الرسائل التسع

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

الرسائل التسع

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٩

٤١

٤٢

٤٣

٤٤

٤٥

٤٦

٤٧

٤٨

١

المسائل العزّيّة

وهي تشتمل على تسع مسائل

تأليف المحقق الحلّي ره

٤٩
٥٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رافع الدين ومظهره ، وقامع الشرك ومدمّره ، وناصر الحقّ وجابرة ، وقاهر الباطل وكاسره ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد المخترع من أطيب نسب وأطهره ، المنتزع من أعجب حسب وأفخره ، وعلى آله المستخرجين من عنصره ، النامين إلى شرف جوهره.

أمّا بعد فإن الأمير الكبير عزّ الدين عبد العزيز (١) أعزّ الله أولياءه بدوام بقائه وامتداد عمره ، وأمدّه برعايته وحسن نظهره ، رسم (٢) الاستدلال على مسائل دلّ اختيارها على تحقيقه وجودة تخيّره ، ونبّه اهتمامه باعتبارها على تدقيقه وشدّة تبحّره ، فأحببت إجابته لاشتهار فواضله وانتشار مآثره ، وتمسّكه من الدين بأمتن مرائره (٣) وأحسن أواصره (٤) ، وها أنا شارع في امتثال أوامره ، طامع أن يقع ذلك موافقا لإربه ، مطابقا لوطره ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) راجع رسالتنا حول حياة المحقق ره.

(٢) رسم رسما له كذا : أمره به.

(٣) المرير والمريرة ( جمعهما المرائر ) من الحبال ما اشتدّ فتله.

(٤) كذا في بعض النسخ ، والوصر جمعه الأواصر : العهد ، وفي بعض النسخ : أواجره.

٥١

المسألة الأولى :

الماءآن النجسان إذا لم يتغيّرا بالنجاسة وجمعا فبلغا كرّا فصاعدا ، لم يزل عنهما حكم التنجيس ، وتحقيق موضع النزاع ، أنّ بلوغ الماء الطاهر كرّا مشتمل على قوّة دافعة لتأثير النجاسة الواردة ، فإذا كان مفرّقا منفعلا بالنجاسة ، ثمّ اجتمع كرّا ، هل يكون بلوغه رافعا للانفعال؟ قال بعض الأصحاب : نعم (١) والمعتمد بقاؤه على النجاسة ، ولنا في الاستدلال على ذلك مسالك :

الأول :

أن نقول : ما محكوم بنجاسته منفردا ، فيجب أن يستدام ذلك الحكم مجتمعا.

أمّا الأولى ، فلانّا نتكلّم على هذا التقدير ، وأمّا الثانية فلوجوه : الأول : أنّ الثابت

__________________

(١) قال العلّامة الحلّي ( ره ) في القواعد : اما القليل فإنّما يطهر بإلقاء كرّ دفعة عليه لا بإتمامه كرّا على الأصحّ.

قال السيّد الجواد في مفتاح الكرامة في شرح الجملة الأخيرة : الأصحاب في المسألة على أقوال ثلاثة : الأول عدم التطهير وهو خيرة الخلاف والشرائع والمعتبر والمنتهى والنهاية والتذكرة والذكرى والدروس والبيان والمدارك وغيرها .. الثاني التطهير إن تمّ بطاهر كما في الوسيلة .. الثالث أنّه يطهر بإتمامه بطاهر أو نجس كرّا كما في رسيات السيّد والمراسم والسرائر والمهذّب والجواهر والإصباح والجامع والمبسوط في وجه .. مفتاح الكرامة ١ ـ ٩٩.

أقول : راجع رسائل الشريف المرتضى ٢ ـ ٣٤١ المسألة السابعة عشرة من جواب المسائل الرسية الأولى ، والمراسم لسلّار ص ٣٦ ـ لكن في دلالة عبارته على القول الثالث تأمل ـ والمهذّب لابن البرّاج ١ ـ ٢٣ ، وجواهر الفقه في الجوامع الفقهية ص ٤٠٩ ، وجامع الشرائع لابن سعيد ص ١٨ ، والمبسوط للشيخ الطوسي ١ ـ ٧ ، والسرائر لابن إدريس ص ٩ قال فيه بعد البحث حول هذه المسألة : ولنا في هذا مسألة منفردة نحو من عشر ورقات قد بلغنا فيها أقصى الغايات وحججنا القول فيها والأسئلة والأدلّة والشواهد من الآيات والاخبار ، فمن أرادها وقف عليها من هناك.

أظن ـ والظنّ لا يغني ـ أن هذه الرسالة كانت عند المحقّق رحمه‌الله وبحثه هذا ردّ عليها والله العالم.

٥٢

غنيّ في وجوده عن المؤثّر ، ومفتقر في زواله إلى المؤثّر ، فمع الفحص وعدم الوقوف على الدليل الرافع يجب الحكم ببقاء الثابت ، وإلّا لزم الحكم بانتفاء الثابت لا لمؤثّر. الثاني : أنّ المقتضي للتنجيس موجود فيجب الحكم ببقائه عملا بالمقتضي السالم عن المصادم. الثالث : الألفاظ الدالّة على ثبوت التنجيس عند ملاقاة النجاسة مطلقة ، فيجب الحكم بالنجاسة عملا بالإطلاق.

ويؤيّد الحكم ببقاء الثابت الحكم ببقاء الطهارة ما لم يعلم الحدث ، وببقاء الديون ما لم يعلم السقوط ، وببقاء نجاسة الأواني والثياب ما لم تعلم الطهارة ، وليس الحكم بذلك مستندا إلى مورد الشرع ، بل تعليلا بتيقّن الواقع وعدم العلم بالرافع.

فإن قيل : متى يكون الثابت غنيّا عن المؤثّر إذا كانت ذاته قابلة للبقاء ، أم إذا لم يكن؟ الأوّل مسلّم ، والثاني ممنوع ، ونحن لا نسلّم أنّ نجاسة الماء باقية ، فما المانع أن يكون كالصوت الذي لا يبقى ، فلا يفتقر زوالها إلى المؤثّر ، ويفتقر تجدّدها. سلّمنا أنّ النجاسة قابلة للبقاء ، لكن مع قبولها لا تخرج عن كونها ممكنة ، والممكن الخاصّ في قبوله للوجود والعدم على السواء ، فلو افتقر في عدمه إلى المؤثّر لافتقر في بقائه. سلّمنا أنّ الثابت غنيّ في وجوده عن المؤثّر ، لكن لا نسلّم أنّ حصوله في الزمان الثاني غنيّ عن المؤثّر ، فإنّ هذا الحكم زائد على المعقول من ذاته ، وهو أمر متجدّد ، فيفتقر فيه إلى المؤثّر.

ثمّ نقول : حاصل ما ذكرته يرجع إلى التسوية بين موضع الخلاف وموضع الوفاق ، وهو خطأ من وجوه : أحدها : أنّ ذلك قياس ، وهو متروك عندنا. الثاني : لا بدّ من اشتمال محلّ الخلاف على وصف ليس بحاصل في محلّ الوفاق أو بالعكس ، والّا لما تحقّق الاختلاف ، ومع التفاوت لا تجب المساواة. أو نقول : إمّا أن يكون بين الصورتين تفاوت وإمّا أن لا يكون ، فان لم يكن فهو استدلال بالشي‌ء على نفسه ، وإن كان فهو قياس مع ثبوت الفارق. والثالث : الحكم

٥٣

بنجاسة القليل مستند إلى النصّ أو الوفاق ، فلا يجب إثبات الحكم في موضع الخلاف ، لتجرّده عن المستند.

قوله في الوجه الثاني : المقتضي للتنجيس موجود. قلنا : لا نسلّم ، فإن قال : ملاقاة النجاسة سبب في الحكم بتنجيس الماء القليل وهي موجودة ، قلنا : هي موجبة للتنجيس مع بقاء الماء على القلّة ، فلا يثبت الحكم مع بلوغه الكثرة.

قوله في الوجه الثالث : اللفظ قاض بالتنجيس مطلقا. قلنا : لا نسلّم ، فان قال : ذلك كثير كقول أبي عبد الله ( عليه‌السلام ) في سؤر الطير : وإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضّأ منه (٢). وقوله في الكلب : رجس نجس لا تتوضّأ بفضله (٣). وقوله في الجرّة يقع فيها أوقية من دم أشرب منه وأتوضأ؟ فقال : لا (٤). وغير ذلك

__________________

(٢) الكافي لثقة الإسلام الكليني ره ٣ ـ ٩ ووسائل الشيعة للشيخ الحرّ ١ ـ ١٦٦ وإليك تمام الحديث :

أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عمّا تشرب منه الحمامة ، فقال : كلّ ما أكل لحمه فتوضّأ من سؤره واشرب. وعمّا شرب منه باز أو صقر أو عقاب ، فقال : كلّ شي‌ء من الطير توضّأ ممّا يشرب منه إلّا أن ترى في منقاره دما ، فإن رأيت في منقاره دما فلا توضّأ منه ولا تشرب.

(٣) التهذيب للشيخ الطوسي ره ١ ـ ٢٢٥ والاستبصار له ١ ـ ١٩ والوسائل ١ ـ ١٦٣ وتمام الخبر هكذا : أخبرني الشيخ أيّده الله تعالى عن أحمد بن محمّد عن أبيه محمّد بن الحسن عن الحسين ابن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن حريز عن الفضل أبي العبّاس ( في الوسائل : « عن العباس » مكان « أبي العباس » ) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فضل الهرّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه ، فقال : لا بأس به حتّى انتهيت إلى الكلب فقال : رجس نجس لا تتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء.

(٤) التهذيب ١ ـ ٤١٨ والاستبصار ١ ـ ٢٣ والوسائل ١ ـ ١١٤ وهذا تمام الرواية : عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن سعيد الأعراج قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجرّة تسع مائة رطل من ماء يقع فيها أوقية من دم ، أشرب منه وأتوضّأ؟ قال : لا.

٥٤

من الأحاديث ، قلنا : المناهي الشرعية تشتمل على المطلق والمقيد ، فالمنع هنا كما يحتمل الإطلاق ، يحتمل التقييد بقيد القلّة ، فلا يثبت الحكم مع الكثرة.

والجواب :

قوله : متى يكون الثابت غنيّا عن المؤثّر إذا كانت ذاته باقية أو إذا لم تكن؟ قلنا : إذا كانت ذاته باقية ، قوله : لا نسلّم أنّ نجاسة الماء باقية ، قلنا : الدليل على ذلك وجهان : أحدهما أنّ ملاقاة النجاسة لو لم تكن سببا لاستقرار النجاسة ، لما حكم بالنجاسة إلّا حال الملاقاة ، ومعلوم أنّه ليس كذلك. الثاني أنّ الاتّفاق حاصل أنّه مهما بقي الماء على حاله كان التنجيس باقيا.

قوله : نجاسة الماء ممكنة فتفتقر إلى المؤثّر. قلنا : متى؟ عند حدوثها أو مع بقائها؟ الأوّل مسلّم ، والثاني ممنوع ، ولهذا لم يكن المعدوم الممكن مفتقرا في استمرار عدمه إلى المؤثّر وكذا البناء لا يفتقر بعد تقرّره إلى الباني.

قوله : حصوله في الثاني زائد على حقيقته ، وهو متجدّد فيفتقر إلى المؤثّر. قلنا : حصوله في الثاني هو المعني باستمرار وجوده ، واستمرار الوجود ليس زائدا على الوجود ، وإلّا لكان استمرار ذلك الاستمرار زائد ويتسلسل.

قوله : حاصل الكلام يرجع إلى تسوية موضع الخلاف بموضع الوفاق وهو قياس. قلنا : إذا ثبت أن الشرع لا ينقلنا من حكم إلى غيره إلا بدليل معلوم ، لا يكون ذلك قياسا تمثيليّا ، بل برهانا قطعيّا.

قوله : وقوع الخلاف بعد البلوغ يدلّ على مخالفته لموضع الوفاق ، وحينئذ يجوز الاستناد في المخالفة بين الصورتين إلى الفارق. قلنا : الجواز مسلّم ، لكن لا يجوز المصير إليه ما لم يحصل العلم بكون تلك المخالفة رافعة للحكم الثابت.

قوله : الحكم بنجاسة القليل مستند إلى النصّ ، أو الاتّفاق فلا يثبت في

٥٥

موضع الخلاف ، لتجرّده عن المستند. قلنا : واستناد الحكم بالتنجيس في موضع الخلاف ، للعلم بثبوت المقتضي وانتفاء العلم بالرافع ، فإنّ العقل يجزم (٥) ببقاء الثابت ما لم يحصل الرافع ، ويجزم بانتفاء الرافع مع استفراغ الوسع في تحصيله ، وتعذّر الاطّلاع عليه ، فيعلم أنّه لو كان واقعا لظفر به ، أو لسقط اعتباره بالنظر إلى الباحث ، إذ لو لا هذان لزم التكليف بما لا يطاق.

قوله في الوجه الثاني : لا نسلّم أنّ المقتضي للتنجيس موجود. قلنا : نحن نعني بالمقتضي ملاقاة النجاسة للماء القليل ، ونتكلّم على تقدير بقائها.

قوله : ذلك مشروط ببقائه على القلّة. قلنا : الاشتراط منفيّ بالأصل.

قوله : على الوجه الثالث : لا نسلّم أنّ هنا ألفاظا قاضية بالتنجيس مطلقا. قلنا : قد ذكرنا طرفا منها.

قوله : مناهي الشرع قد ترد مطلقة ومقيّدة. قلنا : الإطلاق هو الأصل فلا يصار إلى التقييد إلّا مع الدليل.

المسلك الثاني :

طهارة هذا الماء مع القول بنجاسة مستنقع الحمّام ممّا لا يجتمعان ، فتثبت النجاسة هنا. أمّا أنّهما لا يجتمعان ، فلانّ اجتماع الكرّ من النجاسات إمّا أن يكون رافعا للنجاسة وإمّا أن لا يكون ، فإن كان لزم في الموضعين ، وإن لم يكن لزم في الموضعين ، فيثبت أنّ طهارة أحدهما مع نجاسة الأخر ممّا لا يجتمعان. وأمّا أن الثابت نجاسة مستنقع الحمّام فلما روي عن أبي الحسن ( عليه‌السلام ) : ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام ، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب

__________________

(٥) يحكم. خ ل.

٥٦

وولد الزنا والناصب (٦).

فان قيل : لا نسلّم تساويهما قوله : بلوغ الماء النجس كرّا إمّا أن يكون مطهّرا وإمّا أن لا يكون. قلنا : يكون. قوله : يلزم طهارة مستنقع الحمّام. قلنا : متى إذا اختصّ الحمّام بمزيد استقذار ليس بموجود في غيره ، أم إذا لم يختصّ؟ أمّا على تقدير التساوي فمسلّم ، وأمّا على تقدير التفاوت في اجتماع الأقذار فممنوع. والحمّام مختصّ بهذه المزيّة. وبيانه تعليل المنع من مائه باجتماعه من غسالة الجنب وولد الزنا والناصب ، وحينئذ إمّا أن يكون التمسّك في نجاسته بالإجماع أو بالحديث ، فإن كان الأوّل فلا يلزم من الإجماع على نجاسة ماء الحمّام الإجماع على نجاسة غيره ، فإن كان الثاني فالرواية تتضمّن تعليل نجاسته باجتماع هذه الثلاث فلا تكون متعدّية إلى غيرها.

فإن قال : التعليل قاض بالتساوي. قلنا : مع التعليل لا يلزم تعديته عن محلّه ، لجواز اختصاص موضع التعليل بحكمة مقتضية للاختصاص. سلّمنا أنّه يجب تساويهما ، لكن لا نسلّم نجاسة مستنقع الحمّام. فان استدلّ بالرواية المذكورة ، كان الاعتراض من وجوه : أحدها : منع سندها ، فإنّ الراوي محمّد بن الحميد عن حمزة بن أحمد ولم يتحقّق حالهما (٧) فهي في قوّة المرسل. الثاني : مع تسليمها هي قليلة الورود ، فتكون في حيّز الشذوذ. الثالث : تعارضها بما روي عن أبي الحسن

__________________

(٦) التهذيب ١ ـ ٣٧٣ والوسائل ١ ـ ١٥٨ وإليك تمام الحديث : محمد على بن محبوب عن عدة من أصحابنا عن محمد بن عبد الحميد عن حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال :

سألته أو سأله غيري عن الحمام قال أدخله بمئزر وغضّ بصرك ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم.

(٧) محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار الكوفي البجلي كثير الرواية في الكتب الأربعة ، وقيل بوثاقته لوقوعه في أسناد كامل الزيارات ولغيره ، وحمزة بن أحمد من أصحاب الكاظم عليه‌السلام ولكنه مجهول وليس له في الكتب الأربعة إلّا هذا الحديث. راجع معجم رجال الحديث.

٥٧

( عليه‌السلام ) وقد سئل عن مجتمع الماء في الحمّام من غسالة الناس يصيب الثوب. فقال : لا بأس (٨). فإن قال : هذا مطلق وذاك مقيّد. قلنا : لفظة الناس تعمّ فهي تتناول كلّ مغتسل ، فتتحقّق المعارضة بطريق العموم.

قوله : ما المانع أن يختصّ الحمّام بما ليس موجودا في غيره. قلنا : البناء على الاحتمال فتح لأبواب الجهالات وتطريق إلى سدّ باب الاستدلال بالألفاظ. فإن قال : الفارق موجود ، وهو تعليل مستنقع الحمّام باجتماعه من الغسالات الثلاث. قلنا : فحوى اللفظ يدلّ على حكمه بالتنجيس لأجل اجتماعه من النجاسات لا نظرا إلى خصوصية النجاسات المذكورة ، فالتعدية حينئذ تفهم من فحوى اللفظ لا من منطوقه ، فانّ من نجس الماء لاجتماعه من غسالة الجنب والناصب أولى أن ينجسه من غسالة الحربيّ وممازجة البول والغائط.

قوله : لا نسلّم نجاسة مستنقع الحمّام قلنا : قد بينّا ذلك.

قوله : خبر واحد. قلنا : نكتفي به حيث متمسّك الخصم مثله.

قوله : إمّا أن يستند التنجيس إلى الرواية أو إلى الإجماع. قلنا : الإجماع مفقود في الطرفين عند المصنّف بل إلى الرواية.

قوله : نمنع سندها. قلنا : هي موجودة في كتب الأصحاب (٩) ، دائرة بينهم ، ولا نعلم لها رادّا ، ويكفي في التمسّك في مثل هذا المقام بمثلها.

قوله : هي معارضة بالرواية التي ذكرها. قلنا : عن ذلك أجوبة : أحدها

__________________

(٨) التهذيب ١ ـ ٣٧٩ وهذا سند الرواية : أحمد بن محمد عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام قال : سئل عن مجتمع .. ورواه الكليني في الكافي ٣ ـ ١٥ والصدوق في الفقيه ١ ـ ١٢ والشيخ الحرّ في الوسائل ١ ـ ١٥٤.

(٩) كالتهذيب للطوسي والكافي للكليني وبعض كتب الصدوق فانّ هذه الرواية بمضمونها قد رويت في هذه الكتب فراجع الوسائل ١ ـ ١٥٨ ويحتمل إرادته رحمه‌الله من كتب الأصحاب الكتب الفقهية.

٥٨

ترجيح هذا بطريق السند ، فانّ تلك مرسلة (١٠) والرجحان لجانب المسند. الثاني أنّها عامّة في الناس وهو يحتمل الطاهر والنجس فيكون الترجيح لروايتنا لما عرف من وجوب تقديم الخاصّ على العام. فإن قال : لو لا النجاسة لما كان للسؤال معنى. قلنا : قد يسأل عن الأوساخ هل تجتنب أم لا لمكان الجهالة بذلك ، فلعلّ السائل ممّن يشتبه عنده ذلك. الثالث أنها لا تنافي ما رويناه لأنها تتضمّن رفع اليأس عن إصابة الثوب ولا تتضمّن الاذن في الاغتسال به.

المسلك الثالث.

لو تحقّقت الطهارة في صورة النزاع لكانت إمّا مستندة إلى استهلاك الماءين للنجاسة ، وإمّا إلى بلوغهما كرّا ، والقسمان منتفيان. أمّا الحصر فلأنّه لو لا أحد القسمين كانت النجاسة باقية عملا بالمقتضي الصافي عن المصادم. وأمّا بطلان الاستهلاك ، فلأنّه هنا عبارة عن مكاثرته حتّى تذهب عين النجاسة أو حكمها ، وكلاهما منتف ، لأنّا نتكلّم على تقدير ثبوت الحكم والعين في الماءين قبل البلوغ وبعده ، فعند الاجتماع لم يزد قدر الماء عمّا كان عليه ، فلا يتحقّق الاستهلاك بالكثرة ، ولا بالخاصيّة القاهرة للنجاسة ، لأنّا نتكلّم على تقدير الانقهار السابق على البلوغ. وأمّا بطلان استناد الطهارة إلى بلوغ الكرّ فلأنّه عبارة عن اجتماع الماءين ، فلو حصلت الطهارة لكان إمّا لسبب ، أو لا لسبب ، والثاني باطل والّا لحصل الحادث لا عن مؤثّر وإمّا أن يحصل من كلّ واحد من الماءين للآخر ، ويلزم منه الدور ، أو تطهير النجس بالنجس ، أو من أحدهما ، وهو ترجيح من غير مرجّح ، وأمّا أن تحصل الطهارة من سبب غير الماء ، وهو باطل بقول الصادق ( عليه‌السلام ) الماء يطهّر ولا يطهّر (١١).

__________________

(١٠) لأنّ الراوي عن الامام عليه‌السلام لم يذكر اسمه ، بل ذكر بعنوان : بعض أصحابنا.

(١١) رواه الشيخ الصدوق في الفقيه ١ ـ ٥ مرسلا عن الصادق ورواه الكليني ره في الكافي عن

٥٩

فان قيل : لا نسلّم الحصر فما المانع أن تكون الطهارة مستندة إلى القسمين جميعا ، أو إلى الثالث أو إليهما مع ثالث ، أو إلى أحدهما مع ثالث. سلّمنا الحصر لكن لا نسلّم انتفاء الاستهلاك.

قوله : قبل الاجتماع كلّ واحد منهما نجس ، ومع الاجتماع لم يزد مقدارهما. قلنا : صحيح لكن لم لا يجوز أن تكون خاصية الماء في دفع الخبث مستكملة عند الاجتماع ، وقاصرة عند الانفراد ، فيتحقّق الاستهلاك وإن لم يزد المقدار ، بحصول الشرط الذي باعتباره يستهلك الخبث.

قوله : ولا يجوز استناد الطهارة إلى البلوغ. قلنا : ما المانع منه؟.

قوله : إمّا أن يكون حصولهما لسبب أو لا لسبب. قلنا : لسبب.

قوله : إمّا من كلّ واحد منهما لصاحبه وهو دور ، أو يطهر النجس بالنجس. قلنا : متى يكون دورا إذا وقفت طهارة كلّ منهما على الآخر. أم إذا حصلتا في الوقت الواحد؟ فما المانع أن تحصل طهارتهما بسبب البلوغ في وقت واحد فلا يلزم الدور.

قوله : في الوجه الأخر : يلزم تطهير النجس بالنجس. قلنا : متى يلزم ذلك إذا كان أحد الماءين مطهّرا للآخر أم إذا ارتفعت النجاسة بمضادّة البلوغ؟ ونحن نقول : إنّ البلوغ يرفع حكم التنجيس ، لا أنّ أحدهما يطهّر بالآخر (١٢) ولا يطهّر نفسه. سلّمنا ذلك ، لكن لم لا يجوز أن تكون الطهارة مستندة إلى غير البلوغ.

قوله : يلزم طهارة الماء بغير الماء ، وهو منفيّ بقوله ( عليه‌السلام ) : الماء

__________________

علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الماء يطهر ولا يطهر. ورواه أيضا الشيخ في التهذيب ١ ـ ٢١٥ والبرقي في المحاسن ص ٥٧٠ والوسائل ١ ـ ١٠٠.

(١٢) الآخر خ ل.

٦٠