الرسائل الفقهيّة

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٥

الفهرس الإجمالي

١

عدم جواز تقليد الميت................................................................. ٥ ـ ٢٧

حكم عبادة الجاهل............................................................... ٢٩ ـ ٤٦٧١

أصالة طهارة الأشياء................................................................. ٤٧ ـ ٥١

حكم العصير التمري والزبيبي....................................................... ٥٣ ـ ١١٦

رؤية الهلال...................................................................... ١١٧ ـ ١٥٠

الإفادة الاجمالية (في البحث عن كراهة بعض العبادات وعدمها)....................... ١٥١ ـ ١٦٤

صحة الجمع بين الفاطميتين........................................................ ١٦٤ ـ ٢٢٧

حكم متعة الصغيرة............................................................... ٢٢٩ ـ ٢٣٨

القرض بشرط المعاملة المحاباتية..................................................... ٢٣٩ ـ ٢٩٤

أصالة عدم صحة في المعاملات..................................................... ٢٩٥ ـ ٣٠٧

أصالة الصحة والفساد في المعاملات................................................ ٣٠٩ ـ ٣١٨

٢

رسالة

في

عدم جواز تقليد الميّت

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، حمدا يرضي ربّنا منّا ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، صلاة ترضيهم عنّا ، وكلّ من ظلمنا.

قال في « المفاتيح » : ( وأن لا قول للميتين ، وإن لم يأتوا بشي‌ء مبين ) (١).

أقول ـ وأنا الأذلّ الأقلّ محمّد باقر بن محمّد أكمل ـ :

معنى عدم القول للمجتهد الميّت ، أنّ قوله ليس بحجّة ، وقد ثبت في علم أصول الدين أنّه لا حجّة إلّا قول الله تعالى وحججه المعصومين عليهم‌السلام ، ولذا اشترطنا العصمة في الحجج ، وما جوّزنا حجّية قول من لا يؤمن من الخطأ ، وكون ذلك شعارا في مذهبنا أظهر من الشمس ، وأشهر من أن يخفى على مخالفينا في المذهب ، فضلا عن الموافق.

وأدلّتنا من العقل ، والنقل (٢) على ذلك متراكمة متظافرة ، ومن غاية

__________________

(١) مفاتيح الشرائع : ١ / ٤ ، وفيه : ( .. وإن لم يأتوا في هذا بشي‌ء مبين ).

(٢) لاحظ! كشف المراد : ٣٧٥ و ٣٩٠ ، بحار الأنوار : ١١ / ٧٢ الباب ٤.

٥

الظهور وافقنا جماعة من العامّة ، سيّما الأشاعرة (١).

ومن قديم الأيّام إلى حديثه امتلأت الطوامير ، وتوافرت الأساطير من التشاجر بيننا وبين من خالفنا ، حتّى أنّ أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام شغلهم وديدنهم كان المخاصمة مع خصمهم في ذلك ، في حضور الأئمّة عليهم‌السلام وغيبتهم (٢) في الأعصار والأمصار ، بل الأئمّة عليهم‌السلام بأنفسهم كانوا يباحثون مع خصمهم (٣) ، ويلقّنون الشيعة هذه المخاصمة ، ويعجبهم مخاصمتهم في ذلك (٤) ، بل ربّما يظهر أنّ ذلك عمدة السبب في الاحتياج إلى الحجّة في كلّ زمان.

هذا كلّه مضافا إلى ما ورد في الكتاب والسنّة متواترا من النهي عن العمل بغير العلم (٥) ، والعمل بالظنّ (٦) والتقليد (٧) ، ولا شكّ أنّ قول المجتهد داخل في الكلّ ، مع أنّ الأصل عدم حجّية غير العلم ، سيّما في الأحكام الشرعيّة ، لما فيها من الخطر العظيم ، والضرر الجسيم ، ولذا شدّدوا الأمر فيها غاية التشديد ، وأكّدوا نهاية التأكيد ، كما لا يخفى على المطّلع.

مع أنّ هذا الأصل مسلّم عند الأخباريّين والمجتهدين ، حتّى عند العامّة أيضا (٨) ، ولذا في أصول الفقه في كلّ موضع يتمسّكون بظنّ يطالبون بدليل

__________________

(١) لاحظ! شرح المواقف للإيجي : ٨ / ٢٦٣ ـ ٢٦٧ ، شرح المقاصد للتفتازاني : ٥ / ٤٩ ـ ٥٢.

(٢) لاحظ! الكافي : ١ / ١٦٩ ـ ١٧٣ الحديثين ٣ و ٤.

(٣) انظر! عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٠٧.

(٤) لا حظ! الكافي : ١ / ١٨٦ ـ ١٧١ الحديثين ٢ و ٣.

(٥) في ب : ( بغير علم وغير الحقّ ) ، وفي ج : ( بغير الحكم ).

(٦) لاحظ! الأنعام (٦) : ١١٩ ، الإسراء (١٧) : ٣٦ ، النجم (٥٣) : ٢٣ و ٢٨ ، بحار الأنوار : ٢ / ١١١ الباب ١٦.

(٧) لاحظ! البقرة (٢) : ١٧٠ ، التوبة (٩) : ٣١ ، لقمان (٣١) : ٢١ ، الكافي : ١ / ٥٣ باب التقليد ، بحار الأنوار : ٢ / ٨١ الباب ١٤.

(٨) لاحظ! المحصول للرازي : ٥ / ١٠٤ و ١١٣.

٦

حجّيته ، ولذا لا يرضون بثبوت حجّية الإجماع من الظواهر من الكتاب والسنّة ، قائلين بأنّ الظواهر ليست بحجّة ظاهرا إلّا بدليل ، ولا دليل سوى الإجماع فيلزم الدور. إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على الماهر في أصول الفقه.

وأيضا ، الحكم الشرعي ليس إلّا ما صدر من الشرع ، وحكم المجتهد صادر عن المجتهد ، وهو ليس بشرع. نعم ، في ظنّه أنّه من الشرع والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا (١) ، مع أنّ أحكامهم في الغالب متغايرة ، بل متضادّة ، فلا يكون المجموع مظنونا.

وأيضا ، حكم الشرع ليس إلّا منه (٢) ، وظنّ المجتهد ليس إلّا من المجتهد ، مع كونه ظنّا.

فكون أحدهما عين الآخر فاسد جزما ، وكونه بحسب مكان الآخر شرعا ويكفي عوضا له يتوقّف على الدليل.

وأيضا ، لو لا الدليل على كون ظنّ المجتهد حجّة للعامّي لكان مثل الظنّ الحاصل من الرمل والأسطرلاب وقول الفاسق الجاهل وقول النساء ، ألا ترى أنّ النساء ربّما يحصل لهنّ ظنّ من قول النساء أقوى من الحاصل من قول المجتهد؟! وكذا الرستاقي (٣) من قول الرستاقي. وهكذا.

وأيضا ، كما قال الميّت : إنّ الحكم كذا ، قال : إنّ الميّت لا قول له ، فإن كان قوله حجّة فقوله ليس بحجّة ، بل هو وسائر المجتهدين اتّفقوا في ذلك ، حتّى أنّهم

__________________

(١) إشارة إلى الآيتين الكريمتين : يونس (١٠) : ٣٦ ، النجم (٥٣) : ٢٨.

(٢) في ب : ( ليس إلّا حقّا ومن الشارع ).

(٣) الرستاقي : هو المنسوب إلى الرستاق ، وهو السواد والقرى. لاحظ! القاموس المحيط : ٣ / ٢٤٣ ، لسان العرب : ١٠ / ١١٦.

٧

ادّعوا إجماع الشيعة على ذلك (١) [ وأنّه ] من ضروريّات مذهب الشيعة (٢) ، مثل حرمة العمل بالقياس ، بل وربّما صار ذلك من خصائص الشيعة ، لأنّ جمهور العامّة على خلاف ذلك (٣) ، من جهة قولهم بحليّة القياس وقياسهم بين الميّت والحي.

وعلى أيّ حال ، إذا حصل الظنّ من قول ميّت في نفس الحكم ، حصل من قوله في عدم حجيّة قوله جزما ، بل بطريق أولى بمراتب شتّى ، لو لم نقل بحصول اليقين له.

ولو فرض أنّ شاذّا من المتأخّرين منّا وافق العامّة ، إذ لو لم يصر منشأ لزيادة اطمئنانهم بقول المعظم لم يصر منشأ للوهن (٤) أصلا ، وعلى فرض الوهن فالظنّ لا أقلّ منه ، وعلى فرض ارتفاع الظنّ أيضا ـ مع أنّه في غاية البعد ـ فالشكّ لا أقلّ منه ، فمع الشّك والتردّد كيف يقلّد بغير منشأ وحجّة؟! وكيف يرجّح قول الشاذّ البعيد العهد المطابق للعامّة على قول معظم القرباء العهد من صاحب الشرع (٥)؟!

هذا كلّه إذا كان الشاذّ حيّا.

__________________

(١) لاحظ! حاشية المحقّق الكركي على الشرائع : ٦٣٥ ـ ٦٣٨ وهي مخطوطة محفوظة برقم ١٤١٨ في مكتبة المدرسة الفيضيّة بقم ، مسالك الأفهام : ١ / ١٦٢ ، معالم الأصول : ٢٤٨ ـ ٢٤٨ ، الوافية للفاضل التوني : ٣٠٠ ، مفاتيح الشرائع : ٢ / ٥٢.

(٢) معالم الأصول : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ، مفاتيح الشرائع : ٢ / ٥٢ ، ولمزيد الاطّلاع راجع : جواهر الكلام : ٢١ / ٤٠٢ ، التنقيح في شرح العروة الوثقى : ١٠٤ ـ ١٠٧.

(٣) قال الغزّالي : ( في ذكر ما يجب على المقلّد مراعاته بعد : . وقد قال الفقهاء : يقلّده وإن مات ، لأنّ مذهبه لم يرتفع بموته ، وأجمع علماء الأصول على أنّه لا يفعل ذلك ). المنخول : ٤٨٠ ـ ٤٨١.

(٤) في ألف ، ج : ( للوهم ).

(٥) العبارة : ( البعيد العهد. صاحب الشرع ) أثبتناها من ب ، أمّا باقي النسخ ففيها : ( على قول المعظم ) بدلا من هذه العبارة.

٨

وأمّا إذا كان ميّتا ، فنزيد على جميع ما ذكرنا ، أنّ الاستناد إلى قوله مع كونه ميّتا يتضمّن دورا محالا واضحا.

فإن قلت : ما ذكره المصنّف لعلّه بالنسبة إلى العامّي الجاهل الغافل الغير المطّلع بأقوال العلماء.

قلت : اشتهر من العلماء ما ذكرناه اشتهار الشمس ، فاطّلاع العامّي على فتوى المجتهد الميّت مع عدم اطّلاعه على ما ذكرنا ممّا لا يكاد يتحقّق.

سلّمنا ، لكن هذا ظنّ خطأ ، من جهة عدم اطّلاعه بحقيقة الحال ، فلو كان مثل هذا حجّة للعاميّ لكان الظنّ الحاصل له بخلاف فتوى الفقهاء ـ بل بضدّها ونقيضها ـ من جهة جهله وغفلته وخطئه يكون حجّة له ، يجب عليه العمل به (١).

وبعد تجويز هذا وفتح هذا الباب ، لا وجه لذكر المجتهد ، ولا لاعتبار قوله حيّا كان أو ميّتا ، بل يكون المدار على أيّ ظنّ وخيال حصل للعاميّ من أيّ جهة من الجهات ، وإن كان من محض هوى النفس ، أو تقليد المخالف أو الكافر ، أو الرمل والأسطرلاب ، أو غير ذلك ، وفيه ما فيه.

وأيضا ، الظنّ للمجتهد إنّما هو ما دام [ في ] الحياة ، وإلّا فبعد الموت لا ظنّ ، والظنّ في وقت لا يكفي لحين زواله (٢) ، ولذا لو ظنّ سابقا وانعدم ظنّه في وقت لا حق ، ويحصل له التردّد والتوقّف لا يجوز له العمل بظنّه السابق ، ولا لمقلّده بعد اطّلاعه على توقّفه. نعم ، قبل الاطّلاع يكفي ، لما سيجي‌ء.

والحاصل ، أنّ الحجّة إنّما هو حكم الشارع لا حكم المجتهد ، وحكم المجتهد لو كان حجّة ومحسوبا مكان حكم الشارع ، إنّما يكون لظنّه أنّ حكمه حكم

__________________

(١) في ألف ، ج : ( يجب العمل عليه به ) ، وفي ب ، د : ( يجب العمل به ) ، والظاهر أنّ الأنسب ما أثبتناه.

(٢) في ج ، د : ( لا يكفي حين زواله ).

٩

الشارع ، فإذا انعدم الظنّ مع وجوده ، أو انعدم هو ، فلا يبقى ظنّه قطعا ، لأنّ بانعدامه انقطع العلاقة بينه وبين حكم الشارع ، فبأيّ سبب يكون حجّة ومحسوبا مكانه؟!

مع أنّ هذا استصحاب ضعيف.

فعلى القول بحجّية الاستصحاب ربّما لا يقولون بحجّية مثله ، مع أنّ الاستصحاب حجّة إذا لم ينعدم موضع الحكم ، وهنا انعدم ، كما هو الحال في الاستحالة والانقلاب ، وانعدامه من جهة أنّ الظنّ في الدماغ ، والظنون صورة حاصلة فيه بالبديهة وبالوجدان ، وهو متّفق عليه.

وليس المراد مطابق المظنون ، لأنّه محتمل ليس إلّا ، بل رجحانه ـ أي الراجح ـ مع أنّ الأصل عدم تحقّق ظنّ غير ما ذكر ، وهو أقوى من ذلك الاستصحاب.

مع أنّه على تقدير أن يكون للنفس ظنّ ، فهو غير هذا الظنّ ، وهذا انعدم يقينا ، وكونه غيره يجي‌ء مقامه خلاف الأصل أيضا ، مع أنّ نفس الناطقة بعد الموت يحصل له اليقين أو لا يحصل ، لا أنّه يحصل له الظنّ ، لأنّه خلاف المعقول والمنقول.

بل عرفت ممّا تقدّم أنّ قول غير المعصوم عليه‌السلام ليس بحجّة أصلا ، ولا شكّ أنّ المجتهد ليس بمعصوم ، فلا يكون قوله حجّة جزما ، ولذا قال الأخباريّون بعدم حجّية قول غير المعصوم عليه‌السلام (١) ، وفقهاء حلب أوجبوا الاجتهاد (٢).

وامّا المجتهدون ، فهم وإن قالوا بحجّية قول غير المعصوم عليه‌السلام في الجملة ،

__________________

(١) لاحظ! الفوائد المدنيّة : ٧ و ١٧ و ٤٠ و ٤٧ ـ ١٣١.

(٢) لاحظ! ذكري الشيعة : ٢ ، معالم الأصول : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، الوافية في أصول الفقه : ٣٠٤.

١٠

لكن عنوا كون القائل مستجمعا لشرائط الاجتهاد ويكون حيّا.

فقوله حجّة على العامّي ، ومن لم يبلغ رتبة الاجتهاد فقط ، لا على مجتهد آخر ، ولا يقولون بحجّية غير ما ذكر ، بل يحرّمونه ويدخلونه تحت المناهي وما ليس بحجّة ولو لم يدلّهم دليل على حجّية القدر الّذي قالوا بحجّيته لكانوا يحرّمون ذلك أيضا ، ويجعلونه مثل ظنّ العامّي ، ويدخلونه تحت الأصل والعمومات والأدلّة الدالّة على عدم حجيّة قول غير المعصوم وحرمة العمل به.

بل في الحقيقة قول المجتهد ليس عندهم حجّة أصلا ، بل الحجّة الأدلّة الدالّة على حجّية القدر المذكور.

مثلا : شهادة العدلين ، لو لم يدلّ دليل من الشارع على اعتبارها فيما جعلها الشارع معتبرة فيه لكان حالها وحال الظنون المحرّمة ـ مثل الظنّ الحاصل من الرمل والنجوم أو قول الفاسق ـ سواء ، بل ربّما يحصل من الأمور المزبورة ظنّ أقوى.

فصار المعلوم أنّ الحجّة هو حكم الشارع ودليله ، فإنّ الحكم الشرعيّ هو حكمه باعتبارها لا ما شهدوا به.

وإذا ظهر لك ذلك ، نقول : العامّي لا بدّ له أن يعتقد رضا الشرع بتقليد المجتهد ، وجعل ظنّه محسوبا مكان شرعه الّذي هو الحقّ اليقيني ، وبديهيّ أنّ ذلك لا يحصل له من نفس تقليد المجتهد ، لما فيه من الدور المحال الواضح ، فمستنده ليس إلّا ما حصل له بالتظافر والتسامع المتعيّن بأنّ غير الفقيه عليه أن يرجع إلى الفقيه في حكم الشرع ، كما هو الشأن في جميع العلوم والصناعات الّتي يتوقّف عليها نظم المعاد والمعاش أنّ غير أهل الخبرة يرجع إلى أهل الخبرة فيها بلا شبهة ، وأنّ مدار المسلمين في الأعصار والأمصار كان على ذلك بالبديهة.

١١

وبالجملة ، حصل له من التظافر والتسامع في التقليد ما حصل له في ضروريّات الدين والمذهب الّتي ليس فيها تقليد واجتهاد بل المجتهد والمقلّد فيها على حدّ سواء.

وحصول البداهة للعامّي في جواز تقليد الميّت بعد ما اشتهر ما نسب إلى الشيعة اشتهار الشمس ، كما ترى (١).

إذا عرفت ما ذكرنا ، لم يخف عليك أنّ اللازم على المصنّف كان المطالبة بدليل حجّية قول المجتهد الحيّ أيضا أو الإتيان به ، لا المطالبة بدليل عدم حجّية قول الميّت الّذي هو غير المعصوم ، مع أنّ الأصل عدم حجّية [ قول ] كلّ أحد ، لا حجّية قول كلّ أحد ، حتّى أنّه يطالب بما يطالب منه.

فإن قلت : لعلّ مراده أنّ ما دلّ على حجّية قول المجتهد يشمل حيّه وميّته ، فلم أخرجوا قول الميّت ، مع أنّه ليس لهم مخصّص مبيّن؟!

قلت : مع كون ما ذكرت خلاف ظاهر قوله! سلّمنا ، لكن نقول : كيف يمكن للعامّي الاحتجاج بعموم ما دلّ على جواز التقليد على تقدير تسليم العموم؟ ، وسيّما أن يستدلّ به على بطلان ما نسب إلى الشيعة وظهر منهم ، ويطمئنّ به ، ويقلّد شرعا ، فإنّ الآية والأخبار الدالّة على ذلك معركة الآراء بين الفقهاء ، ولذا أنكر جواز التقليد جماعة منهم ، والمقرّون اتّفقوا على عدم الجواز بالنسبة إلى الميّت ، مع أنّ حجّية خبر الواحد وظاهر الآية معركة للآراء ، ومع ذلك المراد ما ذا ، أيضا معركة ، ومع ذلك ورد في الآيات والأخبار حرمة التقليد وذمّه مطلقا (٢).

__________________

(١) العبارة : ( وإذا ظهر لك ذلك. كما ترى ) أثبتناها من ب.

(٢) الآية : التوبة (٩) : ١٢٢ ، الأنبياء (٢١) : ٧ ، والأخبار : كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٤ الحديث ٢ ، الاحتجاج للطبرسي : ٤٥٧ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٣١ الحديث ٣٣٤٠١ و ١٤٠ الحديث ٣٣٤٢٤.

١٢

نقول : أيّ عموم دلّ على ذلك؟!

أمّا الآية (١) والأخبار (٢).

فالقدر الّذي يفهم منها ويتبادر هو الحيّ. وأمّا أزيد ، فلا وثوق في دلالتها عليه ، لأنّ المتبادر منها أنّ ما أفتى به الفقيه واعتقد أنّه حكم شرعي يجوز أخذه منه ما دام هو مفت به ومعتقد ، بل يجب أخذه منه ، ومع ذلك المتبادر منها أنّ جواز الأخذ ووجوبه إنّما هو على من عرف أنّه فقيه وحكمه من الشرع ، لا من لم يعرف ذلك ولم يعتقد أنّه حاكم الشرع ، فلذا لم يكن فتواه حجّة على من لم يعرف ذلك ولم يعتقد ، وكذا الظاهر أنّ فتواه حجّة على من لم يعرف ذلك الحكم من الشرع ، فلذا لم يكن حجّة على فقيه آخر.

فحيث عرف أنّ المتبادر منها هو القضيّة العرفيّة ، كما هو مسلّم عند جميع العلماء في كلّ ما ماثله من القضايا ، ولذا لو أظهر الفقيه ـ بعد ما أفتى به ـ أنّ ظنّه واعتقاده زال وحصل له التوقّف لم يكن ظنّه السابق ـ الّذي زال ـ حجّة عليه ، فلا يكون حجّة على من قلّده ، بعد ما اطّلع على ما قال من أنّ اعتقاده زال ، مع أنّ من هذا القول لا يحصل ـ غالبا ـ أزيد من الظنّ ، فما ظنّك بصورة حصول اليقين بأنّ ظنّه زال ، كما عرفت؟! فكيف يكون ظنّه السابق داخلا في الآية والأخبار؟!

هذا ، مضافا إلى أنّ المتبادر من لفظ الفقيه والحاكم وأمثالهما هو الحي ، ولذا تمسّك أهل السنّة بالقياس ، وردّه الشيعة بأنّه قياس مع الفارق وبسطوا الكلام في ذلك ، فتوهّم غير المطّلع أنّ ما بسطوه إنّما هو دليلهم ومستندهم وبه حكموا

__________________

(١) التوبة (٩) : ٣١.

(٢) الكافي : ١ / ٥٣ باب التقليد ، بحار الأنوار : ٢ / ٨٦ الحديث ١٢.

١٣

بالحرمة ، كما يشير إليه كلام المصنّف (١).

وأمّا الإجماع :

فقد نقل الإجماع على منع حجّية قول الميّت (٢) ، وهذا هو الظاهر من فتاوى المعظم ، ونسب ذلك إلى الشيعة ، وعدّ من ضروريّات دينهم ، كحرمة القياس ، نسبه إلى الشيعة من هو في أعلى درجة الاطّلاع (٣) ، فلو لم يثبت الإجماع على المنع فكيف تثبت الحجّية؟!

نعم ، المشهور عند العامّة حجّية قول الميّت أيضا (٤) ، قياسا على الحيّ. بجامع مظنونيّة الإصابة ، وهذا ـ مع كونه قياسا ـ قياس مع الفارق ، لما أشرنا إليه من أنّ الميّت لا ظنّ له.

وربّما اعترض بأنّ المجتهد الغائب يجوز أن يكون رأيه تغيّر ، فكذا الميّت ، ولا يخفى أنّ هذا الاعتراض في غاية السخافة ، لأنّ المراد بالاعتراض إن كان قياس الميّت بالغائب.

فأوّلا : إنّ القياس عندنا حرام ، وقد عرفت أنّ قول المجتهد من حيث إنّه قوله ليس بحجّة ، حتّى يجوز أن يجعل جامعا ، بل الحجّة هو ما دلّ على اعتباره ، فعلى أيّ قدر تتمّ الدلالة نقول به ، وأمّا الزائد عنه فلا ، لعدم الدليل ، والغائب داخل في الدليل دون الميّت.

بل لو اعتبر مجرّد احتمال تجدّد الرأي مانعا ، لم يكد يتحقّق قول معتبر للمجتهد ، إلّا ما شذّ ، وحمل الأدلّة والألفاظ على الفروض النادرة كما ترى.

__________________

(١) الحقّ المبين ـ المطبوع ضمن الأصول الأصلية ـ : ١٣٨ ذيل الخاتمة.

(٢) لاحظ! منية المريد : ١٦٧ ، معالم الأصول : ٢٤٨ ، مفاتيح الشرائع : ٢ / ٥٢.

(٣) رسائل المحقق الكركي : ٣ / ١٧٦ ، ٢ / ٢٥٣ ، ولمزيد الاطلاع راجع مطارح الأنظار : ٢٥٢ و ٢٥٣ و ٢٨٠.

(٤) لاحظ! منية المريد : ١٦٧ ، معالم الأصول : ٢٤٧.

١٤

وثانيا : إنّ القياس ـ مع كونه حراما عندنا ـ قياس مع الفارق ، لما عرفت ، ولأنّ الغائب مظنون البقاء على حاله ، ومستصحب ظنّه حتّى يثبت خلافه ، وهذا استصحاب في موضع الحكم الشرعي ، مسلّم عند الأخباريّين أيضا (١) ، بخلاف الميّت ، فإنّ موضوع الاستصحاب انعدم.

مضافا ، إلى أنّه لا شكّ في زوال الظنّ ، وانحصر الاحتمال في عدم حصول اعتقاد ، أو حصول اليقين بالصواب أو اليقين بالخطإ ، والاستصحاب هو الحكم باستمرار ما علم ثبوته ، حتّى تيقّن الانقطاع ، وقد حصل الانقطاع ، لأنّ ما علم وجوده ليس إلّا الظنّ ، وهو ليس إلّا صورة حاصلة في الذهن بالوجدان والبداهة ، ومسلّم عند الكلّ ، وبعد الموت تغيّر الذهن جمادا لا حسّ له ، فكيف إذا صار ترابا؟!

وأمّا أنّه حصل للروح هذه الصورة ، فباطل بالأدلّة العقليّة ، ومسلّم عند العارف.

نعم ، يحتمل عنده أن يكون بعد الموت تنكشف له الأمور ، كما هي ، وهو مخالف للأخبار ولا ينكشف له إلّا ما كشف الله له ، وهو الموافق لها ، وهو الحقّ عند من قال بأنّ الروح ليس من المجرّدات ، وهذا هو المنسوب إلى الشيعة.

ومع أنّ الانكشاف ليس إلّا العلم جزما ، والعلم مغاير للظنّ بالبديهة ، فما علم وجوده ـ وهو الظنّ ـ حصل اليقين بزواله ، وما حدث بعده لا شبهة بأنّ الأصل عدمه حتّى يثبت ، وقد عرفت أنّه إن كان يثبت فلا شكّ في أنّه غير ما علم وجوده.

والاستصحاب ليس إلّا استمرار ما علم وجوده لا غير ، بالبديهة ، والغير

__________________

(١) لاحظ! الفوائد المدنيّة : ١٤٣.

١٥

ـ على فرض الثبوت ـ يحتمل الموافقة لما ظنّه والمخالفة له.

والاحتمالان على حدّ سواء بلا شبهة ، وعدم ضرر الاحتمال إنّما هو من جهة الاستصحاب ، وقد عرفت عدمه قطعا.

وأمّا بعد الانقطاع ، فهل حدث أمر ، أو ما حدث؟ وعلى تقدير الحدوث ، يكون الحادث ما ذا ، هو أمر آخر لا دخل له في الاستصحاب.

وأيضا ، المجتهد بالموت يخرج عن قابليّة التكليف ، والمجتهد الخارج عنها ليس قوله حجّة أصلا ، فلا يمكن القياس من هذه الجهة أيضا.

وأيضا : ظنّ المجتهد ما لم يكن حجّة على نفسه لم يكن حجّة على غيره ، لأنّ كبرى قياسه : أنّ ما حصل به ظنّي فهو حجّة الله في حقّي وحقّ مقلّدي ، ولم يثبت حجيّة ظنّ منه سواه ، وبالموت لا يكون حجّة على نفسه ، فكيف على غيره؟!

فلا يمكن القياس من هذه الجهة أيضا ، بل المتبادر من الأخبار ليس إلّا أنّ الفقيه هو الأصل والمقلّد فرعه ، فكيف يزيد الفرع على الأصل؟! فتأمّل الأخبار والآية!

فإن قلت : من جملة الأدلّة الّتي استدلّوا بها على حجّية قول المجتهد ، هو قضاء الضرورة (١) ، فلعلّه يشمل ما نحن فيه.

قلت : كيف يمكن دعوى قضاء الضرورة بعد الإحاطة بما ذكرنا بالنسبة إلى قول الميّت؟!

فإن قلت : لعلّ مراده ، أنّ قول المجتهد إذا كان موافقا لدليل شرعيّ ـ بأن أخذه منه ـ يكون حجّة ، لكونه حقّا وصوابا ، ولا فرق في ذلك بين حيّه وميّته ،

__________________

(١) انظر : معالم الأصول : ٢٣٩.

١٦

كما أنّه إذا لم يكن مأخوذا من دليل شرعيّ ومطابقا له لا يكون حجّة مطلقا ـ حيّا كان أم ميّتا ـ لكونه خطأ.

قلت :

أوّلا : إنّه خلاف مقتضى عبارته ، حيث أنكر المخالفة بين الحيّ والميّت مطلقا ، لا أنّه جعل المعيار الإصابة وعدمها على حسب ما قلت.

وثانيا : إنّه لا شكّ في أنّ المجتهد إذا حكم بشي‌ء يكون في اعتقاده أنّ حكمه ذلك مطابق للدليل الشرعي ، ومأخوذ منه ، وإلّا لا يحكم به قطعا ، إلّا أنّه ـ من حيث عدم كونه معصوما ـ يجوز خطأ ما اعتقده ، وكذا الأدلّة لمّا كانت غالبها ظنّيا لا يؤمن فيها الخطأ.

فإن أردت من الحقّية والصوابيّة بالنظر إلى الحكم الظاهري ، فحكم المجتهد دائما حقّ وصواب ، لأنّه بعد استفراغ الوسع وبذل الجهد حصل له العلم الّذي فهمه ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (١) ، فإنّه استحصل جميع شرائط الاجتهاد ، الّتي هي شرائط أخذ الحكم الشرعي ، من حيث إنّ كلّ شرط من تلك الشرائط له مدخليّة في أخذ الحكم فهمه واستيثاقه ، وعدم الخطأ مهما أمكن ، مدخليّة واقعيّة أو احتماليّة ، فإنّه لو لم يستحصل شرطا من تلك الشرائط وتحقّق الخطأ في أخذه لعلّه يكون مقصّرا غير معذور ، وأمّا بعد استحصال الجميع لو تحقّق الخطأ لا شكّ في كونه معذورا ، إذا الخطأ ـ حينئذ ـ من أمر لا يكون تحت اختياره.

والقول بأنّه يترك حينئذ جميع الأحكام الفقهيّة من حيث إنّه يجوز أن يكون خطأ فاسد قطعا ، لأنّه مخالف لضروري الدين وما ثبت من الأخبار

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٨٦.

١٧

المتواترة من بقاء أحكام الشرع النبوي في أمّته إلى يوم القيامة (١) ، مع أنّه يجوز أن يكون تركه أيضا خطأ ، فكيف يترك؟ سيّما وأنّ الراجح أنّه خطأ ، بل القطعيّ.

والقول بأنّه يترك حينئذ ما ظهر لديه أنّه حكم الله ويعمل بغيره وهو الّذي ظهر عنده أنّه ليس حكم الله ، فساده أيضا واضح.

فتعيّن أن يكون حكم الله الظاهري في حقّه هو الّذي فهمه ، وظهر لديه أنّه هو ، فيكون صوابا دائما وإن احتمل الخطأ بالنسبة إلى الحكم الواقعي.

ومن أراد أوضح ممّا ذكرنا ، والشرح التام والبسط البالغ ، فعليه برسالتنا في الاجتهاد والأخبار (٢).

فإن قلت : إذا لم يمكن الاحتياط ، فالأمر على ما ذكرت ، وأمّا إذا أمكن ، فعليه الاحتياط ، لا الأخذ بما يترجّح لديه.

قلت : فيما يتأتّى فيه الاحتياط يحكمون فيه بالاحتياط ، إلّا أنّه ظهر لديهم أنّ الاحتياط ليس بواجب إلّا في مواضع خاصّة ، وأمّا في غيرها فمستحبّ.حكموا بما ظهر لديهم ، لما ظهر عندهم من تحريم الحكم بخلاف حكم الشرع ، وقد ظهر لهم أنّ حكم الشرع عدم الوجوب ، فكيف يمكنهم الحكم بالوجوب والإلزام بالالتزام في العمل؟!

ولذا اتّفق المجتهدون والأخباريّون على وجوب الاحتياط حينئذ ، والباقون على العدم.

وبالجملة ، هذا أيضا نوع اجتهاد ، والمسألة اجتهاديّة.

وإن أردت الحقيّة والصوابيّة بالنظر إلى الحكم الواقعي ، فهو عبارة أخرى

__________________

(١) لاحظ! المحاسن للبرقي : ١ / ٤٢٠ الحديث ٩٦٣ ، الكافي : ٢ / ١٧ الحديث ٢ ، بحار الأنوار : ٢ / ٢٦٠ الحديث ١٧ و ١١ / ٥٦ الحديث ٥٥ و ١٦ / ٣٥٣ الحديث ٣٨ و ٤٧ / ٣٥ الحديث ٣٣.

(٢) الرسائل الأصوليّة : ٥ ـ ٢٢٩.

١٨

عن اشتراط العصمة في المجتهد ، وعدم العمل بالأدلّة الظنّية ، وسدّ لباب الأحكام الفقهيّة ، ومع ذلك ترجع إلى أنّ المجتهد قوله ليس بحجّة أصلا ، لا أنّه حجّة مطلقا سواء كان حيّا أو ميّتا.

وثالثا : إنّ المعتبر على ما ذكرت هو الدليل الشرعي والمطابقة له ، فالعامّي أيضا لو وافق قوله الدليل يكون حجّة ، بل الفاسق ، بل الكافر ، بل الذاهل ، بل الهازل ، بل النائم ، بل السكران ، بل المجنون ، بل الّذي يقول بقول عنادا ، أو ردّ قول الله ورسوله فاتّفق الموافقة.

والحاصل ، أنّ الاعتبار لو كان بالدليل الشرعي والموافقة له (١) ، فالأمر على ما ذكره من عدم الفرق بين الحيّ والميّت ، لأنّ الدليل الشرعي لا يموت أبدا ، بل هو حجّة مطلقا ـ يموت القائل بالقول الموافق له أم لا يموت.

فإن جعلت حجّية قول المجتهد عبارة عن الموافقة للدليل ، فالأمر على ما ذكرنا من عدم الفرق بين المجتهد وغيره ممّن أشرنا.

وكذا لو جعلت علّة الحجّية هي نفس تلك الموافقة ، لعدم جواز تخلّف المعلول عن العلّة.

وإن جعلت علّة الحجّية كونه ظنّ المجتهد ، أو جعلته جزء العلّة ، فلا وجه للحكم ببقاء الحجّية بسبب بقاء الدليل الشرعي وحجّيته ، إذ لا كلام ولا تأمّل لأحد في بقاء الدليل وبقاء الحجّية ، وقد أشرنا إلى أنّ موت المجتهد ينفي ظنّه ، بل قد عرفت أنّ مع فرض بقاء ظنّه لا يكون حجّة.

ورابعا : قد عرفت أنّ المراد بحجّية قول المجتهد حجّيته على نفسه وعلى مقلّده خاصّة.

__________________

(١) في ألف ، ج ، د : ( بالدليل الشرعي في الموافقة ).

١٩

أمّا المجتهد الآخر والعاميّ الّذي لا يعتقده ، فلا ، لعدم ظهور اجتهاده عنده ، واعتقاده فسقه (١) ، أو غير ذلك ، ولم يقل أحد بكونه حجّة على المجتهد الآخر وعلى ذلك العامّي ، بل لم يجوّزه عاقل.

وما ذكرت لو تمَّ يقتضي حجّيته مطلقا ، إذ لا معنى لأن يكون القول حقّا وصوابا ولا يكون حجّة ، فكما أنّ الصوابيّة والحقّية تنافيان الخروج عن الحجّية في وقت من الأوقات ، فكذا تنافيان الخروج عن الحجيّة بالنسبة إلى شخص من الأشخاص ، إذ الحقّ حقّ والصواب صواب ، فتأمّل.

وخامسا : أنّ العامّي من أين يعرف أنّ قول المجتهد مأخوذ من الأدلّة الشرعيّة وقول مجتهد آخر غير مأخوذ من الأدلّة ، حتّى يأخذ بالأوّل دائما ولا يأخذ بالآخر دائما؟! وأمّا المجتهد ، فليس قول المجتهد حجّة عليه أصلا ، مع أنّه إذا عرف الموافقة للدليل عرف الدليل قطعا ، فلا وجه للاحتجاج بقول الفقيه حينئذ ، مع أنّك قد عرفت أنّ قول الفقيه في نفسه ليس بحجّة ، لأنّه غير معصوم ، ومجرّد الموافقة للدليل لا يجعله دليلا آخر ، بل هو غير حجّة ـ وافق الحجّة أو لا ـ فلو كان هذا سببا للحجّية يكون [ قول ] العامّي والفاسق والكافر وغيرهم ممّا أشرنا حجّة أيضا ، مع أنّه في الحقيقة اجتهاد منه لا تقليد منه للميّت.

فإن قلت : يجوز للعامّي أن يستفصل حال مجتهد من مجتهد آخر.

قلت : مع أنّه حينئذ يكون مقلّدا للمجتهد الآخر ـ لا الأوّل ـ من أين يعرف أنّ المجتهد الآخر ما أخطأ؟ سيّما وأن يكون الأوّل أشهر وأعرف منه ، وأمّا

__________________

(١) في ب العبارة هكذا : ( وعلى مقلّده خاصّة ، لا للمجتهد الآخر ولا العامّي الّذي لا يعتقده ، لعدم ظهور اجتهاده عنده ، إذ اعتقاده فسقه ).

٢٠