مشارق الأحكام

المولى عبد الصاحب محمد النراقي

مشارق الأحكام

المؤلف:

المولى عبد الصاحب محمد النراقي


المحقق: السيد حسين الوحدتي الشبيري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨

[ المشرق السابع عشر ]

[ في خيار الحيوان ]

مشرق : ومنها خيار الحيوان : وهو ثابت في كل ذي حياة ، حتى الجراد والزنبور والعلق والسمك ودود القز ونحوها ، ثلاثة أيام إجماعا.

وفي اختصاصه بالمبيع المعيّن ، أو شموله للكلّي الذي في الذمة وجهان : من أنّ المنساق من الإطلاقات والمناسب للحكمة التي ذكرها في التذكرة (١) ، وهي كون الخيار للاطّلاع على خفايا الحيوان ، الأوّل ، ومن إطلاق النصوص والفتاوى الشاملة للقسمين.

والمشهور اختصاصه بالمشتري. وعن الغنية (٢) الإجماع عليه اقتصارا في الخروج من عموم الوفاء بالعقود الدال على اللزوم ، مما ليس فيه خيار المجلس وما فيه ، بعدم القول بالفصل ، بالقدر المتيقّن ، واستنادا إلى ظهور النصوص في الاختصاص ، كصحيحة الفضيل ، قال : قلت : ما الشرط في الحيوان؟ قال : « [ إلى ] ثلاثة أيّام للمشتري ». قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟ قال : « البيعان بالخيار ما

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٩١.

(٢) غنية النزوع ١ : ٢١٩.

٣٢١

لم يفترقا ، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا (١) [ منهما ] ».

والتعميم للخيار في غير الحيوان فيها بالنسبة إلى المتبايعين ، والتخصّص في الحيوان بالمشتري ، كالنصّ في الاختصاص. مع أنّ القيد مع إطلاق الحكم فيما ليس فيه نكتة جلية قبيح.

ونحوها سائر الأخبار من الصحاح وغيرها. بل في صحيحة ابن رئاب ، المروية في قرب الإسناد (٢) ، التصريح بنفيه عن البائع ، خلافا للسيد المرتضى (٣) ، والمحكيّ عن ابن طاوس (٤) ، فثبوته للبائع أيضا.

وعن الانتصار (٥) : الإجماع عليه ، لصحيحة ابن مسلم (٦) : « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا » ، والمحكيّ عن جماعة من المتأخّرين ، فثبوته لمن انتقل إليه الحيوان ثمنا أو مثمنا ، لعموم صحيحة محمد بن مسلم : « المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام ».

أقول : مقتضى الصحيحة الأخيرة ، أنّه لو كان العوضان حيوانين ، كان لهما الخيار. ودعوى ظهورها في اتحاد صاحب الحيوان ، فيتعين المشتري لكونه المتيقن ، ممنوعة ، لظهور المفرد المضاف في العموم الجنسيّ ، مضافا إلى أنّه يتعيّن المشتري فيما فرض كون الثمن حيوانا. وكذا الاعتراض بمعارضتها للأخبار

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٠ ؛ التهذيب ٧ : ٢٤ ؛ وسائل الشيعة ١٨ : ٥ ، الباب ١ من أبواب الخيار ، الرواية ٢٣٠١١.

(٢) قرب الإسناد : ٢٦١.

(٣) الانتصار : ٢٠٧.

(٤) لم نقف عليه ولكن حكاه عنه الشهيد في غاية المراد ٢ : ٩٧.

(٥) الانتصار : ٤٣٣.

(٦) وسائل الشيعة ١٨ : ١٠ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الرواية ٢٣٠٢٥.

٣٢٢

المستفيضة المشار إليها ، الظاهرة بالتقريب المتقدم في اختصاص الخيار بالمشتري ، الراجحة عليها بالأكثرية والأشهرية ، بل الأصرحية ، بملاحظة ما في موثقة ابن فضال ، من تقييدها الحيوان بكونه للمشتري ، لظهورها بحكم الغلبة في كون صاحب الحيوان المشتري ، خصوصا بملاحظة الصحيحة المثبتة لصاحب الحيوان ، والموثّقة المصرّحة بكون المشتري صاحب الحيوان ، بل نقول : لو لا تنزيل الموثقة على مورد الغالب ، مع دعوى اختصاص الخيار فيه بصاحب الحيوان المشتري ، لزم نفيه رأسا ، حيث لم يكن هو صاحب الحيوان ، بل كان الثمن حيوانا ، وهو إحداث قول حادث.

مضافا إلى إمكان دعوى ظهور سياق الأخبار المتقدّمة المثبتة للمشتري ، في كون جهة الخيار انتقال الحيوان إليه ، لا مجرّد كونه مشتريا. وبهذا يظهر ضعف القول المشهور ، مضافا إلى تعارض أخباره الصحيحة.

وأمّا القول الثاني ، فمع ندرة قائله ، يضعّف بأنّ إطلاق قوله : « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام » منساق إلى بيان مدة الخيار ، في مقابل خيار المجلس ، فشموله لجميع موارد الإطلاق غير ظاهر ، بل غايته الدلالة على الخيار لهما في الجملة ، الذي يتحصّل ثبوته لهما ، فيما كانا كلاهما صاحبي الحيوان ، أو هو خاصّة صاحبه ، فلا ينافي القول الثالث. نعم ينافي القول الأوّل ، لاقتضائه عدم بقاء مورد لخيار البائع أصلا ، مضافا إلى أنّ تلك الصحيحة أعمّ مطلقا من الصحيحة الأخيرة ، فيخصّص بها. وإذن ، فالأظهر القول الثالث ، وإن كان الأسلم رعاية الاحتياط ، بملاحظة عمومات اللزوم وغيرها.

تتميمات :

الأوّل : مدّة هذا الخيار مقدار ساعات ثلاثة أيّام من النهار ولو ملفّقا ، للتبادر ، كما

٣٢٣

في نظائره ، ويتبعها الليالي المتوسّطة وليلة العقد ، لا لاستعمال اليوم فيما يتركب منهما في النصوص ، حتى يلزم اختلاف مفردات الجمع في استعمال واحد عند صدور العقد أوّل النهار ، بل للإجماع على عدم انقطاع الخيار بالليل في خلال الأيّام الثلاثة ، واتصاله بالعقد.

الثاني : يسقط هذا الخيار ـ أيضا ـ بالشرط ، ولو بالنسبة إلى بعضه ، وبالإسقاط بعد العقد ، وبالتصرّف في الحيوان إجماعا في الجملة ، مضافا إلى النصوص ، ففي صحيحة ابن رئاب (١) : « وإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة أيام ، فذلك رضا منه ، ولا شرط له ، قيل : وما الحدث؟ قال : « أن لامس أو قبل أو نظر إلى ما كان محرّما عليه قبل الشراء ».

وصحيحة الصفار (٢) ، كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام في الرجل اشترى دابّة من رجل ، فأحدث فيها من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، له أن يردّها في ثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدثها ، أو الركوب الذي يركبها ، فوقّع عليه‌السلام : « إذا حدث فيها حدث فقد وجب الشراء إن شاء الله ، وفي الصحيحة المروية في قرب الإسناد (٣) ، قلت : أرأيت إن قبّلها المشتري أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزم البيع.

وهل التصرف المسقط مطلقة أي كلّما لا يجوز لغير المالك إلّا برضاه ، فيعمّ الدال على الرضا باللزوم وغيره ، كما هو ظاهر إطلاق أكثر الفتاوى وصريح التذكرة (٤) في

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٣ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الرواية ٢٣٠٢٣ ؛ الكافي ٥ : ١٦٩.

(٢) نفس المصدر.

(٣) قرب الإسناد : ٢٦١.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٥١٩.

٣٢٤

بيان تصرّف المسقط للردّ بالعيب الذي هو مع ما في المقام من باب واحد ، حيث جعل استخدامه بشي‌ء خفيف مثل : اسقني ، أو ناولني الثوب ، أو أغلق الباب ، مسقطا للردّ. وضعّف قول الشافعي بعدم المنع من الرد ، معلّلا بأن مثل هذه الأمور قد يؤمر به غير المملوك ، بأنّ مطلق التصرف مسقط ، تعليلا له في موضع آخر بأنّه استعمال وانتفاع.

أو المسقط التصرّف الدال على الرضا باللزوم فعلا وشخصا ، كما عن الدروس (١) وظاهر بعض كلمات الآخرين أو نوعا ، بمعنى اختصاص التصرف المسقط بما دلّ بنوعه غالبا على التزام العقد ، وإن لم يدلّ في شخص المقام ، مقيّدا بعدم قرينة يوجب صرفه عن الدلالة ، كما إذا دلّ الحال أو المقال على وقوع التصرف للاختبار أو اشتباهها بعين أخرى. صرّح به بعض أفاضل من عاصرناه. أو مطلق التصرف الذي كان لمصلحة نفسه دون ما للاختبار أو الحفظ ، كما عن المحقّق (٢) والشهيد الثانيين (٣). وربما يظهر من الأوّل التردّد في مورد الاستثناء وفي التعدّي عنه.

ومنشأ الخلاف وقوع الاختلاف في مفاد الأخبار.

من إطلاق لفظ الحدث المنوط به الحكم في الصحاح المتقدّمة الشامل لجميع التصرفات ، سيما بملاحظة الأمثلة المذكورة فيها الدالّة على الرضا بمطلق الملك دون اللزوم كلمس الجارية ونحوه ، وخصوصا ما في صحيحة ابن رئاب ، من التفسير بما كان محرما عليه قبل الشراء ، فيفيد كون السقوط بالتصرف حكما شرعيا تعبديا ، وإن لم يكن التزاما عرفا.

__________________

(١) الدروس الشرعية : ٢٧٢ / ٣.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٢٩١.

(٣) مسالك الأفهام ٣ : ٢٠٠.

٣٢٥

ومن ظهور التعليل في الصحيحة بأن ذلك رضى منه في تقييد إطلاق الحكم بما دلّ عليه ، كما في قوله : لا تأكل الرمان لأنّه حامض ، نظرا إلى بعد كونه من باب إبداء الحكمة التي لا يجب فيها الاطّراد ، بل ظهوره في العلّية المتعيّنة (١) ، فيفيد إناطة السقوط بما يدلّ على الالتزام.

ومن حمل التعليل على الدلالة الذاتية النوعية ، أي : لو خلى وطبعه ، وإن لم يدلّ في شخص المقام ، حذرا عن مخالفة معاقد الإجماع وعموم الأمثلة المذكورة في النصوص وكلمات القوم ، فلا يشترط الدلالة على الالتزام الفعليّ ، إلّا أنّه يجب التقييد بما لا يدلّ دليل على وقوع التصرف بغير الرضا باللزوم ، بل لاختبار ونحوه ، كما سمعته ممن أشرنا إليه ، نظير حمل الألفاظ على معانيها الحقيقة الظاهرة فيها لو خلّيت وطبعها ، فلا يصرف عنها إلّا بدليل.

وعليه حمل قولهم بسقوط الخيار بما أحدث حدثا يدلّ على الرضا ، كما صرّح به كثير من الفحول ، نظرا إلى عدم اقتضاء أكثر الأمثلة التي ذكرها هؤلاء الأعلام في المقام العلم بالرضا الفعليّ ، فيكون المعتبر عندهم الدلالة النوعية على الرضا.

والأقرب عندي ، القول الأوّل الموافق لإطلاق كلام الأكثر ، وسقوط الخيار بمطلق التصرف الغير المجوّز لغير المالك ، كما هو صريح النصّ ، إلّا ما تعارف للاختبار في مقام المساومة قبل العقد الذي يشهد الحال برضى البائع به ، لعموم النصوص وإطلاق الحديث. ولا ينافيه التعليل ، سيما بملاحظة التمثيل فيه بالتصرّفات الغير الدالّة على الالتزام بوجه ، بل غايتها الدلالة على التملك الأعمّ من اللزوم ، فإنّ التنافي مبنيّ على جعل متعلّق الرضا اللزوم ، ولا دليل عليه ، بل إناطة الحكم فيه بمطلق الحدث وتفسيره المذكورات يشهد بخلافه ، فالظاهر كون متعلّق

__________________

(١) في الأصل كلمة يمكن أن تقرأ هكذا.

٣٢٦

الرضا الملك ، إذ لولاه لما جاز له التصرف ، وهو من باب الإمضاء الفعليّ للملك بعد العقد اللفظيّ الدال عليه.

بيان ذلك : أنّ العقد يفيد الملك المطلق الشامل لما يكون للمشتري فسخه ورفع اليد عنه ، ولا بقائه [ و ] استعمال لوازم الملك وإجراء آثاره وتقبّل أحكامه ، والتصرف المذكور من آثار الملك ، فهو إمضاء فعليّ وقبول عمليّ للملك بعد العقد ، فهو التزام بأحد طرفي الخيار ، من قطع الملك وإبقائه ، ولو في حال هذا التصرف الذي لا يجوز لغير المالك ، فهو ملتزم بالملك ، بل لزومه في يده في حال هذا التصرف المقصود ، فلا يعود التزلزل.

أو نقول : جعل الشارع هذا الالتزام بالملك الذي فسّره بالتصرف المحرم على غير المالك قبل العقد مزيلا للخيار ، من قبيل إجازة الفضولي التي لا يعود بعدها التزلزل ، فالمعيار في التصرف المسقط للخيار ما لا يجوز لغير المالك إلّا برضاه ، وأما ما جاز له ولو بشاهد الحال بإذنه ورضاه من غير جهة الملك ، فلا يسقط به ، لعدم كونه من آثار الملك ، فليس إمضاء له ولا رضى بالملك. ومن الثاني : التصرف للحفظ والتعليف مع الضرورة والحاجة ، وما وقع اشتباها بدابة نفسه ، ونحو ذلك.

وهل يسقط بعرضه على البيع؟ الأقرب لا ، لعدم وقوع التصرف إلّا إذا دلّ على الالتزام باللزوم ، فيكون من قبيل إسقاطه الخيار باللفظ.

٣٢٧
٣٢٨

[ المشرق الثامن عشر ]

[ في خيار الشرط ]

مشرق : ومن الخيارات خيار الشرط ، أي الثابت بسبب العقد لأحدهما أو لكليهما أو لأجنبيّ عن أحدهما أو عنهما ، مع أحدهما أو معهما.

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : لا خلاف في صحّة هذا الشرط في العقود في الجملة ، بل عليه الإجماع ، محقّقا ومحكيا مستفيضا ، لعموم أدلة الشرط ، كقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١).

وربما استشكل في الاستدلال به ، بأنّه من باب شرط حكم يخالف الكتاب والسنة ، ويحلّل الحرام ، وهما مستثنيان عن أخبار الشروط ، لأنّه تسليط على نقض سببية العقد الثابتة في الشرع.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ و ٣ : ١٥٠ ؛ الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، الحديث ٨٣٥ ؛ وسائل الشيعة ٢١ : ٢٧٦ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الرواية ٢٧٠٨١ ؛ سنن البيهقي ٦ : ٧٩ و ٧ : ٢٤٩ ؛ كنز العمال ٤ : ٣٦٤ ؛ بداية المجتهد ٢ : ٢٩٦ ؛ البحر الزخار ٥ : ٧٦ ، باب الضمان.

٣٢٩

ويندفع بأنّ هنا أمرين : الأوّل : قبول العقد للفسخ شرعا ، وقابليته له بالتراضي والتقايل.

الثاني : تراضي المتعاقدين في العقد على سلطنة أحدهما أو كليهما على الفسخ بمعنى الالتزام بكون أمره بيده ، وما لا يصحّ الاستدلال عليه بأدلة الشرط هو الأوّل ، لأنّه تشريع حكم ليس بجعلهما (١) ، فلا يقع مورد الشرط ، كجعل الخيار في النكاح ـ إجماعا ـ والوقف ـ على المشهور ـ والإيقاعات ، وأما الثاني فحيث علم من الخارج شرعية التقايل فيه بالتراضي ، وصحته بعد العقد ، جاز بالشرط الالتزام به بجعله باختيار أحدهما ، كما في أمثال البيع والإجارة ونحوهما القابلة للتقايل.

والحاصل : أنّ مشروعية الفسخ لا بدّ له من دليل خارج من أدلّة الشرط ، وحيث علم مشروعية الفسخ فيه بالمراضاة بعد العقد ، صحّ التراضي في العقد بجعله باختيار أحدهما بأدلّة الشرط.

ومن هذا سيظهر أنّ الاستدلال بأدلّة الشرط على صحّة شرط الخيار في مطلق العقود إلّا ما خرج بدليل ، ليس كما ينبغي ، لاختلاف العقود في قابليتها للفسخ بالتقايل ، فمنها ما يمتنع فيه شرعا ، كالنكاح وغيره مما أشرنا إليه ، فلا يصحّ الشرط فيه ، ومنها ما ثبت فيه وجاز قطعا ، ومنها ما اختلف فيه ، كالوقف ـ على قول ـ والصلح المتضمّن لمعنى الإبراء ونحوهما. ولا يصحّ الاستدلال بأدلة الشرط فيه أيضا ، إلّا بإثبات (٢) قبوله الفسخ اختيارا.

المسألة الثانية : يشترط في صحة شرط الخيار ضبط المدّة ، فلو تراضيا بمدّة مجهولة بطل ، بلا خلاف ، بل نقل عليه الإجماع غير واحد ، فهو الحجّة. مضافا إلى

__________________

(١) كذا.

(٢) لعلّ الصحيح : أيضا لإثبات قبوله.

٣٣٠

لزوم الغرر وصيرورة المعاملة غررية ، بل نفس الشرط مع قطع النظر عن غرر المعاملة يشمله دليل نفي الغرر أيضا ، كما تقدّم.

ولا عبرة بمسامحة العرف في بعض المعاملات ، كتحديدهم إلى الحصاد ونحوه ، إذ ليس هو على الكلّية ، ولذا يداقّون في مقام الحاجة وحصول الفائدة بساعة وساعتين ، ولا إشكال في ذلك.

وإنّما يختلط الأمر في حدّ انضباط المدّة ، فإنّك تريهم يجوزون التحديد بشهر أو سنة ، كما هو مدلول أخبار بيع الخيار ، ولا خلاف فيه ظاهرا ، مع أنّها يحتمل الزيادة والنقيصة بيوم أو أكثر ، ولا يجوّزون التحديد بقدوم زيد. ولو كان التفاوت المحتمل فيه هذا المقدار ، فما الفارق بينهما؟ بل الظاهر عدم تجويزهم التحديد بيوم معيّن لا يعرف ، كعيد المولود ، ويوم دحو الأرض ، مع اشتراك الجميع في التعين الواقعي والجهل الظاهري الذي يناط به الغرر.

ويمكن دفعه : بأنّ ضبط المدّة لا ينحصر في تعيّن الامتداد الزمانيّ ، وإلّا لزم أن لا يصحّ التقدير باليوم إذا لم يعلم عدد ساعاته ، بل بمطلق ما يقدر به المدة عرفا ويضبطونها به ، سواء كان من الساعات أو الأيام أو الشهور أو الأعوام ، فإنّ كلّ ذلك من مقادير المدة عرفا ، ويتسامحون في التفاوت الذي قد يتّفق بينها ، وبه ينتفي الغرر الذي مناطه العرف أيضا.

وأمّا تعيينها بسائر الأحوال ، كالعيد ووقت الكسوف ونحوهما ، فلا يصحّ إلّا مع العلم بوقتها من الشهر ، إذ لا فرق بينها وبين ما وقع الاتفاق على المنع فيه بقدوم حاج البلد وإدراك ثمراته.

ثم إنّه كما لا يصحّ ذكر المدّة المجهولة لا يصحّ إهمال المدّة أيضا على الأظهر الأشهر بين من تأخر ، لاشتراكهما في الغرر ، خلافا لكثير من القدماء ، تنزيلا لها

٣٣١

بثلاثة أيام ، لوجوه قاصرة.

وكما يشترط تعيين آخر المدة يشترط تعيين مبدأها أيضا ، ولو مع الفصل عن العقد الذي يقتضي صحّته عموم الأدلّة. وإن أطلق ، كان مبدأ الخيار من حين العقد ، لكونه المتبادر من الإطلاق. وعن الشيخ (١) والحلّي (٢) : أنّ مبدأه في البيع من حين التفرق ، ولا دليل عليه ، مع كونه مجهولا مؤدّيا إلى جهالة المدّة.

وثبوت خيار المجلس قبله غير مانع من ثبوته أيضا ، كما في اجتماع الخيارين في الحيوان المتفق عليه ، مضافا إلى أنّه حكم على المتعاقدين على خلاف قصدهما.

المسألة الثالثة : يجوز تقييد الفسخ المشروط خياره بالمدّة المعيّنة بشي‌ء يقترن به ، وإن جهل وقت حصول القيد في أثناء المدة ، ولا يتوهّم استلزامه الجهل بمدّة الخيار ، إمّا بدوا كشرط الخيار إلى سنة عند وقوع أمر كذا فيها ، أو غاية كشرطه إليها إذا لم يتفق الأمر فيها ، فلا يعلم متى يحصل الخيار أو ينقضي فيها ، لعدم الجهل بالمدة المقدّرة على حسب الشرط.

نعم ، يكون متعلّقه المختار فيه فسخ مقيّد بوصف مخصوص ، فمتى حصل الوصف في المدّة صحّ فسخه ، بخلافها على الأوّل. وفرق بين المقامين. وكم يختلف الأحكام الشرعية بموضوعاتها باختلاف العنوانات ، ويكفيك شاهدا على صحّته ، أخبار بيع الخيار بردّ الثمن إلى مدّة سنة ونحوها ، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف في بطلان تعليقه بأداء الثمن من غير ضبط المدّة ، وتصريحهم ببطلان جعل مبدأ الخيار من حين التصرف إلى سنة ، مع أنّه لا ينبغي التأمل في صحّة جعله من

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٣.

(٢) السرائر ٢ : ٢٤٧.

٣٣٢

حين العقد إلى سنة بشرط التفرّق أو كون الفسخ بمحضر زيد الغائب الذي لا يعلم وقت حضوره فيها.

وكون القيد في مثل ردّ الثمن المنصوص علي صحّته في الفتاوى والأخبار ، ونحوه فعل ذي الخيار نفسه ، لا يتفاوت به الحال ، لإمكان عدم علمه بزمان قدرته ، وعدم تعيينه من الأزمنة المقدورة ، مع أنّه غير مقدور للمشروط عليه الذي هو أحد طرفي العقد ، ولا يعلم متى تؤدّيه المشروط له.

ومن هذا يظهر الفرق بين تقييد الفسخ بقدوم الحاجّ في المدّة المضبوطة كسنة ، وبين ضبط المدة بقدومهم ، فيصحّ الأوّل دون الثاني.

وينقدح ـ أيضا ـ عدم صحّة جعل الخيار إلى حياة المشروط له ، ويصحّ جعله إلى عشرة أو عشرين بشرط حياته ، ولازمه عدم انتقال الخيار ـ حينئذ ـ إلى الوارث.

فإن قلت : منشأ البطلان في عدم ضبط المدة كقدوم الحاجّ مثلا حصول الغرر ، وهو بعينه حاصل مع الجهل بوقت حصول قيد الفسخ ، كقدومه في السنة.

قلت : المنهيّ عنه هو البيع الغرريّ ، وهو فيما تعلّق بالمجهول ، ولو هو شرطه في الجهل بالمدة ، كما في الأوّل. وفي الثاني تعلق بأمر معلوم وشرط معلوم بوصف معيّن ، فلا غرر في نفس البيع وشرطه المقرّر ، وإن لم يعلم حصول أصل هذا الوصف ، فضلا عن وقت حصوله في المدة المعيّنة المعلومة. ألا ترى أنّه لا يصحّ بيع الفرس الشارد ، ويصحّ بيع فرس موصوف بمثل وصف هذا الفرس ، وإن لم يعلم قدرة البائع على تحصيله أو زمان حصوله له.

المسألة الرابعة : يصحّ أن يبيع شيئا ويشترط الخيار لنفسه مدّة معيّنة ، بأن يردّ فيها الثمن ، أو في آخرها ، ويرجع المبيع. ويسمّى البيع المضاف إليه مع الخيار ، لما

٣٣٣

أشرنا إليه من العمومات (١) ، مضافا إلى خصوص النصوص (٢) المستفيضة الناطقة برجوع المبيع بردّ الثمن في المدّة المعيّنة إذا اشترط ذلك في العقد.

والأخبار المصرّحة (٣) بهذا الشرط لا يخلو في جليل النظر عن إجمال في حملها على كون الردّ شرطا لحصول الخيار ، فيتوقف الرجوع إلى المبيع على الفسخ بعد الردّ ، أو فسخا فعليا ، أو قيدا للفسخ ، بمعنى أنّ له الخيار في المدة المقرّرة على وجه مقارنة الفسخ لردّ الثمن أو تأخّره عنه.

ولعلّ ظاهرها الأخير كما فهمه أكثر الأصحاب. وحملها بعضهم على الثاني (٤) ، استظهارا لدلالة عود المبيع بمجرّد ردّ الثمن الذي هو مدلول الأخبار ، على كونه فسخا فعليّا. وهو غير بعيد ، بل على جعل الردّ شرطا لحصول الخيار يمكن القول بتحقق الفسخ بالفعل أيضا ، وهو قبض المبيع بعد الردّ.

وكيف كان ، فقيل : لا يكفي مجرّد ردّ الثمن في الفسخ في بيع الخيار. بل ربما نسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب (٥) ، فإن أريد به الخيار المشروط بالردّ ، فله وجه ، إلّا أن يختصّ ذلك بما إذا جعل ثبوت الخيار مشروطا بالردّ. وأمّا إذا جعل قيدا مقترنا بالفسخ ، فلا ، لحصول الفسخ ـ حينئذ ـ بنفس الردّ الذي هو فسخ فعليّ ، فيتحقّق المقيد والقيد بوجود واحد ، كما عرفت ، سيما مع التصريح بذلك في شرط الخيار ، بأنّه من بيع الخيار قطعا.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، الحديث ١٥٠٣ ؛ الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، الحديث ٨٣٥.

(٢) جواهر الكلام ٢٣ : ٣٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ١٨ ، كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب الخيار ، الرواية ٢٣٠٤٥ ، والباب ٨ من هذه الأبواب.

(٤) جواهر الكلام ٢٣ : ٣٨.

(٥) نفس المصدر.

٣٣٤

وإن أريد أنّ مجرّد الردّ لا يدلّ على الفسخ مطلقا ، فهو من أغرب الأقاويل ، سيما مع دعوى ظهور اتّفاقهم عليه ، لاعترافهم بحصول الفسخ بفعل أخفى منه دلالة عليه ، فكيف يدعى النفي مطلقا ، سيما إذا اقترن الحال بما يشهد بقصده الفسخ منه.

ومع ذلك يدلّ عليه الأخبار المشار إليها ، كرواية معاوية بن ميسرة (١) ، الناطقة بعود الملك بمجرّد ردّ الثمن ، فإنّه لا يصحّ توجيهه إلّا بجعله فسخا فعليا.

نعم ، إذا كان المقام مما لا يدلّ فيه مجرّد الردّ على الفسخ عرفا أمكن منع حصول الفسخ به ، بل وإن علم قصده الفسخ به من غير دلالة ظاهرة عرفية له عليه ، لاشتراط كون الفعل الفاسخ كاشفا عنه بالقرينة الظاهرة ، وإلّا لاكتفى في الفسخ بالنيّة ، إذا علم منه ذلك ، من غير توقّف على الفعل الكاشف عنه ، وهو خلاف ما اتفقوا عليه.

وبالجملة : حكم الفعل في ذلك حكم ألفاظ العقود والإيقاعات التي صرّحوا باشتراط كونها دالة على المعاملة المقصودة وكاشفا عنها دلالة ظاهرة لغوية أو عرفية ، ولا يكفي مجرّد القصد بمطلق الألفاظ ، وإن علم ذلك ، وبالجملة : المانع عن حصول الفسخ بغير ما ذكر من الفسخ الفعليّ ستظهر (٢) ، كما هو كذا في الفسخ القوليّ.

المسألة الخامسة : إذا لم يقبض البائع الثمن في بيع الخيار حتى انقضت المدة ، معيّنا كان الثمن أو كلّيا في الذمّة ، فهل له الخيار في المدّة أو مطلقا ، أو ليس له خيار؟

فيه وجهان : من كون عدم القبض في حكم الردّ ، لاشتراكهما في الفائدة المقصودة ، فله الخيار ، ومن أنّ الخيار شرط على تقدير الردّ المستلزم للقبض

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٠ ، الباب ٨ من أبواب الخيار ، الرواية ٢٣٠٤٩.

(٢) كذا في النسخ.

٣٣٥

ومعلّق عليه ، وحيث لم يتحقّق حتى انقضت المدة فلا خيار له.

ويشكل الوجهان بأنّ لازم الأوّل ثبوت الخيار منجّزا للبائع من حين وقوع العقد ، حيث لم يقبض الثمن بعد ، فيكون مسلطا على عدم قبول المثمن ، وفسخ البيع وإن أقبضه المشتري ، وهو خلاف التعاهد منهما المعقود عليه ، واستلزم الثاني كون ثبوت الخيار للبائع بعد العقد بيد المشتري ، لاستلزامه لزوم البيع على البائع إذا لم يقبضه المشتري ، وهو كما ترى.

والأوجه : أنّ له الخيار ، لكن لا خيار الشرط بل خيار الاشتراط بعد انقضاء المدّة ، نظرا إلى أنّ المتبادر ـ بل المعلوم ـ من قصد المتبايعين من إثبات الخيار للبائع بعد ردّه الثمن إرفاقا له التزام المشتري بهذا الشرط على إعطاء الثمن إيّاه في المدّة المقرّرة التي يتوقّف عليه الخيار ، ودلالته عليه التزاما لفظيا ومع عدم وفاء المشتري به كان للبائع بعد المدة خيار تخلفه عن الشرط.

المسألة السادسة : إذا امتنع في بيع الخيار ردّ الثمن في زمانه إلى المشتري بنفسه أو وكيله أو وليّه لغيبته اختيارا أو اضطرارا أو نحوها ، فهل يحصل الشرط بردّه إلى الحاكم ، كما يظهر من المحقق القمّي ، في أجوبة مسائله ، أم لا ـ كما عن بعض معاصريه في المناهل (١).

وربما يظهر من بعضهم كونه أمانة في يد البائع ، بل ادّعى اتفاقهم عليه. والأقوى أنّه إن صرّح في الشرط بردّ الثمن إلى بدل المشتري كوكيله المطلق أو الحاكم أو عدول المؤمنين ، فهو ، ويحصل الفسخ بردّه إليه ، وإن لم يصرّح به ، فالمعتبر قصد المتبايعين بملاحظة قرائن المقام وشواهد الحال ، فإن كان خصوص المشتري بنفسه ، كما عند التصريح به ، فلا يقوم غيره مقامه في حصول الشرط بردّه إليه ،

__________________

(١) المناهل : ٣٢٤.

٣٣٦

وتضرّر البائع بسقوط خياره ـ حينئذ ـ حصل بإقدامه عليه ، وإن كان المقصود رجوع الثمن إلى ملك المشتري كيف اتّفق ، كما هو الظاهر من حال الناس في المبايعات الخياريّة غالبا ، فيقوم الوليّ مقامه عند تعذّر الردّ إليه ، إذ له التصرّف في حفظ مال الغائب.

قيل : إنّ الحاكم إنما يتصرّف في مال الغائب على وجه المصلحة ، وقبض الثمن الموجب لرفع تسلّط الغائب خلاف مصلحته.

وأجيب عنه : بأنّ هذا ليس تصرّفا اختياريا من قبل الوليّ حتى يناط بالمصلحة ، بل البائع حيث وجد من هو منصوب شرعا لحفظ مال الغائب صحّ له الفسخ إذ لا يعتبر فيه قبول المشتري أو وليّه للثمن ، حتى يقال : إنّ ولايته في القبول متوقفة على المصلحة ، بل المعتبر تمكين المشتري أو وليّه منه إذا جعل الفسخ.

ويمكن المناقشة فيه بأنّ الفسخ لا يحصل إلّا بقبض الوليّ الذي هو في حكم الردّ المتوقف عليه الفسخ ، وما لم يتحقّق لا يصير الثمن مال الغائب ، حتى كان على الوليّ حفظه بصيرورته ملكا له بعد تمكين الوليّ من قبضه ، وهو خلاف مصلحة الغائب.

اللهم إلّا أن يقال : إن قيام الحاكم مقام الغائب في اختيار قبضه ليس من باب ولايته على مصلحة الغائب وحفظ ماله ، حتى كان باختياره اللازم عليه رعاية المصلحة فيه ، بل لنفي الضرر عن البائع ، فكما وجب على المشتري التمكين من القبض ، كذا يجب على الحاكم عند غيبته. واختصاصه بتلك النيابة الشرعية القهرية لكونه المتيقّن ممن احتمل نفوذ عمله شرعا في أمثال ذلك.

ومنه يظهر أنّه مع عدم التمكن من الحاكم يصحّ من غيره من عدول المؤمنين ، حذرا عن المحذور المذكور.

٣٣٧

المسألة السابعة : يجوز شرط البائع في بيع الخيار الفسخ في كل جزء بردّ ما يخصّه من الثمن كما صرّح به بعض الأجلّة ، لعموم أدلّة الشرط.

ولا يتوهّم عدم تجزي العقد فلا ينفسخ بعضه ويبقى بعض آخر ، لأن العقد وإن كان واحدا إلّا أن متعلقه أمور متعدّدة غير ارتباطية ، يستقلّ كلّ منها في حصول أثر العقد فيه ، كما أشرنا إليه آنفا وبسطنا الكلام فيه سالفا ، عند بيان عدم فساد العقد بفساد بعضه وحصول التبعّض منه ، فلا يستلزم حلّ العقد بالنسبة إلى بعض حلّ الكلّ ، فيصحّ وقوع الشرط عليه.

نعم ، عند إطلاق الشرط ينصرف إلى فسخ الكلّ ، فالتجزئة ـ حينئذ ـ خلاف مقتضى الشرط. والظاهر صحّة التجزئة بالنسبة إلى شروط سائر العقود ، إلّا إذا منعه مانع.

٣٣٨

[ المشرق التاسع عشر ]

[ في خيار الغبن ]

مشرق : ومن الخيارات خيار الغبن ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الغبن ، تمليك ماله بما يزيد على قيمته عادة مع جهل الآخر.

ويسمّى المملّك غابنا ، والآخر مغبونا.

فيشترط في تحقّقه أمران :

الأوّل : صدق الزيادة عرفا وعادة ، بحيث لا يتسامح به في العرف ، بل كان التفاوت فاحشا ، كما صرّحوا به. وفرع عليه أنّ الواحد بل الاثنين في العشرين لا يوجب الغبن ، ووجهه ، أنّ المناط فيه الغرر ، وهو غير منضبط في الأغراض والمعاوضات عرفا باختلافات يسيرة فما يتسامح الناس فيه لا يبني عليه الغبن.

وقد يختلف القيم بلحوق بعض العوارض المتجدّدة في أشخاص الوقائع ، فهي أيضا معتبرة في تشخيص الغبن وعدمه ، كشرط خيار أو ضرورة ملجئة للمغبون ولو كانت شرعية ، كشراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته ، والعبرة في ذلك بالضرر العرفيّ.

الثاني : عدم علم المغبون بالقيمة ، فلا خيار ـ بل لا غبن ـ مع العلم ، لكونه فيما فيه الانخداع ، كما هو مفهومه لغة ، وهو منتف إذا أقدم على ضرر نفسه.

٣٣٩

ولا يتفاوت فيه الجهل البسيط والمركّب والغفلة مع سبق العلم به. وقد يستشكل في الشاك ، لأنه إذا أقدم كان بانيا على تحمله ، فهو في حكم العالم.

وفيه ـ مضافا إلى منافاته لإطلاق كلماتهم ـ أنه إذا أقدم عليه رجاء التساوي أو النفع ، واثقا بثبوت الخيار له على ظهور الخلاف ، فليس مثل العالم. نعم ، لو صرّح في العقد بالإلزام ـ ولو على ظهور الغبن ـ كان هذا إسقاطا للغبن.

والمعتبر : القيمة حال العقد ، فلا عبرة بالزيادة بعده ، ولا يسقط بها خياره ، ولو قبل اطلاعه بالغبن.

واحتمال سقوطه لحصول تدارك الضرر الموجب للخيار قبل الردّ مدفوع : بأنه حصل في ملكه ، لا من تمليك الغابن الذي هو منشأ الخيار.

ثمّ الجهل يثبت بإقرار الغابن ، والبيّنة ، وبقول مدّعيه مع احتماله ، ولو بيمينه : لأصالة عدم العلم ، ولا يعارضه أصل اللزوم ، لكونها موضوعية ، فهي واردة عليه ومزيلة له ، وهو حكمي كما قررناه في محلّه.

المسألة الثانية : يثبت الخيار مع الشرطين على المعروف بين الأصحاب والمحكيّ عليه الإجماع مستفيضا.

وفي التذكرة احتجّ عليه بقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (١).

وفيه تأمّل لكونه حقيقة في التراضي الفعليّ الحاصل عند العقد.

وربما يستدلّ بقوله تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (٢) وهو مشكل أيضا ، بل الأصل في المسألة ـ كما علّل به في التذكرة (٣) وغيره ـ لزوم الضرر المنفيّ

__________________

(١) النساء (٤) : ٢١.

(٢) النساء (٤) : ٢٩.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٥٢.

٣٤٠