أنها زالت قبل التجفيف ، ولوضوحه لم يصرّح به.

١٤٥

قوله : وما لا ينقل إلى آخره

لو انتقل كلّ من المنقول وغير المنقول إلى الحالة الاخرى كان المناط حال الجفاف ، فلو هدم الجدار الذي فيه أحجار نجسة كان تطهيرها بالماء دون الشمس ، ولو خلط طين الجدار أو السطح بطين نجس طهر بالشمس. وقوله : « مطلقا » أي : سواء سهل نقله أم لا.

قوله : نعم ، لا يضرّ انضمامه إليها.

أي : انضمام الهواء ، أو كلّ من الهواء والحرارة.

وإطلاق العبارة يعمّ ما إذا كان الجفاف بالهواء غالبا ، أو الشمس ، أو تساوى الجفافان ، وكذا يعمّ ما إذا كان الجفاف بالهواء متقدّما ، أو بالشمس ، أو كان لكلّ منهما تقدّم وتأخّر.

والحقّ عندي مراعاة آخر الجفافين ، فإن كان الجفاف المتأخّر بالشمس طهر ولو كان الجفاف المتقدّم بالهواء أكثر ، وإن كان المتأخّر بالهواء لم يطهر ولو كان أكثر جفافه أوّلا بالشمس.

قوله : في طهر.

لا بدّ في ذلك من التقييد بعدم الانفصال ، بأن تكون النجاسة سارية في جميع الأجزاء المتّصلة بالظاهر والباطن. أمّا لو كان الباطن نجسا والظاهر طاهرا ، أو كان كلّ منهما نجسا ، ولكن يتخلّل بينهما أجزاء طاهرة فصرّحوا بأنّ الباطن لا يطهّر حينئذ ، بل يختصّ الطهارة بالظاهر.

فى الوضوء

قوله : والسبب أعم منهما.

السبب وصف وجودي ظاهر منضبط دالّ على ثبوت حكم شرعى أو ما يلزم من وجوده وجود حكم شرعي ومن عدمه عدمه.

وهذه الأسباب أوصاف وجوديّة دالّة على ثبوت طلب الوضوء وجوبا أو ندبا ، أو يلزم من وجودها وجود طلب الوضوء ومن عدمها عدمه. وأمّا وضوء المتطهر فهو من باب تعدّد الأسباب.

١٤٦

ووجه أعمّيته عن الموجب : أنّه ما أوجب الوضوء ، وهذا مختصّ بما إذا تحقّق التكليف بما هو شرط فيه ، وأمّا بدونه فلا يكون موجبا وإن كان سببا.

هذا إذا اريد من الموجب ما أوجب الفعل ، وكان غرض الشارح من قوله : « وإطلاق الموجب على هذه الأسباب » إلى آخره أنّها سمّيت موجبات ؛ لأجل الإيجاب الفعلي حتّى يختصّ التسمية بالموجب بما وقع عند التكليف بالمشروط به. وأمّا إذا اريد من الموجب : ما أوجب الوضوء لو تحقّق التكليف المشروط به أي : كان من شأنه الإيجاب ، أو كان موجبا في الجملة وكان غرض الشارح أنّها سمّيت موجبات ؛ لأجل الإيجاب في الجملة ، فتكون التسمية عامة كان بين السّبب والموجب هنا التلازم أيضا. هذا انما يصحّ اذا اريد من الوجوب في الموجب ، الوجوب الشرعى واما اذا اريد من الوجوب الشرطى فيكون النسبة التلازم أيضا.

ووجه أعمّيته من الناقض : أنّه ما ينقض الطهارة ، وهذا مختصّ بما إذا عرض للمتطهر ، فلو عرض لغيره لا يكون ناقضا بل يكون سببا ، ومن هذا يظهر وجه العموم من وجه بين الناقض والموجب ، فكلّ واحد من هذه الامور سبب كلّما وجد.

ويفترق عن الموجب لو وجد عند عدم التكليف بما هو شرط فيه ، وعن الناقض لو وجد لغير المتطهر. ويجتمع الموجب والناقض لو وجد عند التكليف للمتطهّر ، ويفترق الموجب عن الناقض لو وجد لغير المتطهّر عند التكليف ، والناقض عن الموجب لو وجد للمتطهر عند عدم التكليف.

فإن قلت : لو وجد لغير المتطهر لا يكون سببا أيضا مطلقا ، ولا موجبا عند التكليف ؛ لانّ السببيّة والموجب قد تحقّقا أوّلا ، فلا معنى لتكرّرهما.

قلت : عدم تكرّرهما إنّما هو لاجل تداخل الأسباب والموجبات ، لا لعدم تحقّق السبب والموجب ؛ فإنّ الشارع قد جعل هذه الامور أسبابا وموجبات عند عدم التكليف مطلقا ، ولكنّها قد تتداخل ، وذلك بخلاف الناقض ؛ فإنّ الناقض لا يكون إلّا للمتطهر.

واعترض على أعمّية السبب عن الناقض بالجنابة ؛ فإنّها ناقضة للوضوء وليست سببا له ، وكذا وجود الماء ؛ فإنّه ناقض للتيمّم وليس سببا له.

١٤٧

واجيب عنه بوجوه غير صحيحة.

والصحيح أن يجاب : بأنّ السبب إنّما هو مع عدم المانع ، وغسل الجنابة مانع عن الوضوء حيث إنّه يحرم معه ، فلا يخرج بذلك عن كونها سببا ، وكذا الكلام في وجود الماء.

قوله : المعتبر.

إمّا صفة للوجه أو الغسل ، والتقييد به لأجل إطلاق المصنّف.

فعلى الأوّل يكون ضمير « هو » راجعا إلى « الوجه المعتبر » ويكون تسمية أوّل الجزء بالوجه من باب تسمية الجزء باسم كلّه ويكون ضمير « أعلاه » راجعا إلى « الوجه » بدون القيد. وعلى هذا لا بدّ من تقدير بأن يقال : المعنى : المعتبر مقارنة النيّة لغسله شرعا للمعتبر غسله ؛ لانّه ليس مختصّا بأوّل جزء الأعلى.

وعلى الثانى : يكون ضمير « هو » راجعا إلى الغسل ، ولا بدّ حينئذ من تقدير مضاف أي : وهو غسل أوّل جزء من أعلاه.

وقوله : لانّ إلى آخره

تعليل للتقييد. أي : إنّما قلنا : إنّ مراد المصنّف من غسل الوجه : غسل الوجه المعتبر شرعا أي : أوّل الجزء ـ ومن أين يفهم ذلك من كلامه ـ لانّ المصنّف قال : « غسل الوجه » وغسل ما دون أوّل الجزء ليس غسلا شرعا ، فيكون لفظ الغسل دالّا على ذلك التقييد.

وعلى هذا فلا بد من تقدير الغسل مضافا إلى الموصول أيضا. ويكون الضمير راجعا إلى أوّل الجزء ويكون قوله : « شرعا » متعلّقا بقوله : « غسلا » لا بقوله : « لا يسمّى ».

وقوله : ولانّ المقارنة إلى آخره

يكون دليلا آخر على التقييد. ويكون المراد : أنّ المقارنة تدلّ على أنّ مراد المصنّف غسل أوّل الجزء ؛ لانّ المقارنة تعتبر لاوّل الأفعال ، وأوّل أفعال الوضوء الغسل المبتدأ من الأعلى ، فإنّ غيره لا يعد فعلا للوضوء.

فإن قيل : غسل ما دون الجزء الأوّل من الأعلى يكون على وجهين : أحدهما : ما يكون مسبوقا بالبدأة من الأعلى والآخر ما لا يكون مسبوقا بها بل يبدأ أوّلا من غير الأعلى ، وإطلاق كلام المصنّف يشمل الوجهين ، والدليلان المذكوران يخرجان ثانى الوجهين فقط ،

١٤٨

إذ لا شك أنّ غسل ما دونه المسبوق بغسل أوّل الجزء غسل شرعي. وأيضا ليس هو ابتداء بغير الأعلى ، واللازم إخراج الوجهين ؛ لانّ المقصود هو بيان أنّ النيّة يجب أن تكون مقارنة لغسل أوّل الجزء ، لا ما دونه وإن كان مسبوقا بغسل أوّل الجزء بلا نيّة.

قلنا : نعم كذلك ، ولكن لا خلاف في أنّه إذا وجب البدأة باوّل الجزء من الأعلى تجب مقارنة النيّة لغسله ، وإنّما وقع الخلاف في أنّه هل تجب البدأة به أم لا؟

فلا شك في عدم شمول إطلاق كلام المصنّف لغسل ما دون أوّل الجزء المسبوق بغسل أوّل الجزء ؛ لعدم الخلاف في أنّ النيّة لا تكون مقارنة له ، بل المشكوك فيه هو شموله لغسل ما دون الجزء الغير المسبوق ، فهو يحتاج إلى بيان العلّة لاخراجه ؛ فلذا اقتصر على التعليل لاخراجه. هكذا ينبغي أن يفهم كلام الشارح هنا.

وقد ذكر المحشّون وجوها اخر لا تكاد تصح.

قوله : وكذا تمييز العبادة.

أي : وكذا لا شبهة في اعتبار تميّز العبادة عن غير هذه العبادة من العبادات إذا كان الفعل مشتركا بين عدّة أنواع من العبادات كإعطاء الفقير المشترك بين الزكاة والصدقة والنذر إذا كان مثلا ، والصوم المشترك بين النذر والقضاء والكفّارة إذا اجتمعت الثلاثة على الصائم ، فيجب عليه تميّز أنّه أيّ فرد من هذه الثلاثة.

وليس المراد أنّه لا شبهة في اعتبار تميّز العبادات عن غير العبادة كالغسل المشترك بين الطهارة ومجرّد الارتماس أو التبرّد ، والصوم المحتمل للعبادة والإمساك ؛ لانّ بعد اعتبار القربة يمتاز العبادة عن غيرها ؛ إذ لا قربة في غير العبادات ، ولانّه لو كان المراد ذلك لتحقّق الاشتراك في الوضوء أيضا ؛ لانّ أفعال الوضوء مشتركة بين ما كان للطهارة أو للتبرّد والنظافة.

وقوله : « إلّا أنّه لا اشتراك في الوضوء » دفع لتوهم المنافاة بين قوله : « لا شبهة في إجزاء النيّة المشتملة على جميع ذلك » وقوله : « وكذا تمييز العبادة » حيث إنّ الأوّل يدلّ على عدم اعتبار غير ما ذكره المصنّف ، والثاني على لزوم اعتبار أمر زائد.

١٤٩

ووجه الدفع : أنّ اعتبار ذلك الأمر الزائد إنّما هو فيما إذا كان الفعل مشتركا بين أنواع من العبادات ، وليس الوضوء كذلك ؛ إذ ليست الأفعال المعتبرة في الوضوء عبادة اخرى سوى الوضوء ، فتكون بنفسها ممتازة ، بل لا يكون للوضوء أوصاف مشتركة يحتمل اتصافه بكل منها في وضوء واحد حتّى يتوقّف تميّز بعضه عن بعض على القصد.

فإنّ الوضوء وإن اتّصف بعضه بالرافعيّة وبعض آخر بمحض المبيحيّة ، إلّا أنّ الوضوء الواحد لا يكون مشتركا محتملا لكلّ منهما ؛ لانّ المانع من الرفع إمّا موجود ، فلا يحتمل الرافعيّة ، أو لا فلا يحتمل مجرّد المبيحيّة [ و ] حتى في الوجوب والندب أي : لا يكون وضوء واحد محتملا لكونه واجبا أو مندوبا حتّى يتوقّف تميّز أحدهما عن الآخر على القصد ؛ لانّه إذا كان المكلّف مكلّفا بالفعل بعبادة مشروطة به يكون واجبا فقط أولا ، فلا يكون إلّا ندبا ، فلو أوقعه في وقت الوجوب مثلا ذاهلا عن كونه واجبا أولا ، يكون المتحقّق هو الواجب وكذا في المندوب.

والحاصل : أنّ المراد باشتراك الفعل : كونه ذا وجهين بحيث إذا وجد يكون محتملا لكلّ منهما ، ولا يمكن أن يكون الوضوء كذلك ، بل هو إذا وجد ولو بدون التميّز قصدا يكون إمّا واجبا أو مندوبا ممتازا غير مشتبه.

فإن قيل : إن قوله : « في وقت العبادة الواجبة لا يكون إلّا واجبا » ممنوع ؛ لانّه حينئذ يكون واجبا لهذه العبادة ، ولكنّه يكون مندوبا للعبادات المندوبة المشروطة به ، أو لنفسه ، فيكون مشتركا حينئذ أيضا ، مثلا في وقت الصلاة يجب الوضوء للصلاة ويستحبّ للسعي في حاجة المسلم ، وكذا إذا نذر كونه متوضئا في يوم مثلا ؛ فإنّه يجب لاجل النذر ويستحب لقراءة القرآن.

قلنا : هذا إنّما يصحّ إذا قلنا بأنّ ما يستحبّ لأجله الوضوء إنّ الوضوء يستحب لاجله وأمّا إذا قلنا بأنّه يستحبّ أن يكون التلبّس به مع الوضوء فلا يصحّ ذلك ، إذ لا يكون حينئذ وضوء مستحبا لأجله ، بل يستحبّ أن يكون الإتيان به مع الوضوء ، فإذا كان وضوء واجبا يكفي ذلك الوضوء لامتثال هذا الأمر الاستحبابي ، ولا يكون وضوء آخر مستحبا ، بل يختصّ استحبابه بما إذا لم يكن هناك وضوء آخر ، ولكن الشأن في إثبات ذلك فتأمل.

١٥٠

قوله : وجري الماء.

هذا من قبيل : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) (١) و « يجب الزكاة » فإنّ المعنى : حرم نكاح امهاتكم ، ويجب إعطاء الزكاة.

فالمعنى هنا : وواجبه إيجاد جري الماء ، أو تحصيله ، أو مثل ذلك.

قوله : أمّا الظاهرة.

لمّا كان خفيف الشعر مستلزما لبشرة مرئية من خلال الشعر عند التخاطب ولبشرة مستورة بالشعر فكان يمكن أن يتوهّم أنّ المراد بتخليله : إيصال الماء في البشرة الواقعة خلاله المرئية أو مع المستورة.

ولمّا كان وجوب التخليل خلافيا يستلزم ذلك أي : توهّم الخلاف في وجوب غسل البشرة المرئية من خلاله ؛ فزال المصنّف ذلك التوهّم بأنّ المراد بالتخليل الذي حكم المصنّف بوجوبه والمعظم بعدم وجوبه هو إيصال الماء بالبشرة المستورة. وأمّا المرئية ، فلا بدّ من غسلها عند الجميع ، ولا خلاف فيه.

قوله : لا نفس المفصل.

[ لمّا ] كان مجمع (٢) عظمى الذراع والمفصل بأن تداخل رأساهما بحيث دخل رأس أحدهما مع بعض ما يليه في الآخر ، وهو يوجب حصول امتداد في المجمع ولازمه أن يكون شي‌ء من المرفق داخلا في العضد من المفصل وشي‌ء منه داخلا في الذراع منه ؛ فلذا يختلف المفصل والمجمع.

ويظهر الفائدة فيما لو قطعت اليد من المفصل ؛ فإنّه يجب ( كذا ) من المرفق شي‌ء يجب غسله على القول بكونه هو المجمع.

وقوله : « إلى أطراف الأصابع » متعلّق بـ « غسل اليد ».

قوله : ثمّ غسل اليسرى إلى آخره

لفظة « ثمّ » إمّا منسلخة عن معنى التراخى هنا وكذا في سابقه ولاحقه ، أو باعتبار

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) فى الاصل : جمع.

١٥١

الابتداء في كلّ منها ، أو باعتبار أنّ ما يجب في كلّ منها من التخليل وتحريك ما فيه من الدملج والسوار خارج عن الغسل.

و « اللام » في « الحدود » للعهد. ومعنى الحد : النهاية. والمراد : النهايات المذكورة للوجه في العرض والطول ، وفي اليدين في المبدأ والمنتهى.

والمراد بما اشتملت عليه الحدود : ما كان داخلا في تلك النهايات ، لا خارجا عنها أي : يكون محاطا بها فيصدق على اللحم الزائد النابت على الانف مثلا انه مما اشتملت عليه حدود الوجه لكونه محاطا بها فما يشتمل عليه تلك الحدود هو الثابت داخلها ، وما خرج عنها هو الثابت خارجها ، والثابت في نفس الحدود محتمل للامرين.

وجملة : « وغسل ما اشتملت » إلى آخره مستأنفة ، والواو فيها للاستئناف دون العطف. أي : وغسله واجب ، وحذف الواجب لدلالة المقام عليه.

فلا يرد : أنّها لو كانت معطوفة لعطف بقوله : « غسل اليسرى » فيستفاد منها أنّ غسل ما اشتملت عليه حدود الوجه ـ مثلا ـ مؤخّر عن غسل اليمين.

ويمكن أن يكون معطوفة على مجموع ما تقدّمه كما في قولك : جاء زيد ثمّ عمرو وخالد إذا لم يقصد تأخير خالد عن عمرو ؛ فإنّه يكون معطوفا على زيد ثمّ عمرو ، لا على عمرو.

وقوله : « وإن كان يدا » إشارة إلى رفع توهّم عموم اليد في قوله سبحانه : ( وَأَيْدِيكُمْ* ) (١) ؛ فإنّ منهم من قال بأنّ الأيدي فيها عامّة تشمل كلّ ما يصدق عليه اليد ، فلو كان هناك عشرة أيد يجب غسل الجميع أصالة ، ولا تعيّنت الأصليّة.

فغرض الشارح : أنّه لا عموم في اليد ، بل الواجب هو غسل اليد الواحدة وهي الأصليّة. فلو تعينت الأصليّة بأن يمتاز الزائدة عنها لضعف قوّة أو نقص إصبع أو فقد مرفق وأمثالها يجب غسلها فقط ، وإن لم تتعين فالواجب غسلها أصالة هو الأصليّة فقط. ولكن يجب غسل الزائدة أيضا تبعا من باب المقدّمة ، فإن بعد اشتغال الذمّة اليقيني بوجوب غسل اليد يجب تحصيل البراءة اليقينيّة ، وهي لا تحصل إلّا بغسل اليد الأصليّة ، فيكون تحصيل

__________________

(١) المائدة : ٦.

١٥٢

ذلك العلم واجبا. وهو يتوقّف على غسل اليدين جميعا ، فيغسلان من باب المقدّمة فالمراد بذي المقدّمة : هو تحصيل البراءة اليقينيّة أو العلم بغسل الأصليّة.

ويمكن المناقشة في غسلهما حين الاشتباه أيضا ؛ لاحتمال التخيير فإنّ وجوب غسلهما إنّما تمّ إذا ثبت وجوب غسل الأصليّة وهو ممنوع ، بل الواجب غسل اليد مطلقا.

بل يمكن المناقشة في كون إحداهما أصليّة ؛ إذ لا معنى محصل للاصليّة بحيث تكون متعينة في الواقع واشتبهت علينا ، كما لا يخفى فتأمّل.

قوله : في مقدار ثلاث أصابع إلى آخره

اعلم أنّ الصور المتصوّرة خمس : المسح بالمسمّى ، والزائد عنه ، ناقصا عن ثلاثة أصابع ، وثلاثة أصابع ، والزائد عنها ناقصا عن الاستيعاب ، والاستيعاب.

والمفهوم من كلام الشارح حكم ثلاث منها : المسمّى وثلاثة أصابع والاستيعاب ، وأمّا الباقيتين فحكمهما غير معلوم ، نعم يعلم أنّ الزائد على المسمّى الناقص عن الثلاثة جائز وإن لم يعلم استحبابه.

بل في استفادة الجواز أيضا نظر ، إلّا أنّه لا خلاف فيه. نعم وقع الخلاف في المتجاوز عن الثلاثة ، ولا يبعد استفادة عدم حرمته من العبارة ، وإن لم يعلم كراهته أو إباحته.

قوله : وقيل إلى أصل الساق.

إنّما قال : « إلى اصل الساق » ولم يقل : « وقيل : أصل الساق » حتّى يكون مقابلا للأصح لموافقة عبارة الألفية مع فهم المطلوب ؛ لبداهة عدم وجوب التجاوز عن الكعب. أو لانّ من قال : إنّه يجب المسح إلى أصل الساق ، لم يعلم منه صريحا أنّه يقول به لأجل اعتقاده أنّه الكعب ، بل يحتمل أن يكون احتياطا.

فإن قلت : فعلى هذا لا يصحّ قوله : « على الأصح » ؛ لانّه يدلّ على الجزم بأنّ الكعب لها معنى آخر.

قلت : عدم الجزم بأنّ أصل الساق أيضا قول في معناها لا يستلزم عدم الجزم بأنّ لها معنى آخر أيضا فإنّ منهم من صرّح بأنّه يطلق على معان أربعة.

١٥٣

قوله : وفهم من إطلاقه المسح إلى آخره

لا يخفى أنّ قوله : « إلى الكعبين » في الرجلين إمّا من قول المصنّف كما في النسخ الموجودة عندنا أم لا وكذا قوله : « إلى أطراف الأصابع » في بيان غسل اليد اليمنى إمّا من كلام المصنّف كما في بعض النسخ ويشعر به بعض الحواشي أو لا كما في بعض آخر ، وعلى التقادير إمّا يكون ذكر كلّ من لفظة « من » و « إلى » دالّة على تقدير اخرى مستلزمة له أم لا ....

قوله : مواليا في فعله بحيث إلى آخره

إشارة إلى بيان معنى الموالاة حيث فسّره بعضهم بالتتابع. واعتبر آخر فيها مراعاة الجفاف.

ثمّ لا يخفى أنّه على القول بمراعاة الجفاف كما اختاره المصنّف ، قد اختلفوا في حدّه :

فمنهم من قال بأنّ الواجب أن لا يجف جميع الأعضاء السابقة على العضو الذي هو فيه.

ومنهم من قال بأنّه أن لا يجف بعضها مطلقا.

ومنهم من قال بأنّه أن لا يجف العضو السابق المتّصل بالعضو الذي هو فيه.

وكلام المصنّف لا يعيّن المراد من هذه الأقوال ،

ولفظة « من » يحتمل أن تكون بيانيّة للسابق أي : الأعضاء السابقة.

وعلى هذا فيكون موافقا للقول الأوّل ، ويكون معنى قوله : « مطلقا » بناء على تعلّقه بالسابق ، أن لا يجف شي‌ء منها أصلا.

وأن تكون تبعيضية ، وعلى هذا يحتمل كلا من القولين الآخرين فقط.

ولكن لو جعل مطلقا قيدا للسابق واريد منه أنّه سواء كان السابق متّصلا أم منفصلا يطابق القول الثانى.

وإن اريد بالإطلاق معنى آخر مثل أن يكون المعنى سواء كان السابق واحدا أو أكثر ، أو جعل متعلّقا بالعضو الذي هو فيه أي : سواء كان يدا أو رجلا أو رأسا يحتمل كلا من القولين معا.

١٥٤

ثمّ إنّ ضمير « هو » راجع إلى المتوضّئ ، والضمير المجرور إلى الموصول.

قوله : ومحلّه.

أي : محلّ السواك للوضوء قبل الغسل الواجب والندب كما أنّ محلّه قبل المضمضة أيضا.

وذكر المضمضة ؛ لعدم إطلاق الغسل عليه ، كما لا يطلق على الاستنشاق أيضا ، ولكن لم يذكره ؛ لانّ التقدّم على المضمضة يستلزم التقدّم على الاستنشاق.

فإن قلت : التقدّم على الغسل الندب أيضا يستلزم التقدّم على المضمضة ؛ لانّ غسل اليدين قبلها ، فلا فائدة في ذكرها.

قلنا : إنّ غسل اليد ليس مندوبا عند كلّ وضوء ، بل يختصّ بما إذا توضّأ عن إناء يدخل فيه اليد بل بالوضوء عن بعض الأحداث عند جماعة ، فلو لم يذكر المضمضة لم يعلم تقدّمه عليها في الوضوء الذي لا يستحب فيه غسل اليد.

ويحتمل أن تكون المضمضة مثالا لغسل الندب ، ويكون تخصيصه بالذكر للتنبيه على أنّه يطلق عليه الغسل أيضا ، كما ذكر في الذكري.

ويحتمل بعيدا أن يكون المراد : أنّ المضمضة أيضا قبل غسل الواجب والندب ، ويكون المراد بغسل الواجب : أفعال الوضوء الواجب ، وبالندب : أفعال الوضوء الندب ، أو يكون المراد بالغسل الندب : الغسلة الثانية للوجه واليدين.

ولا يخفى أنّ إضافة الغسل إلى الواجب أو الندب بيانيّة ، أو المراد بالواجب والندب :الواجب والمندوب غسله فافهم.

فى الغسل

فى الحيض

قوله : فالأصل عدم كونها.

المراد بأصل العدم : أصل عدم كونها قرشية باعتبار الأحكام ، وذلك باعتبار عموم أدلّة كون الدم التى تراه المرأة بعد التسع حيضا إلى أن تبلغ خمسين ، واستثنيت القرشية فكلّ امرأة علم كونها قرشية تكون خارجة عن العموم ، وما لم يعلم يقتضي الأصل بقاءها تحت

١٥٥

العمومات ، وإلّا فلا وجه لأصالة عدم كون المرأة قرشية ، إلّا أن يراد بالاصل الظاهر باعتبار إلحاق الشي‌ء بالأعمّ الأغلب.

وقد يراد أصالة وجوب العبادة. ولا يخفى أنّه معارض بأصالة وجوب الاعتداد.

وبما ذكرنا يظهر معنى الأصل ، ووجهه في قوله : « والأصل يقتضي كونها كغيرها ».

قوله : أيّام متوالية.

اختلف الأصحاب في المراد من التوالي هنا.

فقيل : إنّه عبارة عن استمراره في الثلاثة بلياليها بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث.

وقيل : ان المراد حصول الدم فيها في الجملة.

وقيل : المراد وجوده فى كل يوم من الثلاثة وقتا ما.

وقيل : إنّه يعتبر أن يكون في أوّل الأوّل ، وآخر الآخر وأيّ جزء من الوسط.

قوله : على الأصح.

ومقابل الأصح قول الشيخ في النهاية وابن البراج : من أنّه إن رأت يوما أو يومين ، ثمّ رأت قبل انقضاء العشرة ما يتمّ به ثلاثة فهو حيض.

وهل يحكم بكون أيّام النقاء المتخلّلة بين الثلاثة طهرا أم حيضا؟ قال الشارح في الروض بكونه طهرا.

واعترض عليه : بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام إجماعا.

وأجاب عنه بعض المتأخّرين : بأنّ قوله : « الطهر لا يكون أقل من عشرة إجماعا » ممنوع ؛ فإنّ ذلك إنّما هو إذا كان بين حيضتين يعنى : لا يحكم بتعدّد الحيض إلّا بتوسّط العشرة ، وأما في الحيضة الواحدة فلا نسلّم امتناع أقلّية الطهر من العشرة ، فتأمّل.

قوله : ونحو ذلك.

كانقضاء أقلّ الطهر ، أو كون الدم منغمسة حين الاشتباه بدم العذرة ، لا مطوقة.

قوله : وإنّما أطلق لتحريمه إلى آخره

قيل : لا يخفى ما في ظاهر العبارة ؛ لانّ معنى قوله : « وأطلق » أنّه إنّما قال بالحرمة في جميع المواضع مع أنّه ليس كذلك ، بل محرّم في الجملة ، وحينئذ فلا يصحّ تعليل الإطلاق بأنّه لاجل تحريمه في الجملة.

١٥٦

ويمكن توجيهه : بأن يقال المراد بقوله : « إنّما أطلق » ليس ما ذكر من الحرمة في جميع الأوقات ، بل المراد : أنّه إنّما قال بحرمة الماهيّة المطلقة ، مع أنّ المحرم هو الماهية المقيدة فقط ، لأجل أنّ المطلق أيضا محرّم في الجملة أي : بما [ هي موجودة ] ضمن بعض الأفراد ؛ لوجود المطلق في ضمن كلّ فرد فيصحّ إثبات الحرمة للماهيّة المطلقة كما يصحّ إثبات الحلّية لها بهذا المعنى أيضا.

قوله : لذات الستّة إلى آخره

وأمّا ذات السبعة : فالاوّل أوّلان وثلث يوم ، والوسط الثلثان من الثالث مع اليوم الرابع وثلثان من الخامس ، والآخر الثلث الباقي من الخامس واليومان الأخيران وهكذا.

قوله : إلّا أن يطلبه.

الضمير راجع إلى الإعانة دون الاستمتاع ؛ لانّ طلب الاستمتاع ووجوب الإجابة فيها لا يوجب رفع الكراهية عن الإعانة التى لم يطلبها عنها.

ويمكن إرجاعه إلى الاستمتاع أيضا بأن يراد من الإعانة : الإعانة فيما يتوقّف عليه ، ويمكن للزوج نفسه الإتيان به كحل الإزار ورفع الثياب.

قوله : إن كان لها محلّ.

إنّما عبّر بهذه العبارة ولم يقل : « إن كان لها مصلى » ؛ لانّه أراد بيان معنى المصلّى أيضا ، فما ذكره يشعر بأنّه محلّ معدّ للصلاة.

قوله : به.

إمّا متعلّق بـ « التقرب » ، وال « باء » سببيّة ، أو متعلّق بالمنوي وال « باء » بمعنى : فى.

قوله : بقدر الصلاة.

أي : بقدر واجباته ، أو ما اعتادت عليه من المستحبّات أيضا ؛ إذ أقلّه قدر الواجبات ، وتتخيّر في الزائد ، والمسافرة تذكر بقدر الصلاة المقصورة.

فى الاستحاضة

قوله : من الرّحم الذي.

قيّد بـ « الخارج من الرّحم » ليخرج دم العذرة والجراحة.

١٥٧

فى النفاس

قوله : ولو تعدّد إلى آخره

قوله : « منفصلا » حال عن « الجزء » ، والتقييد به ؛ لعدم إمكان تعدّد الجزء بدونه.

وقوله : « أو الولد » عطف على « الجزء ». وتعدّده بأن يتولّد توأمين ، أو أكثر.

وقوله : « فلكلّ نفاس » يعنى : يكون الدم الخارج مع كلّ منهما أوّل نفاسه ويكون آخره آخر ما يمكن أن يكون للنفاس. وتحصل الفائدة فيما لو تجاوز الدم عن أكثر النفاس عن أوّل الأوّل ، دون الثاني فيكون نفاسا.

وقوله : « وإن اتصلا » [ أى ] الجزءان من حيث الخروج أي : كان خروج أحدهما متّصلا عرفا بخروج الآخر ، فلا ينافي ذلك انفصالهما ، وكذا خروج الولدين ، أو اتصل النفاسان :بأن لا ينقطع الدم الخارج مع الأوّل حتّى يتّصل بالدم الخارج مع الثانى ، وحينئذ فيمكن الاتصال مع تحقّق الفاصلة بين خروج الجزءين أو الولدين أيضا.

والضمير في قوله : « منه » راجع إلى « النفاس ».

وقوله : « ما اتفقا » أي : ما اتّفق الجزءان أو الولدان.

والضمير في قوله : « فيه » راجع إلى الموصول أي : ويتداخل من النفاس القدر الذي اتفق الولدان أو الجزءان في ذلك القدر من جهة الوقت.

وما لم يتّفقا فيه يكون مختصّا بما يمكن أن يكون نفاسا له ، فيكون الدم الذي خرج قبل خروج الجزء الثانى ، أو الولد الثاني نفاسا للأوّل فقط. ويكون ما خرج بعد تجاوز النفاس في حقّها من أوّل النفاس الأوّل دون الثاني نفاسا للثاني فقط ، ويكون التداخل فيما بينهما ، والتفارق في الطرفين.

فى غسل المسّ للميّت

قوله : وفي وجوب.

أي : في وجوبه بعد الموت وقبل البرد.

١٥٨

فى احكام الاموات

قوله : الموكّلة به.

الضمير راجع إلى « الموت ». أي : الملائكة الموكّلة بالموت كملك الموت وأعوانه إلى الميّت ؛ لانّ حضورهم غير مختصّ بحال الاحتضار.

قوله : إلّا مع الاشتباه.

أقول : هذا التحديد وإن وقع في الأخبار ولكن فيه إشكال ؛ لانّه إن ارتفع الاشتباه فيرجّح التعجيل قطعا وإن كان قبل الثلاثة ، وإن لم يرتفع لا يجوز وإن كان بعد الثلاثة. فالمراد من هذا التحديد إن كان مع حصول العلم فقبل الثلاثة أيضا كذلك ، وإن كان مع بقاء الاشتباه فالثلاثة أيضا كما قبلها. إلّا أن يقال : إنّ بقاء الاشتباه إلى ثلاثة أيّام دليل على عدم حياته ، فيكون مضي ثلاثة أيّام من أوّل زمان الاشتباه علامة من علامات الموت.

ولكن يخدشه : أنّه وإن كان كذلك في بعض الأوقات فيحصل بسببه العلم العادي بالموت ، إلّا أنّه ليس كلّيا ويمكن عدم حصول العلم في بعض الأوقات ، ومع عدم حصوله فجواز الدفن ممنوع.

قوله : ميّت مسلم.

إطلاق المسلم يشمل المخالف للحق وغيره. وخالف فيه جماعة من الأصحاب ، فلم يجوّزوا تغسيل المخالف.

وقال بعض المتأخّرين بعدم وجوبه.

قوله : ولقيط.

اللقيط : هو الانسان الضائع الغير المستقل بنفسه الذي لا كافل له فلا يتعلّق حكم اللقيط بالبالغ العاقل ، ويتعلّق بالطفل غير المميّز ، وفي الطفل المميّز تردّد.

قوله : والمسبيّ بيد المسلم.

أي : حال كون المسبيّ بيد المسلم وإن سباه كافر. وليس المراد أن يكون سببه بيد المسلم.

١٥٩

قوله : كالجنابة.

متعلّق بالتغسيل. أي : يجب تغسيل كلّ ميّت كغسل الجنابة.

وإنّما شبّه به خاصّة ، لوقوع التصريح بهذا التشبيه في جملة من الأخبار ، ولأنّ كيفيّة الغسل مفصّلة إنّما بيّنت في غسل الجنابة ، وقيست البواقي عليه.

قوله : والأجود التعدّد بتعدّدها.

قوله : « الباء » في قوله : « بتعدّدها » للسببيّة. والسببيّة هنا تحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون سببا للأجوديّة ، فيكون قوله : « بتعدّدها » إشارة إلى بيان سبب ، أجودية التعدّد عليها ، ويكون المعنى أنّ أجوديّة التعدّد لاجل تعدّد الأغسال ؛ لانّها تكون حينئذ أفعالا مختلفة متميّزة بعضها عن بعض ليست لها هيئة وحدانية ، وجميع الأفعال التي يجب فيها النيّة إذا تعدّدت كذلك يجب لكلّ منها نيّة على حدة ؛ إذ لو لا تعدّد النيّة لصدق على بعضها أنّه وقع بلا نيّة.

وثانيهما : أن يكون سببا للتعدّد ، فيكون إشارة إلى بيان كيفيّة التعدّد ، فإنّ تعدّد النيّة كما يمكن أن يكون بتعدّد الأغسال يمكن أن يكون أيضا بتعدّد أفعال الغسل حتّى يكون في كلّ غسل نيّات متعدّدة ، فأشار إلى عدم إرادة ذلك بقوله : « بتعدّدها » أي : التعدّد بتعدّد الغسل لا بتعدّد أفعاله.

قوله : وإن تعدّد واشتركوا.

الضمير المستتر في « تعدّد » راجع إلى الغاسل ، وفي اشتركوا إلى « المتعدّد » المدلول عليه بقوله : « تعدّد » ، ولذا أفرد الأوّل وجمع الثاني.

قوله : نووا جميعا.

الظاهر من العبارة أن كلّا من المشاركين في الغسل يجب عليه نيّة الغسل.

وفيه إشكال ؛ لانّ صبّ كلّ واحد منهم إن كان بحيث يوجب وصول الماء إلى جميع أعضاء الغسل ، فتمام الغسل يتحقّق بصبّ كلّ منهم ويكون الغاسل حقيقة واحدا منهم ، فلا وجه لوجوب النيّة على الجميع ، وإن لم يتحقّق الغسل إلّا بصبّ الجميع بأن يصب بعضهم الماء إلى جزء من الرأس وبعض آخر إلى جزء آخر ويغسل بعضهم الرأس و

١٦٠