الحاشية على الروضة البهيّة

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-632-3
الصفحات: ٨٤٨

قوله : ويكره سؤر الجلّال.

هذا وما يلحقه بيان مواضع المخالفة بين السؤر وذي السؤر في الحكم ، فيكره ما يحكم بحرمة لحمه ، ومن هذا وما تقدّم من التبعيّة في الكراهية يظهر وجه إفراد بحث السؤر عن الماء المطلق ، ومن اكتفى في حكمه بالتبعية في الطهارة والنجاسة فقط يلزمه عدم إفراده بالبحث إلّا تبعا للقوم وردّا عليهم في الحكم. ثمّ المراد بكراهة سؤر الجلّال وغيره مما يكره سؤره يحتمل أن يكون كراهة شربه فقط ، أو مع الاستعمال في الطهارة ، أو كراهة استعماله مطلقا. وقد نقل عن السيّد وابن الجنيد المنع عن سؤر الجلّال.

قوله : محضا.

متعلّق بالعذرة. أي : المغتذي بالعذرة المحضة ، ولا ينافي الجلل أكله غير العذرة قليلا نادرا ، ولا يرد النقض به على التعريف ، لانّه لا يصدق على مثل ذلك الاغتذاء ؛ فإنّه ينبئ عن كثرة وتكرّر.

قوله : الى أن ينبت عليها لحمه.

إنّما قال : « عليها » ولم يقل : « منها » للإشارة إلى أنّ الإنبات هنا متضمّن لمعنى الإكساء ، فإنّ الإنبات الّذي من الشي‌ء إنّما هو فيما إذا خرج من ذلك الشي‌ء ، ونما زائدا على ما كان أوّلا ، كإنبات الزرع من الحب ، وهنا ليس كذلك ، فإنّه لا ينمو العذرة حتّى يخرج منه اللحم ، بل يسلب عنها صورتها وتكسى الصورة اللحمية.

وفي إضافة اللحم والعظم إلى الضميرين تنبيه على أنّه لا يكفي مجرّد إنبات اللحم واشتداد العظم منها ؛ فإنّهما ربما يحصلان بأكل قليل منها ، بل لا بدّ من إنبات لحم جميع بدنه واشتداد عظمه.

قوله : أو سمّي في العرف إلى آخره.

عطف على قوله : « ينبت » أي : المغتذي بعذرة الانسان إلى أن سمّي في العرف جلّالا. ويحتمل على بعد أن يكون عطفا على « مغتذ » حيث إنّ الموصول فيه بمعنى الحيوان ، فيكون المعنى : هو حيوان مغتذ بعذرة الانسان وحيوان سمى في العرف جلّالا.

١٠١

قوله : قبل أن يستبرأ إلى آخره.

متعلّق بقوله : « ويكره » أي : كراهة سؤر الجلّال قبل الاستبراء. ويمكن على بعد أن يكون متعلّقا بقوله : « وهو المغتذي » وقوله : « أو سمّي » أي : الجلّال الذي يحكم عليه بالاحكام الشرعيّة المغتذي بعذرة الانسان ، أو الجلّال العرفي قبل الاستبراء ، فبعده ليس بذلك الجلّال وإن صدق عليه أنّه المغتذي بالعذرة بالاعتبار السابق أو لم يزل الصدق العرفي بعد.

قوله : بما يزيل الجلل.

أي : يزيل صدق عنوان كونه مغتذيا بالفعل بعذرة الانسان أو يزيل الصدق العرفى ، وعلى الاحتمال الأخير البعيد المذكور لقوله : « قبل أن يستبرأ » يكون المعنى : بما يزيل الجلل المتعلّق للأحكام الشرعية.

قوله : وآكل الجيف.

أي : الحيوان الذي من عادته وشأنه أكل الميتة. ثمّ إنّ الشيخ استثنى سؤره من طهارة سؤر كلّ حيوان طاهر ، وحكم بنجاسته ، ونقل عن القاضي أيضا.

قوله : أي خلوّ موضع الملاقاة.

فإنّه لو لم يخل عنها لكان السؤر نجسا على القول بنجاسة الماء القليل بالملاقاة قطعا.

وإنّما قال : « عن النجاسات » كما في بعض النسخ بلفظ الجمع دون النجاسة ؛ لانّ الخلوّ متضمّن للمعنى السلبي ، فانتفاء نجاسة لا يكفي في عدم نجاسة السؤر ، بل يجب انتفاء النجاسات ، ولو أتى بلفظ المفرد صحّ أيضا حيث إنّ نفى الماهيّة إنّما يكون بنفي جميع أفرادها. ثمّ أنّ قوله : « مع الخلو » متعلّق بكلّ من الجلّال وآكل الجيف.

قوله : وسؤر الحائض المتّهمة.

وأطلق جماعة الحائض من غير تقييد بالمتهمة. ولعلّ التقييد لما في بعض الأخبار من نفي البأس عن سؤر المأمونة. (١) ولا يخفى أنّ مفهومه أعمّ من المتّهمة ؛ لاشتماله المجهولة أيضا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٣٤.

١٠٢

قوله : عن النجاسة.

الظاهر أنّ كراهة السؤر الحائض المتهمة لاجل اتهامها بعدم التنزّه عن النجاسة المخصوصة ، ولكن ... ؛ لانّ الظاهر عدم انفكاك الاتّهام بأحدهما عن الاتّهام بالآخر.

قوله : وهما داخلان إلى آخره.

يعني : أنّ البغل والحمار داخلان فيما مرّ من تبعيّة السؤر للحيوان في الكراهة أي : هما داخلان في الحيوان المتقدّم ذكره ، في ذلك الحكم المصرّح به بقوله : « تابع للحيوان » دخول الجزئي في الكلّى والافراد في المطلق. فالمراد : دخولهما في الحيوان لا التبعية. أو معنى دخولهما : أنّ حكمهما داخل في الحكم المتقدّم أي : التبعيّة ؛ لانّ حكمهما أيضا جزئي من ذلك الحكم.

قوله : لتأكّد الكراهة فيهما.

أي : تأكّد الكراهة في لحمهما وبواسطته يتأكّد الكراهة في سؤرهما أيضا أو لتأكّد الكراهة في سؤرهما وإن لم تتأكّد في لحمهما. ثمّ ذلك التأكّد أوجب عدم ذكر الخيل معهما مع أنّ من ذكرهما ذكرها أيضا ؛ إذ ليس ذلك التأكّد متحقّقا فيها.

قوله : إلّا الهر.

حيث إنّ سؤره ليس بمكروه أيضا ، بل مباح.

قوله : قبل بلوغه أو بعده.

أمّا بعده مع عدم اظهاره الإسلام فلا يكون سؤره طاهرا ، بل يكون نجسا كسؤر سائر الكفّار. وقوله : « مع إظهاره » يشعر بأنّه لو لم يظهره ولا الكفر أيضا ؛ يكون كافرا وسؤره نجسا ، وكأنّه لم يقل به أحد. والظاهر أنّ مفهومه غير ملتفت إليه عند الشارح ومراده.( كذا )

١٠٣

المسألة الثانية

قوله : يستحبّ التباعد.

اى : جعله وتحصيله

قوله : التى يرمى فيها ماء النزح.

أي : نزح مقدّرات البئر ولا يخفى أنّ الأخبار وكلمات العلماء الأخيار غير مقيّدة بهذا القيد ، بل بين مطلقة وبين مصرّحة بالتعميم ، فلا وجه للتخصيص. ولعلّه إمّا لأنّ حكم غيرها يعلم بطريق أولى ، أو للبناء على المتعارف من قرب البالوعة التي يرمى فيه ماء النزح دون ما عداها ، أو باعتبار أنّها أظهر أفرادها ، أو لما حكي عن بعضهم من الفرق بين البالوعة والكنيف ، وأنّ في الكنيف البعد باثني عشر ذراعا في بعض الصور.

قوله : بخمس أذرع.

الذراع المعتبر هاهنا هو ذراع المسافة أى : ذراع اليد ، كما صرّحوا به. قال بعض مشايخنا في منظومته :

وحدّه باليد خمس أذرع

في صلب أرض أو علوّ منبع

قوله : أو تحتيّة قرار البئر.

اعلم أنّ المراد بتحتيّة البئر قرارا أو فوقيتها ليس باعتبار رأس البئر والبالوعة على وجه الأرض ، لعدم مدخليّة ذلك في الحكم قطعا ، فيبقى أن يكون إمّا باعتبار القعر ؛ أو باعتبار سطح الماء ، أو باعتبار مجموع ما يستقرّ فيه الماء بأن يكون جميع ما يستقر فيه الماء من أحدهما فوق سطح الماء من الآخر. ولا ريب في كون الفوقيّة والتحتيّة بالمعنى الأخير معتبرة ؛ لتضمنها الأوّلين.

وأمّا الأوّلان : فقيل : المطلوب من الأخبار واحد منهما ، ولعلّ الحمل على الثاني أولى ، لانّ ما كان سطح الماء فيه فوق سطح الماء في الآخر يكون مسلطا على الآخر ، والظاهر

١٠٤

أنّه لو دخل شي‌ء فانّما يدخل منه إلى الآخر ، وأمّا فوقيّة القعر بالنسبة إلى القعر ، فلا يظهر فيها أثر بيّن في الحكم.

أقول : ما ذكره وإن كان صحيحا إلّا أنّ إرادة الفوقيّة بحسب سطح الماء أو مجموع ما يستقر فيه الماء مستبعد جدّا ؛ فإنّ استحباب التباعد إنما يكون قبل الحفر ، ولا معنى لاستحبابه بعده ، ولا يعلم الفوقيّة بهذين الاعتبارين الا بعده ، فلا معنى لاعتبارهما ، على أنّ ماء كلّ من البئر والبالوعة لا يبقى على حدّ معيّن ، بل يتزايد وينقص ، فالأولى إمّا أن يراد فوقية القعر فوقيّة يترتّب عليها أثر أي : فوقيّة معتدّ بها ، أو فوقيّة ما يصلح لان يستقرّ فيه الماء من البئر والبالوعة.

قوله : على هذا التقدير.

أي : تقدير الفرق بين الصلبة والرخوة وبين تحتية القرار وعدمها ، فإنّ الأرض اما صلبة أو رخوة ، وعلى التقديرين إما تكون البئر فوق البالوعة أو بالعكس أو يتساويان.

وأمّا إذا لم يفرق بينهما فلا يحصل الصور الستّ ، ويمكن أن يكون مراده من هذا التقدير عدم اعتبار المحاذاة في سمت القبلة وعدمها كما هو مذكور في عبارة ابن الجنيد حيث قال في مختصره :

لا أستحبّ الطهارة من بئر تكون بئر النجاسة التي تستقرّ فيها من أعلاها في مجرى الوادي إلّا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثنتا عشرة ذراعا ، وفي الأرض الصلبة سبعة أذرع ، فإن كانت تحتها والنظيفة أعلاها فلا بأس ، وإن كانت محاذاتها في سمت القبلة فإذا كان بينهما سبعة أذرع. انتهى

فإنّ الصور على هذا التقدير تكون ثمانية بضرب علوّ البالوعة وعكسه والتحاذي وفقدان الجميع في الصلابة والرخوة إذا اريد من العلو في كلامه : العلو في القرار ، ويكون اثنتى عشرة إن اريد : العلو في الجهة.

ويمكن أن يكون مراده بهذا التقدير ما ذكره المصنّف من حكم المسألة ، ويكون غرضه من التخصيص أنّه على غير هذا التقدير ، وإن كانت الصور أيضا ستّا ، إلّا أنّها ليس

١٠٥

حكمها على التفصيل المذكور بقوله : « يستحبّ التباعد في أربع منها ... ».

وعلى هذا يكون غير هذا التقدير ما أفتى به في التلخيص كما في بعض نسخ الإرشاد من استحباب السبع مع الرخاوة وتحتيّة البئر ، وخمس بدونهما ، أو استحباب السبع مع رخاوة الأرض أو تحتية البئر وإلّا فخمس ، كما في بعض آخر. فإنّهما مخالفان لحكم المصنّف.

أمّا الأوّل : فيخالفه في صورة واحدة ، وهي صورة تساوي البئر والبالوعة مع الرخاوة.

وأمّا الثاني : ففي الصورتين هما صورتا علوّ البالوعة مع صلابة الأرض وعلوّ البئر مع رخاوتها.

وأيضا يغاير هذا التقدير ما نقل في المشهور عن ابن الجنيد : أنّه إذا كانت الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنتى عشرة ذراعا ، وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبع أذرع.

وعلى هذا فالحكم في أربع بالسبع وفي واحدة باثنتى عشرة ، وحكم واحد غير مفهوم من كلامه.

قوله : وهي الصلبة مطلقا.

أي : سواء كانت متساويين قرارا ، والبالوعة أعلى أو بالعكس.

قوله : وفي حكم الفوقيّة المحسوسة إلى آخره.

لا يخفى أنّ صور المسألة على القول باعتبار هذه الفوقيّة ترتقي إلى أربعة وعشرين بضرب الصور الست المذكورة في الأربعة الحاصلة من وقوع البئر من البالوعة في جهة الشمال أو الجنوب أو المشرق أو المغرب ، ولكن هذا على الاحتمالات العقلية ، وأمّا على اعتبار ترتّب الفائدة فيرجع المسألة إلى ثماني عشرة صورة ، لعدم الفرق بين كون البئر في جهة المشرق والبالوعة في المغرب ، أو بالعكس.

ووقع الاختلاف في بيان التقدير في هذه الصور فقال الأكثر : إنّ التقدير بخمس في سبع عشرة صورة وبسبع في سبع. وبعضهم إنّه بخمس في ثماني عشرة ، وبسبع في ستّ.

١٠٦

ومنشأ الاختلاف هو الاختلاف في حكم تعارض الفوقيتين فان ظاهر كلام بعضهم عدم اعتبار المعارضة حينئذ بل يحكم بمقتضى علوّ البئر باحد الاعتبارين وان عارضه علوّ البالوعة بالاعتبار الآخر وهو الظاهر من كلام المحقّق الثانى فى شرح القواعد واحتمل بعضهم ترجيح الفوقية الحسيّة ، وقال : إنّ الفوقيّة بحسب الجهة في حكم الفوقيّة الحسيّة ، فتؤثر أثرها إذا لم تعارضها هي وأمّا مع معارضتها فلا حكم لها. ويحتمل ترجيح الفوقيّة بحسب الجهة أيضا كما يظهر من بعضهم ، بل صرّح بتخصيص الفوقيّة بالجهة من دون اعتبار الفوقيّة بالقرار.

ويحتمل أيضا اعتبار الجهة في البئر دون البالوعة بأن يحكم بمعارضة علوّ البئر جهة لعلوّ قرار البالوعة والتساقط بينهما ، ولم يحكم بمعارضة علوّ البالوعة جهة لعلوّ قرار البئر.

فالتقدير بسبع في ستّ وخمس في البواقي بناء على ترجيح الاحتمال الأوّل ، وبسبع في ثمان وخمس في البواقي بناء على ترجيح الثاني وبسبع في سبع وخمس في البواقي بناء على ترجيح أحد الاحتمالات الباقية.

قوله : في جهة الشمال.

لا يخفى أنّ الأكثر حملوا جهة الشمال في كلام القائلين باعتبارها وكذا في الرواية على جهة نقطة الشمال ؛ ولذا حكموا في صور وقوع كلّ من البئر والبالوعة في المشرق والمغرب بما حكموا.

وهذا محلّ تأمّل ؛ لانّ المصرّح به في الرواية هو مهبّ الشمال ، فيدلّ على اعتبار جهة ريح الشمال ، وهي غير الجهة الاولى.

والظاهر أنّ هذا أيضا هو مراد من اعتبرها ، وعلى هذا يتفاوت حكم أكثر الصور المذكورة ، ويتكثّر الأقسام أيضا. وعليك بالتأمّل في استخراج الأقسام ، وبيان حكم كلّ منها.

قوله : مع مهبّ الشمال.

وفي بعض الروايات : « ولا يجري الماء من القبلة إلى دبرها » والمآل واحد. ثمّ إنّه قد يوجّه ذلك : بأنّ جهة الشمال باردة يابسة ، وجهة الجنوب حارّة رطبة لقرب الشمس منها

١٠٧

وإحاطة الماء عليها ، والماء يميل إلى الجهة الحارّة كما يظهر من وضع قطعة من الجمد في مكان تكون في إحدى جهاته نار.

وقد يوجّه أيضا : بأنّ الشمس بطبعها بحيث يميل الماء إليها. والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.

قوله : وإن تقاربتا.

أي : كان الفصل بينهما أقل من القدر المستحب ، ثمّ النجاسة على تقدير العلم بالاتصال مطلقا إنّما هو على القول المشهور من تنجّس ماء البئر بالملاقاة ، وأما على الحق فلا ينجّس إلّا مع العلم بالاتّصال والتغيّر المستند الى النجاسة.

وفي قوله : « الّا مع العلم » تصريح بأنّه لا اعتبار بالشك ولا بالظن ، وهو في الشك كذلك قولا واحدا. وكذا مع العلم بالاتصال إذا شك في التغيّر أو مع العلم به أيضا مع الشك في استناده إلى النجاسة على المختار.

وأمّا الظن فإن كان حاصلا من شهادة العدلين ، فالظاهر الحكم بالنجاسة ، ولكن بعد اعتباره يكون قائما مقام العلم ، وإن كان حاصلا من غيرها ، فلا يحكم بها على المشهور أيضا.

ونسب بعضهم التردّد في خصوص ظنّ التغيّر إلى المحقّق وقال : « إنّه جعل الأحوط الاجتناب عنه ».

ولا يخفى أنّ كلامه بظاهره لا يختص بصورة الظن ، بل يعمّ الشك أيضا حيث قال في المعتبر : « إذا تغير ماء البئر تغيّرا يصلح أن يكون من البالوعة ففي نجاسته تردّد ». (١) ولا شك أنّه يصلح في صورة الشك أيضا أن يكون التغيّر من البالوعة ، وإلّا لم يحصل الشك.

وقوله : « ما بها » بالباء الموحدة ، وهي بمعنى « فى » ، ولفظة « من » بيانية ، وال « لام » في النجس للعهد الذكري أي : ماء البئر. ويحتمل أن يكون لتعريف الماهيّة ويكون تعميم النجس هنا قرينة على أنّ مراده من تقييد البالوعة فيما سبق لم يكن التخصيص.

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٨٠.

١٠٨

وقد يجعل « الياء » مهموزة ، وهذا موافق لما في بعض النسخ حيث ليس فيه لفظة « من » ، وأمّا على النسخ التى فيها لفظة « من » فلا يلائم إلّا بتكلّف ، أو بجعل لفظة « من » زائدة.

وقوله : « وعدم الاتصال » عطف على « الطهارة » ودليل ثان للطهارة أي : لاصالة عدم الاتصال المقتضى للتنجس ، وأصالة عدمه لكونه أمرا متوقّفا على النفوذ الحادث فيكون الأصل عدمه.

١٠٩

المسألة الثالثة

النجاسات

قوله : أي : جنسها.

إنّما فسّر بذلك لبيان أنّ « اللام » في النجاسة للجنس دون العهد أو الاستغراق.

أمّا الأوّل : فلانّه لا اختصاص لهذا الحكم بنجاسة معهودة ، والمتعارف استعمال « اللام » العهدية فيما كان كذلك.

وأمّا الثانى : فلانّ الشائع في استعمال اللام الاستغراقية استعمالها في استغراق الأفراد دون الأنواع وهو لا يصح هنا ؛ لعدم انحصار أفراد النجاسة في العشرة.

وليس التفسير لابداء الملائمة بين المحمول والموضوع في التعدّد كما قيل ؛ لأنّ الجنس أيضا أمر واحد كالنجاسة وإن تعدّدت أنواعه وأفراده.

والمراد بالجنس ليس الجنس المنطقي المغاير للنوع والصنف ، بل ما يصدق عليهما أيضا ، والمعنى : أنّ أنواعه عشرة ، فلا يرد الإشكال الذي ذكره بعضهم في هذا المقام حيث قال : في تفسير النجاسة بجنسها شي‌ء إذ يصير الكلام في قوّة قولك جنس النجاسة عشرة فامّا أن يراد بالمعدود المحذوف الأجناس أو الأنواع ، وكلاهما غير سديد : أمّا الأول : فلانّ النجاسات المعدودة ليست أجناسا بالنظر إلى النجاسة بل أنواع وأمّا الثانى : فلانّ النوع ليس عين الجنس حتى يخبر عنه به. وكان حقّ العبارة أن يقال بعد « النجاسة » جنس تحته وبعد « عشرة » أنواع. انتهى.

فانّ هذا الإشكال إنّما يرد على إرادة الجنس المنطقي من الجنس هنا.

ثمّ كون النجاسات عشرة إنّما هو على رأي المصنّف أو على المتفق عليه ، وإلا فقد زاد بعضهم عليها أشياء اخر كولد الزنا ، وعرق الجنب ، والجلّال ، والحديد ، وغيرها.

١١٠

قوله : من غير المأكول لحمه.

خالف في كلّية ذلك الحكم ابن الجنيد ، فحكم بطهارة بول الرضيع ما لم يأكل. والصدوق وابن أبي عقيل والجعفي وصاحب المعالم من المتأخرين فحكموا بطهارة بول الطير ورجيعه مطلقا. والشيخ فحكم بطهارة بول الطير وذرقها كلّها إلّا الخفّاش.

ثمّ المفهوم من التقييد بغير المأكول : هو طهارة بول مأكول اللحم وغائطه مطلقا ، وهو كذلك.

والمخالف في تلك الكلّية الشيخان على ما نقل عنهم ، فحكما بنجاسة ذرق الدجاج غير الجلّالة. وبعض آخر ، فذهب إلى نجاسة أبوال الخيل والبغال والحمير وأرواثها.

قوله : بالأصل أو العارض.

الأوّل : كلّ ما كان غير مأكول اللحم بذاته كالانسان والسباع. والثاني : ما كان مأكول اللحم وحرم لأجل عارض كالجلّال وموطوء الانسان.

قوله : أي : الدم القوي. إلى آخره.

الدم أحد معاني النفس ، ولذا فسّرها به. والتفسير بالدم المقيّدة بما ذكر اما ( كذا ) لأجل جعل « اللام » في « النفس » للعهد الذهني ودلالة النفس صارت عرفيّة خاصّة للمتشرعة في هذا الدم بخصوصها. والمراد بالقوي : القوي في الخروج أي : ما خرج بقوّة ودفع.

قوله : آدميا أو غيره.

هذا التعميم ردّ على بعض العامّة حيث حكم بطهارة منى الآدمي. وبعض آخر منهم حيث حكم بطهارة الجاف من مني الآدمى ونجاسة الرطب منها.

ويظهر ذلك الفرق من بعض الأخبار الخاصّة أيضا ، ولكنّه مردود مخالف للإجماع ، بل الضرورة [ و ] معارض بما هو أقوى منه.

قوله : البرّيان.

فيطهر الكلب والخنزير البحريان. ونقل عن ابن ادريس المخالفة في كلب الماء والقول بنجاسته ؛ لصدق الاسم.

وهو ضعيف إمّا للإجماع على خلافه ، أو لانصراف المطلق إلى الأفراد الشائعة دون

١١١

النادرة ، أو لانّ الكلب حقيقة في البرّي وإطلاقه على البحري مجاز كما صرّح به العلّامة في النهاية والتحرير ، وهو ظاهرة

في التذكرة أيضا.

قوله : وإن لم تحلّها الحياة.

كالشعر والظفر ومثلهما. وهذا ردّ على السيد المرتضى حيث قال في المسائل الناصرية بالفرق بين ما تحلّه الحياة وما لا تحلّه من أجزائهما.

قوله : وما تولّد منهما إلى آخره.

عطف على قوله : « وأجزاؤهما ». والمراد بالتولّد منهما : أنّه كان من نطفتهما بمجامعة ذكر أحدهما لانثى الآخر ثمّ نجاسة المتولّد منهما مطلقا صريح الذكرى والروض.

واستشكل العلّامة في المنتهى والنهاية الحكم في صورة المباينة. وتوقّف في التذكرة أيضا. وجزم في المدارك بالطهارة مع المباينة عملا بأصالة الطهارة ، وهو الأقوى عندي.

قوله : فإن انتفى المماثل.

يعني : ما يماثله المتولّد من أحدهما وطاهر بحيث يصدق عليه اسمه.

قوله : للأصل فيهما.

أي : في الطهارة وتحريم اللحم. أمّا أصالة الطهارة فواضحة. وأمّا أصالة التحريم فقد استشكلها جمع. وربما وجّه : بأنّ نظر الشارح إلى كون الحل محصور الشروط ، فما لم يتحقّق الشرط لا يحكم بالحلّ ، وليس لنا أصل مع الحل كما في الطهارة.

وفيه ما لا يخفى

أمّا أوّلا : فلمنع ثبوت حصر الحلّ بالشروط الغير المتحقّقة هاهنا.

وأمّا ثانيا : فلانّ معنى الحل جواز التناول وعدم وجوب الإمساك عنه ، ومعنى التحريم وجوب الإمساك عنه ، ولا شك أنّ الأصل جواز التناول وعدم وجوب الإمساك كما في الطهارة.

ولكنّ الصحيح أنّ أصالة التحريم هنا ثابتة ؛ لانّه لا شك في أنّ لحم هذا الحيوان حال الحياة قبل وقوع التذكية عليه حرام ، فالأصل بقاؤه على الحرمة حتّى يعلم حلّه ، وهو غير معلوم ، ولم يثبت عموم ادلّة التذكية حتّى إنّها ثابتة في مثل ذلك أيضا.

١١٢

قوله : ومرتدا.

لفظة « واو » بمعنى « أو » وكذا كتابيا كان أو غير كتابي.

قوله : وإن انتحل الاسلام إلى آخره.

أي : وإن جعل الاسلام نحلة وملّة له وادعاه لنفسه ، ولكن جحد بعض ضرورياته.

فقوله : « مع جحده » تقييد لقوله : « وإن انتحل ». والكافر [ الّذي ] انتحل إلى الاسلام كالغلاة والخوارج والنواصب ، بل جميع المخالفين عند جماعة من أصحابنا.

قوله : وضابطه.

أي : ضابطة الكافر أي : الكلام الجامع لجميع أفراده : من أنكر إلى آخره. أي : هذا الكلام واللام في كلّ من الالهيّة والرسالة والدين للعهد أي : إلهية الله ورسالة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ودين الإسلام. وقيل بجعلها للجنس في الثلاثة ، فيكون المراد إنكار جنس الالهيّة حيث إنّها لا يطلق على غير الإلهية تعالى شأنه ، وجنس الرسالة المستلزمة لإنكار رسالة نبيّنا أيضا ، وإنكار بعض ما علم ضرورة من أيّ دين كان ولو من أديان واحد من الأنبياء الماضين بأن أنكره في دينه لا في هذا الدين.

والمراد بالإنكار : عدم الإقرار ، فيشمل النفي والشك وخلوّ الذهن.

قوله : أو بعض ما علم ثبوته إلى آخره.

وقوله : « علم » إمّا مبنيّ للفاعل أو للمفعول ، وعلى الأوّل يكون المعنى : من أنكر بعض ما علم ذلك المنكر ثبوته من الدين. لكن هذا لا يلائم لفظ الضرورة ؛ لانّ إنكار ما علم من الدين كفر سواء كان بالضرورة أو النظر.

وعلى الثاني ليس المعنى : أنّه علم ولو علمه نادر ، بل المراد : ما علمه عامّة أهل ذلك الدين والثبوت هنا بمعنى الكون ولفظة « من » تبعيضية.

وقوله : « ضرورة » متعلّق بقوله : « علم » أي : علم علما ضروريّا كونه من الدين. ويحتمل تعلّقه بـ « ثبوته » على بعد.

قوله : المائع بالأصالة.

التقييد بالمائع ؛ لعدم نجاسة المسكر الجامد. والتقييد بقوله : « بالأصالة » لدخول الخمر المنجمدة وخروج الحشيشة المذابة.

١١٣

قوله : والفقاع.

كرمّان. وإنّما سمّي فقّاعا ؛ لما يرتفع في رأسه من الزبد.

قوله : والأصل فيه إلى آخره.

يعنى : أنّه موضوع في أصل اللغة لما يتّخذ من ماء الشعير ، كما صرّح به جماعة من ائمّة اللغة ، ولكن لما كان قد يطلق في العرف على غيره ممّا يوجد في أسواق أهل الخلاف ويسمّى فقاعا ، فاللازم إثبات الحكم لكلّ ما يطلق عليه ذلك الاسم في العرف ، وإن علم أنّه غير مأخوذ من ماء الشعير أو اشتبه حاله.

ولا يخفى أنّ هذا إنّما هو بناء على تقديم العرف على اللغة كما هو أحد الأقوال في المسألة ، وكأنّه مختار الشارح هنا أو مطلقا.

ويحتمل أن يكون معنى قوله : « والأصل فيه » أنّ ابتداء حدوثه وبدو وضعه كان مأخوذا من ماء الشعير ثمّ أخذ من غيره أيضا ، ولم يكن الوضع اللغوي مخصوصا بما اخذ أوّلا بل للمأخوذ من أحد من الاشياء التي يحصل منها ذلك. وعلى هذا فلا يبتنى كلام الشارح على تقديم العرف ، ولكنّه مبتن على عدم ثبوت الوضع اللغوي للحادث الأولى ، ورجحان الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز.

وقد يوجّه أيضا : بأنّ المراد بالأصل هنا : الغالب والشائع أي : المتعارف فيه أن يتخذ من ماء الشعير وإن اطلق على غيره أيضا لغة حقيقة.

وهذا أيضا مبتن على عدم انصراف المطلق إلى الشائع المتعارف ، وكأنّه خلاف مذهب الشارح. على أنّ استعمال الأصل في مثل ذلك المعنى غير متعارف.

ولا يخفى أنّ قوله : « معلّقا على التسمية » لا يخلو عن شي‌ء وإن كان المعنى واضحا ؛ لانّ المتبادر من تعليق الحكم على التسمية أنّ الحكم إنّما هو مسبّب عن الاسم في الواقع أيضا.

قوله : مع حصول خاصيّته أو اشتباه حاله.

فسّرت الخاصية بالنشيش والغليان. واورد على الشارح : بأنّ الأصل عدم حصول الخاصيّة ، والأصل الإباحة ، فلا وجه للحكم بالتحريم مع اشتباه الحال.

١١٤

وقد يرد : بأنّ مقتضى تعليق الحكم على التسمية ثبوت الحكم متى تحقّقت ، نعم خرج بالإجماع ما لم يكن فيه الخاصية ، فمشتبه الحال مع صدق الاسم يكون حراما.

وفيه : أنّ بعد خروج فاقد الخاصية عن تحت المحرّم فيكون الحكم معلّقا على التسمية المقيّدة بحصول الخاصية ، فمشتبه الحال يكون باقيا تحت أصل الحلّية وعدم حصول الخاصية.

والصحيح في الجواب أن يقال : إنّ مقتضى إطلاقات تحريم الفقاع تحريمه مطلقا إلّا ما اخرج بالدليل ، والدليل المخرج يختصّ بما علم حاله أي : عدم حصول الخاصية فيه. كما هو صريح رواية عثمان بن عيسى قال : كتب عبد الله بن محمّد الرازي إلى أبي جعفر عليه‌السلام : إن رأيت أن تفسر لي الفقاع ؛ فإنّه قد اشتبه علينا [ أمكروه ] هو بعد غليانه أم قوامه في المصدر : « قبله » بدل « قوامه »؟ (١) فكتب عليه‌السلام : « لا تقرب الفقاع إلّا ما لم يضر انيته أو كان جديدا ».

وأعاد الكتاب إليه : إنّي كتبت أن أسأل عن الفقاع ما لم يغل وأتاني أن أشربه ما كان في إناء جديد أو غير ضار ولم أعرف حد الضراوة والجديد ، وسأل أن يفسر له ذلك له ، وهل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة والزجاج والخشب ونحوه من الأواني؟

فكتب عليه‌السلام : « تجعل الفقاع في الزجاج وفي الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات ، ثمّ لا تعد منه بعد ثلاث عملات إلّا في إناء جديد ، والخشب مثل ذلك ». (٢)

قوله : إذا غلى واشتدّ.

المراد بالغليان : انقلابه وصيرورة أعلاه أسفله. وبالاشتداد : الغلظ والسخانة.

ثمّ الظاهر من كلام الذكرى وكذا المحقّق الشيخ علي أنّ الاشتداد مسبب عن مجرد الغليان. والذي عليه الأكثر وصرّح به المحقّق تأخر الاشتداد عنه وأنّ بينهما زمانا متحقّقا ، وهو المشاهد بالوجدان خصوصا في الذي يغلى من نفسه أو في الشمس.

قوله : مطهّر.

ذلك في بحث المطهّرات. واحتمال تغيّر الرأي ورجوعه من المذهب بعيد مع ذلك

__________________

(١) فى المصدر : « قبله » بدل « قوامه »

(٢) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨١.

١١٥

القرب. ويمكن أن يكون جعله مطهّرا بناء على مذهب من يقول بنجاسته ، لا أن يكون مذهبا له.

قوله : وكونه في حكم المسكر إلى آخره.

إشارة إلى ردّ ما يمكن أن يتوهّم من أنّ عذر المصنّف في تركه هنا مع ذكره ما يدلّ على تنجّسه فيما سيأتي أنّه ذكر هنا [ المسكر ] والعصير أيضا في حكم المسكر كما ذكره في بعض كتبه ، فهو داخل في المسكر.

وتوضيح الردّ : أنّ كونه في حكمه لا يوجب دخوله فيه واشتماله عليه حيث يطلق المسكر من غير ذكر ما في حكمه أو غير ذكر العصير بخصوصه وإن دخل في حكمه حيث يذكر حكمه ويقال : « المسكر وحكمه » والمراد بحكمه : ما في حكمه ؛ فإنّ ذكره وارادته شائع ذائع كما يقال : « فلان داخل في حكم فلان » أي : فيما في حكمه.

ويمكن أن يكون المراد بحكمه معناه الحقيقي ، وإن كان الدخول مجازيا بأن يقال : إنّه إذا قيل : « فلان في حكم فلان » معناه : أنّه وإن لم يكن داخلا فيه نفسه ، ولكنه إذا ذكر حكم ذلك يستفاد منه حكم هذا أيضا ؛ لاتحاد حكمهما ، فكأنّه أي حكمه داخل في حكمه ، فيكون العصير داخلا في حكم المسكر ، ولكن الضمير في « يذكر » لا بدّ وأن يرجع حينئذ إلى العصير ، دون الحكم أي : وإن دخل العصير في حكم المسكر حيث يذكر العصير.

ولا يخفى أنّ مراده من قوله : « كما ذكره في بعض كتبه » مجرّد الذكر دون الاختيار ؛ لأنّ المصنّف في الذكرى والبيان وإن ذكر كون العصير في حكم المسكر ، إلّا أنّه لم يختره ، بل نسبه إلى غيره.

ويمكن أن يكون مراد الشارح ببعض كتبه غير الكتابين المذكورين.

قوله : لأجل الصلاة.

إنّما لم يذكر الطواف ؛ لانّ إزالة النجاسة لأجله ليست بواجبة مطلقا عند الشارح ، بل عند المصنّف في بعض كتبه كما سيصرّح به الشارح في كتاب الحج ، بل يجب إزالتها إذا كانت ملوّثة للمسجد.

١١٦

وأمّا في هذا الكتاب وإن أطلق المصنّف باشتراط رفع الخبث في الطواف ، إلّا أنّه يمكن إرادته الملوّث دون المطلق ، أو يحتمل أن لا يكون مذهبه هاهنا الاشتراط ، أو تركه الشارح لأجل كونه مختلفا فيه ومذهب المصنّف هاهنا غير معلوم ، أو لاجل بيانه على مذهب نفسه.

ومن هذا يظهر الوجه في عدم ذكر وجوب إزالة النجاسة عن الثوب لدخول المسجد إذا وجب ، وأمّا عدم ذكره لوجوب ازالتها عنه إذا نذر ؛ فلوضوحه وندوره.

و « اللام » في « الثوب » إمّا للعهد أي : الساتر للعورة ، أو الوجوب أعمّ من التخييري والعيني ، فيشمل الثوب الزائد على الساتر أيضا ؛ لوجوب إزالة النجاسة عنه أو طرحه تخييرا.

قوله : ومسجد الجبهة إلى آخره.

لا بدّ من تقييد وجوب الإزالة عن مسجد الجبهة بما إذا وجبت السجدة إلّا أن يجعل الوجوب أعمّ من الشرطى أيضا. وفيه أيضا نظر.

وكذا يجب تقييد الجبهة بمسمّاها ، لعدم وجوب الازالة عن الزائد عن المسمّى فيكون المضاف محذوفا والتخصيص بالجبهة لعدم وجوب طهارة مساجد سائر الاعضاء السبعة عنده ، وإن ذهب إليه بعضهم كما ذهب السيد المرتضى ( رحمه‌الله ) إلى وجوب طهارة مكان المصلّى بأسره.

وقوله : « لاستعمالها »

بيان لغاية الوجوب وتقييد لوجوب إزالة النجاسة عن الأواني ، لا تعليل للوجوب ووجه له ، والمعنى : أنّ وجوب إزالة النجاسة عن الأواني إنّما هو لأجل ذلك ، فلا يجب مطلقا أي : يجب إذا استعمل في أمر يتوقّف ذلك الأمر على طهارة الأواني شرعا كالوضوء والأكل والشرب ونحوها.

ولا بدّ من تقييد ما يتوقّف على طهارتها بوجوبه ، وانحصار الآنية في النجس ، أو جعل الوجوب أعمّ من التخييري بل الشرطي أيضا حتّى يصحّ أن يقال بوجوب الازالة عن الآنية لاجل الاستعمال فيما ذكر مطلقا ؛ لانّ المكلّف حينئذ يكون مخيّرا بين استعمال

١١٧

آنية النجس مزالة نجاستها ، أو الطاهر ، أو ترك الاستعمال. وفي قوله : « فيما يتوقّف على طهارتها » تنبيه على أنّ الواجب إزالة النجاسة عن موضع من الآنية الذي يلاقى المظروف ، لا مطلقا وكان على الشارح أن يذكر وجوب إزالتها عن المأكول والمشروب أيضا.

قوله : وعفي في الثوب إلى آخره.

الظرف متعلّق بقوله : « دم الجرح والقرح » دون عفي أي : عفي عن دم القرح والجرح الكائن في الثوب والبدن.

والمراد بالجرح : ما يحصل بسبب خارجي كالقطع بالسيف والسكين أو دخول الإبرة وأمثالها ، وبالقرح : ما يحصل بسبب مرض عارض للبدن كالدماميل والشقاق وأمثالها.

ويمكن أن يراد بالجرح ما يشمل الشقاق أيضا ، وبالقرح الدماميل وأمثالها من الأمراض الورميّة.

والمراد بالسيلان : هو عدم الانقطاع ولو لم يجر بان يكون الموضع داميا دائما ، ولو بأن لا يخرج دم جديد إلّا بعد إزالة الدم الكائن فيه.

ولا يخفى أنّ العفو إنّما يطلق فيما إذا ثبت هناك أمر ثمّ ارتفع ذلك ، ولا شكّ أنّ هاهنا ليس كذلك ؛ إذ لم يثبت في بدو الأمر وجوب الإزالة حتّى يكون عفوا ، بل إنّما هو بيان لاختصاص وجوب الإزالة بغير هذين الدمين ، فيكون أدلّة تجويز الصلاة معهما مخصّصة لمطلقات وجوب إزالة النجاسة والدم ، ومثل ذلك لا يطلق عليه العفو ، فالتعبير بالعفو في هذا المقام في كلام الفقهاء تجوّز لكثرة مشابهته مع ما كان ثابتا حيث إنّ نجاسة الدمين باقية ، ورفع الحرج والمشقّة أوجب حكم الشارع بعدم وجوب إزالتها.

قوله : دائما إلى آخره.

إمّا حال عن السيلان ، أو منصوب بنزع الخافض أي : في الدائم.

وعلى الأوّل يكون متعلّق « في وقت » حالا محذوفا ، وعلى الثاني مجرورا مع جارّه.

وجملة : « لا يسع » جملة وصفيّة للوقت ولكنّها وصف بحال المتعلّق. والضمير في « فواته » راجع إلى الدم.

والترديد إمّا لاجل التردّد في مذهب المصنّف ، فيكون المعنى : أنّه عفي عنه مع

١١٨

السيلان الدائمي ، فلا عفو مع الانقطاع ولو في زمان لا يسع الصلاة ، بل يقطع الصلاة إذا جرى في أثنائها ويطهر ويبني كما في السلس والمبطون ، أو عفي مع السيلان في وقت لا يسع زمان فواته الصلاة ، فعدم العفو إنّما يكون إذا انقطع في وقت يسعها ، والتردد لاجل اختيار المصنّف كلا من القولين في غير ذلك الكتاب ، وإمّا لاجل تفهيم الحكم أي العفو مع السيلان سواء كان دائما ، أو في وقت لا يسع زمن فواته الصلاة ، فيكون إشارة إلى اختيار الشقّ الثاني من الترديد المتقدّم.

قوله : عدم الوجوب مطلقا.

أي : سواء انقطع وقتا يسعها أم لا ، وسواء شقت إزالته أم لا.

والظاهر أنّ المراد بالبرء : البرء من خروج الدم بأن انقطع بالكلّية ، لا برء الجراحة والقرح حتّى لا يجب الإزالة ولو انقطع الدم رأسا ولكن بقي القرح غير دام.

ثمّ الأخبار التي يستفاد منها ذلك منها : موثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كان بالرجل جرح سائل ، فأصاب ثوبه من دمه ، فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم ». (١)

ومنها : رواية أبي بصير ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو يصلّي ، فقال لي قائدي إنّ في ثوبه دما ، فلمّا انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دما. قال عليه‌السلام : « إنّ بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ. » (٢) إلى غير ذلك.

وهل العفو عن هذا الدم مختصّ بمحلّ الضرورة أو يبقى ولو تعدى إلى غير محلّ الضرورة من الثوب والبدن؟ للأصحاب قولان ، والمستفاد من الأخبار هو الثاني.

ولا يخفى أنّه يستحبّ لصاحب هذا الدم غسله في كلّ يوم مرة كما نطق به بعض الأخبار وصرّح به جماعة من علمائنا الأخيار.

قوله : وعن دون الدرهم البغلي.

هذا الدرهم هو الدرهم المعبّر عنه في بعض الأخبار بالدرهم الوافي الذي وزنه درهم وثلث. ثمّ البغلي إمّا منسوب إلى بغل بفتح « الباء » و « الغين » المعجمة وتشديد « اللام » اسم قرية أو مدينة قريبة من بابل بينها وبينها قريب من فرسخ متصلة ببلدة الجامعين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٣.

١١٩

قال ابن إدريس في السرائر : تجد فيها الحفرة والنبّاشون دراهم واسعة شاهدت درهما من تلك الدراهم ، وهذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السلام المعتاد تقرب سعته من سعة أخمص الراحة. (١)

او هو بإسكان الغين منسوب إلى ابن أبي البغل أو رأس البغل رجل من كبار الكوفة ضرب هذا الدرهم للثاني في ولايته بسكة كسروية وزنه ثمانية دوانيق.

قال في الذكري : هي كانت تسمّى قبل الإسلام بالكسروية ، فحدث لها هذا الاسم [ فى الاسلام ] والوزن بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة دوانيق ، فلما كان في زمن عبد الملك جمع بينهما واتّخذ الدرهم منهما واستقر امر الإسلام على ستّة دوانيق. (٢)

ونقل في مجمع البحرين عن بعضهم :

كانت الدراهم في الجاهلية مختلفة ، فكانت بعضها خفافا وهي الطبرية وبعضها ثقالا كلّ درهم ثمانية دوانيق ، وكانت تسمّى العبدية ، وقيل : البغلية ، نسبت إلى ملك ، يقال له رأس البغل ، فجمع الخفيف والثقيل وجعلا درهمين متساويين ، فجاء كلّ درهم ستة دوانيق. ويقال : إنّ عمر هو الذي فعل ذلك ؛ لانّه لمّا أراد جباية الخراج طلب بالوزن الثقيل فصعب على الرعية ، فجمع بين الوزنين واستخرجوا هذا الوزن. (٣)

قوله : وقدر بسعة أخمص الراحة.

أخمص الراحة : هو ما انخفض من باطن الكف والعليا صفة للعقد جمع عقدة.

والإتيان بلفظ الجمع باعتبار تعدّد الإبهام بعدد أفراد الإنسان ، أو يكون العليا بدلا عن العقد بدل بعض.

ويمكن أن يكون العقد ـ بفتح العين وسكون القاف ـ مفردا ، وكان تأنيثه باعتبار اضافته الى الإبهام ، وهو مؤنث ، فبالاضافة كسب التأنيث باعتبار تضمّنه معنى الأنملة كتأنيث البلد باعتبار القرية أو المدينة ، وتأنيث الإذن لتضمّنه معنى الرخصة.

__________________

(١) السرائر : ٣٤.

(٢) جواهر الكلام : ٦ / ١١٤.

(٣) مجمع البحرين ( درهم ).

١٢٠