مشارق الأحكام

المولى عبد الصاحب محمد النراقي

مشارق الأحكام

المؤلف:

المولى عبد الصاحب محمد النراقي


المحقق: السيد حسين الوحدتي الشبيري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨

فإن قلت : في الأخبار الكثيرة تجويز أخذ جوائز السلطان ومظالمه مستوعبة لما له عادة ، ولا أقلّ من شموله له ، وكذا دلّت عليه السيرة المستمرّة المعلومة في قبول الناس جوائز السلاطين والحكام وأضرابهم من غير نكير ، وبهما يخصّص عموم نفي الضرر ، لكونهما أخصّ منه مطلقا.

قلت : أوّلا ، تلك الأخبار منساقة لبيان حلّية أموالهم وجوائزهم باعتبار الشبهة في أعيانها ، ولا دخل له بمحلّ الفرض الذي يرتفع المانع عنه بالتزام العوض ، وثانيا أنّ موارد تلك الأخبار والسيرة من القسم الثاني الذي نذكر حلّيته.

وعلى الثاني : فمقتضى النظر حلّيته له بإباحة المالك ، وله إتلافه حيث يشاء ، أمّا مع عدم علمه بعدم تمكن المالك فظاهر ، واحتماله غير كاف ، إذ غايته احتمال الضرر وهو غير منفيّ ، وأمّا مع عدم احتماله صرف المالك إيّاه في الدين ولا تمكن صاحب الدين عن أخذه ، فلعدم استناد الضرر ـ حينئذ ـ إليه بل إلى المالك ، فلا يتوجّه إليه النهي ، وغالب موارد الفرض سيما بالنسبة إلى أرباب المظالم من هذا القسم.

ولا يتوهّم حرمة الإتلاف من جهة كونه تفويتا للواجب أو عدم تأثير إباحة المالك في الحلّ ، لعدم جواز تسليطه الغير عليه وترخيصه كما مرّ ، لاندفاع الأوّل بعدم دليل على حرمة تفويت الواجب عن الغير ، بل عليه وزره إن كان بتقصيره ، كما في الفرض ، والثاني بأنّ الموجب للحلّية في المقام رضي المالك وإذنه في التصرف المتلف ، نظرا الى كونه صاحب المال وعدم حقّ للدائن فيه بعد لا جواز إباحته وترخيصه ، ولا ملازمة بينهما ، كما في من شرط على نفسه بنذر وشبهه أن لا يأذن زيدا في أكل طعامه فأذنه ، فإنّه يعصى بالإذن دون المأذون فيه في الأكل.

وأمّا الثالث : فلم أر من تعرّض لبيانه وتحقيقه عدا والدي العلّامة في بعض

١٢١

إفاداته (١) ، حيث حكم ببطلان العقود الناقلة بأقلّ من عوض المثل عمّن له دين مستوعب ، وهو مقتضى التحقيق ، لا لما استدلّ به على مختاره من اقتضاء النهي في المعاملة الفساد ، نظرا إلى حرمة صرف المال في غير الدين ـ حينئذ ـ على المالك على ما عرفت ، لعدم استقامته ـ على ما اخترناه (٢) ـ من اختصاص الاقتضاء بما إذا تعلّق النهي بنفس المعاملة أو جزئه أو وصفه لأجل المعاملة الظاهر في المانعية دون غيره ، كما في محلّ البحث ، حيثما (٣) يتعلّق بها كذلك ، بل بمطلق الإضرار أو سببية الحرام ، مضافا إلى أنّ الفساد ـ على هذا التقدير ـ يختصّ بصورة العلم والعمد ، لعدم العصيان في غيرهما.

بل لأنّ صحة العقود المملّكة بغير عوض كالأوقاف والهبات ونحوهما ، أو بأقلّ من العوض كالعقود المعوّضة المحاباتية ، ممن استوعب دينه ماله الغير المتمكن عن أدائه بغيره ، إضرار على صاحب الدين ، وتفويت لما يمكن له أدائه ، ويصدق عليه أنّه ضرر عرفا على صاحب الدين ، لزوال تمكّنه به عن أداء حقّه ، وهو ضرر على ذي الحقّ قطعا ، ألا ترى أنّ صاحب الفاقة إذا استدان ألف دينار ليكتسب به فوهبه لغيره يقال في العرف أنّه أضرّ بصاحب المال ، وهبته ضرر عليه ، والضرر منفي في الإسلام ، بمعنى عدم تشريع حكم يتضمّنه ، وضعيا كان أو طلبيا ، كما يأتي بيانه ، ولا يعارضه عموم « الناس مسلّطون » لما ستعرف من تقدّم نفي الضرر. نعم ، يعارضه إطلاق أدلّة تلك العقود ، وهو بالعموم من وجه ، فيرجع إلى الأصل ومقتضاه الفساد.

ويشعر بما قلناه بعض النصوص المعتبرة الواردة في صدقة من استوعب دينه

__________________

(١) مستند الشيعة ٢ : ٣٦٣.

(٢) في « م » : لعدم تمامية هذا القول عندي واختصاص الاقتضاء ..

(٣) حيث لا ( خ ).

١٢٢

ماله ، الدال على عموم المدّعى ، لعدم القول بالفصل ، كمكاتبة أحمد بن حمزه (١) إلى أبي الحسن عليه‌السلام : مدين أوقف ، ثم مات صاحبه وعليه دين لا يفي ماله ، فكتب عليه‌السلام : « يباع وقفه في الدين ». ونحوها مكاتبة أخرى ، رواها ابن محبوب (٢) إلّا أنّه فيها إذا وقف ، بعد قوله : وعليه دين لا يفي ماله.

وفي رواية أخرى في عتق من عليه دين (٣).

وأمّا ما في خبر عجلان (٤) ، من صحّة عتق من عليه دين ، فهو أعمّ من استيعاب الدين ، فيخصّص بما سبق.

فإن قلت : تعليق الفقهاء ممنوعية المفلس عن التصرف في أمواله على حجر الحاكم يقتضي جوازه قبله ، بل هذا فائدة الحجر.

قلت : الأحكام الشرعية تختلف باختلاف العنوانات ، فلا يدافع بعضها بعضا ، وما ذكره الفقهاء في باب الحجر إنّما هو للمنوعية من جهة منع الحاكم عن التصرف ورفع سلطنته مطلقا ، وهو يعمّ جميع التصرفات ، سواء كانت من العقود المعوّضة بعوض المثل أو بأقلّ منه ، بل وبما زاد عنه أو غيرها ، كدفع المال إلى بعض الديان أو إلى الجميع ، من غير ملاحظة النسبة ، وكذا لا يحلّ معه تصرّف الغير بإباحة المالك مطلقا.

وأما الممنوعية فيما ذكرناه إنّما هي من جهة الضرر على الديان ، من قبيل منع المالك من التصرف المضرّ بالجار ، فلا يمنع به عن مطلق التصرف ، ولا عن مطلق

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٨٩ ، الباب ٦ من أبواب الوقوف والصدقات ، الرواية ٢٤٤١١.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر ١٩ : ٣٥٤ : الباب ٣٩ من أبواب أحكام الوصايا ، الرواية ٢٤٧٥٢.

(٤) نفس المصدر ٢٣ : ٩٠ ، الباب ٥٤ من أبواب العتق ، الرواية ٢٩١٧٠.

١٢٣

النقل ، ولا عن الإباحة ، ولا يمنع عن صرفه في بعض الديون دون بعض ، كما سننبه عليه ، فلا يختصّ فائدة الحجر بما يفيده نفي الضرر.

تتميمات :

الأوّل : هل له صرف جميع ماله في بعض الديون أو في الكلّ من غير رعاية النسبة؟

الظاهر : نعم ، لأنّ وجوب أداء كلّ دين غير مرتبط بالآخر ، فلا منع له عن امتثال بعضه ، سيما مع عدم إمكان امتثال الجميع ، كما على الفرض ، وإيجابه الضرر على الآخر يعارضه ضرر الأوّل ، فيتعارض الضرران ، ويبقى السلطنة المالكية بلا معارض. نعم ، مقتضى ما سنذكر في تعارض الضررين من ترجيح الأخفّ ، منعه عن اختيار الأكثر ، فهو الأشبه لو لا ـ الإجماع على خلافه ـ قبل الحجر ، وكيف كان فالأولى بل الأحوط ملاحظة النسبة.

الثاني : هل يلحق بالعقود الناقلة الإبراء ، فلم يجز إن كان عليه دين يستوعب إبراء حقّه على من عليه ولم تبرأ ذمّته؟

فيه إشكال ، ولا يبعد الإلحاق ، لاتحاد المناط وأصالة بقاء الحقّ.

الثالث : إذا أقرّ المديون المذكور بدين آخر أو بما في يده للغير فالظاهر قبوله

قبل الحجر لظهور الإجماع ، ولأنّ الإقرار ليس سببا ناقلا بل إخبار عن الواقع ، وهو مسموع بالأدلّة القطعية فيما يتعلّق بالضرر على النفس أصالة ، وإن كان من لوازمه ما يؤدّى إلى ضرر الغير ، كما في نظائر المقام من الأقارير النافذة.

الرابع : هل يختصّ ما ذكرناه بالديون العاجلة ، أو يعمّ الآجلة؟

الظاهر : الثاني ، إذا علم عدم التمكن من أدائه عند الأجل ، لصدق الضرر على المدين بإتلافه عرفا ، كما إذا استدان من له بضاعة مائة ألف دينار إلى شهر أو سنة ،

١٢٤

فوهب المجموع لغيره ، فيشمله أدلّة نفي الضرر ، بل تقتضيه دليل المقدّمة بالتقريب المتقدّم أيضا ، لوجوب إبقاءها لعين ما دلّ على وجوب إتيانها إذا كان ذو المقدّمة واجبا مطلقا ، كما في الفرض ، فإنّ اشتغال ذمّة المديون بالدين غير مشروط بحلول الأجل ، بل ولا وجوب أدائه ، فإنّه واجب مطلق ، وإنّما الأجل وقت امتثال الفعل ، لا وقت تعلّق الوجوب ، وفرق بيّن بينهما ، كما في قول الآمر : أوجبت عليك أن تفعل غدا كذا ، وقوله : سأوجبت عليك أو يجب غدا عليك أن تفعل كذا.

وما نحن فيه من الأوّل ، حسب ما يقتضيه الأدلّة ، فيجب عليه بعد تعلّق الوجوب قبل حلول الوقت تحصيل مقدّمات الفعل في وقته ، أو إبقاء المقدّمة الموجودة مما يعلم فوته في الوقت ولم يتمكّن منه ، فهو من قبيل الأمر بضيافة زيد في المساء ، المتوقّفة على تحصيل القرى أو إبقاءها في النهار ، والله العالم.

١٢٥
١٢٦

[ المشرق السادس ]

[ في بيان حكم المال المجهول مالكه ]

مشرق : في بيان حكم المال المجهول مالكه.

اعلم أنّ المال إن كان له مالك معروف فهو ، وأسباب الملك كثيرة ، كالإحياء والحيازة ، والإرث ، والعقود الناقلة والاختلاس من أهل الحرب ، والاغتنام ، والاصطياد ، والوصية ، والوقف ، والصدقة ، والنذر ، وقبض الزكاة ، والخمس ، والدين ، وتحليل الإمام عليه‌السلام وإقطاعه ، وغير ذلك. ولا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذنه ، إلّا فيما ورد الإذن فيه من الشرع قهرا ، كالشفعة ، والمقاصّة للمماطل ، وبيع مال الممتنع عن الحقّ الواجب ، ورجوع البائع في عين ماله للتفليس مقدّما على سائر الديان ، ونحو ذلك ، وإن لم يكن له مالك معروف فله أقسام كثيرة أكثرها مضبوطة في كتب الفقهاء بعنواناتها الخاصّة ، لها أحكام مخصوصة ، كاللقطة ، والكنز والمال المختلط بالحلال والحرام وغيرها ، ولا كلام لنا هنا فيها ، بل المقصود هنا بيان ما ليس له عنوان خاصّ من تلك العنوانات ، وهو الذي يعبّر عنه بالمجهول المالك على وجه الإطلاق. والنظر إمّا في من يملكه ، أو في مصرفه.

أمّا الأوّل : ففي بقائه على ملك مالكه المجهول ، أو كونه للفقراء ، أو للإمام عليه‌السلام

١٢٧

وجوه بل أقوال ، أوجهها الأوّل ؛ للاستصحاب وعدم الدليل المخرج ، والأخبار الآمرة بالتصدّق به غير منافية له ، كما لا ينافيه في اللقطة مع بقاءها على ملك مالكها على المعروف بينهم ، بل في رواية عليّ بن حمزة (١) الآمرة بالتصدّق للمالك إشعار ببقائه على ملكه كأكثر كلمات القوم ، ودلالة ظاهرة على عدم كونه للإمام عليه‌السلام.

والقول بأنّ الأمر بالتصدق لا يلزمه ، لاحتمال كونه من باب التصرف بالمالكية ، لأنّ له أن يضع ملكه حيث يشاء ـ مع ما فيه من أن الاحتمال لا يرفع حكم الاستصحاب ـ مخدوش بأنّ الأصل في الأوامر وتصرّفات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحجج في الخطابات الشرعية ، سيما في أمثال أجوبة المستفتين كونها على سبيل التبليغ والفتوى ، دون الإمامة والرئاسة أو القضاء والحكومة ، كما صرح به الشهيد في قواعده (٢) ، لأنّه الأغلب في الخطابات ، وقلّ ما يتّفق خلافه فيها ، وهو المعهود من طريقة السلف من أصحابهم وتابعيهم ومن لحقهم من العلماء في فهم مرادهم وبناء عملهم عليه فالأغلبية ـ خصوصا بملاحظة طريقة الحاضرين وسيرة العلماء ـ قرينة ظاهرة على إرادة التبليغ ، فحيث لا قرينة بالخصوص يحمل الخطاب عليه. وكون القرينة ظنّية لا ضير فيه ، لصدق كونه ظنا مستفادا من كلام المعصوم عليه‌السلام ، وصلاحية الغلبة المذكورة لاستناده إليها في تفهيم مراده ، وهو حجّة. بل لا يبعد القول بأنّ إرادة خلافه مع ظهوره في الفتوى إغراء قبيح.

__________________

(١) الظاهر أنّه رواية عليّ بن أبي حمزة الذي استأذن من أبي عبد الله عليه‌السلام لصديق له من كتّاب بني أميّة ؛ راجع الوسائل ١٧ : ١٩٩ ، الباب ٤٧ من أبواب ما يكتسب به ، الرواية ٢٢٣٤٣.

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٢١٥.

١٢٨

ولأمر ما أفرط بعضهم (١) وقال : قوله عليه‌السلام : « من أحيا أرضا ميتة فهي له » (٢) ، تبليغ أو إفتاء ، فيجوز الإحياء لكلّ أحد في زمان الحضور ، أذن الإمام عليه‌السلام فيه أم لا. وأجيب عنه بأنّ اشتراط الإذن يعلم من دليل خارج ، لا من هذا الدليل. وقال آخر : قوله عليه‌السلام لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان ـ حيث قالت له : إنّ أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني ـ : « خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف » (٣). افتاء. فيجوز المقاصّة للمماطل ولو بغير إذن الحاكم.

ومما يؤيّد بل يدلّ على عدم كونه مال الإمام عليه‌السلام عدم ذكره في كلماتهم في عداد الأنفال ، المشعر باتفاقهم عليه ، سيما مع عدم إشعارهم في الحكم بالتصدّق به لكونه له عليه‌السلام ، كما ذكروه في إرث من لا وارث له ، ومنه ينقدح ظهور النصوص الحاصرة للأنفال بغير المال المجهول في خروجه عنها.

وما في جملة منها من الأرض التي جلى أو باد أهلها ، فالمراد به ما من الأرضين التي انقطعت عنها أيدي الكفار ، كما يدلّ عليه سوق الأخبار ، فإنّ منها ما يعمّ المسلمين ، وهي المأخوذة عنهم قهرا وعنوة ، ومنها من الأنفال المختصّ بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام عليه‌السلام ، وهي ما لم يكن فيها هراقة دم ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، بأن جلى أهلها أو صولحوا وأعطوا بأيديهم. فمقتضى النصوص أنّ تلك الأرض بهذا العنوان من الأنفال ، لا من حيث كونه مجهول المالك ، ولذا اختصّت

__________________

(١) كذا ، والظاهر : ولهذا الأمر أفرط بعضهم ؛ والقائل على ما في حاشية القواعد والفوائد ( المصدر السابق ) هو ابن سعيد الحلّي في الجامع.

(٢) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤١١ : الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، الرواية ٣٢٢٤٠ و ٣٢٢٤٤.

(٣) بحار الأنوار ٧٥ : ٢٣١.

١٢٩

بالأرض ، ويعمّ معروف المالك ، ويومئ إليه تقييدها بعدم حمل خيل ولا ركاب عليها ، أو بعدم هراقه دم فيها ، والعطف عليها في أكثرها بقوله : « أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم » ، ونحو ذلك مما هو ظاهر بل صريح في كون المقصود منها أرض الكفار ، فلا يتمّ الاستدلال بتلك الأخبار على كون مال المجهول المالك من الأنفال.

ونحوه التمسّك عليه برواية داود بن أبي زيد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إني قد أصبت مالا ، وإنّي قد خفت فيه على نفسي ، فلو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه ، فقال عليه‌السلام : « لو أصبته كنت تدفعه إليه »؟ قلت : أي والله ، فقال عليه‌السلام : « والله ما له صاحب غيري » ، قال : فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره ، قال : « فحلف » قال : « فاذهب وقسّمه في إخوانك ولك الأمن مما خفت فيه » ، قال : فقسّمه بين إخوانه ، نظرا إلى عمومه بترك الاستفصال الشامل لمجهول المالك.

ويضعف بشموله اللقطة أيضا ، وهي ليست للإمام عليه‌السلام اتفاقا ، فيحتمل قريبا أن يكون المراد منه ما هو العائد إليه من ديوان السلاطين والولاة الذين كانوا في عصر الإمام عليه‌السلام ، أو كان ينتهي إليه على ما يقتضي الاعتبار من شيوعه في أزمنتهم ، وهو غالبا للإمام عليه‌السلام لكونه من الأخماس أو الأنفال أو مال الخراج الذي ولايته له عليه‌السلام بل في عدّة من المعتبرة أنّ كلّما في يد الناصب مال الإمام عليه‌السلام.

وأمّا الثاني : فالمعروف بين الأصحاب أنّه يتصدّق به على فقراء الشيعة بعد الجهد في طلب المالك واليأس عنه ، للمستفيضة من الأخبار (٢).

ومنها صحيحة يونس ؛ كنّا مرافقين لقوم بمكّة وارتحلنا عنهم وحملنا ببعض متاعهم بغير علم ، وقد ذهب القوم ولا نعرفهم ولا نعرف أوطانهم وقد بقى المتاع

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤٥٠ ، الباب ٧ من أبواب اللقطة ، الرواية ٣٢٣٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٠٩ ، الرواية ٢٢.

١٣٠

عندنا فما نصنع به؟ قال : فقال : « يحملونه حتّى يلحقوهم بالكوفة ». قال يونس : فقلت له : لست أعرفهم ولا ندري كيف نسأل عنهم ، فقال عليه‌السلام : « نعم وأعط ثمنه أصحابك » قال : فقلت : جعلت فداك ، أهل الولاية؟ قال : « نعم ».

ورواية على بن حمزه (١) ، وفيها : إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم ـ يعني بني أميّة ـ فأصبت من دنياهم مالا كثيرا ، وأغمضت من مطالبه ـ إلى أن قال عليه‌السلام ـ : « فاخرج من حيث اكتسبت من ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدقت له » الحديث. وغيرهما.

وما في جملة من الأخبار من الأمر بتركه على حاله ، فهو ظاهر فيما لم يعلم له مالك ، وهو للإمام عليه‌السلام من باب ميراث من لا وارث له ، يفعل به ما يشاء ، أو فيما لم يحصل اليأس عن مالكه بعد عادة ، وتلك الأخبار وإن اختصّت بغير الأرض ولكن يتمّ العموم بالإجماع المركّب في جواز التصدّق.

وهل يشترط التصدّق في زمان الغيبة بإذن الحاكم وتعيينه المستحقّ؟

مقتضى الأصل وإطلاق الأمر في غير الأراضي عدمه ، كما في اللقطة ، وإن كان الأحوط كونه بتعيينه أو إذنه مطلقا ، بل لا يبعد المصير إليه فيما ليس عليه يد أحد ، لخروجه عن موارد الأمر.

ومستحقّه جنس الفقير ، كما في الزكاة والوقف العامّ ، لا الكلّ على الإشاعة ، فلا بدّ من تعيينه للدفع إليه ، ولا دليل على جوازه للفقير نفسه ، ولا لأحد آخر غير الفقيه المأمون ، لكونه المتيقّن ، فيقتصر عليه.

ومن هذا يظهر قوّة احتمال اشتراط إذن الحاكم في الأراضي العامرة المجهول مالكها مطلقا ، وإن كانت في تصرّف غيره ، لخروجه عن موارد الأخبار ، وعدم

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ١٩٩ ، الباب ٤٧ من أبواب ما يكتسب به ، الرواية ٢٢٣٤٣.

١٣١

ثبوت الإجماع المركّب هنا ، فيقتصر على موضع اليقين ، وهو التصدّق بإذن الحاكم.

وهل للحاكم أو المتصرّف استرباح المال وإجارته والتصدّق بالمنفعة؟

مقتضى النظر عدم جوازه في غير الأراضي والعقار ، بل يجب المبادرة بالتصدّق بالعين ، بعد بذل الجهد في طلب المالك وحصول اليأس عنه ، إلّا لضرورة ، كعدم وجود المستحقّ ونحوه ، لا للأمر بالتصدّق ، لعدم اقتضائه الفور ، بل لأنّ إبقاء اليد على مال الغير والتصرف فيه زائدا على قدر ما يتصدّق به من المدة يحتاج إلى إذن المالك أو الشارع ، والأوّل متعذّر ، والثاني غير ثابت.

وأمّا الأرض المجهول المالك فالأخبار خالية عن ذكرها ، والإجماع البسيط أو المركب لم يثبت إلّا على جواز التصدّق به دون وجوبه ، فما لم يتصدّق به كان للحاكم ، بل عليه حكومة أو ولاية إجارتها ونحوها من وجوه الاستنفاع والتصدق بالمنفعة ، صونا عن فوتها ، وحفظا عن ضياع المال المحترم.

ثمّ إن تصدّق بالعين وظهر المالك ، فإن رضي بما فعل فهو ، وإلّا ففي الضمان وعدمه قولان ، أحوطهما الأوّل ، وأشبههما الثاني.

١٣٢

[ المشرق السابع ]

[ في أحكام الأراضي الخراجية ]

مشرق : في أحكام الأموال الخراجية ، وهي من مهمّات المسائل وفروعها سيما بالنسبة إلى زمان الغيبة كثيرة ، والحاجة إليها شديدة ، ووقع في كثير منها الخلاف بين أصحابنا ، وقلّ منهم من استقصاها ، فرأيت أن أبيّن جلية الحال فيها.

فنقول : المراد بالخراج ارتفاع تلك الأراضي ، وكثيرا ما يطلق ويراد به خصوص ما يضرب عليها من المال ، كالطسق والقبالة ، وبالمقاسمة الحصّة المعينة من الحاصل ، كالعشر ونحوه ، وهما بمنزلة الأجرة يضربان على الأرض الخراجية وأشجارها.

وفي المقام أبحاث :

البحث الأوّل : في بيان المعنى المقصود من الأرض الخراجية وشرائطها ، وهي المفتوحة أي المأخوذة عنوة وقهرا عن الكفار ، أو المأخوذة بالصلح من أيديهم ، بأن يكون الأرض للمسلمين ولهم السكنى ، وحكمها أنّها من المسلمين قاطبة ، يصرف ارتفاعها في مصالحهم ، كما سيأتي. ويشترط في المفتوحة عنوة أمران

١٣٣

أحدهما : كون الأرض عامرة وقت الفتح ، صرّح به أكثر الأصحاب ، ولعلّ من أطلق أراد العامرة ، تعويلا على بيان الباقين ، أو تنزيلا على الغالب مما في اليد ، وعن بعضهم نفى الخلاف عنه ووجه التخصيص أنّ البائرة من الموات ، فلا هي قبل الفتح ملك الكفار ، ولا بعده للمسلمين ، بل هي من الأنفال المختصّة للإمام عليه‌السلام مطلقا ، حلّلها لمن أحياها.

وثانيهما : كون القتال والاستغنام بإذن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام الحقّ ، وإلّا فهي من الأنفال. حكي عن المبسوط (١) والفاضل ونجله لرواية مرسلة (٢).

واستشكله في الكفاية (٣) لضعف المستند ، مع أنّه لو سلّم أنّ المفتوح بغير إذنه للإمام ، فهو أباحه لشيعته.

وقال والدي العلّامة (٤) : إنّ الأصل فيما فتح بغير إذن الإمام ، وإن كان كونه من الأنفال ، إلّا أنّ الإمام عليه‌السلام المالك للأنفال ، أجرى على الأراضي المفتوحة عنوة بعد زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأجمعها حكم المفتوحة بإذنه ، كما في الصحيح عن سيرة الإمام عليه‌السلام (٥) في الأرض التي فتحت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قد سار في أهل العراق بسيرة ، فهي إمام لسائر الأرضين بضميمة ما في صحيح الحلبي عن السواد : ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ، ولمن

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٤.

(٢) قال في المبسوط ( نفس الموضع ) : « وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام فغنمت يكون الغنيمة للإمام خاصّة .. » ونقل رواية بهذا المضمون في التهذيب ٤ : ١٣٥ ، الرواية ٣٧٨.

(٣) كفاية الأحكام : ٧٥ ، كتاب الجهاد.

(٤) مستند الشيعة ٢ : ٣٥٤.

(٥) وسائل الشيعة ١٥ : ١٥٣ ، الباب ٦٩ من أبواب جهاد العدوّ ، الرواية ٢٠١٩٣.

١٣٤

دخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق. الحديث (١).

وربما ينزّل على هذا قولهم بأنّ أرض السواد مفتوحة عنوة ، أي في حكمها بترخيص الإمام وإباحته ، لا أنّها مفتوحة بإذنه.

واستظهر في الكفاية كون الفتح بإذنه عليه‌السلام ، لأنّ الفتوح التي وقعت في زمن عمر ، كان بإذن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإنّ عمر كان يشاور الصحابة ـ خصوصا أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في تدبير الحروب وغيرها ، وكان لا يصدر (٢) عن رأي علي عليه‌السلام ، ونقل مصاحبة الحسنين عليهما‌السلام للعسكر. وكيف كان ، فالظاهر بمقتضى النصّ الصحيح ، أنّ حكم تلك الأراضي المفتوحة بغير إذن الإمام عليه‌السلام حكم المفتوحة عنوة ، سواء قلنا باشتراط إذنه في صدق العنوان أم لا.

البحث الثاني : لا خلاف في أنّ قبالة الأراضي الخراجية لعموم المسلمين ، ولا يختصّ بها المقاتلين ، بل يشاركهم غيرهم ، يصرف في مصالحهم العامّة ، أي الجهة الغير المقصورة على أحد أو طائفة منهم ، وإن لم يستوفها الجميع ، كسدّ الثغور وتقوية المجاهدين وبناء القناطر والمساجد ومئونة القضاء وتعمير المدارس وأمثال ذلك ، مما لم يتعلّق الغرض فيه بمصلحة أعيان طائفة دون أخرى.

وبه صرّح مرسلة حماد (٣) الطويلة ، وهذا هو المراد من قولهم : يختصّ تلك الأراضي بالمسلمين في الأخبار المستفيضة وكلمات الطائفة ، كما صرّح به بعضهم قائلا بأنّ المراد بكونها للمسلمين أنّ الإمام عليه‌السلام يأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالحهم على حسب ما يراه ، لا أنّها ملك الجميع بالإشاعة ضرورة بطلانها ، ولا أنّها من قبيل

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٦٩ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشرائطه ، الرواية ٢٢٧٦٧.

(٢) الظاهر كلمة « لا يعدو » بدل كلمة « لا يصدر ».

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٨.

١٣٥

ملك الزكاة للفقراء فيملكها من عيّنه الإمام عليه‌السلام ؛ لمنافاته لظاهر الإجماع وظواهر الأخبار ، ولا من قبيل الوقف على الفقراء الذي يملكها الجنس ، فتعيينه للناظر في ضمن من شاء من الأفراد ، لجواز تخصيصه المنفعة للبعض كيف شاء ، ولا هكذا مورد البحث ، بل يشبه أن يكون نظير الوقف على الجهة ، كالوقف على المسجد وعلى المشاهد المقدّسة ونحوهما ، على ما هو مختارنا فيه ، من عدم كونه ملكا لأحد ، بل هو محبوس على صرف منفعته على الجهة الموقوفة عليها العائدة لعامّة المسلمين.

وهل يجب الخمس في ارتفاع تلك الأراضي ، كما في المحكي عن ظاهر جماعة وصريح الحلّي (١) وخمس الشرائع (٢) والفاضل في المنتهى (٣) والمحقق الأردبيلي (٤) ووالدي العلّامة (٥) فيه وجهان.

البحث الثالث : تولية أرض الخراج والنظر فيها مع ظهور الإمام عليه‌السلام واستقلاله ، له عليه‌السلام يصنع فيها على حسب ما يراه ، ويقبلها من يريد بالإجماع والنصوص ، كصحيحي البزنطي ومحمد (٦) ، ورواية صفوان (٧) وغيرها.

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٧٧.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٢٠٥.

(٣) المنتهى ٢ : ٩٣٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٧ : ٤٧١.

(٥) مستند الشيعة ٢ : ٣٥٩.

(٦) وسائل الشيعة ١٥ : ١٥٧ ، الباب ٧٢ من أبواب جهاد العدوّ ، الرواية ٢٠٢٠٤ ؛ و ١٥٦ ، الباب ٧١ : الرواية ٢٠١٩٨.

(٧) نفس المصدر : الرواية ٢٠٢٠٣.

١٣٦

وأمّا في زمان الغيبة أو عدم استقلال الإمام الحقّ عليه‌السلام ، ففي توقّف التصرف على إذن السلطان الجائر مطلقا ، كما قيل ، بل في الكفاية (١) عن بعضهم اتّفاق الأصحاب عليه ، وعلى تولّي الجائر لأخذ الخراج والمقاسمة والتصرف فيهما ، أو عليه مع عدم الإمكان والتمكّن بدون إذنه كما في المسالك ، أو جواز التقبيل بإذنه مطلقا كما هو ظاهر الأكثر ، أو جوازه كذلك مع عدم الإمكان بدون إذنه ، بحيث لا يمكن الاستنقاذ من أيديهم والتخلّص من ذمّتهم ، وإلّا فيحرم ، كما عن بعضهم ، أو عدم جواز ذلك في حال ، كما مال إليه مولانا الأردبيلي (٢).

ثمّ على القول بعدم التوقّف على إذنه أو عدم جوازه مطلقا ، أو مع عدم الإمكان ففي توقّفه على إذن الحاكم نيابة عن الإمام عليه‌السلام مطلقا أو مع تمكّنه في صرفها على وجهها ، كما ذهب إليه الشهيد الثاني (٣) وغيره ، أو عدم التوقّف عليه ، ولكن جاز له ولكلّ من الشيعة خاصّة التصرف فيها وتقبيلها مع الإمكان وإلّا فللشيعة التقبيل من الجائر أيضا ، كما اختاره والدي (٤) ، ونقل جواز تصرّف الشيعة مطلقا عند استتار الإمام عليه‌السلام عن ظاهر الشيخ في التهذيب (٥) ـ أقوال.

وحقّ المقال في تحقيق الحال : أنّه لا شكّ ولا خلاف في أنّ النظر والتولية لهذه الأملاك حقّ الإمام الحقّ عليه‌السلام أصالة. ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ ما في المعتبرة ، كصحيح البزنطي (٦) : « ما أخذ بالسيف ، فذلك للإمام عليه‌السلام ، يقبله بالذي يرى ،

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٧٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٧ : ٤٨٨.

(٣) مسالك الأفهام ٣ : ١٤٢.

(٤) مستند الشيعة ٢ : ٣٥٤.

(٥) التهذيب ٤ : ١٤٣.

(٦) وسائل الشيعة ١٥ : ١٥٧ ، الباب ٧٢ من أبواب جهاد العدوّ ، ٢٠٢٠٤.

١٣٧

كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر قبّل سوادها وبياضها » ، وغيره.

وكذا لا شك ، بل لا خلاف ـ ظاهرا ـ في أنّ الأصل فيما فيه الولاية للإمام عليه‌السلام إذا دعت الضرورة إلى مداخلة غيره في غيبته ، كونها للفقيه العدل بحقّ النيابة ، إلّا ما خرج بدليل ، بل في تضاعيف كلمات أكثرهم عدم الاستثناء.

ويدلّ عليه ـ مضافا إليه ـ عمومات النيابة ولو بتراكمها وتعاضد بعضها بعضا ، ككونه وارث الأنبياء (١) وأمين الرسل (٢) وخليفة الرسول (٣) ، وحصن الإسلام (٤) ومثل الأنبياء وبمنزلتهم (٥) والحاكم (٦) والقاضي (٧) والحجة من قبلهم (٨) ، وأنّه المرجع في جميع الحوادث (٩) ، وأنّ على يده مجاري الأمور والأحكام (١٠) ، وأنّه الكافل لأيتامهم (١١) ، وأمثال ذلك. كلّ ذلك في الروايات المتكثرة التي أكثرها معتبرة ، والباقي بالشهرة منجبرة.

فينقدح من هذين الأمرين : أنّ الأصل كون التولية والتقبيل للنائب العامّ في غيبة

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ٧٨ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الرواية ٣٣٢٤٧.

(٢) الكافي ١ : ٤٦ ، الحديث ٥.

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٩ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الرواية ٣٣٤٢٢.

(٤) بحار الأنوار ٨٢ : ١٧٧ ، الباب ٢٠ ، الحديث ١٨.

(٥) « علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل » ؛ عوالي اللآلي ٤ : ٧٧ ، الحديث ٦٧ ؛ وعنه البحار ٢ : ٢٢ ، الحديث ٦٧ ؛ ونقله في المستدرك ١٧ : ٣٢٠ ، الحديث ٢١٤٦٨ ؛ نقلا عن العلّامة الحلّي في التحرير.

(٦) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٦ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الرواية ٣٣٤١٦.

(٧) نفس المصدر : ١٣٩ ، الرواية ٣٣٤٢١.

(٨) نفس المصدر : ١٤٠ ، الرواية ٣٣٤٢٤.

(٩) نفس المصدر.

(١٠) تحف العقول : ٢٣٨ ؛ وعنه البحار ١٠٠ : ٨٠ ، الحديث ٣٧.

(١١) مستدرك الوسائل ١٧ : ٣١٨ ، الرواية ٢١٤٦١ ؛ و ٣٢٠ ، الرواية ٢١٤٦٦.

١٣٨

الإمام عليه‌السلام ، إلّا إذا ثبت الإذن لغيره بدليل ، ومن يحتمل له الإذن بملاحظة أقوال المسألة ، إمّا آحاد الشيعة أو السلطان الجائر ، والأوّل غير ثابت لعدم دليل معتبر عليه ، وإن قلنا بكون من في يده أحقّ من غيره كما سيجي‌ء. وبه صرّح في المسالك (١) قائلا : وليس هذا من باب الأنفال التي أذنوا لشيعتهم في التصرف فيها حال الغيبة ، لأنّ ذلك حقّهم ، فلهم الإذن فيه مطلقا ، بخلاف المفتوحة عنوة ، فإنّها للمسلمين قاطبة ، ولم ينقل منهم الإذن في هذا النوع.

والاعتراض عليه بأنّ ما للمسلمين هو منافع هذه الأرضيين أو مع رقبتها ، وأمّا التصرف والتقبيل فحقّ الإمام عليه‌السلام ، ويكون له الإذن في هذا الحقّ للشيعة ، وثبت الإذن منهم بالعمومات الدالّة على أنّ ما كان لنا فهو لشيعتنا (٢) ، وأنّ كلّ من والى آبائي فهم في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا ، وأنّا أحللنا شيعتنا من مظلمتنا التي يعيش الناس في فضلها (٣) ، ونحو ذلك ، حيث إنّ التصرف في تلك الأراضي كان لهم وحقّ لهم ، وتقبيل الناس بها مظالم للأئمة عليهم‌السلام ، فيكون حلالا للشيعة بمقتضى تلك النصوص.

يندفع بأنّه لو سلّم جواز الإذن لهم لجميع آحاد الشيعة في مثل هذا الأمر الذي هو من باب الرئاسة والولاية العامّة ، فيما يتعلّق بمصلحة جميع المسلمين ، فتلك العمومات قاصرة عن إفادة هذا الإذن ، لظهورها بحكم التبادر في الحقوق المالية من الأعيان والمنافع ، لا فيما يشمل حقّ الولاية والرئاسة.

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ١٢٢.

(٢) الكافي ١ : ٤٠٩ ، الرواية ٥.

(٣) وسائل الشيعة ٩ : ٥٣٩ ، الباب ٣ من أبواب الأنفال ، الرواية ١٢٦٦٨ ؛ و ٥٤٩ ، الباب ٤ ، الرواية ١٢٦٨١ و ١٢٦٨٢.

١٣٩

وأمّا السلطان الجائر ، فلا ينبغي الريب في حرمة تصرّفه وتقبيله ، ولعلّه إجماعي ، كما حكاه بعضهم ، كيف وهو حقّ الإمام ، وقد تولّاه غصبا وعدوانا ، مانعا لمستحقّه وأهله عنه ، فما في الكفاية ـ من منع الحرمة بعدم ثبوتها إذا كان غرضه جمع حقوق المسلمين ـ في غاية الحزازة ، فإنّ أصل الجمع حقّ إمام المسلمين أيضا ، لا يجوز لغيره التصدّي له إلّا بإذنه ، بل لو سلّم الإذن ، فالحكم بجواز عمل الجائر مشكل أيضا ، لاختلاف وجوه العمل وأحكامه باختلاف النيّات ، ومن الظاهر أنّ عمل الجائر ليس من باب الوكالة والرخصة من صاحب الحقّ ، بل من جهة الاستحقاق والاستخلاف ، فهو متفرّع على الخلافة المغصوبة ، وجواز التقبّل منه في غير صورة الاستنقاذ وتخليصه من يد الغاصب غير مسلّم ، ولو سلّم فهو لا يستلزم جواز التقبيل له ، كما في إطعام الغاصب الطعام المغصوب لمالكه مع جهله به ، فهو خارج عن عموم حرمة المعاونة على الإثم ، مع أنّ إبقاء الجائر يده عليه إثم أيضا ، فالإثم واقع على كلّ حال.

وأمّا التقبّل من الجائر مع إمكان التصرّف لمن له الحقّ أو لنائبه ، فالحكم بجوازه مشكل أيضا ، بل الظاهر عدمه ، للأصل وعدم ثبوت المخرج ، كما قاله جمع من الأجلّة ، وفي بعض الصحاح حرمة كسب غير الشيعة ممّا في يده من الأرض (١). وما في عدّة من الروايات (٢) من جواز أخذ الخراج منه بالبيع والشراء والحوالة وغيرها ، المشعر بجواز التقبّل منه ، ظاهر الاختصاص بصورة عدم التمكّن ، كما ستعرف.

ومثلها الأخبار المجوّزة المطلقة ظاهرا بشهادة الواقع في زمن الأئمة ، بصورة عدم تمكّن الغير ، مع أنّ في دلالة أكثرها على العموم تأمّل ، لعدم كون الإطلاق فيها

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٧.

(٢) نفس المصدر ٦ : ٣٣٦ ، الرواية ٩٣٢ و ٩٣٣ ؛ و ٣٧٥ ، الرواية ١٠٩٢ و ١٠٩٤.

١٤٠