اصباح الشيعة بمصباح الشريعة

قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري

اصباح الشيعة بمصباح الشريعة

المؤلف:

قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

١
٢

تقديم :

بقلم : جعفر السبحاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الشريعة الاسلامية

أو

رجة البعث في الحياة البشرية

بعث النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتاب مبين ، وسنة زاهرة ، وشريعة جامعة ، فأخدت رجة في الكافة جوانب الحياة الانسانية ، ولم يبق مظهر للحياة إلا اهتز وظهرت معالم التطور فيه.

كانت الشريعة الاسلامية زلزالا في حقل الدين والعقيدة فعصفت بالشرك وجعلت من الانسان المشرك ، موحدا ضحى بنفسه ونفيسه في سبيل التوحيد ومكافحة الوثنية.

كانت زلزالا في جانب العادات والتقاليد والآداب والأخلاق ، فقد أبادت الرسوم الجاهلية وذهبت بأعرافها فأصبح الانسان العاكف للخرافات الموروثة من الآباء الجاهلين ، فردا موضوعيا رافضا لما يخالف الفطرة والعقل السليم.

كانت هزة عنيفة في مجال العلم والمعرفة بعالم الوجود وفسيح الكون وقد دعت إلى النظر في بديع الصنع وخاطبت الانسان بقوله : « قل انظروا ماذا في السماوات والأرض » ( يونس ـ ١٠١ ) ، فعاد الجاهل عالما بالسنن الكونية ، سابحا في بحار المعرفة بتأسيسه علوما وفنونا لم يكن لها مثيل ، كما أكمل فنونا موروثة من المتقدمين.

٣

ومن أعجب ما أحدثته في الحياة الانسانية تشريع أسس ونظم في حقل التكاليف والحقوق مبنية على الفطرة والخلقة البشرية لا تحيد عنها قيد شعرة ، ولم يرتحل صاحب الدعوة وحامل الشريعة حتى أرسى دعائم أعظم حضارة عرفتها البشرية فكان رائدها وموجدها حيث لم ير التاريخ مثلها فيما عبر وغبر في الشمولية والعمومية. فصارت الشريعة الاسلامية كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، وصار المسلمون مراجع في الكلام والعقيدة ، وأساتذة في الأخلاق وعباقرة العلوم ، وعلماء شامخين في الوظائف والحقوق ، استغنوا في ظل التشريع الاسلامي عن أي تشريع سواه. ومن مميزاتها البارزة شموليتها وعموميتها بحيث لم يبق موضوع إلا وتناولته تشريعا وتقنينا ، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن الشريعة الاسلامية ليست وليدة الفكر البشري المتناهي وإنما هي أثر العلم والقدرة الواسعين غير المتناهيين.

حفاظ الشريعة وحملتها :

لبى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوة ربه وترك كنزين ثمينين ووديعتين كريمتين عرفهما في حديثه الخالد المعروف بحديث الثقلين وقال : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي فكان الكتاب شمسا ساطعة ، والعترة الطاهرة أقمارا منيرة أناروا الطريق للمهتدين.

ومن حسن الحظ أنّ جيلا كبيراً من الأمة الإسلامية قد استضاءوا وبنورهم ووصلوا القمة في مجال العلم والعمل، ومعالم الفقه الفقه ومكارم الأخلاق ، فصاروا نجوماً في سماء العلم يهتدي بهم الناس في حياتهم فحملوا الشريعة دقيقها وجليلها إلى لا الآخرين إلى أن تواصلت حلقات العلم والحديث والتفسير والفقه إلى العصر الحاضر.

فسلام الله على العترة الطاهرة حملة السنة النبوية وحفظة الشريعة ، وعلى أصحابهم المتربين في حجورهم الطاهرة ، الحافظين لعلومهم وأسرارهم ، والناقلين لأمانتهم إلى الأجيال اللاحقة ، فهم كما قال رسول الله : يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد (١)

ولو عرضنا أسماء من تخرجوا من مدرستهم في القرون الاسلامية الأولى وبالأخص في

__________________

(١) رجال الكشي : ١٠.

٤

القرن الثاني والثالث لطال بنا الكلام وطال موقفنا مع القراء الكرام ، وبما أن مولف هذا الكتاب من أبطال القرن السادس ومن كبار المجتهدين على مذهب العترة الطاهرة في ذلك العصر ، نذكر أسماء مشاهير فقهاء ذلك القرن من الامامية بوجه موجز مقتصرا على اسمهم وعصرهم ، كي يفف القاريء الكريم على أنّ الفقه الشيعي الإمامي قد بلغ القمة في تلك العصور ونبغ فيها فطاحل القفه وأبطال الاجتهاد عندما تجمد الفقه وانحسر على التطور في مذهب الجمهور ، فلو كان القرن السادس والسابع عصر ازدهار الفقه الشيعي وتطوره ، وقد كثر الفقهاء والمحققون في الفقه فيهما ، كما كثر التأليف أيضاً بمختلفون الألوان وشتى الوجوه ، وإليك قائمة مشاهير الفقهاء في القرن السادس :

١ ـ الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي المجاز عن والده شيخ الطائفة في سنة ٤٥٥ ه‍. الراوي عن والده وعن سلار الديلمي ( ت ٤٦٣ ه‍ ) ويروي عنه جمع كثير ، منهم : أبو الرضا فضل الله بن علي الراوندي وكان حيا عام ٥١٥ ه‍.

٢ ـ الامام فضل الله بن علي بن هبة الله المعروف بالسيد الامام ضياء الدين أبي الرضا الحسني الراوندي الكاشاني ، جمع مع علو النسب ، كمال الفضل والحسب ، وكان أستاذ أئمة عصره ، كان حيا سنة ٥٤٨ ه‍.

٣ ـ الإمام الطبرسي : الفضل بن الحسن بن الفضل ( ٤٧١ ـ ٥٤٨ ه‍ ) صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن وهو غني عن التعريف وآراؤه في الفقه معروفة.

٤ ـ الحسين بن علي بن محمد جمال الدين أبو الفتوح النيسابوري الخزاعي ، نزيل الري صاحب التفسير الكبير باسم روض الجنان من مشايخ ابن شهرآشوب وكان حيا عام ٥٥٢ ه‍.

٥ ـ الامام قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي مولف فقه القرآن المتوفى ٥٧٣ ه‍.

٦ ـ عبد الله بن حمزة بن عبد الله حمزة أستاذ مولف هذا الكتاب قطب الدين الكيدري ، وستوافيك اجازته للمترجم.

٧ ـ عبد الله بن علي بن زهرة أخو أبي المكارم صاحب الغنية ( ٥٣١ ـ ٥٨٠ ه‍ ) له التجريد لفقه الغنية عن الحجج والأدلة وغيره.

٨ ـ الشيخ الامام رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب ( ٤٨٨ ـ ٥٨٨ ه‍ )

٥

صاحب المناقب والمتشابهات.

٩ ـ حمزة بن علي بن زهرة المعروف ب‍ ابن زهرة ( ٥١١ ـ ٥٨٥ ه‍ ) له غنية النزوع في علمي الأصول والفروع فقيه شهير.

١٠ ـ محمد بن المنصور المعروف ب‍ ابن إدريس العجلي ( ٥٤٣ ـ ٥٩٨ ه‍ ) صاحب كتاب السرائر والحاوي لتحرير الفتاوي ، أحد الفقهاء الكبار المعروف بالجرأة على الخلاف.

١١ ـ سديد الدين محمود بن علي بن الحسن ، علامة زمانه في الأصولين ، له المصادر في أصول الفقه توفي سنة ٦٠٠ ه‍.

١٢ ـ علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي مولف كتاب إشارة السبق المحقق المنتشر أخيرا. هؤلاء نماذج من مشاهير فقهاء القرن السادس الذي نبغ فيه شيخنا المؤلف قطب الدين الكيدري البيهقي ، وإليك ترجمته حسب ما وقفنا عليه في كتب التراجم وغيرها.

الإقليم الخصب بالمواهب والصلاحيات :

إن إقليم خراسان إقليم خصب ، بالمواهب والاستعدادات ، وتربة طيبة صالحة لانبات الأشجار اليانعة والأزاهير المتفتحة ، والمزارع الباهرة ، ولم تقتصر قابليتها على انتاج المواهب الطبيعية ، بل كانت ولم تزل تربي في أحضانها رجالا كبارا وأدمغة جبارة كانوا مصادر العلم والحديث ، ومفاتيح الخطابة والمحاضرة ، ومعاقل الفكر والتيارات الكلامية.

ولقد كانت هذه المنطقة في القرن السادس ولا سيما منطقة بيهق بيئة شيعية ، خرج منها أفذاذ من الفقهاء والعلماء منهم الشيخ قطب الدين البيهقي الذي نحن بصدد ترجمته.

قال في معجم البلدان : وقد أخرجت هذه الكورة من لا يحصى من الفضلاء والعلماء والفقهاء والأدباء ومع ذلك والغالب على أهلها مذهب الرافضية (١).

حياة المؤلف ومشايخه ومؤلفاته :

هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن تاج الدين الحسن بن زين الدين محمد بن الحسين بن أبي المحامد البيهقي النيسابوري.

__________________

(١) ياقوت الحموي : معجم البلدان : ١ / ٥٣٨.

٦

كل من ذكر شيخنا المترجم له فقد أطراه وأثنى عليه ، وإن كان ما ذكر في حقه من الكلمات لا تستطيع أن ترسم لنا حياته من شبابه إلى شيخوخته ، أو تحدد ميلاده ووفاته ، أو تضبط مشايخه في الرواية والدراسة ، وتلامذته والرواة عنه ، ومع هذا النقص الذي ابتلى به كثير من أكابر الطائفة نذكر ما عثرنا عليه من الكلمات في حقّه :

١ ـ قال الشيخ الحر العاملي : الشيخ قطب الدين محمد بن الحسين بن أبي الحسين القزويني فقيه صالح ، قاله منتجب الدين (١).

٢ ـ قال السيد بحر العلوم : محمد بن الحسين بن أبي الحسين بن أبي الفضل القزويني المعروف ب‍ قطب الدين القزويني ، فقيه فاضل من أهل بيت العلم والفقه ، ذكره الشيخ منتجب الدين وذكر أباه وأخويه ـ إلى أن قال : ـ ولعل الشيخ قطب الدين محمد بن الحسين القزويني المذكور ، هو الشيخ قطب الدين الكيدري المشهور أحد الفضلاء الاعلام والفقهاء المنقول عنهم الاحكام (٢).

وهذان النصان مأخوذان من عبارة الشيخ منتجب الدين وإليك نصه :

المشايخ : قطب الدين محمد ، وجلال الدين محمود ، وجمال الدين مسعود ، أولاد الشيخ الامام أوحد الدين ، الحسين بن أبي الحسين القزويني كلهم فقهاء صلحاء (٣).

غير أن في انطباق ما ذكره الشيخ منتجب الدين على شيخنا الكيدري شكا ، وذلك من جهتين :

١ ـ أنه منسوب إلى بيهق وكيدر من مضافاته ، وكلاهما في منطقة خراسان المعروف اليوم بسبزوار وبيهق وأين هما من بلدة قزوين الواقعة في غرب طهران وبين البلدين بعد المشرقين.

٢ ـ أن الشيخ الفقيه عبد الله بن حمزة من أساتذة شيخنا وقد أجاز له وذكر اسمه في إجازته هكذا : محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري البيهقي ، كما سيوافيك ، وهو يغاير الموجود في فهرست منتجب الدين. كل ذلك يورث الظن القوي بأن المترجم في الفهرست ، غير شيخنا الكيدري.

__________________

(١) الحر العاملي : أمل الآمل : ٢ / ٢٦٦ برقم ٧٧٠.

(٢) بحر العلوم : الرجال : ٣ / ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٣) منتجب الدين : الفهرست : ١٨٧ برقم ٨٩.

٧

نعم قال الحموي في معجم البلدان :

كندر : موضعان : أحدهما : قرية من نواحي نيسابور من أعمال طريثيث (١) والثاني : قرية قريبة من قزوين (٢).

ولعل صاحب المعجم لم يقف على كيدر بتاتا ، ولأجل ذلك لم يذكره في معجم البلدان وإنما ذكر كندر.

واحتمال أن كيدر مصحف كندر والمترجم من منطقة كندر في قزوين حتى ينطبق عليه ما ذكر في الفهرست بعيد جدا ، كيف وقد وصفه أستاذه ابن حمزة المشهدي بالكيدري لا بالكندري؟! كما أن العلامة الحلي أكثر عنه النقل في مختلف الشيعة وأسماه بقطب الدين الكيدري.

كل ذلك يدل على أن عبارة منتجب الدين في فهرسته لا تمت بالمترجم بصلة فلا محيص لنا من التتبع في سائر المعاجم حتى نقف على ترجمته.

٣ ـ وصفه شيخه عبد الله بن حمزة في إجازته له بقوله : الامام الاجل ، العالم الزاهد ، المحقق المدقق ، قطب الدين تاج الاسلام فخر العلماء ومرجع الأفاضل محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري البيهقي وفقه الله لما يتمناه في دنياه وعقباه (٣).

٤ ـ قال صاحب الروضات ( ت ١٣١٣ ه‍ ) :

كان من أكمل علماء زمانه في أكثر الأفنان ، وأكثرهم إفادة لدقائق العربية في جموعه الملاح الحسان (٤).

٥ ـ وقال المحدث النوري نقلا عن صاحب الرياض : إن قطب الدين يطلق على جماعة كثيرة : الأول : على قطب الدين الراوندي.

والثاني : على الشيخ أبي الحسن قطب الدين محمد بن الحسن بن الحسين الكيدري السبزواري صاحب مناهج النهج بالفارسية وغيره (٥).

__________________

(١) كذا في المصدر.

(٢) معجم البلدان : ٤ / ٤٨٢.

(٣) سوف يوافيك نص الإجازة في أثناء المقال.

(٤) الخوانساري : روضات الجنات : ٦ / ٢٩٥ رقم الترجمة ٥٨٧.

(٥) النوري : المستدرك : ٣ / ٤٤٨. ولكن الصحيح في اسمه : الحسين بن الحسن

٨

٦ ـ وقال شيخنا الطهراني : محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي الشيخ قطب الدين أبو الحسن النيسابوري الشهير ب‍ قطب الدين الكيدري شارح نهج البلاغة سنة ٥٧٦ ه‍ ، ثم ذكر تآليفه (١).

٧ ـ وقال المحدث القمي : أبو الحسن محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري الامامي الشيخ الفقيه ، الفاضل الماهر والأديب الأريب ، البحر الزاخر صاحب الاصباح في الفقه ، وأنوار العقول في جمع أشعار أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام وشرح النهج (٢).

٨ ـ وذكر شيخنا المدرس في ريحانته قريبا مما ذكر (٣).

مشايخه :

روى عن جمع من مشايخ الامامية وإليك أسمائهم :

١ ـ الشيخ الامام نصير الدين أبو طالب عبد الله بن حمزة بن عبد الله الطوسي الشارحي المشهدي وعرفه منتجب الدين في فهرسته بقوله : فقيه ، ثقة ، وجه (٤).

٢ ـ المفسر الكبير الفضل بن الحسن الطبرسي ( ٤٧١ ـ ٥٤٨ ه‍ ) قال شيخنا الطهراني : يظهر نقله عنه من أثناء كتابه هذا ( أنوار العقول ) عند ذكر الحرز المشهور عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام في قوله : ثلاث عصى طفقت بعد خاتم (٥).

٣ ـ الإمام أبو الرضا فضل الله بن علي بن هبة الله المعروف بضياء الدين أبي الرضا الحسني الراوندي الكاشاني ذكر العماد الكاتب الأصفهاني في خريدة القصر أنه رآه في كاشان سنة ٥٣٣ ه‍ وهو يعظ الناس في المدرسة المجدية.

نقل شيخنا المجيز الطهراني رواية الكيدري عنه وأنه يروي عنه بغير واسطة وربما يروي عنه بواسطة أستاذه الشيخ عبد الله بن حمزة بن عبد الله الطوسي (٦) ولعل الثاني أقرب.

__________________

(١) الطهراني : طبقات أعلام الشيعة ( القرن السادس ) : ٢٥٩.

(٢) الكنى والألقاب : ٣ / ٧٤.

(٣) المدرس التبريزي : ريحانة الأدب : ٤ / ٤٧٣.

(٤) منتخب الدين : الفهرست : ٢٦٩ برقم ٢٧٢.

(٥) الذريعة : ٢ / ٤٣١ برقم ١٦٩٧ ، تحت عنوان أنوار العقول.

(٦) طبقات أعلام الشيعة ( سادس القرون ) : ٢٦٠ ، وهو غير محمد بن علي (٦) طبقات أعلام الشيعة ( سادس القرون ) : ٢٦٠ ، وهو غير محمد بن علي بن حمزة الطوسي الفقيه مولف الوسيلة وان كانا معاصرين. ويظهر من المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي كونه صاحب الوسيلة. تراثنا : العدد : ٣٩ / ٣٠٣. والحق خلافه.

٩

٤ ـ محمد بن سعيد بن هبة الله الراوندي المعروف به ظهير الدين ( ت ٥٧٣ ه‍ ) فقد ترجمه منتجب الدين في فهرسته وقال : فقيه ثقة ، عدل ، عين. ذكر شيخنا الطهراني أن صاحب الترجمة يروي عنه في كتابه بصائر الانس بحظائر القدس نقله البياضي في الصراط المستقيم (١).

تآليفه :

إن لشيخنا الكيدري تآليف في موضوعات مختلفة يظهر أنه كان ميالا لأكثر من فن واحد ، نذكرها حسب ترتيب حروف الهجاء :

١ ـ إصباح الشيعة بمصباح الشريعة : وهذا هو الكتاب الذي يزفه الطبع إلى القراء وسوف نبرهن على أنه من تأليفه ، لا من تأليف الفقيه الصهرشتي.

٢ ـ أنوار العقول من أشعار وصي الرسول : وهو ديوان أشعار منسوبة إلى الامام أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام مرتبة قوافيها ترتيب حروف الهجاء ، قال شيخنا الطهراني : من جمع قطب الدين الكيدري أوله : الحمد لله لانت لعزته الجبابرة ، وتضعضعت دون عظمته الأكاسرة ذكر في أوله أنه جمع أولا خصوص أشعاره المشتملة على الآداب والحكم والمواعظ والعبر وسماه الحديقة الأنيقة ، ثم جمع أشعاره ـ عليه‌السلام جمعا عاما في هذا الكتاب الذي سماه أنوار العقول (٢).

٣ ـ البراهين الجلية في إبطال الذوات الأزلية : ذكره صاحب الروضات وشيخنا الطهراني في الذريعة (٣).

٤ ـ بصائر الانس بحظائر القدس (٤).

٥ ـ تنبيه الأنام لرعاية حق الامام : ذكره المؤلف في كتاب إصباح الشيعة (٥).

٦ ـ حدائق الحقائق في فسر دقائق أفصح الخلائق : شرح على كتاب نهج البلاغة وفرغ منه عام ٥٧٦ ه‍ ، ذكر صاحب الروضات أنه وجد في آخر نسخة عتيقة من الشرح المذكور صورة خط لبعض أعاظم فضلاء عصر الشارح المعظم ، بهذه الصورة : وافق الفراغ من

__________________

(١) طبقات أعلام الشيعة ( سادس القرون ) : ٢٦٥ ، ولاحظ أيضا ص ٢٦٠.

(٢) الطهراني : الذريعة : ٢ / ٤٣١ برقم ١٦٩٧ ( أنوار العقول ).

(٣) نفس المصدر : ٣ / ٨٠ برقم ٢٤١.

(٤) طبقات أعلام الشيعة سادس القرون ص ٢٦٥ ولاحظ أيضا ص ٢٦٠.

(٥) إصباح الشيعة : ١٢٨.

١٠

تصنيف الامام العالم الكامل المتبحر الفاضل قطب الدين نصير الاسلام مفخر العلماء مرجع الأفاضل محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري البيهقي تغمده الله تعالى برضوانه في أواخر الشهر الشريف شعبان سنة ست وسبعين وخمسمائة (١) وقد ألفه بعد شرح ظهير الدين البيهقي المعروف بابن فندق ٤٩٣ ـ ٥٦٥ (٢) وقد أسماه معارج نهج البلاغة طبع عام ٩٠٤١ بتحقيق محمد تقي دانش پژوه ونشرته مكتبة السيد المرعشي في قم ، وشرح شيخه قطب الدين الراوندي ، وقد أسمى شرحه بمنهاج البراعة ، وطبع بتحقيق المحقق العطاردي عام ١٤٠٣ ثم أعيدت طبعته في ثلاثة أجزاء عام ١٤٠٦ بتحقيق السيد عبد اللطيف القرشي.

وقد ذكر صاحب الروضات ملامح الكتاب وقد نقل شيئا من مقدمة الكتاب وأنه قال في ديباجته :

أنه كامل بإيراد فوائد على ما فيهما ( يريد كتابي المنهاج لابن فندق والمعارج لأستاذه قطب الدين الراوندي ) زوائد ، لا كزيادة الأديم ، بل كما زيد في العقل من الدرر اليتيم ، ومتمم ما تضمناه بتتمة لا تقصر في الفضل دونهما ، إن لم ترب عليهما ، وأنه قد اندرج فيه من علوم نوادر اللغة والأمثال ، ودقائق النحو وعلم البلاغة ، وملح التواريخ والوقائع ، ومن غوامض الكلام لمتكلمي الاسلام ، وعلوم الأوائل ، وأصول الفقه والاخبار ، وآداب الشريعة وعلم الأخلاق ومقامات الأولياء ، ومن علم الطب والهيئة والحساب ، على ما اشتمل عليه المعارج ، كل ذلك لا على وجه التقليد والتلقين ، بل على وجه يجدي بلج اليقين .. (٣).

وقد نقل عنه المحقق ابن ميثم في شرحه على نهج البلاغة في تفسير الخطبة الشقشقية (٤).

وقد نقل عنه العلامة المجلسي في بحاره في أجزاء السماء والعالم (٥).

__________________

(١) الخوانساري : روضات الجنات : ٦ / ٢٩٨ ، الأمين : أعيان الشيعة : ٨ / ٢٤٥.

(٢) ياقوت الحموي : معجم الأدباء : ٥ / ٢٠٨.

(٣) روضات الجنات : ٦ / ٢٩٥ برقم ٥٨٧. وذكر شيخنا الطهراني أن

منه نسخة في المدرسة الفاضلية الذريعة : ٦ / ٢٨٥.

(٤) ابن ميثم : شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٦٩ ـ ٢٧١.

(٥) بحار الأنوار : ٥٥ / ٢٧٩ ، وقد ذكر السيد بحر العلوم بعض مواضع النقل ، لاحظ الفوائد الرجالية : ٣ / ٢٤٢.

والعجب أن المحدث النوري ذكر ان اسم شرحه على النهج هو الاصباح لاحظ المستدرك : ٣ / ٥١٣. أضف أنه ذكره تارة باسم أبو الحسن البيهقي وأخرى باسم أبي الحسين.

١١

٧ ـ الحديقة الأنيقة : وقد مضى أنه ألفه قبل تأليف أنوار العقول.

٨ ـ الدرر في دقائق علم النحو : ذكره شيخنا المدرس في موسوعته (١).

٩ ـ شرح الايجاز في النحو : لاحظ مجلة تراثنا العدد ٣٩ / ٣٠٢.

١٠ ـ شريعة الشريعة : ذكره في حدائق الحقائق : ٣ / ١٤٥١.

١١ ـ كفاية البرايا في معرفة الأنبياء : ذكره شيخنا الطهراني في الذريعة قال : وقد نقل جملة من عباراته شيخنا النوري في خاتمة المستدرك (٢).

١٢ ـ لب الألباب في بعض مسائل الكلام : ذكره الطهراني في الذريعة ، والمدرس في موسوعته (٣).

١٣ ـ مباهج المهج في مناهج الحجج ( بالفارسية ) : ذكر شيخنا الطهراني أن له منتخبا فارسيا باسم بهجة المناهج في فضائل النبي والأئمة ومعجزاتهم (٤).

وذكر السيد المحقق الطباطبائي في مذكراته أن منه نسخة في مكتبة المسجد الأعظم في قم المشرفة ذكرت في فهرستها ص ٣٨٣ ، ومخطوطة أخرى في مكتبة مدرسة السيد الگلپايگاني في قم رقم ٢١٢٥ ذكرت في فهرستها : ٣ / ١٦٩.

إصباح الشيعة من مؤلفات الكيدري :

إن هذا الكتاب الذي يزفه محققه إلى طلاب الفقه وأساتذة الفن من تأليف شيخنا المحقق الكيدري بلا ريب ، وإن نسبته إلى الشيخ سليمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي خطأ ، وذلك بالأدلة التالية :

أولا : أن الشيخ منتجب الدين الذي قام في فهرسته بترجمة علماء الإمامية من بعد عصر الشيخ إلى زمانه ( ٤٦٠ ـ ٦٠٠ ه‍ ) ترجم شيخنا الصهرشتي وذكر تآليفه ولم يذكر له ذلك

__________________

(١) ريحانة الأدب : ٤ / ٤٧٥.

(٢) الذريعة : ٨ / ٨٩ برقم ٨١٢ ، وذكره شيخنا المدرس في ريحانة

الأدب : ٤ / ٤٧٥ ، ولم نعثر عليه في المستدرك.

(٣) الذريعة : ١٨ / ٢٨٢ ، برقم ١١٧ ، وريحانة الأدب : ٤ / ٤٧٥.

(٤) الذريعة : ١٩ / ٤٦٠ برقم ٢٤١. ورياض العلماء : ٢ / ٤٤٥ وذكره في الذريعة ٢٢ / ٣٤٩ باسم مناهج المنهج وقال : والظاهر أن الصحيح مباهج المهج في مناهج الحجج.

١٢

الكتاب وقال : الشيخ الثقة أبو الحسن سليمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي فقيه ، وجه ، دين ، قرأ على شيخنا الموفق أبي جعفر الطوسي وجلس في مجلس درس سيدنا المرتضى علم الهدى ( ره ) وله تصانيف ، منها : كتاب النفيس ، كتاب التنبيه ، كتاب النوادر ، كتاب المتعة أخبرنا بها الوالد عن والده عنه (١) ولو كان له ذلك الكتاب الرائع لما غفل عن ذكره.

وثانيا : أن العلامة الحلي ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه‍ ) قد نقل عن ذلك الكتاب شيئا كثيرا ونسبه إلى المحقق الكيدري ، وذلك في مواضع كثيرة والنصوص المنقولة موجودة في هذا الكتاب (٢).

وثالثا : أن نفس الكتاب ينفي أنه تأليف الصهرشتي الذي هو من تلاميذ المرتضى والشيخ الطوسي ويبدو أنه قد توفي في أواخر القرن الخامس وكان حياته بين ( ٤٠٠ ـ ٥٠٠ ه‍ ) وذلك لأنه ينقل في ذلك الكتاب (٣) السيد الجليل حمزة بن علي بن زهرة المعروف ب‍ ابن زهرة المشهور بكتابه غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع وقد ولد كما في نظام الأقوال في رمضان ٥١١ وتوفي سنة ٥٨٥ ه‍ ، فكيف يمكن أن يكون الكتاب أثرا للصهرشتي الذي أجازه النجاشي سنة ٤٤٢؟!

قال صاحب الرياض : إن الشيخ الصهرشتي قال في أواخر قبس المصباح : فصل : أخبرنا الشيخ الصدوق أبو الحسن أحمد بن علي بن أحمد النجاشي والصيرفي المعروف ب‍ ابن الكوفي ـ يعني النجاشي صاحب الرجال ـ ببغداد في آخر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وكان شيخا ، بهيا ، ثقة ، صدوق اللسان عند الموالف والمخالف رضي الله عنه ، ثم ذكر رواياته عن أبي يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري المتوفى عام ٤٦٣ ه‍ وغيره (٤).

ورابعا : أن من سبر الكتاب يقف على أن المؤلف سار على ضوء كتاب الغنية ، ترتيبا للكتب ، تبويبا للأبواب غالبا ، وربما يستخدم من عباراتها شيئا في طرح المسائل وشرحها.

وهذه الوجوه تثبت بوضوح أنه من تأليف شيخنا المؤلف الذي بخس التاريخ حقه ، إذ

__________________

(١) منتجب الدين : الفهرست : ٨٥ برقم ١٨٤ ، ورياض العلماء : ٢ / ٤٤٥.

(٢) لاحظ مختلف الشيعة كتاب زكاة الفطرة : ١٩٩ ، وكتاب الخمس : ٢٠٥ ، كتاب الشفعة : ٤٠٣ ، كتاب الوقف : ٤٩١ و ٤٩٤ ، كتاب النكاح : ٥٤٣ و ٥٥٣ و ٥٥٦ و ٥٥٩ ونكاح المتعة : ٥٦٠ ، ٥٦٤ ، كتاب الفرائض : ٧٣٣ في ميراث العم والخال : ٧٣٥ وغير ذلك كله من الطبعة القديمة الحجرية.

(٣) لاحظ : ص ٩٩ و ١٠٠ من هذا الكتاب.

(٤) منتجب الدين : الفهرست : ١٨٥ برقم ١٨٤.

١٣

مضافا إلى أنه لم يذكر من حياته إلا شيئا قليلا ، وقد أعار أثره النفيس لغيره.

ثم إن أول من نسب الكتاب إلى الشيخ الصهرشتي هو شيخنا العلامة المجلسي عند ذكر مصادر بحار الأنوار حيث قال : وكتاب قبس المصباح من مؤلفات الشيخ الفاضل أبي الحسن سليمان بن الحسن الصهرشتي من مشاهير تلامذة شيخ الطائفة ـ إلى أن قال : ـ وكتاب إصباح الشيعة بمصباح الشريعة له أيضا (١).

ولما كان ذلك العزو غير مرضي عند صاحب الرياض قال : ونسبه الأستاذ الاستناد في البحار إليه وينقل عنه فيه ، والذي يظهر من كتب الشهيد ، أن الاصباح المذكور من مؤلفات قطب الدين الكيدري ، لان العبارات التي ينقلها عن القطب المذكور هي مذكورة في الاصباح المزبور (٢).

وتبع صاحب البحار ، شيخنا المجيز الطهراني في طبقات أعلام الشيعة في ترجمة شيخنا الصهرشتي وقال : وله إصباح الشيعة بمصباح الشريعة كذا في فهرست منتجب ابن بابويه (٣).

وما نسبه إلى فهرست منتجب ليس بموجود فيه إذ لم يذكر الكتاب في ترجمة الصهرشتي (٤).

ومنهم : السيد الأمين فقد تبع صاحب الذريعة فنسب الاصباح إلى الصهرشتي (٥).

ولم يبق في المقام سوى احتمال أن المؤلفين الجليلين ألفا كتابين مسمين باسم إصباح الشيعة بمصباح الشريعة ، غير أنه وصل إلينا أحدهما دون الآخر ، وقد عرفت أن الواصل إلينا ليس إلا تأليف الشيخ الكيدري.

نعم اشترك المؤلفان في اسم كتاب آخر وهو التنبيه غير أن ما ألفه الصهرشتي أسماه تنبيه الفقيه (٦) وما ألفه شيخنا المؤلف أسماه ب‍ تنبيه الأنام لرعاية حق الامام.

__________________

(١) المجلسي ، البحار : ١ / ١٥.

(٢) رياض العلماء : ٢ / ٤٤٦.

(٣) طبقات أعلام الشيعة ( القرن الخامس ) : ٨٨.

(٤) منتجب الدين : الفهرست : ٨٦.

(٥) الأمين : أعيان الشيعة : ٧ / ٢٩٧.

(٦) ابن شهرآشوب : معالم العلماء : ٥٦ برقم ٣٧٣.

١٤

إجازة شيخه ابن حمزة للمؤلف :

إن شيخنا المؤلف لما فرغ من كتاب حدائق الحقائق الذي ألفه شرحا لنهج البلاغة ، على غرار ما ألفه ابن فندق البيهقي ، وشيخه قطب الدين الراوندي ، عرضه على أستاذه الشيخ عبد الله بن حمزة ، استحسنه وكتب تقريظا له ، وأجازه فيه أن يروي عنه ما صحت له روايته ونص الإجازة موجودة على ظهر مصورة كتاب إصباح الشيعة بمصباح الشريعة في مكتبة المرعشي المسجل برقم ١٢٧ واليك نصها :

هذا الكتاب الموسوم بحدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة كتاب جامع لبدائع الحكم ، وروائع الكلم ، وزواهر المباني وجواهر المعاني ، فائق ما صنف في فنه من الكتب ، حاو في فنون من العلم لباب الألباب ، ونكت النخب ، ألفاظه رصينة متينة ، ومعانيه واضحة مستبينة ، فبالحري أن يمسي لكلام أفصح العرب بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرحا ، ويقابل بالقبول والاقبال ، ولا يعرض عنه صفحا ، وصاحبه الامام الاجل العالم الزاهد ، المحقق المدقق ، قطب الدين تاج الاسلام ، مفخر العلماء ، مرجع الأفاضل ، محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري البيهقي ، وفقه الله لما يتمناه في دنياه وعقباه ، قد عب في علوم الدين من كل بحر ونهر ، وقلب كل فن مما انطوى عليه الكتاب بطنا لظهر ، ولم يأل جهدا في اقتناء العلوم والآداب ، وأدأب نفسه في ذلك ، غاية نهار عمره كل الآداب ، حتى ظفر بمقصوده ، وعثر على منشوده ، وها هو منذ سنين يقتفي آثاري ويعشو إلى ضوء ناري ، يغتذي ببقايا زادي ، ويطأ مصاعد جوادي. وقد صح له وساغ رواية جميع ما سمعته وجمعته من الكتب الأصولية والفروعية والتفاسير والاخبار والتواريخ وغير ذلك على ما اشتمل عليه فهارس كتب أصحابنا وغيرهم ، من مشايخي المشهورة لا سيما الكتاب الذي شرحه هو ، وهو نهج البلاغة.

وله أن يرويه بأجمعه عني ، عن السيد الشريف السعيد الاجل أبي الرضا فضل الله بن علي الحسين الراوندي ، عن مكي بن أحمد المخلطي ، عن أبي الفضل محمد بن يحيى الناتلي ، عن أبي نصر عبد الكريم بن محمد الديباجي ، المعروف بسبط بشر الحافي ، عن السيد الشريف الرضي ـ رضي الله عنه ، وعن غير هؤلاء من مشايخي.

وهو حري بأن يؤخذ عنه ، وموثوق بأن يعول عليه. وهذا خط العبد المذنب المحتاج إلى رحمة الله عبد الله بن حمزة بن عبد الله الطوسي في شهر رمضان عظم الله بركته سنة ست وتسعين وخمسمائة.

١٥

وأظن أن التسعين مصحف السبعين ، لمقاربتهما كتابة ، ويبدو أن المؤلف لما فرغ من شرحه على النهج عام ٥٧٦ ه‍ ، عرض على أستاذه في هذه السنة أو وقف أستاذه عليه عفوا ، ومن البعيد أن يقف عليه بعد الفراغ بعشرين سنة ، أو يعرضه عليه مؤلفه الكتاب بعد تلك الفترة من تأليفه.

فالإجازة دليل على حياة ابن حمزة في تلك السنة ، كما هي دالة على أن شيخنا المؤلف كان أحد المؤلفين الأفذاذ الكبار في ذلك العصر.

ثم إن شيخنا قطب الدين المجاز صرح بقراءته على أستاذه ابن حمزة في بعض كتبه الذي ألفه عام ٥٧٣ ه‍ قال المحدث النوري : قال محمد بن الحسين القطب الكيدري تلميذه في كتاب كفاية البرايا في معرفة الأنبياء والأوصياء : حدثني مولاي وسندي الشيخ الأفضل ، العلامة ، قطب الملة والدين نصير الاسلام والمسلمين ، مفخر العلماء ، مرجع الفضلاء ، عمدة الخلق ، ثمال الأفاضل عبد الله بن حمزة بن عبد الله بن حمزة الطوسي أدام ظل سموه وفضله للأنام ، وأهله ممدودا ، وشرع نكته وفوائده لعلماء العصر مشهودا قراءة عليه بساتر واربهق (١) في شهور سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة (٢).

وفاته :

لم تحدد وفاته بالضبط لكنه كان حيا في سنة ٦١٠ لأنه كتب في هذا التاريخ إجازة على ظهر كتاب الفائق لمن قرأه عليه ، أورد ابن الفوطي صورتها في ترجمة الكيدري (٣).

كلمة في الكتاب ومؤلفه ومحققه :

١ ـ إن مؤلفنا الجليل ينقل في كتابه هذا عن كتاب المبسوط والنهاية لشيخ الطائفة وكتاب المراسم لسلار الديلمي ، والغنية لابن زهرة ، وكثيرا ما ينقل آراء السيد المرتضى وابن البراج الطرابلسي ولا يذكر مصادر رأيهما وقد استخرج محققنا الفاضل مصادر رأيهما في التعليق.

__________________

(١) معرب سبزوار بيهق.

(٢) النوري : المستدرك : ٣ / ٤٧٢.

(٣) مجلة تراثنا : العدد ٣٩ / ٣٠٢.

١٦

٢ ـ إن المعروف أن القرن السادس قرن الجمود والتقليد لما ورث الفقهاء من الآراء عن الشيخ الطوسي ـ قدس‌سره ـ وأن أول من نهض لرفض الجمود هو الشيخ محمد بن إدريس الحلي ( ت ٥٩٨ ه‍ ) ولكن ذلك زعم غير صحيح ، وهذا هو الشيخ ابن البراج الطرابلسي ( ٤٠٠ ـ ٤٨١ ه‍ ) قد خالف في كتابه المهذب آراء أستاذه أبي جعفر الطوسي ، وقد ذكرنا بعض مناظراته الفقهية مع الشيخ الطوسي في تقديمنا لذلك الكتاب.

والنموذج البارز لبطلان ذلك العزم هو كتاب إصباح الشيعة لشيخنا الكيدري ، فمع أن الرأي المنقول عن الشيخ ، والموجود في كتابه النهاية في فريضة الخمس هو دفنه أو الوصاية حيث قال : ولو أن إنسانا استعمل الاحتياط وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاية لم يكن مأثوما (١).

مع أن هذا كان هو رأي شيخنا الطوسي لكن يتراءى أن مؤلفنا أبدى بشجاعة علمية خاصة رأيا خاصا وألف كتابا فيه ، وقال : فأما ما عدا ذلك من أخماسهم ، فلا يجوز لاحد التصرف فيه ، وحكمه في أيدي شيعتهم ومن اشتغل به ذمتهم ، حكم ودائع المسلمين وأماناتهم. وقد أمليت في ذلك مسألة مستوفاة مستقصاة وسميتها تنبيه الأنام لرعاية حق الامام يطلع بها على ثنايا هذه المسألة وخباياها (٢)

يا حبذا لو أطلعنا على هذا الكتاب حتى نتعرف على ما في ثناياه ، فلعل فيها ، شيئا على خلاف ما ذهب إليه الشيخ في النهاية.

٣ ـ إن شيخنا ( محقق الكتاب ) قد أخذ مصورة مكتبة المرعشي برقم ١٢٧ والذي جاء اسمه في الجزء الأول ص ١٢٣ من فهرست المصورات ، أصلا في التحقيق والتعليق ، ويرجع تاريخ كتابتها إلى سنة ٦٤٥ ه‍ قريبا من عصر المؤلف ، ولم يكن خاليا من سقط وتصحيف ، ومع ذلك فلها قيمتها الخاصة ، وبما أن إصباح الشيعة قد طبع مبعضا وموزعا على الكتب الفقهية في الموسوعة : سلسلة الينابيع الفقهية ، اتخذه المحقق نسخة ثانية وأشار إليها برمز س ومع التقدير لجهود جامعها : العلامة الشيخ علي أصغر مرواريد ـ دام مجده ـ لم تكن المطبوعة في الموسوعة خالية عن السقطات الكثيرة والأغلاط المغيرة للمعنى وقد أشار المحقق إلى لفيف منها في التعليقة وأعرض عن كثير. وهذا يفرض على مدونها ، إعادة النظر في تصحيحها وتحقيقها خصوصا أن الموسوعة ، أصبحت ، أوسع موسوعة فقهية شيعية في العالم الاسلامي.

__________________

(١) الطوسي : النهاية : ٢٠١.

(٢) لاحظ هذا الكتاب : ١٢٨.

١٧

٤ ـ لم يكن كتاب إصباح الشيعة كتابا مهجورا عند العلماء كيف وقد نقل عنه لفيف من المتأخرين منهم شيخنا صاحب الجواهر في مبحث الأقارير المبهمة (١) بسو الفاضل الهندي في كشف اللثام في مبحث آداب الخلوة (٢) كما نقل عنه المتقدمون عليهما كالعلامة في المختلف كما نقل غيره.

٥ ـ بما أن المؤلف في كتابه هذا سار على ضوء المبسوط لشيخ الطائفة وغنية النزوع لابن زهرة فقد استعان شيخنا المحقق في تصحيح بعض الكلمات غير المقروءة أو المطموسة بكتابي المبسوط والغنية ولأجل الايعاز إلى هذا ، ربما ينقل نص المبسوط والغنية في التعليق ليعلم مصدر التصحيح.

٦ ـ قد سبق أن شيخنا المؤلف كان له شجاعة أدبية في التعبير عن آرائه وكان لا يأبه بالمخالفة للمشهور ، نرى أنه ربما يفتي بخلاف المشهور ، فقد أفتى في صلاة الاحتياط بالتخيير بين قراءة الحمد والتسبيح (٣) مع أن المشهور بين الفقهاء قراءة الحمد.

٧ ـ وفي نهاية المطاف نتقدم بالشكر إلى الفاضل المحقق والمجاهد المخلص الشيخ إبراهيم البهادري ـ دامت إفاضاته ـ حيث قام بتصحيح الكتاب والتعليق عليه وأتعب نفسه في ذلك المجال ولا يقوم به إلا بغاة العلم وعشاق الفضيلة فشكر الله مساعيه الجميلة ، وليس هذا أول كتاب قام بتحقيقه ، فقد كرس حياته الثمينة ، في هذا المجال مضافا إلى دراساته العلمية وتآليفه الثمينة ، وإليك فهرس ما حققه من الكتب.

١ ـ عمدة عيون صحاح الاخبار : لابن البطريق ( ٥٢٣ ـ ٦٠٠ ه‍ ) في الفضائل والمناقب وطبع في جزئين ، وقد حققه وصححه مع زميله الحجة الشيخ مالك المحمودي ـ حفظه الله ـ.

٢ ـ جواهر الفقه : للقاضي ابن البراج ( ٤٠٠ ـ ٤٨١ ه‍ ) وقد طبع في جزء واحد.

٣ ـ الاحتجاج : للشيخ الطبرسي في جزئين ، وقد تحمل عبأ كثيرا مع زميله الشيخ محمد هاديبه ـ حفظهما الله في ارجاع مراسيله إلى المسانيد ، وبذلك أضفيا على الكتاب ثوبا جميلا.

٤ ـ إشارة السبق : تأليف الشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل بن أبي

__________________

(١) النجفي : الجواهر : ٣٥ / ٣٩.

(٢) الفاضل الهندي ، كشف اللثام : ١ / ١٩.

(٣) لاحظ : ٨٣ من هذا الكتاب.

١٨

المجد الحلبي ، وقد طبع في جزء واحد.

٥ ـ الرسائل الاعتقادية : للشيخ الطوسي.

٦ ـ المسائل الميافارقية : للسيد المرتضى ، وقد طبعت الرسالتان في ذيل جواهر الفقه.

وشيخنا المحقق بعد جاد في عمل التصحيح ، وساع في ميدان التحقيق ، وهو الآن مشغول بتحقيق كتاب غنية النزوع لشيخنا ابن زهرة ـ قدس‌سره ـ.

أرجو من الله سبحانه أن يوفقه لإحياء التراث أزيد مما سبق ، ويرحم الله الماضين من علمائنا ويحفظ الله الباقين منهم.

مؤسسة الإمام الصادق ـ عليه‌السلام إذ تنشر هذا الكتاب تتقدم بالشكر للمحققين والعاملين فيها والمشرفين على إخراج هذا الكتاب إخراجا فنيا رائعا.

قم ـ مؤسسة الإمام الصادق ـ عليه‌السلام ـ

جعفر السبحاني

ذي الحجة الحرام

من شهور عام

١٤١٥

١٩

مصادر الترجمة :

قد راجعنا في ترجمة المؤلف إلى المصادر التالية :

١ ـ أعيان الشيعة : ٨ / ٢٤٥ و ٤٥١.

٢ ـ أمل الآمل : ٢ / ٢٦٦.

٣ ـ بحار الأنوار : ٥٥ / ٢٧٩ ( ط. بيروت ).

٤ ـ الذريعة في مختلف أجزائها.

٥ ـ روضات الجنات : ٦ / ٢٩٥.

٦ ـ ريحانة الأدب : ٦ / ٤٧٣.

٧ ـ سفينة البحار : ٢ / ٤٣٧.

٨ ـ شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ١ / ٢٦٩.

٩ ـ طبقات أعلام الشيعة ( سادس القرون ) : ٢٥٩.

١٠ ـ الغدير : ٤ / ٣٢١.

١١ ـ فهرست منتجب الدين : برقم ٤٨٩.

١٢ ـ الفوائد الرجالية لبحر العلوم : ٣ / ٢٤٠.

١٣ ـ قصص العلماء ( للتنكابني ) : ٤٣٤.

١٤ ـ الكنى والألقاب : للمحدث القمي : ٣ / ٧٤.

١٥ ـ ( لغت نامه دهخدا ) : ٣٧ / ٣٥١.

١٦ ـ مجلة تراثنا : العدد ٣٧ و ٣٩.

١٧ ـ مستدرك سفينة البحار : ٨ / ٥٤٧.

١٨ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٤٤٨ ، ٤٧٢.

١٩ ـ معجم البلدان : ٤ / ٤٨٢.

٢٠