اصباح الشيعة بمصباح الشريعة

قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري

اصباح الشيعة بمصباح الشريعة

المؤلف:

قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

ومن نذر أن يحج (١) ماشيا قام في المعابر ، فإن عجز عن المشي ، ركب [ وساق بدنة ، وإن ركب ] (٢) مع القدرة على المشي وجب أن يعيد الحج يركب ما مشى ويمشي ما ركب ، ومن مات وعليه حجة الإسلام [ وحجة النذر ، ] (٣) أخرجت حجة بأحدهما حج حجة الإسلام [ وحج وليه حجة النذر ندبا ] (٤) ، ومن مات في طريق الحج فإن كان موته بعد دخول الحرم أجزأه وإن كان قبله فعلى وليه القضاء عنه ، ومن مات وعليه حج ودين ولم يسعهما المال قسم بينهما. وحج بما يخصه من حيث يمكن. (٥)

[ الفصل الرابع والعشرون ] وجوب الحج والعمرة على الفور ، الصبي إذا بلغ أو العبد إذا أعتق أو المجنون (٦) إذا رجع إليه العقل ، قبل أن يفوته الوقوف فوقف بها وأتى بباقي المناسك يجزئه عن حجة الإسلام ، ويعتبر في الزاد نفقته ذاهبا وجائيا ونفقة من يخلفه ممن يجب عليه نفقته قدر كفايتهم ، ويفضل معه ما يرجع إليه يستعين به على أمره إن كان صاحب تجارة وتصرف ، وإن كان ذا صناعة أو حرفة رجع إليها ، وإن كان له ضياع يكون قدر كفايته لزمه الحج ولا يلزمه بيع مسكن يسكنه وخادم يخدمه خاصة ، وإن كان عليه دين حال أو مؤجل بقدر ماله من المال لم يلزمه الحج [ ومن وجب عليه الحج ] (٧) فحج مع غيره في نفقته أو آجر نفسه من غيره

__________________

(١) في الأصل : « ومن نذر الحج ».

(٢) ما بين المعقوفة موجود في الأصل ، وهو الصحيح.

(٣) ما بين المعقوفة موجود في الأصل ، وهو الصحيح.

(٤) ما بين المعقوفة موجود في الأصل ، وهو الصحيح.

(٥) في « س » : من حيث بلغ.

(٦) كذا في الأصل ولكن في « س » : والعبد إذا أعتق والمجنون.

(٧) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل وهو الصحيح.

١٨١

ليخدمه ثم حج(١) أجزأه عن [ حجة ] (٢) الإسلام.

ومن بذل له الاستطاعة لزمه الحج ، إذا لم يكن (٣) إلا طريق واحد وفيه عدو أو لصوص ولا يقدر على دفعهم سقط الوجوب (٤) ، فإن لم يندفع العدو إلا بدفع [ مال ] (٥) أو خفارة (٦) فهو غير مخلى السرب فإن تحمل (٧) ذلك كان حسنا ، وإن تطوع غيره ببذله لزمه.

من مات قبل أن تنزاح العلة لم يجب أن يحج عنه ، وإذا مضى من الزمان قدر ما يمكنه فيه الحج (٨) بعد الوجوب ، ولم يحج ثبت في ذمته وإن تلف ماله (٩) ويجب أن يحج عنه من أصل تركته ، فإن لم يخلف مالا حج عنه وليه ندبا ، ومن حج بعد الاستطاعة بنية التطوع أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن حج عن نفسه وعن غيره لم يجز عن أحدهما ولا يستحق على الغير الأجر لفقد النية.

[ الفصل الخامس والعشرون ] من أحرم بحج أو عمرة فمنعه عدو من الوصول إلى البيت ولم يكن له طريق إلا ما صد فيه فله أن يتحلل ، وإن كان له طريق آخر لا مانع منه يلزمه

__________________

(١) كذا في الأصل ولكن في « س » ثم رجع وهو تصحيف.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل.

(٣) كذا في الأصل ولكن في « س » لم يتمكن.

(٤) في « س » : يسقط الوجوب.

(٥) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل.

(٦) والخفارة : الأمان واللجوء وهو أن يرد في جواره.

(٧) كذا في الأصل ولكن في « س » : « وهو غير محل السيوف فمات بحمل » والصحيح ما في المتن.

(٨) كذا في الأصل ولكن في « س » : وإذا قضى من الزمان فيه ما يمكنه فيه الحج.

(٩) في « س » : « في ذمته من ثلث ماله » والصحيح ما في المتن.

١٨٢

سلوكه على إحرامه ، فإن فاته الحج لزمه القضاء في الواجب لا التطوع ، وإن حبس بسبب خاص به كدين(١) عليه أو غيره ، فإن قدر على قضائه لم يكن له التحلل ، وإن لم يقدر على قضائه أو حبس ظلما كان له التحلل ، ومن له التحلل لا يجوز له إلا بعد هدي.

ومن صد عن البيت وقد وقف بعرفة والمشعر ، تحلل ورمى وحلق وذبح إذا لحق أيام الرمي وإلا استناب (٢) في ذلك ، فإن تمكن أتى مكة (٣) وطاف طواف الحج وسعى وقد تم حجه ولا قضاء عليه ، هذا إذا أقام على إحرامه حتى يطوف ويسعى وإلا حج من قابل ، وإذا طاف وسعى ومنع من المبيت بمنى وعن الرمي تم حجة ، لأن ذلك ليس من الأركان ، فإن صد من الوقوف بالموقفين أو أحدهما لا من المبيت جاز له التحلل ، فإن أقام على إحرامه حتى فاته الوقوف بها فقد فاته الحج.

إذا لم يجد المصدود الهدي أو لا يقدر (٤) على ثمنه ، فلا يجوز أن يتحلل حتى يهدي وليس له الانتقال إلا ببدل (٥) من الصوم أو الإطعام ، ولا بد في التحلل من نيته.

إذا بذل لهم العدو تخلية الطريق ، فإن كانوا معروفين بالغدر ، جاز لهم الانصراف ، وإن كانوا معروفين بالوفاء لم يجز لهم التحلل ولا يلزم الحاج (٦) بذل ما يطلبه العدو من المال على التخلية قليلا كان أو كثيرا.

__________________

(١) كذا في الأصل ولكن في « س » « كدس » وهو تصحيف.

(٢) في « س » : « إذا الحلق أيام الرمي ولا إفساد » والصحيح ما في المتن.

(٣) في « س » : « فإن تمكن إلى مكة » والصحيح ما في المتن.

(٤) في « س » : ولا يقدر.

(٥) كذا في الأصل ولكن في « س » : « إلى بدل » والصحيح ما في المتن.

(٦) في « س » : « ولا يلزمه الحج » والصحيح ما في المتن.

١٨٣

والمريض الذي لا يقدر على العود (١) إلى مكة بعد إحرامه يبعث بهديه إلى مكة ويجتنب ما يجتنبه المحرم إلى أن يبلغ الهدي محله ، ومحله للحاج منى ، وللمعتمر فناء (٢) الكعبة ، فإذا بلغ محله قصر من شعر رأسه وحل له كل شي‌ء إلا النساء ، ويحج الصرورة من قابل وجوبا وغيره ندبا ولم تحل له النساء إلا أن يحج في القابل.

ويستنيب المتطوع لطواف النساء ، فإن وجد من نفسه خفة فأدرك مكة قبل نحر هديه قضى مناسكه وأجزأه ، وإلا حج من قابل ، وإن ذبحوه فقد فاته الحج لأن الذبح لا يكون إلا يوم النحر وقد فاته الموقفان ، (٣) وإن لم يسق الهدي بعث قيمته وتواعد وقتا يشترى فيه ويذبح عنه ثم يحل بعده ، فإن لم يجد الهدي وردوا عليه الثمن ، وقد أحل فلا شي‌ء ، ويجب أن يبعث به في العام المقبل ويمسك مما يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه.

والمحصور إذا أحرم بالحج قارنا لم يجز أن يحج في العام المقبل متمتعا ، ومن بعث هديا تطوعا اجتنب ما يجتنبه المحرم إلا أنه لا يلبي فإن فعل شيئا مما يحرم عليه [ كانت عليه ] (٤) الكفارة كما على المحرم.

[ الفصل السادس والعشرون ] العمرة فريضة كالحج وشرائط وجوبهما واحدة ، فمن تمتع بالعمرة إلى الحج سقط منه فرضها ، وإن لم يتمتع بأن كان (٥) من حاضري المسجد الحرام أو منعه (٦)

__________________

(١) في الأصل : « على النفوذ » بدل « على العود ».

(٢) في « س » : قبال الكعبة.

(٣) في « س » : الوقتان.

(٤) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل وهو الصحيح.

(٥) في « س » : إن كان.

(٦) في « س » : أو جبته.

١٨٤

ضرورة من التمتع فحج قارنا(١) أو مفردا ، اعتمر بعد انقضاء [ الحج إما بعد انقضاء ] (٢) أيام التشريق أو في استقبال المحرم ، ويذكر في دعائه أنه محرم بالعمرة المفردة ، وإذا دخل مكة طاف [ طوافا واحدا للزيارة ، وسعى وقصر وحلق ثم طاف ] (٣) طواف النساء ولا يجوز أن يعتمر في أقل من عشرة أيام ، وأفضلها ما يكون في رجب.

وإذا دخل مكة بالعمرة المفردة في غير أشهر الحج لم يجز له أن يتمتع بها إلى الحج ، فإن أراد التمتع كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحج ، وإن دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر الحج جاز أن يقضيها ويخرج ، والأفضل أن يقيم حتى يحج ويجعلها متعة ، فإن دخلها بنية التمتع لم يجز أن يجعلها مفردة وأن يخرج من مكة لارتباطه بالحج ، وأما الزيارات فشرحها (٤) طويل ، ولها كتب مفردة ، وذكرها بكتب العمل أليق.

__________________

(١) في « س » : « الحج قارنا ».

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل.

(٣) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل وهو الصحيح.

(٤) كذا في الأصل ولكن في « س » : « وأما الآداب فشرحها ».

١٨٥
١٨٦

كتاب الجهاد

الجهاد من فرائض الإسلام ويحتاج فيه (١) إلى معرفة خمسة أشياء : شرائط وجوبه ، وكيف يجب ، ومن يجب جهاده ، وكيفية فعله [ وأحكامه ] (٢) وأحكام الغنائم.

أما شرائط وجوبه : فالحرية والذكورة والبلوغ وكمال العقل والاستطاعة له بالصحة والقدرة عليه وعلى ما يفتقر إليه فيه ، من ظهر ونفقة وأمر الإمام العادل به ، أو من ينصبه الإمام أو ما يقوم مقام ذلك من حصول (٣) خوف على الإسلام أو على الأنفس والأموال.

ومتى اختل أحد هذه الشروط سقط الوجوب ، وهو مع تكاملها فرض على الكفاية ، إذا قام به من فيه كفاية (٤) سقط عن غيره.

وأما من يجب جهاده : فكل من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفار ، ومن أظهر الإسلام وبغى على الإمام العادل وخرج عن طاعته ، أو قصد إلى أخذ مال المسلم وما هو في حكمه من مال الذمي ، وشهر السلاح في بر أو بحر أو سفر

__________________

(١) كذا في الأصل ولكن في « س » : ويحتاج إليه فيه.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل. وهو الصحيح.

(٣) كذا في الأصل ولكن في « س » كحصول.

(٤) في « س » إذا قام من له كفاية.

١٨٧

أو حضر.

وكيفيته : أن يؤخر لقاء العدو إلى أن تزول الشمس وتصلى الصلاتان ، وأن يقدم قبل الحرب الاعذار والانذار والاجتهاد في الدعاء إلى الحق ، وأن يمسك عن الحرب بعد ذلك [ كله ] (١) حتى يبدأ بها العدو لتحق الحجة عليه ، ويتقلد بذلك البغي.

فإذا عزم أمير الجيش عليها استخار الله تعالى في ذلك ورغب إليه في النصر ، وعبأ (٢) أصحابه صفوفا وجعل كل فريق منهم تحت راية أشجعهم وأبصرهم بالحرب ، وجعل لهم شعارا يتعارفون به ، وقدم الدارع أمام الحاسر (٣) ووقف هو في القلب ، وليجتهد في الوصية لهم بتقوى الله ، والإخلاص في طاعته ، وبذل الأنفس في مرضاته ، ويذكرهم ما لهم في ذلك من الثواب في الآجل ، ومن الفضل وعلو الكلمة في العاجل ، ويخوفهم الفرار ويذكرهم ما هم فيه من عاجل العار وآجل النار.

وإذا أراد الحملة أمر فريقا من أصحابه بها وبقي هو في فريق آخر ليكونوا فئة يتحيز (٤) إليها ، فإذا تضعضع لهم العدو وزحف هو بمن معه زحفا ، يبعث من أمامه على الأخذ بكظم القوم ، فإذا زالت صفوفهم عن أماكنهم حمل هو حملة واحدة.

ولا يجوز أن يبارز أحد إلا بإذن الإمام أو من نصبه الإمام ، ولا يجوز أن يفر واحد من واحد ولا من اثنين ويجوز من ثلاثة فصاعدا.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل. وهو الصحيح.

(٢) عبأ الجيش : رتبهم في مواضعهم وهيأهم للحرب. مجمع البحرين.

(٣) رجل دارع : ذو درع ـ على النسب ـ كما قالوا : لابن وتأمر. والحاسر ـ خلاف الدارع ـ : الذي لا بيضة على رأسه. لسان العرب.

(٤) كذا في الأصل ولكن في « س » متحيزا.

١٨٨

ويجوز قتال العدو بكل ما يرجى به الفتح من نار ومنجنيق وغيرهما وإن كان فيما بينهم مسلمون ، إلا إلقاء السم في ديارهم فإنه لا يجوز ، ولا يقاتل في الأشهر الحرم من يرى لها حرمة من الكفار [ إلا أن يبدأوا فيها بالقتال.

وجميع من خالف الإسلام من الكفار ] (١) يقتلون مقبلين [ مدبرين ] (٢) ويقتل أسيرهم ويجهز (٣) على جريحهم ، وكذا حكم البغاة على الإمام إن كان لهم فئة يرجعون إليها ، وإن لم يكن لهم فئة لم يتبع مدبرهم ولم يجهز على جريحهم ولم يقتل أسيرهم.

وأسراء من عدا ما ذكرناه من المحاربين على أخذ المال إن كانوا قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ، وإن أخذوا مع القتل مالا صلبوا بعد القتل ، وإن تفردوا بأخذ المال قطعوا من خلاف ، وإن لم يقتلوا ولا أخذوا مالا نفوا من الأرض بالحبس أو النفي من مصر [ إلى مصر ]. (٤)

ومن لا كتاب له من الكفار فلا يكف عن قتاله إلا بالرجوع إلى الحق ، وكذا حكم من أظهر الإسلام من البغاة والمحاربين ، ومن له كتاب ـ وهم اليهود والنصارى والمجوس ـ يكف عن قتالهم إذا بذلوا الجزية ودخلوا تحت شروطها. (٥)

ولا يجوز أخذ الجزية من عباد الأوثان ولا من الصابئين ، والجزية ما يؤدونه في كل سنة مما يضعه الإمام على رءوسهم أو على أرضهم ، وليس لها قدر (٦) معين بل ذلك راجع إلى ما يراه الإمام ، ولا يجوز أخذها إلا من الذكور البالغين الكاملي العقول.

__________________

(١) ما بين المعقوفات موجود في الأصل ، وهو الصحيح.

(٢) ما بين المعقوفات موجود في الأصل ، وهو الصحيح.

(٣) كذا في الأصل ولكن في « س » : ويجاز. والإجهاز على الجريح هو أن يسرع على قتله. مجمع البحرين.

(٤) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل ، وهو الصحيح.

(٥) في « س » : شروطهم.

(٦) في « س » : « حد » بدل « قدر ».

١٨٩

وإذا أسلم الذمي وقد وجبت عليه الجزية بحؤول (١) الحول سقطت عنه بالإسلام ، والجزية تصرف إلى أنصار الإسلام خاصة.

وشرائط الجزية : إلا يجاهروا المسلمين بكفرهم ولا بتناول المحرمات في شريعة الإسلام ، ولا يسبوا مسلما ، ولا يعينوا على الإسلام ، ولا يتخذوا بيعة ولا كنيسة ، ولا يعيدوا ما استهدم من ذلك. (٢) ويلزم نصرتهم والمنع منهم ما وفوا بهذه الشروط ، ومتى أخلوا بشي‌ء منها صارت دماؤهم هدرا وأموالهم وأهاليهم فيئا للمسلمين.

ويغنم من جميع من خالف الإسلام من الكفار ما حواه العسكر وما لم يحوه ، من الأموال والأمتعة والذراري والأرضين ، ولا يغنم ممن أظهر الإسلام من البغاة والمحاربين إلا ما حواه العسكر من الأموال والأمتعة التي تخصهم فقط ، من غير جهة غصب دون ما عداها.

وبعد إخراج الصفايا والخمس من الغنيمة يقسم ما بقي مما حواه العسكر بين المقاتلة خاصة ، لكل راجل سهم ولكل فارس سهمان ولو كان معه عدة أفراس ، ويأخذ المولود في دار الجهاد ، ومن أدرك المجاهدين للمعونة لهم ، مثل ما يأخذ المقاتل ، وحكم غنيمة البحر كغنيمة البر ، وباقي أحكام الغنائم قد مر.

وإذا بيعت أرض الجزية (٣) من مسلم سقط خراجها وانتقلت الجزية إلى رأس بائعها.

ومن أخذ أسيرا قبل أن تضع ( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) وجب قتله ولم يجز للإمام استبقاؤه ، وإن أخذ بعد الفتح فالإمام مخير بين المن عليه بالإطلاق أو المفاداة أو

__________________

(١) في « س » : بحول الحول.

(٢) في الأصل : ما استهلك من ذلك.

(٣) في « س » : « أرض الحد » وهو تصحيف.

١٩٠

الاستبعاد.

وإذا غلب الكفار على شي‌ء من أموال المسلمين وذراريهم ثم ظفر عليهم المسلمون فأخذوا ذلك ، فالذراري خارجون من الغنيمة ، وما عداهم من الأمتعة والرقيق ، إن وجده صاحبه قبل القسمة أخذه بلا عوض ، وإن وجده بعدها ، دفع الإمام إلى من وقع في سهمه قيمته من بيت المال لئلا تنتقض القسمة.

[ فصل ] الزنديق : وهو من يبطن الكفر ويظهر الإسلام يقتل ولا تقبل (١) توبته ، ومن ارتد عن إيمان ولد عليه فإنه لا يستتاب ولا يقبل منه الإسلام ، وإن رجع إليه يجب قتله في الحال ، ومن ارتد عن الإسلام سبقه كفر (٢) يستتاب فإن تاب وأسلم قبل إسلامه ، وإن لم يتب وجب قتله ، والمرتدة (٣) لا تقتل بل تحبس حتى تسلم أو تموت في الحبس.

والارتداد : هو أن يظهر الكفر بالله تعالى وبرسوله أو الجحد بما يعم فرضه (٤) والعلم به من دينه بعد إظهار التصديق.

__________________

(١) كذا في الأصل ولكن في « س » : « ويظهر الإسلام فلا تقبل » والصحيح ما في المتن.

(٢) في « س » : بعد كفر.

(٣) في « س » : « والمرأة » بدل « والمرتدة ».

(٤) كذا في الأصل ، ولكن في « س » : « الارتداد وهو أن يظهر الكفر بالله تعالى وبرسوله والجحد بما نعم به فرضه » والصحيح ما في المتن.

١٩١
١٩٢

كتاب السبق والرماية

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر. (١)

يجوز المسابقة على الخيل والبغال والحمير والإبل والفيل لعموم الخبر ، وكذا على النشابة والسهم والمزاريق والرماح والسيوف ، لتناول اسم النصل ذلك ، ولا يجوز على ما عدا ذلك ، ولا يجوز المسابقة حتى يكون ابتداء الغاية وانتهاؤها (٢) معلومين ، ومن شرط ذلك أن تكون الغاية التي يجريان إليها واحدة ، ولا يكون إحدى الغايتين أبعد من الأخرى.

إذا قيل لاثنين : من سبق فله عشرة ومن صلى (٣) فله عشرة ؛ فسد ، لأن كلا منهما لا يجتهد ، وإذا قيل لثلاثة : أيكم سبق وصلى فله عشرون ؛ صح لأن كلا [ منهم ] (٤) يخاف أن يكون ثالثا لا يأخذ شيئا. وإن أخرج كل منهما عشرة وقال : من سبق فله العشرون معا ؛ فإن لم يدخلا بينهما محللا فهو القمار بعينه ، وإن أدخلا ثالثا لا يخرج شيئا وقالا : إن سبقت أنت فلك السبقان معا جاز ، وإن أدخلا بينهما محللا ، فرسه دون فرسيهما فهو قمار ، وإن كان فرسه كفوا لفرسيهما جاز.

__________________

(١) الوسائل : ١٣ ، ب ٣ من أبواب السبق والرماية ، ح ٤.

(٢) في الأصل : وانتهاؤه.

(٣) والمصلي من الخيل : الذي يجي‌ء بعد السابق لأن رأسه يلي صلا المتقدم وهو تالي السابق. وقيل : إنما سمي مصليا لأنه يجي‌ء ورأسه على صلا السابق ، وهو مأخوذ من الصلوين وهما مكتنفا ذنب الفرس فكأنه يأتي ورأسه مع ذلك المكان يقال : صلى الفرس : إذا جاء مصليا. لسان العرب.

(٤) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل.

١٩٣

إذا سبق كل منهما عشرة وأدخلا بينهما محللا لا يخرج شيئا وقالا : أي الثلاثة سبق فله السبقان ؛ فسبق أحد المسبقين(١) فله كلاهما ، وإن وصلوا معا فلكل منهما نصيبه ولا شي‌ء للمحلل ، وكذا إن سبق المسبقان معا وتأخر المحلل ، وإن سبق المحلل وحده أخذهما معا ، وإن سبق أحدهما والمحلل فالمسبق السابق يأخذ عشرته ، والعشرة الأخرى بينه وبين المحلل بنصفين.

إذا تسابق (٢) الفرسان وكانا متساويين في الخلقة في القد وطول العنق ، فمتى سبق أحدهما الآخر بالهادي (٣) أو ببعضه أو بالكتد (٤) فقد سبق ، وإن كانا مختلفين في الخلقة كأن يكون طول عنق أحدهما ذراعا والآخر ذراعا وشبرا ، فإن سبق القصير الطويل بالهادي أو ببعضه فقد سبق ، وكذا إن كان الرأسان سواء ، فإن سبق الطويل القصير ؛ فإن كان بقدر الزيادة في الخلقة لم يكن سابقا ، لأن ذلك لطول خلقته لا لسرعة عدوه ، وإن كان بأكثر من ذلك كان سابقا.

[ فصل ] المناضلة لا تصح إلا بعد معرفة الرشق وعدد الإصابة وصفتها والمسافة وقدر الغرض والسبق وشرط المبادرة والمحاطة. (٥) أما الرشق فعدد الرمي وبالفارسية « دست » وعدد الإصابة كأن يقال : الرشق عشرون والإصابة خمسة ، وصفة الإصابة كأن يقال : يصيب ما بين الغرض أو جانبيه أو يثبت في الغرض أو لا يثبت فيه ، والسبق المال ، والمبادرة أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي ،

__________________

(١) في « س » : أحد المستبقين.

(٢) في « س » : إذا سابق.

(٣) الهادي : العنق ، سمي بذلك لأنه يهدي الجسد. مجمع البحرين.

(٤) الكتد والمكتد : مجتمع الكتفين من الإنسان والفرس. وقيل : هو أعلى الكتف ، وقيل : هو الكاهل. لسان العرب.

(٥) في الأصل : أو المحاطة.

١٩٤

كأن يشترطا (١) الرشق عشرين والإصابة خمسة فرمى كل منهما عشرة وأصاب خمسة فقد تساويا ولا يرميان ما بقي ، وإن أصاب أحدهما خمسة والآخر أربعة فقد نضله.

والمحاطة أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي بعد إسقاط ما تساويا ، كأن يرمي في الصورة المذكورة كل منهما عشرة فأصاب خمسة تحاطا ذلك وأكملا الرشق ، وإن أصاب أحدهما سبعة والآخر خمسة تحاطا خمسة بخمسة فيكملان. (٢)

والسبق والنضال من العقود الجائزة كالجعالة أيهما أراد إخراج نفسه من السباق جاز له ذلك.

إذا قال : إرم بسهمك هذا فإن أصبت فلك دينار ؛ صح لأنها جعالة فيما له فيه غرض صحيح ، وكذا إن قال : إرم عشرين سهما فإن كان صوابك أكثر من خطائك فلك دينار ؛ صح ، وإن قال : إرم عشرين وناضل نفسك فإن كان صوابك أكثر فلك كذا ؛ بطل ، لأنه لا يصح أن يناضل نفسه.

إذا شرطا نوعا من القسي (٣) ، كالعربية والعجمية ، تعين ذلك النوع ، ولم يكن لأحدهما العدول عنه ، وإن عين قوسا من النوع ، كان له العدول إلى غيرها ، وأما المسابقة فلا تصح حتى تعين الفرس ، ومتى نفق لم يستبدل (٤) صاحبه غيره ، بخلاف النضال فإن القوس متى انكسرت كان له أن يستبدل وإن عين لأن المقصود من النضال الإصابة ومعرفة حذق الرامي ، وهذا لا يختلف لأجل القوس والقصد في المسابقة معرفة السابق ويختلف الفرسان.

إذا قال : إن أصبت ذلك فلك عشرة وإن أخطأت فعليك عشرة ؛ بطل.

__________________

(١) في الأصل : يشرطا.

(٢) في الأصل : ثم يكملان.

(٣) القسي ، جمع القوس وهو آلة معروفة ترمى بها السهام. لسان العرب.

(٤) كذا في الأصل ولكن في « س » : لم يتبدل.

١٩٥
١٩٦

كتاب البيع

البيع عقد ينتقل به عين مملوكة ، من شخص إلى غيره بعوض مثلها أو مخالف لها (١) في الصفة ، على وجه التراضي ، ولا بد من معرفة أقسامه ، وشروطه ، وأسباب الخيار فيه ، ومسقطاته ، وأحكامه.

وأقسامه أربعة : بيع عين حاضرة مرئية ، وبيع خيار الرؤية في الأعيان الغائبة ، وبيع ما فيه الربا بعضه من بعض ، وبيع موصوف في الذمة إلى أجل معلوم ، وهو السلم.

وأما شروطه فضربان : أحدهما شرائط صحة انعقاده ، والثاني لزومه.

فالأول : ثبوت الولاية (٢) في المعقود عليه ، وأن يكون معلوما مقدورا على تسليمه منتفعا به منفعة مباحة ، وأن يحصل الإيجاب من البائع ، والقبول من المشتري بلا إكراه إلا في موضع نذكره. ولبيع ما فيه الربا وبيع السلم شروط أخر تأتي بعد.

احترزنا بثبوت الولاية من بيع من ليس بمالك للمبيع ، ولا في حكم المالك [ له ] (٣) وهم ستة : الأب والجد ووصيهما والحاكم وأمينه والوكيل ، واشترطنا أن

__________________

(١) في « س » أو مخالفا لها.

(٢) في « س » : « ثبوت الولاية » والصحيح ما في المتن.

(٣) ما بين المعقوفتين موجود في الأصل.

١٩٧

يكون المعقود عليه معلوما لأن العقد على المجهول باطل ، لأنه من بيع الغرر ، واحترزنا بكونه مقدورا على تسليمه مما لا يمكن ذلك فيه ، كالسمك في الماء ، والطير في الهواء ، فإنه لا يجوز بيعه ، لأنه من بيع الغرر. واحترزنا بكونه منتفعا به مما لا منفعة فيه ، كالحشرات ، وقلنا : مباحة ، تحرزا من المنافع المحرمة والنجس إلا ما يستثني بدليل.

واعتبرنا الإيجاب والقبول ، تحرزا من القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري ، والإيجاب من البائع من غير قبول ، وبالمعاطاة أيضا ، واشترطنا عدم الإكراه لأن حصوله مفسد للعقد (١) بلا خلاف إلا إكراه الحاكم على البيع ، لإيفاء ما يلزم من حق ، لأنه يصح البيع معه.

والشروط المقترنة بعقد البيع ضروب :

أولها : ما هو فاسد مفسد للعقد ، كأن يشرط في الرطب أن يصير تمرا وفي الزرع أن يسنبل ، وكأن يسلف في زيت على أن يكون حادثا في المستقبل من شجر معين ، إذ هو غير مقدور على تسليمه. (٢)

وثانيها : ما هو صحيح ، والعقد معه كذلك ، كأن يشرط في العقد ما يقتضيه أو ما للمتعاقدين (٣) مصلحة فيه ، كاشتراط القبض ، وجواز الانتفاع والأجل والخيار والرهن والكفيل ، أو كأن يشرط ما يمكن تسليمه ، كأن يشتري ثوبا على أن يخيطه البائع أو يصبغه ، أو يبيعه شيئا آخر ، أو يبتاع منه ، وأن يشترط البائع على المشتري كون المبيع له إن رد الثمن عليه في وقت كذا ، وأن يشترط على مشتري العبد عتقه.

__________________

(١) في الأصل : مفسدة للعقد.

(٢) كذا في الأصل ولكن في « س » : إذ هو غير معين مقدور على تسليمه.

(٣) في « س » : وما للمتعاقدين.

١٩٨

وثالثها : ما هو فاسد غير مفسد للعقد كأن يشترط بائع العبد أن يكون ولاؤه له إذا عتق. وأما شرائط لزومه فهي مسقطات الخيار في فسخه.

الفصل الأول

أسباب الخيار خمسة :

أحدها : اجتماعهما في مجلس العقد ، وهو خيار المجلس.

والثاني : اشتراط المدة.

والثالث : أن لم يتقدم من المتبايعين أو من أحدهما رؤية ما يبيعه منه في الحال غائبا.

والرابع : ظهور عيب كان في المبيع قبل قبضه.

والخامس : ظهور غبن لم تجر العادة بمثله ، ولم يكن المشتري من أهل الخبرة ، فإن فقد أحد الشرطين فلا رد.

أما خيار المجلس فلا يسقط إلا بأحد أمرين : تفرق ، وتخاير. فالتفرق أن يفارق كل منهما صاحبه بخطوة فصاعدا عن اختيار. (١) والتخاير ضربان : تخاير في نفس العقد ؛ كأن يقول : بعتك بشرط أن لا يثبت بيننا خيار المجلس ، فيقول المشتري : قبلت. وتخاير بعد العقد ؛ كأن يقول أحدهما لصاحبه في المجلس : اختر (٢) فيختار إمضاء العقد.

وأما الخيار باشتراط المدة فينقطع بأحد ثلاثة أشياء : انقضاء المدة المضروبة له ، والتخاير في انتهائها ، والتصرف في المبيع ، وهو من البائع فسخ ومن المشتري

__________________

(١) في الأصل : عن إيثار.

(٢) في « س » : اختره.

١٩٩

إجازة.

وأما خيار الرؤية فينقطع بأحد أمرين : أحدهما : أن يرى المبيع على ما عين ووصف. الثاني : أن يرى بخلاف ما وصف ويهمل الرد لأنه على الفور.

وأما خيار ظهور عيب كان في المبيع قبل قبضه ، فلا ينقطع إلا بأحد أمور خمسة :

أحدها : اشتراط البراءة عن العيوب حالة العقد.

وثانيها : تأخير الرد مع العلم بالعيب ، لأنه على الفور.

وثالثها : الرضاء بالعيب.

ورابعها : حدوث عيب آخر عند المشتري.

وخامسها : التصرف في المبيع الذي لا يجوز مثله إلا بملك أو بإذن حاصل ، بعد العلم بالعيب أو قبل العلم به وكان مما يغير المبيع (١) بزيادة فيه كالصبغ للثوب أو نقصان منه ، كقطعة.

الفصل الثاني

وشروط جواز بيع بعض المكيل أو الموزون (٢) ببعض ـ إذا اتفق الجنس أو كان في حكم المتفق ، كالحنطة والشعير ـ ثلاثة زائدة على ما سبق : الحلول النافي للنسيئة والتماثل في المقدار ، والتقابض قبل الافتراق بالأبدان ، فإن اختلف الجنس سقط اعتبار التماثل.

__________________

(١) في الأصل : وكان ممن يغير المبيع.

(٢) في « س » : والموزون.

٢٠٠