آية المباهلة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-248-2
الصفحات: ٣٧

أنفسنا طرفة عين أبداً ».

هناك كلمة لأمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة ، أُحبُّ أن أقرأ عليكم هذه الكلمة ، لاحظوا ، أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول :

« إنّ أبغض الخلائق إلى الله رجلان ، رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل ، مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة ، فهو فتنة لمن افتتن به ، ضالٌّ عن هدي من كان قبله ، مضلٌّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته ، حمّالٌ لخطايا غيره ، رهنٌ بخطيئته » (١).

وجدت عبارة الراغب أدق ، معنى البهل ، معنى المباهلة : أن يدعو الإنسان ويطلب من الله سبحانه وتعالى أن يترك شخصاً بحاله ، وأنْ يوكله إلى نفسه ، وعلى ضوء كلام أمير المؤمنين أن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الشخص أبغض الخلائق إليه ، وأيّ لعن فوق هذا ، وأيّ دعاء على أحد أكثر من هذا ؟

لذا عندما نرجع إلى معنى كلمة اللعن في اللغة نراها بمعنى الطرد ، الطرد بسخط ، والحرمان من الرحمة ، فعندما تلعن شخصاً ـ أي تطلب من الله سبحانه وتعالى أن لا يرحمه ـ تطلب من الله أن

__________________

(١) نهج البلاغة : ٥١ ، الخطبة رقم ١٧.

٢١

يكون أبغض الخلائق إليه ، فالمعنى في القاموس وشرحه أيضاً صحيح ، إلاّ أنّ المعنى في مفردات الراغب أدق ، فهذا معنى المباهلة.

إذن ، عرفنا لماذا أُمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمباهلة ، ثمّ عرفنا في هذا المقدار من الكلام أنّه لماذا عدل القوم عن المباهلة ، لماذا تراجعوا ، مع أنّهم قرّروا ووافقوا على المباهلة ، وحضروا من أجلها ، إلاّ أنّهم لمّا رأوا رسول الله ووجوه أبنائه وأهله معه قال أُسقفهم : « إنّي لأرى وجوهاً لو طلبوا من الله سبحانه وتعالى أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله » (١).

فلماذا جاء رسول الله بمن جاء ؟ لا نريد الآن أن نعيّن من جاء مع رسول الله ، لكن يبقى هذا السؤال : لماذا جاء رسول الله بمن جاء دون غيرهم ؟ فهذا معنى المباهلة إلى هنا.

__________________

(١) راجع : الكشاف ١ / ٣٦٩ ، تفسير الخازن ١ / ٢٤٢ ، السراج المنير في تفسير القرآن ١ / ٢٢٢ ، تفسير المراغي ١٣ / ١٧٥ ، وغيرها.

٢٢

تعيين من خرج مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المباهلة

إنّه ـ كما أشرنا من قبل ـ ليس في الآية المباركة اسم لأحد ، لا نجد اسم علي ولا نجد اسم غير علي في هذه الآية المباركة.

إذن ، لابدّ أن نرجع إلى السنّة كما ذكرنا ، وإلى أيّ سنّة نرجع ؟ نرجع إلى السنّة المقبولة عند الطرفين ، نرجع إلى السنّة المتّفق عليها عند الفريقين.

ومن حسن الحظ ، قضيّة المباهلة موجودة في الصحاح ، قضيّة المباهلة موجودة في المسانيد ، قضيّة المباهلة موجودة في التفاسير المعتبرة.

إذن ، أيّ مخاصم ومناظر وباحث يمكنه التخلّي عن هذا المطلب وإنكار الحقيقة ؟

وتوضيح ذلك : إنّا إذا رجعنا إلى السنّة فلابدّ وأن نتمّ البحث دائماً بالبحث عن جهتين ، وإلاّ لا يتمّ الإستدلال بأيّ رواية من

٢٣

الروايات :

الجهة الأولى : جهة السند ، لابدّ وأن تكون الرواية معتبرة ، لابدّ وأن تكون مقبولة عند الطرفين ، لابدّ وأن يكون الطرفان ملزمين بقبول تلك الرواية. هذا ما يتعلّق بالسند.

الجهة الثانية : جهة الدلالة ، فلابدّ وأن تكون الرواية واضحة الدلالة على المدعى.

وإلى الآن فهمنا أنّ الآية المباركة وردت في المباهلة مع النصارى ، نصارى نجران ، ونجران منطقة بين مكّة واليمن على ما في بالي في بعض الكتب اللغوية ، أو بعض المعاجم المختصة بالبلدان.

وإذا رجعنا إلى السنّة في تفسير هذه الآية المباركة ، وفي شأن من نزلت ومن خرج مع رسول الله ، نرى مسلماً والترمذي والنسائي وغيرهم من أرباب الصحاح (١) يروون الخبر بأسانيد معتبرة ،

__________________

(١) راجع : صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ ، مسند أحمد ١ / ١٨٥ ، صحيح الترمذي ٥ / ٥٩٦ ، خصائص أمير المؤمنين : ٤٨ ـ ٤٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠ ، فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ٦٠ ، المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٨٩ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ / ١٦ ، تفسير الطبري ٣ / ٢١٢ ، تفسير ابن كثير ١ / ٣١٩ ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٣٨ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢٩٣ ، أسد الغابة في معرفة الصحابة ٤ / ٢٦ ، وغيرها من كتب التفسير والحديث والتاريخ.

٢٤

فمضافاً إلى كونها في الصحاح ، هي أسانيد معتبرة أيضاً ، يعني حتّى لو لم تكن في الصحاح بهذه الأسانيد ، هي معتبرة قطعاً :

خرج رسول الله ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ، وليس معه أحد غير هؤلاء.

فالسند معتبر ، والخبر موجود في الصحاح ، وفي مسند أحمد ، وفي التفاسير إلى ما شاء الله ، من الطبري وغير الطبري ، ولا أعتقد أنّ أحداً يناقش في سند هذا الحديث بعد وجوده في مثل هذه الكتب.

نعم ، وجدت حديثاً في السيرة الحلبيّة بلا سند ، يضيف عمر بن الخطّاب وعائشة وحفصة ، وأنّهما خرجتا مع رسول الله للمباهلة (١).

ووجدت في كتاب تاريخ المدينة المنوّرة لابن شبّة (٢) أنّه كان مع هؤلاء ناس من الصحابة ، ولا يقول أكثر من هذا.

ووجدت رواية في ترجمة عثمان بن عفّان من تاريخ ابن عساكر (٣) أنّ رسول الله خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان وأبو

__________________

(١) إنسان العيون ٣ / ٢٣٦.

(٢) تاريخ المدينة المنورة ١ / ٥٨١.

(٣) ترجمة عثمان من تاريخ دمشق : ١٦٨.

٢٥

بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده.

فهذه روايات في مقابل ما ورد في الصحاح ومسند أحمد وغيرها من الكتب المشهورة المعتبرة.

لكن هذه الروايات في الحقيقة :

أوّلاً : روايات آحاد.

ثانياً : روايات متضاربة فيما بينها.

ثالثاً : روايات انفرد رواتها بها ، وليست من الروايات المتفق عليها.

رابعاً : روايات تعارضها روايات الصحاح.

خامساً : روايات ليس لها أسانيد ، أو أنّ أسانيدها ضعيفة ، على ما حقّقت في بحثي عن هذا الموضوع.

إذن ، تبقى القضيّة على ما في صحيح مسلم ، وفي غيره من الصحاح ، وفي مسند أحمد ، وغير مسند أحمد من المسانيد ، وفي تفسير الطبري والزمخشري والرازي ، وفي تفسير ابن كثير ، وغيرها من التفاسير إلى ما شاء الله ، وليس مع رسول الله إلاّ علي وفاطمة والحسنان.

٢٦

دلالة آية المباهلة على إمامة عليّ عليه‌السلام

أمّا وجه الدلالة في هذه الآية المباركة ، بعد بيان شأن نزولها وتعيين من كان مع النبي في تلك الواقعة ، دلالة هذه الآية على إمامة علي من أين ؟ وكيف تستدلّون أيّها الإمامية بهذه الآية المباركة على إمامة علي ؟

فيما يتعلّق بإمامة أمير المؤمنين في هذه الآية ، وفي الروايات الواردة في تفسيرها ، يستدلّ علماؤنا بكلمة : ( وَأَنفُسَنَا ) ، تبعاً لأئمّتنا عليهم‌السلام.

ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية المباركة هو أمير المؤمنين عليه‌السلام نفسه ، عندما احتجّ في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة ، وهذه القصّة ، وكلّهم أقرّوا بما قال أمير المؤمنين ، وصدّقوه في ما قال ، وهذا

٢٧

الإحتجاج في الشورى مروي أيضاً من طرق السنّة أنفسهم (١).

وأيضاً هناك في رواياتنا (٢) أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا عليه‌السلام قال : هل لك من دليل من القرآن الكريم على إمامة علي ، أو أفضليّة علي ؟ السائل هو المأمون والمجيب هو الإمام الرضا عليه‌السلام.

المأمون كما يذكرون في ترجمته كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي وغيره (٣) أنّه كان من فضلاء الخلفاء ، أو من علماء بني العباس من الخلفاء ، طلب المأمون من الإمام أن يقيم له دليلاً من القرآن ، كأنّ السنّة قد يكون فيها بحث ، بحث في السند أو غير ذلك ، لكن لا بحث سندي فيما يتعلّق بالقرآن الكريم ، وبآيات القرآن المجيد.

فذكر له الإمام عليه‌السلام آية المباهلة ، واستدلّ بكلمة : ( وَأَنفُسَنَا ).

لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما أُمر أنْ يخرج معه نساءه ، فأخرج فاطمة فقط ، وأبناءه فأخرج الحسن والحسين فقط ، وأُمر بأن يخرج معه نفسه ، ولم يخرج إلاّ علي ، وعلي نفس رسول الله بحسب الروايات الواردة بتفسير الآية ، كما أشرنا إلى مصادر تلك

__________________

(١) ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ٣ / ٩٠ الحديث ١١٣١.

(٢) الفصول المختارة من العيون والمحاسن : ٣٨.

(٣) تاريخ الخلفاء : ٣٠٦.

٢٨

الروايات ، ولم يخرج رسول الله إلاّ عليّاً ، فكان علي نفس رسول الله ، إلاّ أن كون علي نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير ممكن ، فيكون المعنى المجازي هو المراد ، وأقرب المجازات إلى الحقيقة يؤخذ في مثل هذه الموارد كما تقرّر في كتبنا العلمية ، فأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكون علي مساوياً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ أنّ المساواة مع رسول الله في جميع الجهات وفي جميع النواحي حتّى النبوّة ؟ لا.

فتخرج النبوّة بالاجماع على أنّه لا نبي بعد رسول الله ، وتبقى بقيّة مزايا رسول الله ، وخصوصيات رسول الله ، وكمالات رسول الله ، موجودةً في علي بمقتضى هذه الآية المباركة.

من خصوصيّات رسول الله : العصمة ، فآية المباهلة تدلّ على عصمة علي بن أبي طالب قطعاً.

من خصوصيّات رسول الله : أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كرسول الله قطعاً.

من خصوصيّات رسول الله : أنّه أفضل جميع الخلائق ، أفضل البشر والبشريّة ، منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى العالم وخلق الخلائق كلّها ، فكان أشرفهم رسول الله محمّد بن عبد الله ، وعلي كذلك.

وسنبحث إن شاء الله في ليلة من الليالي عن مسألة تفضيل

٢٩

الأئمّة على الأنبياء ، وسترون أنّ هذه الآية المباركة ـ وهناك أدلّة أُخرى أيضاً ـ تدلُّ على أنّ عليّاً أفضل من جميع الأنبياء سوى نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فحينئذ حصل عندنا تفسير الآية المباركة على ضوء الأحاديث المعتبرة ، حصل عندنا صغرى الحكم العقلي بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، بحكم هذه الأحاديث المعتبرة.

وناهيك بقضيّة الاولويّة ، رسول الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

وفي جميع بحوثنا هذه ، وإلى آخر ليلة ، سترون أنّ الأحاديث كلّها وإنْ اختلفت ألفاظها ، اختلفت أسانيدها ، اختلفت مداليلها ، لكنّ كلّها تصبّ في مصب واحد ، وهو أولويّة علي ، وهو إمامة علي ، وهو خلافة علي بعد رسول الله بلا فصل.

لابدّ وأنّكم تتذكّرون حديث الغدير : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى ، قال : فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

نفس المعنى الذي قاله في حديث الغدير ، هو نفس المفهوم الذي تجدونه في آية المباهلة ، وبالنظر إلى ما ذكرنا من المقدّمات والممهّدات ، التي كلّ واحد منها أمر قطعي أساسي ، لا يمكن الخدشة في شيء ممّا ذكرت.

٣٠

مع ابن تيمية في آية المباهلة

ولو أنّ مدّعياً يدّعي أو متعصّباً أو جاهلاً يقول كما قال ابن تيميّة في منهاج السنّة (١) بأنّ رسول الله إنّما أخرج هؤلاء معه ، ولم يخرج غيرهم ، يعترف بعدم خروج أحد مع رسول الله غير هؤلاء ، يعترف ابن تيميّة ، واعتراف ابن تيميّة في هذه الأيام وفي أوساطنا العلميّة وفي مباحثنا العلميّة له أثر كبير ، لأن كثيراً من الخصوم يرون ابن تيميّة « شيخ الإسلام » ، إلاّ أنّ بعض كبارهم قال : من قال بأنّ ابن تيميّة شيخ الإسلام فهو كافر !!

المهم ، فابن تيميّة أيضاً يعترف بعدم خروج أحد مع رسول الله في قضية المباهلة غير هؤلاء الاربعة ، يعترف بهذا ، وراجعوا كتابه منهاج السنّة ، موجود ، إلاّ أنّه يقول بأنّ عادة العرب في المباهلة

__________________

(١) منهاج السنة ٧ / ١٢٢ ـ ١٣٠.

٣١

أنّهم كانوا يخرجون أقرب الناس إليهم ، كانوا يخرجون معهم إلى المباهلة من يكون أقرب الناس إليهم ، كانت عادتهم أن يخرجوا الأقرب نسباً وإنْ لم يكن ذا فضيلة ، وإن لم يكن ذا تقوى ، وإنْ لم يكن ذا منزلة خاصة أو مرتبة عند الله سبحانه وتعالى ، يقول هكذا.

لكنّه يعترض على نفسه ويقول : إنْ كان كذلك ، فلم لم يخرج العباس عمّه معه ؟ والعباس في كلمات بعضهم ـ ولربّما نتعرّض إلى بعض تلك الكلمات في حديث الغدير ـ أقرب إلى رسول الله من علي ، فحينئذ لِمَ لمْ يخرج معه ؟

يقول في الجواب : صحيحٌ ، لكنْ لم يكن للعباس تلك الصلاحية والقابليّة واللياقة لأن يحضر مثل هذه القضية ، هذا بتعبيري أنا ، لكن راجعوا نصّ عبارته هذا النقل كان بالمعنى ، يقول بأنّ العباس لم يكن في تلك المرتبة لأن يحضر مثل هذه القضيّة ، يقول ابن تيميّة فلذا يكون لعلي في هذه القضية نوع فضيلة.

بهذا المقدار يعترف ، ونغتنم من مثل ابن تيميّة أن يعترف بفضيلة لعلي في هذه القضيّة.

ولو أنّك راجعت الفضل ابن روزبهان الخنجي ، ذلك الذي ردّ كتاب العلاّمة الحلّي رحمه‌الله بكتاب أسماه إبطال الباطل ، لرأيته في هذا الموضع أيضاً يعترف بثبوت فضيلة لعلي لا يشاركها فيها

٣٢

أحد (١).

نعم ، يقول ابن تيميّة : لم تكن الفضيلة هذه لعلي فقط ، وإنّما كانت لفاطمة والحسنين أيضاً ، إذن ، لم تختصّ هذه الفضيلة بعلي.

وهذا كلام مضحك جدّاً ، وهل الحسنان وفاطمة يدّعون التقدم على علي ؟ وهل كان البحث في تفضيل علي على فاطمة والحسنين ، أو كان البحث في تفضيل علي على أبي بكر ؟ أو كان البحث في قبح تقدم المفضول على الفاضل بحكم العقل ؟

والعجب أنّ ابن تيميّة يعترف في أكثر من موضع من كتابه منهاج السنّة بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، يعترف بهذا المعنى ويلتزم ، ولذلك يناقش في فضائل أمير المؤمنين لئلاّ تثبت أفضليّته من الغير.

ثمّ مضافاً إلى كلّ هذا ، ترون في قضيّة المباهلة أنّ رسول الله يقول لعلي وفاطمة والحسنين : « إذا أنا دعوت فأمّنوا » (٢) ، أي فقولوا آمين ، وأيّ تأثير لقول هؤلاء آمين ، أن يقولوا لله سبحانه وتعالى بعد دعاء رسول الله على النصارى أن يقولوا آمين ، أيّ تأثير لقول هؤلاء ؟ ألم يكف دعاء رسول الله على النصارى حتّى يقول

__________________

(١) أنظر : إحقاق الحق ٣ / ٦٢.

(٢) الكشاف ١ / ٣٦٨ ، الخازن ١ / ٢٤٣ ، وغيرهما.

٣٣

رسول الله لفاطمة والحسنين وهما صغيران أن يقول لهم قولوا آمين ؟

٣٤

خاتمة المطاف

إذن ، كان لعلي ولفاطمة وللحسنين سهم في تقدّم الإسلام ، كان علي شريكاً لرسول الله في رسالته.

وهذا معنى ( فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ) (١) ، فهارون كان ردءاً يصدّق موسى في رسالته ، وهارون كان شريكاً لموسى في رسالته.

وهذا معنى : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي » ، وقد قلت من قبل : إنّ الأحاديث هذه كلّها تصب في مصبّ واحد ، ترى بعضها يصدّق بعضاً ، ترى الآية تصدّق الحديث ، وترى الحديث يصدّق القرآن الكريم ، وهكذا الأمر فيما يتعلّق بأهل البيت :

__________________

(١) سورة القصص : ٣٤.

٣٥

رسول الله يجمع أهله تحت الكساء فتنزل الآية المباركة آية التطهير ، وفي يوم الغدير ينصب عليّاً ويعلن عن إمامته في ذلك الملأ فتنزل الآية المباركة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١).

وأي ارتباط هذا بين أفعال رسول الله والآيات القرآنيّة النازلة في تلك المواقف ، ترون الارتباط الوثيق ، يقول الله سبحانه وتعالى : ( قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) ويخرج رسول الله بعلي وفاطمة والحسن والحسين فقط ، وهذا هو الإرتباط بين الوحي وبين أفعال رسول الله وأقواله.

إذن ، فالآية المباركة غاية ما دلّت عليه هو الأمر بالمباهلة ، وقد عرفنا معنى المباهلة ، لكن الحديث دلّ على خروج علي وفاطمة والحسن والحسين مع رسول الله.

الآية المباركة ليس فيها إلاّ كلمة : ( وَأَنفُسَكُمْ ) لكن الحديث فسّر تفسيراً عملياً هذه الكلمة من الآية المباركة ، وأصبح علي نفس رسول الله ، ليس نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي ، فكان كرسول الله ، كنفس رسول الله ، فكان مساوياً لرسول الله ، ولهذا أيضاً شواهد أُخرى ، شواهد أُخرى من الحديث في مواضع كثيرة.

__________________

(١) سورة المائدة : ٣.

٣٦

يقول رسول الله مهدّداً إحدى القبائل : « لتنتهنّ أو لأرسل إليكم رجلاً كنفسي » ، وكذا ترون في قضيّة إبلاغ سورة البراءة ، إنّه بعد عودة أبي بكر يقول : بأنّ الله سبحانه وتعالى أوحى إليه بأنّه لا يبلّغ السورة إلاّ هو أو رجل منه ، ويقول في قضيّة : « علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي » ، وهو حديث آخر ، وهكذا أحاديث أُخرى يصدّق بعضها بعضاً.

إلى هنا ينتهي البحث عن دلالة آية المباهلة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنْ شئتم المزيد فهناك كتب أصحابنا من الشافي للسيد المرتضى ، وتلخيص الشافي ، وكتاب الصراط المستقيم للبيّاضي ، وكتب العلاّمة الحلّي رحمة الله عليه ، وأيضاً كتب أُخرى مؤلّفة في هذا الموضوع.

ولي ـ والحمد لله ـ رسالة في هذا الموضوع أيضاً ، وتلك الرسالة مطبوعة ، ومن شاء التفصيل فليراجع.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

٣٧