إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض - المقدمة

إيضاح الغوامض في تقسيم الفرائض - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : الفقه
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدّمة

الحمد لله الّذي خلق الإنسان ، وجعل منهم الاسوداد والأبائض ، وقرّر بينهم أحكام من المسائل الحلال والحرام والفرائض.

والصّلاة والسّلام على جدّنا محمّد المصطفى ، سيّد المرسلين ، وخاتم النّبيّين وصاحب اللّواء والشّفاعة في يوم العرض والعرائض.

وعلى أبينا ، ابن عمّه ، ووصيّه ، وصهره ، وخليفته من بعده ، علىّ الّذي صلّى بالقبلتين ، صاحب الجضائض (١).

وعلى امّنا ، أمّ الأئمّة ، فاطمة الزّهراء ، الّتي وقعت في الرّضائض (٢).

وعلى آله الّذينهم كانوا معدن الإحسان لكلّ إنسان وحيوان ذي ولد وبوائض.

سيّما على مولانا المهدىّ المنتظر الّذي يكون للنّاس كرائض (٣).

__________________

(١) بالسيف ، حمل عليه وبه.

(٢) التّعب.

(٣) الشّي‌ء جمع بعضه على بعض.

١

ولعنة الله على أعدائهم الّذينهم كانوا هوشا (١) وبوشا (٢) والرّبائز (٣) والعضائض (٤).

وبعد :

فيقول العبد المعترف بالأضائض (٥) ، الحاجّ السّيّد هداية الله المسترحمى عفى الله عزوجل عن كلّ آثامه وجرائمه قبل أن يورد في القبر والبرزخ والقبائض.

الكتاب

الّذي يتلألؤ بين يديك ، وظهر في عالم العلمى ، هو القائل : ما أنا ، فلهذا لا ينبغى لنا أن نقول ، أو نكتب في حقّه شي‌ء ، لأنّه :

فكم قد حوى من فضل قول محبّر

ومن نثر مصقاع ومن نظم ذي فهم

لله مجموع مضامينه

أبهى من الياقوت والعسجد

ما في مجاميع الورى مثله

ومثل ذا المجموع لم يوجد

وهو : كما ترى ليس بمجرّد نقل وتقليد ، بل مجموعة خيرة من الفحص والتّمحيص ، وبذل المؤلّف طاب ثراه الجهد في وجدان الحقيقة ، والوصول إلى غاية الّتي يمكن أن يصل إليها الفكر الثّاقب البشرى ، لأنّه طاب ثراه استطرف وسجّل بعد القرآن ما أثر عن الرّسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وآله

__________________

(١) الفتنة والفساد.

(٢) الأراذل.

(٣) منكر الحقّ.

(٤) السّيئ الخلق ـ الخبيث.

(٥) التّعب ، الملتجى.

٢

العترة الطّاهرة سلام الله عليهم ، أو حكى عن أقوال العلماء ، وصفوة من كبار الفقهاء.

رغم كثرة الأعمال ، وتشتّت البال ، وتراكم الهموم ، وتكالب المحن ، مع ما به من أنواع الأسقام ، من عوارض عديدة جسميّة ، وآلام كثيرة روحيّة ، بحيث قيل : بكى ليلا وقال كلاما بلغة أهالى محلّه ، ثمّ بالعربىّ.

يا ربّ بحقّ نبيّنا محمّد المصطفى ، وعلى المرتضى وأهل بيته الطّاهرة ، صلواتك عليهم أجمعين ، ألطف وأرحم على النّاس ، فإنّهم قد رغبوا عن العلم وأهله ، والكتاب ومؤلّفه.

نعم : الدّنيا إن أقبلت بلت ، وإن أدبرت برت ، أو أطنبت نبت ، أو أركبت كبت ، أو أبهجت هجت ، أو أسعفت عفت ، أو أينعت نعت ، أو أكرمت رمت ، أو عاونت ونت ، أو ماجنت جنت ، أو سامحت محت ، أو صالحت لحت ، أو واصلت صلت ، أو بالغت لغت ، أو وفرت فرت ، أو زوجت وجت ، أو نوهت وهت ، أو ولهت لهت ، أو بسطت سطت. (١)

وقال الشّيخ بهاء الدّين العاملى قدس‌سره :

وجهد المرء في الدّنيا شديد

وليس ينال منها ما يريد

المؤلّف

كما أشرنا في مقدّمة : منهاج الملّة في بيان الوقت والقبلة. (٢)

هو : العلّامة ، الفقيه ، جامع العلوم العقليّة والنّقليّة ، صاحب الآثار المنيفة القلميّة ، في الشّعوب العلميّة آية الله الحاجّ ملّا على بن عبد الله بن محمّد

__________________

(١) ٤٦١ حدائق الانس ، الجزء الأوّل.

(٢) المطبوع تحت إشرافنا في : فروردين سنة ١٣٧٩ الشّمسيّة بقم المقدّسة ، بنفقة بنياد فرهنگ اسلامى كوشانپور ـ طهران.

٣

بن محبّ الله بن محمّد جعفر القراجه‌داغي ، الدّزمارىّ ، العلى‌يارىّ الأصل ، والتّبريزىّ المسكن ، وأرّخه نفسه بقوله كما في : ريحانة الأدب ( ص : ١٩٢ ، ج : ٤ ) ، وبهجة الآمال ( ص : ٤٦٥ ، ج : ٥ ).

أنا عليّ بن عبد الله

في : ولرغ ، خامس شهر الله

كان بعون ربّي العزيز

في ستّ أميال من التّبريز

ميلادي في سعد السّعود

ومسقطي قرية سردرود

ولد (قدس‌سره) في صبيحة يوم الخميس ، خامس شهر الله رمضان المبارك ، سنة : ١٢٣٦ ، في قرية : سردرود ، الواقعة على رأس فرسخين من تبريز حين كان القمر في سعد السّعود من منازله ، ومحتداه قرية : على يار ، من قرى : الدّزمار.

وانتقل إلى جوار رحمة الله تعالى بعد مضىّ ستّ ساعات من يوم الخميس لأربع مضين من شهر رجب الأصبّ ، سنة : ١٣٢٧ هجريّة قمريّة ، ببلدة تبريز ، فصار تبريز كئيبا حزينا كئيدا ، وقامت المآتم والمجالس في تأبينه ، وإظهار الحزن بفقده ، بالضّجّة والعويل ، من الذّكور والإناث من وضيع وجليل ، ونقل جثمانه إلى الغرىّ الشّريف ، ودفن بوادى السّلام.

ورثاه وأرّخ وفاته عدّة من الأعاظم ، منها : نجله العلّامة آية الله الحاج الشّيخ محمّد حسن الغروىّ العلى يارى بقوله في قصيدة مختتمها :

أنشأ محقّقا واستعمل الفنونا

وفاق فضله كلّ العيونا

إلى أن بات في بيت السّرور

بما مضى العشر من الغفور

وكتب (قدس‌سره) في : بهجة الآمال :

ثمّ إنّي بعد ما قضيت من بعض العلوم وطري ، وأجّلت إلى اقتناء

٤

ذخائر البواقى نظرى ، فشدّدت الرّحال ، وأخذت بالحطّ والتّرحال ، إلى أن وصلت دار الجنان النّجف الأشرف على مشرّفه آلاف ثناء وتحف ، فأدركت خمسا من المشايخ العظام ، والأساتيد الفحام ، كلّهم حازوا قصب السّبق في مضامير السّعادات ، وفازوا بمكارم الأخلاق ، ومحاسن الصّفات.

فمنهم : عمدة الأفاضل الأعلام مجمع بحرى الفروع والاصول ، ومشرق شمسى المعقول والمنقول ... الشّيخ مرتضى الأنصاري التّسترىّ.

ومنهم : قمقام الفضلاء ، جحجاح النّبلاء ... السّيّد السّند الآقا ميرزا محمّد حسن الشّيرازىّ ... فاستجزت منه ، فأجازنى أبقاه الله.

ثمّ استجازنى ، فأجزت له أن يروى عنّى مقروءاتى ومسموعاتى من الأخبار المرويّة عن الرّسول المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله الأئمّة الأبرار سلام الله عليهم في الاصول والفروع.

ومنهم : إمام الأنام ، وأعلم الفضلاء الفخام ... الحاج السّيّد حسين الكوه‌كمريّ أعلى الله مقامه ، ورفع في الخلد أعلامه ، واستجزت في حياته رحمه‌الله ، فأجازنى.

ومنهم : ذو الطّبع النّقّاد ، والفكر الوقّاد ... الشّيخ راضى النّجفىّ قدس‌سره ، صاحب المسجد المعروف في تلك البلدة الشّريفة ، واستجزت منه ، فأجازنى.

ومنهم : الرّكن الأقوم ، والدّأماء الغطمطم ... الشّيخ مهدى آل كاشف الغطاء طاب الله ثراه ، واستجزت منه ، فأجازنى.

وبالجملة : كلّ من أجازنى منهم أوصانى بالوقوف عند الشّبهات ، وذلك بعد ما قرأت عليهم ، وسمعت منهم مدّة خمسة عشر سنة ، فرخّصونى ، فتوجّهت إلى تبريز ، واشتغلت بالتّأليف والتّصنيف قبل ذهابى إلى النّجف الأشرف على مشرّفه آلاف ثناء وتحف.

وسافرت إلى بيت الله الحرام في سنة : ١٣٠٨ ، ثمّ إلى زيارة علىّ بن

٥

موسى الرّضا سلام الله عليهما سنة ١٣١٠ ، وأنشأت قصيدة على سبيل الارتجال والاستعجال ، مطلعها :

لزور نحوت نحوك يا ابن مرتضى

ليعفو ربّي كلّ ذنبي ما مضى

تأليفاته

وألّف وصنّف : ٣٦ ، تأليفا وتصنيفا ، منها : ها هو بين يديك ، الّتي طبع مرّة بتبريز سنة ١٣٢٤ من الهجرة النّبويّة ، وبهجة الآمال طبع في سبعة أجزاء مرّتين ، ومنهاج الملّة في بيان الوقت والقبلة ، مرّة بطهران تحت إشرافنا.

وله ( طاب ثراه ) في جل العلوم تأليف وتصنيف ، حتّى في علوم الغريبة والجفر ، واستاذه فيها : العالم العارف الشّيخ كاظم الهروى (قدس‌سره) كما تلمّذ عنده برهة من الزّمان لتعليم اللّغة الفرانسيّة ، وتركها لرؤية رآها في المنام ، أنّه كان في بستان كرم وبيده عنبة.

فرأى مولى الموحّدين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال السّلام عليه له : لم لا تستأذن بالدّخول والأكل من العنب؟!

فانتبه من النّوم ، وعبّر بأنّ مولى المتّقين عليه‌السلام لا يرضى بتعليم اللّغة الفرانسيّة ، لأنّها لا تفيد ، بل تضييع عمر ، فتشرّف عند ضريح مولانا علىّ عليه‌السلام وقال بعد الزّيارة والدّعاء : يا أبا الحسن أعتذر وأعهد أن لا أضيع عمرى ، وأوقاتى ، بالبطالة ، وأستدعى منك الهداية إلى الرّشاد بإذن الله تبارك وتعالى.

وللمؤلّف (قدس‌سره) : قضايا العجيبة ، وأيّاما أنيفة عنيفة من الأسف! بل ألف أسف! بل آلاف أسف! بل آلاف آلاف أسف!

منها : إحراق مكتبته النّفيسة الّتي كانت فيها كتب نفيسة ، قيّمة ، بحيث تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت ، وتضع كلّ ذات حمل حملها ، ويجعل

٦

الولدان شيبا والتفّت السّاق بالسّاق.

ومنها : تعدّى الأيادى الفسقة الفجرة لإخراج بعض كتبه من مكتبته ، والشّراء بثمن بخس بيد عميل الأجانب الخونة ، لاستخراجها من مملكة إيران الإسلاميّة. والآن توجد بعضها في مكتبة العامّة في الإنجليز وآلمانيا والفرانسة.

ومن عناية مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام به طاب ثراه ، أنّ بيته بيت العلم والتّحقيق والتّدقيق والزّهد والتّقوى من قبل مأتين وخمسين سنة إلى يومنا هذا ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

منهم : حفيده الفقيه ، المرجع الأعلى الدّينى ، آية الله العظمى ، الحاج الشّيخ محمّد جواد الغروى مدّ ظلّه العالى المقيم في طهران ، عاصمة جمهوريّة الإسلاميّة إيران.

يقولون ذكر المرء يحيى بنسله

وليس له ذكر إذا لم يكن نسل

والرّجاء من الله تعالى أن يوفق بكلّ خير ولدى العزيز السّيد عبد المغيث المسترحمى لمساعدته في تنظيم صفحات الكتاب ، برغم اشتغاله بتحصيل علوم الدّينيّة.

والمرجوّ من كرم المطالع الكريم ؛ أن لا ينسانى من صالح دعواته ، وطلب الرّحمة في الحياة وبعد الممات ، في خلواته وجلواته ، عند توجّهاته ، سيّما عقيب صلواته ليلا ونهارا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

ذو القعدة سنة ١٤٢٠ من الهجرة النّبويّة

طهران عاصمة الجمهوريّة الإسلاميّة ـ إيران

الحاجّ السّيّد هداية الله المسترحمى

الجرقوئىّ الأصفهانيّ

٧