الدليل العقلي على إمامة علي عليه السلام

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-257-1
الصفحات: ٥٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الصفة الثانية : العدالة

ننتقل الآن إلى الشرط الثاني ، وهو العدالة ، وأيضاً : نجد الأحاديث الكثيرة المتفق عليها بين المسلمين بين الطرفين المتخاصمين في هذه المسألة ، تلك الأحاديث شاهدة على أنّ عليّاً عليه‌السلام كان أعدل القوم.

أذكر لكم حديثين فقط :

أحدهما : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كفّي وكفّ علي في العدل سواء ».

هذا الحديث يرويه :

١ ـ ابن عساكر في تاريخ دمشق.

٢ ـ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.

٣ ـ المتقي الهندي في كنز العمّال.

٤ ـ صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشّرة.

٤١

وغير هؤلاء (١).

الثاني : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : « يا علي أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي ، وتخصم الناس بسبع ولا يخصمك فيها أحد من قريش : أنت أوّلهم إيماناً بالله ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسويّة ، وأعدلهم في الرعية ، وأبصرهم بالقضية ، وأعظمهم عند الله مزيّة ».

فهذا ما يقوله رسول الله ، ويرويه :

١ ـ أبو نعيم في حلية الأولياء (٢).

٢ ـ وصاحب الرياض النضرة.

٣ ـ ابن عساكر ، حيث يرويه عن عمر بن الخطّاب نفسه حيث يقول : كفّوا عن ذكر علي ... ، ويذكر هذه القطعة من الحديث أيضاً.

وأنتم تعرفون قضية ما كان بين عقيل وعلي عليه‌السلام ، لعدالته ، وتعرفون أيضاً قضايا أُخرى كثيرة من عدله عليه‌السلام في كتب الفريقين ، ممّا لا نطيل بذكرها هذا البحث.

__________________

(١) ترجمة علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ / ٤٣٨ رقم ٩٤٥ و ٩٤٦ ، تاريخ بغداد ٨ / ٧٧ ، وفيه « يدي ويد علي في العدل سواء » ، كنز العمال ١١ / ٦٠٤ رقم ٣٢٩٢١ ، الرياض النضرة ٢ / ١٢٠ ، وفيه « كفّي وكفّ علي في العدد سواء ».

(٢) حلية الأولياء ١١ / ٦٥ ـ دار الكتاب العربي ـ ١٤٠٥ ـ بيروت.

٤٢

الصفة الثالثة : الشجاعة

وأمّا الشرط الثالث الذي هو الشجاعة ، قال في شرح المواقف : إنّما اعتبر هذا الشرط ليقوى على الذب عن الحوزة والحفظ لبيضة الإسلام بالثبات في المعارك.

فراجعوا الأخبار والتواريخ وأنباء الحروب والغزوات ، ليظهر لكم من كان الذاب عن الحوزة والحافظ لبيضة الإسلام والثابت أو ذوالثبات في المعارك ؟ من كان ؟

لقد علم الموافق والمخالف أنّ عليّاً عليه‌السلام كان أشجع الناس ، وأنّ بسيفه ثبتت قواعد الإسلام ، وتشيّدت أركان الإيمان ، وكانت الراية بيده في كافة الغزوات ، وما انهزم عليه‌السلام في موطن من المواطن قط.

هذه الاُمور أعتقد أنّها قد تجاوزت حدّ الرواية وبلغت إلى حدّ الدراية ، فتلك مواقفه في بدر ، وأُحد ، وخيبر ، وحنين ، والخندق ـ

٤٣

الأحزاب ـ وغير ذلك من الحروب والغزوات ، من ذا يشك في أشجعيّة علي ومواقفه مع رسول الله ؟

نعم ، يشك في ذلك مثل ابن تيميّة ، لاحظوا ماذا يقول ، يقول في جواب العلامة الحلي حيث يقول : إنّ عليّاً كان أشجع الناس ، يقول : هذا كذب ، فأشجع الناس رسول الله (١).

وهل كان البحث عن شجاعة رسول الله ؟ وهل كان من شك في أشجعيّة رسول الله ؟ إنّما الكلام بين علي وأبي بكر ! كلامنا في الإمامة بعد رسول الله ، كلامنا في الخلافة بعد رسول الله.

لاحظوا كيف يغالط ؟ ولماذا يغالط ؟ لأنّه ليس عنده جواب ، يعلم ابن تيميّة ـ ويعلم كلّهم ـ بأنّ الشيخين قد فرّا في أكثر من غزوة ، وأنّهما لم يقتلا ولا واحداً في سبيل الله.

يقول العلاّمة الحلّي : إنّ عليّاً قتل بسيفه الكفّار.

فيقول في جوابه ابن تيميّة : قوله : إنّ عليّاً قتل بسيفه الكفّار ، فلا ريب أنّه لم يقتل إلاّ بعض الكفّار.

وهل قال العلاّمة الحلّي : إنّ عليّاً قتل كلّ الكفّار ! فلا ريب أنّه لم يقتل إلاّ بعض الكفّار.

__________________

(١) منهاج السنة ٨ / ٧٦.

٤٤

يقول ابن تيميّة : وكذلك سائر المشهورين بالقتال من الصحابة ، كعمر والزبير وحمزة والمقداد وأبي طلحة والبراء بن مالك وغيرهم.

يقول : ما منهم من أحد إلاّ قتل بسيفه طائفة من الكفّار.

فإذا سئل ابن تيميّة : أين تلك الطائفة من الكفّار الذين قتلهم عمر ؟

يقول في الجواب : القتل قد يكون باليد كما فعل علي وقد يكون بالدعاء ... القتال يكون بالدعاء كما يكون باليد.

بالنص عبارته ـ والله ـ راجعوا كتاب منهاج السنة فإنّه موجود (١).

إذن ، قتل عمر طائفة من الكفّار بالدعاء ، ولا بأس !! وأيّ مانع من هذا !!

وإذا سألنا ابن تيميّة عن شجاعة أبي بكر ـ أليس الشرط الثالث : الشجاعة ؟ ـ إذا سألناه عن شجاعة أبي بكر ، يقول في الجواب بنصّ عبارته ـ بلا زيادة ونقيصة ـ : إذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمّة شجاعة القلب ، فلا ريب أنّ أبا بكر كان أشجع

__________________

(١) منهاج السنة ٤ / ٤٨٢.

٤٥

من عمر ، وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير ، وكان يوم بدر مع النبي في العريش (١).

إذن ، تكون شجاعة أبي بكر بقوّة القلب فقط ، وقد جاهد وقاتل بقوّة القلب.

فالشجاعة على قسمين أو لها معنيان : الشجاعة التي يفهمها كلّ عربي ، ومعنى آخر يراد من الشجاعة : قوّة القلب ، وأبو بكر كان قوي القلب !!.

وهكذا يجيب ابن تيميّة عن توفّر هذا الشرط في علي دون الشيخين ، يجيب عن ذلك بجواب لا تجدونه في أيّ كتاب من الكتب ، فيجعل عمر مقاتلاً ، لكن لا باليد بل بالدعاء ، والقتال بالدعاء كالقتال باليد ، ويجعل أبا بكر شجاعاً ، لكن شجاعة القلب وهي المطلوبة في الأئمّة !! وكأنّ عليّاً كانت عنده الشجاعة البدنية ولم تكن عنده شجاعة قلبيّة !!

وكلّ هذا من ابن تيميّة ينفعنا في يقيننا بصحة استدلالاتنا ، وإلاّ فأيّ معنى لتفسير القتال والجهاد في سبيل الله وقتل طائفة من الكفّار بالدعاء ؟

__________________

(١) منهاج السنة ٨ / ٧٩.

٤٦

ثمّ لو كانا واجدين لقوّة القلب ـ كما يقول ابن تيميّة ـ فلماذا فرّا ؟

لا ريب في أنّهما قد فرّا في أُحد ، وقد روى الخبر أئمّة القوم ، منهم :

١ ـ أبو داود الطيالسي.

٢ ـ ابن سعد صاحب الطبقات.

٣ ـ أبو بكر البزّار.

٤ ـ الطبراني.

٥ ـ ابن حبّان.

٦ ـ الدارقطني.

٧ ـ أبو نعيم.

٨ ـ ابن عساكر.

٩ ـ الضياء المقدسي.

وغيرهم من الأئمّة الأعلام.

راجعوا كنز العمال (١) ، أعطيكم بعض الأوقات بعض الأرقام ، لأن القضايا حساسة فأضطرّ إلى إعطاء المصدر.

__________________

(١) كنز العمال ١٠ / ٤٢٤.

٤٧

أمّا في خيبر ، فقد روى فرارهما :

١ ـ أحمد.

٢ ـ ابن أبي شيبة.

٣ ـ ابن ماجة.

٤ ـ البزّار.

٥ ـ الطبري.

٦ ـ الطبراني.

٧ ـ الحاكم.

٨ ـ البيهقي.

٩ ـ الضياء المقدسي.

١٠ ـ الهيثمي.

وجماعة غيرهم.

راجعوا أيضاً كنز العمال ، يروي عن كلّ هؤلاء (١).

وأمّا في حنين ، فالذي صبر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو علي فقط ، كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس ، وهذا الحديث في المستدرك (٢).

__________________

(١) كنز العمال ١٠ / ٤٦١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١١.

٤٨

أمّا في الخندق فالكل يعلم كلمة رسول الله : « لَضربة علي في يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين » (١) ، أو « أفضل من عبادة الأمّة إلى يوم القيامة » (٢).

__________________

(١) شرح المواهب ٨ / ٣٧١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٢.

٤٩
٥٠

خاتمة المطاف

ففي من توفّرت هذه الشروط : العلم ، العدالة ، الشجاعة ... ، هذه الشروط والصفات المتفق على ضرورة وجودها في شخص حتّى يصلح ذلك الشخص لانتخاب الناس إيّاه واختياره للإمامة بعد رسول الله على مسلك الإختيار ؟

هذه الشروط إنّما توفّرت في علي عليه‌السلام ، وليست بمتوفرة في غيره ، وعلى فرض وجودها في غيره أيضاً ، أعني أبا بكر وعمر ، فقد أمكننا أن نعرف على ضوء الأدلة الواردة في الكتب الموثوقة المعتمدة ، أن نعرف الذي كانت تلك الصفات موجودة فيه على الوجه الأتم الأفضل ، وقد ثبت أنّ عليّاً عليه‌السلام ـ على فرض وجود هذه الصفات في غيره ـ هو الأولى ، فثبت أنّه الأفضل ، وثبت أنّه الأحق ، ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى ).

٥١

إذا كان الرجل والرجلان يجهلان المسألة والمسألتين ، ومسائل فرعية في الأحكام الشرعية ، ويجهل الرجل ماذا كان رسول الله يقرأ في صلاتي الفطر والأضحى ، كيف نجعل هذا الشخص قائماً مقام رسول الله ، متمكّناً من إقامة الحجج والبراهين ، والذب عن دين الله وعن شريعة سيد المرسلين ، متى ما جاءت شبهة أو توجّهت هجمة فكرية عن خارج البلاد الإسلامية ؟ فما لهم كيف يحكمون.

مسألة تقدّم المفضول على الفاضل :

نعم ، لا مناص لمن يقول بقبح تقدّم المفضول على الفاضل كابن تيميّة ـ ابن تيميّة ينصُّ في أكثر من موضع من منهاج السنّة على قبح تقدم المفضول على الفاضل ـ فحينئذ لابدّ وأنْ يلتزم بإمامة علي.

إلاّ أنّه يضطر إلى تكذيب الثوابت ، ولا مناص له من التكذيب ، حتّى لو كان الحديث موجوداً في الصحيحين وفي غير الصحيحين من الصحاح وفي غير الصحاح من الكتب المعتبرة بأسانيد صحيحة ، لأن النصب والعداء لأمير المؤمنين عليه‌السلام يمنعه من الاعتراف بالحق والالتزام به ، إلاّ أنا نوضّح هذه الحقائق ونستدل

٥٢

عليها ، عسى أن يرجع بعض الناس عن تقليده واتّباعه ، ولا أقل من إقامة الحجة ، ليهلك من هلك عن بيّنة.

نعم ، هناك من يعترف بصحة هذه الأحاديث ، إلاّ أنّه ينفي قبح تقدم المفضول على الفاضل.

فيدور الأمر عند القائلين بإمامة أبي بكر وعمر ، بين نفي قبح تقدم المفضول على الفاضل وقبول الأحاديث والآثار والأخبار هذه لصحّتها ، وبين قبول قبح تقدم المفضول على الفاضل وتكذيب هذه الأحاديث والآثار والقضايا الثابتة.

وقد مشى على الطريق الثاني ابن تيميّة ، وعلى الطريق الأول الفضل ابن روزبهان ، وكلاهما في مقام الرد على العلاّمة الحلّي في استدلالاته على إمامة أمير المؤمنين ، فابن روزبهان يقول بعدم ضرورة كون الإمام أفضل من غيره وأنّه لا يقبح تقدم المفضول على الفاضل وحكم على خلاف حكم العقلاء من الأولين والآخرين ، وابن تيميّة يوافق على هذا الحكم العقلي ، إلاّ أنّه يكذّب الأحاديث الصحيحة ويتصرّف في معنى الشجاعة ومعنى القتل ومعنى الجهاد. والفضل ابن روزبهان لا يضطر إلى هذه التصرفات القبيحة الشنيعة الرديئة ، إلاّ أنّه ينكر أن يكون تقدم المفضول على الفاضل قبيحاً ، وهذا رأي على خلاف حكم العقل وبناء العقلاء.

٥٣

وإذا ما رجعتم إلى كتاب المواقف ، شرح المواقف ، شرح المقاصد ، وغير هذه الكتب ، ترونهم مضطربين ، لا يعلمون ما يقولون ، لا يفهمون بما يحكمون ، فما لهم كيف يحكمون ؟ راجعوا شرح المواقف وشرح المقاصد وغيرهما من كتب القوم :

فتارة يوافقون على قبح تقدم المفضول على الفاضل ، وهذه الأحاديث صحيحة.

وتارة يتأمّلون وكأنّهم لا يعلمون أنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح أو لا ، ويتركون البحث على حاله ؟

وقد نقلت هنا عبارة كتاب المواقف للقاضي الإيجي ، الذي ذكر في هذه المسألة الخلاف في تقدم المفضول وعدم تقدم المفضول ، وأنّه قبيح أوْ لا ، وهو ساكت لا يختار أحد القولين ، لأنّه لا يدري ماذا يقول ؟ يبقى متحيّراً ، يبقى مضطرباً ، لأن الأمر يدور بين الامرين كما ذكرت.

وإذا سألت القاضي الإيجي عن أنّ أبا بكر أفضل من علي أوْ لا ، وتريد منه الكلام الصريح والفتوى الواضحة في هذه المسألة ، والإفصاح عن رأيه ؟

يقول : بأنّ الأفضليّة لا يمكننا أنْ ندركها ونتوصّل إليها ! ثمّ إنّ الصحابة قدّموا أبا بكر وعمر وعثمان على علي ، وجعلوا أولئك

٥٤

أفضل من علي ، وحسن الظنّ بهم ـ أي بالصحابة ـ يقتضي أن نقول بقولهم ونوكل الأمر إلى الله سبحانه وتعالى.

وهكذا يريد الفرار من هذه المسألة ، والخروج عن عهدة هذه القضية ، وإلقاء المسؤولية على الصحابة.

فأقول للقاضي الإيجي : إذن ، لماذا أتعبت نفسك ؟ إذن ، لماذا بحثت عن هذه المسألة ؟ ولماذا طرحت هذه القضية في كتابك الذي أصبح أهم متن من الكتب الكلامية ؟ وكان عليك من الأول أنْ تقول : بأنّ الصحابة كذا فعلوا ، ونحن كذا نقول ، وإنّا على آثارهم مقتدون ، وكذلك يفعلون.

وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

٥٥