بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مقدّمة
الحمد لله الّذي خلق الإنسان ، وجعل منهم الاسوداد والأبائض ، وقرّر بينهم أحكام من المسائل الحلال والحرام والفرائض.
والصّلاة والسّلام على جدّنا محمّد المصطفى ، سيّد المرسلين ، وخاتم النّبيّين وصاحب اللّواء والشّفاعة في يوم العرض والعرائض.
وعلى أبينا ، ابن عمّه ، ووصيّه ، وصهره ، وخليفته من بعده ، علىّ الّذي صلّى بالقبلتين ، صاحب الجضائض (١).
وعلى امّنا ، أمّ الأئمّة ، فاطمة الزّهراء ، الّتي وقعت في الرّضائض (٢).
وعلى آله الّذينهم كانوا معدن الإحسان لكلّ إنسان وحيوان ذي ولد وبوائض.
سيّما على مولانا المهدىّ المنتظر الّذي يكون للنّاس كرائض (٣).
__________________
(١) بالسيف ، حمل عليه وبه.
(٢) التّعب.
(٣) الشّيء جمع بعضه على بعض.
ولعنة الله على أعدائهم الّذينهم كانوا هوشا (١) وبوشا (٢) والرّبائز (٣) والعضائض (٤).
وبعد :
فيقول العبد المعترف بالأضائض (٥) ، الحاجّ السّيّد هداية الله المسترحمى عفى الله عزوجل عن كلّ آثامه وجرائمه قبل أن يورد في القبر والبرزخ والقبائض.
الكتاب
الّذي يتلألؤ بين يديك ، وظهر في عالم العلمى ، هو القائل : ما أنا ، فلهذا لا ينبغى لنا أن نقول ، أو نكتب في حقّه شيء ، لأنّه :
فكم قد حوى من فضل قول محبّر |
|
ومن نثر مصقاع ومن نظم ذي فهم |
لله مجموع مضامينه |
|
أبهى من الياقوت والعسجد |
ما في مجاميع الورى مثله |
|
ومثل ذا المجموع لم يوجد |
وهو : كما ترى ليس بمجرّد نقل وتقليد ، بل مجموعة خيرة من الفحص والتّمحيص ، وبذل المؤلّف طاب ثراه الجهد في وجدان الحقيقة ، والوصول إلى غاية الّتي يمكن أن يصل إليها الفكر الثّاقب البشرى ، لأنّه طاب ثراه استطرف وسجّل بعد القرآن ما أثر عن الرّسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وآله
__________________
(١) الفتنة والفساد.
(٢) الأراذل.
(٣) منكر الحقّ.
(٤) السّيئ الخلق ـ الخبيث.
(٥) التّعب ، الملتجى.
العترة الطّاهرة سلام الله عليهم ، أو حكى عن أقوال العلماء ، وصفوة من كبار الفقهاء.
رغم كثرة الأعمال ، وتشتّت البال ، وتراكم الهموم ، وتكالب المحن ، مع ما به من أنواع الأسقام ، من عوارض عديدة جسميّة ، وآلام كثيرة روحيّة ، بحيث قيل : بكى ليلا وقال كلاما بلغة أهالى محلّه ، ثمّ بالعربىّ.
يا ربّ بحقّ نبيّنا محمّد المصطفى ، وعلى المرتضى وأهل بيته الطّاهرة ، صلواتك عليهم أجمعين ، ألطف وأرحم على النّاس ، فإنّهم قد رغبوا عن العلم وأهله ، والكتاب ومؤلّفه.
نعم : الدّنيا إن أقبلت بلت ، وإن أدبرت برت ، أو أطنبت نبت ، أو أركبت كبت ، أو أبهجت هجت ، أو أسعفت عفت ، أو أينعت نعت ، أو أكرمت رمت ، أو عاونت ونت ، أو ماجنت جنت ، أو سامحت محت ، أو صالحت لحت ، أو واصلت صلت ، أو بالغت لغت ، أو وفرت فرت ، أو زوجت وجت ، أو نوهت وهت ، أو ولهت لهت ، أو بسطت سطت. (١)
وقال الشّيخ بهاء الدّين العاملى قدسسره :
وجهد المرء في الدّنيا شديد |
|
وليس ينال منها ما يريد |
المؤلّف
كما أشرنا في مقدّمة : منهاج الملّة في بيان الوقت والقبلة. (٢)
هو : العلّامة ، الفقيه ، جامع العلوم العقليّة والنّقليّة ، صاحب الآثار المنيفة القلميّة ، في الشّعوب العلميّة آية الله الحاجّ ملّا على بن عبد الله بن محمّد
__________________
(١) ٤٦١ حدائق الانس ، الجزء الأوّل.
(٢) المطبوع تحت إشرافنا في : فروردين سنة ١٣٧٩ الشّمسيّة بقم المقدّسة ، بنفقة بنياد فرهنگ اسلامى كوشانپور ـ طهران.
بن محبّ الله بن محمّد جعفر القراجهداغي ، الدّزمارىّ ، العلىيارىّ الأصل ، والتّبريزىّ المسكن ، وأرّخه نفسه بقوله كما في : ريحانة الأدب ( ص : ١٩٢ ، ج : ٤ ) ، وبهجة الآمال ( ص : ٤٦٥ ، ج : ٥ ).
أنا عليّ بن عبد الله |
|
في : ولرغ ، خامس شهر الله |
كان بعون ربّي العزيز |
|
في ستّ أميال من التّبريز |
ميلادي في سعد السّعود |
|
ومسقطي قرية سردرود |
ولد (قدسسره) في صبيحة يوم الخميس ، خامس شهر الله رمضان المبارك ، سنة : ١٢٣٦ ، في قرية : سردرود ، الواقعة على رأس فرسخين من تبريز حين كان القمر في سعد السّعود من منازله ، ومحتداه قرية : على يار ، من قرى : الدّزمار.
وانتقل إلى جوار رحمة الله تعالى بعد مضىّ ستّ ساعات من يوم الخميس لأربع مضين من شهر رجب الأصبّ ، سنة : ١٣٢٧ هجريّة قمريّة ، ببلدة تبريز ، فصار تبريز كئيبا حزينا كئيدا ، وقامت المآتم والمجالس في تأبينه ، وإظهار الحزن بفقده ، بالضّجّة والعويل ، من الذّكور والإناث من وضيع وجليل ، ونقل جثمانه إلى الغرىّ الشّريف ، ودفن بوادى السّلام.
ورثاه وأرّخ وفاته عدّة من الأعاظم ، منها : نجله العلّامة آية الله الحاج الشّيخ محمّد حسن الغروىّ العلى يارى بقوله في قصيدة مختتمها :
أنشأ محقّقا واستعمل الفنونا |
|
وفاق فضله كلّ العيونا |
إلى أن بات في بيت السّرور |
|
بما مضى العشر من الغفور |
وكتب (قدسسره) في : بهجة الآمال :
ثمّ إنّي بعد ما قضيت من بعض العلوم وطري ، وأجّلت إلى اقتناء
ذخائر البواقى نظرى ، فشدّدت الرّحال ، وأخذت بالحطّ والتّرحال ، إلى أن وصلت دار الجنان النّجف الأشرف على مشرّفه آلاف ثناء وتحف ، فأدركت خمسا من المشايخ العظام ، والأساتيد الفحام ، كلّهم حازوا قصب السّبق في مضامير السّعادات ، وفازوا بمكارم الأخلاق ، ومحاسن الصّفات.
فمنهم : عمدة الأفاضل الأعلام مجمع بحرى الفروع والاصول ، ومشرق شمسى المعقول والمنقول ... الشّيخ مرتضى الأنصاري التّسترىّ.
ومنهم : قمقام الفضلاء ، جحجاح النّبلاء ... السّيّد السّند الآقا ميرزا محمّد حسن الشّيرازىّ ... فاستجزت منه ، فأجازنى أبقاه الله.
ثمّ استجازنى ، فأجزت له أن يروى عنّى مقروءاتى ومسموعاتى من الأخبار المرويّة عن الرّسول المختار صلىاللهعليهوآلهوسلم وآله الأئمّة الأبرار سلام الله عليهم في الاصول والفروع.
ومنهم : إمام الأنام ، وأعلم الفضلاء الفخام ... الحاج السّيّد حسين الكوهكمريّ أعلى الله مقامه ، ورفع في الخلد أعلامه ، واستجزت في حياته رحمهالله ، فأجازنى.
ومنهم : ذو الطّبع النّقّاد ، والفكر الوقّاد ... الشّيخ راضى النّجفىّ قدسسره ، صاحب المسجد المعروف في تلك البلدة الشّريفة ، واستجزت منه ، فأجازنى.
ومنهم : الرّكن الأقوم ، والدّأماء الغطمطم ... الشّيخ مهدى آل كاشف الغطاء طاب الله ثراه ، واستجزت منه ، فأجازنى.
وبالجملة : كلّ من أجازنى منهم أوصانى بالوقوف عند الشّبهات ، وذلك بعد ما قرأت عليهم ، وسمعت منهم مدّة خمسة عشر سنة ، فرخّصونى ، فتوجّهت إلى تبريز ، واشتغلت بالتّأليف والتّصنيف قبل ذهابى إلى النّجف الأشرف على مشرّفه آلاف ثناء وتحف.
وسافرت إلى بيت الله الحرام في سنة : ١٣٠٨ ، ثمّ إلى زيارة علىّ بن
موسى الرّضا سلام الله عليهما سنة ١٣١٠ ، وأنشأت قصيدة على سبيل الارتجال والاستعجال ، مطلعها :
لزور نحوت نحوك يا ابن مرتضى |
|
ليعفو ربّي كلّ ذنبي ما مضى |
تأليفاته
وألّف وصنّف : ٣٦ ، تأليفا وتصنيفا ، منها : ها هو بين يديك ، الّتي طبع مرّة بتبريز سنة ١٣٢٤ من الهجرة النّبويّة ، وبهجة الآمال طبع في سبعة أجزاء مرّتين ، ومنهاج الملّة في بيان الوقت والقبلة ، مرّة بطهران تحت إشرافنا.
وله ( طاب ثراه ) في جل العلوم تأليف وتصنيف ، حتّى في علوم الغريبة والجفر ، واستاذه فيها : العالم العارف الشّيخ كاظم الهروى (قدسسره) كما تلمّذ عنده برهة من الزّمان لتعليم اللّغة الفرانسيّة ، وتركها لرؤية رآها في المنام ، أنّه كان في بستان كرم وبيده عنبة.
فرأى مولى الموحّدين أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال السّلام عليه له : لم لا تستأذن بالدّخول والأكل من العنب؟!
فانتبه من النّوم ، وعبّر بأنّ مولى المتّقين عليهالسلام لا يرضى بتعليم اللّغة الفرانسيّة ، لأنّها لا تفيد ، بل تضييع عمر ، فتشرّف عند ضريح مولانا علىّ عليهالسلام وقال بعد الزّيارة والدّعاء : يا أبا الحسن أعتذر وأعهد أن لا أضيع عمرى ، وأوقاتى ، بالبطالة ، وأستدعى منك الهداية إلى الرّشاد بإذن الله تبارك وتعالى.
وللمؤلّف (قدسسره) : قضايا العجيبة ، وأيّاما أنيفة عنيفة من الأسف! بل ألف أسف! بل آلاف أسف! بل آلاف آلاف أسف!
منها : إحراق مكتبته النّفيسة الّتي كانت فيها كتب نفيسة ، قيّمة ، بحيث تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت ، وتضع كلّ ذات حمل حملها ، ويجعل
الولدان شيبا والتفّت السّاق بالسّاق.
ومنها : تعدّى الأيادى الفسقة الفجرة لإخراج بعض كتبه من مكتبته ، والشّراء بثمن بخس بيد عميل الأجانب الخونة ، لاستخراجها من مملكة إيران الإسلاميّة. والآن توجد بعضها في مكتبة العامّة في الإنجليز وآلمانيا والفرانسة.
ومن عناية مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام به طاب ثراه ، أنّ بيته بيت العلم والتّحقيق والتّدقيق والزّهد والتّقوى من قبل مأتين وخمسين سنة إلى يومنا هذا ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
منهم : حفيده الفقيه ، المرجع الأعلى الدّينى ، آية الله العظمى ، الحاج الشّيخ محمّد جواد الغروى مدّ ظلّه العالى المقيم في طهران ، عاصمة جمهوريّة الإسلاميّة إيران.
يقولون ذكر المرء يحيى بنسله |
|
وليس له ذكر إذا لم يكن نسل |
والرّجاء من الله تعالى أن يوفق بكلّ خير ولدى العزيز السّيد عبد المغيث المسترحمى لمساعدته في تنظيم صفحات الكتاب ، برغم اشتغاله بتحصيل علوم الدّينيّة.
والمرجوّ من كرم المطالع الكريم ؛ أن لا ينسانى من صالح دعواته ، وطلب الرّحمة في الحياة وبعد الممات ، في خلواته وجلواته ، عند توجّهاته ، سيّما عقيب صلواته ليلا ونهارا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
ذو القعدة سنة ١٤٢٠ من الهجرة النّبويّة
طهران عاصمة الجمهوريّة الإسلاميّة ـ إيران
الحاجّ السّيّد هداية الله المسترحمى
الجرقوئىّ الأصفهانيّ