محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٥
السفر أقلّ من ثواب الفطر فيه ، بأن يجعل الأقليّة بالنسبة إلى الفطر الّذي كان من قصد صاحبه الصوم لو لم يكن الحكم كذلك.
قلت : على هذا لم يكن إطلاق المكروه عليه بالمعنى المصطلح ، إذ ليس حينئذ ترك الصوم مطلقا خيرا منه ، بل تركه على نحو خاص ، بل ليس ذلك إلّا القول بأنّ معنى كراهته بمعنى أقليّة ثوابه بالنسبة إلى أمر آخر بدل منه ، فتأمّل.
ثمَّ إنّ بعض الأعاظم حقّق أنّ الكراهة في العبادات بالمعنى المصطلح بمعنى أنّ تركها راجح على فعلها ، ووجّه بأنّ في جميع العبادات المكروهة يكون أصل العبادة ـ من حيث هي ـ راجحة على عدمها ، ولكن يقارنها خصوصيّة يكون عدمها راجحا على وجودها ، ورجحان عدم الخصوصيّة على وجودها راجح على وجود رجحان أصل العبادة على عدمه ، ولذلك صارت مكروهة ، فإذا ترك الصلاة في الحمّام ـ مثلا ـ يترتّب ثواب على ترك الخصوصيّة ويفوت عنه ما هو بإزاء أصل الصلاة ، وإذا صلّى في الحمّام كان على عكس ذلك ، فأدرك الثواب الّذي بإزاء نفس الصلاة وفات عنه ما هو بإزاء ترك خصوص الفرد.
وحينئذ ، فربّما كان الثواب المترتّب على عدم الخصوصيّة أزيد من الثواب المترتّب على وجود نفس العبادة ، ولذلك وقع النهي عنها وارتكب الأئمّة عليهمالسلام ترك تلك العبادة ، لتحصيل تلك الفضيلة والزيادة وإن فات به ثواب آخر مترتّب على نفس الفعل لكنّه أقلّ منه.
وبالجملة ، فيظهر منه : إن اعتقد أنّ فعل العبادة المكروهة سيكون له ثواب وإن ترك يكون له ثواب أكثر منه ، ولعلّ هذا لا يخلو عن بعد ، بل الظاهر أنّ الثواب على ترك المكروه إنّما هو من حيث أنّه ترك ، ويكون بإزاء كراهة الفعل ، كوقوع الصوم في السفر ـ مثلا ـ بما لا يقابل ثواب أصل الصوم بل يبقى مع
تعارضها ثواب أصل الصوم بحاله ـ كما يظهر من كلامه ـ ولا أقلّ من بقاء شيء منه ، على رأيه.
فكيف يكون ثواب تركه من حيث أنّه ترك له أزيد من ثواب أصل الصوم ، وكأنّه لم يعتقد أنّ الثواب على ترك المكروه من حيث أنّه ترك وأنّ في فعله صفة يوجب كراهته وعدم ملائمته ـ كما حقّقنا ـ بل يجعل الصوم في السفر ـ مثلا ـ عبادة والفطر فيه عبادة أخرى برأسها ، ويزعم أنّ ثواب الثاني أكثر من الأوّل؟!
وهذا مع بعد مخالفته للمشهور ـ على ما نقلنا من المحقّق الأردبيلي رحمهالله ـ يرجع إلى القول بكون الكراهة في العبادة بمعنى قلّة الثواب.
وهذا وإن لم يرد عليه شيء ممّا أورده على المحقّق المذكور ـ لأنّه يخصّص قلّة الثواب بالنسبة إلى تركها لا بالنسبة إلى عبادة أخرى ـ يرد عليه ما أوردنا من الوجوه.
ولكن يرد أنّه يمكن أن يحمل كلام المحقّق المذكور أيضا على هذا المعنى ، بأن يكون أنّه ليست العبادة المكروهة على قياس سائر المكروهات من أنّه لا يترتّب ثواب على فعلها ، بل فيه غضاضة وعدم ملائمة ، وإنّما يترتّب الثواب على تركها ، بل الكراهة فيها بمعنى أنّ ثوابها أقلّ من ثواب تركها ، وحينئذ لا يرد عليه شيء ممّا أورد عليه ، مع أنّ هذا الفاضل قد أورد عليه جميع ذلك.
هذا ، ولعلّ في كلام الفاضل الأردبيلي رحمهالله ـ حيث قال : ( بمعنى أنّ الثواب ـ إلى قوله : ـ أو بمعنى. إلى آخره ) ـ إشارة إلى إمكان حمل كلام المحقّق المذكور على كلّ من الاحتمالين ، فلا تغفل.
ثمَّ نقل هذا الفاضل عن بعض علمائنا ـ وهو الفاضل الأردبيلي ، على ما
نقلنا عنه ـ أنّه قال بعدم جواز بعض العبادات كالصوم المندوب في السفر ، أو كراهته اصطلاحا مع عدم رجحانه بحسب الذات أيضا فلا ينعقد عبادة ، ونيّة عباديّته تشريع حرام.
ثمَّ قال : ( وكأنّه رحمهالله ظنّ أنّ المعنى المصطلح لا يكاد يجتمع مع رجحان العبادة في نفسه ، فاختار عدم الجواز أو عدم الصحّة عبادة ، وقد عرفت تصحيحه ، فتدبّر ) (١). انتهى.
فلا يذهب عليك أنّ ما نسب إليه من حديث النيّة والتشريع فهو وإن كان قد ذكره رحمهالله ، لكن قد عرفت أنّ قوله : ( فتأمّل ) كأنّه إشارة إلى اندفاعه ، يشهد بذلك قوله بعد ذلك : ( فالظاهر. إلى آخره ).
وأمّا ما نسب إليه من اعتقاد عدم رجحانه بحسب الذات أيضا.
ففيه ، أنّه إن أراد به رجحان أصل العبادة مع قطع النظر عن الخصوصيّة ، فليس في كلامه منه عين ولا أثر.
وإن أراد رجحان أصل العبادة لا يبقى مع الخصوصيّة ـ أي لا يترتّب على خصوص العبادة المكروهة ثواب أصل تلك العبادة أصلا ـ فإن استفاد ذلك ممّا ذكره من حديث النيّة ، فقد عرفت حقيقة الأمر ، وإن استفاد ممّا ذكره بعده من قوله : ( فالظاهر. إلى آخره ) ، ففيه ، أنّ الظاهر أنّ قوله بالحرمة أو الكراهة بالمعنى المصطلح لكن في جميع العبادات بمعنى المرجوحيّة على الوجه الّذي سبق على ما هو الظاهر من معنى قوله : الكراهة ، لا أنّ فيه ثوابا أيضا لكن أقلّ من ثواب تركه ، إنّما قال به ـ على ما يظهر من كلامه ـ في خصوص الصوم باعتبار ما عرفته ، أمّا احتمال الحرمة ، فلما أشار إليه من ورود النهي عنه كثيرا وظهور
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
ظهوره في الحرمة ، وأمّا الكراهة بذلك المعنى ـ لا بمعنى كون ثوابه أقلّ من ثواب الفطر ـ فلعدم كون الفطر عبادة ، واستبعاد زيادة ثوابه على ثواب الصوم. إلى غير ذلك ممّا علم من كلامه ـ على ما نقلنا ـ ولم يقل بأنّه لا يجتمع الكراهة في شيء مع رجحانه أصلا ، وليس في كلامه إشعار عليه ، فقوله : كأنّه ظنّ ، كأنّه من بعض الظنّ.
وها هنا كلام آخر ، وهو أنّه يستفاد من كلام هذا الفاضل أنّه أورد الفاضل الأردبيلي رحمهالله ها هنا احتمالين :
أحدهما : عدم جواز الصوم المندوب مطلقا سواء اعتقده عبادة أم لا.
وثانيهما : كراهته لكن يكون بقصد العبادة حراما.
وأنت خبير بأنّ هذا ممّا لا يرجع إلى محصّل ، ولا يستفاد ذلك من كلامه رحمهالله أصلا.
نعم ، ذكر احتمال الحرمة ، وكذا احتمال الكراهة ، وأورد على احتمال الكراهة ذلك بالمعنى المصطلح على سبيل الإشكال أنّه حينئذ لا تنعقد العبادة ، فيكون حراما ، فلا يصحّ حمل الكراهة على المعنى المصطلح.
وأين هذا ممّا فهمه هذا الفاضل رحمهالله ، فتأمل؟!
تمّت الإفادة الإجماليّة بالكمال ، ولله الحمد.
رسالة
في صحّة الجمع بين الفاطميّتين
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
ربّ وفّقنا لما تحبّ وترضى ، وأيّدنا وأرشدنا بمحمّد وآله.
اعلم يا أخي ، أنّ الجمع بين الفاطميّتين صحيح بلا شبهة ، إجماعيّ عند المسلمين ، حتّى الصدوق والشيخ ، كما ستعرف.
ويدلّ على الصحّة ، بل الحلّية أيضا :
إطباق الفقهاء في فتاواهم ، حتّى أنّهم ما عدوّا ذلك من المكروهات ، ولا خلاف الآداب أيضا ، كما ينادي به فتاواهم ، وعمل جميع المسلمين في الأعصار والأمصار ، حتّى أنّهم ما كانوا ينزّهون عنه في مقام الكراهة ، ولا ترك الأولويّة أيضا.
ومثل هذا الإجماع مرادف للضروريّ ، لأنّ حال هذا الجمع كان حال غيره من المحلّلات بالضرورة عند الفقهاء والمسلمين ، من دون تفاوت ، كما هو ظاهر على المتأمّل في كلماتهم وأحوالهم.
إلى أن عرض في هذه الأزمان شبهة على بعض المتوهّمين من اطّلاعه على بعض الأخبار الّذي يظهر حاله مع غفلته عن حقيقة الحال ، ولو لا عروضها
لكان حاله حالهم بلا شبهة.
ولو سلّم كونه نظريّا ، فلا خفاء في الحجّية ، كما هو المسلّم عند الشيعة ، والمحقّق في موضعه.
ويدلّ عليهما أيضا :
أصالة البراءة ، والإباحة ، فجميع ما دلّ عليها من الإجماعات المنقولة ، والآيات القرآنيّة ، والأخبار المتواترة ، والعقل ، واستصحاب الحالة السابقة ـ على ما بيّناه في رسالتنا في « أصل البراءة » ـ يدلّ عليهما البتّة ، بل بيّنا فيها ـ غاية التبيين ـ كون الإجماعات المنقولة واقعيّة على القطع واليقين ، فلا حظ (١).
ويدلّ عليهما أيضا :
أصالة الاستصحاب ، إذ في أوّل الشرع لم يكن حراما بالبديهة ، فكذا بعده ، لما ورد منهم : « لا تنقض اليقين إلّا باليقين » (٢) ، وقولهم : « لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله » (٣) ، وقولهم : « لا تنقض اليقين بالشكّ أبدا » (٤). إلى غير ذلك ممّا كتبناه في الرسالة.
ويدلّ عليهما أيضا :
الآيات ، مثل قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٥).
وقوله تعالى ( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٦).
__________________
(١) لاحظ! الرسائل الأصوليّة : ٣٤٩.
(٢) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ٢٧٤ الحديث ١٧ و ٢٨١ الحديث ٥٣.
(٣) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ / ٢٧٤ الحديث ١٧ و ٢٨١ الحديث ٥٣.
(٤) لاحظ! تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، ٤٢١ الحديث ١٣٣٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.
(٥) النساء (٤) : ٢٤.
(٦) النساء (٤) : ٢٣.
وقوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) (١).
وقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (٢) ، فإنّ كلّ واحد من العلويّات ممّا طاب ، فلا مانع من المثنى والثلاث والرباع منها.
وقوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (٣) ، فلو كان الجمع بين الفاطميّتين أيضا حراما لما خصّ ذلك بالأختين.
إلى غير ذلك من الآيات.
ويدلّ عليهما أيضا :
الأخبار المتواترة (٤) ـ بل الزائدة عن حدّ التواتر ـ عن الأئمّة عليهمالسلام ، فإنّهم في مقامات لا تحصى تعرّضوا لذكر ما يحرم نكاحها ، وما يكره ، وما لا يحسن ، ولم يشيروا إلى ذلك أصلا ، إذ الشاذّ الّذي نقل أمرونا بترك العمل به من وجوه كثيرة ، ستعرفها.
مع أنّ بديهيّات الدين أو المسلّمات عند المسلمين أو المشهورات عندهم تعرّضوا لأمثال ذلك ، فكيف لم يتعرّضوا لما هو في غاية الخفاء وأحالوا على ما أمروا بعدم العمل [ به ] قطعا؟!
مع أنّ المطلقات من النساء الواردة في مقام الحمل والصحّة يزيد عن المتواتر بما لا يحصى ، والمطلق يرجع إلى العموم ، كما هو المحقّق والمسلّم عند الكلّ ، والمدار عليه في الفقه.
__________________
(١) النور (٢٤) : ٣٢.
(٢) النساء (٤) : ٣.
(٣) النساء (٤) : ٢٣.
(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣٦١ أبواب ما يحرم بالنسب.
ونقل تلك الأخبار ممّا لا يفي له الدفاتر ، منها : قول النبي صلىاللهعليهوآله : « بناتنا لبنينا » (١) ، مشيرا إلى أولاد عليّ عليهالسلام وجعفر ، وقولهم عليهمالسلام : « المؤمنون بعضهم أكفاء بعض » (٢) ، وقولهم : العرب يتزوّج في قريش ، وقريش يتزوّج في بني هاشم (٣). إلى غير ذلك.
وقال الصدوق في كتابه « الخصال » : ( الفروج المحرّمة في الكتاب والسنّة على أربعة وثلاثين وجها ، حدّثنا أبو محمّد الحسن بن حمزة ـ إلى أن قال ـ قال : حدّثني موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد عليهمالسلام أنّه قال : « سئل أبي عليهالسلام عمّا حرّم الله عزوجل من الفروج في القرآن ، وعمّا حرّمه رسول الله صلىاللهعليهوآله في سنّته ، فقال : الّذي حرّم الله من ذلك أربعة وثلاثين وجها (٤) ، سبعة عشر في القرآن ، وسبعة عشر في السنّة. فأمّا الّتي في القرآن : فالزنا ، قال الله سبحانه ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ) (٥) ، ونكاح امرأة الأب ، قال الله عزوجل ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٦) ، ( أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ). إلى قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّا ما قَدْ سَلَفَ ) (٧) ، والحائض حتّى
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٤٩ الحديث ١١٨٤ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٧٤ الحديث ٢٥٠٦٨.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٤٩ الحديث ١١٨٤ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٧٤ الحديث ٢٥٠٦٨.
(٣) لاحظ! الكافي : ٥ / ٣٤٥ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٧٠ الحديث ٢٥٠٥٩.
(٤) كذا ، وفي المصدر : ( فقال : الّذي حرّم الله أربعة وثلاثون وجها ).
(٥) الإسراء (١٧) : ٣٢.
(٦) النساء (٤) : ٢٢.
(٧) النساء (٤) : ٢٣.
تطهر ، لقوله تعالى (١) ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ ) (٢) الآية ، والنكاح في الاعتكاف ، لقوله تعالى (٣) ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (٤) ، وأمّا [ الّتي في ] السنّة ، فالمواقعة في نهار رمضان ، وتزويج الملاعنة بعد اللعان ، [ والتزويج في العدّة ] ، والمواقعة في الإحرام ، والمحرم يتزوّج أو يزوّج ، والمظاهر قبل أن يكفّر. ». إلى آخر الحديث ) (٥).
وذكر فيه كثيرا ولم يذكر الجمع بين الفاطميّتين أصلا.
فانظر أيّها الفطن إلى دلالة هذه الرواية المطابقة للآيات الكثيرة ، والأخبار المتواترة ، والأصول الثابتة من الأخبار والآيات والإجماع أو غيره.
ومنها : أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله كان مأمورا بإنذار حضور (٦) عشيرته ، وأقاربه بالخصوص أيضا ، حيث قال تعالى ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٧) ، وكان يفعل كذلك بلا شبهة.
وأيضا ، قال عزوجل ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ) (٨). الآية.
وورد في الأخبار ما هو أشدّ من هذا وآكد ، وأنّ الرجل مؤاخذ ومعاقب بما صدر من أهله إذا لم يبلّغ ولم يبالغ (٩) ، فلا حظ.
فمع جميع ذلك لم لم ينذر الرسول صلىاللهعليهوآله عشيرته وأولاده عن ذلك وبناته عن
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( قال الله عزوجل ).
(٢) البقرة (٢) : ٢٢٢.
(٣) كذا ، وفي المصدر : ( قال الله عزوجل ).
(٤) البقرة (٢) : ١٨٧.
(٥) الخصال : ٢ / ٥٣٢.
(٦) في النسخ الخطّية : ( حظور ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.
(٧) الشعراء (٢٦) : ٢١٤.
(٨) التحريم (٦٦) : ٦.
(٩) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٦ / ١٤٧ الباب ٩ من أبواب الأمر والنهي.
الاجتماع في عقد واحد ، وكونهنّ تحت حبالته؟! ، وكذلك عليّ عليهالسلام مع كونه نائب الرسول صلىاللهعليهوآله ، قائما مقامه ، يجب عليه إبلاغ ما وجب على الرسول؟!.
وكذلك الحال في كلّ واحد واحد من الأئمة عليهمالسلام ، بل فاطمة عليهاالسلام كأنّه كذلك ، مع ما عرفت من وجوب حفظ الأهل من النار والحرمة والزنا وعدم طيب الولادة.
هذا كلّه ، مضافا إلى ما ورد وثبت من وجوب إبلاغ أحكام الشرع باهاليها (١) عليهم عليهمالسلام ، وأنّهم عليهمالسلام كانوا مفردين مخلوقين لذلك ، ومبعوثين على ذلك ـ أصالة أو نيابة ـ مع القطع بعدم تقصير واحد منهم عليهمالسلام أصلا.
فلم لم يبلّغ الرسول صلىاللهعليهوآله ولا عليّ عليهالسلام ولا فاطمة عليهاالسلام ولا الحسن عليهالسلام ولا الحسين عليهالسلام ولا غيرهما صلوات الله عليهم ، ولم ينهوا بناتهم عن الرضا بالعقد المذكور؟ ولم يعرض كلّ واحد منهم ذلك بالنسبة إلى أولادهم و [ أولاد ] أولادهم إلى يوم القيامة ، كما صدر ما صدر منهم بالنسبة إلى الأحكام المختصّة بالعشيرة والأولاد والأقارب؟!
ومع ذلك لم يصدر من الرسول صلىاللهعليهوآله ، ولا علي عليهالسلام وغيره نهي بناتهم عليهمالسلام عمّا ذكر ، ولا الوصيّة بذلك مطلقا ، مع أنّ في أمر الفرج تشديد ، بل أشدّ الأمور ، وطيب الولادة أهمّ وأولى الأمور ، فكيف اتّفقوا على هذا التقصير العظيم في عدم إنذار العشيرة ، وعدم وقايتهم عن النار الّتي وقودها الناس والحجارة؟! غير ما نقل أنّ الصادق عليهالسلام قال لأجنبي من الرجال الّذين لا دخل لهم بالعشيرة والأهل أصلا : لا يحلّ كذا وكذا (٢) ، ولم يظهر ذلك لبنات فاطمة عليهاالسلام اللاتي (٣) هنّ عشيرته
__________________
(١) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( وإيصالها ).
(٢) لاحظ وسائل الشيعة : ٢٠ / ٥٠٣ الحديث ٢٦٢٠٦.
(٣) في النسخ : ( الّتي ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.
وأهله وبناته ، أو بنات عشيرته اللاتي أيضا بناته وأهله.
مع أنّ مانع الحلّية ومنشأ الحرمة إنّما هو من جانب البنات ، وأنّ فاطمة عليهاالسلام يشقّ عليها اجتماع بناتها تحت رجل ، فلم [ لم ] ينه بناته عن ذلك ، ولا غيره من آبائه عليهمالسلام وأبنائه المعصومين؟!.
ولو كان واحد منهم ينهى البنات عن ذلك لم يرضين قطعا بذلك ، ولو كان يوصي بذلك لم يخالفن الوصيّة ، ويشتهر ذلك بين بنات فاطمة عليهاالسلام ، وبينهم وغيرهم من أهل البيت عليهمالسلام ، وترتفع الفاحشة من العترة الطاهرة ، ويصير مثل سائر خصائصهم عليهمالسلام الطاهرة الشائعة.
وأين هذه الفاحشة من الخصائص الأخر ، وهم قالوا : حلّلنا الخمس لشيعتنا ، لطيب ولادتهم (١)؟! ، فكيف أرادوا طيب المولد لشيعتهم ، ولم يريدوا ذلك لذرّيتهم الطاهرة ، مع ما عرفت من وجوب الإنذار للأقربين ، ولزوم وقايتهم عن النار ، وغير ذلك ممّا لا يحتاج إلى ذكره؟!
وأين التحريم الإلهي للفروج من عدم إعطاء الخمس؟ وأين تأثير التحريم في طيب الولادة من تأثير عدم إعطاء الخمس؟!
ومن المعلوم ـ بالبديهة ـ أنّ بنات فاطمة عليهاالسلام إلى زمان الصادق عليهالسلام من أهل بيته عليهمالسلام ، فضلا أن يكنّ من أهله ، ومع ذلك كنّ في غاية الإطاعة له ، كما كنّ في غاية الإطاعة لجدّهنّ الرسول صلىاللهعليهوآله ، وأبيهنّ عليّ عليهالسلام ، وأمّهنّ فاطمة عليهاالسلام ، وكذا الحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمّد بن عليّ عليهمالسلام.
فإذا كانوا عليهمالسلام قد أنذروا العشيرة ووقوا عن النار وأبلغوا إليهنّ الحكم الّذي قدّر الله فيهنّ من عدم إيذائهنّ فاطمة عليهاالسلام ، وعدم إدخالهنّ الحرمة والزنا
__________________
(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٥٤٥ الحديث ١٢٦٧٨ و ٥٤٧ الحديث ١٢٦٨٣.
والفاحشة في نسلها ونسبها ، وتحصيل طيب الولادة لها ، لكنّ في غاية الإطاعة لهم عليهمالسلام.
بل إذا أبلغوا إليهنّ هذا الحكم من حيث كونه حكم الله لكنّ كذلك جزما ، وإن كان التبليغ بعنوان الوصيّة إليهنّ ، فضلا عن الخطاب.
وكذلك الحال بالنسبة إلى ذكور أولاد فاطمة عليهاالسلام إذا أنذروهم من تزويج بناتهم لمن تحته بنت من أولاد فاطمة ، وأنّهم بأنفسهم أيضا لا يجمعون (١) ، وإن كان بعنوان وصيّة الأعقاب والأصلاب.
ولو حصل ذلك من الرسول صلىاللهعليهوآله أو أحد من أوصيائه أو فاطمة ـ صلوات الله عليهم ـ لاشتهر ذلك في الذرّية الطاهرة ، ثمَّ اشتهر في الأمّة ، كما اشتهر خصائص آل الرسول صلىاللهعليهوآله وخصائص نسبهم وأحوالهم ، ويذكر ذلك في كتب أنسابهم وأحوالهم ، بل يشتهر ذلك اشتهار الشمس.
ومن المعلوم عدم اطّلاع بنات فاطمة عليهاالسلام على ذلك إلى زمان شيخنا الحرّ (٢) ، بل وبعده أيضا إلى الآن ، وأنّ المدار كان في الأعصار والأمصار على عدم الفرق بين الذرّية الطاهرة وغيرهنّ في جواز الجمع ، حتّى أنّه ذكر في كتب الأنساب أنّ عليّ بن جعفر الجليل ـ الّذي كان في غاية الطاعة للصادق عليهالسلام ومن بعده من الأئمّة عليهمالسلام ـ كان تحته علويّتان ، كما نقل (٣) ، فلا حظ وتتّبع!.
ومع جميع ذلك ، رواية « الخصال » (٤) الّتي ذكرنا وغيرها من الروايات
__________________
(١) في النسخ : ( لا يجتمعون ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.
(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٥٠٣ الباب ٤٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، بداية الهداية : ٢ / ٢٣٧.
(٣) لم نعثر على من نقل هذا الأمر بعد الفحص التام.
(٤) الخصال : ٢ / ٥٣٢ ، وقد مرّ في الصفحة ١٧٠ من هذا الكتاب.
الموافقة لها والآيات القرآنيّة مطابقة لإجماع المسلمين ، فضلا عن الفقهاء ، حتّى الصدوق ، إذ كلامه ينادي بموافقته لسائر الفقهاء والمسلمين.
كما أنّ كلامه في « الفقيه » أيضا ينادي بها ، حيث قال : ( باب ما أحلّ الله عزوجل [ من النكاح ] وما حرّم منه ) (١) ، ثمَّ شرع في ذكر الأخبار الدالّة عليها ، وهي في غاية الكثرة ، ولم يشر إلى حرمة الجمع المذكور ، بل ولا إلى كراهته ، ولا كونه من خلاف آداب النكاح مع تعرّضه للكلّ ، مع أنّه رحمهالله صنّف « الفقيه » لمن لا يحضره الفقيه ، ومع ذلك قال في أوّله ما قال ، بل أظهر أنّ قصده فيه ليس قصد المصنّفين في إيرادهم جميع ما رووه ، سواء عملوا وأفتوا به أم لا (٢).
وصرّح الشيخ أيضا بأنّ عادة المصنّفين كما ذكره (٣) ، مع أنّا نرى عيانا من الخارج كون الأمر على ما صرّحنا به.
ومن هذا صرّح الصدوق في « علله » بأنّ كتابه « العلل » ليس ككتاب فتواه والعمل (٤) ، كما لا يخفى على المطّلع المتأمّل ، وإن كان يذكر فيه كثيرا ممّا يعمل به ، كما هو عادة المصنّفين في إيرادهم المقبول والمردود عندهم ، وعادته فيه في المقبول أنّه يقول : باب علّة وجوب شيء أو حرمته ، أو أمثالهما من الأحكام ، ثمَّ يذكر الخبر الدالّ على ذلك ، كما فعل في « الخصال » في المقام ، وغيره ، وفي « الفقيه » أيضا وغيره.
ولم يذكر في « علله » أيضا ما يشير إلى اعتقاده وحكمه بحرمة الجمع المذكور ولا كراهته ، ولا كونه خلاف الأدب كسائر كتبه ، ولم يذكر في كتاب
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٥٦ الباب ١٢٤.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣.
(٣) لاحظ! المبسوط للطوسي : ١ / ٢.
(٤) لاحظ! علل الشرائع : ٢ / ٣٥٠ ذيل الحديث ٦.
النكاح منه ما يشير إلى شيء من ذلك ، بل ولا في باب نوادر علل النكاح أصلا.
نعم ، ذكر في آخر الكتاب ، عند ذكر باب نوادر العلل رواية غير صحيحة في جملة روايات ذلك الباب (١) ، ومع ذلك ليست واضحة الدلالة في حرمة الجمع المذكور ، كما ستعرفها ، فلو كان قائلا بمضمونها ـ على ما فهمه المتوهّم ـ لكان يعقد له بابا ، ويقول : باب علّة تحريم الجمع بين علويّتين ، أو علّة المنع عنه (٢) ، أو علّة كراهته ، وأمثال ذلك ، ثمَّ يذكر الرواية المذكورة ، كما هو عادته في كتابه « العلل » وغيره من كتبه.
مع أنّه لم يشر إلى الرواية المذكورة في كتاب النكاح منه بوجه من الوجوه ، لا عند ذكره محرّمات النكاح ، ولا مكروهاته ، ولا غيرهما من أحكامه أصلا ورأسا ، بل لم يشر إليها في باب نوادر علل النكاح أيضا أصلا ورأسا.
وهذا منه ينادي بأنّ هذه الرواية عنده لا دخل لها في أحكام النكاح وآدابه أصلا ، كما سيذكر عن خالي العلّامة (٣).
نعم ، الشيخ روى في باب زيادات النكاح هذه الرواية بطريق أضعف (٤) ، وبين صريح في صحّة هذا النكاح ، كما ستعرف ، مع تصريحه بأنّه يذكر في « التهذيب » المقبول والمردود من الروايات (٥) ، مع تصريحه في كتاب « العدّة » بأنّ خبر الواحد لا يكون حجّة إلّا أن يرويه الثقات والعدول (٦) ، وضبط في كتب
__________________
(١) علل الشرائع : ٢ / ٥٩٠ الحديث ٣٨.
(٢) في النسخ : ( إذ علّة المنع عنه ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.
(٣) يأتي في الصفحة ١٧٨ من هذا الكتاب.
(٤) تهذيب الأحكام : ٧ / ٤٦٣ الحديث ١٨٥٥ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٥٠٣ الحديث ٢٦٢٠٦.
(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٣.
(٦) عدّة الأصول : ١ / ٣٣٦.
علم الرجال كلّ من كان ثقة عنده.
فيكون هذه الرواية من غير الثقات عنده جزما.
نعم ، يظهر منه في « عدّته » وغيره أنّ خبر غير الثقة إذا كانت منجبرة بجابر يظهر منه صدقه ، يكون حجّة أيضا ، مثل أن يكون منجبرا بعمل الأصحاب (١).
وبالجملة ، يظهر من كلامه في « العدّة » وغيره ظهورا تامّا ـ بل بعنوان الصراحة ـ عدم حجّية مثل الرواية المذكورة البتّة ، كما لا يخفى على المطّلع.
ومن هذا يظهر من كلامه في « التهذيب » عدم حرمة هذا الجمع ، بل وعدم كراهته أيضا ، فلاحظ في جميع كتب فتاواه صرّح بانحصار حرمة النكاح في الأمور الّتي عدّها ، ولم يذكر من جملتها (٢) هذا الجمع أصلا ، بل ولم يذكر في المكروهات أيضا ، ولا في الآداب أيضا ، موافقا للصدوق وغيره من فقهاء الشيعة من المتقدّمين والمتأخّرين ، بل جميع المسلمين أيضا ، مع أنّ كتابه « النهاية » على طبق أحاديثه الّتي أوردها في « التهذيب » وعمل بها ، كما هو مسلّم عند المحقّقين ، بل بيّن بالوجدان والمشاهدة ، فلا حظ وتتبّع واختبر ، حتّى يحصل لك اليقين بذلك.
ومع ذلك حال « نهايته » حال سائر كتب فتاواه ، على حسب ما ذكرنا.
مع أنّ عادة فقهائنا المسامحة في المستحبّات والمكروهات ، كما هو معلوم عند كلّ من له فهم واطّلاع ، حتّى أنّهم كثيرا ما يعملون في المقام المذكور بخبر ضعيف رواه العامّة في كتبهم ، بل ورواه بعض منهم مع نهاية ضعفه ، كما لا يخفى.
بل ربّما يكتفون بفتوى فقيه من دون وجدان خبر أصلا ، مثل ما صدر
__________________
(١) عدّة الأصول : ١ / ٣٧٦ ، الاستبصار : ١ / ٣ ـ ٤.
(٢) في النسخ الخطّية : ( من حملها ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.
منهم في الحكم بكراهة الصلاة إلى الباب المفتوح (١) ، وغير ذلك ممّا هو كثير ، كما لا يخفى أيضا على المطّلع.
بل ربّما يكتفون في المقام المذكور بما هو أضعف من فتوى فقيه أيضا.
ومع جميع ما ذكر ، معلوم اتّفاق جميعهم في عدم اعتبار [ هم ] للرواية المذكورة في مقام مكروهات النكاح ، ولا في خلاف مستحبّاته ، ولا خلاف آدابه ، لأنّهم يتعرّضون لذكر الكلّ في كتبهم ، ولم يشر واحد منهم إلى كراهة الجمع المذكور ، ولا كونه خلاف المستحبّ أو خلاف الأدب ، مع أنّهم في باب النكاح والفروج يبالغون في الاحتياط ، ويشدّدون.
مع أنّ كلّهم كانوا مطّلعين على الرواية المذكورة ، مثل الشيخ والصدوق ، حتّى أنّ منهم من صرّح في بعض إجازاته أنّه درّس « التهذيب » من أوّله إلى آخره أزيد من خمسين مرّة أو أربعين بمراتب (٢) ، كما لا يخفى على المطّلع ، فإذا كان تدريسه بهذا القدر ، فما ظنّك باطّلاعاته وقراءته وملاحظاته في مقام التصانيف الكثيرة الصادرة منهم ، والفتاوى وغيرها؟!
ومع ذلك ، كلّهم أطبقوا على ما ذكرنا إلى زمان المتوهّم وبعده إلى آن كتابة هذه الرسالة.
ولهذا قال خالي العلّامة المجلسي عند ذكر رواية « التهذيب » : ( لم أجد قائلا بمضمونها أصلا ورأسا ) (٣) ، مع أنّه كان وحيد عصره في الاطّلاع على أقوال الفقهاء ، بل كان فريد سائر الأعصار ، كما لا يخفى على المطّلع.
بل الإصفهان كان مملوءا من الفضلاء والفقهاء ، وأكثرهم ـ بل كلّهم ـ كانوا
__________________
(١) لاحظ! المعتبر : ٢ / ١١٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٢٣٨ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ١٣٥ و ١٤٢.
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٣) ملاذ الأخيار : ١٢ / ٤٦٢ ، وفيه : ( ولم أر عاملا به ).
في غاية الاحتياط في الفروج ، ولذا كانوا يكرّرون كثيرا في صيغة النكاح ، وأزيد منه كانوا يحتاطون في ذلك وغير ذلك ممّا هو أضعف ، ومع ذلك لم ير من واحد منهم احتياط في الجمع المذكور ، بل ولا كراهة فيه ، ولا خلاف استحباب وأدب.
وبالجملة ، لم ير من واحد منهم عين ولا أثر في شيء ممّا ذكر ، ولا ظنّ منه ، ولا احتمل ، ولا تخيّل ، بل كذلك (١) حال سائر البلدان الّتي كانت مجمع العلماء والفقهاء ، حتّى المشهد المقدّس الرضوي إلى زمان شيخنا المتوهّم رحمهالله وما بعده أيضا.
والحاصل ، أنّ الفرقة المحقّة الناجية لم تكن مجتمعة على الضلالة إلى زمان المتوهّم رحمهالله وبعده أيضا ، إذ يظهر فساد هذا من الأخبار المتواترة ، مضافا إلى غيرها من أدلّة الإجماع ، مضافا إلى شياعه ، وتحقّق اختلاط الأنساب في أولاد الأئمّة عليهمالسلام والذرّية الطاهرة ، كما مرّ وسنشير إليه ، لكون المدار في الأعصار والأمصار على فتاواهم ، وهذا أشدّ شيء على الرسول صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام وفاطمة عليهاالسلام ، ومع ذلك يكونوا مقصّرين في نشر شرائع الأحكام البتّة!
مع أنّهم عليهمالسلام كما ذكروا في زيارة الجامعة الكبيرة : « فجاهدتم في الله حقّ جهاده ، حتّى أعلنتم دعوته ، وبيّنتم فرائضه ، وأقمتم حدوده ، ونشرتم شرائع أحكامه ، وسننتم سنّته » (٢). إلى غير ذلك من فقرات هذه الزيارة ، وغيرها ممّا يؤدّي مؤدّاها.
فيكف يكونون غير ناشرين لشرائع الأحكام؟! سيّما بما هو في غاية الاهتمام من حفظ أنسابهم الطاهرة عن الحرمة والزنا ـ العياذ بالله من ذلك ـ لعدم ذكر
__________________
(١) في النسخ : ( بل كل حال ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٣٧١ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ٢ / ٣٠٦ ، بحار الأنوار : ٩٩ / ١٢٩.
أحد منهم عليهمالسلام حرمة الجمع المذكور إلّا خصوص الصادق عليهالسلام ، وأنّه عليهالسلام ذكر ذلك لرجل بعنوان الشذوذ ، وبعنوان يظهر منه غاية الظهور صحّة هذا العقد وهذا الجمع ، كما ستعرف!
ومع ذلك هو عليهالسلام وغيره من الأئمّة عليهمالسلام أمرونا بترك العمل بهذه الرواية من جهة شذوذها ، ومن جهة مخالفتها للقرآن والسنّة وسائر أحاديثهم ، ومن جهة أنّ الراوي غير ثقة ، وغير ذلك.
بل الأخبار متواترة عنهم عليهمالسلام فيما ذكر ، سيّما في مخالفة الكتاب ، حيث ورد منهم عليهمالسلام : « أنّ ما خالفه فاضربوه على الحائط » (١) ، وورد : « أنّه زخرف » (٢) ، وورد : « إنّا لا نقول بما يخالف القرآن » (٣). إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر ، وربّما ورد مكرّرا كثيرا ، كما لا يخفى على المطّلع ، وسنذكر بعض ذلك.
هذا ، مع أنّ الله ورسوله صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام بالغوا في إظهار حرمة الزنا وإن كان بامرأة الكفّار (٤) ، ووجوب حفظ الأنساب وإن كان نسب كافر (٥) ، حتّى جعلوا عقوبة الدنيا أيضا فيه من الجلد والرجم وغيرهما ، كما هو معلوم ، بل بالغوا في الاحتياط في الفروج ، وقالوا : « إنّ أمر الفرج لشديد ، ومنه يكون الولد ، ونحن نحتاط فيه » (٦). إلى غير ذلك.
فكيف في حفظ نسب آل فاطمة عليهاالسلام عنه ، وعدم اختلاطه به لم يصدر منه
__________________
(١) لاحظ! التبيان في تفسير القرآن : ١ / ٥.
(٢) الكافي : ١ / ٦٩ الحديثان ٣ و ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١١٠ الحديثان ٣٣٣٤٥ و ٣٣٣٤٦.
(٣) لاحظ! الكافي : ١ / ٦٩ الحديث ٥.
(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣٢١ الحديث ٢٥٧٢٥.
(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣١١ الحديث ٢٥٦٩٩.
(٦) الكافي : ٥ / ٤٢٣ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ٤٧٠ الحديث ١٨٨٥ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٥٨ الحديث ٢٥٥٧٢ ، وفيها : ( .. هو الفرج ، وأمر الفرج شديد ، ومنه يكون الولد ، ونحن نحتاط .. ).