اصباح الشيعة بمصباح الشريعة

قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري

اصباح الشيعة بمصباح الشريعة

المؤلف:

قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

ولا محرم له فيهن يدفن بثيابه ، وكذا المرأة بين الرجال ، وكل قطعة من ميت لم تكن موضع الصدر ولا فيها عظم ، وكل مخالف لا تقية في ترك غسله ، ومن بجسده آفة يخاف من صب الماء عليه تقطعه فإنه ييمم ، ومن لم يتمكن من الماء في غسله ، أو منع من غسله مانع برد أو غيره ولم يتمكن من إسخان الماء في غسله ، أو منع من غسله مانع من أصحاب الماء ، والخنثى المشتبه إذا مات بعد البلوغ ييمم.

والفرض في الغسل أن يغسل ثلاث مرات على ترتيب غسل الجنابة ، وكيفيته : مستور العورة ، أولها بماء السدر والثاني بماء جلال (١) الكافور والثالث بالماء القراح ، وقيل : الواجب تغسيله مرة بماء القراح. (٢)

وأن يعقد الغاسل النية لغسله ويكون توجيهه إلى القبلة في حال الغسل ، ووقوف الغاسل على جانب يمينه ، وغمز بطنه في الغسلتين الأوليين ، والذكر والاستغفار عند الغسل ، وأن يجعل لمصب الماء حفيرة يدخل فيها ، وأن يغسل تحت سقف.

وينبغي أن يغسله أولى الناس به ، وأن يوضع على ساجة أو سرير مستقبل القبلة ، فيجعل باطن قدمي الميت إليها على وجه لو جلس لكان مستقبل القبلة ، ولا يسخن الماء لغسله إلا لبرد شديد ، ويفتق جيب قميصه وينزع من تحته ويترك على عورته ما يستره ، ويلين أصابعه إن أمكن ، ويلف الغاسل على يده اليسرى خرقة نظيفة ويغسل فرجه أولا بماء السدر والحرض (٣) ثلاثا ، ويغسل رأسه بالسدر والخطمي (٤) ويغسله برفق يبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ، وهكذا في البدن ،

__________________

(١) الجلال : الجليل وهو الجيد فهو من أوزان المبالغة في أوصاف الجودة.

(٢) سلار : المراسم : ٤٧.

(٣) الحرض : الأشنان. المصباح المنير.

(٤) الخطمي : ورق معروف يغسل به الرأس. مجمع البحرين.

٤١

ويصب الماء عليه من قرنه إلى قدمه متواليا ، في كل غسلة يبدأ بغسل فرجه ثلاثا ، وقيل : يغسله بكل واحد من المياه الثلاث ثلاث غسلات(١) ، والغاسل يغسل بعد كل غسلة يديه إلى المرفقين ، (٢) والإجانة بماء القراح (٣) ، ولا يركب الميت في حال غسله ولا يقعده ، وقد روي أنه يوضئه قبل الغسل (٤) ، وروي أنه لا يوضئه وعلى هذا عمل الطائفة لأنه كغسل الجنابة ، ومن عمل بالأول جاز ، هكذا قال الشيخ أبو جعفر (٥) ، ولا يقص شي‌ء من أظفاره ولا شعره ولا يسرح رأسه ولحيته ، وإن سقط شي‌ء من ذلك في حال غسله جعل في كفنه ، ويكثر الغاسل من ذكر الله تعالى وطلب العفو للميت ، ثم ينشفه بثوب طاهر ، ويكره أن تصب الغسالة إلى الكنيف ، وإذا لم يوجد سدر ولا كافور غسل بماء القراح ، وإذا خرج منه نجاسة بعد الغسل ، غسل ذلك الموضع فقط ، وإن أصاب الكفن قرض ذلك القدر.

الفصل الحادي عشر

إذا لم يوجد للرجل من يغسله من الرجال المسلمين غسلته زوجته أو ذوات أرحامه ، فإن لم يوجد من هذه صفته غسلته الأجانب في قميصه مغمضات ، وكذلك الحكم في المرأة إذا ماتت بين الرجال ، وقيل : إذا لم يوجد للرجل إلا الأجانب من النساء وللمرأة إلا الأجانب من الرجال دفن كل واحد منهما بثيابه من غير غسل ، (٦) والأول أحوط.

__________________

(١) لاحظ الوسيلة لابن حمزة في ضمن الينابيع الفقهية : ٢ ـ ٤٠٨.

(٢) في الأصل : من المرفقين.

(٣) الإجانة ـ بالتشديد ـ : إناء يغسل فيه الثياب ، والجمع أجاجين. المصباح المنير.

(٤) الوسائل : ٢ ، ب ٦ من أبواب غسل الميت ، ح ١ و ٤ و ٥.

(٥) المبسوط : ١ ـ ١٧٨.

(٦) الشيخ : المبسوط : ١ ـ ١٧٥.

٤٢

والصبي والصبية إذا بلغا ثلاث سنين ، فحكمهما حكم الكبار ، وفيما دون ذلك يجوز غسل الرجل الصبية والمرأة الصبي.

إذا مات الولد في بطن أمه ولم تمت الام ولم يخرج الولد أدخلت القابلة يدها في فرجها وقطعت الصبي وأخرجته قطعا ، وغسل وحنط وجهز ، وبالعكس يشق جانب الأم ويخرج ، ويغسل الشهيد إذا حمل من المعركة وبه رمق ثم مات.

وغسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض على الكفاية.

الفصل الثاني عشر

من لمس جسد آدمي برد بالموت أو قطعة من حي قطعت وفيها عظم ـ ولم يغسل بعد ـ وجب عليه الغسل ، فإن مسه قبل برده غسل يده لا غير ، ولا بد مع هذا الغسل من الوضوء لمستبيح الصلاة ، وقال المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ : الأقوى أن هذا الغسل سنة (١) وعمل الطائفة وفتواهم على الأول.

الفصل الثالث عشر

المحتضر يجب أن يوجه إلى القبلة ، بأن يضجع على ظهره بحيث تكون رجلاه تلقاءها ، حتى لو وقف لكان متوجها إليها توجيهه في الصلاة ، وندب إلى أن يحضر بالقرآن (٢) وإذا تعصب عليه خروج نفسه نقل إلى مصلاه ، ويلقن الشهادتين وأسماء الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ وكلمات الفرج ، وتغمض عيناه ، وإذا قضى نحبه أطبق فوه ومد يداه وساقاه وشد لحية (٣) ، وغطي بثوب ، وإن كان ليلا أسرج

__________________

(١) نقله عنه الشيخ في الخلاف كتاب الطهارة ، المسألة ١٩٣.

(٢) في « س » : بالقراء.

(٣) في « س » : لحييه.

٤٣

عنده مصباح إلى الصباح ، ويهتم بالأخذ في أمره ، ويمنع الجنب والحائض من الدخول عليه ، ولا يترك وحده ، ولا يوضع على بطنه حديد.

الفصل الرابع عشر

وإذا غسل ، كفن ، وفي التكفين فرض ونفل.

فالفرض : تكفينه في ثلاثة أثواب مع القدرة : مئزر وقميص وإزار ، وإمساس شي‌ء من الكافور مساجده إن وجد.

وأما الندب : فأن يوضع على فرجيه قطن عليه ذريرة (١) ، ثم يشد بخرقة إلى وركيه ، وقيل : يعدله مقدار رطل من القطن ليحشى به المواضع التي يخشى خروج شي‌ء منها (٢) ، ويكثر ذلك لقبل المرأة ، وتزاد للرجل لفافتان ويعمم بعمامة ، ويشد ثديا المرأة إلى صدرها بخرقة ، ويكون طول ما يشد به الفخذان ثلاثة أذرع ونصفا في عرض شبر ، وإحدى اللفافتين حبرة (٣) عبرية غير مطرزة بالذهب أو الحرير ، ويزاد للمرأة لفافتان والزائد على ذلك سرف ، وعند الضرورة يكفي ما يستره.

ولا يجوز الكفن في الحرير المحض ولا بالمصبغ وبما فيه ذهب ، ويكره فيما خلط فيه الغزل بالإبريسم ، وفي الكتان وفي السواد ، ولا بأس بالقميص المخيط إذا فقد غيره ، ويقطع أزراره دون أكمامه ، وإنما يكره الأكمام فيما يبتدأ به منه.

وتفرش الحبرة وفوقها الإزار وفوق الإزار القميص ، وينثر على كل واحد شي‌ء

__________________

(١) الذريرة : نوع من الطيب ، قال الزمخشري : هي فتات قصب الطيب ، وهو قصب يؤتى به من الهند ، كقصب النشاب. المصباح المنير.

(٢) القاضي : المهذب : ١ ـ ٥٦.

(٣) الحبرة ـ بكسر الحاء وفتح الباء وزان عنبة ـ : ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط. المصباح المنير لاحظ في تفصيل معاني هذه الألفاظ ، كتاب الجواهر : ٤ ـ ٢١٩ ـ ٢٢٠.

٤٤

من الذريرة المعروفة بالقمحة ، ويكتب على ثلاثتها وعلى العمامة الشهادتان والإقرار بالأئمة الحجج من آل محمد بتربة الحسين ـ عليهم‌السلام ـ ، وإن لم توجد فبالإصبع لا بالسواد ، وإذا لم يوجد الحبرة أبدل منها لفافة أخرى.

ويكره قطع الكفن بالحديد بل يخرق ويخاط بخيوط منه ولا يبل بالريق.

ويعد من الكافور الذي لم تمسه النار ثلاثة عشر درهما وثلث أو أربعة مثاقيل أو درهم ، وإن لم يوجد أصلا دفن بغيره ، ولا يخلط بالكافور شي‌ء من الطيب (١) وخاصة المسك ، وتؤخذ جريدتان خضراوان من النخل ، وإلا فمن السدر ، وإلا فمن الخلاف ، وإلا فمن شجر آخر رطب بقدر عظم الذراع ، ويلف عليهما شي‌ء من القطن ، ويكتب عليهما ما كتب على الكفن.

وينبغي أن يكون الإزار عريضا يبلغ من صدره إلى الرجلين ، ويسحق الغاسل الكافور بيده (٢) لا بغيرها ، ويضعه على مساجده ، وجبهته ، وباطن كفيه ، يمسح به راحتيه ، وأصابعهما ، وعيني ركبتيه ، وظاهر أصابع قدميه ، دون سمعه وبصره وفيه ، فإن فضل شي‌ء جعله على صدره.

ويضع إحدى الجريدتين من جانبه الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده ، والأخرى من الأيسر ما بين القميص والإزار ، ثم يأخذ وسط العمامة فيلفها على رأسه بالتدوير ويحنكه بها ، ويطرح طرفيها جميعا على صدره ، ولا يعممه عمة الأعرابي بلا حنك ، ثم يلفه في اللفافة (٣) فيطوي جانبها الأيسر على جانبها الأيمن ، وجانبها الأيمن على جانبها الأيسر وكذلك يصنع بالحبرة ، ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه ، ولا يقرب المحرم الكافور.

__________________

(١) في « س » : ولا يخلط الكافور بشي‌ء من الطيب.

(٢) في « س » : بيديه.

(٣) في « س » : باللفافة.

٤٥

الفصل الخامس عشر

إذا (١) كفن وصلى عليه دفن فرضا ، ويجب أن يوضع على جانبه الأيمن ، موجها إلى القبلة.

والندب أن يتبع الجنازة أو بين جنبيها ، وأن توضع الجنازة عند رجل القبر إن كان رجلا ، وقدامه مما يلي القبلة إن كانت امرأة ، ويؤخذ الرجل من قبل رأسه والمرأة بالعرض.

وأن يكون القبر قدر قامة أو إلى الترقوة ، واللحد أفضل من الشق ، وأن يكون اللحد واسعا ، مقدار ما يجلس فيه الجالس ، والذكر عند تناوله وعند وضعه في اللحد ، ويكره الركوب خلف الجنازة مختارا.

وندب المشيع أن يحمل الميت من أربع جوانبه يبدؤه بمقدم السرير الأيمن يمر معه ، ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر ، فيأخذ رجله الأيسر ، ويمر معه إلى أن يرجع إلى المقدم دور الرحا ، ويكره الإسراع بالجنازة بلا عذر ، ولا يفدح (٢) في القبر دفعة واحدة بل يجاء به إلى شفيره بثلاث دفعات.

وينزل إلى القبر الولي أو من يأمره ، ولا ينزل إلى قبر المرأة إلا زوجها أو ذو رحم لها إن وجد ، وإلا فمؤمن آخر ، ومع فقد القرابة (٣) نزول امرأة أولى ، وينزل حاسرا متحفيا محلول الأزرار ، ويحل عقد الأكفان ويضع وجهه على التراب ، ويضع شيئا من تربة الحسين ـ عليه‌السلام ـ معه ، ويلقنه الشهادتين والإقرار بالنبي

__________________

(١) في الأصل : فإذا.

(٢) قال في مجمع البحرين : في حديث الميت : إذا أتيت بأخيك الميت إلى القبر فلا تفدحه أي لا تطرحه في القبر وتفجأه به وتعجل عليه بذلك ، ولكن أصبر عليه هنيئة.

(٣) في الأصل : فقد القريب.

٤٦

والأئمة ـ عليهم‌السلام ـ ، ويشرج(١) اللبن ويخرج من قبل رجل القبر ، ويطمه ويرفعه من الأرض مقدار أربع أصابع ، ويهيل (٢) التراب عليه بظهور الأكف ثلاثا من عدا ذوي الأرحام ، ولا يطرح في القبر من غير ترابه ، ويسويه ويربعه ويصب الماء عليه من عند رأسه ، ثم يدور عليه حتى يعود إلى موضع الرأس ، ويصب الفاضل على وسطه ، ويضع عند رأسه لبنة أو لوحا ، ويضع اليد عليه ويترحم عليه ، ويلقنه بعد انصراف الناس عنه وليه.

وإذا ماتت ذمية مع جنين من مسلم ، دفنت في مقبرة المسلمين لحرمة ولدها ، واستدبرت بها القبلة ليكون ولدها مستقبلها ، ومن مات في السفينة ولم يقدر على الشط ثقل وطرح في البحر ، ليرسب (٣) إلى قرار الماء بعد فعل ما يجب فعله.

ويكره التابوت ، ويكره تجصيص القبر والبناء عليه ، ويكره نقل الميت من متوفاه إلى بلد آخر إلا إلى بعض المشاهد فإنه مستحب ما لم يدفن ، وبعد الدفن فلا ، ويكره تجديد القبر بعد اندراسه.

الفصل السادس عشر

الأغسال المسنونة اثنان وثلاثون : غسل يوم الجمعة ، وليلة النصف من رجب ، وليلة السابع والعشرين منه ، ويومها ، وليلة النصف من شعبان ، وأول ليلة من شهر رمضان ، وفي صبيحتها ، وليلة النصف منه ، وليلة سبع عشرة منه ، وليلة تسع عشرة منه ، وليلة إحدى وعشرين ، وليلة ثلاث وعشرين ، وليلة الفطر ، ويوم

__________________

(١) شرج اللبن : نضده ، أي ضم بعضه إلى بعض. المصباح المنير.

(٢) هال عليه التراب يهيل هيلا وإهالة : صبه. مجمع البحرين.

(٣) رسب الشي‌ء رسوبا ـ من باب قعد ـ : ثقل وصار إلى أسفل. المصباح المنير.

٤٧

الفطر ، ويوم الأضحى ، وغسل الإحرام ، وعند دخول الحرم ، وعند دخول مكة ، وعند دخول مسجد الحرام ، وعند الوقوف بعرفات ، وعند دخول الكعبة ، وعند دخول المدينة ، وعند دخول مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعند زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة ـ عليهم‌السلام ـ ، ويوم الغدير ، ويوم المباهلة وهو الرابع والعشرين من ذي الحجة ، وعند صلاة الحاجة ، وعند صلاة الاستخارة ، وغسل من تاب وأسلم من الكفر وإن كان قد أجنب في حال كفره فالغسل واجب عليه ، وغسل قاضي صلاة الكسوف أو الخسوف إذا احترق القرص كله وتركها متعمدا ، وغسل من يسعى إلى مصلوب بعد ثلاثة أيام لرؤيته ، وغسل المولود حين ولد.

ومن اجتمع عليه أغسال مفروضة ومسنونة أجزأ عنها غسل واحد إذا نواها ، وإن نوى به الواجب أجزأ عن المسنون (١) ، وأما بالعكس فلا ، ويجب الوضوء مع جميع الأغسال ، لاستباحة الصلاة إلا الجنابة.

الفصل السابع عشر

التيمم : طهارة ضرورة لا يجوز إلا مع عدم الماء مع الطلب ، أو عدم ما يتوصل إليه من ثمن أو آلة ، أو خوف على النفس ، أو مرض يضربه (٢) أو أن يشينه أو يشوه به ، أو برد شديد يخاف معه التلف ، أو لحوق مشقة عظيمة.

ويجب طلب الماء قبل تضيق وقت الصلاة في رحله ومن أربع جوانبه مقدار رمية في الحزن ورميتين في السهل (٣) إلا عند الخوف ، وإن تيمم قبل الطلب لا يعتد به ، ومن نسي الماء في رحله وتيمم وصلى أعاد الصلاة بالوضوء إن كان فرط

__________________

(١) في « س » : عن المسنونة.

(٢) في الأصل : أو مرض مضر به.

(٣) في « س » : أو رمتين في السهل.

٤٨

بالطلب ، وإلا فلا ، ومتى كان معه ماء يسير يحتاج إليه للشرب أو كان لا يكفيه للوضوء أو الغسل تيمم ، ويجب عليه شراء الماء بأي ثمن كان إذا لم يضربه ، وييمم الميت أيضا عند بعض الأعذار ثم يتيمم من ييممه. (١)

وإذا اجتمع جنب وحائض وميت ومحدث ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ولم يكن ملكا لأحدهم ، فهم بالخيار في الاستعمال من يشاء ذلك منهم ، وإن كان ملكا لأحدهم كان أولى به ، ومن كان في بعض جسده أو بعض أعضاء طهارته جراح أو عليه ضرر في إيصال الماء إليه دون الباقي جاز له التيمم ، والأحوط أن يغسل الأعضاء الصحيحة ويتيمم ، والعاصي بسفره إذا تيمم لفقد الماء وصلى فلا إعادة عليه ، وكذلك كل من صلى بتيمم ، إلا من تعمد الجنابة على نفسه فإنه يصلي بتيمم ثم يعيد الصلاة.

ولا يجوز التيمم إلا في آخر الوقت عند الخوف من فوت الصلاة فإن قدمه على ذلك لم تصح صلاته به ، ويجوز أن يصلي بتيمم واحد صلوات كثيرة ، فرضا ونفلا ، ابتداء وقضاء بجمع أو تفريق ، ولا تنافي بين المسألتين فإن التيمم (٢) لا يجوز أن يؤدى به صلاة فريضة إلا بأن يفعل في أضيق وقت أداء فريضة يخشى فوتها إن لم يشرع فيها ، وسواء ابتدأ فعله على هذا الوجه أو استمر من حالة إلى أخرى بعد أن يكون قد فعل في الأصل على الوجه المذكور ، وعلى هذا يجوز أن يؤدي صلاة يوم وليلة بتيمم واحد بأن يتيمم (٣) عند تضيق صلاة الفجر ثم يبقى على تيممه يؤدي صلاة كل وقت عند التضيق إلى أن يؤدي العشاء الآخرة في آخر وقتها (٤) ، ولا يلزم على هذا أن يتيمم لأداء نافلة أو قضاء فرض ثم يستمر على تيممه فيؤدي به

__________________

(١) في الأصل : من يممه.

(٢) في « س » : فإن المتيمم.

(٣) كذا في الأصل ولكن في « س » : بتيمم عند تضيق.

(٤) في الأصل : في العشاء الآخرة في آخر أوقاتها.

٤٩

فريضة عند تضيقها لما سبق ، من وجوب حصول التيمم عند تضيق أداء فرض ، إما مبتدء أو مستمرا عليه ، هكذا ذكر المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ(١) وقال الشيخ أبو جعفر : متى تيمم في غير وقت فريضة حاضرة لصلاة نافلة أو لقضاء فريضة ويصلي به فريضة إذا دخل وقتها جاز لعموم الأخبار في جواز الصلوات الكثيرة بتيمم واحد. (٢)

وكل ما يستباح بالطهارة بالماء يستباح بالتيمم سواء ، ولا ينتقض تيممه بخروج الوقت ، ولا يجب استئنافه لكل صلاة ، والأفضل أن يجدد لكل صلاة.

ولا يجوز التيمم إلا بما يقع عليه اسم الأرض بالإطلاق إذا كان طيبا ، ترابا كان أو مدرا أو حجرا أو حصى ، كان عليه تراب أو لا ، ويستحب أن يكون من عوالي الأرض دون مهابطها ، ويكره بالرمل (٣) والسبخة ، ولا يجوز بالرماد والزرنيخ وغيرهما ولا من المعادن كلها ، وإذا اختلط التراب بالذريرة أو الكحل أو النورة أو المائع غير الماء ونحو ذلك لم يجز به التيمم (٤) لأنه ليس بتراب ولا أرض مطلق إلا أن يكون قدرا مستهلكا ، وقال المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ : يجوز التيمم بالجص والنورة (٥) ولا يجوز بالزرنيخ من المعادن.

وإذا أصاب الأرض بول وجففتها الشمس خاصة جاز التيمم بها.

إذا فقد الماء والتراب نفض ثوبه أو لبد دابته أو عرفها وتيمم بغبرته ، وإذا لم

__________________

(١) الناصريات في ضمن الينابيع الفقهية : ١ ـ ١٧٠ ، المسألة ٥٣.

(٢) المبسوط : ١ ـ ٣٣.

(٣) في « س » : « ويكره الرمل » والصحيح ما في المتن.

(٤) في « س » : لم يجزئه التيمم.

(٥) جمل العلم والعمل في ضمن رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة ـ ٢٦. والينابيع الفقهية : ١ ـ ١٠٠.

٥٠

يجد إلا الوحل ضرب يديه عليه وفركهما وتيمم به ، فإن لم يجد إلا الثلج يعتمد عليه حتى تتندى يده ويتطهر ، فإن لم يتمكن من ذلك أخر الصلاة إلى أن يجد الماء أو التراب.

ويبدأ قبل التيمم بالاستنجاء والاستبراء وينشف مخرج البول بالأحجار أو الخرق وما يشبه ذلك ، وإذا لم يجد ما يزيل به النجاسة عن بدنه تيمم وصلى وأعاد ، ولا ينوي بالتيمم رفع الحدث لأنه لا يرفعه فإن نوى ذلك لم يجز له الدخول به في الصلاة ـ كذلك ذكره الشيخ ـ (١) بل ينوي به استباحة الصلاة ، وإذا تيمم الجنب بنية أنه يتيمم بدلا من الوضوء لم يجز له الدخول في الصلاة ، لأن النية الواجبة ما حصلت فيه.

وكيفيته أن يضرب يديه على الأرض مفرجا أصابعه ، وينفضهما ويمسح إحداهما بالأخرى ، ثم يمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه ، ثم يضع كفه اليسرى على ظهر كفه اليمنى ويمسح بها من الزند إلى أطراف الأصابع ، ثم يضع بطن اليمنى على ظهر اليسرى كذلك ، هذا إذا كان بدلا من الوضوء ، وإن كان بدلا من الغسل ضرب ضربتين واحدة للوجه والأخرى لليدين ، والباقي سواء ولا تكرار فيه ، قال المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ : وقد روي أن الضربة الواحدة للوجه واليدين تجزي في كل حدث. (٢)

ويجب فيه الترتيب والموالاة. والتيمم مع ترك شي‌ء من موضع المسح قليلا كان أو كثيرا لا يجزي ، ويسقط فرض التيمم من مقطوع اليدين من الذراعين ، ويستحب له مسح ما بقي.

__________________

(١) المبسوط : ١ ـ ٣٤.

(٢) جمل العلم والعمل في ضمن رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة ـ ٢٥ والينابيع الفقهية : ١ ـ ١٠١.

٥١

ونواقضه نواقض الوضوء سواء ، والتمكن من استعمال الماء فإن المتيمم إذا وجد الماء ولم يتوضأ ثم عدمه وأراد الصلاة استأنف التيمم وإن لم يحدث عن الأول ، فإن وجد الماء بعد الشروع في الصلاة بتكبيرة الإحرام مضى فيها ولا يجب الرجوع عنها ، ويستحب الرجوع قبل الركوع ، فأما بعده فلا يجوز.

إذا وجد الماء وهو في الصلاة فلما فرغ من الصلاة فقد الماء ، استأنف التيمم لما يستأنف من الصلاة احتياطا ، لأن تيممه قد انتقض في حق الصلوات المستقبلة.

إذا تيمم من الجنابة ثم أحدث بما ينقض الوضوء ووجد من الماء ما يكفيه للوضوء أعاد التيمم ولم يتوضأ.

ومن احتلم في المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخرج منهما ألا بعد أن يتيمم ، ويجوز أن يتيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء.

المسافر إذا جامع زوجته ولم يجد من الماء ما يغسلان به الفرج تيمما وصليا ولا إعادة عليهما ، لقوله تعالى ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ). (١) ولم يفصل ، والأحوط وجوب الإعادة عليهما.

الفصل الثامن عشر

النجاسات : هي الدم إلا دم البق والبرغوث (٢) والسمك ، والبول ، والغائط مما لا يؤكل لحمه ، والمسكر ، والفقاع ، والمني من سائر الحيوان ، وذرق الدجاج ، وبول الخفاش (٣) خاصة من الطيور ، ولعاب الكلب والمسوخ والمسوخ أنفسها

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) في « س » : والبراغيث.

(٣) وفي الأصل : الخشاف ـ بالشين قبل الفاء كرمان ـ : هو الخطاف أعني الطائر بالليل ، سمي به لضعف بصره. وعن الصنعاني : هو مقلوب ، وبتقديم الشين أفصح. مجمع البحرين.

٥٢

كلها(١) ، والكلب والخنزير والثعلب ، والأرنب والوزغة والعقرب والفأرة ، والكافر ومن هو في حكمه ، والميت إلا ميتة ما لا نفس له سائلة (٢) ، وعرق الجنب من الحرام ، وعرق الإبل الجلالة ، وعظم نجس العين خاصة كالكلب والخنزير ، وكل ماء ناقص عن كر غسلت به النجاسة أو لاقاه نجس ، وكل مائع لاقاه نجس.

أما الدم فثلاثة :

أحدها : يجب إزالة قليله وكثيره ، وهو دم الحيض والاستحاضة والنفاس.

والثاني : لا يجب إزالة قليلة ولا كثيرة ، وهو دم البق والبرغوث والسمك والجروح اللازمة والقروح الدامية. (٣)

والثالث : يجب إزالته إذا بلغ مقدار درهم واف وهو المضروب من درهم وثلث فصاعدا دون ما نقص منه ، وهو دم سائر الحيوان سواء كان في موضع أو في مواضع ، وإن قلنا : إذا كان جميعه لو جمع كان مقدار الدرهم وجب إزالته ، كان أحوط للعبادة.

وكل مسكر والفقاع والمني من كل حيوان والبول والغائط إلا ما يؤكل لحمه سوى ذرق الدجاج يجب إزالة قليل ذلك وكثيره.

وما يكره لحمه يكره بوله وروثه كالبغال والحمير والدواب وقيل : بنجاستها أيضا (٤).

وبول الطيور كلها معفو عنه سواء أكل لحمها أو لا ، إلا بول الخفاش فإنه نجس.

__________________

(١) كذا في الأصل ولكن في « س » : « ولعاب الكلب والمسوخ أنفسها كلها » والصحيح ما في المتن.

(٢) وفي « س » : « والميت الآدمي وما لا نفس له سائلة » والصحيح ما في المتن.

(٣) في الأصل : والجرح اللازم والقرح الدامي.

(٤) الشيخ : النهاية ـ ٥١ ، وابن الجنيد لاحظ المختلف : ١ ـ ٤٥٧ ، الطبع الحديث.

٥٣

وبول الصبي قبل أن يطعم يكفي أن يصب الماء عليه ، بخلاف بول الصبية إذا لا بد من غسله كبول غيرها.

ولعاب الكلب والمسوخ مما يجب إزالة قليله وكثيره ، وما مسه الكلب والخنزير والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة بسائر أبدانها إذا كانت رطبة أو أدخلت أيديها وأرجلها في الماء ، وجب غسل الموضع وإراقة ذلك الماء ، ولا يراعى في غسله العدد لأن العدد يختص الولوغ ، وإن كان يابسا رش الموضع بالماء ، فإن لم يتعين الموضع غسل الثوب كله أو رش ، وكذا من مس أحد هذه الأشياء بيده رطبا وجب غسل يده ، وإن كان يابسا مسحه بالحائط أو التراب ، وقد رويت (١) رخصة في استعمال ما شرب منه سائر الحيوان في البراري سوى الكلب والخنزير ، وما شربت منه الفأرة في البيوت والوزغ أو وقعا فيه فخرجا حيين ، لأنه لا يمكن التحرز من ذلك ، وحكم الذمي والمحكوم بكفره والناصب المعلن بذالك حكم الكلب.

وإن أصاب ثوبه جيفة إنسان قبل الغسل وجب غسل ذلك الموضع ، فإن لم يتعين غسل الكل ، وإن مسحه بيده أو قطعة منه وفيه عظم قبل الغسل وجب الغسل كما سبق ، وإن لم يكن في القطعة عظم أو كان الميت من غير الناس غسل ما مسه به لا غير ، وما عرق فيه الجنب من حرام يجب غسله ، وعرق الإبل الجلال يجب إزالته.

والماء الذي ولغ فيه الكلب والخنزير إذا أصاب الثوب وجب غسله ، وإن أصابه من الماء الذي يغسل به الإناء لا يجب غسله سواء كان من الغسلة الأولى أو الثانية ، وإن قلنا إنه يغسل من الغسلة الأولى كان أحوط ، وإذا أصاب الثوب أو البدن نجاسة يابسة لم يجب الغسل ، وإنما ندب إلى مسح اليد بالتراب أو نضح الثوب.

__________________

(١) لاحظ التهذيب : ١ ـ ٢٢٥ ح ٦٤٧.

٥٤

إذا أصاب الأرض أو الحصير أو البارية (١) خاصة بول وجففته الشمس طهر وجاز السجود عليه والتيمم منه ، وإن جفف بغير الشمس لم يجز.

وما لا نفس له سائلة من الحيوان لا ينجس الثوب والبدن والمائع والماء بموته فيه وإن تغير أوصاف الماء به سوى الوزغ والعقرب فإنه يستحب إراقة ما يموتان فيه.

ويستحب إزالة الطين الذي أتى عليه ثلاثة أيام في الطريق ولم يعلم فيه نجاسة.

وما يستنجى به من الماء أو يغتسل به من الجنابة إذا رجع إلى الثوب لا يجب إزالته إلا إذا كان رجوعه بعد وقوعه على نجاسة.

وما استعمله شارب مسكر أو فقاع ولم يعلم أنه أصابه شي‌ء من ذلك ندب إلى غسله. إذا شك هل حصل النجاسة أم لا ولم يتحقق فالأصل الطهارة.

إذا صب الماء على ثوب نجس وتحته إجانة فجرى الماء إليها لا يجوز استعماله.

إزالة المذي والوذي ندب غير واجب ، وقيل : إن القي‌ء والقيح والصديد نجس. (٢) والظاهر الشائع بخلافه.

وما لا يتم الصلاة فيه منفردا كالخف والجورب والتكة والقلنسوة لم يجب

__________________

(١) البارية : الحصير الخشن. مجمع البحرين.

(٢) الصديد : الدم المختلط بالقيح ، وقال أبو زيد : هو القيح الذي كأنه الماء في رقته والدم في شكله. المصباح المنير. قال الشيخ في المبسوط : ١ ـ ٣٨ : والقي‌ء ليس بنجس ، وفي أصحابنا من قال : هو نجس ، والصديد والقيح حكمهما حكم القي‌ء سواء. انتهى.

أقول : وفي هامشه نقل عن المختلف انه قال : لا اعرف فيه مخالفا إلا ابن الجنيد.

٥٥

إزالة النجاسة منه للصلاة وإن كان ذلك أفضل.

ومربية الصبي إذا لم تملك إلا ثوبا واحدا فينجس (١) ولا يمكنها التحرز منه غسلته كل يوم مرة وصلت فيه ، وقال صاحب المراسم : غسل الثوب من ذوق الدجاج وعرق الجلال من الإبل وعرق الجنب من حرام ندب (٢) وقد قال الشيخ أبو جعفر ـ رضي‌الله‌عنه ـ في هذا الأخير : يقوى في نفسي أن ذلك تغليظ في الكراهية دون فساد الصلاة لو صلى فيه. (٣)

إذا جبر عظم بعظم حيوان نجس العين خاصة ، كالكلب والخنزير يجب قلعه إن لم يؤد إلى مشقة عظيمة أو خوف على النفس ، فإن لم يقلعه وصلى بطلت صلاته لأنه حامل النجاسة ، وإن أدى إلى ذلك لم يجب قلعه ، ولا يجوز أن يحمل في الصلاة قارورة فيها نجاسة مشدودة الرأس.

جلد الميتة (٤) لا ينتفع به قبل الدباغ ولا بعده ، سواء كان جلد ما يوكل لحمه أو لا يؤكل ، وما لا يؤكل لحمه إذا ذكي لا ينتفع بجلده إلا بعد الدباغ إلا الكلب والخنزير فإنهما لا يطهران ، ولا يجوز الانتفاع بهما وإن ذكيا ودبغا.

والشعر والصوف والوبر من الميتة طاهر إذا جز ، وشعر الكلب والخنزير لا ينتفع به ولا يطهر بالغسل وغيره.

__________________

(١) كذا في الأصل ولكن في « س » : فتنجس.

(٢) سلار : المراسم : ٥٦.

(٣) المبسوط : ١ ـ ٩١.

(٤) في « س » : جلد الميت.

٥٦

كتاب الصلاة

الصلاة في الشرع أفعال مخصوصة ، من قيام وركوع وسجود ، مع أذكار مخصوصة ، ولها مقدمات يجب على المكلف بها معرفتها وهي الطهارة ، وأعداد الصلاة ، والوقت ، والقبلة ، واللباس ، والمكان ، والمسجد ، وستر العورة ، وتطهير الثوب والبدن ، والمندوب من المقدمة ، الأذان والإقامة.

الفصل الأول

الصلاة ضربان (١) مفروض ومسنون ، فالمفروض قسمان : ما يجب بإطلاق الشرع ، وما يجب عند سبب ، إما من جهة المكلف كصلاة النذر ، وإما غير متعلق به كصلاة الكسوف والعيدين ، وما يجب بالإطلاق فالصلوات الخمس وشرائط وجوبها البلوغ وكمال العقل. لأن غير البالغ لا تجب الصلاة عليه وإنما يؤخذ به بعد ست سنين تمرينا وتعليما ، وغير كامل العقل لا تجب الصلاة عليه وإن بلغ.

ومن شرط وجوبها على المرأة أن تكون طاهرا من حيض.

__________________

(١) في « س » : على ضربين.

٥٧

الفصل الثاني

الصلاة قسمان : سفري وحضري.

ففرائض الحضر سبع عشرة ركعة : الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، كل واحدة أربع ، والمغرب ثلاث ، والفجر ركعتان ، ونوافل الحضر أربع وثلاثون : ثمان للظهر ، وثمان للعصر ، وأربع للمغرب ، وركعتان من جلوس للعشاء الآخرة ، وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل ، وركعتان للفجر.

وفرائض السفر إحدى عشرة ركعة ، كل واحد من الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتان ، والباقي كما في الحضر ، ونوافل السفر سبع عشرة ركعة ، يسقط ما للظهر والعصر والعشاء الآخرة ، وللصلاة أقسام أخر تأتي بعد.

الفصل الثالث

لوقت كل صلاة أول وهو وقت من لا عذر له ، وآخر وهو وقت من له عذر ، والعذر إما سفر ، أو مطر ، أو مرض ، أو شغل يضر تركه دينا أو دنيا ، أو ضرورة كالكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ ، والحائض إذا طهرت والمجنون أو المغمى عليه إذا أفاق.

إذا زالت الشمس فقد دخل وقت فريضة الظهر ، ويختص به مقدار أداء أربع ركعات ، ثم يشترك بينه وبين العصر إلى أن يصير ظل كل شي‌ء مثله ، وروي : حتى يزيد (١) الظل على أربعة أقدام ، وهو أربعة أسباع الشخص المنتصب ، ثم يختص بالعصر إلى أن يصير ظل كل شي‌ء مثليه ، وحينئذ فات وقت العصر للمختار ، فأما للمضطر فمشترك فيه إلى أن يبقى من النهار مقدار [ أداء ] (٢) أربع

__________________

(١) في الأصل : حتى زيد.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في « س ».

٥٨

ركعات فحينئذ اختص بالعصر.

وقيل : إن هذا أيضا وقت المختار (١). فإن لحق ركعة من العصر قبل غروب الشمس لزمه العصر كلها ويكون مؤديا لجميعها ، وقيل : يكون قاضيا لجميعها ، (٢) وقيل : يكون قاضيا لبعضها ، والأول الظاهر من المذهب.

وإن لحق أقل من ركعة يكون قاضيا بلا خلاف ، وإذا لحق من النهار مقدار ما يصلي فيه خمسة ركعات يجب عليه الصلاتان معا ، فإن لحق أقل من خمسة (٣) لم يلزمه إلا العصر ، وينبغي أن يلحق زائدا على ذلك مقدار ما يمكنه الطهارة ، فإن لحق مقدار ما يتطهر فيه من غير تفريط فيخرج الوقت لم يلزمه القضاء.

ويعتبر زيادة الفي‌ء من الموضع الذي انتهى إليه الظل دون أصل الشخص ، فأما حيث لا ظل للشخص فيه أصلا مثل مكة وما أشبهها فإنه يعتبر الزوال بظهور الفي‌ء ، فإذا (٤) ظهر دل على الزوال ، فإن كان حيث للشخص فيه في‌ء فيعرف الزوال بأن ينصب الشخص ، فإذا ظهر له ظل في أول النهار فإنه ينقص مع ارتفاع الشمس إلى نصف النهار ، فإذا وقفت وقف الفي‌ء. فتعلم على الموضع ، فإذا زالت رجع الفي‌ء إلى الزيادة ، وقد روي أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل القبلة ووجد الشمس على حاجبه الأيمن علم أنها زالت (٥) ، فأما اعتبار الذراع والقدم والقامة وما أشبه ذلك من الألفاظ المروية فإنما هي لتقرير النافلة ، فإن النافلة يجوز تقديمها هذا المقدار ، فإذا بلغ ذلك القدر كانت البدأة بالفرض أولى.

وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس بأن يراها غابت عن العين والسماء

__________________

(١) وهما خيرة المرتضى ، انظر الخلاف ، كتاب الصلاة ، المسألة ٤.

(٢) وهما خيرة المرتضى ، انظر الخلاف ، كتاب الصلاة ، المسألة ١١.

(٣) في « س » : خمس.

(٤) في الأصل : فإنه إذا.

(٥) لاحظ المبسوط : ١ ـ ٧٣.

٥٩

مصحية(١) ولا حائل بينه وبينها ، وفي أصحابنا من يراعي زوال الحمرة من ناحية المشرق (٢) وهو أحوط ، فإذا غابت عن البصر ورأى ضوءها على جبل يقابلها أو مكان عال كمنارة الإسكندرية مثلا فإنه يصلي على القول الأول ، ولا يجوز على الثاني حتى تغيب في كل موضع ، وآخره غيبوبة الحمرة من ناحية المغرب للمختار ، ووقت الضرورة يمتد إلى ربع الليل.

وأول وقت العشاء الآخرة غيبوبة الحمرة من المغرب ، وآخره ثلث الليل للمختار ، وللمضطر نصف الليل ، وقيل : إلى طلوع الفجر (٣) وقيل : إذا غابت الشمس يختص المغرب مقدار ما يصلى فيه ثلاث ركعات ، وما بعده مشترك بينه وبين العشاء الآخرة إلى أن يبقى إلى آخر الوقت مقدار ما يصلى فيه أربع ركعات ، فيختص بالعشاء الآخرة (٤) ، والأول أظهر وأحوط.

وأول وقت صلاة الصبح إذا طلع الفجر الثاني المعترض في أفق السماء ، وآخره طلوع الحمرة من ناحية المشرق للمختار ، وطلوع الشمس للمضطر.

ووقت نوافل الزوال من بعد الزوال إلى أن يبقى إلى آخر الوقت مقدار ما يصلى فيه فريضة الظهر ، ووقت نوافل العصر ما بين الفراغ من فريضة الظهر إلى خروج وقته للمختار ، ولا يجوز تقديم نوافل النهار قبل الزوال إلا يوم الجمعة ، ووقت نوافل المغرب عند الفراغ من فريضته ، ووقت الوتيرة بعد الفراغ من فريضة العشاء الآخرة ، ويختم الصلاة بالوتيرة ، ووقت صلاة الليل بعد انتصاف الليل إلى

__________________

(١) الصحو : ذهاب الغيم يقال : أصحت السماء أي انقشع عنها الغيم فهي مصحية. مجمع البحرين.

(٢) قال في مفتاح الكرامة : إجماعا كما في السرائر ، وعليه عمل الأصحاب كما في المعتبر ، وهو المشهور كما في كشف الالتباس. لاحظ مفتاح الكرامة : ٢ ـ ٢٥.

(٣) في هامش المبسوط : ١ ـ ٧٥ : قال الشهيد في الذكرى : إنه يظهر من الصدوق في الفقيه ، واختاره في الخلاف لذوي الأعذار. لاحظ الخلاف : كتاب الصلاة ، المسألة ١٣.

(٤) نقله في المبسوط : ١ ـ ٧٥ عن بعض أصحابنا.

٦٠